1- ع، ]علل الشرائع[ دس معاوية إلى عمرو بن حريث و الأشعث بن قيس و إلى حجر بن الحارث و شبث بن ربعي دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه أنك إن قتلت الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم و جند من أجناد الشام و بنت من بناتي فبلغ الحسن ع فاستلأم و لبس درعا و كفرها و كان يحترز و لا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة فلما صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر فأمر ع أن يعدل به إلى بطن جريحي و عليها عم المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن قيلة فقال المختار لعمه تعال حتى نأخذ الحسن و نسلمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق فنذر بذلك الشيعة من قول المختار لعمه فهموا بقتل المختار فتلطف عمه لمسألة الشيعة بالعفو عن المختار ففعلوا فقال الحسن ع ويلكم و الله إن معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي و إني أظن أني إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدي ص و إني أقدر أن أعبد الله عز و جل وحدي و لكني كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم و يستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون و لا يطعمون فبعدا و سحقا لما كسبته أيديهم وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه فكتب الحسن من فوره ذلك إلى معاوية أما بعد فإن خطبي انتهى إلى اليأس من حق أحييه و باطل أميته و خطبك خطب من انتهى إلى مراده و إنني أعتزل هذا الأمر و أخليه لك و إن كان تخليتي إياه شرا لك في معادك و لي شروط أشترطها لا تبهظنك إن وفيت لي بها بعهد و لا تخف إن غدرت و كتب الشروط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء و ترك الغدر و ستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممن نهض في الباطل أو قعد عن الحق حين لم ينفع الندم و السلام فإن قال قائل من هو النادم الناهض و النادم القاعد قلنا هذا الزبير ذكره أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما أيقن بخطاء ما أتاه و باطل ما قضاه و بتأويل ما عزاه فرجع عنه القهقرى و لو وفى بما كان في بيعته لمحا نكثه و لكنه أبان ظاهرا الندم و السريرة إلى عالمها و هذا عبد الله بن عمر بن الخطاب روى أصحاب الأثر في فضائله أنه قال مهما آسى عليه من شيء فإني لا آسى على شيء أسفي على أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي فهذا ندم القاعد و هذه عائشة روى الرواة أنها لما أنبها مؤنب فيما أتته قالت قضي القضاء و جفت الأقلام و الله لو كان لي من رسول الله ص عشرون ذكرا كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت و قتل كان أيسر علي من خروجي على علي و مسعاي التي سعيت فإلى الله شكواي لا إلى غيره و هذا سعد بن أبي وقاص لما أنهي إليه أن عليا صلوات الله عليه قتل ذا الثدية أخذه ما قدم و ما أخر و قلق و نزق و قال و الله لو علمت أن ذلك كذلك
لمشيت إليه و لو حبوا و لما قدم معاوية دخل إليه سعد فقال له يا أبا إسحاق ما الذي منعك أن تعينني على الطلب بدم الإمام المظلوم فقال كنت أقاتل معك عليا و قد سمعت رسول الله ص يقول أنت مني بمنزلة هارون من موسى قال أنت سمعت هذا من رسول الله ص قال نعم و إلا صمتا قال أنت الآن أقل عذرا في القعود عن النصرة فو الله لو سمعت هذا من رسول الله ص ما قاتلته و قد أحال فقد سمع رسول الله ص يقول لعلي ع أكثر من ذلك فقاتله و هو بعد مفارقته للدنيا يلعنه و يشتمه و يرى أن ملكه و ثبات قدرته بذلك إلا أنه أراد أن يقطع عذر سعد في القعود عن نصره وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ فإن قال قائل لحمقه و خرقه فإن عليا ندم مما كان منه من النهوض في تلك الأمور و إراقة تلك الدماء كما ندموا هم في النهوض و القعود قيل كذبت و أحلت لأنه في غير مقام قال إني قلبت أمري و أمرهم ظهرا لبطن فما وجدت إلا قتالهم أو الكفر بما جاء محمد ص و قد روي عنه أمرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و روي هذا الحديث من ثمانية عشر وجها عن النبي ص أنك تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين و لو أظهر ندما بحضرة من سمعوا منه هذا و هو يرويه عن النبي ص لكان مكذبا فيه نفسه و كان فيهم المهاجرون كعمار و الأنصار كأبي الهيثم و أبي أيوب و دونهما فإن لم يتحرج و لم يتورع عن الكذب على من كذب عليه تبوأ مقعده من النار استحيا من هؤلاء الأعيان من المهاجرين و الأنصار و عمار الذي يقول فيه النبي ص عمار مع الحق و الحق مع عمار يدور معه حيث دار يحلف جهد أيمانه و الله لو بلغوا بنا قصبات هجر لعلمت أنا على الحق و أنهم على الباطل و يحلف أنه قاتل رايته التي أحضرها صفين و هي التي أحضرها يوم أحد و الأحزاب و الله لقد قاتلت هذه الراية آخر أربع مرات و الله ما هي عندي بأهدى من الأولى و كان يقول إنهم أظهروا الإسلام و أسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا و لو ندم علي ع عند قوله أمرت أن أقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين لكان من مع علي يقول له كذبت على رسول الله ص و إقراره بذلك على نفسه و كانت الأمة الزبير و عائشة و حزبهما و علي و أبو أيوب و خزيمة بن ثابت و عمار و أصحابه و سعد و ابن عمر و أصحابه فإذا اجتمعوا جميعا على الندم فلا بد من أن يكون اجتمعوا على ندم من شيء فعلوه ودوا أنهم لم يفعلوه و إن الفعل الذي فعلوه باطل فقد اجتمعوا على الباطل و هم الأمة التي لا تجتمع على الباطل أو اجتمعوا على الندم من ترك شيء لم يفعلوه ودوا أنهم فعلوه فقد اجتمعوا على الباطل بتركهم جميعا الحق و لا بد من أن يكون النبي ص حين قال لعلي ع إنك تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين كان ذلك من النبي ص خبرا و لا يجوز أن لا يكون ما أخبر إلا بأن يكذب المخبر أو يكون أمره بقتالهم و تركه
للايتمار بما أمر به عنده كما قال علي ع إنه كفر فإن قال قائل فإن الحسن أخبر بأنه حقن دماء أنت تدعي أن عليا ع كان مأمورا بإراقتها و الحقن لما أمر الله و رسوله بإراقته من الحاقن عصيان قلنا إن الأمة التي ذكر الحسن ع أمتان و فرقتان و طائفتان هالكة و ناجية و باغية و مبغي عليها فإذا لم يكن حقن دماء المبغي عليها إلا بحقن دماء الباغية لأنهما إذا اقتتلا و ليس للمبغي عليها قوام بإزالة الباغية حقن دم المبغي عليها و إراقة دم الباغية مع العجز عن ذلك إراقة لدم المبغي عليها لا غير فهذا هذا فإن قال فما الباغي عندك أ مؤمن أو كافر أو لا مؤمن و لا كافر قلنا إن الباغي هو الباغي بإجماع أهل الصلاة و سماهم أهل الإرجاء مؤمنين مع تسميتهم إياهم بالباغين و سماهم أهل الوعيد كفارا مشركين و كفارا غير مشركين كالأباضية و الزيدية و فساقا خالدين في النار كواصل و عمر و منافقين خالدين فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ كالحسن و أصحابه فكلهم قد أزال الباغي عما كان فيه قبل البغي فأخرجه قوم إلى الكفر و الشرك كجميع الخوارج غير الإباضية و إلى الكفر غير الشرك كالأباضية و الزيدية و إلى الفسق و النفاق كواصل و أقل ما حكم عليهم أهل الإرجاء إسقاطهم من السنن و العدالة و القبول فإن قال فإن الله عز و جل سمى الباغي مؤمنا فقال عز و جل وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فجعلهم مؤمنين قلنا لا بد من أن المأمور بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلين كان قبل اقتتالهما عالما بالباغية منهما أ و لم يكن عالما بالباغية منهما فإن كان عالما بالباغية منهما كان مأمورا بقتالها مع المبغي عليها حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ و هو الرجوع إلى ما خرج منه بالبغي و إن كان المأمور بالإصلاح جاهلا بالباغية و المبغي عليها فإنه كان جاهلا بالمؤمن غير الباغي و المؤمن الباغي و كان المؤمن غير الباغي عرف بعد التبيين و الفرق بينه و بين الباغي كان مجمعا من أهل الصلاة على إيمانه لاختلاف بينهم في اسمه و المؤمن الباغي بزعمك مختلف فيه فلا يسمى مؤمنا حتى يجمع على أنه مؤمن كما أجمع على أنه باغ فلا يسمى الباغي مؤمنا إلا بإجماع أهل الصلاة على تسميته مؤمنا كما أجمعوا عليه و على تسميته باغيا فإن قال فإن الله عز و جل سمى الباغي للمؤمنين أخا و لا يكون أخ المؤمنين إلا مؤمنا قيل أحلت و باعدت فإن الله عز و جل سمى هودا و هو نبي أخا عاد و هم كفار فقال وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً و قد يقال للشامي يا أخا الشام و لليماني يا أخا اليمن و يقال للمسايف اللازم له المقاتل به فلان أخ السيف فليس في يد المتأول أخ المؤمن لا يكون إلا مؤمنا مع شهادة القرآن بخلافه و شهادة اللغة بأنه يكون المؤمن أخا الجماد الذي هو الشام و اليمن و السيف و الرمح و بالله أستعين على أمورنا في أدياننا و دنيانا و آخرتنا و إياه نسأل التوفيق لما قرب منه و أزلف لديه بمنه و كرمه
بيان استلأم الرجل إذا لبس اللأمة و هي الدرع و كفرت الشيء أكفره بالكسر كفرا أي سترته و نذر القوم بالعدو بكسر الذال أي علموا و الخطب الأمر و الشأن و بهظه الأمر كمنع غلبه و ثقل عليه. قوله ع و لا تخف إن غدرت أي لا يرتفع عنك ثقل إن لم تف بالعهد كما أنه لا يثقل عليك إن وفيت قوله ما عزاه أي نسبه إلى النبي ص من العذر في هذا الخروج و يقال أسي على مصيبة بالكسر يأسى أسى أي حزن قوله أخذه ما قدم و ما أخر أي أخذه هم ما قدم من سوء معاملته مع علي ع و ما أخر من نصرته أو من عذاب الآخرة أو كناية عن هموم شتى لأمور كثيرة مختلفة. و القلق محركة الانزعاج و نزق كفرح و ضرب طاش و خف عند الغضب قوله عن النصرة أي عن نصرة علي ع قوله و أحال هذا كلام الصدوق أي كذب معاوية و أتى بالمحال حتى ادعى عدم سماع ذلك قوله إنه قاتل رايته أي راية معاوية قوله بأهدى من الأولى أي هي مثل الأولى راية شرك في أنها راية شرك و كفر قوله أو يكون أمره حاصله أن هذا الكلام من النبي ص إما إخبار أو أمر في صورة الخبر و على ما ذكرت من كونهم على الحق يلزم على الأول كذب الرسول ص و على الثاني مخالفة أمير المؤمنين ع لما أمره به الرسول ص. أقول قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال أبو الفرج الأصفهاني كتب الحسن ع إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الأزدي من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليكم فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله جل و عز بعث محمدا ص رحمة للعالمين و منة للمؤمنين توفاه الله غير مقصر و لا وان بعد أن أظهر الله به الحق و محق به الشرك و خص قريشا خاصة فقال له وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ فلما توفي تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش نحن قبيلته و أسرته و أولياؤه و لا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد و حقه فرأت العرب أن القول ما قالت قريش و أن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد ص فأنعمت لهم و سلمت إليهم. ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف و الاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد و أولياؤه إلى محاجتهم و طلب النصف منهم باعدونا و استولوا بالاجتماع على ظلمنا و مراغمتنا و العنت منهم لنا فالموعد الله و هو الولي النصير. و لقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا و سلطان نبينا و إن كانوا ذوي فضيلة و سابقة في الإسلام و أمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون و الأحزاب في ذلك مغمزا يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من
أهله لا بفضل في الدين معروف و لا أثر في الإسلام محمود و أنت ابن حزب من الأحزاب و ابن أعدى قريش لرسول الله ص و لكن الله حسيبك فسترد فتعلم لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ و بالله لتلقين عن قليل ربك ثم ليجزينك بما قدمت يداك و ما الله بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. إن عليا لما مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض و يوم من الله عليه بالإسلام و يوم يبعث حيا ولاني المسلمون الأمر بعده فأسأل الله أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته و إنما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني و بين الله عز و جل في أمرك و لك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم و الصلاح للمسلمين فدع التمادي في الباطل و ادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله و عند كل أواب حفيظ و من له قلب منيب. و اتق الله و دع البغي و أحقن دماء المسلمين فو الله ما لك من خير في أن تلفى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به و ادخل في السلم و الطاعة و لا تنازع الأمر أهله و من هو أحق به منك ليطفئ الله النائرة بذلك و يجمع الكلمة و يصلح ذات البين و إن أنت أبيت إلا التمادي في غيك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. أقول ثم ذكر جواب معاوية و ما أظهر فيه من الكفر و الإلحاد إلى قوله و قد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح فلو علمت أنك أضبط مني للرعية و أحوط على هذه الأمة و أحسن سياسة و أقوى على جمع الأموال و أكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني إليه و رأيتك لذلك أهلا و لكن قد علمت أني أطول منك ولاية و أقدم منك لهذه الأمة تجربة و أكبر منك سنا فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني فادخل في طاعتي و لك الأمر من بعدي و لك ما في بيت مال العراق بالغا ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت و لك خراج أي كور العراق شئت معونة على نفقتك يجبيها أمينك و يحملها إليك في كل سنة و لك أن لا يستولى عليك بالأشياء و لا يقضى دونك الأمور و لا تعصى في أمر أردت به طاعة الله أعاننا الله و إياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء و السلام. قال جندب فلما أتيت الحسن ع بكتاب معاوية قلت له إن الرجل سائر إليك فابدأه بالمسير حتى تقاتله في أرضه و بلاده و عمله فأما أن تقدر أنه ينقاد لك فلا و الله حتى يرى منا أعظم من يوم صفين فقال أفعل ثم قعد عن مشورتي و تناسى قولي
2- ب، ]قرب الإسناد[ ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه ع أن الحسن و الحسين صلوات الله عليهما كانا يغمزان معاوية و يقولان فيه و يقبلان جوائزه
3- ف، ]تحف العقول[ قال معاوية للحسن ع بعد الصلح اذكر فضلنا فحمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد النبي و آله ثم قال من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن رسول الله أنا ابن البشير النذير أنا ابن المصطفى بالرسالة أنا ابن من صلت عليه الملائكة أنا ابن من شرفت به الأمة أنا ابن من كان جبرئيل السفير من الله إليه أنا ابن من بعث رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ صلى الله عليه و آله أجمعين فلم يقدر معاوية يكتم عداوته و حسده فقال يا حسن عليك بالرطب فانعته لنا قال نعم يا معاوية الريح تلقحه و الشمس تنفخه و القمر يلونه و الحر ينضجه و الليل يبرده ثم أقبل على منطقه فقال أنا ابن المستجاب الدعوة أنا ابن من كان من ربه كقاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن مكة و منى أنا ابن من خضعت له قريش رغما أنا ابن من سعد تابعه و شقي خاذله أنا ابن من جعلت الأرض له طهورا و مسجدا أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترى أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فقال معاوية أظن نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة فقال ويلك يا معاوية إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله و عمل بطاعة الله و لعمري إنا لأعلام الهدى و منار التقى و لكنك يا معاوية ممن أباد السنن و أحيا البدع و اتخذ عباد الله خولا و دين الله لعبا فكان قد أخمل ما أنت فيه فعشت يسيرا و بقيت عليك تبعاته يا معاوية و الله لقد خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق و الأخرى بالمغرب أسماؤهما جابلقا و جابلسا ما بعث الله إليهما أحدا غير جدي رسول الله ص فقال معاوية يا أبا محمد أخبرنا عن ليلة القدر قال نعم عن مثل هذا فاسأل إن الله خلق السماوات سبعا و الأرضين سبعا و الجن من سبع و الإنس من سبع فتطلب من ليلة ثلاث و عشرين إلى ليلة سبع و عشرين ثم نهض ع
أقول قال ابن أبي الحديد روى أبو الحسن المدائني قال سأل معاوية الحسن بن علي ع بعد الصلح أن يخطب الناس فامتنع فناشده أن يفعل فوضع له كرسي فجلس عليه ثم قال الحمد لله الذي توحد في ملكه و تفرد في ربوبيته يؤتي الملك من يشاء و ينزعه عمن يشاء و الحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم و أخرج من الشرك أولكم و حقن دماء آخركم فبلاؤنا عندكم قديما و حديثا أحسن البلاء إن شكرتم أو كفرتم أيها الناس إن رب علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه و لقد اختصه بفضل لن تعهدوا بمثله و لن تجدوا مثل سابقته. فهيهات هيهات طال ما قلبتم الأمور حتى أعلاه الله عليكم و هو صاحبكم غزاكم في بدر و أخواتها جرعكم رنقا و سقاكم علقا و أذل رقابكم و شرقكم بريقكم فلستم بملومين على بغضه و ايم الله لا ترى أمة محمد خفضا ما كانت سادتهم و قادتهم في بني أمية و لقد وجه الله إليكم فتنة لن تصدوا عنها حتى تهلكوا لطاعتكم طواغيتكم و انضوائكم إلى شياطينكم فعند الله أحتسب ما مضى و ما ينتظر من سوء رغبتكم و حيف حلمكم. ثم قال يا أهل الكوفة لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله صائب على أعداء الله نكال على فجار قريش لم يزل آخذا بحناجرها جاثما على أنفسها ليس بالملومة في أمر الله و لا بالسروقة لمال الله و لا بالفروقة في حرب أعداء الله أعطى الكتاب خواتيمه و عزائمه دعاه فأجابه و قاده فأتبعه لا تأخذه في الله لومة لائم فصلوات الله عليه و رحمته. فقال معاوية أخطأ عجل أو كاد و أصاب متثبت أو كاد ما ذا أردت من خطبة الحسن ع. بيان رنق رنقا بالتحريك كدر و انضوى إليه مال و جثم لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره أو تلبد بالأرض
4- يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن الحارث الهمداني قال لما مات علي ع جاء الناس إلى الحسن و قالوا أنت خليفة أبيك و وصيه و نحن السامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك فقال ع كذبتم و الله ما وفيتم لمن كان خيرا مني فكيف تفون لي و كيف أطمئن إليكم و لا أثق بكم إن كنتم صادقين فموعد ما بيني و بينكم معسكر المدائن فوافوا إلى هناك فركب و ركب معه من أراد الخروج و تخلف عنه كثير فما وفوا بما قالوه و بما وعدوه و غروه كما غروا أمير المؤمنين ع من قبله فقام خطيبا و قال غررتموني كما غررتم من كان من قبلي مع أي إمام تقاتلون بعدي مع الكافر الظالم الذي لم يؤمن بالله و لا برسوله قط و لا أظهر الإسلام هو و بني أمية إلا فرقا من السيف و لو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله عوجا و هكذا قال رسول الله ص ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف و كان من كندة و أمره أن يعسكر بالأنبار و لا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره فلما توجه إلى الأنبار و نزل بها و علم معاوية بذلك بعث إليه رسلا و كتب إليه معهم أنك إن أقبلت إلي أولك بعض كور الشام و الجزيرة غير منفس عليك و أرسل إليه بخمسمائة ألف درهم فقبض الكندي عدو الله المال و قلب على الحسن و صار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته و أهل بيته فبلغ ذلك الحسن ع فقام خطيبا و قال هذا الكندي توجه إلى معاوية و غدر بي و بكم و قد أخبرتكم مرة بعد مرة أنه لا وفاء لكم أنتم عبيد الدنيا و أنا موجه رجلا آخر مكانه و إني أعلم أنه سيفعل بي و بكم ما فعل صاحبه و لا يراقب الله في و لا فيكم فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف و تقدم إليه بمشهد من الناس و توكد عليه و أخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي فحلف له بالإيمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل فقال الحسن إنه سيغدر فلما توجه إلى الأنبار أرسل معاوية إليه رسلا و كتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه و بعث إليه بخمسة آلاف درهم و مناه أي ولاية أحب من كور الشام و الجزيرة فقلب على الحسن و أخذ طريقه إلى معاوية و لم يحفظ ما أخذ عليه من العهود و بلغ الحسن ما فعل المرادي فقام خطيبا فقال قد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنكم لا تفون لله بعهود و هذا صاحبكم المرادي غدر بي و بكم و صار إلى معاوية ثم كتب معاوية إلى الحسن يا ابن عم لا تقطع الرحم الذي بينك و بيني فإن الناس قد غدروا بك و بأبيك من قبلك فقالوا إن خانك الرجلان و غدروا بك فإنا مناصحون لك فقال لهم الحسن لأعودن هذه المرة فيما بيني و بينكم و إني لأعلم أنكم غادرون ما بيني و بينكم إن معسكري بالنخيلة فوافوني هناك و الله لا تفون لي بعهدي و لتنقضن الميثاق بيني و بينكم ثم إن الحسن أخذ طريق النخيلة فعسكر عشرة أيام فلم يحضره إلا أربعة آلاف فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر و قال يا عجبا من قوم لا حياء لهم و لا دين و لو سلمت له الأمر فايم الله لا ترون فرجا أبدا مع بني أمية و الله ل يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ حتى تتمنوا أن عليكم جيشا جيشا و لو وجدت أعوانا ما سلمت له الأمر لأنه محرم على بني أمية فأف و ترحا يا عبيد الدنيا و كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية فإنا معك و إن شئت أخذنا الحسن و بعثناه إليك ثم أغاروا على فسطاطه و ضربوه بحربة و أخذ مجروحا ثم كتب جوابا لمعاوية إنما هذا الأمر لي و الخلافة لي و لأهل بيتي و إنها لمحرمة عليك و على أهل بيتك سمعته من رسول الله ص و الله لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت لك و لا أعطيتك ما تريد و انصرف إلى الكوفة
بيان امرأة درداء أي ليس في فمها سن قوله ع لبغت دين الله عوجا إلي لطلبت أن يثبت له اعوجاجا و تلبس على الناس أن فيه عوجا مقتبس من قوله تعالى قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً و الكور بضم الكاف و فتح الواو جمع الكورة و هي المدينة و الصقع و قال الجوهري أنفسني فلان في كذا أي رغبني فيه و لفلان منفس و نفيس أي مال كثير و نفس به بالكسر أي ضن به يقال نفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره يستأهله قوله و قلب على الحسن أي صرف العسكر أو الأمر إليه و الترح بالتحريك ضد الفرح و الهلاك
5- شا، ]الإرشاد[ لما بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنين ع و بيعة الناس ابنه الحسن ع دس رجلا من حمير إلى الكوفة و رجلا من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار و يفسدا على الحسن الأمور فعرف ذلك الحسن ع فأمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة فأخرج و أمر بضرب عنقه و كتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم فأخرج و ضربت عنقه و كتب الحسن ع إلى معاوية أما بعد فإنك دسست الرجال للاحتيال و الاغتيال و أرصدت العيون كأنك تحب اللقاء و ما أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله و بلغني أنك شمت بما لم يشمت به ذو حجى و إنما مثلك في ذلك كما قال الأول
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تزود لأخرى مثلها فكأن قدفأنا و من قد مات منا لكالذي يروح فيمسي في المبيت ليغتدي
فأجابه معاوية عن كتابه بما لا حاجة لنا إلى ذكره و كان بين الحسن ع و بينه بعد ذلك مكاتبات و مراسلات و احتجاجات للحسن ع في استحقاقه الأمر و توثب من تقدم على أبيه ع و ابتزازهم سلطان ابن عم رسول الله ص و تحققهم به دونه أشياء يطول ذكرها و سار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن ع و بعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا و معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له و لأبيه و بعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة و بعضهم أصحاب فتن و طمع في الغنائم و بعضهم شكاك و بعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين فسار حتى أتى حمام عمر ثم أخذ على دير كعب فنزل ساباط دون القنطرة و بات هناك فلما أصبح أراد ع أن يمتحن أصحابه و يستبرئ أحوالهم له في الطاعة ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه و يكون على بصيرة من لقاء معاوية و أهل الشام فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال الحمد لله كلما حمده حامد و أشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بِالْحَقِّ بَشِيراً و ائتمنه على الوحي ص أما بعد فإني و الله لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله و منه و أنا أنصح خلق الله لخلقه و ما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة و لا مريدا له بسوء و لا غائلة ألا و إن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا و إني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري و لا تردوا علي رأيي غفر الله لي و لكم و أرشدني و إياكم لما فيه المحبة و الرضا قال فنظر الناس بعضهم إلى بعض و قالوا ما ترونه يريد بما قال قالوا نظنه و الله يريد أن يصالح معاوية و يسلم الأمر إليه فقالوا كفر و الله الرجل ثم شدوا على فسطاطه و انتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا بالسيف بغير رداء ثم دعا بفرسه و ركبه و أحدق به طوائف من خاصته و شيعته و منعوا منه من أراده فقال ادعوا لي ربيعة و همدان فدعوا له فأطافوا به و دفعوا الناس عنه ع و سار و معه شوب من غيرهم فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان و أخذ بلجام بغلته و بيده مغول و قال الله أكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن ع و خرا جميعا إلى الأرض فوثب إليه رجل من شيعة الحسن يقال له عبد الله بن خطل الطائي فانتزع المغول من يده و خضخض به جوفه فأكب عليه آخر يقال له ظبيان بن عمارة فقطع أنفه فهلك من ذلك و أخذ آخر كان معه فقتل و حمل الحسن ع على سرير إلى المدائن فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي و كان عامل أمير المؤمنين ع بها فأقره الحسن ع على ذلك و اشتغل الحسن ع بنفسه يعالج جرحه و كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع و الطاعة له في السر و استحثوه على المسير نحوهم و ضمنوا له تسليم الحسن ع إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به و بلغ الحسن ع ذلك و ورد عليه كتاب قيس بن سعد و كان قد أنفذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية
و يرده عن العراق و جعله أميرا على الجماعة و قال إن أصبت فالأمير قيس بن سعد فوصل كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبونية بإزاء مسكن و أن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المصير إليه و ضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف و يعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة فانسل عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته و أصبح الناس قد فقدوا أميرهم فصلى بهم قيس بن سعد و نظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن ع بخذلان القوم له و فساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب و التكفير له و استحلال دمه و نهب أمواله و لم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعة أبيه و شيعته و هم جماعة لا يقوم لأجناد الشام فكتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح و أنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به و تسليمه إليه و اشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة و عقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة فلم يثق به الحسن و علم باحتياله بذلك و اغتياله غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس منه من ترك الحرب و إنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه و الفساد عليه و الخلف منهم له و ما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه و تسليمه إلى خصمه و ما كان من خذلان ابن عمه له و مصيره إلى عدوه و ميل الجمهور منهم إلى العاجلة و زهدهم في الآجلة فتوثق ع لنفسه من معاوية لتوكيد الحجة عليه و الإعذار فيما بينه و بينه عند الله تعالى و عند كافة المسلمين و اشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين ع و العدول عن القنوت عليه في الصلوات و أن يؤمن شيعته و لا يتعرض لأحد منهم بسوء و يوصل إلى كل ذي حق حقه و أجابه معاوية إلى ذلك كله و عاهد عليه و حلف له بالوفاء له فلما استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتى نزل بالنخيلة و كان ذلك اليوم يوم الجمعة فصلى بالناس ضحى النار فخطبهم و قال في خطبته إني و الله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك و لكني قاتلتكم لأتأمر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم له كارهون ألا و إني كنت منيت الحسن و أعطيه أشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما فلما استتمت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس و ذكر أمير المؤمنين ع و نال منه و نال من الحسن ع ما نال و كان الحسن و الحسين ع حاضرين فقام الحسين ع ليرد عليه فأخذ بيده الحسن ع فأجلسه ثم قام فقال أيها الذاكر عليا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمي فاطمة و أمك هند و جدي رسول الله ص و جدك حرب و جدتي خديجة و جدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا فقالت طوائف من أهل المسجد آمين آمين
توضيح قوله فكأن قد أي فكأن قد نزلت أو جاءت و حذف مدخول قد شائع قوله و بيده مغول في بعض النسخ بالغين المعجمة قال الفيروزآبادي المغول كمنبر حديدة تجعل في السوط فيكون لها غلاف و شبه مشمل إلا أنه أدق و أطول منه و نصل طويل أو سيف دقيق له قفا واسم و في بعضها بالمهملة و هي حديدة ينقر بها الجبال و الخضخضة التحريك و الفتك أن يأتي الرجل صاحبه و هو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله. أقول و قال عبد الحميد بن أبي الحديد لما سار معاوية قاصدا إلى العراق و بلغ جسر منبج نادى المنادي الصلاة جامعة فلما اجتمعوا خرج الحسن ع فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه و سماه كرها ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر و تنظرون و نرى و ترون قال و إنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له. قال فسكتوا فما تكلم منهم أحد و لا أجابه بحرف فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال أنا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام أ لا تجيبون إمامكم و ابن بنت نبيكم أين خطباء مصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب أ ما تخافون مقت الله و لا عنتها و عارها. ثم استقبل الحسن ع بوجهه فقال أصاب الله بك المراشد و جنبك المكاره و وفقك لما يحمد ورده و صدره و قد سمعنا مقالتك و انتهينا إلى أمرك و سمعنا لك و أطعناك فيما قلت و رأيت و هذا وجهي إلى معسكرنا فمن أحب أن يوافي فليواف. ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد و دابته بالباب فركبها و مضى إلى النخيلة و أمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه فكان عدي أول الناس عسكرا. ثم قام قيس بن عبادة الأنصاري و معقل بن قيس الرياحي و زياد بن حصفة التيمي فأنبوا الناس و لاموهم و حرضوهم و كلموا الحسن ع بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة و القبول فقال لهم الحسن ع صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية و الوفاء و القبول و المودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا
ثم نزل و خرج الناس و عسكروا و نشطوا للخروج و خرج الحسن ع إلى المعسكر و استخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث و أمره باستحثاث الناس على اللحوق إليه و سار الحسن ع في عسكر عظيم حتى نزل دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس. ثم دعا عبيد الله بن العباس فقال له يا ابن عم إني باعث معك اثني عشر ألفا من فرسان العرب و قراء المصر الرجل منهم يزيد الكتيبة فسر بهم و ألن لهم جانبك و ابسط لهم وجهك و افرش لهم جناحك و أدنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقات أمير المؤمنين ع و سر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى تسير بمسكن ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية فإن أنت لقيته فاحتبسه حتى آتيك فإني على أثرك وشيكا و ليكن خبرك عندي كل يوم و شاور هذين يعني قيس بن سعد و سعيد بن قيس و إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فإن فعل فقاتله فإن أصبت فقيس بن سعد على الناس فإن أصيب فسعيد بن قيس على الناس. فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات و الفلوجة حتى أتى مسكن و أخذ الحسن على حمام عمر حتى أتى دير كعب ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة. أقول ثم ذكر ما جرى عليه صلوات الله عليه هناك و قد مر ذكره ثم قال. فأما معاوية فإنه وافى حتى نزل في قرية يقال له الحبونية و أقبل عبيد الله بن العباس حتى نزل بإزائه فلما كان من غد وجه معاوية إلى عبيد الله أن الحسن قد راسلني في الصلح و هو مسلم الأمر إلي فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا و إلا دخلت و أنت تابع و لك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم أعجل لك في هذا الوقت نصفها و إذا دخلت الكوفة النصف الآخر. فانسل عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده و أصبح الناس ينتظرونه أن يخرج فيصلي بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطبهم فثبتهم و ذكر عبيد الله فنال منه ثم أمرهم بالصبر و النهوض إلى العدو فأجابوه بالطاعة و قالوا له انهض بنا إلى عدونا على اسم الله فنهض بهم. و خرج إليهم بسر بن أرطاة فصاحوا إلى أهل العراق ويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع و إمامكم الحسن قد صالح فعلام تقتلون أنفسكم فقال لهم قيس بن سعد اختاروا إحدى اثنتين إما القتال مع غير إمام و إما أن تبايعوا بيعة ضلال قالوا بل نقاتل بلا إمام فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم. و كتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه و يمنيه فكتب إليه قيس لا و الله لا تلقاني أبدا إلا بيني و بينك الرمح فكتب إليه معاوية لما يئس منه أما بعد فإنك يهودي ابن يهودي تشقي نفسك و تقتلها فيما ليس لك فإن ظهر أحب الفريقين إليك نبذك و عزلك و إن ظهر أبغضهما إليك نكل بك و قتلك و قد كان أبوك أوتر غير قوسه و رمى غير غرضه فخذله قومه و أدركه يومه فمات بحوران طريدا غريبا و السلام. فكتب إليه قيس بن سعد أما بعد فإنما أنت وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها و أقمت فيه فرقا و خرجت منه طوعا و لم يجعل الله لك فيه نصيبا لم يقدم إسلامك و لم يحدث نفاقك و لم تزل حربا لله و لرسوله و حزبا من أحزاب المشركين و عدوا لله و نبيه و المؤمنين من عباده و ذكرت أبي فلعمري ما أوتر إلا قوسه و لا رمى إلا غرضه فشغب عليه من لا يشق غباره و لا يبلغ كعبه و زعمت أني يهودي ابن يهودي و قد علمت و علم الناس إني و أبي أعداء الدين الذي خرجت منه و أنصار الدين الذي دخلت فيه و صرت إليه و السلام. فلما قرأ معاوية كتابه غاظه و أراد إجابته فقال له عمرو مهلا فإنك إن كاتبته أجابك بأشد من هذا و إن تركته دخل فيما دخل فيه الناس فأمسك عنه و بعث معاوية عبد الله بن عامر و عبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن ع للصلح فدعواه
إليه و زهداه في الأمر و أعطياه ما شرط له معاوية و أن لا يتبع أحد بما مضى و لا ينال أحد من شيعة علي بمكروه و لا يذكر علي إلا بخير و أشياء اشترطها الحسن فأجاب إلى ذلك و انصرف قيس بن سعد فيمن معه إلى الكوفة. ثم قال و روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة فخطب ثم قال إني و الله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم كارهون. قال فكان عبد الرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول هذا و الله هو التهتك. قال أبو الفرج و دخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة بين يديه خالد بن عرفطة و معه حبيب بن حمار يحمل رايته فلما صار بالكوفة دخل المسجد من باب الفيل و اجتمع الناس إليه. قال أبو الفرج فحدثني أبو عبد الله الصيرفي و أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن علي بن خلف عن محمد بن عمرو الرازي عن مالك بن سعيد عن محمد بن عبد الله الليثي عن عطاء بن السائب عن أبيه قال بينما علي بن أبي طالب ع على منبر الكوفة إذ دخل رجل فقال يا أمير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال لا و الله ما مات و لا يموت حتى يدخل من باب المسجد و أشار إلى باب الفيل و معه راية ضلالة يحملها حبيب بن حمار قال فوثب إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمار و أنا لك شيعة فقال فإنه كما أقول قال فو الله لقد قدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن حمار. قال أبو الفرج و قال مالك بن سعيد و حدثني الأعمش بهذا الحديث فقال حدثني صاحب هذه الدار و أشار إلى دار السائب أبي عطا أنه سمع عليا ع يقول هذا. قال أبو الفرج فلما تم الصلح بين الحسن و معاوية أرسل إلى قيس بن سعد يدعوه إلى البيعة فجاء و كان رجلا طوالا يركب الفرس المشرف و رجلاه يخطان في الأرض و ما في وجهه طاقة شعر و كان يسمى خصي الأنصار فلما أرادوا إدخاله إليه قال حلفت أن لا ألقاه إلا و بيني و بينه الرمح أو السيف فأمر معاوية برمح و بسيف فوضعا بينه و بينه ليبر يمينه. قال أبو الفرج و قد روي أن الحسن لما صالح معاوية اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف و أبى أن يبايع فلما بايع الحسن أدخل قيس ليبايع فأقبل على الحسن فقال أ في حل أنا من بيعتك قال نعم فألقي له كرسي و جلس معاوية على سريره و الحسن معه فقال له معاوية أ نبايع يا قيس قال نعم و وضع يده على فخذه و لم يمدها إلى معاوية فحنى معاوية على سريره و أكب على قيس حتى مسح يده على يده و ما رفع قيس إليه يده
6- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ لما مات أمير المؤمنين ع خطب الحسن بالكوفة فقال أيها الناس إن الدنيا دار بلاء و فتنة و كل ما فيها فإلى زوال و اضمحلال فلما بلغ إلى قوله و إني أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت و تسالموا من سالمت فقال الناس سمعنا و أطعنا فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين فأقام بها شهرين قال أبو مخنف قال ابن عباس كلاما فيه فشمر في الحرب و جاهد عدوك و دار أصحابك و استتر من الضنين دينه بما لا ينثلم لك دين و ول أهل البيوتات و الشرف و الحرب خدعة و علمت أن أباك إنما رغب الناس عنه و صاروا إلى معاوية لأنه آسى بينهم في العطاء فرتب ع العمال و أنفذ عبد الله إلى البصرة فقصد معاوية نحو العراق فكتب إليه الحسن ع أما بعد فإن الله تعالى بعث محمدا رحمة للعالمين فأظهر به الحق و قمع به الشرك و أعز به العرب عامة و شرف به من شاء منها خاصة فقال وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ فلما قبضه الله تعالى تنازعت العرب الأمر من بعده فقالت الأنصار منا أمير و منكم أمير فقالت قريش نحن أولياؤه و عشيرته فلا تنازعونا سلطانه فعرفت العرب ذلك لقريش ثم جاحدتنا قريش ما قد عرفته العرب لهم و هيهات ما أنصفتنا قريش الكتاب فأجابه معاوية على يدي جندب الأزدي موصل كتاب الحسن ع فهمت ما ذكرت به محمدا ص و هو أحق الأولين و الآخرين بالفضل كله و ذكرت تنازع المسلمين الأمر من بعده فصرحت بنميمة فلان و فلان و أبي عبيدة و غيرهم فكرهت ذلك لك لأن الأمة قد علمت أن قريشا أحق بها و قد علمت ما جرى من أمر الحكمين فكيف تدعوني إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك و قد خرج أبوك منه ثم كتب أما بعد فإن الله يفعل في عباده ما يشاء لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ فاحذر أن تكون منيتك على يدي رعاع الناس و آيس من أن تجد فينا غميزة و إن أنت أعرضت عما أنت فيه و بايعتني وفيت لك بما وعدت و أجزت لك ما شرطت و أكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس
و إن أحد أسدى إليك كرامة فأوف بما تدعى إذا مت وافيافلا تحسد المولى إذا كان ذا غنى و لا تجفه إن كان للمال نائيا
ثم الخلافة لك من بعدي و أنت أولى الناس بها و في رواية و لو كنت أعلم أنك أقوى للأمر و أضبط للناس و أكبت للعدو و أقوى على جمع الأموال مني لبايعتك لأنني أراك لكل خير أهلا ثم قال إن أمري و أمرك شبيه بأمر أبي بكر و أبيك بعد رسول الله ص فأجابه الحسن ع أما بعد فقد وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت و تركت جوابك خشية البغي و بالله أعوذ من ذلك فاتبع الحق فإنك تعلم من أهله و علي إثم أن أقول فأكذب فاستنفر معاوية الناس فلما بلغ جسر منبج بعث الحسن ع حجر بن عدي و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا ثم خف معه أخلاط من شيعته و محكمه و شكاك و أصحاب عصبية و فتن حتى أتى حمام عمر
أقول و ساق الكلام نحوا مما مر إلى أن قال و أنفذ إلى معاوية عبد الله بن الحارث بن نوفي بن الحارث بن عبد المطلب فتوثق منه لتأكيد الحجة أن يعمل فيهم بكتاب الله و سنة نبيه و الأمر من بعده شورى و أن يترك سب علي و أن يؤمن شيعته و لا يتعرض لأحد منهم و يوصل إلى كل ذي حق حقه و يوفر عليه حقه كل سنة خمسون ألف درهم فعاهده على ذلك معاوية و حلف بالوفاء به و شهد بذلك عبد الله بن الحارث و عمرو بن أبي سلمة و عبد الله بن عامر بن كريز و عبد الرحمن بن أبي سمرة و غيرهم. فلما سمع ذلك قيس بن سعد قال
أتاني بأرض العال من أرض مسكن بأن إمام الحق أضحى مسالمافما زلت مذ بينته متلددا أراعي نجوما خاشع القلب واجما
و روي أنه قال الحسن ع في صلح معاوية أيها الناس إنكم لو طلبتم ما بين جابلقا و جابرسا رجلا جده رسول الله ص ما وجدتموه غيري و غير أخي و إن معاوية نازعني حقا هو لي فتركته لصلاح الأمة و حقن دمائها و قد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت و قد رأيت أن أسالمه و أن يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الأمر و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين و في رواية إنما هادنت حقنا للدماء و صيانتها و إشفاقا على نفسي و أهلي و المخلصين من أصحابي
و روي أنه ع قال يا أهل العراق إنما سخي عليكم بنفسي ثلاث قتلكم أبي و طعنكم إياي و انتهابكم متاعي و دخل الحسين ع على أخيه باكيا ثم خرج ضاحكا فقال له مواليه ما هذا قال العجب من دخولي على إمام أريد أن أعلمه فقلت ما ذا دعاك إلى تسليم الخلافة فقال الذي دعا أباك فيما تقدم قال فطلب معاوية البيعة من الحسين ع فقال الحسن يا معاوية لا تكرهه فإنه لا يبايع أبدا أو يقتل و لن يقتل حتى يقتل أهل بيته و لن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام
و قال المسيب بن نجبة الفزاري و سليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي ع ما ينقضي تعجبنا منك بايعت معاوية و معك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة و الحجاز فقال الحسن ع قد كان ذلك فما ترى الآن فقال و الله أرى أن ترجع لأنه نقض العهد فقال يا مسيب إن الغدر لا خير فيه و لو أردت لما فعلت
و قال حجر بن عدي أما و الله لوددت أنك مت في ذلك اليوم و متنا معك و لم نر هذا اليوم فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا و رجعوا مسرورين بما أحبوا فلما خلا به الحسن ع قال يا حجر قد سمعت كلامك في مجلس معاوية و ليس كل إنسان يحب ما تحب و لا رأيه كرأيك و إني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم و الله تعالى كل يوم هو في شأن و أنشأ ع لما اضطر إلى البيعة
أجامل أقواما حياء و لا أرى قلوبهم تغلي علي مراضها
و له ع
لئن ساءني دهر عزمت تصبرا و كل بلاء لا يدوم يسير
و إن سرني لم أبتهج بسروره و كل سرور لا يدوم حقير
. إيضاح قوله ع استتر من الضنين الضنين البخيل أي استر دينك ممن يبخل بدينه منك بأن لا يظهر لك دينه أو لا يوافقك في الدين على وجه لا يضر بدينك بأن يكون على وجه المداهنة و يقال ليس له فيه غميزة أي مطعن و أسدى و أولى و أعطى بمعنى قوله بما تدعى أي أوف جزاء تلك الكرامة إيفاء تصير به معروفا بعد موتك بأنك كنت وافيا. قوله إن كان للمال نائيا أي بعيدا عن المال فقيرا و فلان يتلدد أي يلتفت يمينا و شمالا و رجل ألد بين اللدد و هو شديد الخصومة و الواجم الذي اشتد حزنه و أمسك عن الكلام. قوله ع إنما سخي عليكم أي جعلني سخيا في ترككم قال الجوهري سخت نفسه عن الشيء إذا تركته قوله ع و لا أرى قلوبهم أي أجاملهم و لا أنظر إلى غليان قلوبهم للحقد و العداوة و يحتمل أن تكون لا زائدة
7- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ تفسير الثعلبي و مسند الموصلي و جامع الترمذي و اللفظ له عن يوسف بن مازن الراسبي أنه لما صالح الحسن بن علي ع عذل و قيل له يا مذل المؤمنين و مسود الوجوه فقال ع لا تعذلوني فإن فيها مصلحة و لقد رأى النبي ص في منامه يخطب بنو أمية واحد بعد واحد فحزن فأتاه جبرئيل بقوله إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ و إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ و في خبر عن أبي عبد الله ع فنزل أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ إلى قوله يُمَتَّعُونَ ثم أنزل إنا أنزلناه يعني جعل الله ليلة القدر لنبيه خيرا من ألف شهر ملك بني أمية و عن سعيد بن يسار و سهل بن سهل أن النبي ص رأى في منامه أن قرودا تصعد في منبره و تنزيل فساءه ذلك و اغتم به و لم ير بعد ذلك ضاحكا حتى مات و هو المروي عن جعفر بن محمد ع
مسند الموصلي أنه رأى في منامه خنازير تصعد في منبره الخبر
و قال القاسم بن الفضل الحراني عددنا ملك بني أمية فكان ألف شهر
أقول قال عبد الحميد بن أبي الحديد قال أبو الفرج الأصفهاني حدثني محمد بن أحمد أبو عبيد عن الفضل بن الحسن البصري عن أبي عمرويه عن مكي بن إبراهيم عن السري بن إسماعيل عن الشعبي عن سفيان بن الليل قال أبو الفرج و حدثني أيضا محمد بن الحسين الأشناني و علي بن العباس عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن ثابت عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن سفيان قال أتيت الحسن بن علي ع حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره و عنده رهط فقلت السلام عليك يا مذل المؤمنين قال و عليك السلام يا سفيان انزل فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال كيف قلت يا سفيان قال قلت السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال ما جر هذا منك إلينا فقلت أنت و الله بأبي أنت و أمي أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة و سلمت الأمر إلى اللعين ابن آكلة الأكباد و معك مائة ألف كلهم يموت دونك و قد جمع الله عليك أمر الناس فقال يا سفيان إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به و إني سمعت عليا ع يقول سمعت رسول الله ص يقول لا تذهب الأيام و الليالي حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل و لا يشبع لا ينظر الله إليه و لا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر و لا في الأرض ناصر و إنه لمعاوية و إني عرفت أن اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ ثم أذن المؤذن فقمنا إلى حالب يحلب ناقته فتناول الإناء فشرب قائما ثم سقاني و خرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي ما جاء بك يا سفيان قلت حبكم و الذي بعث محمدا بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ قال فأبشر يا سفيان فإني سمعت عليا ع يقول سمعت رسول الله ص يقول يرد علي الحوض أهل بيتي و من أحبهم من أمتي كهاتين يعني السبابتين أو كهاتين يعني السبابة و الوسطى إحداهما تفضل على الأخرى أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر و الفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد ص
قال ابن أبي الحديد قوله و لا في الأرض ناصر أي ناصر ديني أي لا يمكن أحد أن ينتصر له بتأويل ديني يتكلف به عذرا لأفعاله القبيحة
8- كش، ]رجال الكشي[ ذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه قال إن الحسن ع لما قتل أبوه ع خرج في شوال من الكوفة إلى قتال معاوية فالتقوا بكسكر و حاربه ستة أشهر و كان الحسن ع جعل ابن عمه عبيد الله بن العباس على مقدمته فبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم فمر بالراية و لحق بمعاوية و بقي العسكر بلا قائد و لا رئيس فقام قيس بن سعد بن عبادة فخطب الناس و قال أيها الناس لا يهولنكم ذهاب هذا الكذا و كذا فإن هذا و أباه لم يأتيا قط بخير و قام يأمر الناس و وثب أهل عسكر الحسن ع بالحسن في شهر ربيع الأول فانتهبوا فسطاطه و أخذوا متاعه و طعنه ابن بشر الأسدي في خاصرته فردوه جريحا إلى المدائن حتى تحصن فيها عند عم المختار بن أبي عبيد
9- كش، ]رجال الكشي[ جبرئيل بن أحمد و أبو إسحاق حمدويه و إبراهيم بن نصير عن محمد بن عبد الحميد العطار الكوفي عن يونس بن يعقوب عن فضيل غلام محمد بن راشد قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما أن أقدم أنت و الحسين و أصحاب علي فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فقدموا الشام فأذن لهم معاوية و أعد لهم الخطباء فقال يا حسن قم فبايع ثم قال للحسين ع قم فبايع فقام فبايع ثم قال يا قيس قم فبايع فالتفت إلى الحسين ع ينظر ما يأمره فقال يا قيس إنه إمامي يعني الحسن ع
10- كش، ]رجال الكشي[ جعفر بن معروف عن ابن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن ذريح قال سمعت أبا عبد الله ع يقول دخل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري صاحب شرطة الخميس على معاوية فقال له معاوية بايع فنظر قيس إلى الحسن ع فقال يا با محمد بايعت فقال له معاوية أ ما تنتهي أما و الله إني فقال له قيس ما شئت أما و الله لئن شئت لتناقضن به فقال و كان مثل البعير جسما و كان خفيف اللحية قال فقام إليه الحسن ع و قال له بايع يا قيس فبايع
بيان قوله أما و الله إني اكتفى ببعض الكلام تعويلا على قرينة المقام أي إني أقتلك أو نحوه قوله ما شئت أي اصنع ما شئت قوله لئن شئت على صيغة المتكلم أي إن شئت نقضت بيعتك فقوله لتناقضن على بناء المجهول
11- كشف، ]كشف الغمة[ عن الشعبي قال شهدت الحسن بن علي ع حين صالح معاوية بالنخيلة فقال له معاوية قم فأخبر الناس أنك تركت هذا الأمر و سلمته إلي فقام الحسن فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور و إن هذا الأمر الذي اختلف فيه أنا و معاوية إما أن يكون حق امرئ فهو أحق به مني و إما أن يكون حقا هو لي فقد تركته إرادة لصلاح الأمة و حقن دمائها وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ
12- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبيه عن عمار بن أبي اليقظان عن أبي عمر زاذان قال لما وادع الحسن بن علي ع معاوية صعد معاوية المنبر و جمع الناس فخطبهم و قال إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا و لم ير نفسه لها أهلا و كان الحسن ع أسفل منه بمرقاة فلما فرغ من كلامه قام الحسن ع فحمد الله تعالى بما هو أهله ثم ذكر المباهلة فقال فجاء رسول الله ص من الأنفس بأبي و من الأبناء بي و بأخي و من النساء بأمي و كنا أهله و نحن آله و هو منا و نحن منه و لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله ص في كساء لأم سلمة رضي الله عنها خيبري ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فلم يكن أحد في الكساء غيري و أخي و أبي و أمي و لم يكن أحد تصيبه جنابة في المسجد و يولد فيه إلا النبي ص و أبي تكرمه من الله لنا و تفضيلا منه لنا و قد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله ص و أمر بسد الأبواب فسدها و ترك بابنا فقيل له في ذلك فقال أما إني لم أسدها و أفتح بابه و لكن الله عز و جل أمرني أن أسدها و أفتح بابه و إن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية نحن أولى بالناس في كتاب الله عز و جل و على لسان نبيه ص و لم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله نبيه ص فالله بيننا و بين من ظلمنا حقنا و توثب على رقابنا و حمل الناس علينا و منعنا سهمنا من الفيء و منع أمنا ما جعل لها رسول الله ص و أقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله ص لأعطتهم السماء قطرها و الأرض بكرتها و ما طمعت فيها يا معاوية فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها فطمعت فيها الطلقاء و أبناء الطلقاء أنت و أصحابك و قد قال رسول الله ص ما ولت أمة أمرها رجلا و فيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا فقد تركت بنو إسرائيل هارون و هم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم و اتبعوا السامري و قد تركت هذه الأمة أبي و بايعوا غيره و قد سمعوا رسول الله ص يقول أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة و قد رأوا رسول الله ص نصب أبي يوم غدير خم و أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب و قد هرب رسول الله ص من قومه و هو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار و لو وجد أعوانا ما هرب و قد كف أبي يده حين ناشدهم و استغاث فلم يغث فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه و جعل الله النبي ص في سعة حين دخل الغار و لم يجد أعوانا و كذلك أبي و أنا في سعة من الله حين خذلتنا هذه الأمة و بايعوك يا معاوية و إنما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق و المغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري و أخي لم تجدوا و إني قد بايعت هذا وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ
أقول قد مضى في كتاب الإحتجاج بوجه أبسط مرويا عن الصادق ع و هذا مختصر منه
13- كشف، ]كشف الغمة[ و من كلامه ع كتاب كتبه إلى معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين ع و قد بايعه الناس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله الحسن بن أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر أما بعد فإن الله بعث محمدا ص رحمة للعالمين فأظهر به الحق و دفع به الباطل و أذل به أهل الشرك و أعز به العرب عامة و شرف به من شاء منهم خاصة فقال تعالى وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ فلما قبضه الله تعالى تنازعت العرب الأمر بعده فقالت الأنصار منا أمير و منكم أمير و قالت قريش نحن أولياؤه و عشيرته فلا تنازعوا سلطانه فعرفت العرب ذلك لقريش و نحن الآن أولياؤه و ذوو القربى منه و لا غرو إن منازعتك إيانا بغير حق في الدين معروف و لا أثر في الإسلام محمود و الموعد الله تعالى بيننا و بينك و نحن نسأله تبارك و تعالى أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا به في الآخرة و بعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لما نزل به الموت ولاني هذا الأمر من بعده فاتق الله يا معاوية و انظر لأمة محمد ص ما تحقن به دماءهم و تصلح أمورهم و السلام و من كلامه ع ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقر بينه و بين معاوية حيث رأى حقن الدماء و إطفاء الفتنة و هو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله و سنة رسوله ص و سيرة الخلفاء الصالحين و ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين و على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم و عراقهم و حجازهم و يمنهم و على أن أصحاب علي و شيعته آمنون على أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم و على معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله و ميثاقه و ما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء و بما أعطى الله من نفسه و على أن لا يبغي للحسن بن علي و لا لأخيه الحسين و لا لأحد من أهل بيت رسول الله ص غائلة سرا و لا جهرا و لا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق شهد عليه بذلك وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً فلان و فلان و السلام و لما تم الصلح و انبرم الأمر التمس معاوية من الحسن ع أن يتكلم بمجمع من الناس و يعلمهم أنه قد بايع معاوية و سلم الأمر إليه فأجابه إلى ذلك فخطب و قد حشد الناس خطبة حمد الله تعالى و صلى على نبيه ص فيها و هي من كلامه المنقول عنه ع و قال أيها الناس إن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور و إنكم لو طلبتم بين جابلق و جابرس رجلا جده رسول الله ص ما وجدتموه غيري و غير أخي الحسين و قد علمتم أن الله هداكم بجدي محمد فأنقذكم به من الضلالة و رفعكم به من الجهالة و أعزكم بعد الذلة و كثركم بعد القلة و إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة و قطع الفتنة و قد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت و تحاربوا من حاربت فرأيت أن أسالم معاوية و أضع الحرب بيني و بينه و قد بايعته و رأيت أن حقن الدماء خير من سفكها و لم أرد بذلك إلا صلاحكم و بقاءكم وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ
بيان يقال لا غرو أي ليس بعجب قوله و لا أثر الجملة حالية أي و الحال أنه ليس لك أثر محمود و فعل ممدوح في الإسلام.
أقول سيأتي في كتاب الغيبة في الخبر الطويل الذي رواه المفضل بن عمر عن الصادق ع في الرجعة أنه ع قال يا مفضل و يقوم الحسن ع إلى جده ص فيقول يا جداه كنت مع أمير المؤمنين ع في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته يا جداه و بلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف و خمسين ألف مقاتل فأمر بالقبض علي و على أخي الحسين و سائر إخواني و أهل بيتي و شيعتنا و موالينا و أن يأخذ علينا البيعة لمعاوية فمن أبى منا ضرب عنقه و سير إلى معاوية رأسه فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلاة و رقات المنبر و اجتمع الناس فحمدت الله و أثنيت عليه و قلت معشر الناس عفت الديار و محيت الآثار و قل الاصطبار فلا قرار على همزات الشياطين و حكم الخائنين الساعة و الله صحت البراهين و فصلت الآيات و بانت المشكلات و لقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله عز و جل وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ فلقد مات و الله جدي رسول الله ص و قتل أبي ع و صاح الوسواس الخناس في قلوب الناس و نعق ناعق الفتنة و خالفتم السنة فيا لها من فتنة صماء عمياء لا يسمع لداعيها و لا يجاب مناديها و لا يخالف واليها ظهرت كلمة النفاق و سيرت رايات أهل الشقاق و تكالبت جيوش أهل المراق من الشام و العراق هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح و النور الوضاح و العلم الجحجاح و النور الذي لا يطفى و الحق الذي لا يخفى أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة و من تكاثف الظلمة فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة و تردى بالعظمة لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية و نيات مخلصة لا يكون فيها شوب نفاق و لا نية افتراق لأجاهدن بالسيف قدما قدما و لأضيقن من السيوف جوانبها و من الرماح أطرافها و من الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلا عشرون رجلا فإنهم قاموا إلي فقالوا يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا و سيوفنا فها نحن بين يديك لأمرك طائعون و عن رأيك صادرون فمرنا بما شئت فنظرت يمنة و يسرة فلم أر أحدا غيرهم فقلت لي أسوة بجدي رسول الله ص حين عبد الله سرا و هو يومئذ في تسعة و ثلاثين رجلا فلما أكمل الله له الأربعين صار في عدة و أظهر أمر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت اللهم إني قد دعوت و أنذرت و أمرت و نهيت و كانوا عن إجابة الداعي غافلين و عن نصرته قاعدين و في طاعته مقصرين و لأعدائه ناصرين اللهم فأنزل عليهم رجزك و بأسك و عذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين و نزلت ثم خرجت من الكوفة داخلا إلى المدينة فجاءوني يقولون إن معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار و الكوفة و شن غاراته على المسلمين و قتل من لم يقاتله و قتل النساء و الأطفال فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم فأنفذت معهم رجالا و جيوشا و عرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية و ينقضون عهدي و بيعتي فلم يكن إلا ما قلت لهم و أخبرتهم
أقول أوردت الخبر بتمامه و شرحه في كتاب الغيبة.
و قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة روي أن أبا جعفر بن محمد بن علي الباقر ع قال لبعض أصحابه يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا و تظاهرهم علينا و ما لقي شيعتنا و محبونا من الناس إن رسول الله ص قبض و قد أخبر أنا أولى الناس بالناس فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه و احتجت على الأنصار بحقنا و حجتنا تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا و نصبت الحرب لنا و لم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتى قتل فبويع الحسن ابنه و عوهد ثم غدر به و أسلم و وثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه و انتهب عسكره و عولجت خلاخيل أمهات أولاده فوادع معاوية و حقن دمه و دماء أهل بيته و هم قليل حق قليل ثم بايع الحسين ع من أهل العراق عشرون ألفا ثم غدروا به و خرجوا عليه و بيعته في أعناقهم فقتلوه ثم لم نزل أهل البيت نستذل و نستضام و نقصى و نمتهن و نحرم و نقتل و نخاف و لا نأمن على دمائنا و دماء أوليائنا و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم و جحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم و قضاة السوء و عمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة و رووا عنا ما لم نقله و لم نفعله ليبغضونا إلى الناس و كان عظم ذلك و كبره زمن معاوية بعد موت الحسن ع فقتلت شيعتنا بكل بلدة و قطعت الأيدي و الأرجل على الظنة و كان من ذكر بحبنا و الانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد و يزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ع ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة و أخذهم بكل ظنة و تهمة حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي و حتى صار الرجل الذي يذكر بالخير و لعله يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل من قد سلف من الولاة و لم يخلق الله تعالى شيئا منها و لا كانت و لا وقعت و هو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب و لا بقلة ورع