الآيات البقرة إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها الحج يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. تفسير أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما أي للحق يوضحه به لعباده المؤمنين أي مثل كان ما بعوضة فما فوقها و هو الذباب رد بذلك على من طعن في ضربه الأمثال بالذباب و بالعنكبوت و بمستوقد النار و الصيب في كتابه و في مجمع البيان عن الصادق ع إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لأنها على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق الله في الفيل مع كبره و زيادة عضوين آخرين فأراد الله أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه و عجيب صنعه فَاسْتَمِعُوا لَهُ أي استماع تدبر و تفكر إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الأصنام لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً أي لا يقدرون على خلقه مع صغره وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ أي و لو تعاونوا على خلقه وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ إلخ أي فكيف يكونون آلهة قادرين على المقدورات كلها.
و روي في الكافي عن الصادق ع قال كانت قريش تلطخ الأصنام التي كانت حول الكعبة بالمسك و العنبر و كان يغوث قبال الباب و يعوق عن يمين الكعبة و نسر عن يسارها و كانوا إذا دخلوا خروا سجدا ليغوث و لا ينحنون ثم يستديرون بحيالهم إلى يعوق ثم يستديرون عن يسارها بحيالهم إلى نسر ثم يلبون فيقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه و ما ملك قال فبعث الله ذبابا أخضر له أربعة أجنحة فلم يبق من ذلك المسك و العنبر شيئا إلا أكله فأنزل الله يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ الآية ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي ما عظموه حق تعظيمه أو ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا به و سموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة
1- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم
2- و منه، عن العدة عن سهل عن البزنطي عن مثنى بن عبد السلام عن زرارة عن أحدهما ع قال سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا أذياه قال نعم
3- التهذيب، بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الذباب يقع في الدهن و السمن و الطعام فقال لا بأس كل
4- السرائر، نقلا من كتاب البزنطي عن جميل قال سألت أبا عبد الله ع عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا أذياه قال نعم
5- العلل، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عمن ذكره عن الربيع صاحب المنصور قال قال المنصور يوما لأبي عبد الله ع و قد وقع على المنصور ذباب فذبه عنه ثم وقع عليه فذبه عنه فقال يا أبا عبد الله لأي شيء خلق الله عز و جل الذباب قال ليذل به الجبارين
6- و منه، عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن أبي الصهبان عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال لو لا ما يقع من الذباب على طعام الناس ما وجد منهم إلا مجذوما
7- طب الأئمة، عن سهل بن أحمد عن محمد بن أورمة عن صالح بن محمد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر الباقر ع قال قال رسول الله ص إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فيه فإن في إحدى جناحيه شفاء و في الأخرى سما و إنه يغمس جناحه المسموم في الشراب و لا يغمس الذي فيه الشفاء فاغمسوها لئلا يضركم
و قال ع لو لا الذباب الذي يقع في أطعمة الناس من حيث لا يعلمون لأسرع فيهم الجذام
8- و عن محمد بن علي الباقر ع لو لا أن الناس يأكلون الذباب من حيث لا يعلمون لجذموا أو قال لجذم عامتهم
9- التهذيب، بإسناده عن محمد بن أحمد عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان عن هارون بن خارجة عن شعيب عن عيسى بن حسان عن أبي عبد الله ع قال كنت عنده إذ أقبلت خنفساء فقال نحها فإنها قشة من قشاش النار
بيان في القاموس القشة بالكسر دويبة كالخنفساء. و قال الدميري الخنفساء بفتح الفاء ممدودة و الأنثى خنفساة بالهاء تتولد من عفونة الأرض و بينها و بين العقرب صداقة و هي أنواع منها الجعل و حمار قبان و بنات وردان و الحنطب و هو ذكر الخنافس و الخنفساء مخصوصة بكسرة الفسو.
و روى ابن عدي عن النبي ص قال ليدعن الناس فخرهم في الجاهلية أو ليكونن أبغض إلى الله من الخنافس
و حكى القزويني أن رجلا رأى خنفساء فقال ما يريد الله من خلق هذه أحسن شكلها أو طيب ريحها فابتلاه الله بقرحة عجز عنها الأطباء حتى ترك علاجها فسمع يوما صوت طبيب من الطرقيين و هو ينادي في الدرب فقال هاتوه حتى ينظر في أمري فقالوا ما تصنع بطريقي و قد عجز عنك حذاق الأطباء فقال لا بد لي منه فلما أحضروه و رأى القرحة استدعى بخنفساء فضحك الحاضرون فتذكر العليل القول الذي سبق منه فقال أحضروا له ما طلب فإن الرجل على بصيرة فأحرقها و ذر رمادها على قرحته فبرأ بإذن الله تعالى فقال للحاضرين إن الله تعالى أراد أن يعرفني أن أخس المخلوقات أعز الأدوية. و قال الذباب معروف واحدته ذبابة و جمعه أذبة و ذبان بكسر الذال و تشديد الباء الموحدة و بالنون في آخره قال أفلاطون إن الذباب أحرص الأشياء و لم يخلق للذباب أجفان لصغر أحداقها و من شأن الأجفان أن تصقل مرآة الحدقة من الغبار فجعل الله لها عوض الأجفان يدين تصقل بهما مرآة حدقتها فلذا ترى الذباب يمسح بيديه عينيه و هو أصناف كثيرة متولدة من العفونة قال الجاحظ الذباب عند العرب يقع على الزنابير و البعوض بأنواعه كالبق و البراغيث و القمل و الصواب و الناموس و الفراش و النمل و الذباب المعروف عند الإطلاق العرفي و هو أصناف النغر و القمع و الخازباز و الشعراء و ذباب الكلاب و ذباب الرياض و ذباب الكلاء و الذباب الذي يخالط الناس يخلق من السفاد و قد يخلق من الأجسام و يقال إن الباقلاء إذا عتق في موضع استحال كله ذبابا فطار من الكوى التي في ذلك الموضع و لا يبقى فيه غير القشر.
و عن أنس أن النبي ص قال عمر الذباب أربعون ليلة و الذباب كله في النار إلا النحل
قيل كونه في النار ليس بعذاب و إنما هو ليعذب به أهل النار لوقوعه عليهم
و عن أبي أمامة أن النبي ص قال وكل بالمؤمن مائة و ستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه فمن ذلك سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب في يوم الصائف و لو بدوا لكم لرأيتموهم على كل سهل و جبل كل باسط يده فاغر فاه و لو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين
و العرب يجعل الذباب و الفراش و الدبر و نحوه كلها واحدا و جالينوس يقول إنه ألوان فللإبل ذباب و للبقر ذباب و أصله دود صغار تخرج من أبدانهن فتصير ذبابا و زنابير و ذباب الناس يتولد من الزبل إذا هاجت ريح الجنوب و يخلق في تلك الساعة و إذا هبت ريح الشمال خف و تلاشى و هو من ذوات الخراطيم كالبعوض انتهى. و من عجيب أمره أنه يلقى رجيعه على الأبيض أسود و على الأسود أبيض و لا يقع على شجرة اليقطين و لذلك أنبتها الله على يونس ع حين خرج من بطن الحوت و لو وقعت عليه ذبابة لآلمته فمنع الله تعالى عنه الذباب فلم يزل كذلك حتى تصلب جسمه و لا يظهر كثيرا إلا في الأماكن العفنة و مبدأ خلقه منها ثم من السفاد و ربما بقي الذكر على الأنثى عامة اليوم و من الحيوان الشمسية لأنه يخفى شتاء و يظهر صيفا.
و روى البخاري و غيره أن النبي ص قال إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله فإن في أحد جناحيه داء و في الآخر دواء و إنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء
و في رواية النسائي و ابن ماجة أن إحدى جناحي الذباب سم و الآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فإنه يقدم السم و يؤخر الشفاء
و قال الخطابي و قد تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له و قال كيف يكون هذا و كيف يجتمع الداء و الشفاء في جناحي ذبابة و كيف تعلم ذلك في نفسها حتى تقدم جناح الداء و تؤخر جناح الشفاء و ما أداها إلى ذلك قال و هذا سؤال جاهل أو متجاهل فإن الذي يجد نفسه و نفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و هي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت ثم يرى الله سبحانه قد ألف بينها و قهرها على الاجتماع و جعل منها قوى الحيوان التي منها بقاؤه و صلاحه لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء و الشفاء في جزءين من حيوان واحد و أن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة و أن تعسل فيه و ألهم الذرة أن تكتسب قوتها و تدخره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة و جعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحا و تؤخر جناحا لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد و الامتحان الذي هو مضمار التكليف و له في كل شيء حكمة و عنوان وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ انتهى. و قد تأملت الذباب فوجدته يتقي بجناحه الأيسر و هو مناسب للداء كما أن الأيمن مناسب للشفاء و قد استفيد من الحديث أنه إذا وقع في المائع لا ينجسه لأنه ليست له نفس سائلة. و لو وقع الزنبور أو الفراش أو النحل أو أشباه ذلك في الطعام فهل يؤمر بغمسه لعموم قوله ص إذا وقع الذباب في إناء أحدكم الحديث و هذه الأنواع كلها يقع عليها اسم الذباب في اللغة كما تقدم و قد قال علي ع في العسل إنه مذقة ذبابة و قد مر أن الذباب كله في النار إلا النحل فسمي الكل ذبابا فإذا كان كذلك فالظاهر وجوب حمل الأمر بالغمس على الجميع إلا النحل فإن الغمس قد يؤدي إلى قتله.
و في شفاء الصدور و تاريخ ابن النجار مسندا أن النبي ص كان لا يقع على جسده و لا على ثيابه ذباب أصلا
و الذباب أجهل الخلق لأنه يلقي نفسه في الهلكة. و قال البق المعروف هو الفسافس يقال إنه يتولد من النفس الحار و لشدة رغبته في الإنسان إذا شم رائحته رمى بنفسه عليه.
و في حديث الطبراني بإسناد جيد عن أبي هريرة قال سمعت أذناي هاتان و أبصرت عيناي هاتان رسول الله ص و هو آخذ بكفيه جميعا حسنا أو حسينا و قدماه على قدمي رسول الله ص و هو يقول حزقة حزقة ترق عين بقة فيرقى الغلام فيضع قدميه على صدر رسول الله ص ثم قال افتح فاك ثم قبله ثم قال من أحبه فإني أحبه رواه
البزار ببعض هذا اللفظ و الحزقة الضعيف المتقارب الخطو ذكر له ذلك على سبيل المداعبة و التأنيس و ترق معناه اصعد و عين بقة كناية عن ضعف العين مرفوع خبر مبتدإ محذوف.
و في تاريخ ابن النجار عن ابن نباتة قال سمعت علي بن أبي طالب ع يقول في خطبته ابن آدم تؤلمه بقة و تنتنه عرقة و تقتله شرقة
و قال الزنبور الدبر و هي تؤنث و الزنابير لغة فيها و ربما سميت النحلة زنبورا و الجمع الزنابير و هو صنفان جبلي و سهلي فالجبلي يأوي الجبال و يعيش في الشجر و لونه إلى السواد و بداءة خلقه دود حتى يصير كذلك و يتخذ بيوتا من تراب كبيوت النحل و يجعل لبيوته أربعة أبواب لمهاب الرياح الأربع و له حمة يلسع بها و غذاؤه من الثمار و الأزهار و يتميز ذكورها من إناثها بكبر الجثة و السهلي لونه أحمر و يتخذ عشه تحت الأرض و يخرج التراب منه كما يفعل النمل و يختفي في الشتاء لأنه متى ظهر فيه هلك فهو ينام طول الشتاء كالميتة و لا يجمع القوت للشتاء بخلاف النمل فإذا جاء الربيع و قد صار من البرد و عدم القوت كالخشب اليابس نفخ الله في تلك الجثة الحياة فعاشت مثل العام الأول و ذلك دأبها و في هذا النوع صنف مختلف اللون مستطيل الجسد في طبعه الحرص و الشره يطلب المطابخ و يأكل ما فيها من اللحوم و يطير مفردا و يسكن بطن الأرض و الجدران و هذا الحيوان بأسره مقسوم في وسطه و لذلك لا يتنفس من جوفه البتة و متى غمس في الدهن سكنت حركته و إنما ذلك لضيق منافذه فإن طرح في الخل عاش و يحرم أكله و يستحب قتله
لما روي عن أنس أن النبي ص قال من قتل زنبورا اكتسب ثلاث حسنات
لكن يكره إحراق بيوتها بالنار و سئل أحمد عن تدخين بيوت الزنابير فقال إذا يخشى أذاها فلا بأس و هو أحب إلي من تحريقه. و قال الدبر بفتح الدال جماعة النحل قال السهيلي الدبر الزنابير و قال الأصمعي لا واحد له من لفظه و يقال إن واحده خشرمة. و في الفائق أن سكينة بنت الحسين ع جاءت إلى أمها الرباب و هي صغيرة تبكي فقالت ما بك قالت مرت بي دبيرة فلسعتني بأبيرة. أرادت تصغير دبرة و هي النحلة سميت بذلك لتدبيرها في عمل العسل. و قال البرغوث واحد البراغيث و ضم بائه أكثر من كسرها و حكى الجاحظ أن البرغوث من الحيوان الذي يعرض له الطيران كما يعرض للنحل و هو يطيل السفاد و يبيض فيفرخ بعد أن يتولد و هو ينشأ أولا من التراب لا سيما في الأماكن المظلمة و سلطانه في أواخر فصل الشتاء و أول فصل الربيع و يقال إنه على صورة الفيل و له أنياب يعض بها و خرطوم يمص به و لا يسب لما روي عن أنس أن النبي ص سمع رجلا يسب برغوثا فقال لا تسبه فإنه أيقظ نبيا لصلاة الفجر.
و من معجم الطبراني عن علي ع قال نزلنا منزلا فآذتنا البراغيث فسببناها فقال رسول الله ص لا تسبوها فنعمت الدابة فإنها أيقظتكم لذكر الله
و في دعوات المستغفري عن أبي ذر أن النبي ص قال إذا آذاك البرغوث فخذ قدحا من ماء و اقرأ عليه سبع مرات وَ ما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا الآية ثم يقول إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم و أذاكم عنا ثم ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها و يستحب قتله للمحل و المحرم
10- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن سعيد بن جناح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال ما خلق الله عز و جل خلقا أصغر من البعوض و الجرجس أصغر من البعوض و الذي نسميه نحن الولع أصغر من الجرجس و ما في الفيل شيء إلا و فيه مثله و فضل على الفيل بالجناحين
بيان قال الجوهري الجرجس لغة في القرقس و هو البعوض الصغار. و أقول لعل قوله ع أصغر من البعوض يعني به أصغر من سائر أنواعه ليستقيم قوله ع ما خلق الله خلقا أصغر من البعوض و يوافق كلام أهل اللغة على أنه يحتمل أن يكون الحصر في الأول إضافيا كما أن الظاهر أنه لا بد من تخصيصه بالطيور إذ قد يحس من الحيوانات ما هو أصغر من البعوض إلا أن يقال يمكن أن يكون للبعوض أنواع صغار لا يكون شيء من الحيوانات أصغر منها و الوالع غير مذكور في كتب اللغة و الظاهر أنه أيضا صنف من البعوض و قال الدميري البعوض دويبة و قال الجوهري إنه البق الواحدة بعوضة و هو وهم و الحق أنهما صنفان صنف كالقراد لكن له أرجل خفية و رطوبة ظاهرة يسمى بالعراق و الشام الجرجس قال الجوهري و هو لغة في القرقس و هو البعوض الصغار و البعوض على خلقة الفيل إلا أنه أكثر أعضاء منه فإن للفيل أربعة أرجل و خرطوما و ذنبا و للبعوض مع هذه الأعضاء رجلان زائدتان و أربعة أجنحة و خرطوم الفيل مصمت و خرطومه مجوف نافذ للجوف فإذا طعن به جسد الإنسان استقى الدم و قذف به إلى جوفه فهو له كالبلعوم و الحلقوم فلذلك اشتد عضها و قويت على خرق الجلود الغلاظ و مما ألهمه الله تعالى أنه إذا جلس على عضو من أعضاء الإنسان لا يزال يتوخى بخرطومه المسام التي يخرج منها العرق لأنها أرق بشرة من جلد الإنسان فإذا وجدها وضع خرطومه فيها و فيه من الشره أن يمص الدم إلى أن ينشق و يموت أو إلى أن يعجز عن الطيران فيكون ذلك سبب هلاكه و من ظريف أمره أنه ربما قتل البعير و غيره من ذوات الأربع فيبقى طريحا في الصحراء فيجتمع حوله السباع و الطير مما يأكل الجيف فمتى أكل منها شيئا مات لوقته و كان بعض جبابرة الملوك بالعراق يعذب بالبعوض فيأخذ من يريد قتله فيخرجه مجردا إلى بعض الآجام التي بالبطائح و يتركه فيها مكتوفا فيقتل في أسرع وقت.
و روى الترمذي أن النبي ص قال لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء
و روى وهب بن منبه أرسل الله البعوض على نمرود و اجتمع منه في عسكره ما لا يحصى عددا فلما عاين نمرود ذلك انفرد عن جيشه و دخل بيته و أغلق الباب و أرخى الستور و نام على قفاه مفكرا فدخلت بعوضة في أنفه فصعدت إلى دماغه فتعذب بها أربعين يوما إلى أن كان يضرب برأسه الأرض و كان أعز الناس عنده من يضرب رأسه ثم سقط منه كالفرخ و هو يقول كذلك يسلط الله رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ من عباده ثم هلك حينئذ.
و روى جعفر بن محمد عن أبيه ع قال نظر رسول الله ص إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له رسول الله ص ارفق بصاحبي فإنه مؤمن قال إني بكل مؤمن رفيق و ما من أهل بيت إلا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات و لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت حتى يكون من الله الأمر بقبضها قال جعفر بن محمد بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلاة
و من هذا يعلم أن ملك الموت هو الموكل بقبض كل روح. و البعوضة على صغر جرمها قد أودع الله تعالى في مقدم دماغها قوة الحفظ و في وسطه قوة الفكر و في مؤخره قوة الذكر و خلق لها حاسة البصر و حاسة اللمس و حاسة الشم و خلق لها منفذا للغذاء و مخرجا للفضلة و خلق لها جوفا و معاء و عظاما فسبحان من قَدَّرَ فَهَدى و لم يخلق شيئا من المخلوقات سدى