الآيات آل عمران أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ. تفسير المشهور بين المفسرين من الخاصة و العامة أن الطير كان هو الخفاش قال أبو الليث في تفسيره إن الناس سألوا عيسى على وجه التعنت فقالوا له اخلق لنا خفاشا و اجعل فيه روحا إن كنت من الصادقين فأخذ طينا و جعل خفاشا و نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء و الأرض و كان تسوية الطين و النفخ من عيسى ع و الخلق من الله تعالى و يقال إنما طلبوا منه خلق خفاش لأنه أعجب من سائر الخلق. و من عجائبه أنه دم و لحم يطير بغير ريش و يلد كما يلد الحيوان و لا يبيض كما يبيض سائر الطيور و يكون له الضرع و يخرج منه اللبن و لا يبصر في ضوء النهار و لا في ظلمة الليل و إنما يرى في ساعتين بعد غروب الشمس ساعة و بعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جدا و يضحك كما يضحك الإنسان و تحيض كما تحيض المرأة فلما رأوا ذلك منه ضحكوا و قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ فذهبوا إلى جالينوس فأخبروه بذلك فقال آمنوا به الخبر
1- العيون، و العلل، في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين ع عن ستة لم يركضوا في رحم فقال آدم و حواء و كبش إسماعيل و عصا موسى و ناقة صالح و الخفاش الذي عمله عيسى ابن مريم ع فطار بإذن الله تعالى
2- نهج البلاغة، من خطبة له ع يذكر فيها بديع خلقة الخفاش الحمد لله الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته و ردعت عظمته العقول فلم يجد مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته هو الله الملك الحق المبين أحق و أبين مما ترى العيون لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبها و لم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثلا خلق الخلق على غير تمثيل و لا مشورة مشير و لا معونة معين فتم خلقه بأمره و أذعن بطاعته فأجاب و لم يدافع و انقاد فلا ينازع و من لطائف صنعته و عجائب خلقته ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لكل شيء و يبسطها الظلام القابض لكل حي و كيف غشيت أعينها عن أن تستمد من الشمس المضيئة نورا تهتدي به في مذاهبها و تصل بعلانية برهان الشمس إلى معارفها و ردعها بتلألؤ ضيائها عن المضي في سبحات إشراقها و أكنها في مكامنها عن الذهاب في بلج ائتلاقها فهي مسدلة الجفون بالنهار على أحداقها و جاعلة الليل سراجا تستدل به في التماس أرزاقها فلا يرد أبصارها أسداف ظلمته و لا تمتنع من المضي فيه لغسق دجنته فإذا ألقت الشمس قناعها و بدت أوضاح نهارها و دخل من إشراق نورها على الضباب في وجارها أطبقت الأجفان على مأقيها و تبلغت ما اكتسبته من المعاش في ظلم لياليها فسبحان من جعل الليل لها نهارا و معاشا و النهار سكنا و قرارا و جعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة إلى الطيران كأنها شظايا الآذان غير ذوات ريش و لا قصب إلا أنك ترى مواضع العروق بينه أعلاما لها جناحان لما يرقا فينشقا و لم يغلظا فيثقلا تطير و ولدها لاصق بها لاجئ إليها يقع إذا وقعت و يرتفع إذا ارتفعت لا يفارقها حتى تشتد أركانها و يحمله للنهوض جناحه و يعرف مذاهب عيشه و مصالح نفسه فسبحان البارئ لكل شيء على غير مثال خلا من غيره
تبيان الخفاش كرمان معروف و حسر حسورا كقعد كل لطول مدى و نحوه و حسرته أنا يتعدى و لا يتعدى و انحسرت أي كلت و أعيت و كنه الشيء حقيقته و نهايته و ردعت كمنعت لفظا و معنا و المساغ المسلك و الملكوت العز و السلطان و الحق المتحقق وجوده أو الموجود حقيقة و أبين أي أوضح و كونه سبحانه أحق و أبين مما ترى العيون لأن العلم بوجوده سبحانه عقلي يقيني لا يتطرق إليه ما يتطرق إلى المحسوسات من الغلط و الحد في اللغة المنع الحاجز بين الشيئين و نهاية الشيء و طرفه و في عرف المنطقيين التعريف بالذاتي و المراد بالتحديد هنا إما إثبات النهاية و الطرف المستلزم للمشابهة بالأجسام أو التحديد المنطقي و الأول أنسب بعرفهم و التقدير إثبات المقدار و كأن المراد بالتمثيل إيجاد الخلق على حذو ما قد خلقه غيره أو أنه لم يجعل لخلقه مثالا قبل الإيجاد كما يفعله البناء تصويرا لما يريد بناءه و المشورة مفعلة من أشار إليه بكذا أي أمره به و المشورة بضم الشين كما في بعض النسخ و الشورى بمعناه و المعونة الاسم من أعانه و عونه فتم خلقه أي بلغ كل مخلوق إلى كماله الذي أراده الله سبحانه منه أو خرج جميع ما أراده من العدم إلى الوجود بمجرد أمره و أذعن أي خضع و أقر و أسرع في الطاعة و انقاد و الجملتان كالتفسير للإذعان و لعل المراد بالإذعان دخوله تحت القدرة الإلهية و عدم الاستطاعة للامتناع. و قوله ع لم يدافع بيان للإجابة كما أن لم ينازع بيان للانقياد و إلا لكان العكس أنسب و يحتمل أن يكون إشارة إلى تسبيحهم بلسان الحال كقوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ كما مر و اللطائف جمع لطيفة و هي ما صغر و دق و العجائب جمع عجيبة و عجيب قيل يجمع على عجائب كأفيل و أفائل و قيل لا يجمع عجيب و لا عجب و الغامض خلاف الواضح و كل شيء خفي مأخذه و قال بعضهم حاصل الكلام التعجب من مخالفتها لجميع الحيوانات في الانقباض عن الضوء و الإشارة إلى خفاء العلة في ذلك و المراد بالانقباض انقباض أعينها في الضوء و يكون ذلك عن إفراط التحلل في الروح النوري لحر النهار ثم يستدرك ذلك برد الليل فيعود الأبصار. و قيل الأظهر أنه ليس لمجرد الحر و إلا لزم أن لا يعرضه الانقباض في الشتاء إلا إذا ظهرت الحرارة في الهواء و في الصيف أيضا في أوائل النهار بل ذلك لضعف في قوتها الباصرة و نوع من التضاد و التنافر بينها و بين النور كالعجز العارض لسائر القوى المبصرة عن النظر إلى جرم الشمس و أما إن علة التنافر ما ذا ففيه خفاء و هو منشأ التعجب الذي يشير إليه الكلام و يمكن أن يعود الضمير إليها من غير تقدير مضاف و يكون المراد بانقباضها ما هو منشأ اختفائها نهارا و إن كان ذلك ناشئا من جهة الأبصار و العشى بالفتح مقصورا سوء البصر بالنهار أو بالليل و النهار أو العمى و المعنى كيف عجزت و عميت عن أن تستمد أي تستعين و تتقوى تقول أمددته بمدد إذا أعنته و قويته و مذاهبها طرق معاشها و مسالكها في سيرها و انتفاعها و تصل بالنصب عطفا على تستمد و في بعض النسخ بالرفع عطفا على تهتدي و في بعضها و تتصل و الاتصال إلى الشيء الوصول إليه. و البرهان الدليل و معارفها ما تعرفه من طرق انتفاعها و ردعها أي كفها و ردها و تلألأ البرق أي لمع و السبحات بضمتين جمع سبحة بالضم و هي النور و قيل سبحات الوجه محاسنه لأنك إذا رأيت الوجه الحسن قلت سبحان الله و قيل سبحان الله تنزيه له أي سبحان وجهه و الكن بالكسر الستر و أكنه ستره و استكن استتر و كمن كنصر و منع أي استخفى و المكمن الموضع و البلج
بالتحريك مصدر بلج كتعب أي ظهر و وضح و صبح أبلج بين البلج أي مشرق و مضيء ذكره الجوهري و قيل البلج جمع بلجة بالضم و هو أول ضوء الصبح و جاء بلجة أيضا بالفتح و لم أجده في كلامهم و الائتلاق اللمعان يقال ائتلق و تألق إذا التمع و سدل ثوبه يسدله و أسدله أي أرسله و أرخاه و الجفن بالفتح غطاء العين من أعلاها و أسفلها و الجمع أجفان و جفون و أجفن و الحدقة محركة سواد العين و تجمع على حداق كما في بعض النسخ و على أحداق كما في بعضها و إسدال جفونها لانقباضها و تأثر حاستها عن الضياء و قيل لأن تحلل الروح الحامل للقوة الباصرة سبب للنوم أيضا فيكون ذلك الإسدال ضربا من النوم و الالتماس الطلب و أسدف الليل أي أظلم و في بعض النسخ أسداف بفتح الهمزة جمع سدف بالتحريك كجمل و إجمال و هو الظلمة و الإضافة للمبالغة و الضمير في فيه راجع إلى الليل و الغسق بالتحريك ظلمة أول الليل و الدجنة بضم الدال المهملة و الجيم و تشديد النون كحزقة و الدجن كعتل الظلمة و حاصل الكلام التعجب من كون حالها في الإبصار و التماس الرزق على عكس سائر الحيوانات و قناع الشمس كناية عن الظلمة أو ما يحجبها من الآفاق و إلقاء القناع طلوعها و الوضح بالتحريك البياض من كل شيء و بياض الصبح و القمر و في بعض النسخ دخل من إشراق نورها أي دخل الشيء من إشراق نورها. و الضباب بالكسر جمع الضب الدابة المعروفة و وجارها بالكسر جحرها الذي تأوي إليه و من عادتها الخروج من وجارها عند طلوع الشمس لمواجهة النور على عكس الخفافيش و مأقيها بفتح الميم و سكون الهمزة و كسر القاف و سكون الياء كما في أكثر النسخ لغة في المؤق بضم الميم و سكون الهمزة أي طرف عينها مما يلي الأنف و هو مجرى الدمع من العين و قيل مؤخرها و قال الأزهري أجمع أهل اللغة أن المؤق و المأق بالضم و الفتح طرف العين الذي يلي الأنف و أن الذي يلي الصدغ يقال له اللحاظ و المأقي لغة فيه و قال ابن القطاع مأقي العين فعلي و قد غلط فيه جماعة من العلماء فقالوا هو مفعل و ليس كذلك بل الياء في آخره
للإلحاق قال الجوهري و ليس هو مفعل لأن الميم أصلية و إنما زيدت في آخره الياء للإلحاق و لما كان فعلي بكسر اللام نادرا لا أخت لها ألحق بمفعل و لهذا جمع على مآق على التوهم و في بعض النسخ مآقيها على صيغة الجمع و تبلغ بكذا أي اكتفى. و المعاش ما يعاش به و ما يعاش فيه و مصدر بمعنى الحياة و المناسب هاهنا الأول و فيما سيجيء الثاني و في بعض النسخ ليلها موضع لياليها و السكن بالتحريك ما تسكن إليه النفس و تطمئن و قر الشيء كفر أي استقر بالمكان و الاسم القرار بالفتح و قيل هو اسم مصدر و الشظية الفلقة من الشيء فعيلة من قولك تشظت العصا إذا صارت فلقا و الجمع شظايا و القصب الذي في أسفل الريش للطيور. و الأعلام جمع علم بالتحريك و هو طراز الثوب و رسم الشيء و رقمه و أعلاما في المعنى كالتأكيد لبينة و كلمة لها غير موجودة في بعض النسخ فيكون قوله جناحان خبر مبتدإ محذوف أي جناحاه لم يجعلا رقيقين بالغين في الرقة و لا في الغلظ حذرا من الانشقاق و الثقل المانع من الطيران و لجأ إلى الشيء أي لاذ و اعتصم به و وقوع الطير ضد ارتفاعه و أركان كل شيء جوانبه التي يستند إليها و يقوم بها و النهوض التحرك بالقيام و نهض الطائر إذا بسط جناحه ليطير و العيش الحياة و مصالح الشيء ما فيه صلاحه ضد الفساد و البارئ الخالق و مثال الشيء شبهه و خلا أي مضى و سبق أي لم يخلق الأشياء على حذو خالق سبقه بل ابتدعها على مقتضى الحكمة و المصلحة. قال الدميري الخفاش بضم الخاء و تشديد الفاء واحد الخفافيش التي تطير في الليل و هو غريب الشكل و الوصف و الخفش صغر العين و ضيق البصر و الأخفش صغير العين ضعيف البصر و قيل هو عكس الأعشى و قيل هو من يبصر في الغيم دون الصحو و قال الجوهري هو نوعان فالأعشى من يبصر نهارا لا ليلا و العمش ضعف الرؤية مع سيلان الدمع غالب الأوقات و العور معروف. قال البطليوسي الخفاش له أربعة أسماء خفاش و خشاف و خطاف و وطواط و تسميته خفاشا يحتمل أن يكون مأخوذا من الخفش و الأخفش في اللغة نوعان ضعيف البصر خلقة و الثاني لعلة حدثت و هو الذي يبصر بالليل دون النهار و في يوم الغيم دون الصحو. و ما ذكره من أن الخفاش هو الخطاف فيه نظر و الحق أنه صنفان و قال قوم الخفاش الصغير و الوطواط الكبير و هو لا يبصر في ضوء القمر و لا في ضوء النهار و لما كان لا يبصر نهارا التمس الوقت الذي لا يكون فيه ظلمة و لا ضوء و هو قريب غروب الشمس لأنه وقت هيجان البعوض فإن البعوض يخرج ذلك الوقت يطلب قوته و هو دماء الحيوان و الخفاش يطلب الطعم فيقع طالب رزق على طالب رزق و الخفاش ليس هو من الطير في شيء لأنه ذو أذنين و أسنان و خصيتين و يحيض و يطهر و يضحك كما يضحك الإنسان و يبول كما تبول ذوات الأربع و يرضع ولده و لا ريش له. قال بعض المفسرين لما كان الخفاش هو الذي خلقه عيسى ابن مريم ع بإذن الله تعالى كان مباينا لصنعة الله تعالى و لهذا جميع الطير تقهره و تبغضه فما كان منها يأكل اللحم أكله و ما لا يأكل اللحم قتله فلذلك لا يطير إلا ليلا. و قيل لم يخلق عيسى ع غيره لأنه أكمل الطير خلقا و هو أبلغ في القدرة لأن له ثديا و أسنانا و أذنا و قيل إنما طلبوا خلق الخفاش لأنه من أعجب الطير إذ هو لحم و دم يطير بغير ريش و هو شديد الطيران سريع التقلب يقتات بالبعوض و الذباب و بعض الفواكه و هو مع ذلك موصف بطول العمر فيقال إنه أطول عمرا من النسر و من حمار الوحش و تلد أنثاه ما بين ثلاثة أفراخ و سبعة و كثيرا ما يسفد و هو طائر في الهواء و ليس في الحيوان ما يحمل ولده غيره و القرد و الإنسان و يحمله تحت جناحه و ربما قبض عليه بفيه و هو من حنوه عليه و إشفاقه عليه و ربما أرضعت الأنثى ولدها و هي طائرة و في طبعه أنه متى أصابه ورق الدلب حذر و لم يطر و يوصف بالحمق و من ذلك إذا قيل له أطرق كرى التصق بالأرض