و قد أوردنا كثيرا من ذلك في أبواب الاحتجاج، و نورد هاهنا أمثالها بأسانيد أخرى لمناسبتها لهذا الكتاب أيضا، و لكونها مشتملة على تغييرات و زيادات.
1- إرشاد القلوب بحذف الإسناد مرفوعا إلى سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال كان من البلاء العظيم الذي ابتلى اللّه عزّ و جلّ به قريشا بعد نبيّها صلّى اللّه عليه و آله ليعرّفها أنفسها و يجرح شهادتها على ما ادّعته على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد وفاته، و دحض حجّتها، و كشف غطاء ما أسرّت في قلوبها، و أخرجت ضغائنها لآل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أجمعين و أزالتهم عن إمامتهم، و ميراث كتاب اللّه فيهم، ما عظمت خطيئته، و شملت فضيحته، و وضحت هداية اللّه فيه لأهل دعوته و ورثة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنارت به قلوب أوليائهم، و غمرهم نفعه و أصابهم بركاته أنّ ملك الروم لمّا بلغه وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خبر أمّته و اختلافهم في الاختيار عليهم، و تركهم سبيل هدايتهم، و ادّعاؤهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه لم يوص إلى أحد بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله، و إهماله إيّاهم يختاروا لأنفسهم، و توليتهم الأمر بعده الأباعد من قومه، و صرف ذلك عن أهل بيته و ورثته و قرابته، دعا علماء بلده و استفتاهم فناظرهم في الأمر الذي ادّعته قريش بعد نبيّها صلّى اللّه عليه و آله و فيما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله فأجابوه بجوابات من حججهم على أنّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله، فسأل أهل مدينته أن يوجّههم إلى المدينة لمناظرتهم و الاحتجاج عليهم، فأمر الجاثليق أن يختار من أصحابه و أساقفته، فاختار منهم مائة رجل، فخرجوا يقدمهم جاثليق لهم قد أقرّت العلماء له جميعا بالفضل و العلم، متبحرا في علمه يخرج الكلام من تأويله، و يرد كلّ فرع إلى أصله، ليس بالخرق و لا بالنزق و لا بالبليد و الرّعديد، و لا النّكل و لا الفشل ينصت لمن يتكلّم، و يجيب إذا سئل، و يصبر إذا منع، فقدم المدينة بمن معه من خيار أصحابه حتى نزل القوم عن رواحلهم، فسأل أهل المدينة عمّن أوصى إليه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و من قام مقامه فدلّوه على أبي بكر، فأتوا مسجد رسول اللّه، فدخلوا، على أبي بكر و هو في حشدة من قريش فيهم عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح و خالد بن الوليد و عثمان بن عفان و أنا في القوم، فوقفوا عليه فقال زعيم القوم السلام عليكم.. فردّوا عليه السلام، فقال أرشدونا إلى القائم مقام نبيّكم فإنّا قوم من الروم، و إنّا على دين المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، فقدمنا لمّا بلغنا وفاة نبيّكم و اختلافكم نسأل عن صحّة نبوّته و نسترشد لديننا، و نتعرّف دينكم، فإن كان أفضل من ديننا دخلنا فيه و سلّمنا و قبلنا الرشد منكم طوعا و أجبناكم إلى دعوة نبيّكم )ص(، و إن يكن على خلاف ما جاءت به الرسل و جاء به عيسى عليه السلام رجعنا إلى دين المسيح فإنّ عنده من عهد رأينا فيه أنبياءه و رسله دلالة و نورا واضحا، فأيّكم صاحب الأمر بعد نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله فقال عمر بن الخطاب هذا صاحبنا و وليّ الأمر بعد نبيّنا. قال الجاثليق هو هذا الشيخ. فقال نعم. فقال يا شيخ أنت القائم الوصيّ لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله في أمّته و أنت العالم المستغني بعلمك ممّا علّمك نبيّك من أمر الأمّة و ما تحتاج إليه. قال أبو بكر لا، ما أنا بوصي. قال له فما أنت قال عمر هذا خليفة رسول اللّه. قال النصراني أنت خليفة رسول اللّه استخلفك في أمّته. قال أبو بكر لا. قال فما هذا الاسم الذي ابتدعتموه و ادّعيتموه بعد نبيّكم. فإنّا قد قرأنا كتب الأنبياء صلوات اللّه عليهم فوجدنا الخلافة لا تصلح إلّا لنبيّ من أنبياء اللّه، لأنّ اللّه تعالى جعل آدم خليفة في الأرض فرض طاعته على أهل السماء و الأرض، و نوّه باسم داود عليه السلام فقال يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
كيف تسمّيتم بهذا الاسم و من سمّاك به أ نبيّك سمّاك به. قال لا، و لكن تراضوا الناس فولّوني و استخلفوني. فقال أنت خليفة قومك لا نبيّك، و قد قلت إنّ النبيّ لم يوص إليك، و قد وجدنا في كتب من سنن الأنبياء، إنّ اللّه لم يبعث نبيّا إلّا و له وصيّ يوصي إليه، و يحتاج الناس كلّهم إلى علمه و هو مستغن عنهم، و قد زعمت أنّه لم يوص كما أوصت الأنبياء، و ادّعيت أشياء لست بأهلها، و ما أراكم إلّا و قد دفعتم نبوّة محمّد و قد أبطلتم سنن الأنبياء في قومهم. قال فالتفت الجاثليق إلى أصحابه و قال إنّ هؤلاء يقولون إنّ محمّدا لم يأتهم بالنبوّة و إنّما كان أمره بالغلبة، و لو كان نبيّا لأوصى كما أوصت الأنبياء، و خلّف فيهم كما خلّفت الأنبياء من الميراث و العلم، و لسنا نجد عند القوم أثر ذلك، ثم التفت كالأسد، فقال يا شيخ أمّا أنت فقد أقررت أنّ محمّدا لم يوص إليك و لا استخلفك و إنما تراضوا الناس بك، و لو رضي اللّه عزّ و جلّ برضى الخلق و اتّباعهم لهواهم و اختيارهم لأنفسهم ما بعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين، و آتاهم الكتاب و الحكمة ليبينوا للناس ما يأتون و يذرون و ما فيه يختلفون لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ فقد دفعتم النبيّين عن رسالاتهم، و استغنيتم بالجهل من اختيار الناس عن اختيار اللّه عزّ و جلّ الرسل للعباد، و اختيار الرسل لأمّتهم، و نراكم تعظّمون بذلك الفرية على اللّه عز و جلّ و على نبيّكم، و لا ترضون إلّا أن تتّسموا بعد ذلك بالخلافة، و هذا لا يحلّ إلّا لنبيّ أو وصيّ نبي، و إنّما تصحّ الحجّة لكم بتأكيدكم النبوّة لنبيّكم و أخذكم بسنن الأنبياء في هداهم، و قد تغلّبتم فلا بدّ لنا أن نحتجّ عليكم فيما ادّعيتم حتى نعرف سبيل ما تدعون إليه، و نعرف الحقّ فيكم بعد نبيّكم، أ صواب ما فعلتم بإيمان أم كفرتم بجهل. ثم قال يا شيخ أجب. قال فالتفت أبو بكر إلى أبي عبيدة ليجيب عنه، فلم يحر جوابا، ثم التفت الجاثليق إلى أصحابه فقال بناء القوم على غير أساس و لا أرى لهم حجّة، أ فهمتم. قالوا بلى. ثم قال لأبي بكر يا شيخ أسألك. قال سل. قال أخبرني عنّي و عنك ما أنت عند اللّه، و ما أنا عند اللّه. قال أمّا أنا فعند نفسي مؤمن، و ما أدري ما أنا عند اللّه فيما بعد، و أمّا أنت فعندي كافر، و ما أدري ما أنت عند اللّه. قال الجاثليق أمّا أنت فقد منيت نفسك الكفر بعد الإيمان، و جهلت مقامك في إيمانك، أ محق أنت فيه أم مبطل، و أمّا أنا فقد منيتني الإيمان بعد الكفر، فما أحسن حالي و أسوأ حالك عند نفسك، إذ كنت لا توقن بما لك عند اللّه، فقد شهدت لي بالفوز و النجاة، و شهدت لنفسك بالهلاك و الكفر.
ثم التفت إلى أصحابه فقال طيبوا نفسا فقد شهد لكم بالنجاة بعد الكفر، ثم التفت إلى أبي بكر فقال يا شيخ أين مكانك الساعة من الجنّة إذا ادّعيت الإيمان، و أين مكاني من النار. قال فالتفت أبو بكر إلى عمر و أبو عبيدة مرّة أخرى ليجيبا عنه، فلم ينطق أحدهما. قال ثم قال ما أدري أين مكاني و ما حالي عند اللّه. قال الجاثليق يا هذا أخبرني كيف استجزت لنفسك أن تجلس في هذا المجلس و أنت محتاج إلى علم غيرك فهل في أمّة محمّد من هو أعلم منك. قال نعم. قال ما أعلمك و إيّاهم إلا و قد حمّلوك أمرا عظيما، و سفهوا بتقديمهم إيّاك على من هو أعلم منك، فإن كان الذي هو أعلم منك يعجز عمّا سألتك كعجزك فأنت و هو واحد في دعواكم، فأرى نبيّكم إن كان نبيّا فقد ضيّع علم اللّه عزّ و جلّ و عهده و ميثاقه الذي أخذه على النبيّين من قبله في إقامة الأوصياء لأمّتهم حيث لم يقم وصيّا ليتفرّغوا إليه فيما تتنازعون في أمر دينكم، فدلّوني على هذا الذي هو أعلم منكم، فعساه في العلم أكثر منك في محاورة و جواب و بيان و ما يحتاج إليه من أثر النبوّة و سنن الأنبياء، و لقد ظلمك القوم و ظلموا أنفسهم فيك. قال سلمان رضي اللّه عنه فلمّا رأيت ما نزل بالقوم من البهت و الحيرة و الذلّ و الصغار، و ما حلّ بدين محمّد )ص(، و ما نزل بالقوم من الحزن، نهضت لا أعقل أين أضع قدمي إلى باب أمير المؤمنين عليه السلام، فدققت عليه الباب، فخرج و هو يقول ما دهاك يا سلمان. قال قلت هلك دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و هلك الإسلام بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و ظهر أهل الكفر على دينه و أصحابه بالحجّة، فأدرك يا أمير المؤمنين دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و القوم قد ورد عليهم ما لا طاقة لهم به و لا بدّ و لا حيلة، و أنت اليوم مفرّج كربها، و كاشف بلواها، و صاحب ميسمها و تاجها، و مصباح ظلمها، و مفتاح مبهمها. قال فقال عليّ عليه السلام و ما ذاك. قال قلت قد قدم قوم من ملك الروم في مائة رجل من أشراف الناس من قومهم يقدمهم جاثليق لهم لم أر مثله، يورد الكلام على معانيه، و يصرفه على تأويله، و يؤكّد حجّته و يحكم ابتداءه، لم أسمع مثل حجّته و لا سرعة جوابه من كنوز علمه، فأتى أبا بكر و هو في جماعة فسأله عن مقامه و وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأبطل دعواه بالخلافة، و غلبهم بادّعائهم تخليفهم مقامه، فأورد على أبي بكر مسألة أخرجه بها عن إيمانه، و ألزمه الكفر و الشكّ في دينه، فعلتهم لذلك ذلة و خضوع و حيرة، فأدرك يا أمير المؤمنين دين محمّد،
فقد ورد عليهم ما لا طاقة لهم به. فنهض أمير المؤمنين عليه السلام معي حتى أتينا القوم و قد ألبسوا الذلة و المهانة و الصغار و الحيرة، فسلّم عليّ عليه السلام ثم جلس، فقال يا نصراني أقبل عليّ بوجهك و اقصدني بمسائلك فعندي جواب ما يحتاج الناس إليه فيما يأتون و يذرون، و باللّه التوفيق. قال فتحوّل النصراني إليه، و قال يا شاب إنّا وجدنا في كتاب الأنبياء أنّ اللّه لم يبعث نبيّا قطّ إلّا و كان له وصيّا ]كذا[ يقوم مقامه، و قد بلغنا اختلاف عن أمّة محمّد في مقام نبوته، و ادّعاء قريش على الأنصار و ادّعاء الأنصار على قريش، و اختيارهم لأنفسهم، فأقدمنا ملكنا وفدا، و قد اختارنا لنبحث عن دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و نعرف سنن الأنبياء فيه و الاستماع من قومه الذين ادّعوا مقامه، أ حقّ ذلك أم باطل قد كذبوا عليه كما كذبت الأمم بعد أنبيائها على نبيّها، و دفعت الأوصياء عن حقّها، فإنّا وجدنا قوم موسى عليه السلام بعده عكفوا على العجل و دفعوا هارون عن وصيّته، و اختاروا ما أنتم عليه، و كذلك سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، فقدمنا فأرشدنا القوم إلى هذا الشيخ، فادّعى مقامه و الأمر له من بعده، فسألنا عن الوصيّة إليه عن نبيّه )ص( فلم يعرفها، و سألناه عن قرابته منه إذا كانت الدعوة في إبراهيم عليه السلام فيما سبقت في الذريّة في إمامته أنه لا ينالها إلّا ذريّة بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، و لا ينالها إلّا مصطفى مطهّر، فأردنا أن نتبين السنّة من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و ما جاء به النبيّون عليهم السلام، و اختلاف الأمّة على الوصي كما اختلفت على من مضى من الأوصياء، و معرفة العترة فيهم، فإن وجدنا لهذا الرسول وصيّا و قائما بعده و عنده علم ما يحتاج إليه الناس، و يجيب بجوابات بيّنة، و يخبر عن أسباب البلايا و المنايا و فصل الخطاب و الأنساب، و ما يهبط من العلم في ليلة القدر في كلّ سنة، و ما ينزل به الملائكة و الروح إلى الأوصياء صدقنا بنبوّته، و أجبنا دعوته، و اقتدينا بوصيّته، و آمنّا به و بكتابه، و بما جاءت به الرسل من قبله، و إن يكن غير ذلك رجعنا إلى ديننا و علمنا أن محمّدا لم يبعث، و قد سألنا هذا الشيخ فلم نجد عنده تصحيح نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و إنّما ادّعوا له و كان جبّارا غلب على قومه بالقهر، و ملكهم و لم يكن عنده أثر النبوّة، و لا ما جاءت به الأنبياء عليهم السلام قبله، و أنّه مضى و تركهم بهما يغلب بعضهم بعضا، و ردّهم جاهليّة جهلاء مثل ما كانوا يختارون بآرائهم لأنفسهم.. أيّ دين أحبّوا، و أيّ ملك أرادوا، و أخرجوا محمّدا صلى اللّه عليه و آله من سبيل الأنبياء، و جهّلوه في رسالته، و دفعوا وصيّته، و زعموا أنّ الجاهل يقوم مقام العالم، و في ذلك هلاك الحرث و النسل و ظهور الفساد في الأرض في البرّ و البحر، و حاشا اللّه عزّ و جلّ أن يبعث نبيّا إلّا مطهّرا مسدّدا مصطفى على العالمين، و إنّ العالم أمير على الجاهل أبدا إلى يوم القيامة، فسألته عن اسمه فقال الذي إلى جنبه هذا خليفة رسول
اللّه. فقلت إنّ هذا الاسم لا نعرفه لأحد بعد النبيّ إلّا أن يكون لغة من اللغات، فأمّا الخلافة فلا تصلح إلّا لآدم و داود عليهما السلام، و السنّة فيها للأنبياء و الأوصياء، و إنّكم لتعظّمون الفرية على اللّه و على رسوله، فانتفى من العلم، و اعتذر من الاسم، و قال إنّما تراضوا الناس بي فسمّوني خليفة، و في الأمّة من هو أعلم منّي، فاكتفينا بما حكم على نفسه و على من اختاره، فقدمت مسترشدا و باحثا عن الحقّ، فإن وضح لي اتّبعته و لم تأخذني في اللّه لومة لائم، فهل عندك أيّها الشابّ شفاء لما في صدورنا. قال عليّ عليه السلام بلى عندي شفاء لصدوركم، و ضياء لقلوبكم، و شرح لما أنتم عليه، و بيان لا يختلجكم الشكّ معه، و إخبار عن أموركم، و برهان لدلالتكم، فأقبل عليّ بوجهك، و فرّغ لي مسامع قلبك، و أحضرني ذهنك، و ع ما أقول لك إنّ اللّه بمنّه و طوله و فضله له الحمد كثيرا دائما قد صدّق وعده، و أعزّ دينه، و نصر محمّدا عبده و رسوله، و هزم الأحزاب وحده، ف لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، إنّه تبارك و تعالى اختصّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و اصطفاه و هداه، و انتجبه لرسالته إلى الناس كافّة برحمته، و إلى الثقلين برأفته، و فرض طاعته على أهل السماء و الأرض، و جعله إماما لمن قبله من الرسل، و خاتما لمن بعده من الخلق، و ورّثه مواريث الأنبياء، و أعطاه مقاليد الدنيا و الآخرة، و اتّخذه نبيّا و رسولا و حبيبا و إماما، و دفعه إليه، و قرّبه يمين عرشه بحيث لا يبلغه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل، فأوحى اللّه إليه في وحيه ما أوحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى، و أنزل علاماته على الأنبياء، و أخذ ميثاقهم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ. قال ثم قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ و قال يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فما مضى صلّى اللّه عليه و آله حتى أتمّ اللّه مقامه، و أعطاه وسيلته، و رفع له درجته، فلن يذكر اللّه تعالى إلّا كان معه مقرونا، و فرض دينه، و وصل طاعته بطاعته، فقال مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ و قال ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فأبلغ عن اللّه عزّ و جلّ رسالته، و أوضح برهان ولايته، و أحكم آياته، و شرّع شرائعه و أحكامه، و دلّهم على سبيل نجاتهم، و باب هدايته
و حكمته، و كذلك بشّر به النبيّون صلّى اللّه عليهم قبله، و بشّر به عيسى روح اللّه و كلمته إذ يقول في الإنجيل أحمد العربيّ النبيّ الأميّ صاحب الجمل الأحمر و القضيب، و أقام لأمّته وصيّه فيهم، و عيبة علمه، و موضع سرّه، و محكم آيات كتابه، و تاليه حقّ تلاوته، و باب حطّته، و وارث كتابه، و خلّفه مع كتاب اللّه فيهم، و أخذ فيهم الحجّة، فقال صلّى اللّه عليه و آله قد خلّفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، و هما الثقلان كتاب اللّه الثقل الأكبر حبل ممدود من السماء إلى الأرض سبب بأيديكم و سبب بيد اللّه عزّ و جلّ، و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدموهم فتمرقوا و لا تأخذوا عن غيرهم فتعطبوا، و لا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم، و أنا وصيّه و القائم بتأويل كتابه، و العارف بحلاله و حرامه، و بمحكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و أمثاله و عبره و تصاريفه، و عندي علم ما يحتاج إليه أمّته من بعده، و كلّ قائم و ملتو، و عندي علم البلايا و المنايا و الوصايا و الأنساب و فصل الخطاب، و مولد الإسلام، و مولد الكفر، و صاحب الكرات، و دولة الدول، فاسألني عمّا يكون إلى يوم القيامة و عمّا كان على عهد عيسى عليه السلام منذ بعثه اللّه تبارك و تعالى، و عن كلّ وصيّ، و كلّ فئة تضلّ مائة و تهدي مائة، و عن سائقها و قائدها و ناعقها إلى يوم القيامة، و كلّ آية نزلت في كتاب اللّه في ليل نزلت أم نهار، و عن التوراة و الإنجيل و القرآن العظيم، فإنّه صلّى اللّه عليه و آله لم يكتمني من علمه شيئا و لا ما تحتاج إليه الأمم من أهل التوراة و الإنجيل، و أصناف الملحدين و أحوال المخالفين، و أديان المختلفين، و كان صلّى اللّه عليه و آله خاتم النبيّين بعدهم، و عليهم فرضت طاعته و الإيمان به و النصرة له، تجدون ذلك مكتوبا في التوراة و الإنجيل و الزبور، و لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى، و لم يكن ليضيّع عهد اللّه في خلقه و يترك الأمّة قائهين بعده، و كيف يكون ذلك و قد وصفه اللّه بالرأفة و الرحمة و العفو و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إقامة القسطاس المستقيم. و إنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إليه كما أوحى إلى نوح و النبيّين من بعده، و كما أوحى إلى موسى عليه السلام و عيسى عليه السلام فصدّق اللّه و بلّغ رسالته و أنا على ذلك من الشاهدين، و قد قال اللّه تبارك و تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً و قال و كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ و قد صدّقه اللّه و أعطاه الوسيلة إليه و إلى اللّه عزّ و جلّ، فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، فنحن الصّادقون، و أنا أخوه في الدنيا و الآخرة، و الشاهد منه عليهم بعده، و أنا وسيلته بينه و بين أمّته، و أنا و ولدي ورثته، و أنا و هم كسفينة
نوح في قومه من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق، و أنا و هم كباب حطّة في بني إسرائيل، و أنا بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعده، و أنا الشاهد منه في الدنيا و الآخرة، و رسول اللّه على بيّنة من ربّه و يعرض طاعتي و محبّتي بين أهل الإيمان و أهل الكفر و أهل النفاق، فمن أحبّني كان مؤمنا، و من أبغضني كان كافرا، و اللّه ما كذبت و لا كذّبت و لا كذّب بي، و لا ضللت و لا ضلّ بي، و إنّي لعلى بيّنة بيّنها ربّي عزّ و جلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله فبيّنها لي، فاسألوني عمّا كان و عمّا يكون و عمّا هو كائن إلى يوم القيامة. قال فالتفت الجاثليق إلى أصحابه و قال هذا هو و اللّه الناطق بالعلم و القدرة، الفاتق الراتق، و نرجو من اللّه تعالى أن نكون صادفنا حظّنا، و نور هدايتنا، و هذه و اللّه حجج الأوصياء من الأنبياء على قومهم. قال فالتفت إلى عليّ عليه السلام فقال كيف عدل بك القوم عن قصدهم إيّاك، و ادّعوا ما أنت أولى به منهم ألا و قد وقع القول عليهم، قصّروا في أنفسهم و ما ضرّ ذلك الأوصياء مع ما أغناهم اللّه عزّ و جلّ به من العلم و استحقاق مقامات رسله، فأخبرني أيّها العالم الحكيم عنّي و عنك ما أنت عند اللّه و ما أنا عند اللّه. قال عليّ عليه السلام أمّا أنا فعند اللّه عزّ و جلّ مؤمن و عند نفسي مؤمن متيقّن بفضله و رحمته و هدايته و نعمه عليّ، و كذلك أخذ اللّه جلّ جلاله ميثاقي على الإيمان و هداني لمعرفته لا أشكّ في ذلك و لا أرتاب، و لم أزل على ما أخذ اللّه تعالى عليّ من الميثاق، و لم أبدّل و لم أغيّر و ذلك بمنّ اللّه و رحمته و صنعه، أنا في الجنّة لا أشكّ في ذلك و لا أرتاب، لم أزل على ما أخذ اللّه تعالى عليّ من الميثاق، فإنّ الشكّ شرك لما أعطاني اللّه من اليقين و البيّنة، و أمّا أنت فعند اللّه كافر بجحودك الميثاق و الإقرار الذي أخذه اللّه عليك بعد خروجك من بطن أمّك و بلوغك العقل و معرفة التمييز للجيّد و الرديء و الخير و الشرّ، و إقرارك بالرسل، و جحودك لما أنزل اللّه في الإنجيل من أخبار النبيّين عليهم السلام ما دمت على هذه الحالة، كنت في النار لا محالة. قال فأخبرني عن مكاني من النار و مكانك من الجنّة. فقال عليّ عليه السلام لم أدخلها فأعرف مكاني من الجنّة و مكانك من النار، و لكن أعرّفك ذلك من كتاب اللّه عزّ و جلّ إنّ اللّه جلّ جلاله بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ، و أنزل عليه كتابا لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ أحكم فيه جميع علمه، و أخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الجنّة بدرجاتها و منازلها، و قسّم اللّه جلّ جلاله الجنان بين خلقه لكلّ عامل منهم ثوابا منها، و أحلّهم على قدر فضائلهم في الأعمال و الإيمان، فصدّقنا اللّه و عرفنا منازل الأبرار، و كذلك منازل الفجّار، و ما أعدّ لهم من العذاب في النار، و قال لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ فمن مات على كفره و فسوقه و شركه و نفاقه و ظلمه ف لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ، و قد قال جلّ جلاله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو المتوسّم، و أنا و الأئمّة من ذريّتي المتوسّمون إلى يوم القيامة. قال فالتفت الجاثليق إلى أصحابه و قال قد أصبتم إرادتكم و أرجو أن تظفروا بالحقّ الذي طلبنا، ألا إنّه قد نصبت له مسائل فإن أجابني عنها نظرنا في أمرنا و قبلت منه. قال عليّ عليه السلام فإن أجبتك عمّا تسألني عنه و فيه تبيان و برهان واضح لا تجد له مدفعا و لا من قبوله بدّا أن تدخل في ديننا قال نعم. فقال عليّ عليه السلام اللّه عليك راع و كفيل، إذا وضح لك الحقّ و عرفت الهدى أن تدخل في ديننا أنت و أصحابك. قال الجاثليق نعم، لك اللّه عليّ راع و كفيل أنّي أفعل ذلك. فقال عليّ عليه السلام فخذ على أصحابك الوفاء. قال فأخذ عليهم العهد. ثم قال عليّ عليه السلام سل عمّا أحببت. قال خبّرني عن اللّه عزّ و جلّ أحمل العرش أم العرش يحمله. قال عليه السلام اللّه حامل العرش و السماوات و الأرض و ما فيهما و ما بينهما، و ذلك قول اللّه تعالى إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً. قال أخبرني عن قول اللّه وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ فكيف ذلك و قلت إنّه يحمل العرش و السماوات و الأرض. قال عليّ عليه السلام إنّ العرش خلقه اللّه تبارك و تعالى من أنوار أربعة نور أحمر احمّرت منه الحمرة، و نور أخضر اخضرّت منه الخضرة، و نور أصفر اصفرّت منه الصفرة، و نور أبيض ابيضّ منه البياض و هو العلم الذي حمّله اللّه الحملة، و ذلك نور من عظمته، فبعظمته و نوره ابيضّت قلوب المؤمنين، و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون، و بعظمته و نوره ابتغى من في السماوات و الأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة و الأديان المتشتتة، و كلّ محمول يحمله اللّه بنوره و عظمته و قدرته لا يستطيع لنفسه نفعا و لا ضرّا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا، و كلّ شيء محمول و اللّه عزّ و جلّ الممسك لهما أن تزولا، و المحيط بهما و بما فيهما من شيء، و هو حياة كلّ شيء و نور كلّ شيء سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً. قال فأخبرني عن اللّه عزّ و جلّ أين هو. قال عليه السلام هو هاهنا.. و هاهنا.. و هاهنا.. و هاهنا..، و هو فوق و تحت و محيط بنا و معنا، و هو قوله ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ، و الكرسيّ محيط بالسماوات و الأرض وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ فالذين يحملون العرش هم العلماء، و هم الذين حمّلهم اللّه علمه، و ليس يخرج عن هذه الأربعة شيء خلقه اللّه تعالى في ملكوته، و هو الملكوت الذي أراه اللّه أصفياءه، و أراه اللّه عزّ و جلّ خليله عليه السلام، فقال وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فكيف يحمله حملة العرش و بحياته حييت قلوبهم، و بنوره اهتدوا إلى معرفته و انقادوا. قال فالتفت الجاثليق إلى أصحابه، فقال هذا هو و اللّه الحقّ من عند
اللّه عزّ و جلّ على لسان المسيح و النبيّين و الأوصياء عليهم السلام. قال أخبرني عن الجنّة في الدنيا هي أم في الآخرة و أين الآخرة و الدنيا. قال عليه السلام الدنيا في الآخرة، و الآخرة محيطة بالدنيا، إذا كانت النقلة من الحياة إلى الموت ظاهرة، كانت الآخرة هي دار الحيوان لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، و ذلك أنّ الدنيا نقلة و الآخرة حياة و مقام مثل ذلك النائم، و ذلك أنّ الجسم ينام و الروح لا تنام، و البدن يموت و الروح لا تموت، قال اللّه عزّ و جلّ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ و الدنيا رسم الآخرة، و الآخرة رسم الدنيا، و ليس الدنيا الآخرة و لا الآخرة الدنيا، إذا فارق الروح الجسم يرجع كلّ واحد منهما إلى ما منه بدأ، و ما منه خلق، و كذلك الجنّة و النار في الدنيا موجودة و في الآخرة موجودة، لأنّ العبد إذا مات صار في دار من الأرض، إمّا روضة من رياض الجنّة، و إمّا بقعة من بقاع النار، و روحه إلى إحدى دارين إمّا في دار نعيم مقيم لا موت فيها، و إمّا في دار عذاب أليم لا يموت فيها، و الرسم لمن عقل موجود واضح، و قد قال اللّه تعالى كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ، و عن الكفّار فقال إنّهم كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً، و لو علم الإنسان علم ما هو فيه مات حبّا من الموت، و من نجا فبفضل اليقين. قال فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، فإذا طويت السماوات و قبضت الأرض، فأين تكون الجنّة و النار و هما فيهما. قال فدعا بدواة و قرطاس ثمّ كتب فيه الجنّة و النار، ثمّ درج القرطاس و دفعه إلى النصرانيّ، و قال له أ ليس قد طويت هذا القرطاس قال نعم. قال فافتحه.. ففتحته قال هل ترى آية النار و آية الجنّة أمحاهما القرطاس. قال لا. قال فهكذا في قدرة اللّه تعالى إذا طويت السماوات و قبضت الأرض لم تبطل الجنّة و النّار كما لم تبطل طيّ هذا الكتاب آية الجنّة و آية النار. قال فأخبرني عن قول اللّه تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ما هذا الوجه، و كيف هو، و أين يؤتى، و ما دليلنا عليه. قال عليّ عليه السلام يا غلام عليّ بحطب و نار، فأتى بحطب و نار و أمر أن تضرم، فلمّا استوقدت و اشتعلت، قال له يا نصرانيّ هل تجد لهذه النار وجها دون وجه. قال لا، حيثما أتيتها فهو وجه. قال عليه السلام فإذا كانت هذه النار المخلوقة المدبّرة في ضعفها و سرعة زوالها لا تجد لها وجها فكيف من خلق هذه النار و جميع ما في ملكوته من شيء أجابه كيف يوصف بوجه أو يحدّ بحدّ، أو يدرك ببصر، أو يحيط به عقل، أو يضبطه وهم، و قال اللّه تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. قال الجاثليق صدقت أيّها الوصيّ العليم الحكيم الرفيق الهادي، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا، و أنّك وصيّه و صدّيقه و دليله و موضع سرّه و أمينه على أهل بيته و وليّ المؤمنين من بعده، من أحبّك و تولّاك هديته و نوّرت قلبه و أغنيته و كفيته و شفيته، و من تولّى عنك و عدل عن سبيلك ضلّ و غبن عن حظّه و اتّبع هواه بغير هدى من اللّه و رسوله، و كفى هداك و نورك هاديا و كافيا و شافيا. قال ثمّ التفت الجاثليق إلى القوم فقال يا هؤلاء قد أصبتم أمنيّتكم و أخطأتم سنّة نبيّكم، فاتّبعوه تهتدوا و ترشدوا، فما دعاكم إلى ما فعلتم ما أعرف لكم عذرا بعد آيات اللّه و الحجّة عليكم، أشهد أنّها سنّة اللّه في الذين خلوا
من قبلكم و لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ، و قد قضى عزّ و جلّ الاختلاف على الأمم، الاستبدال بأوصيائهم بعد أنبيائهم، و ما العجب إلّا منكم بعد ما شاهدتم فما هذه القلوب القاسية، و الحسد الظاهر، و الضغن و الإفك المبين. قال و أسلم النصرانيّ و من معه و شهدوا لعليّ عليه السلام بالوصيّة و لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ و النبوّة، و أنّه الموصوف المنعوت في التوراة و الإنجيل، ثمّ خرجوا منصرفين إلى ملكهم ليردّوا عليه ما عاينوا و ما سمعوا. فقال عليّ عليه السلام الحمد للّه الذي أوضح برهان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أعزّ دينه و نصره، و صدّق رسوله و أظهره عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلّى اللّه على محمّد و آله. قال فتباشر القوم بحجج عليّ عليه السلام و بيان ما أخرجه إليهم، فانكشفت عنهم الذلّة، و قالوا جزاك اللّه يا أبا الحسن في مقامك بحقّ نبيّك، ثمّ تفرّقوا و كأنّ الحاضرين لم يسمعوا شيئا ممّا فهمه القوم و الذين هم عندهم أبدا، و قد نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال سلمان الخير فلمّا خرجوا من المسجد و تفرّق الناس و أرادوا الرحيل أتوا عليّا عليه السلام مسلّمين عليه و يدعون اللّه تعالى له و استأذنوا، فخرج إليهم عليّ عليه السلام فجلسوا، فقال الجاثليق يا وصيّ محمّد و أبا ذريّته ما نرى الأمّة إلّا هالكة كهلاك من مضى من بني إسرائيل من قوم موسى و تركهم موسى و عكوفهم على أمر السامريّ، و إنّا وجدنا لكلّ نبيّ بعثه اللّه عدوّا شياطين الإنس و الجنّ يفسدان على النبيّ دينه، و يهلكان أمّته، و يدفعان وصيّه، و يدّعيان الأمر بعده، و قد أرانا اللّه عزّ و جلّ ما وعد الصادقين من المعرفة بهلاك هؤلاء القوم، و بيّن لنا سبيلك و سبيلهم، و بصّرنا ما أعماهم عنه، و نحن أولياؤك و على دينك و على طاعتك، فمرنا بأمرك، إن أحببت أقمنا معك و نصرناك على عدوّك، و إن أمرتنا بالمسير سرنا و إلى ما صرفتنا إليه صرنا، و قد نوى صبرك على ما ارتكب منك، و كذلك شيم الأوصياء و سنّتهم بعد نبيّهم، فهل عندك من نبيّك عهد فيما أنت فيه و هم. قال عليّ عليه السلام نعم، و اللّه إنّ عندي لعهدا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممّا هم صائرون إليه، و ما هم عاملون، و كيف يخفى عليّ أمر أمّته و أنا منه بمنزلة هارون من موسى، و بمنزلة شمعون من عيسى أ و ما تعلمون أنّ وصيّ عيسى شمعون بن حمون الصفا ابن خاله اختلفت عليه أمّة عيسى )ع( و افترقوا أربع فرق، و افترقت الأربع فرق على اثنتين و سبعين فرقة، كلّها هالكة إلّا فرقة واحدة و كذلك أمّة موسى )ع( افترقت على اثنين و سبعين فرقة، كلّها هالكة إلّا فرقة واحدة، و قد عهد إليّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله أنّ أمّته يفترقون على ثلاث و سبعين فرقة، ثلاث عشرة فرقة تدّعي محبّتنا و مودّتنا كلّهم هالكة إلّا فرقة واحدة، و إنّي لعلى بيّنة من ربّي، و إنّي عالم بما يصير القوم إليه، و لهم مدّة و أجل معدود، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ و قد صبر عليهم القليل لما هو بالغ أمره و قدره المحتوم فيهم، و ذكر نفاقهم و حسدهم و أنّه سيخرج أضغانهم و يبيّن مرض قلوبهم بعد فراق نبيّهم قال اللّه عزّ و جلّ يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أي تعلمون وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ فقد عفا اللّه عن القليل من هؤلاء و وعدني أن يظهرني على أهل الفتنة و يردّوا الأمر إليّ و لو كره المبطلون، و عندكم كتاب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المصالحة و المهادنة على أن لا تحدثوا و لا تأووا محدثا، فلكم الوفاء على
ما وفيتم، و لكم العهد و الذمّة على ما أقمتم على الوفاء بعهدكم علينا مثل ذلك لكم، و ليس هذا أوان نصرنا و لا يسلّ سيف و لا يقام عليهم بحقّ ما لم يقبلوا و يعطوا طاعتهم، إذ كنت فريضة من اللّه عزّ و جلّ و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله مثل الحجّ و الزكاة و الصوم و الصلاة، فهل يقام بهذه الحدود إلّا بعالم قائم يهدي إلى الحقّ و هو أحقّ أن يتّبع و لقد أنزل اللّه سبحانه قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ فأنا رحمك اللّه فريضة من اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله عليكم، بل أفضل الفرائض و أعلاها، و أجمعها للحقّ، و أحكمها لدعائم الإيمان، و شرائع الإسلام، و ما يحتاج إليه الخلق لصلاحهم و لفسادهم و لأمر دنياهم و آخرتهم، فقد تولّوا عنّي، و دفعوا فضلي، و فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إمامتي و سلوك سبيلي، فقد رأيتم ما شملهم من الذلّ و الصغار من بعد الحجّة. و كيف أثبت اللّه عليهم الحجّة و قد نسوا ما ذكروا به من عهد نبيّهم، و ما أكّد عليهم من طاعتي و أخبرهم من مقامي، و بلّغهم من رسالة اللّه عزّ و جلّ في فقرهم إلى علمي و غناي عنهم و عن جميع الأمّة ممّا أعطاني اللّه عزّ و جلّ، فكيف آسى على من ضلّ عن الحقّ من بعد ما تبيّن له و اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ أن هداه للهدى، و هما السبيلان سبيل الجنّة و سبيل النار و الدنيا و الآخرة، فقد ترى ما نزل بالقوم من استحقاق العذاب الذي عذّب به من كان قبلهم من الأمم، و كيف بدّلوا كلام اللّه، و كيف جرت السنّة فيهم من الذين خلوا من قبلهم، فعليكم بالتمسّك بحبل اللّه و عروته، و كونوا من حزب اللّه و رسوله، و الزموا عهد رسول اللّه و ميثاقه عليكم، فإنّ الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا، و كونوا في أهل ملّتكم كأصحاب الكهف، و إيّاكم أن تغشوا أمركم إلى أهل أو ولد أو حميم أو قريب، فإنّه دين اللّه الذي أوجب له التقيّة لأوليائه فيقتلكم قومكم و إن أصبتم من الملك فرصة ألقيتم على قدر ما ترون من قبوله، و إنّه باب اللّه و حصن الإيمان لا يدخله إلّا من أخذ اللّه ميثاقه، و نوّر له في قلبه و أعانه على نفسه، انصرفوا إلى بلادكم على عهدكم الذي عاهدتموني عليه، فإنّه سيأتي على الناس بعد برهة من دهرهم ملوك بعدي و بعد هؤلاء يغيّرون دين اللّه عزّ و جلّ، و يحرّفون كلامه، و يقتلون أولياء اللّه، و يعزّون أعداء اللّه، و بهم تكثر البدع، و تدرس السنن، حتى تملأ الأرض جورا و عدوانا و بدعا، ثمّ يكشف اللّه بنا أهل البيت جميع البلايا عن أهل دعوة اللّه بعد شدّة
من البلاء العظيم حتى تملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا، ألا و قد عهد إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ الأمر صائر إليّ بعد الثلاثين من وفاته و ظهور الفتن، و اختلاف الأمّة عليّ، و مروقهم من دين اللّه، و أمرني بقتال الناكثين و المارقين و القاسطين، فمن أدرك منكم ذلك الزمان و تلك الأمور و أراد أن يأخذ بحظّه من الجهاد معي فليفعل، فإنّه و اللّه الجهاد الصافي، صفّاه لنا كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، فكونوا رحمكم اللّه من أحلاس بيوتكم إلى أوان ظهور أمرنا، فمن مات منكم كان من المظلومين، و من عاش منكم أدرك ما تقرّبه عينه إن شاء اللّه تعالى. ألا و إنّي أخبركم أنّه سيحملون عليّ خطّة جهلهم، و ينقضون علينا عهد نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله لقلّة علمهم بما يأتون و يذرون، و سيكون منكم ملوك يدرس عندهم العهد، و ينسون ما ذكّروا به، و يحلّ بهم ما يحلّ بالأمم حتى يصيروا إلى الهرج و الاعتداء و فساد العهد، و ذلك لطول المدّة و شدّة المحنة التي أمرت بالصبر عليها، و سلّمت لأمر اللّه في محنة عظيمة يكدح فيها المؤمن حتى يلقى اللّه ربّه، و واها للمتمسّكين بالثقلين و ما يعمل بهم و واها لفرج آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله من خليفة متخلّف عتريف مترف، يقتل خلفي و خلف الخلف، بلى اللّهمّ لا تخلو الأرض من قائم بحجّة إمّا ظاهرا مشهورا أو باطنا مستورا لئلّا تبطل حجج اللّه و بيّناته، و يكون محنة لمن اتّبعه و اقتدى به، و أين أولئك و كم أولئك أولئك الأقلّون عددا، الأعظمون عند اللّه خطرا، بهم يحفظ اللّه دينه و علمه حتى يزرعها في صدور أشباههم، و يودعها أمثالهم، هجم بهم العلم على حقيقة الإيمان، و استروحوا روح اليقين، و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون، و استلانوا ما استوعر منه المترفون، و صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالملإ الأعلى، أولئك حجج اللّه في أرضه، و أمناؤه على خلقه، آه.. آه شوقا إليهم و إلى رؤيتهم، و واها لهم على صبرهم على عدوّهم، و سيجمعنا اللّه و إيّاهم في جنّات عدن وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ. قال.. ثمّ بكى.. و بكى القوم معه و ودّعوه و قالوا نشهد لك بالوصيّة و الإمامة و الأخوّة، و إنّ عندنا لصفتك و صورتك، و سيقدم وفد بعد هذا الرجل من قريش على الملك، و لنخرجنّ إليهم صورة الأنبياء و صورة نبيّك و صورتك و صورة ابنيك الحسن و الحسين عليهما السلام و صورة فاطمة عليها السلام زوجتك سيّدة نساء العالمين بعد مريم الكبرى البتول، و إنّ ذلك لمأثور عندنا و محفوظ، و نحن راجعون إلى الملك و مخبروه بما أودعتنا من نور هدايتك و برهانك و كرامتك و صبرك على ما أنت فيه، و نحن المرابطون لدولتك، الداعون لك و لأمرك، فما أعظم هذا البلاء، و ما أطول هذه المدّة، و نسأل اللّه التوفيق بالثبات، و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.
بيان قوله ما عظمت.. اسم كان، أو خبره، أو عطف بيان للبلاء العظيم، و على الأخير إن ملك الروم أحد معمولي كان، و على الأوّلين استئناف لبيان ما تقدم، أو بيان لما، أو خبر بعد خبر لكان. قال الجوهري الخرق بالتحريك الدّهش من الخوف أو الحياء، و قد خرق بالكسر فهو خرق.. و بالتحريك أيضا مصدر الأخرق، و هو ضدّ الرّفيق. و النّزق الخفّة و الطّيش. و الرّعديد بالكسر الجبان. و النّاكل الجبان. قوله و تركهم بهما.. البهم بالضم جمع البهيم، و هو المجهول الّذي لا يعرف، و بالفتح و يحرّك، جمع البهيمة، و البهيم الأسود الخالص الّذي لم يشبه غيره، و في الحديث يحشر النّاس بهما بالضم قيل أي ليس بهم شيء ممّا كان في الدّنيا نحو البرص و العرج، أو عراة. و الحاصل أنّه تركهم كالبهائم لا راعي لهم أو أشباها لا تميّز بينهم بالإمامة و الرعية. و مرق السّهم من الرّمية كنصر خرج من الجانب الآخر. و عطب كفرح هلك. قوله عليه السلام فكيف آسى.. أي أحزن، من الأسى بالفتح و القصر و هو الحزن. قوله عليه السلام و هما السبيلان.. الضمير راجع إلى ما ظهر سابقا من اتّباع الوصيّ و عدمه. قوله عليه السلام بعد الثلاثين.. هذا تاريخ آخر زمان خلافته عليه السلام، و لمّا اجتمعت أسباب استيلائه عليه السلام على المنافقين في قرب وفاته و لم يتيسّر له ذلك بعروض شهادته علّق رجوع الأمر بهذا الزمان، أو هذا ممّا وقع فيه بداء، و المراد بالأمر الشهادة و الاستراحة عن تلك الدار الفانية و آلامها و فتنها. و قال الجوهري أحلاس البيوت ما يبسط تحت حرّ الثياب، و في الحديث كن حلس بيتك.. أي لا تبرح. و الحظّة بالضّمّ الأمر و القصّة. قوله لفرج آل محمّد )ص(.. في أكثر النسخ بالجيم فهو تحسّر على عدم حصول الفرج بسبب المتخلّف التعريف، و الأصوب بالخاء المعجمة أي نسلهم و ذريّتهم، و قد مرّ و سيأتي أنّه عبّر عن الحسنين عليهما السلام في كتب الأنبياء عليهم السلام ب الفرخين المستشهدين. و يقال رجل عتريف.. أي خبيث فاجر جريء ماض، و لعلّ المراد به يزيد لعنه اللّه، فإنّه قتل الحسين و أولاده عليهم السلام. قوله و سيقدم وفد بعد هذا الرجل.. أي سيقدم و يأتي إلى ملكنا بعد ذهاب أبي بكر و خلافة عمر رسل و نخرج إلى رسله تلك الصور، و يحتمل أن يكون إشارة إلى ما سيأتي أنّه وقع في زمن معاوية، حيث أخرج ملك الروم صور الأنبياء عليهم السلام إلى يزيد فلم يعرفها و عرفها الحسن عليه السلام، و أجاب عن مسائله بعد ما عجز يزيد لعنه اللّه عنها. و قد مرّ شرح بعض أجزاء الخبر في كتاب التوحيد و كتاب المعاد و سيأتي شرح بعضها في كتاب الغيبة و غيره، فإنّ المحدّثين فرّقوا أجزاءه على الأبواب، و هي مرويّة في الأصول المعتبرة، و هذا ممّا يدلّ على صحّتها، و يؤيّده أيضا أنّه قال الشيخ قدّس اللّه روحه في فهرسته سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه.. روى خبر الجاثليق الرومي الذي بعثه ملك الروم بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار و الحميري عمّن حدّثه، عن إبراهيم بن حكم الأسدي، عن أبيه، عن شريك بن عبد اللّه، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي وقاص، عن سلمان الفارسي. انتهى.
2- إرشاد القلوب بحذف الأسانيد، قيل لمّا كان بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل يهوديّ المسجد فقال أين وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأشاروا إلى أبي بكر، فوقف عليه و قال إنّي أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلّا نبيّ أو وصيّ نبي. فقال أبو بكر سل عمّا بدا لك فقال اليهودي أخبرني عمّا ليس للّه و عمّا ليس عند اللّه و عمّا لا يعلمه اللّه. فقال أبو بكر هذه مسائل الزنادقة، يا يهوديّ أ و في السماء شيء لا يعلمه اللّه و همّ به المسلمون و كان في القوم ابن عباس فقال ما أنصفتم الرجل. قال أبو بكر أ و ما سمعت ما تكلّم به. فقال ابن عباس إن كان عندكم جواب و إلّا فاذهبوا به إلى من يجيبه، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لعليّ بن أبي طالب عليه السلام اللّهمّ اهد قلبه و ثبّت لسانه. قال فقام أبو بكر و من حضر من المهاجرين و الأنصار فأتوا عليّا عليه السلام، فاستأذنوا عليه، فدخلوا، فقال أبو بكر يا أبا الحسن إنّ هذا اليهوديّ سألني عن مسائل الزنادقة. قال فقال عليّ عليه السلام لليهوديّ ما تقول يا يهوديّ قال إنّي أسألك عن أشياء لا يعلمها إلّا نبيّ أو وصيّ نبي. فقال عليه السلام سل، يا يهوديّ فأنبئك به. قال أخبرني عمّا ليس للّه و عمّا ليس عند اللّه و عمّا لا يعلمه اللّه. قال عليه السلام أمّا قولك عمّا ليس للّه، فليس للّه شريك، و أمّا قولك عمّا ليس عند اللّه، فليس عند اللّه ظلم للعباد، و أمّا قولك عمّا لا يعلمه اللّه، فذلك قولكم إنّ عزيرا ابن اللّه، و اللّه لا يعلم أنّ له ولدا. فقال اليهوديّ أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه، و أنّك وصيّه. فقام أبو بكر و من معه من المهاجرين فقبّلوا رأس عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قال يا مفرّج الكروب.
3- إرشاد القلوب بحذف الأسانيد أيضا مرفوعا إلى ابن عباس، قال قدم يهوديّان أخوان من رءوس اليهود، فقالا يا قوم إنّ نبيّنا حدّثنا أنّه يظهر بتهامة رجل يسفه أحلام اليهود، و يطعن في دينهم، و نحن نخاف أن يزيلنا عمّا كانت عليه آباؤنا، فأيّكم هذا النبيّ. فإن كان المبشّر به داود آمنّا به و اتّبعناه، و إن كان يورد الكلام على إبلاغه و يورد الشعر و يقهرنا جاهدناه بأنفسنا و أموالنا، فأيّكم هذا النبيّ. فقال المهاجرون و الأنصار إنّ نبيّنا قبض. فقالا الحمد للّه، فأيّكم وصيّه فما بعث اللّه نبيّا إلى قوم إلّا و له وصيّ يؤدّي من بعده و يحكم ما أمره به ربّه، فأومأ المهاجرون و الأنصار إلى أبي بكر. فقالوا هذا وصيّه. فقالا لأبي بكر إنّا نلقي عليك من المسائل ما يلقى على الأوصياء، و نسألك عمّا يسأل الأوصياء عنه. فقال أبو بكر ألقيا، سأخبركما عنه إن شاء اللّه تعالى. فقال له أحدهما ما أنا و أنت عند اللّه و ما نفس في نفس ليس بينهما رحم و لا قرابة و ما قبر سار بصاحبه و من أين تطلع الشمس و أين تغرب و أين سقطت الشمس و لم تسقط مرة أخرى في ذلك الموضع و أين تكون الجنّة و أين تكون النار و ربّك يحمل أو يحمل و أين يكون وجه ربّك و ما اثنان شاهدان و ما اثنان غائبان و ما اثنان متباغضان و ما الواحد و ما الاثنان و ما الثلاثة و ما الأربعة و ما الخمسة و ما الستة و ما السبعة و ما الثمانية و ما التسعة و ما العشرة و ما الأحد عشر و ما الاثنا عشر و ما العشرون و ما الثلاثون و ما الأربعون و ما الخمسون و ما الستون و ما السبعون و ما الثمانون و ما التسعون و ما المائة. قال ابن عباس فبقي أبو بكر لا يردّ جوابا، و تخوّفنا أن يرتدّ القوم عن الإسلام، فأتيت منزل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقلت له يا علي إنّ رءوسا من رؤساء اليهود قد قدموا المدينة، و ألقوا على أبي بكر مسائل، و قد بقي لا يردّ جوابا. فتبسّم عليّ عليه السلام ضاحكا، ثمّ قال هو الذي وعدني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و أخذ يمشي أمامي فما أخطأت مشيته مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى قعد في الموضع الذي كان يقعد فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم التفت إلى اليهوديين. فقال يا يهوديّان ادنوا منّي و ألقيا عليّ ما ألقيتما على الشيخ. فقالا من أنت. فقال أنا عليّ بن أبي طالب، أخو النبيّ، و زوج فاطمة، و أبو الحسن و الحسين، و وصيّه في خلافته كلّها، و صاحب كلّ نفيسة و غزاة، و موضع سرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. فقال اليهوديّ ما أنا و أنت عند اللّه. قال أنا مؤمن منذ عرفت نفسي، و أنت كافر منذ عرفت نفسك، و ما أدري ما يحدث اللّه بك يا يهوديّ بعد ذلك. قال اليهوديّ فما نفس في نفس ليس بينهما رحم و لا قرابة. قال يونس بن متّى في بطن الحوت. قال فما قبر سار بصاحبه. قال يونس، حين طاف به الحوت في سبعة أبحر. قال له فالشمس من أين تطلع. قال من قرن الشيطان. قال فأين تغرب. قال في عين حمئة، و قال لي حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تصلّ في إقبالها و لا في إدبارها حتى تصير في مقدار رمح أو رمحين. قال فأين سقطت الشمس و لم تسقط مرّة أخرى في ذلك الموضع. قال البحر، حين فرّقه اللّه تعالى لقوم موسى عليه السلام. قال له ربّك يحمل أو يحمل. قال ربّي يحمل كلّ شيء و لا يحمله شيء. قال فكيف قوله وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ. قال يا يهوديّ أ لم تعلم أنّ اللّه لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى، و كلّ شيء على الثرى، و الثرى على القدرة، و القدرة عند ربّي.
قال فأين تكون الجنّة و أين تكون النار. قال الجنّة في السماء، و النار في الأرض. قال فأين يكون وجه ربّك. فقال عليّ عليه السلام لابن عباس ائتني بنار و حطب فأضرمها، و قال يا يهوديّ فأين وجه هذه النار. فقال لا أقف لها على وجه. قال كذلك ربّي فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. قال فما اثنان شاهدان. قال السماء و الأرض لا يغيبان. قال فما اثنان غائبان. قال الموت و الحياة لا نقف عليهما. قال فما اثنان متباغضان. قال الليل و النهار. قال فما نصف الشيء. قال المؤمن. قال فما لا شيء. قال يهوديّ مثلك كافر لا يعرف ربّه. قال فما الواحد. قال اللّه عزّ و جلّ. قال فما الاثنان. قال آدم و حوّا. قال فما الثلاثة. قال كذبت النصارى على اللّه عزّ و جلّ، قالوا عيسى ابن مريم ابن اللّه، و اللّه لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا. قال فما الأربعة. قال التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان العظيم. قال فما الخمسة. قال خمس صلوات مفترضات. قال فما الستّة. قال خَلَقَ اللّه السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ. قال فما السبعة. قال سبعة أبواب النار متطابقات. قال فما الثمانية. قال ثمانية أبواب الجنّة. قال فما التسعة. قال تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ. قال فما العشرة. قال عشرة أيّام من العشرة. قال فما الأحد عشر. قال قول يوسف لأبيه إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ. قال فما الاثنا عشر. قال شهور السنة. قال فما العشرون. قال بيع يوسف بعشرين درهما. قال فما الثلاثون. قال ثلاثون ليلة من شهر رمضان صيامه فرض واجب على كلّ مؤمن إلّا مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ. قال فما الأربعون. قال كان ميقات موسى ثلاثين ليلة قضاها، و العشر كانت تمامها. قال فما الخمسون. قال دعا نوح قومه أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً. قال فما الستّون. قال قال اللّه فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً أو فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ. قال فما السبعون. قال اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لميقات ربّه. قال فما الثمانون. قال قرية بالجزيرة يقال لها ثمانون، منها قعد نوح في السفينة وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ و غرّق اللّه القوم. قال فما التسعون. قال الفلك المشحون اتّخذ يوما فيها بيتا للبهائم. قال فما المائة. قال كانت لداود عليه السلام ستّون سنة فوهب له آدم أربعين، فلمّا حضر آدم عليه السلام الوفاة جحده، فجحد ذريّته. فقال يا شاب صف لي محمّدا صلّى اللّه عليه و آله كأنّي أنظر إليه حتى أؤمن به الساعة. فبكى عليّ عليه السلام، ثمّ قال يا يهوديّ هيّجت أحزاني، كان حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلت الجبين، مقرون الحاجبين، أدعج
العينين، سهل الخدّين، أقنى الأنف، دقيق المسربة، كثّ اللحية، برّاق الثنايا، كأنّ عنقه إبريق فضّة، كان له شعرات من لبّته إلى سرّته متفرقة كأنّها قضيب كافور، لم يكن بالطويل الذاهب و لا بالقصير النزر، كان إذا مشى مع الناس غمرهم، كان إذا مشى كأنّه ينقلع من صخرة أو ينحدر من صبب، كان مبدول الكعبين، لطيف القدمين، دقيق الخصر، عمامته السحاب، سيفه ذو الفقار، بغلته الدلدل، حماره اليعفور، ناقته العضباء، فرسه المبدول، قضيبه الممشوق، كان أشفق الناس على الناس، و أرأف الناس بالناس، كان بين كتفيه خاتم النبوّة مكتوب على الخاتم سطران، أوّل سطر لا إله إلّا اللّه. و الثاني محمّد رسول اللّه، هذه صفته يا يهوديّ. فقال اليهوديّان نشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه، و أنّك وصيّ محمّد حقّا. و أسلما و حسن إسلامهما، و لزما أمير المؤمنين عليه السلام فكانا معه حتى كان من أمر الجمل ما كان، فخرجا معه إلى البصرة، فقتل أحدهما في وقعة الجمل، و بقي الآخر حتى خرج معه إلى صفين فقتل.
إيضاح قوله عليه السلام كلّ نفيسة.. أي خصلة أو منقبة يتنافس و يرغب فيه، و في بعض النسخ قبسة.. أي اقتباس علم و حكمة. قوله فكيف قوله و يحمل.. غرضه إنّك قلت اللّه حامل كلّ شيء فكيف يكون حامل العرش غيره فأجاب عليه السلام بأنّ حامل الحامل حامل، و اللّه حامل الحامل و المحمول بقدرته. و النّزر القليل، و لعلّ المراد به هنا الحقير، و المبدول لم نعرف له معنى، و لعلّه تصحيف، و قد مرّ شرح سائر أجزاء الخبر في أبواب صفاته و حلاه صلّى اللّه عليه و آله.
4- إرشاد القلوب بحذف الإسناد مرفوعا إلى الصادق عليه السلام قال لمّا بايع الناس عمر بعد وفاة أبي بكر أتاه رجل من شبّان اليهود و هو في المسجد فسلّم عليه و الناس حوله، فقال يا أمير المؤمنين دلّني على أعلمكم باللّه و برسوله و بكتابه و سنّته. فأومأ إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال هذا. فتحوّل الرجل إلى عليّ عليه السلام فسأله أنت كذلك. قال نعم. فقال إنّي أسألك عن ثلاث و ثلاث و واحدة. قال أ فلا قلت عن سبع. قال اليهوديّ لا، إنّما أسألك عن ثلاث، فإن أجبت فيهم فسألتك عن ثلاث بعدها، و إن لم تصب لم أسألك. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أخبرني إذا أجبتك بالصواب و الحقّ تعرف ذلك و كان الفتى من علماء اليهود و أحبارهم، يروون أنّه من ولد هارون أخي موسى بن عمران. فقال نعم. قال أمير المؤمنين عليه السلام باللّه الذي لا إله إلّا هو لئن أجبتك بالصواب و الحقّ لتسلمنّ و تدع اليهوديّة، فحلف له و قال ما جئتك إلّا مرتادا أريد الإسلام. فقال يا هارونيّ سل عمّا بدا لك تخبر إن شاء اللّه. فقال أخبرني عن أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض و عن أوّل عين نبعت في الأرض و عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أمّا أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض، فإنّ أهل الأرض يزعمون أنّها الزيتونة و كذبوا، و إنّما هي النخلة، و هي العجوة، هبط بها آدم من الجنّة فغرسها، و أصل النخل كلّه منها، و أمّا أوّل عين نبعت على وجه الأرض، فإنّ اليهود يزعمون أنّها العين التي في بيت المقدس تحت الحجر و كذبوا، بل هي عين الحياة التي انتهى موسى و فتاه إليها فغسلا فيها السمكة فحييت، و ليس من ميّت يصيبه ذلك الماء إلّا حيي، و كان الخضر عليه السلام شرب منها و لم يجدها ذو القرنين، و أمّا أوّل حجر وضع على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنّه الحجر الذي في بيت المقدس و كذبوا، و إنّما هو الحجر الأسود هبط به آدم )ع( من الجنّة فوضعه على الركن، و الناس يستلمونه، و كان أشدّ بياضا من الثلج فاسودّ من خطايا بني آدم. قال فأخبرني كم لهذه الأمّة من إمام هدى هادين مهديّين، لا يضرّهم خذلان من خذلهم و أين منزل محمّد من الجنّة، و من معه من أمّته في الجنّة. قال أمير المؤمنين عليه السلام أمّا قولك كم لهذه الأمّة من إمام هدى و أين منزل محمّد في الجنّة و من معه من أمّته في الجنّة فإنّ الأئمّة اثنا عشر، و أمّا منزل محمّد ففي أشرف الجنان و أفضلها جنّة عدن، و أمّا الذين معه فهم الأئمّة الاثنا عشر أئمّة الهدى. قال الفتى صدقت، فو اللّه الذي لا إله إلّا هو إنّه لمكتوب عندي بإملاء موسى و خطّ هارون بيده. ثمّ قال أخبرني كم يعيش وصيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله بعده و هل يموت موتا أو يقتل قتلا. قال له ويحك أنا وصيّ محمّد، أعيش بعده ثلاثين لا تزيد يوما و لا تنقص يوما، ثم يبعث أشقاها شقيق عاقر ناقة صالح، فيضربني ضربة في مفرقي فتخضب منه لحيتي، ثم بكى عليه السلام بكاء شديدا. قال فصرخ الفتى و قطع كستيجه و قال أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
بيان قوله عليه السلام تعرف ذلك.. أي تصدّق و تقرّ به. قوله عليه السلام لا تزيد يوما.. أقول ليس هذا في أكثر الروايات، و يشكل تصحيحه، لعدم اتّحاد يومي وفاتهما صلوات اللّه عليهما، و يمكن أن يقال بناء الثلاثين على التقريب، و قوله عليه السلام »لا يزيد« استئناف لبيان أنّ الموعد الذي وعدت لك لا يتخلّف، و أعلمه بحيث لا يزيد يوما و لا ينقص يوما، و قيل الضمير راجع إلى كتاب هارون، و ربّما يقرأ تزيد و تنقص على صيغة الخطاب أي إنّك رأيت في كتاب أبيك هارون ثلاثين سنة فتتوهّم أنّه لا كسر فيها، و ليس كذلك، بل هو مبنيّ على إتمام الكسر، و لا يخفى بعدهما. و قال الفيروزآبادي الكستيج بالضّم خيط غليظ يشدّه الذّمّيّ فوق ثيابه دون الزّنّار، معرّب كستي.
5- كتاب صفوة الأخبار عن أبي إسماعيل، عن أبي نون، قال لمّا توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل المدينة رجل من أولاد داود عليه السلام على دين اليهود، فوجد الناس متفزّعين مغمومين، فقال ما شأنكم. قالوا توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال أما إنّه توفي في اليوم الذي هو مذكور في كتابنا، ثم قال أرشدوني إلى خليفة نبيّكم. قالوا تنتظر قليلا حتى نرشدك إلى من يخبرك بما تسأل، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام من باب المسجد، فقالوا عليك بهذا الغلام فإنّه يخبرك عمّا تسأل. فقام إليه و قال له أ أنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فقال نعم، يرحمك اللّه، و أخذ بيده و أجلسه. و قال أردت أن أسأل هؤلاء عن أربعة حروف فأرشدوني إليك، فعن إذنك أسألك. فقال له سل عمّا بدا لك، فإنّي أخبرك إن شاء اللّه تعالى. فقال أخبرني عن أوّل حرف كلّم اللّه به نبيّك لمّا أسري به و رجع عن محل الشرف و أخبرني عن الأربعة الذين كشف مالك عنهم طبقا من أطباق النار فكلّموا نبيّك و أخبرني عن الملك الذي زاحم نبيّك و أخبرني عن منزل نبيّك في الجنّة. فقال عليه السلام أمّا أوّل حرف كلّم اللّه عزّ و جلّ نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله به فهو قوله تعالى آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ. فقال ليس هذا أردت، و لا عنه سألت. فقال إنّ الأمر الذي تريد مستور. فقال أخبرني بالذي هو، و إلّا فما أنت هو. فقال له إذا أنبأتك تسلم. قال نعم. فقال إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا رجع عن محل الشرف و الكرامة ليلة الإسراء رفع له الحجاب قبل أن يصير إلى مقام جبرئيل عليه السلام و نادى ملك يا محمّد ]صلّى اللّه عليه و آله[ إنّ اللّه يقرئك السلام و يقول لك اقرأ على السيّد المولى منّي السلام. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من السيّد المولى. فقال عليّ بن أبي طالب ]ع[. فقال اليهوديّ صدقت إنّي لأجده مكتوبا في كتاب داود عليه السلام. فقال و أمّا الأربعة الذين كشف عنهم مالك طبق النار فهم قابيل، و نمرود، و هامان، و فرعون. فقالوا يا محمّد ]صلّى اللّه عليه و آله[ اسأل ربّك يردّنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحا، فغضب جبرئيل عليه السلام و أخذ الطبق بريشة من جناحه و ردّه عليهم. و أمّا الملك الذي زاحم نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله فإنّه ملك الموت، جاء من عند جبّار من ملوك الدنيا قد تكلّم عند موته بكلام عظيم فغضب للّه فزاحم نبيّنا و لم يعرفه لغيظه. فقال جبرئيل عليه السلام يا ملك الموت هذا محمّد بن عبد اللّه رسول اللّه و حبيبه. فقال إنّي أتيت من عند ملك جبّار قد تكلّم بكلام عظيم عند موته فغضبت للّه عزّ و جلّ و لم أعرفك، فعذره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و أمّا منزل رسول اللّه، فإنّ مسكنه جنّة عدن و معه فيها أوصياؤه الاثنا عشر، و فوقها منزل يقال له الوسيلة، و ليس في الجنّة شبهه و لا أرفع منه، و هو منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال الداودي و اللّه لقد رأيته في كتاب داود عليه السلام، و لقد صدقت، و إنّا متوارثوه واحد عن واحد حتى وصل إليّ، فأخرج كتابا فيه مسطور ما ذكر. ثمّ قال مدّ يدك أجدّد إسلامي، ثم قال و اللّه إنّك خير هذه الأمّة بعد نبيّها و أكرمها على اللّه تعالى. و علّمه دينه و شرائع الإسلام، و قد أسلم و حسن إسلامه.
6- نبه روي عن ابن عباس أنّه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوما و عنده كعب الأحبار إذ قال عمر يا كعب أ حافظ أنت للتوراة. قال كعب إنّي لأحفظ منها كثيرا. فقال رجل من جنبه يا أمير المؤمنين سله أين كان اللّه جلّ جلاله قبل أن يخلق عرشه و ممّ خلق الماء الذي جعل عليه عرشه فقال عمر يا كعب هل عندك من هذا علم. فقال كعب نعم يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم أنّ اللّه تبارك و تعالى كان قديما قبل خلق العرش، و كان على صخرة بيت المقدس في الهواء، فلمّا أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة و اللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، و آخر ما بقي منها لمسجد قدسه. قال ابن عباس و كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام حاضرا.. فعظّم ربّه و قام على قدميه، و نفض ثيابه، فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه، ففعل، قال عمر غصّ عليها يا غوّاص، ما يقول أبو حسن فما علمتك إلّا مفرّجا للغمّ. فالتفت عليّ عليه السلام إلى كعب فقال غلط أصحابك و حرّفوا كتب اللّه، و قبحوا الفرية عليه، يا كعب ويحك إنّ الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله، و لا تسع عظمته، و الهواء الذي ذكرت لا يجوز أقطاره، و لو كانت الصخرة و الهواء قديمين معه لكانت لهما قدمته، و عزّ اللّه و جلّ أن يقال له مكان يومى إليه، و اللّه ليس كما يقول الملحدون، و لا كما يظنّ الجاهلون، و لكن كان و لا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، و قولي )كان( لتعريف كونه، و هو ممّا علم من البيان، يقول اللّه عزّ و جلّ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ، فقولي له كان ممّا علّمني البيان لأنطق بحجّة عظمة المنّان، و لم يزل ربّنا مقتدرا على ما يشاء، محيطا بكلّ الأشياء، ثم كوّن ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، و لا بشبهة دخلت عليه فيما أراد، و إنّه عزّ و جلّ خلق نورا ابتدعه من غير شيء، ثم خلق منه ظلمة و كان قديرا أن يخلق الظلمة لا من شيء، كما خلق النور من غير شيء، ثم خلق من الظلمة نورا و خلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات و سبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعدا، و لا يزال مرتعدا إلى يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره، و جعله على الماء، و للعرش عشرة آلاف لسان يسبّح اللّه كلّ لسان منها بعشرة آلاف، ليس فيها لغة تشبه الأخرى، و كان العرش على الماء من دونه حجب الضباب، و ذلك قوله وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ..، يا كعب ويحك إنّ من كانت البحار تفلته على قولك كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس، أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنّه حلّ فيه.. فضحك عمر بن الخطاب، و قال هذا هو الأمر، و هكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب، لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن.
7- كا العدّة، عن البرقي، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن حنان بن السرّاج، عن داود بن سليمان الكسائي، عن أبي الطفيل، قال شهدت جنازة أبي بكر يوم مات، و شهدت عمر حين بويع و عليّ عليه السلام جالس ناحية، فأقبل غلام يهوديّ جميل الوجه، بهيّ، عليه ثياب حسان و هو من ولد هارون حتى قام على رأس عمر، فقال يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمّة بكتابهم و أمر نبيّهم. قال فطأطأ عمر رأسه، فقال إيّاك أعني.. و أعاد عليه القول، فقال له عمر لم ذاك. قال إنّي جئتك مرتادا لنفسي، شاكّا في ديني. فقال دونك هذا الشاب. قال و من هذا الشاب. قال هذا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هذا أبو الحسن و الحسين ابني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هذا زوج فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأقبل اليهوديّ على عليّ عليه السلام فقال أ كذلك أنت. فقال نعم. قال إنّي أريد أن أسألك عن ثلاث و ثلاث و واحدة. قال فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام من غير تبسّم، فقال يا هارونيّ ما منعك أن تقول سبعا. قال أسألك عن ثلاث، فإن أجبتني سألت عمّا بعدهنّ، و إن لم تعلمهنّ علمت أنّه ليس فيكم عالم. قال عليّ عليه السلام فإنّي أسألك بالإله الذي تعبده لئن أنا أجبتك في كلّ ما تريد لتدعنّ دينك و لتدخلنّ في ديني. قال ما جئت إلّا لذاك. قال فسل. قال أخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض، أيّ قطرة هي و أوّل عين فاضت على وجه الأرض، أيّ عين هي و أوّل شيء اهتزّ على وجه الأرض، أي شيء هو. فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال أخبرني عن الثلاث الأخر، أخبرني عن محمّد، كم له من إمام عادل. و في أيّ جنّة يكون و من يساكنه معه في جنّته. قال يا هارونيّ إنّ لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله اثني عشر إمام عدل لا يضرّهم خذلان من خذلهم، و لا يستوحشون بخلاف من خالفهم، و إنّهم في الدين أرسب من الجبال الرواسي في الأرض، و مسكن محمّد في جنّته، معه أولئك الاثنا عشر الإمام العدل. فقال صدقت و اللّه الذي لا إله إلّا هو، إنّي لأجدها في كتب أبي هارون، كتبه بيده و أملاه موسى عمّي عليه السلام. قال فأخبرني عن الواحدة أخبرني عن وصيّ محمّد كم يعيش من بعده و هل يموت أو يقتل. قال يا هارونيّ يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوما و لا ينقص يوما، ثم يضرب ضربة هاهنا يعني على قرنه فيخضب هذه من هذا. قال فصاح الهارونيّ و قطع كستيجه، و هو يقول أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و أنّك وصيّه، ينبغي أن تفوق و لا تفاق، و أن تعظم و لا تستضعف. قال ثم مضى به عليّ عليه السلام إلى منزله فعلّمه معالم الدين.
بيان في القاموس جبل راسب.. أي ثابت، و كذا الراسي بمعنى الثّابت.
8- كا محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام. و محمد بن الحسين، عن إبراهيم، عن ابن أبي يحيى المديني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال كنت حاضرا لمّا هلك أبو بكر و استخلف عمر، أقبل يهوديّ من عظماء يهود يثرب، و يزعم يهود المدينة أنّه أعلم أهل زمانه حتى رفع إلى عمر، فقال له يا عمر إنّي جئتك أريد الإسلام فإن أخبرتني عمّا أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمّد بالكتاب و السنّة و جميع ما أريد أن أسأل عنه. قال فقال له عمر إنّي لست هناك، لكنّي أرشدك إلى من هو أعلم أمّتنا بالكتاب و السنّة و جميع ما قد تسأل عنه، و هو ذاك، فأومى إلى عليّ عليه السلام. فقال له اليهوديّ يا عمر إن كان هذا كما تقول فما لك و لبيعة الناس، و إنّما ذاك أعلمكم، فزبره عمر. ثم إنّ اليهوديّ قام إلى عليّ عليه السلام فقال أنت كما ذكر عمر. فقال و ما قال عمر. فأخبره. قال فإن كنت كما قال، سألتك عن أشياء أريد أن أعلم هل يعلمه أحد منكم فأعلم أنّكم في دعواكم خير الأمم و أعلمها صادقين، و مع ذلك أدخل في دينكم الإسلام. فقال أمير المؤمنين عليه السلام نعم، أنا كما ذكر لك عمر، سل عمّا بدا لك أخبرك به إن شاء اللّه تعالى. قال أخبرني عن ثلاث و ثلاث و واحدة. فقال له عليّ عليه السلام يا يهوديّ و لم لم تقل أخبرني عن سبع. فقال له اليهوديّ إنّك إن أخبرتني بالثلاث، سألتك عن البقية و إلّا كففت، فإن أنت أجبتني في هذه السبع فأنت أعلم أهل الأرض و أفضلهم و أولى الناس بالناس. فقال له سل عمّا بدا لك أخبرك به إن شاء اللّه تعالى. قال أخبرني عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض و أوّل شجرة غرست على وجه الأرض و أوّل عين نبعت على وجه الأرض. فأخبره أمير المؤمنين عليه السلام. ثم قال له اليهوديّ أخبرني عن هذه الأمّة كم لها من إمام هدى و أخبرني عن نبيّكم محمّد أين منزله في الجنّة و أخبرني من معه في الجنّة. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام إنّ لهذه الأمّة اثني عشر إمام هدى من ذريّة نبيّها و هم منّي. و أمّا منزل نبيّنا في الجنّة ففي أفضلها و أشرفها جنّة عدن، و أمّا من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريّته، و أمّهم و جدّتهم أمّ أمّهم و ذراريهم لا يشركهم فيها أحد..
9- كا محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن علي، عن زكريّا المؤمن، عن ابن مسكان، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال إنّ رجلا أتى بامرأته إلى عمر، فقال إنّ امرأتي هذه سوداء و أنا أسود و إنّها ولدت غلاما أبيض. فقال لمن بحضرته ما ترون. قالوا نرى أن ترجمها فإنّها سوداء و زوجها أسود و ولدها أبيض. قال فجاء أمير المؤمنين عليه السلام و قد وجّه بها لترجم، فقال ما حالكما. فحدّثاه. فقال للأسود أتتّهم امرأتك. فقال لا. قال فأتيتها و هي طامث. قالت نعم، سله، قد حرّجت عليه و أبيت. قال فانطلقا فإنّه ابنكما، و إنّما غلب الدم النطفة فابيضّ، و لو قد تحرّك اسودّ. فلمّا أيفع اسودّ.
بيان التّحريج التّضييق، ذكره الجوهري، و قال أيفع الغلام.. أي ارتفع.
10- مشارق الأنوار قال إنّ رجلا حضر مجلس أبي بكر فادّعى أنّه لا يخاف اللّه، و لا يرجو الجنّة، و لا يخشى النار، و لا يركع و لا يسجد، و يأكل الميتة و الدم، و يشهد بما لا يرى، و يحب الفتنة، و يكره الحقّ، و يصدّق اليهود و النصارى، و أنّ عنده ما ليس عند اللّه، و له ما ليس للّه، و أنّي أحمد النبيّ، و أنّي عليّ و أنا ربّكم، فقال له عمر ازددت كفرا على كفرك. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام هوّن عليك يا عمر فإنّ هذا رجل من أولياء اللّه لا يرجو الجنّة و لكن يرجو اللّه، و لا يخاف النار و لكن يخاف ربّه، و لا يخاف اللّه من ظلم و لكن يخاف عدله، لأنّه حكم عدل، و لا يركع و لا يسجد في صلاة الجنازة، و يأكل الجراد و السمك، و يحبّ الأهل و الولد، و يشهد بالجنّة و النار و لم يرهما، و يكره الموت و هو الحقّ، و يصدّق اليهود و النصارى في تكذيب بعضهما بعضا، و له ما ليس للّه، لأنّ له ولدا و ليس للّه ولد، و عنده ما ليس عند اللّه، فإنّه يظلم نفسه و ليس عند اللّه ظلم، و قوله أنا أحمد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.. أي أنا أحمده على تبليغ الرسالة عن ربّه، و قوله أنا عليّ.. يعني عليّ في قولي، و قوله أنا ربّكم.. أي ربّ كم بمعنى لي كم أرفعها و أضعها، ففرح عمر، و قام و قبّل رأس أمير المؤمنين، و قال لا بقيت بعدك يا أبا الحسن.
بيان هوّن عليك.. أي سهّل على نفسك بالسؤال أو بالانتظار ليتبيّن الحقّ، أو المعنى ما أهون عليك.. أي ليس فيه إشكال، و لعلّ المراد بالدم دم السمك، أو مطلق الدم المتخلّف، و تركه عليه السلام للظهور، و المراد بالميتة ما لم يذبح، كما ورد في البحر تحلّ ميتته.
11- كنز محمد بن العباس، عن أحمد بن هوزة، عن النهاوندي، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن نصر بن يحيى، عن المقتبس بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جدّه، قال كان رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع عمر ابن الخطاب فأرسله في جيش فغاب ستة أشهر ثم قدم، و كان مع أهله ستة أشهر فعلقت منه فجاءت بولد لستة أشهر فأنكره، فجاء بها إلى عمر فقال يا أمير المؤمنين كنت في البعث الذي وجهتني فيه، و تعلم أنّي قدمت ستة أشهر، و كنت مع أهلي و قد جاءت بغلام و هو ذا، و تزعم أنّه منّي. فقال لها عمر ما ذا تقولين أيّتها المرأة. فقالت و اللّه ما غشيني رجل غيره، و ما فجرت، و إنّه لابنه، و كان اسم الرجل الهيثم. فقال لها عمر أ حقّ ما يقول زوجك. قالت قد صدق يا أمير المؤمنين فأمر بها عمر أن ترجم، فحفر لها حفيرة ثم أدخلها فيه، فبلغ ذلك عليّا عليه السلام، فجاء مسرعا حتى أدركها و أخذ بيديها فسلّها من الحفيرة. ثم قال لعمر اربع على نفسك إنّها قد صدقت، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً، و قال في الرضاع وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ، فالحمل و الرضاع ثلاثون شهرا، و هذا الحسين ولد لستة أشهر. فعندها قال عمر لو لا عليّ لهلك عمر.
12- ما المفيد، عن علي بن خالد، عن محمد بن الحسين بن صالح، عن محمد بن علي بن زيد، عن محمد بن تسنيم، عن جعفر بن محمد الخثعمي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن رقيّة بن مصقلة بن عبد اللّه بن جويّة العبدي، عن أبيه، عن جدّه، قال أتى عمر بن الخطاب رجلان يسألان عن طلاق الأمة، فالتفت إلى خلفه فنظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال يا أصلع ما ترى في طلاق الأمة. فقال بإصبعيه.. هكذا، و أشار بالسبابة و التي تليها، فالتفت إليهما عمر و قال ثنتان. فقال سبحان اللّه جئناك و أنت أمير المؤمنين فسألناك فجئت إلى رجل سألته، و اللّه ما كلّمك. فقال عمر تدريان من هذا. قالا لا. قال هذا عليّ بن أبي طالب، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لو أنّ السماوات السبع و الأرضين السبع وضعتا في كفّة و وضع إيمان عليّ في كفّة لرجح إيمان عليّ )ع(.
13- عدّة روى الحكم بن مروان، عن جبير بن حبيب، قال نزل بعمر بن الخطاب نازلة قام لها و قعد، و ترنّح لها و تقطّر. ثم قال يا معشر المهاجرين ما عندكم فيها. قالوا يا أمير المؤمنين أنت المفزع و المنزع، فغضب، ثم قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً أما و اللّه إنّا و إيّاكم لنعرف ابن بجدتها، و الخبير بها. قالوا كأنّك أردت ابن أبي طالب. قال و أنّى يعدل بي عنه، و هل طفحت حرّة بمثله. قالوا فلو بعثت إليه. قال هيهات هناك شمخ من هاشم و لحمة من الرسول )ص(، و أثرة من علم يؤتى لها و لا يأتي، امضوا إليه فاقصفوا نحوه، و أفضوا إليه، و هو في حائط له و عليه تبّان يتركّل على مسحاته و هو يقول أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى و دموعه تهمي على خديه، فأجهش القوم لبكائه، ثم سكن و سكنوا، و سأله عمر عن مسألته فأصدر إليه جوابها، فلوى عمر يديه. ثم قال أما و اللّه لقد أرادك الحقّ و لكن أبى قومك. فقال عليه السلام له يا أبا حفص خفض عليك من هنا و من هنا إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً. فانصرف و قد اظلمّ وجهه و كأنّما ينظر من ليل.
بيان قال الجوهري ترنّح تمايل من السّكر و غيره، و رنّح عليه ترنيحا على بناء ما لم يسمّ فاعله.. أي غشي عليه، أو اعتراه وهن في عظامه فتمايل، و هو مرنّح. و في القاموس تقطّر تهيّأ للقتال، و رمى بنفسه من علو، و الجذع.. انجعف.. أي انقلع. و قال هو ابن بجدتها للعالم بالشّيء، و للدّليل الهادي، و لمن لا يبرح عن قوله، و عنده بجدة ذلك.. أي علمه. و قال طفحت كمنع بالولد ولدته لتمام. و قال شمخ الجبل علا و طال، و الرّجل بأنفه تكبّر.. و نيّة شمخ محرّكة بعيدة..، و الشّامخ الرّافع أنفه عزّا. و لأثرة البقيّة من العلم يؤثر. و قال في الحديث أنا و النّبيّون فرّاط القاصفين هم المزدحمون كأنّ بعضهم يقصف بعضا لفرط الزّحام، و تزاحمهم بدارا إلى الجنّة.. أي نحن متقدّمون في الشّفاعة لقوم كثيرين متدافعين..، و القصفة من القوم تدافعهم و تزاحمهم، و رقّة الأرطى و قد أقصف. و قال التّبّان كرمّان سراويل صغير يستر العورة المغلّظة. و قال تركّل بمسحاته ضربها برجله لتدخل في الأرض. و قال سحا الطّين يسحيه و يسحوه و يسحاه سحيا قشره و جرفه، و المسحاة بالكسر ما سحي به. و قال خفّض القول يا فلان ليّنه، و الأمر هوّنه. قوله من هنا و من هنا.. أي من أوّل الأمر حيث منعتني الخلافة و من هذا الوقت حيث تقرّ لي بالفضل، و يمكن أن يقرأ )من( بالفتح فيهما.. أي من كان المانع في أوّل الأمر و من القائل في هذا الوقت، أي لا تناسب بينهما، و على الأول يحتمل أن يكون أحدهما إشارة إلى الدنيا و الآخر إلى العقبى.