اقتبسناها من كتاب تحفة العالم في شرح خطبة المعالم تأليف العلامة السيد جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي
فيما يتعلق بأحوال إخوانه و أخواته عليه الصلاة و السلام.
كان له ع ستة إخوة و ثلاثة أخوات و هم إسماعيل و عبد الله الأفطح و أم فروة اسمها عالية أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين ع و نقل عن ابن إدريس رحمه الله أنه قال أم إسماعيل فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن أبي طالب ع و إسحاق لأم ولد و العباس و علي و محمد و أسماء و فاطمة لأمهات أولاد شتى. و كان إسماعيل أكبر أولاد الصادق ع و هو جد الخلفاء الفاطميين في المغرب و مصر و مصر الجديد من بنائهم. و في بغداد قبران مذمومان أحدهما علي بن إسماعيل بن الصادق ع و يعرف عند البغداديين بالسيد سلطان علي و الآخر أخوه محمد بن إسماعيل جد الفاطميين و يعرف عندهم بالفضل و المحلة التي فيها محلة الفضل. و كان الإمام الصادق ع شديد المحبة لإسماعيل و البر به و الإشفاق عليه و كان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه و الخليفة له لما ذكرنا من كبر سنه و ميل أبيه إليه و إكرامه له و لما كان عليه من الجمال و الكمال الصوري و المعنوي توفي حياة أبيه و حين ما حمل إلى البقيع للدفن كان أبوه الصادق ع يضع جنازته على الأرض و يرفع عن وجهه الكفن بحيث يراه الناس فعل ذلك في أثناء الطريق ثلاث مرات ليري الناس موته و أنه لم يغب كما كان يظن به ذلك و لما تحقق موته رجع الأكثرون عن القول بإمامته و فرض طاعته. و قال قوم إنه لم يمت و إنما لبس على الناس في أمره و قالت فرقة إنه مات و لكن نص على ابنه محمد و هو الإمام بعد جعفر و هم المسمون بالقرامطة و المباركة و ذهب جماعة إلى أنه نص على محمد جده الصادق دون إسماعيل ثم يسحبون الإمامة في ولده إلى آخر الزمان. قال جدي الأمجد السيد محمد جد جدنا بحر العلوم و سخافة مذهبهم و بطلانه أظهر من أن يبين مع أنه مبين بما لا مزيد عليه في محله. و قبر إسماعيل ليس في البقيع نفسه بل هو في الطرف الغربي من قبة العباس في خارج البقيع و تلك البقعة ركن سور المدينة من جهة القبلة و المشرق و بابه من داخل المدينة و بناء تلك البقعة قبل بناء السور فاتصل السور به و هو من بناء بعض الفاطميين من ملوك مصر. و قبر المقداد بن أسود الكندي في البقيع أيضا فإنه مات بالجرف يبعد عن المدينة بفرسخ و حمل إلى المدينة فما عليه سواد أهل شهروان من أن فيه قبر مقداد بن أسود هذا اشتباه و من المحتمل قويا كما في الروضات أن المشهد الذي في شهروان هو للشيخ الجليل الفاضل المقداد صاحب المصنفات من أجل علماء الشيعة. و ذكر علماء السير و التواريخ فيما يتعلق بتاريخ المدينة المنورة أن أكثر أصحاب النبي دفنوا في البقيع و ذكر القاضي عياض في المدارك أن المدفونين من أصحاب النبي هناك عشرة آلاف و لكن الغالب منهم مخفي الآثار عينا وجهه و سبب ذلك أن السابقين لم يعلموا القبور بالكتابة و البناء مضافا إلى أن تمادى الأيام يوجب زوال الآثار. نعم إن من يعرف مرقده من بني هاشم عينا و جهة قبر إبراهيم بن النبي ص في بقعة قريبة من البقيع و فيها قبر عثمان بن مظعون من أكابر الصحابة و هو أول من دفن في البقيع. و فيه أيضا قبر أسعد بن زرارة و ابن مسعود و رقية و أم كلثوم بنات رسول الله ص و في الروايات من العامة و الخاصة أنه لما توفيت رقية و دفنها ص قال الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون.
قال السمهودي إن الظاهر أن بنات النبي ص كلهن مدفونات عند عثمان بن مظعون لأنه ص لما وضع حجرا على قبر عثمان قال بهذا أميز قبر أخي و أدفن معه كل من مات من ولدي
و روى الدولابي المتوفى سنة ثلاثمائة و عشر في كتاب الكنى أنه لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته هنيئا لك يا أبا السائب الجنة و إنه أول من تبعه إبراهيم ولد رسول الله ص و بالجملة فما يقال من أن قبر عثمان بن عفان هناك غلط فإن قبره خارج البقيع قال ابن الأثير في النهاية في حشش و منه حديث عثمان أنه دفن في حش كوكب و هو بستان بظاهر المدينة خارج البقيع انتهى. و قبر عقيل بن أبي طالب و معه في القبر ابن أخيه عبد الله الجواد بن جعفر الطيار و قريب من قبة عقيل بقعة فيها زوجات النبي و قبر صفية بنت عبد المطلب عمة النبي ص على يسار الخارج من البقيع و في طرف القبلة من البقعة قبر متصل بجدار البقعة عليه ضريح و العامة يعتقدون أنه قبر الزهراء عليها السلام و أن قبر فاطمة بنت أسد هو الواقع في زاوية المقبرة العمومية للبقيع في الطرف الشمالي من قبة عثمان و هو اشتباه فإن من المحقق أن قبر فاطمة الزهراء عليهما السلام إما في بيتها أو في الروضة النبوية على مشرفها آلاف الثناء و التحية و أن القبر الواقع في الطرف القبلي من البقعة هو قبر فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ع كما في بعض الأخبار أن الأئمة عليهم السلام الأربعة نزلوا إلى جوار جدتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و أن القبر الواقع في المقبرة العمومية هو مشهد سعد بن معاذ الأشهلي أحد أصحاب النبي ص كما ذكره في تلخيص معالم الهجرة. و ممن عين قبر فاطمة بنت أسد حيث ما ذكرنا السيد علي السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى.
و لنختم الكلام في أمر البقيع بما روي عن سلمان الفارسي أنه رجفت قبور البقيع في عهد عمر بن الخطاب فضج أهل المدينة في ذلك فخرج عمر و أصحاب رسول الله ص يدعون بسكون الرجفة فما زالت تزيد إلى أن تعدى ذلك إلى حيطان المدينة و عزم أهلها إلى الخروج عنها فعند ذلك قال عمر علي بأبي الحسن علي بن أبي طالب فحضر فقال يا أبا الحسن أ لا ترى إلى قبور البقيع و رجيفها حتى تعدى ذلك إلى حيطان المدينة و قد هم أهلها بالرحلة منها فقال علي ع علي بمائة رجل من أصحاب رسول الله ص من البدريين فاختار من المائة عشرة فجعلهم خلفه و جعل التسعين من ورائهم و لم يبق بالمدينة ثيب و لا عاتق إلا خرجت ثم دعا بأبي ذر و سلمان و المقداد و عمار فقال لهم كونوا بين يدي حتى توسط البقيع و الناس محدقون به فضرب الأرض برجله ثم قال ما لك ثلاثا فسكنت فقال صدق الله و صدق رسوله ص فقد أنبأني بهذا الخبر و هذا اليوم و هذه الساعة و باجتماع الناس له إن الله تعالى يقول في كتابه إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَ قالَ الْإِنْسانُ ما لَها و أخرجت لي أثقالها ثم انصرف الناس معه و قد سكنت الرجفة هذا
و كان عبد الله أكبر إخوته بعد أخيه إسماعيل و لم تكن منزلته عند أبيه ع منزلة غيره من إخوته في الإكرام و كان متهما في الخلاف على أبيه في الاعتقاد و يقال إنه كان يخالط الحشوية و يميل إلى مذهب المرجئة و ادعى بعد أبيه الإمامة محتجا بأنه أكبر أولاده الباقين بعده فاتبعه جماعة من أصحاب الصادق ثم رجع أكثرهم عن هذا القول و لم يبق عليه إلا نفر يسير منهم و هم الطائفة الملقبة بالفطحية لأن عبد الله كان أفطح الرجلين و يقال إنهم لقبوا بذلك لأن رئيسهم و داعيهم إلى هذا المذاهب يقال له عبد الله بن أفطح. و أما إسحاق فقد قال في الإرشاد و كان إسحاق بن جعفر ع من أهل الفضل و الصلاح و الورع و الاجتهاد و روى عنه الناس الحديث و الآثار. و كان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر ع و كان يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفر و روى عن أبيه النص على إمامته. و قال في العمدة و يكنى أبا محمد و يلقب المؤتمن و ولد بالعريض و كان من أشبه الناس برسول الله ص و أمه أم أخيه موسى الكاظم ع و كان محدثا جليلا و ادعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة و كان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ع. و كان محمد بن جعفر ع سخيا شجاعا و كان يصوم يوما و يفطر يوما و كان يصرف في مطبخه كل يوم شاة و كان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف و خرج على المأمون في سنة مائة و تسع و تسعين بمكة و تبعه الجارودية فوجه عليه المأمون جندا بقيادة عيسى الجلودي فكسره و قبض عليه و أتى به إلى المأمون فأكرمه المأمون و لم يقتله و أصحبه معه إلى خراسان و قبره في بسطام و هو الذي ذكرنا سابقا أن قبره في جرجان فإن جرجان اسم لمجموع الناحية المعينة المشتملة على المدينة المدعوة بالأسترآباد و غيرها مثل مصر و القاهرة و العراق و الكوفة. قال في مجالس المؤمنين في ضمن أحوال با يزيد البسطامي أن السلطان أولجايتوخان أمر ببناء قبة على تربته و قد ذهب إلى إمامته بعد أبيه قوم من الشيعة يقال لهم السمطية لنسبتهم إلى رئيس لهم يقال له يحيى بن أبي السمط. و كان علي بن جعفر كثير الفضل شديد الورع سديد الطريق رواية للحديث من أخيه موسى ع و هو المعروف بعلي بن جعفر العريضي نشأ في تربية أخيه موسى بن جعفر ع و من أهل التضييف بأيدي الشيعة إلى هذا
اليوم و أدرك من الأئمة أربعة أو خمسة و قال السيد في الأنوار كان من الورع بمكان لا يدانى فيه و كذلك من الفضل و لزم أخاه موسى بن جعفر ع و قال بإمامته و إمامة الرضا و الجواد ع. و كان إذا رأى الجواد ع مع الصبيان يقوم إليه من المسجد من بين جماعة الشيعة و ينكب على أقدامه و يمسح شيبته على تراب رجليه و يقول قد رأى الله هذا الصبي أهلا للإمامة فجعله إماما و لم ير شيبتي هذه أهلا للإمامة لأن جماعة من الشيعة كانوا يقولون له أنت إمام فادع الإمامة و كان رضوان الله عليه لا يقبل منهم قولا. و روي أن الجواد ع إذا أراد أن يفصد أخذ الدم يقول علي بن جعفر للفصاد افصدني حتى أذق حرارة الحديد قبل الجواد انتهى. و له مشاهد ثلاثة الأول في قم و هو المعروف و هو في خارج البلد و له صحن وسيع و قبة عالية و آثار قديمة منها اللوح الموضوع على المرقد المكتوب فيه اسمه و اسم والده و تاريخ الكتابة سنة أربع و سبعون. قال المجلسي رحمه الله في البحار من جملة من هو معروف بالجلالة و النبالة علي بن جعفر ع مدفون في قم و جلالته أشهر من أن يذكر. و أما كون مدفنه في قم فلم يذكر في الكتب المعتبرة لكن أثر القبر الشريف الموجود قديم و عليه مكتوب اسمه انتهى. و في تحفة الزائر يوجد مزار في قم و فيه قبر كبير و على القبر مكتوب قبر علي بن جعفر الصادق ع و محمد بن موسى و من تاريخ بناء ذلك القبر إلى هذا الزمان قريب من أربعمائة سنة انتهى. و قال الفقيه المجلسي الأول في شرح الفقيه في ترجمة علي بن جعفر ع بعد ذكر نبذة من فضائله و قبره في قم مشهور قال سمعت أن أهل الكوفة استدعوا منه أن يأتيهم من المدينة و يقيم عندهم فأجابهم إلى ذلك و مكث في الكوفة مدة و حفظ أهل الكوفة منه أحاديث ثم استدعى منه أهل
قم النزول إليهم فأجابهم إلى ذلك و بقي هناك إلى أن توفي و له ذرية منتشرة في العالم و في أصفهان قبر بعضهم منهم قبر السيد كمال الدين في قرية سينبرخوار و هو مزار معروف انتهى. و ظني القوي أن محمد بن موسى المدفون معه هو من ذرية الإمام موسى بن جعفر ع و هو محمد بن موسى بن إسحاق بن إبراهيم العسكري بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ع قال صاحب تاريخ قم ولد من أبي محمد موسى بن إسحاق ولد و بنت و لكن لم يذكر اسم الولد و ذكر صاحب العمدة أنه أعقب موسى بن إسحاق بن إبراهيم العسكري أبا جعفر محمد الفقيه بقم و أبا عبد الله إسحاق إلخ. الثاني في خارج قلعة سمنان في وسط بستان نضرة مع قبة و بقعة و عمارة نزهة و لكن المنقول عن المجلسي أنه قال لم يعلم أن ذلك قبره بل المظنون خلافه. الثالث في العريض بالتصغير على بعد فرسخ من المدينة اسم قرية كانت ملكه و محل سكناه و سكنى ذريته و لهذا كان يعرف بالعريضي و له فيها قبر و قبة و هو الذي اختاره المحدث النوري في خاتمة المستدركات مع بسط تام و هو الظاهر و لعل الموجود في قم هو لأحد أحفاده. و أما العباس بن جعفر فقد قال في الإرشاد كان فاضلا نبيلا. تتميم لا يخفى أنه يوجد على ضفة نهر كربلاء المشرفة المعروفة بالحسينية مقام يعرف بمقام جعفر الصادق ع على لسان سواد أهل تلك البلدة و لعله هو الذي عبر عنه الصادق ع في حديث صفوان الذي نقله المجلسي في تحفة الزائر عن مصباح الشيخ الطوسي رحمه الله الوارد لتعليمه إياه آداب زيارة جده الحسين ع و فيه فإذا وصلت إلى نهر الفرات يعني شريعة سماها الصادق بالعلقمي فقل كذا و التفسير من الشيخين و ظاهره أن المقام المقدس كان منسوبا إلى الصادق ع في عصرهما
فيما يتعلق بأحوال أولاده عليه الصلاة و السلام.
ولد له سبع و ثلاثون و قيل تسع و ثلاثون ولدا ذكرا و أنثى علي بن موسى الرضا ع و إبراهيم و العباس و القاسم لأمهات أولاد و إسماعيل و له مزار في تويسركان من بلاد إيران و جعفر و هارون و الحسن لأم ولد و أحمد و محمد و حمزة لأم ولد و عبد الله و إسحاق و عبيد الله و زيد و الحسن و الفضل و قبره في بهبهان معروف يزار و يعرف بشاه فضل و الحسين و سليمان لأمهات أولاد و فاطمة الكبرى و فاطمة الصغرى و رقية و حكيمة و أم أبيها و رقية الصغرى و كلثوم و أم جعفر و لبابة و زينب و خديجة و علية و آمنة و حسنة و بريهة و عائشة و أم سلمة و ميمونة لأمهات شتى. أما إبراهيم فقد قال المفيد رحمه الله في الإرشاد و الطبرسي في إعلام الورى. كان إبراهيم بن موسى شجاعا كريما و تقلد الإمرة على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة و مضى إليها ففتحها و أقام بها مدة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان و أخذ له الأمان من المأمون و صرحا بأن لكل من ولد أبي الحسن موسى ع فضل و منقبة مشهورة. و في وجيزة المجلسي إبراهيم بن موسى بن جعفر ممدوح
و في الكافي في باب أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه بسنده عن علي بن أسباط قال قلت للرضا ع إن رجلا عنى أخاك إبراهيم فذكر له أن أباك في الحياة و أنت تعلم من ذلك ما لا يعلم فقال سبحان الله يموت رسول الله ص و لا يموت موسى قد و الله مضى كما مضى رسول الله ص و لكن الله تبارك و تعالى لم يزل منذ قبض نبيه ص هلم جرا يمن بهذا الدين على أولاد الأعاجم و يصرفه عن قرابة نبيه هلم جرا فيعطي هؤلاء و يمنع هؤلاء لقد قضيت عنه في هلال ذي الحجة ألف دينار بعد أن أشفى على طلاق نسائه و عتق مماليكه و لكن قد سمعت ما لقي يوسف من إخوته
قال جدي الصالح في شرح أصول الكافي قوله عنى بمعنى قصد و أراد و في بعض النسخ عزى أخاك قيل ذلك الرجل أخوهما العباس قوله فذكر له فاعل ذكر راجع إلى الرجل و ضمير له إلى إبراهيم قوله و أنت تعلم أي ذكر أيضا أنك تعلم ما لا يعلم من مكانه و لفظة لا غير موجودة في بعض النسخ و معناه واضح. قوله على أولاد الأعاجم كسلمان و غيره و فيه مدح عظيم للعجم و تفضيلهم على العرب و كتب أبو عامر بن حرشنة كتابا في تفضيل العجم على العرب و كذلك إسحاق بن سلمة و كيف ينكر فضلهم و في الأخبار ما يدل على أنهم من أعوان القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف و أنهم أهل تأييد الدين.
قال النبي ص أسعد الناس بهذا الدين فارس
رواه الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري في كتاب جامع الأحاديث مع أنهم في تأييد الدين و قبول العلم أحسن و أكثر من العرب يدل على ذلك قوله تعالى وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ
قال علي بن إبراهيم قال الصادق ع لو نزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب و قد نزل على العرب فآمنت به العجم فهي فضيلة للعجم و قال عند تفسير قوله تعالى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ الشعوب من العجم و القبائل من العرب و الأسباط من بني إسرائيل
قال و روي ذلك عن الصادق ع.
و قال رسول الله ص يوم فتح مكة يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية و تفاخرها بآبائها إن العربية ليست بأب والد و إنما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي ألا إنكم من آدم و آدم من التراب
و هذا صريح في أن التكلم بلغة العرب وحده لا فخر فيه بل المناط هو التقوى. و في الفتوحات المكية في الباب السادس و الستين و ثلاثمائة أن وزراء المهدي عليه السلام من الأعاجم ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية لهم حافظ ليس من جنسهم انتهى. بل المستفاد من خطبة أمير المؤمنين فيما يتعلق بإخباره عن القائم ع حيث يقول فيها و كأني أسمع صهيل خيلهم و طمطمة رجالهم أنهم يتكلمون بالفارسية قال في البحار الطمطمة اللغة العجمية و رجل طمطمي في لسانه عجمة أشار ع بذلك إلى أن عسكرهم من العجم انتهى و لا ينافي ما ذكره صاحب الفتوحات إذ لعل التكلم بالعربي لوزرائه خاصة دون بقية الجيش.
و في حياة الحيوان، عن ابن عمر قال قال رسول الله ص رأيت غنما سودا دخلت فيها غنم كثير بيض قالوا فما أولته يا رسول الله قال قال العجم يشركونكم في دينكم و أنسابكم قالوا العجم يا رسول الله قال لو كان الإيمان متعلقا بالثريا لناله رجال من العجم
و سبب المن و الإعطاء و الصرف و المنع في رواية الكافي هو استعمال الاستعداد الفطري و قبوله و إبطاله و الإعراض عنه فلا يلزم الجبر. قوله لقد قضيت عنه قال الفاضل الأمين الأسترآبادي أي قضيت عن الذي عزى إبراهيم و كأنه عباس أخوهما ألف دينار بعد أن أشرف و عزم على طلاق نسائه و عتق مماليكه و على أن يشرد من الغرماء و كان قصده من الطلاق و العتق أن لا يأخذ الغرماء مماليكه و يختموا بيوت نسائه و قيل عزمه على ذلك لفقره و عجزه من النفقة قوله قد سمعت ما لقي يوسف يعني أنهم يقولون ذلك افتراء و ينكرون حقي حسدا انتهى. و في بصائر الدرجات أنه ألح إلى أبي الحسن ع في السؤال فحك بسوطه الأرض فتناول سبيكة ذهب فقال استغن بها و اكتم ما رأيت و بالجملة قال جدي بحر العلوم رحمه الله ما ذكره المفيد رحمه الله و غيره من الحكم بحسن حال أولاد الكاظم ع عموما محل نظر و كذا في خصوص إبراهيم كما هو ظاهر الرواية المتقدمة. و كيف كان فإبراهيم هذا هو جد السيد المرتضى و الرضي رحمهما الله فإنهما ابنا أبي أحمد النقيب و هو الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ع. و ظاهر المفيد في الإرشاد و الطبرسي في إعلام الورى و ابن شهرآشوب في المناقب و الإربلي في كشف الغمة أن المسمى بإبراهيم من أولادي أبي الحسن ع رجل واحد و لكن عبارة صاحب العمدة تعطي أن إبراهيم من ولده اثنان إبراهيم الأكبر و إبراهيم الأصغر و أنه يلقب بالمرتضى و العقب منه و أمه أم ولد نوبية اسمها نجية و الظاهر التعدد فإن علماء النسب أعلم من غيرهم بهذا الشأن و الظاهر أن المسئول عن أبيه و المخبر بحياته هو إبراهيم الأكبر و أن الذي هو جد المرتضى و الرضي هو الأصغر كما صرح به جدي بحر العلوم و قد ذكرنا أنه مدفون في الحائر الحسيني خلف ظهر الحسين ع. و كيف كان ففي شيراز بقعة تنسب إلى إبراهيم بن موسى واقعة في محلة لبآب بناها محمد زكي خان النوري من وزراء شيراز سنة ألف و مائتين و أربعين و لكن لم أعثر على مستند قوي يدل على صحة النسبة بل يبعدها ما سمعت من إرشاد المفيد من أنه كان واليا باليمن بل ذكر صاحب أنساب الطالبين أن إبراهيم الأكبر ابن الإمام موسى ع خرج باليمن و دعا الناس إلى بيعة محمد بن إبراهيم طباطبا ثم دعا الناس إلى بيعة نفسه و حج في سنة مائتين و اثنين و كان المأمون يومئذ في خراسان فوجه إليه حمدويه بن علي و حاربه فانهزم إبراهيم و توجه إلى العراق و آمنه المأمون و توفي في بغداد. و على فرض صحة ما ذكرناه فالمتيقن أنه أحد المدفونين في صحن الكاظم ع لأن هذا الموضع كان فيه مقابر قريش من قديم الزمان فدفن إلى جنب أبيه و أما أحمد بن موسى ففي الإرشاد كان كريما جليلا ورعا و كان أبو الحسن موسى يحبه و يقدمه و وهب له ضيعته المعروفة باليسيرة و يقال أنه رضي الله عنه أعتق ألف مملوك قال أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى قال حدثنا جدي سمعت إسماعيل بن موسى ع يقول خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة فكنا في ذلك المكان فكان مع أحمد بن موسى عشرون من خدام أبي و حشمه إن قام أحمد قاموا و إن جلس جلسوا معه و أبي بعد ذلك يرعاه و يبصره ما يغفل عنه فما انقلبنا حتى تشيخ أحمد بن موسى بيننا انتهى. و كانت أمه من الخواتين المحترمات تدعى بأم أحمد و كان الإمام موسى شديد التلطف بها و لما توجه من المدينة إلى بغداد أودعها ودائع الإمامة و قال لها كل من جاءك و طالب منك هذه الأمانة في أي وقت من الأوقات فاعلمي بأني قد استشهدت و أنه هو الخليفة من بعدي و الإمام المفترض الطاعة عليك و على سائر الناس و أمر ابنه الرضا ع بحفظ الدار. و لما سمه المأمون في بغداد جاء إليها الرضا ع و طالبها بالأمانة فقالت له أم أحمد لقد استشهد والدك فقال بلى و الآن فرغت من دفنه فأعطني الأمانة التي سلمها إليك أبي حين خروجه إلى بغداد و أنا خليفته و الإمام بالحق
على تمام الجن و الإنس فشقت أم أحمد جيبها و ردت عليه الأمانة و بايعته بالإمامة. فلما شاع خبر وفاة الإمام موسى بن جعفر ع في المدينة اجتمع أهلها على باب أم أحمد و سار أحمد معهم إلى المسجد و لما كان عليه من الجلالة و وفور العبادة و نشر الشرائع و ظهور الكرامات ظنوا به أنه الخليفة و الإمام بعد أبيه فبايعوه بالإمامة فأخذ منهم البيعة ثم صعد المنبر و أنشأ خطبة في نهاية البلاغة و كمال الفصاحة ثم قال أيها الناس كما أنكم جميعا في بيعتي فإني في بيعة أخي علي بن موسى الرضا و اعلموا أنه الإمام و الخليفة من بعد أبي و هو ولي الله و الفرض علي و عليكم من الله و رسوله طاعته بكل ما يأمرنا. فكل من كان حاضرا خضع لكلامه و خرجوا من المسجد يقدمهم أحمد بن موسى ع و حضروا باب دار الرضا ع فجددوا معه البيعة فدعا له الرضا ع و كان في خدمة أخيه مدة من الزمان إلى أن أرسل المأمون إلى الرضا ع و أشخصه إلى خراسان و عقد له خلافة العهد. و هو المدفون بشيراز المعروف بسيد السادات و يعرف عند أهل شيراز بشاهچراغ و في عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة و كان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا ع فلما سمع به قتلغ خان عامل المأمون على شيراز توجه إليه خارج البلد في مكان يقال له خان زينان على مسافة ثمانية فراسخ من شيراز فتلاقى الفريقان و وقع الحرب بينهما فنادى رجل من أصحاب قتلغ إن كان تريدون ثمة الوصول إلى الرضا فقد مات فحين ما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرقوا عنه و لم يبق معه إلا بعض عشيرته و إخوته فلما لم يتيسر له الرجوع توجه نحو شيراز فأتبعه المخالفون و قتلوه حيث مرقده هناك. و كتب بعض في ترجمته أنه لما دخل شيراز اختفى في زاوية و اشتغل بعبادة ربه حتى توفي لأجله و لم يطلع على مرقده أحد إلى زمان الأمير مقرب الدين مسعود بن بدر الدين الذي كان من الوزراء المقربين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكي فإنه لما عزم على تعمير في محل قبره حيث هو الآن ظهر له قبر و جسد صحيح غير متغير و في إصبعه خاتم منقوش فيه العزة لله أحمد بن موسى فشرحوا الحال إلى أبي بكر فبنى عليه قبة و بعد مدة من السنين آذنت بالانهدام فجددت تعميرها الملكة تاشى خاتون أم السلطان الشيخ أبي إسحاق بن سلطان محمود و بنت عليه قبة عالية و إلى جنب ذلك مدرسة و جعلت قبرها في جواره و تاريخه يقرب من سنة سبعمائة و خمسين هجرية. و في سنة ألف و مائتين و اثنين و أربعين جعل السلطان فتح على شاه القاجاري عليه مشبكا من الفضة الخالصة و يوجد على قبره نصف قرآن بقطع البياض بالخط الكوفي الجيد على ورق من رق الغزال و نصفه الآخر بذلك الخط في مكتبة الرضا ع و في آخره كتبه علي بن أبو طالب فلذلك كان الاعتقاد بأنه خطه ع. و أورد بعض أن مخترع علم النحو لا يكتب المجرور مرفوعا و الذي ببالي أن غير واحد من النحاة و أهل العربية صرح بأن الأب و الابن إذا صارا علمين يعامل معهما معاملة الأعلام الشخصية في أحكامها و صرح بذلك صاحب التصريح و قال أبو البقاء في آخر كتابه الكليات و مما جرى مجرى المثل الذي لا يغير علي بن أبي طالب حتى ترك في حالي النصب و الجر على لفظه في حالة الرفع لأنه اشتهر في ذلك و كذلك معاوية بن أبي سفيان و أبو أمية انتهى. و ظني القوي أن القرآن بخط علي ع لا يوجد إلا عند الحجة ع و أن كاتب القرآن المدعي كونه بخطه ع هو علي بن أبي طالب المغربي و كان معروفا بحسن الخط الكوفي و نظير هذا القرآن بذلك الرقم بعينه يوجد في مصر مقام رأس الحسين ع كما ذكرنا أنه كان يوجد نظيره أيضا في المرقد العلوي المرتضوي و أنه احترق فيما احترق هذا و ربما ينقل عن بعض أن مشهد السيد أحمد المذكور في بلخ و الله العالم.
و في بيرم من أعمال شيراز مشهد ينسب إلى أخ السيد أحمد يعرف عندهم بشاه علي أكبر و لعله هو الذي عده صاحب العمدة من أولاد موسى بن جعفر ع و سماه عليا و أما القاسم بن موسى ع كان يحبه أبوه حبا شديدا و أدخله في وصاياه
و في باب الإشارة و النص على الرضا من الكافي في حديث أبي عمارة يزيد بن سليط الطويل قال أبو إبراهيم أخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان يعني عليا الرضا ع و أشركت معه بني في الظاهر و أوصيته في الباطن فأفردته وحده و لو كان الأمر إلي لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه و رأفتي عليه و لكن ذلك إلى الله عز و جل يجعله حيث يشاء و لقد جاءني بخبره رسول الله ص و جدي علي ع ثم أرانيه و أراني من يكون معه و كذلك لا يوصي إلى أحد منا حتى يأتي بخبره رسول الله ص و جدي علي ع و رأيت مع رسول الله خاتما و سيفا و عصا و كتابا و عمامة فقلت ما هذا يا رسول الله فقال لي أما العمامة فسلطان الله عز و جل و أما السيف فعز الله تبارك و تعالى و أما الكتاب فنور الله تبارك و تعالى و أما العصا فقوة الله عز و جل و أما الخاتم فجامع هذه الأمور ثم قال لي و الأمر قد خرج منك إلى غيرك فقلت يا رسول الله أرنيه أيهم هو فقال رسول الله ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك و لو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك و لكن من الله
و في الكافي، أيضا بسنده إلى سليمان الجعفري قال رأيت أبا الحسن ع يقول لابنه القاسم قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا حتى تستتمها فقرأ فلما بلغ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا قضى الفتى فلما سجي و خرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ فصرت تأمرنا بالصافات فقال يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته
و نص السيد الجليل علي بن طاوس على استحباب زيارة القاسم و قرنه بالعباس بن أمير المؤمنين و علي بن الحسين ع المقتول بالطف و ذكر لهم و لمن يجري مجراهم زيارة يزارون بها من أرادها وقف عليها في كتابه مصباح الزائرين. و قال في البحار و القاسم بن الكاظم الذي ذكره السيد رحمة الله عليه قبره قريب من الغري و ما هو معروف في الألسنة من أن الرضا قال فيه من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم كذب لا أصل له في أصل من الأصول و شأنه أجل من أن يرغب الناس في زيارته بمثل هذه الأكاذيب. و أما محمد بن موسى ع ففي الإرشاد أنه من أهل الفضل و الصلاح ثم ذكر ما يدل على مدحه و حسن عبادته و في رجال الشيخ أبي علي نقلا عن حمد الله المستوفي في نزهة القلوب أنه مدفون كأخيه شاهچراغ في شيراز و صرح بذلك أيضا السيد الجزائري في الأنوار قال و هما مدفونان في شيراز و الشيعة تتبرك بقبورهما و تكثر زيارتهما و قد زرناهما كثيرا انتهى. يقال إنه في أيام الخلفاء العباسية دخل شيراز و اختفى بمكان و من أجرة كتابة القرآن أعتق ألف نسمة و اختلف المؤرخون في أنه الأكبر أو السيد أحمد و كيف كان فمرقده في شيراز معروف بعد أن كان مخفيا إلى زمان أتابك بن سعد بن زنكي فبنى له قبة في محلة باغ قتلغ. و قد جدد بناؤه مرات عديدة منها في زمان السلطان نادر خان و في سنة ألف و مائتين و تسع و ستين رمته النواب أويس ميرزا ابن النواب الأعظم العالم الفاضل الشاهزاده فرهاد ميرزا القاجاري. و أما الحسين بن موسى و يلقب بالسيد علاء الدين فقبره أيضا في شيراز معروف ذكره شيخ الإسلام شهاب الدين أبو الخير حمزة بن حسن بن مودود حفيد الخواجة عز الدين مودود بن محمد بن معين الدين محمود المشهور بزركوش الشيرازي المنسوب من طرف الأم إلى أبي المعالي مظفر الدين محمد بن روزبهان و توفي في حدود سنة ثمانمائة ذكره المؤرخ الفارسي في تاريخه المعروف بشيرازنامه. و ملخص ما ذكره أن قتلغ خان كان واليا على شيراز و كان له حديقة في مكان حيث هو مرقد السيد المذكور و كان بواب تلك الحديقة رجلا من أهل الدين و المروة و كان يرى في ليالي الجمعة نورا يسطع من مرتفع في تلك الحديقة فأبدى حقيقة الحال إلى الأمير قتلغ و بعد مشاهدته لما كان يشاهده البواب و زيادة تجسسه و كشفه عن ذلك المكان ظهر له قبر و فيه جسد عظيم في كمال العظمة و الجلال و الطراوة و الجمال بيده مصحف و بالأخرى سيف مصلت فبالعلامات و القرائن علموا أنه قبر حسين بن موسى فبنى له قبة و رواقا. الظاهر أن قتلغ خان هذا غير الذي حارب أخاه السيد أحمد و يمكن أن تكون الحديقة باسمه و الوالي الذي أمر ببناء مشهده غيره فإن قتلغ خان لقب جماعة كأبي بكر بن سعد الزنكي و أحد أتابكية آذربيجان بل هم من الدول الإسلامية كرسي ملكها كرمان عدد ملوكها ثمانية نشأت سنة ستمائة و تسع عشرة و انقضت سنة سبعمائة و ثلاث إذ من المعلوم أن ظهور مرقده كان بعد وفاته بسنين. و كتب بعضهم أن السيد علاء الدين حسين كان ذاهبا إلى تلك الحديقة فعرفوه أنه من بني هاشم فقتلوه في تلك الحديقة و بعد مضي مدة و زوال آثار الحديقة بحيث لم يبق منها إلا ربوة مرتفعة عرفوا قبره بالعلامات المذكورة و كان ذلك في دور الدولة الصفوية و جاء رجل من المدينة يقال له ميرزا علي و سكن شيراز و كان مثريا فبنى عليه قبة عالية و أوقف عليه أملاكا و بساتين. و لما توفي دفن بجنب البقعة و تولية الأوقاف كانت بيد ولده ميرزا نظام الملك أحد وزراء تلك الدولة و من بعده إلى أحفاده و السلطان خليل الذي كان
حاكما في شيراز من قبل الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي رمت البقعة المذكورة و زاد على عمارتها السابقة في سنة ثمانمائة و عشر. و أما حمزة بن موسى فهو المدفون في الري في القرية المعروفة بشاهزاده عبد العظيم و له قبة و صحن و خدام و كان الشاهزاده عبد العظيم على جلالة شأنه و عظم قدره يزوره أيام إقامته في الري و كان يخفي ذلك على عامة الناس و قد أسر إلى بعض خواصه أنه قبر رجل من أبناء موسى بن جعفر ع. و ممن فاز بقرب جواره بعد الممات هو الشيخ الجليل السعيد قدوة المفسرين جمال الدين أبو الفتوح حسين بن علي الخزاعي الرازي صاحب التفسير المعروف بروض الجنان في عشرين مجلدا فارسي إلا أنه عجيب و مكتوب على قبره اسمه و نسبه بخط قديم فما في مجالس المؤمنين من أن قبره في أصفهان بعيد جدا. و في تبريز مزار عظيم ينسب إلى حمزة و كذلك في قم في وسط البلدة و له ضريح و ذكر صاحب تاريخ قم أنه قبر حمزة بن الإمام موسى ع و الصحيح ما ذكرنا و لعل المزار المذكور لبعض أحفاد موسى بن جعفر ع. و أما المرقدان في صحن الكاظمين ع فيقال إنهما من أولاد الكاظم ع و لا يعلم حالهما في المدح و القدح و لم أر من تعرض لهذين المرقدين نعم ذكر العلامة السيد مهدي القزويني في مزار كتابه فلك النجاة إن لأولاد الأئمة قبرين مشهورين في مشهد الإمام موسى ع من أولاده لكن لم يكونا من المعروفين و قال إن أحدهم اسمه العباس بن الإمام موسى ع الذي ورد في حقه القدح انتهى. قلت و المكتوب في لوح زيارة المرقدين أن أحدهما إبراهيم و قد تقدم أنه أحد المدفونين في الصحن الكاظمي و الآخر إسماعيل و لعل الذي يعرف بإسماعيل هو العباس بن موسى و قد عرفت ذمه من أخيه الرضا ع بما لا مزيد عليه و يؤيده ما هو شائع على الألسنة من أن جدي بحر العلوم طاب ثراه لما خرج من الحرم الكاظمي أعرض عن زيارة المشهد المزبور فقيل له في ذلك فلم يلتفت. و أما إسماعيل بن موسى الذي هو صاحب الجعفريات فقبره في مصر و كان ساكنا به و ولده هناك و له كتب يرويها عن أبيه عن آبائه منها كتاب الطهارة كتاب الصلاة كتاب الزكاة كتاب الصوم كتاب الحج كتاب الجنائز كتاب الطلاق كتاب الحدود كتاب الدعاء كتاب السنن و الآداب كتاب الرؤيا. كذا في رجال النجاشي و في تعليقات الرجال أن كثرة تصانيفه و ملاحظة عنواناتها و ترتيباتها و نظمها تشير إلى المدح مضافا إلى ما في صفوان بن يحيى أن أبا جعفر أعني الجواد ع بعث إليه بحنوط و أمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه قال و الظاهر أنه هذا و فيه إشعار بنباهته انتهى. و في مجمع الرجال لمولانا عناية الله أنه هو جزما و قال يدل على زيادة جلالته جدا. و في رجال ابن شهرآشوب إسماعيل بن موسى بن جعفر الصادق ع سكن مصر و ولده بها ثم عد كتبه المذكورة و لا يخفى ظهور كون الرجل من الفقهاء عندهم و في القرية المعروفة بفيروز كوه مزار ينسب إلى إسماعيل بن الإمام موسى ع أيضا. و أما إسحاق فمن نسله الشريف أبو عبد الله المعروف بنعمة و هو محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسن بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر ع الذي كتب الصدوق له من لا يحضره الفقيه كما صرح به في أول الكتاب المزبور.
و يوجد في أطراف الحلة مزار عظيم و له بقعة وسيعة و قبة رفيعة تنسب إلى حمزة ابن الإمام موسى ع تزوره الناس و تنقل له الكرامات و لا أصل لهذه الشهرة بل هو قبر حمزة بن قاسم بن علي بن حمزة بن حسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنين المكنى بأبي يعلى ثقة جليل القدر ذكره النجاشي في الفهرست و قال إنه من أصحابنا كثير الحديث له كتاب من روى عن جعفر بن محمد ع من الرجال و هو كتاب حسن و كتاب التوحيد و كتاب الزيارات و المناسك كتاب الرد على محمد بن جعفر الأسدي. و أما زيد فقد خرج بالبصرة فدعا إلى نفسه و أحرق دورا و أعبث ثم ظفر به و حمل إلى المأمون قال زيد لما دخلت على المأمون نظر إلي ثم قال اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى فتركني بين يديه ساعة واقفا ثم قال يا زيد سوءا لك سفكت الدماء و أخفت السبيل و أخذت المال من غير حله غرك حديث حمقى أهل الكوفة إن النبي ص قال إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها و ذريتها على النار. إن هذا لمن خرج من بطنها الحسن و الحسين ع فقط و الله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله و لأن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته إنك إذا لأكرم عند الله منهم. و في العيون أنه عاش زيد بن موسى ع إلى آخر خلافة المتوكل و مات بسرمنرأى و كيف كان فهذا زيد هو المعروف بزيد النار و قد ضعفه أهل الرجال و منهم المجلسي في وجيزته و في العمدة أنه حاربه الحسن بن سهل فظفر به و أرسله إلى المأمون فأدخل عليه بمرو مقيدا فأرسله المأمون إلى أخيه علي الرضا ع و وهب له جرمه فحلف علي الرضا أن لا يكلمه أبدا و أمر بإطلاقه ثم إن المأمون سقاه السم فمات هذا.
و قال ابن شهرآشوب في المعالم، حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر ع قالت لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر ع دعاني الرضا ع فقال يا حكيمة احضري ولادتها و ادخلي و إياها و القابلة بيتا و وضع لنا مصباحا و أغلق الباب علينا فلما أخذها الطلق طفئ المصباح و بين يديها طشت فاغتممت بطفإ المصباح فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر ع في الطشت و إذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري و نزعت عنه ذلك الغشاء فجاء الرضا ع ففتح الباب و قد فرغنا من أمره فأخذه فوضعه في المهد و قال يا حكيمة ألزمي مهده قالت فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله فقمت ذعرة فأتيت أبا الحسن ع فقلت له قد سمعت عجبا من هذا الصبي فقال ما ذاك فأخبرته الخبر فقال يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر انتهى
و حكيمة بالكاف كما صرح به جدي بحر العلوم قال رحمه الله و أما حليمة باللام فمن تصحيف العوام. قلت و في جبال طريق بهبهان مزار ينسب إليها يزوره المترددون من الشيعة.
و أما فاطمة فقد روى الصدوق في ثواب الأعمال و العيون، أيضا بإسناده قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن فاطمة بنت موسى بن جعفر ع فقال من زارها فله الجنة
و في كامل الزيارة مثله
و فيه أيضا بإسناده عن ابن الرضا أعني الجواد ع قال من زار عمتي بقم فله الجنة
و في مزار البحار رأيت في بعض كتب الزيارات حدث علي بن إبراهيم عن أبيه عن سعد عن علي بن موسى الرضا ع قال قال يا سعد عندكم لنا قبر قلت جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى قال نعم من زارها عارفا بحقها فله الجنة
و عن تاريخ قم للحسن بن محمد القمي عن الصادق ع أن لله حرما و هو مكة و لرسوله حرما و هو المدينة و لأمير المؤمنين حرما و هو الكوفة و لنا حرما و هو قم و ستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة من زارها وجبت له الجنة
قال ع ذلك و لم تحمل بموسى ع أمه. و بسند آخر أن زيارتها تعدل الجنة قلت و هي المعروفة اليوم بمعصومة و لها مزار عظيم و يذكر في بعض كتب التأريخ أن القبة الحالية التي على قبرها من بناء سنة خمسمائة و تسع و عشرين بأمر المرحومة شاهبيگم بنت عماد بيك و أما تذهيب القبة مع بعض الجواهر الموضوعة على القبر فهي من آثار السلطان فتح علي شاه القاجاري. و أما فاطمة الصغرى و قبرها في بادكوبه خارج البلد يبعد عنه بفرسخ من جهة جنوب البلد واقع في وسط مسجد بناؤه قديم هكذا ذكره صاحب مرآة البلدان و في رشت مزار ينسب إلى فاطمة الطاهرة أخت الرضا ع و لعلها غير من ذكرنا فقد ذكر سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة في ضمن تعداد بنات موسى بن جعفر ع أربع فواطم كبرى و وسطى و صغرى و أخرى و الله أعلم
نبذة فيما يتعلق ببقعته ع
كان الشافعي يقول قبر موسى الكاظم الترياق المجرب و في جامع التواريخ تأليف رشيد الدين فضل الله الوزير بن عماد الدولة أبي الخير أن في يوم الاثنين سابع عشر من ذي الحجة سنة ستمائة و اثنتين و سبعين وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي في بغداد عند غروب الشمس و أوصى أن يدفن عند قبر موسى و الجواد عليهما السلام فوجدوا هناك ضريحا مبنيا بالكاشي و الآلات فلما تفحصوا تبين أن الخليفة الناصر لدين الله قد حفره لنفسه مضجعا و لما مات دفنه ابنه الظاهر في الرصافة مدفن آبائه و أجداده. و من عجائب الاتفاق أن تاريخ الفراغ من إتمام هذا السرداب يوافق يومه مع يوم ولادة الخواجة يوم السبت حادي عشر جمادى الأولى سنة خمسمائة و سبع و تسعون تمام عمره خمس و سبعون سنة و سبعة أيام. و ممن فاز بحسن الجوار هو أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الدين علي بن قزغلي بن زيادة من أمراء بني العباس يقال له الشيباني و أصله من واسط ولد في بغداد سنة خمسمائة و اثنين و عشرين و توفي سنة خمسمائة و أربع و تسعين و دفن بجنب روضة الإمام موسى ع ذكره ابن خلكان في تاريخه و كان شيعي المذهب حسن الأخلاق محمود السيرة. و ممن فاز بحسن الجوار بعد الممات الأمير توزن الديلمي من أمراء رجال الديالمة في عصر المتقي العباسي و عصى عليه و خالفه حتى فر الخليفة منه إلى الموصل ثم استماله و أرجعه إلى بغداد توفي الأمير المزبور سنة خمسمائة و ثمان و ستين و دفن في داره ثم نقل إلى مقابر قريش. و من جملة المدفونين بجنب الإمامين الهمامين الكاظمين عليهما السلام القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم أحد صاحبي أبي حنيفة و الآخر هو محمد بن الحسن الشيباني كانت ولادة القاضي المذكور سنة مائة و ثلاث عشرة و توفي وقت الظهر خامس ربيع الأول سنة مائة و ست و ستين و قبره بجنب مشهدهما ع معلوم. و ممن فاز أيضا بقرب الجوار بعد الموت النواب فرهاد ميرزا معتمد الدولة خلف المرحوم عباس ميرزا بن فتح علي شاه القاجاري و ولي عهده السابق و كان النواب المذكور من فحول فضلاء الدورة القاجارية معروفا بوسعة التتبع و الاستحضار خصوصا في فني التأريخ و الجغرافيا و اللغة الإنكليسية. و له مآثر مأثورة منها كتابه الموسوم بجام جم في تاريخ الملوك و العالم و كتاب القمقام الذخار و الصمصام البتار في المقتل و كتاب الزنبيل يجري مجرى الكشكول و شرح خلاصة الحساب بالفارسية و هداية السبيل و كفاية الدليل رحلة زيارته بيت الله الحرام. و من أعظم آثاره تعمير صحن الإمام موسى بن جعفر ع و تذهيب رءوس منائره الأربع كما هو المشاهد الآن و مدة التعمير ست سنين و فرغ من تعميره سنة ألف و مائتين و تسع و تسعين و توفي سنة ألف و ثلاثمائة و خمس في طهران و حمل نعشه إلى الكاظمين ع و دفن بباب الصحن الشريف الكاظمي حيث لا يخفى
نبذة فيما يتعلق بالإمام علي بن موسى ع.
قيل لم يعرف له ولد سوى ابنه الإمام محمد بن علي ع كما هو في الإرشاد و الأصح أن له أولادا و قد ذكر غير واحد من العامة له خمسة بنين و ابنة واحدة و هم محمد القانع و الحسن و جعفر و إبراهيم و الحسين و عائشة و في بعض كتب الأنساب مذكور العقب من بعضهم فلاحظ. و في قوچان مشهد عظيم يعرف بسلطان إبراهيم بن علي بن موسى الرضا ع و من عجيب ما يوجد في ذلك المشهد من الآثار بعض الأوراق من كلام الله المجيد هي بخط بايسنقر بن شاهرخ بن أمير تيمور الگوركاني يقال إن السلطان نادر شاه الأفشاري جاء بها من سمرقند إلى هذا المشهد و طول الصفحة في ذراعين و نصف و عرضها في ذراع و عشرة عقود و طول السطر في ذراع و عرضه خمسة عقود و الفاصل ما بين السطرين ربع ذراع بقلم غليظ في عرض ثلاث أصابع. و السلطان ناصر الدين شاه القاجاري لما سافر إلى خراسان لزيارة الرضا ع جاء بورقتين منها إلى طهران جعلهما في متحفه الملوكي
خاتمة شريفة في فضيلة بقعة الرضا صلوات الله عليه.
اعلم أن من جملة الأخبار الدالة على فضيلة تلك الأرض المقدسة و البقعة المباركة
ما رواه الشيخ رحمه الله في باب الزيارات من التهذيب أن الرضا ع قال إن في أرض خراسان بقعة من الأرض يأتي عليها زمان تكون مهبطا للملائكة ففي كل وقت ينزل إليها فوج إلى يوم نفخ الصور فقيل له ع و أي بقعة هذه فقال هي أرض طوس و هي و الله روضة من رياض الجنة إلخ
روي أيضا عن الصادق ع أربعة بقاع من الأرض ضجت إلى الله تعالى في أيام طوفان نوح من استيلاء الماء عليها فرحمها الله تعالى و أنجاها من الغرق و هي البيت المعمور فرفعها الله إلى السماء و الغري و كربلاء و طوس
قال في الوافي و لما ضجت تلك البقاع كان ضجيجها إلى الله من جهة عدم وجود من يعبد الله على وجهها فجعلها الله مدفن أوليائه فأول مدفن بنيت في تلك الأرض المقدسة سناباد بناها إسكندر ذو القرنين صاحب السد و كانت دائرة إلى زمان بناء طوس. قال في معجم البلدان طوس مدينة بخراسان بينها و بين نيسابور نحو عشرة فراسخ و تشتمل على مدينتين يقال لأحدهما الطابران و للآخر نوقان و لهما أكثر من ألف قرية فتحت في أيام عثمان و بها قبر علي بن موسى الرضا و بها أيضا قبر هارون الرشيد. و قال المسعر بن المهلهل و طوس أربع مدن منها اثنتان كبيرتان و اثنتان صغيرتان و بهما آثار أبنية إسلامية جليلة و بها دار حميد بن قحطبة و مساحتها ميل في مثله و في بعض بساتينها قبر علي بن موسى الرضا ع و قبر الرشيد انتهى. و كان حميد بن قحطبة واليا على طوس من قبل هارون فبنى في سناباد بنيانا و محلا لنفسه متى خرج إلى الصيد نزل فيه و حميد هذا هو الذي قتل في ليلة واحدة ستين سيدا من ذرية الرسول بأمر هارون الرشيد كما هو في العيون. قال ابن عساكر في تاريخه حميد بن قحطبة و اسمه زياد بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي أحد قواد بني العباس شهد حصار دمشق و كان نازلا على باب توماء و يقال على باب الفراديس و ولي الجزيرة للمنصور ثم ولي خراسان في خلافة المنصور و أمره المهدي عليها حتى مات و استخلف ابنه عبد الله و ولي مصر في خلافة المنصور في شهر رمضان سنة ثلاث و أربعين و مائة سنة كاملة ثم صرف عنها و كانت وفاة المترجم سنة تسع و خمسين و مائة انتهى. و أما أصل بناء القبة المنورة فالظاهر أنه كان في حياته ع مشهورة بالبقعة الهارونية كما هو مروي في العيون من أنه دخل دار حميد بن قحطبة الطائي و دخل القبة التي فيها قبر هارون الرشيد.
و أيضا عن الحسن بن جهم قال حضرت مجلس المأمون يوما عنده علي بن موسى الرضا و قد اجتمع الفقهاء و أهل الكلام و ذكر أسئلة القوم و سؤال المأمون عنه ع و جواباته و ساق الكلام إلى أن قال فلما قام الرضا ع تبعته فانصرفت إلى منزله فدخلت عليه و قلت له يا ابن رسول الله الحمد لله الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك و قبوله لقولك فقال ع يا ابن الجهم لا يغرنك ما ألفيته عليه من إكرامي و الاستماع مني فإنه سيقتلني بالسم و هو ظالم لي أعرف بعهد معهود إلي من آبائي عن رسول الله ص فاكتم علي هذا ما دمت حيا قال الحسن بن الجهم فما حدثت بهذا الحديث إلى أن مضى الرضا ع بطوس مقتولا بالسم
و بالجملة فالظاهر أن سناباد كانت بلدة صغيرة بطوس و كانت لحميد بن قحطبة فيها دارا و بستانا و لما مات هارون الرشيد في طوس دفن في بيت حميد ثم بنى المأمون قبة على تربة أبيه و لما توفي الإمام ع دفن بجنب هارون في تلك القبة التي بناها المأمون فلا وجه لما هو الشائع على الألسنة أن قبته المباركة من بناء ذي القرنين. و لعل وجه الشبهة أن مرو شاهجان الذي هو من أعظم بلاد خراسان هو من بناء ذي القرنين كما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان و كان فيها سرير سلطنته و من حسن هوائه كان يسميه بروح الملك بكسر اللام و باعتبار تقديم المضاف إليه اشتهر بشاه جان.
و فيه أيضا و قد روي عن بريدة بن الحصيب أحد أصحاب النبي ص أنه قال قال رسول الله ص يا بريدة إنه سيبعث بعوث فإذا بعثت فكن في بعث المشرق ثم كن في بعث خراسان ثم كن في بعث أرض يقال لها مرو إذا أتيتها فانزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين و صلى فيها عزير أنهارها تجري البركة على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة
و قال بعض هي خير بقاع الأرض من بعد الجنات الأربع التي هي سغد سمرقند و نهر أبلة و شعب بوان و غوطة دمشق من حيث طيب الفواكه و الغلة و جمال النساء و الرجال و الخيل الجياد التي توجد فيها و سائر الحيوانات. و كانت مرو دار الإمارة للملوك من آل طاهر و من المحتمل أن إسكندر من حيث كان من المقربين عند الله ألهم من عالم الغيب أنه يدفن في هذه البقعة من الأرض أحد الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين فبنى هذه البلدة و سماها سناباد كما رواه الصدوق رحمه الله في إكمال الدين و فيه يقتله عفريت متكبر و يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين و يدفن إلى جنب شر خلق الله و لنعم ما قاله دعبل الخزاعي رضي الله عنه.
أربع بطوس على قبر الزكي إذا ما كنت ترفع من دين على فطرقبران في طوس خير الناس كلهم و قبر شرهم هذا من العبرما ينفع الرجس من قبر الزكي و ما على الزكي بقرب الرجس من ضررهيهات كل امرئ رهن بما كسبت به يداه فخذ ما شئت أو فذر.
و عليه فإن إسكندر لم يبن القبة بل إنما هو الممصر لتلك البلدة.
و في الخرائج روي عن الحسن بن عباد و كان كاتب الرضا ع قال دخلت عليه و قد عزم المأمون بالمسير إلى بغداد فقال يا ابن عباس ما ندخل العراق و لا نراه فبكيت و قلت فآيستني أن آتي أهلي و ولدي قال ع أما أنت فستدخلها و إنما عنيت نفسي فاعتل و توفي في قرية من قرى طوس و قد كان تقدم في وصيته أن يحفر قبره مما يلي الحائط بينه و بين قبر هارون ثلاث أذرع
و قد كانوا حفروا ذلك الموضع لهارون فكسرت المعاول و المساحي فتركوه و حفروا حيث أمكن الحفر فقال احفروا ذلك المكان فإنه سيلين عليكم و تجدون صورة سمكة من نحاس و عليها كتابة بالعبرانية فإذا خوتم لحدي فعمقوه و ردوها مما يلي رجلي. فحفرنا ذلك المكان و كان المحافر تقع في الرمل اللين و وجدنا السمكة مكتوبا عليها بالعبرانية هذه روضة علي بن موسى و تلك حفرة هارون الجبار فرددناها و دفناها في لحده عند موضع قاله. و من المعلوم أن حفر الأرض و عمل سمكة من نحاس و كتابه لا يكون إلا من إنسان و بالجملة فالظاهر أن الحفر المزبور من آثار إسكندر ذي القرنين دون القبة المنورة. قال في مجالس المؤمنين عند ترجمة الشيخ كمال الدين حسين الخوارزمي إنه مسطور في التواريخ و في الألسنة و الأفواه خصوصا عند أهل خراسان أنه مدة أربعمائة سنة لم تكن عمارة لائقة على قبر الإمام علي بن موسى و بعض الآثار التي كانت توجد عليه هي من أساس حميد بن قحطبة الطائي الذي كان في زمان هارون الرشيد حاكما في طوس من قبله و لما توفي دفنه في داره و من بعده دفنوا الإمام ع في تلك البقعة بجنب هارون. و يظهر من الخبر المروي عن الرضا ع أني أدفن في دار موحشة و بلاد غريبة أنه في مدة أربعمائة سنة المذكورة لم تكن في حوالي مرقده الشريف دار و لا سكنة و كانت نوقان في كمال العمران مع أنه ما بين نوقان و سناباد من البعد إلا حد مد الصوت. و قال في كشف الغمة إن امرأة كانت تأتي إلى مشهد الإمام ع في النهار و تخدم الزوار فإذا جاء الليل سدت باب الروضة و ذهبت إلى سناباد. و ربما يقال إن بعض التزيينات كانت توجد في بناء المأمون من بعض الديالمة إلى أن خربه الأمير سبكتكين و ذلك لتعصبه و شدته على الشيعة و كان خرابا إلى زمان يمين الدولة محمود بن سبكتكين. قال ابن الأثير في الكامل في ضمن حوادث سنة أربعمائة و إحدى و عشرون و جدد عمارة المشهد بطوس الذي فيه قبر علي بن موسى الرضا ع و الرشيد و أحسن عمارته و كان أبوه سبكتكين أخربه و كان أهل طوس يؤذون من يزوره فمنعهم عن ذلك و كان سبب فعله أنه رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع في المنام و هو يقول له إلى متى هذا فعلم أنه يريد أمر المشهد فأمر بعمارته. ثم إن هذه العمارة قد هدمت عند تطرق قبائل غز و جددت في عهد السلطان سنجر السلجوقي قال في مجالس المؤمنين و إن القبة العالية و البناء المعظم الموجود الآن من آثار شرف الدين أبي طاهر القمي الذي كان وزيرا للسلطان سنجر قال و كان بناء الوزير المزبور بإشارة غيبية و إن تعيين المحراب الواقع في المسجد فوق الرأس إنما كان بإشارة من الإمام ع و تعيين علماء الشيعة انتهى. و في سنة خمسمائة أمر السلطان سنجر السلجوقي بصناعة الكاشي الذي يفوق في الجودة حلي الصيني و أن يكتب عليه الأحاديث النبوية و المرتضوية و تمام القرآن
و كان الكاتب لهما عبد العزيز بن أبي نصر القمي. و من عجيب أمر ذلك أنه حملت تلك الآلات على النوق و أرسلت من قم فجاءت بطي الأرض إلى حوالي خراسان و نزلت في منخفض من الأرض بقرب البلدة المقدسة فمر جماعة من المارة على تلك الناحية فاطلعوا على صورة الحال فحملوها إلى سيد النقباء السيد محمد الموسوي فبنى بها الهزارة الرضوية. و كان السلطان سنجر ابن الملك شاه السلجوقي مع سعة ملكه قد اختار هذا المكان على سائر بلاده و ما زال مقيما به إلى أن مات و قبره به في قبة عظيمة لها شباك إلى الجامع و قبته زرقاء تظهر من مسيرة يوم بناها له بعض خدمه بعد موته و وقف عليها وقفا لمن يقرأ القرآن و يكسو الموضع قال في المعجم و تركتها أنا في سنة ستمائة و اثني عشر على أحسن ما يكون. و استمر بناء سنجر إلى زمان چنگيز خان فهدمه تولي خان ابن چنگيز خان و ذلك في سنة ستمائة و سبع عشرة قال ابن الأثير في الكامل في ما يتعلق بأحوال التتار الذين هم جند چنگيز إنه لما فرغوا من نيسابور سيروا طائفة منهم إلى طوس ففعلوا بها كذلك أيضا و خربوها و خربوا المشهد الذي فيه علي بن موسى الرضا ع و الرشيد حتى جعلوا الجميع خرابا و مثله في شرح نهج البلاغة. و في الكتيبة الذهبية الواقعة في منطقة القبة المنورة ما صورته بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عظائم توفيق الله سبحانه أن وفق السلطان الأعظم مولى ملوك العرب و العجم صاحب النسب الطاهر النبوي و الحسب الباهر العلوي تراب أقدام خدام هذه الروضة المنورة الملكوتية مروج آثار أجداده المعصومين السلطان بن السلطان أبو المظفر شاه عباس الحسيني الموسوي الصفوي بهادر خان فاستدعى بالمجيء ماشيا على قدميه من دار السلطنة أصفهان إلى زيارة هذا الحرم الأشرف. و قد تشرف بزينة هذه العتبة من خلص ماله في سنة ألف و عشر و تم في سنة ألف و ست عشرة. و في موضع آخر من القبة مكتوب و هو من إملاء المحقق الخوانساري من ميامن منن الله سبحانه الذي زين السماء بزينة الكواكب و رصع هذه القباب العلى بدرر الدراري الثواقب أن استسعد السلطان الأعدل الأعظم و الخاقان الأفخم الأكرم أشرف ملوك الأرض حسبا و نسبا و أكرمهم خلقا و أدبا مروج مذهب أجداده الأئمة المعصومين و محبي مراسم آبائه الطيبين الطاهرين السلطان بن السلطان بن السلطان سليمان الحسيني الموسوي الصفوي بهادر خان بتذهيب هذه القبة العرشية الملكوتية و تزيينها و تشرف بتجديدها و تحسينها إذ تطرق عليها الانكسار و سقطت لبناتها الذهبية التي كانت تشرق كالشمس في رابعة النهار بسبب حدوث الزلزلة العظيمة في هذه البلدة الطيبة الكريمة في سنة أربع و ثمانين و ألف و كان هذا التجديد سنة ست و ثمانين و ألف كتبه محمد رضا الإمامي. و مكتوب على جبهة الباب الواقع في قبلة المرقد الشريف. لقد تشرف بتذهيب الروضة الرضوية التي يتمنى العرش لها أمر النيابة و أرواح القدس تخدم جنابه السلطان نادر الأفشاري رحمه الله الملك الغفار سنة ألف و مائة و خمس و خمسون و كتب بعده ثم بمرور الأعوام ظهر عليها الاندراس فأمر السلطان بن السلطان و الخاقان بن الخاقان ناصر الدين شاه قاجار خلد الله ملكه بالتزيين بالزجاجة و البلور لتصير نورا على نور. و أرسل السلطان قطب شاه الدكني طاب ثراه الماسة كبيرة بقدر بيضة الدجاجة هدية إلى الضريح الرضوي و لما استولى عبد المؤمن خان رئيس طائفة الأزبكية على خراسان نهبها من الخزانة في جملة ما نهب. و لما زار السلطان شاه عباس الصفوي خراسان في الدفعة التي مشى فيها على قدمه و كان مدة خروجه من أصفهان و دخوله خراسان ثمانية عشر يوما أهدى إليه بعض الخوانين الأزبكية تلك الألماسة و لما بلغه أن الألماسة من الأعيان الراجعة إلى الخزانة الرضوية أمر ببيعها في إستانبول و اشترى بقيمتها أملاكا و أنهارا تصرف منافعها على تلك البقعة و كان ذلك بإجازة بعض العلماء.
و في فردوس التواريخ نقلا عن بعض التواريخ أنه كان للسلطان سنجر أو أحد وزرائه ولد أصيب بالدق فحكم الأطباء عليه بالتفرج و الاشتغال بالصيد فكان من أمره أن خرج يوما مع بعض غلمانه و حاشيته في طلب الصيد فبينما هو كذلك فإذا هو بغزال مارق من بين يديه فأرسل فرسه في طلبه و جد في العدو فالتجأ الغزال إلى قبر الإمام علي بن موسى الرضا ع فوصل ابن الملك إلى ذلك المقام المنيع و المأمن الرفيع الذي من دخله كان آمنا و حاول صيد الغزال فلم تجسر خيله على الإقدام عليه فتحيروا من ذلك فأمر ابن الملك غلمانه و حاشيته بالنزول من خيولهم و نزل هو معهم و مشى حافيا مع كمال الأدب نحو المرقد الشريف و ألقى نفسه على المرقد و أخذ في الابتهال إلى حضرة ذي الجلال و يسأل شفاء علته من صاحب المرقد فعوفي فأخذوا جميعا في الفرح و السرور و بشروا الملك بما لاقاه ولده من الصحة ببركة صاحب المرقد و قالوا له إنه مقيم عليه و لا يتحول منه حتى يصل البناءون إليه فيبني عليه قبة و يستحدث هناك بلدا و يشيده ليبقى بعده تذكارا و لما بلغ السلطان ذلك سجد لله شكرا و من حينه وجه نحوه المعمارين و بنوا على مشهده بقعة و قبة و سورا يدور على البلد