ج روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في بعض مجالسه بعد رجوعه عن النهروان فجرى الكلام حتى قيل لم لا حاربت أبا بكر و عمر كما حاربت طلحة و الزبير و معاوية. فقال عليه السلام إنّي كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقّي، فقام إليه أشعث بن قيس فقال يا أمير المؤمنين لم لم تضرب بسيفك و تطلب بحقّك فقال يا أشعث قد قلت قولا فاسمع الجواب و عه و استشعر الحجّة، إنّ لي أسوة بستّة من الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين أوّلهم نوح عليه السلام حيث قال أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فإن قال قائل إنّه قال لغير خوف فقد كفر، و إلّا فالوصيّ أعذر. و ثانيهم لوط عليه السلام حيث قال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ. فإن قال قائل إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، و إلّا فالوصيّ أعذر. و ثالثهم إبراهيم خليل اللّه حيث قال وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. فإن قال قائل إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، و إلّا فالوصيّ أعذر. و رابعهم موسى عليه السلام حيث قال فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ. فإن قال قائل إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، و إلّا فالوصيّ أعذر. و خامسهم أخوه هارون عليه السلام حيث قال ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي. فإن قال قائل إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، و إلّا فالوصيّ أعذر. و سادسهم أخي محمّد سيّد البشر صلّى اللّه عليه و آله حيث ذهب إلى الغار و نوّمني على فراشه، فإن قال قائل إنّه ذهب إلى الغار لغير خوف فقد كفر، و إلّا فالوصيّ أعذر. فقام إليه الناس بأجمعهم فقالوا يا أمير المؤمنين قد علمنا أنّ القول قولك و نحن المذنبون التائبون، و قد عذّرك اللّه.
ج عن إسحاق بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام قال خطب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه خطبة بالكوفة فلمّا كان في آخر كلامه قال إنّي لأولى الناس بالناس و ما زلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقام الأشعث بن قيس لعنه اللّه فقال يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلّا و قلت و اللّه إنّي لأولى الناس بالناس، و ما زلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لمّا ولي تيم و عدي، ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك فقال له أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه يا ابن الخمّارة قد قلت قولا فاستمع، و اللّه ما منعني الجبن و لا كراهيّة الموت، و لا منعني ذلك إلّا عهد أخي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، خبّرني و قال يا أبا الحسن إنّ الأمّة ستغدر بك و تنقض عهدي، و إنّك منّي بمنزلة هارون من موسى. فقلت يا رسول اللّه فما تعهد إليّ إذا كان كذلك فقال إن وجدت أعوانا فبادر إليهم و جاهدهم، و إن لم تجد أعوانا فكفّ يدك و احقن دمك حتّى تلحق بي مظلوما. فلمّا توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اشتغلت بدفنه و الفراغ من شأنه، ثم آليت يمينا أنّي لا أرتدي إلّا للصلاة حتّى أجمع القرآن، ففعلت، ثم أخذت بيد فاطمة و ابني الحسن و الحسين ثم درت على أهل بدر و أهل السابقة فناشدتهم حقّي و دعوتهم إلى نصري، فما أجابني منهم إلّا أربعة رهط سلمان و عمّار و المقداد و أبو ذرّ، و ذهب من كنت أعتضد بهم على دين اللّه من أهل بيتي، و بقيت بين خفيرتين قريبي العهد بجاهليّة عقيل و العباس. فقال له الأشعث يا أمير المؤمنين كذلك كان عثمان لمّا لم يجد أعوانا كفّ يده حتّى قتل مظلوما. فقال أمير المؤمنين يا ابن الخمّارة ليس كما قست، إنّ عثمان لمّا جلس جلس في غير مجلسه، و ارتدى بغير ردائه، و صارع الحقّ فصرعه الحقّ، و الذي بعث محمّدا بالحقّ لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطا لجاهدتهم في اللّه إلى أن أبلي عذري. ثم أيّها الناس إنّ الأشعث لا يزن عند اللّه جناح بعوضة، و إنّه أقلّ في دين اللّه من عفطة عنز.
إيضاح
قوله عليه السلام بين خفيرتين بالخاء المعجمة و الراء المهملة أي طليقين معاهدين أخذا في الحرب و حقن دمهما بالأمان و الفداء، أو ناقضين للعهد، قال في القاموس الخفير المجار و المجير.. و خفره أخذ منه جعلا ليجيره، و به خفرا و خفورا نقض عهده و غدركه كأخفره، و في بعض النسخ بالحاء المهملة و الزاي المعجمة من قولهم حفزه.. أي دفعه من خلفه، و بالرّمح طعنه، و عن الأمر أعجله و أزعجه، قاله الفيروزآبادي. و قال أبلاه عذرا أدّاه إليه فقبله. و عفطة العنز ضرطته.
ج روي عن أمّ سلمة زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّها قالت كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تسع نسوة، و كانت ليلتي و يومي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأتيت الباب فقلت أدخل يا رسول اللّه )ص( فقال لا. قالت فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطه، أو نزل في شيء من السماء، ثم لم ألبث أن أتيت الباب ثانية فقلت أدخل يا رسول اللّه فقال لا. قالت فكبوت كبوة أشدّ من الأولى، ثم لم ألبث حتّى أتيت الباب ثالثة فقلت أدخل يا رسول اللّه فقال ادخلي يا أمّ سلمة، فدخلت و عليّ عليه السلام جاث بين يديه، و هو يقول فداك أبي و أمّي يا رسول اللّه إذا كان.. كذا و كذا فما تأمرني قال آمرك بالصبر.. ثم أعاد عليه القول ثانية فأمره بالصبر.. ثم أعاد عليه القول ثالثة، فقال له يا عليّ يا أخي إذا كان ذلك منهم فسل سيفك و ضعه على عاتقك و اضرب قدما قدما حتّى تلقاني و سيفك شاهر يقطر من دمائهم، ثم التفت إليّ و قال ما هذه الكآبة يا أمّ سلمة قلت للذي كان من ردّك إيّاي يا رسول اللّه. فقال لي و اللّه ما رددتك إلّا لشيء خير من اللّه و رسوله، و لكن أتيتني و جبرئيل عليه السلام يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي، و أمرني أن أوصي بذلك عليّا )ع(، يا أمّ سلمة اسمعي و اشهدي هذا عليّ بن أبي طالب )ع( وزيري في الدنيا و وزيري في الآخرة، يا أمّ سلمة اسمعي و اشهدي هذا عليّ بن أبي طالب )ع( وصيي و خليفتي من بعدي و قاضي عداتي و الذائد عن حوضي، اسمعي و اشهدي هذا عليّ بن أبي طالب سيّد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغرّ المحجّلين، و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين. قلت يا رسول اللّه من الناكثون قال الذين يبايعونه بالمدينة و يقاتلونه بالبصرة. قلت من القاسطون قال معاوية و أصحابه من أهل الشام. قلت من المارقون قال أصحاب النهروان.
لي ابن الوليد، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن سنان، عن المفضّل، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام مثله.
ما الغضائري، عن الصدوق مثله.
بيان كبا كبوا انكبّ على وجهه، و يقال مضى قدما بضمتين أي لم يعرج و لم ينثن.
ج روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في أثناء خطبة خطبها بعد فتح البصرة بأيّام حاكيا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قوله يا عليّ إنّك باق بعدي و مبتلى بأمّتي، و مخاصم بين يدي اللّه، فأعدّ للخصوم جوابا. فقلت بأبي أنت و أمّي بيّن لي ما هذه الفتنة التي أبتلى بها و على ما أجاهد بعدك فقال لي إنّك ستقاتل بعدي الناكثة و القاسطة و المارقة.. و حلّاهم و سمّاهم رجلا رجلا، و تجاهد من أمّتي كلّ من خالف القرآن و سنّتي ممّن يعمل في الدين بالرأي، فلا رأي في الدين، إنّما هو أمر الربّ و نهيه. فقلت يا رسول اللّه فأرشدني إلى الفلج عند الخصومة يوم القيامة. فقال نعم، إذا كان ذلك فاقتصر على الهدى إذا قومك عطفوا الهدي على الهوى، و عطفوا القرآن على الرأي فيتأوّلوه برأيهم بتتبّع الحجج من القرآن بمشتبهات الأشياء الطارئة عند الطمأنينة إلى الدنيا، فاعطف أنت الرأي على القرآن إذا قومك حرّفوا الكلم عن مواضعه عند الأهواء الناهية و الآراء الطامحة، و القادة الناكثة، و الفرقة القاسطة، و الأخرى المارقة أهل الإفك المردي، و الهوى المطغي، و الشبهة الحالقة، فلا تنكلنّ عن فضل العاقبة، فإنّ العاقبة للمتّقين.
ج عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال لمّا نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ... قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأجاهدنّ العمالقة يعني الكفّار و المنافقين فأتاه جبرئيل فقال أنت أو عليّ.
ج روى جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال إنّي كنت لأدناهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع بمنى فقال لأعرفتكم ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، و ايم اللّه لو فعلتموها لتعرفنّي في الكتيبة التي تضاربكم، ثم التفت إلى خلفه فقال أو عليّا.. ثلاثا، فرأينا أنّ جبرئيل عليه السلام غمزه، فأنزل اللّه تعالى فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ بعليّ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ.
بيان
لعلّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا أخبر بما نزل عليه من أنّه يقاتل المنافقين المرتدّين بعده، نزل جبرئيل عليه السلام فأخبره بالبداء فيه، و أنّه إنّما يقاتلهم عليّ عليه السلام، فقال أو عليّا.. أي أو لتعرفنّ عليّا عليه السلام تبهيما عليهم، أو كلمة )أو( بمعنى بل.
ج عن ابن عباس أنّ عليّا عليه السلام كان يقول في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ اللّه تعالى يقول وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ و اللّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه، و اللّه لئن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قاتل عليه حتى أموت، لأنّي أخوه و ابن عمّه و وارثه، فمن أحقّ به منّي.
ج عن أحمد بن همّام قال أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر فقلت يا أبا عمارة كان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف فقال يا أبا ثعلبة إذا سكتنا عنكم فاسكتوا و لا تبحثوا، فو اللّه لعلي بن أبي طالب كان أحقّ بالخلافة من أبي بكر كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحقّ بالنبوّة من أبي جهل قال و أزيدك إنّا كنّا ذات يوم عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجاء عليّ )ع( و أبو بكر و عمر إلى باب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فدخل أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل عليّ )ع( على إثرهما فكأنّما سفي على وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الرماد، ثم قال يا عليّ أ يتقدّمانك هذان و قد أمّرك اللّه عليهما قال أبو بكر نسيت يا رسول اللّه، و قال عمر سهوت يا رسول اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما نسيتما و لا سهوتما، و كأنّي بكما قد استلبتما ملكه و تحاربتما عليه، و أعانكما على ذلك أعداء اللّه و أعداء رسوله، و كأنّي بكما قد تركتما المهاجرين و الأنصار بعضهم يضرب وجوه بعض بالسيف على الدنيا، و لكأنّي بأهل بيتي و هم المقهورون المتشتّتون في أقطارها، و ذلك لأمر قد قضي.. ثم بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى سالت دموعه، ثم قال يا عليّ الصبر.. الصبر.. حتى ينزل الأمر و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، فإنّ لك من الأجر في كلّ يوم ما لا يحصيه كاتباك، فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف.. فالقتل القتل حتى يفيئوا إلى أمر اللّه و أمر رسوله، فإنّك على الحقّ و من ناواك على الباطل، و كذلك ذريّتك من بعدك إلى يوم القيامة.
توضيح سفت الرّيح التّراب تسفيه سفيا.. أي أذرته.
فس جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل فقال يا عليّ على ما تقاتل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من شهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه فقال عليّ عليه السلام آية في كتاب اللّه أباحت لي قتالهم. فقال و ما هي قال قوله تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ، فقال الرجل كفر و اللّه القوم.
فس الحسين بن محمد، عن المعلّى، عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن سليمان الكاتب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ قال هكذا نزلت، فجاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الكفار و جاهد عليّ عليه السلام المنافقين، فجاهد عليّ )ع( جهاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
تبيين
أقول قد أشكل على المفسّرين ما ورد في الآية من الأمر بجهاد المنافقين. قال في مجمع البيان اختلفوا في كيفيّة جهاد المنافقين. فقيل إنّ جهادهم باللسان و الوعظ. و قيل جهادهم بإقامة الحدود عليهم، و كان ما يصيبهم من الحدود أكثر. و قيل بالأنواع الثلاثة بحسب الإمكان باليد ثم اللسان ثم القلب. و روي في قراءة أهل البيت عليهم السلام جاهد الكفّار بالمنافقين، قالوا لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يقاتل المنافقين و إنّما كان يتألّفهم. انتهى. و هذه الآية كرّرت في القرآن في الموضعين إحداهما في التوبة، و الأخرى في التحريم. و قال علي بن إبراهيم في الأولى إنّما نزلت بالمنافقين لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يجاهد المنافقين بالسيف، ثم
روى عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ بإلزام الفرائض.
و روى في الثانية هذه الرواية و قوله عليه السلام هكذا نزلت.. يدلّ على عدم صحّة القراءة الشاذّة، و يمكن الجمع بإنّ إحدى الآيتين كانت بالباء و الأخرى بدونها، و في توزيع عليّ بن إبراهيم رحمه اللّه النقل إشعار بذلك، و فيه فائدة أخرى و هي عدم تكرار الآية بعينها.
فس أحمد بن عليّ، عن الحسين بن عبد اللّه السعدي، عن الخشّاب، عن عبد اللّه بن الحسين، عن بعض أصحابه، عن فلان الكرخي قال قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام أ لم يكن عليّ قويّا في بدنه قويّا في أمر اللّه فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام بلى. قال فما منعه أن يدفع أو يمتنع قال قد سألت فافهم الجواب منع عليّا من ذلك آية من كتاب اللّه. فقال و أيّ آية قال فقرأ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً، إنّه كان للّه ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين و منافقين، فلم يكن عليّ صلوات اللّه عليه ليقتل الآباء حتّى يخرج الودائع، فلما خرجت ظهر على من ظهر و قتله، و كذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتّى يخرج ودائع اللّه فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله.
تبيان
هذا التأويل الجليل لم يذكره المفسّرون، و قالوا أراد أنّه لو تميّز المؤمنون المستضعفون بمكّة من الكافرين لعذّبنا الذين كفروا منهم بالسيف و القتل بأيديكم، و ما ورد في الخبر أنسب من جهة لفظ التنزيل المشتمل على المبالغة المناسبة لإخراج ما في الأصلاب، فتأمّل.
فس أبي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن )ع( قال جاء العباس إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فقال انطلق نبايع لك الناس. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام أ تراهم فاعلين قال نعم. قال فأين قول اللّه تعالى الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي اختبرناهم فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ.
فس قوله تعالى وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ... الآية فإنّها نزلت في أصحاب الجمل، و قال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل و اللّه ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلّا بآية من كتاب اللّه، يقول اللّه وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ.
و قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الزهراء و اللّه لقد عهد إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غير مرّة و لا ثنتين و لا ثلاث و لا أربع، فقال يا عليّ إنّك ستقاتل من بعدي الناكثين و المارقين و القاسطين، أ فأضيّع ما أمرني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أكفر بعد إسلامي.
بيان
قال في مجمع البيان قال ابن عباس أراد بأئمّة الكفر رؤساء قريش مثل الحارث بن هشام و أبي سفيان بن حرب و عكرمة بن أبي جهل و سائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد، و كان حذيفة بن اليمان يقول لم يأت أهل هذه الآية بعد. و قال مجاهد هم أهل فارس و الروم، و قرأ عليّ عليه السلام هذه الآية يوم البصرة، ثم قال أما و اللّه لقد عهد إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال يا عليّ ستقاتلنّ الفئة الناكثة و الفئة الباغية و الفئة المارقة.
ما المفيد، عن عليّ بن محمد الكاتب، عن الحسن بن عليّ الزعفراني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن المسعودي، عن محمد بن كثير، عن يحيى بن حمّاد القطّان، عن أبي محمد الحضرمي، عن أبي عليّ الهمداني أنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين إنّي سائلك لآخذ عنك، و قد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله، إلا تحدّثنا عن أمرك هذا كان بعهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو شيء رأيته فإنّا قد أكثرنا فيك الأقاويل، و أوثقه عندنا ما نقلناه عنك و سمعناه من فيك، إنّا كنّا نقول لو رجعت إليكم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم ينازعكم فيها أحد، و اللّه ما أدري إذا سئلت ما أقول، أ أزعم أنّ القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك فإن قلت ذلك، فعلام نصبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد حجّة الوداع فقال أيّها الناس من كنت مولاه فعليّ مولاه و إن كنت أولى منهم بما كانوا فيه فعلام تتولّاهم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا عبد الرحمن إنّ اللّه تعالى قبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا يوم قبضه أولى بالناس منّي بقميصي هذا، و قد كان من نبيّ اللّه إليّ عهد لو خزمتموني بأنفي لأقررت سمعا للّه و طاعة، و إنّا أوّل ما انتقضنا بعده إبطال حقّنا في الخمس، فلمّا دقّ أمرنا طمعت رعيان قريش فينا و قد كان ليّ على الناس حقّ لو ردّوه إليّ عفوا قبلته و قمت به، و كان إلى أجل معلوم، و كنت كرجل له على الناس حقّ إلى أجل، فإن عجّلوا له ماله أخذه و حمدهم عليه، و إن أخرّوه أخذه غير محمودين، و كنت كرجل يأخذ السهولة و هو عند الناس محزون، و إنّما يعرف الهدى بقلّة من يأخذه من الناس، فإذا سكت فاعفوني فإنّه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم، فكفّوا عنّي ما كففت عنكم. فقال عبد الرحمن يا أمير المؤمنين فأنت لعمرك كما قال الأوّل
لعمري لقد أيقظت من كان نائما و أسمعت من كانت له أذنان
توضيح
قوله خزمتموني بالمعجمتين من خزم البعير إذا جعل في جانب منخره الخزامة، أو بإهمال الراء من خرمه أي شقّ و ترة أنفه. و الرعيان بالضّم و قد يكسر جمع الرّاعي. و يقال أعطيته عفوا.. أي بغير مسألة. قوله و هو عند الناس محزون، لعلّ الأصوب حرون و هو الشّاة السّيّئة الخلق. و لمّا لم يمكنه عليه السلام في هذا الوقت التصريح بجواز الغاصبين أفهم السائل بالكناية التي هي أبلغ.
ما المفيد، عن المظفّر بن محمد البلخي، عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج، عن عيسى بن مهران، عن الحسن بن الحسين، عن الحسن بن عبد الكريم، عن جعفر بن زياد الأحمر، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه جندب بن عبد اللَّه قال دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قد بويع لعثمان بن عفّان فوجدته مطرقا كئيبا، فقلت له ما أصابك جعلت فداك من قومك. فقال صبر جميل. فقلت سبحان اللَّه و اللَّه إنّك لصبور. قال فأصنع ما ذا. قلت تقوم في الناس و تدعوهم إلى نفسك و تخبرهم أنّك أولى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و بالفضل و السابقة، و تسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك، فإن أجابك عشرة من مائة شددت بالعشرة على المائة، فإن دانوا لك كان ذلك ما أحببت، و إن أبوا قاتلهم، فإن ظهرت عليهم فهو سلطان اللَّه الذي آتاه نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله و كنت أولى به منهم، و إن قتلت في طلبه قتلت إن شاء اللَّه شهيدا، و كنت أولى بالعذر عند اللَّه، لأنّك أحقّ بميراث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أ تراه يا جندب كان يبايعني عشرة من مائة فقلت أرجو ذلك. فقال لكنّي لا أرجو، و لا من كلّ مائة اثنان و سأخبرك من أين ذلك، إنّما ينظر الناس إلى قريش، و إنّ قريشا يقول إنّ آل محمّد يرون لهم فضلا على سائر قريش، و إنّهم أولياء هذا الأمر دون غيرهم من قريش، و إنّهم إن ولّوه لم يخرج منهم هذا السلطان إلى أحد أبدا، و متى كان في غيرهم تداولوه بينهم، و لا و اللَّه لا تدفع إلينا هذا السلطان قريش أبدا طائعين. فقلت له أ فلا أرجع فأخبر الناس بمقالتك هذه، و أدعوهم إلى نصرك فقال يا جندب ليس ذا زمان ذاك. قال جندب فرجعت بعد ذلك إلى العراق، فكنت كلّما ذكرت من فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام شيئا زبروني و نهروني حتّى رفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة، فبعث إليّ فحبسني حتّى كلّم فيّ فخلّى سبيلي.
شا عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه مثله.
بيان
قوله عليه السلام على هؤلاء المتظاهرين.. في الإرشاد على هؤلاء المتمالين بقلب الهمزة ثم حذف المقلوب، قال الجوهري مالأته على الأمر ممالاة ساعدته عليه و شايعته. ابن السّكّيت تمالوا على الأمر اجتمعوا عليه. قوله كلّما ذكرت من فضل أمير المؤمنين عليه السلام.. في الإرشاد كلّما ذكرت للناس شيئا من فضائله و مناقبه و حقوقه زبروني.
ل محمد بن الفضل المذكر، عن أبي عبد اللَّه البراوستاني، عن عليّ بن مسلمة، عن محمد بن بشير، عن قطر بن بي خليفة، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم قال سمعت علقمة يقول سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول أمرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين.
ن بإسناد التميمي، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال قال عليّ عليه السلام أمرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين.
ن بهذا الإسناد، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال من جاءكم يريد أن يفرّق الجماعة و يغصب الأمّة أمرها و يتولّى من غير مشورة فاقتلوه، فإنّ اللَّه عزّ و جلّ قد أذن في ذلك.
ع، ن الطالقاني، عن الحسن بن عليّ العدوي، عن الهيثم بن عبد اللَّه الرماني قال سألت الرضا عليه السلام فقلت له يا ابن رسول اللَّه أخبرني عن عليّ عليه السلام لم لم يجاهد أعداءه خمسا و عشرين سنة بعد رسول اللَّه ثم جاهد في أيّام ولايته فقال لأنّه اقتدى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في تركه جهاد المشركين بمكّة بعد النبوّة ثلاث عشرة سنة و بالمدينة تسعة عشر شهرا و ذلك لقلّة أعوانه عليهم، و كذلك عليّ عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم، فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة و تسعة عشر شهرا، كذلك لم تبطل إمامة عليّ عليه السلام مع تركه الجهاد خمسا و عشرين سنة، إذا كانت العلّة المانعة لهما من الجهاد واحدة.
ع أبي، عن سعد، عن النهدي، عن أبي محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إنّما أشار عليّ عليه السلام بالكفّ عن عدوّه من أجل شيعتنا، لأنّه كان يعلم أنّه سيظهر عليهم بعده، فأحبّ أن يقتدي به من جاء بعده فيسير فيهم بسيرته، و يقتدي بالكفّ عنهم بعده.
ك، ع ابن مسرور، عن ابن عامر، عن عمّه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قلت له ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل فلانا و فلانا و فلانا. قال لآية في كتاب اللَّه عزّ و جلّ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً قال قلت و ما يعني بتزايلهم قال ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين، و كذلك القائم عليه السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع اللَّه عزّ و جلّ، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء اللَّه فقتلهم.
ك، ع المظفّر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن عليّ بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي قال قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام أو قال له رجل أصلحك اللَّه أ لم يكن عليّ عليه السلام قويّا في دين اللَّه عزّ و جلّ قال بلى. قال فكيف ظهر عليه القوم و كيف لم يدفعهم و ما منعه من ذلك قال آية في كتاب اللَّه عزّ و جلّ منعته. قال قلت و أيّ آية قال قوله لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً إنّه كان للَّه عزّ و جلّ ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين و منافقين فلم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع، فلمّا خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، و كذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتى تظهر ودائع اللَّه عزّ و جلّ، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله.
ك، ع المظفّر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن جبرئيل ابن أحمد، عن اليقطيني، عن يونس، عن ابن حازم، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال في قول اللَّه عزّ و جلّ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً لو أخرج اللَّه ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين و ما في أصلاب الكافرين من المؤمنين لعذّب الذين كفروا.
ع الهمداني، عن عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، أنّه سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم قال للّذي سبق في علم اللَّه أن يكون، و ما كان له أن يقاتلهم و ليس معه إلّا ثلاثة رهط من المؤمنين.
غط ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن محمد بن أبي القاسم، عن أبي سمينة، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن جابر بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن عباس قالا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في وصيّته لأمير المؤمنين عليه السلام يا علي إنّ قريشا ستظاهر عليك و تجتمع كلّهم على ظلمك و قهرك، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم و إن لم تجد أعوانا فكفّ يدك و احقن دمك، فإنّ الشهادة من ورائك، لعن اللَّه قاتلك.
ع حمزة العلوي، عن ابن عقدة، عن الفضل بن حباب الجمحي، عن محمد بن إبراهيم الحمصي، عن محمد بن أحمد بن موسى الطائي، عن أبيه، عن ابن مسعود قال احتجوا في مسجد الكوفة فقالوا ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة و الزبير و عائشة و معاوية فبلغ ذلك عليّا عليه السلام فأمر أن ينادى الصلاة جامعة، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللَّه و أثنى عليه ثم قال معاشر الناس إنّه بلغني عنكم.. كذا و كذا قالوا صدق أمير المؤمنين عليه السلام، قد قلنا ذلك. قال فإنّ لي بستة من الأنبياء أسوة فيما فعلت. قال اللَّه عزّ و جلّ في محكم كتابه لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. قالوا و من هم يا أمير المؤمنين. قال أوّلهم إبراهيم عليه السلام إذ قال لقومه وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فإن قلتم إنّ إبراهيم عليه السلام اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم، و إن قلتم اعتزلهم لمكروه منهم فالوصيّ أعذر. و لي بابن خالته لوط أسوة إذ قال لقومه لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ فإن قلتم إنّ لوطا كانت له بهم قوّة فقد كفرتم، و إن قلتم لم يكن له بهم قوّة فالوصيّ أعذر. و لي بيوسف عليه السلام أسوة، إذ قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فإن قلتم إنّ يوسف دعا ربّه و سأله السجن بسخط ربّه فقد كفرتم، و إن قلتم إنّه أراد بذلك لئلّا يسخط ربّه عليه فاختار السجن، فالوصيّ أعذر. و لي بموسى عليه السلام أسوة إذ قال فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فإن قلتم إنّ موسى عليه السلام فرّ من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم، و إن قلتم إنّ موسى )ع( خاف منهم فالوصيّ أعذر. و لي بأخي هارون عليه السلام أسوة، إذ قال لأخيه يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فإن قلتم لم يستضعفوه و لم يشرفوا على قتله فقد كفرتم، و إن قلتم استضعفوه و أشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصيّ أعذر. و لي بمحمّد صلّى اللَّه عليه و آله أسوة حين فرّ من قومه و لحق بالغار من خوفهم و أنامني على فراشه، فإن قلتم فرّ من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، و إن قلتم خافهم و أنامني على فراشه و لحق هو بالغار من خوفهم فالوصيّ أعذر.
ع أحمد بن حاتم، عن أحمد بن محمد بن موسى، عن محمد ابن حمّاد الشاشي، عن الحسين بن راشد، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي، عن ربعي، عن زرارة قال قلت ما منع أمير المؤمنين عليه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه. قال خوفا أن يرتدّوا. قال عليّ و أحسب في الحديث و لا يشهدوا أنّ محمّدا رسول اللَّه )ص(.
ع أحمد بن الحسين، عن أبيه، عن محمد بن أبي الصهبان، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، قال قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام لم كفّ عليّ عليه السلام عن القوم. قال مخافة أن يرجعوا كفّارا.
ع أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن معروف، عن حمّاد، عن حريز، عن بريد، عن أبي جعفر عليه السلام قال إنّ عليّا عليه السلام لم يمنعه من أن يدعو إلى نفسه إلّا أنّهم أن يكونوا ضلالا، لا يرجعون عن الإسلام أحبّ إليه من أن يدعوهم فيأبوا عليه فيصيرون كفّارا كلّهم.
ل ماجيلويه و ابن المتوكل و العطار جميعا، عن محمد العطار، عن ابن أبي الخطاب، عن النضر، عن خالد بن ماد، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال جاء رجل إلى عليّ عليه السلام و هو على منبره فقال يا أمير المؤمنين ائذن لي أتكلّم بما سمعت من عمّار بن ياسر يرويه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله. فقال اتّقوا اللَّه و لا تقولوا على عمّار إلّا ما قاله.. حتّى قال ذلك ثلاث مرّات، ثم قال تكلّم. قال سمعت عمّارا يقول سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول أنا أقاتل على التنزيل و عليّ يقاتل على التأويل. فقال )ع( صدق عمّار و ربّ الكعبة، إنّ هذه عندي لفي ألف كلمة تتبع كلّ كلمة ألف كلمة.
ما المفيد، عن ابن قولويه، عن عليّ بن حاتم، عن الحسن بن عبيد اللَّه، عن الحسن بن موسى، عن ابن أبي نجران، و محمد بن عمر بن يزيد معا، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي، عن الفضيل قال قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام لمن كان الأمر حين قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال لنا أهل البيت. فقلت كيف صار في تيم و عديّ قال إنّك سألت فافهم الجواب إنّ اللَّه تعالى لمّا كتب أن يفسد في الأرض و تنكح الفروج الحرام، و يحكم بغير ما أنزل اللَّه، خلّى بين أعدائنا و بين مرادهم من الدنيا حتّى دفعونا عن حقّنا و جرى الظلم على أيديهم دوننا.
بيان لعلّ الكتابة مؤوّلة بالعلم، أو هي كتابة تبيين لا كتابة تقدير.
ع ابن الوليد، عن الصفّار، عن ابن يزيد، عن ربعي، عن حمّاد، عن الفضيل بن يسار قال قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد اللَّه عليهما السلام حين قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لمن كان الأمر بعده فقال لنا أهل البيت. قلت فكيف صار في غيركم قال إنّك قد سألت فافهم الجواب إنّ اللَّه عزّ و جلّ لمّا علم أن يفسد في الأرض، و تنكح الفروج الحرام، و يحكم بغير ما أنزل اللَّه تبارك و تعالى أراد أن يلي ذلك غيرنا.
قب قال ضرار لهشام بن الحكم ألا دعا عليّ الناس عند وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إلى الائتمام به إن كان وصيّا. قال لم يكن واجبا عليه، لأنّه قد دعاهم إلى موالاته و الائتمام به النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم الغدير و يوم تبوك و غيرهما فلم يقبلوا منه، و لو كان ذلك جائزا لجاز على آدم عليه السلام أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد أن دعاه ربّه إلى ذلك، ثم أنّه صبر كما صبر أولو العزم من الرسل. و سأل أبو حنيفة الطاقي فقال له لم لم يطلب عليّ بحقّه بعد وفاة الرسول إن كان له حقّ. قال خاف أن يقتله الجنّ كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة ابن شعبة. و قيل لعليّ بن ميثم لم قعد عن قتالهم. قال كما قعد هارون عن السامريّ و قد عبدوا العجل قبلا فكان ضعيفا. قال كان كهارون حيث يقول إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي، و كنوح عليه السلام إذ قال أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، و كلوط إذ قال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، و كموسى و هارون إذ قال موسى رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي.
بيان قال الجوهري رأيته قبلا و قبلا بالضم أي مقابلة و عيانا، و رأيته قبلا بكسر القاف.. أي عيانا.
قب و في الخصال في آداب الملوك أنّه قال عليه السلام و لي في موسى أسوة و في خليلي قدوة، و في كتاب اللَّه عبرة، و فيما أودعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله برهان، و فيما عرفت تبصرة، إن يكذّبوني فقد كذّبوا الحقّ من قبلي، و إن أبتلي به فتلك سيرتي، المحجّة العظمى و السبيل المفضية لمن لزمها إلى النجاة لم أزل عليها لا ناكلا و لا مبدّلا، لن أضيع بين كتاب اللَّه و عهد ابن عمّي به.. في كلام له، ثم قال
لن أطلب العذر في قومي و قد جهلوا فرض الكتاب و نالوا كلّ ما حرماحبل الإمامة لي من بعد أحمدنا
الأبيات............ و من كلام له عليه السلام رواه محمد بن سلام فنزل بي من وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ما لم يكن الجبال لو حملته لحملته، و رأيت أهل بيته بين جازع لا يملك جزعه، و لا يضبط نفسه، و لا يقوى على حمل ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، و أذهل عقله، و حال بينه و بين الفهم و الإفهام، و بين القول و الاستماع. ثم قال بعد كلام و حملت نفسي على الصبر عند وفاته، و لزمت الصمت و الأخذ فيما أمرني به من تجهيزه..
الخبر. قوله تعالى فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ كان قتل واحدا على وجه الدفع فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ فكيف لا يخاف عليّ و قد وترهم بالنهب، و أفناهم بالحصد، و استأسرهم فلم يدع قبيلة من أعلاها إلى أدناها إلّا و قد قتل صناديدهم.
قيل لأمير المؤمنين عليه السلام في جلوسه عنهم قال إنّي ذكرت قول النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إنّي رأيت القوم نقضوا أمرك، و استبدّوا بها دونك، و عصوني فيك، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر، فإنّهم سيغدرون بك و أنت تعيش على ملّتي، و تقتل على سنّتي، من أحبّك أحبّني، و من أبغضك أبغضني، و إنّ هذه ستخضب من هذا..
زرارة، قال قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام ما منع أمير المؤمنين عليه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه، و يجرّد في عدوّه سيفه. فقال الخوف من أن يرتدّوا فلا يشهدوا أنّ محمّدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله..
و سأل صدقة بن مسلم عمر بن قيس الماصر عن جلوس عليّ في الدار. فقال إنّ عليّا في هذه الأمّة كان فريضة من فرائض اللَّه، أدّاها نبيّ اللَّه إلى قومه مثل الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و ليس على الفرائض أن تدعوهم إلى شيء إنّما عليهم أن يجيبوا الفرائض، و كان عليّ أعذر من هارون لمّا ذهب موسى إلى الميقات، فقال لهارون اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فجعله رقيبا عليهم، و إنّ نبيّ اللَّه نصب عليّا )ع( لهذه الأمّة علما و دعاهم إليه، فعليّ في عذر لمّا جلس في بيته، و هم في حرج حتى يخرجوه فيضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، فاستحسن منه جعفر الصادق عليه السلام. و من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام و قد سئل عن أمرهما و كنت كرجل له على الناس حقّ، فإن عجّلوا له ماله أخذه و حمدهم، و إن أخّره أخذه غير محمودين، و كنت كرجل يأخذ بالسهولة و هو عند الناس حزون، و إنّما يعرف الهدى بقلّة من يأخذه من الناس، فإذا سكت فأعفوني.
و قال عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف يوم الشورى إنّ لنا حقّا إن أعطيناه أخذناه، و إن منعناه ركبنا أعجاز الإبل و إن طال بنا السرى.
و سئل متكلّم لم لم يقاتل الأوّلين على حقّه و قاتل الآخرين فقال لم لم يقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على إبلاغ الرسالة في حال الغار و مدّة الشعب و قاتل بعدهما...
و قال بعض النواصب لشيطان الطاق كان عليّ يسلّم على الشيخين بإمرة المؤمنين، أ فصدق أم كذب. قال أخبرني أنت عن الملكين اللذين دخلا على داود، فقال أحدهما إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ، كذب أم صدق. فانقطع الناصبي.
و سأل سليمان بن حريز هشام بن الحكم أخبرني عن قول عليّ لأبي بكر يا خليفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أ كان صادقا أم كاذبا فقال هشام و ما الدليل على أنّه قال ثم قال و إن كان قاله فهو كقول إبراهيم إِنِّي سَقِيمٌ، و كقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ، و كقول يوسف أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ...
و قيل لعلي بن ميثم لم صلّى عليّ خلف القوم قال جعلهم بمنزلة السواري. قيل فلم ضرب الوليد بن عقبة بين يدي عثمان. قال لأنّ الحدّ له و إليه، فإذا أمكنه إقامته أقامه بكلّ حيلة. قيل فلم أشار على أبي بكر و عمر. قال طلبا منه أن يحيي أحكام القرآن و أن يكون دينه القيّم كما أشار يوسف عليه السلام على ملك مصر نظرا منه للخلق، و لأنّ الأرض و الحكم فيها إليه، فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل، و إن لم يمكنه ذلك بنفسه توصّل إليه على يدي من يمكنه طلبا منه لإحياء أمر اللَّه. قيل لم قعد في الشورى. قال اقتدارا منه على الحجّة و علما بأنّهم إن ناظروه أو أنصفوه كان هو الغالب، و من كان له دعوى فدعي إلى أن يناظر عليه فإن ثبتت له الحجّة أعطيه، فإن لم يفعل بطل حقّه و أدخل بذلك الشبهة على الخلق، و قد قال عليه السلام يومئذ اليوم أدخلت في باب إذا أنصفت فيه وصلت إلى حقّي، يعني أنّ الأوّل استبدّ بها يوم السقيفة و لم يشاوره، قيل فلم زوّج عمر ابنته. قال لإظهاره الشهادتين و إقراره بفضل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و إرادته استصلاحه و كفّه عنه، و قد عرض نبيّ اللَّه لوط عليه السلام بناته على قومه و هم كفّار ليردّهم عن ضلالتهم، فقال هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، و وجدنا آسية بنت مزاحم تحت فرعون.
و سئل الشيخ المفيد لم أخذ عطاءهم، و صلّى خلفهم، و نكح سبيهم، و حكم في مجالسهم. فقال أمّا أخذه العطاء فأخذ بعض حقّه، و أمّا الصلاة خلفهم فهو الإمام، من تقدّم بين يديه فصلاته فاسدة، على أنّ كلا مؤدّ حقّه، و أمّا نكاحه من سبيهم فمن طريق الممانعة، إنّ الشيعة روت أنّ الحنفيّة زوّجها أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن مسلم الحنفي، و استدلّوا على ذلك بأنّ عمر بن الخطاب لمّا ردّ من كان أبو بكر سباه لم يردّ الحنفيّة، فلو كانت من السبي لردّها، و من طريق المتابعة أنّه لو نكح من سبيهم لم يكن لكم ما أردتم، لأنّ الذين سباهم أبو بكر كانوا عندكم قادحين في نبوّة رسول اللَّه كفّارا، فنكاحهم حلال لكلّ أحد، و لو كان الذين سباهم يزيد و زياد، و إنّما كان يسوغ لكم ما ذكرتموه إذا كان الذين سباهم قادحين في إمامته ثم نكح أمير المؤمنين عليه السلام، و أمّا حكمه في مجالسهم فإنّه لو قدر أن لا يدعهم يحكمون حكما لفعل، إذ الحكم إليه و له دونهم.
و في كتاب الكرّ و الفرّ قالوا وجدنا عليّا عليه السلام يأخذ عطاء الأوّل و لا يأخذ عطاء ظالم إلّا ظالم. قلنا فقد وجدنا دانيال يأخذ عطاء بختنصر. و قالوا قد صحّ أنّ عليّا عليه السلام لم يبايع ثم بايع، ففي أيّهما أصاب و أخطأ في الأخرى. قلنا و قد صحّ أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لم يدع في حال و دعا في حال، و لم يقاتل ثم قاتل.
و قال رجل للمرتضى أيّ خليفة قاتل و لم يسب و لم يغنم. فقال ارتدّ غلام في أيّام أبي بكر فقتلوه و لم يعرض أبو بكر لماله، و روي مثل ذلك في مرتدّ قتل في أيام عمر فلم يعرض لماله، و قتل عليّ عليه السلام مستورد العجلي و لم يتعرّض لماله، فالقتل ليس بأمارة على تناول المال.
و قال رجل لشريك أ ليس قول عليّ لابنه الحسين يوم الجمل يا بني يودّ أبوك أنّه مات قبل هذا اليوم بثلاثين سنة.. يدلّ على أنّ في الأمر شيئا. فقال شريك ليس كلّ حقّ يشتهى أن يتعب فيه، و قد قالت مريم في حقّ لا يشكّ فيه يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا. و لما قيل لأمير المؤمنين عليه السلام في الحكمين شككت. قال عليه السلام أنا أولى بأن لا أشكّ في ديني أم النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أو ما قال اللَّه تعالى لرسوله قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
شيء عن سليمان بن خالد قال قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام قول الناس لعليّ عليه السلام إن كان له حقّ فما منعه أن يقوم به. قال فقال إنّ اللَّه لم يكلّف هذا إلّا إنسانا واحدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، قال فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ فليس هذا إلّا للرسول. و قال لغيره إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فلم يكن يومئذ فئة يعينونه على أمره.
بيان لعلّ المعنى أنّه إذا كان مع وجود الجيش يجوز الفرار للتحيّز إلى فئة أخرى أقوى، فيجوز ترك الجهاد مع عدم الفئة أصلا بطريق أولى، و إنّ هذه الآية تدلّ على اشتراط الفئة التزاما.
شيء عن حريز، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و الذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة حتى لا تخطئون طريقهم و لا تخطئكم سنّة بني إسرائيل، ثم قال أبو جعفر عليه السلام قال موسى لقومه يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فردّوا عليه و كانوا ستمائة ألف فقالوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا أحدهما يوشع بن نون و كالب بن يوفنا، قال و هما ابن عمّه فقالا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ.. إلى قوله إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ قال فعصى ستمائة ألف، و سلم هارون و ابناه و يوشع بن نون و كالب بن يوفنا، فسمّاهم اللَّه فاسقين، فقال فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ فتاهوا أربعين سنة لأنّهم عصوا، فكان حذو النعل بالنعل، إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لمّا قبض لم يكن على أمر اللَّه إلّا عليّ و الحسن و الحسين و سلمان و المقداد و أبو ذرّ فمكثوا أربعين حتى قام عليّ فقاتل من خالفه.
بيان قوله فمكثوا أربعين.. كذا في النسخة التي عندنا، و هو لا يوافق التاريخ، إذ هو عليه السلام قاتلهم بعد نحو من خمس و عشرين، و لعلّه من تحريف النسّاخ، و كون الأربعين من الهجرة و إنّه أريد هنا انتهاء غزواته عليه السلام بعيد. و يحتمل أن يكون المراد نحوا من أربعين، أي مدّة مديدة يقرب منها، و يكفي هذا للمشابهة.
شيء عن ابن نباتة قال كنت واقفا مع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل، فجاء رجل حتّى وقف بين يديه فقال يا أمير المؤمنين كبّر القوم و كبّرنا، و هلّل القوم و هلّلنا، و صلّى القوم و صلّينا، فعلام نقاتلهم فقال على هذه الآية تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ فنحن الذين من بعدهم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ فنحن الذين آمنّا و هم الذين كفروا، فقال الرجل كفر القوم و ربّ الكعبة، ثم حمل فقاتل حتّى قتل رحمه اللَّه.
شيء عن أبي جعفر عليه السلام ما شأن أمير المؤمنين عليه السلام حين ركب منه ما ركب، لم يقاتل. فقال للّذي سبق في علم اللَّه أن يكون، ما كان لأمير المؤمنين عليه السلام أن يقاتل و ليس معه إلّا ثلاثة رهط، فكيف يقاتل أ لم تسمع قول اللَّه عزّ و جلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا... إلى قوله.. وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ فكيف يقاتل أمير المؤمنين عليه السلام بعد هذا. و إنّما هو يومئذ ليس معه مؤمن غير ثلاثة رهط.
شيء عن زيد الشحّام قال قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك إنّهم يقولون ما منع عليّا إن كان له حقّ أن يقوم بحقّه. فقال إنّ اللَّه لم يكلّف هذا أحدا إلّا نبيّه عليه و آله السلام، قال له فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ، و قال لغيره إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فعليّ لم يجد فئة، و لو وجد فئة لقاتل، ثم قال لو كان جعفر و حمزة حيّين، إنّما بقي رجلان.
بيان قوله عليه السلام لو كان.. كلمة لو للتمنّي أو الجزاء محذوف.. أي لم يترك القتال، أو يكون تفسير للفئة، و المراد بالرجلين الضعيفان، عباس و عقيل، كما مرّ.
شيء عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له يا ابن رسول اللَّه زعم ولد الحسن عليه السلام أنّ القائم منهم و أنّهم أصحاب الأمر، و يزعم ولد ابن الحنفيّة مثل ذلك، فقال رحم اللَّه عمّي الحسن )ع(، لقد عمد الحسن أربعين ألف سيف حتى أصيب أمير المؤمنين عليه السلام و أسلمها إلى معاوية، و محمد بن عليّ سبعين ألف سيف قاتله لو حظر عليهم حظيرة ما خرجوا منها حتى يموتوا جميعا، و خرج الحسين صلّى اللَّه عليه و آله فعرض نفسه على اللَّه في سبعين رجلا، من أحقّ بدمه منّا، نحن و اللَّه أصحاب الأمر و فينا القائم و منّا السفّاح و المنصور، و قد قال اللَّه وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً نحن أولياء الحسين بن عليّ عليهما السلام و على دينه.
قب كتاب أبي عبد اللَّه محمد بن السرّاج، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في خبر من ظلم عليّا مجلسي هذا كمن جحد نبوّتي و نبوّة من كان قبلي.
عمران بن حصين في خبر أنّه عاد النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عليّا فقال عمر يا رسول اللَّه ما عليّ إلّا لما به. فقال رسول اللَّه لا، و الذي نفسي بيده يا عمر لا يموت عليّ حتى يملأ غيظا، و يوسع غدرا و يوجد من بعدي صابرا.
تاريخ بغداد و كتاب إبراهيم الثقفي روى عمرو بن الوليد الكرابيسي بإسناده عن أبي إدريس عن عليّ عليه السلام قال عهد إليّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّ الأمّة ستغدر بك.
و في حديث سلمان، قال صلّى اللَّه عليه و آله لعليّ إنّ الأمّة ستغدر بك، فاصبر لغدرها.
الحارث بن الحصين، قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يا عليّ إنّك لاق بعدي كذا.. و كذا. فقال يا رسول اللَّه إنّ السيف لذو شفرتين و ما أنا بالفشل و لا الذليل. قال صلّى اللَّه عليه و آله فاصبر يا علي. قال عليّ أصبر يا رسول اللَّه.
قب ابن شيرويه في الفردوس، عن وهب بن صيفي، و روى غيره، عن زيد بن أرقم قالا قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنا أقاتل على التنزيل و عليّ يقاتل على التأويل..
و ممّا يمكن أن يستدلّ بالقرآن قوله تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ، و الباغي من خرج على الإمام، فافترض قتال أهل البغي كما افترض قتال المشركين، و أمّا اسم الإيمان عليهم فكقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ.. أي الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم آمنوا بقلوبكم.
و قيل لزين العابدين عليه السلام إنّ جدّك كان يقول إخواننا بغوا علينا. فقال أ ما تقرأ كتاب اللَّه وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً فهم مثلهم أنجاه اللَّه و الذين معه و أهلك عادا بالريح العقيم، و قد ثبت أنّه نزل فيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ... الآية.
و في حديث الأصبغ بن نباتة، قال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام هؤلاء القوم الذين نقاتلهم، الدعوة واحدة، و الرسول واحد، و الصلاة واحدة، و الحجّ واحد، فبم نسمّيهم. قال سمّهم بما سمّاهم اللَّه في كتابه تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى باللَّه و بالنبيّ و بالكتاب و بالحقّ.
الباقرين عليهما السلام في قوله فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ يا محمّد من مكّة إلى المدينة فإنّا رادّوك منها و منتقمون منهم بعليّ..
أورده النطنزي في الخصائص، و الصفواني في الإحن و المحن عن السدّي و الكلبي و عطاء و ابن عباس و الأعمش و جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أنّها نزلت في عليّ عليه السلام.
ابن جريح، عن مجاهد، عن ابن عباس، و عن سلمة بن كهيل، عن عبد خير، و عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أنّهم رووا ذلك على اتّفاق و اجتماع أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله خطب في حجّة الوداع فقال لأقتلنّ العمالقة في كتيبة. فقال له جبرئيل عليه السلام أو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
و في رواية جابر و ابن عباس ألا لألفينّكم ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، أما و اللَّه لئن فعلتم ذلك لتعرفنني في كتيبة فأضرب وجوهكم فيها بالسيف فكأنّه غمز من خلفه فالتفت ثم أقبل علينا فقال أو علي، فنزل فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ بعليّ بن أبي طالب عليه السلام، ثم نزل قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ.. إلى قوله هِيَ أَحْسَنُ، ثم نزل فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من أمر عليّ بن أبي طالب عليه السلام إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، و إنّ عليّا عليه السلام لعلم الساعة لك و لقومك و سوف تسألون عن محبّة عليّ عليه السلام.
أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن عمر بن الخطاب، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال لمّا نزلت فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ قال أو بعليّ ابن أبي طالب، ثم قال بذلك حدّثني جبرئيل.
بيان قوله عليه السلام و إنّ عليّا لعلم الساعة في القرآن وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ و لعلّه عليه السلام فسّر الذكر بعلم الساعة، فإنّه الدابّة الذي هو من أشراط الساعة.
فض الحسين بن أحمد المدني، عن الحسين بن عبد اللَّه البكري، عن عبد اللَّه بن هشام، عن الكلبي، عن ميمون بن مصعب المكّي بمكّة قال كنّا عند أبي العباس بن سابور المكّي فأجرينا حديث أهل الردّة، فذكرنا خولة الحنفيّة و نكاح أمير المؤمنين عليه السلام لها فقال أخبرني عبد اللَّه بن الخير الحسيني، قال بلغني أنّ الباقر محمد بن عليّ عليهما السلام قال كان جالسا ذات يوم إذ جاءه رجلان، فقالا يا أبا جعفر أ لست القائل أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يرض بإمامة من تقدّمه. فقال بلى. فقالا له هذه خولة الحنفيّة نكحها من سبيهم و لم يخالفهم على أمرهم مذ حياتهم. فقال الباقر عليه السلام من فيكم يأتيني بجابر بن عبد اللَّه و كان محجوبا قد كفّ بصره فحضر و سلّم على الباقر عليه السلام فردّ عليه و أجلسه إلى جانبه، فقال له يا جابر عندي رجلان ذكرا أنّ أمير المؤمنين رضي بإمامة من تقدّم عليه، فاسألهما ما الحجّة في ذلك فسألهما فذكرا له حديث خولة، فبكى جابر حتى اخضلّت لحيته بالدموع، ثم قال و اللَّه يا مولاي لقد خشيت أن أخرج من الدنيا و لا أسأل عن هذه المسألة، و اللَّه إنّي كنت جالسا إلى جنب أبي بكر و قد سبى بني حنيفة مع مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد و بينهم جارية مراهقة فلمّا دخلت المسجد قالت أيّها الناس ما فعل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله قالوا قبض. قالت هل له بنية فقصدها قالوا نعم هذه تربته و بنيته. فنادت و قالت السلام عليك يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أشهد أنّك تسمع صوتي و تقدر على ردّ جوابي، و إنّنا سبينا من بعدك، و نحن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه و أنّك محمّدا رسول اللَّه.. ثم جلست فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة و الآخر الزبير و طرحا عليها ثوبيهما. فقالت ما بالكم يا معاشر الأعراب تغيبون حلائلكم و تهتكون حلائل غيركم. فقيل لها لأنّكم قلتم لا نصلّي و لا نصوم و لا نزكّي فقال لها الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما إنّا لغالون في ثمنك. فقالت أقسمت باللَّه و بمحمّد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إنّه لا يملكني و يأخذ رقبتي إلّا من يخبرني بما رأت أمّي و هي حاملة بي و أيّ شيء قالت لي عند ولادتي و ما العلامة التي بيني و بينها و إلّا بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني و يطالب بدمي. فقالوا لها اذكري رؤياك حتى نعبرها لك. فقالت الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا منّي.. فأخذ طلحة و الزبير ثوبيهما و جلسوا، فدخل أمير المؤمنين عليه السلام و قال ما هذا الرجف في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فقالوا يا أمير المؤمنين امرأة حنفيّة حرّمت ثمنها على المسلمين و قالت من أخبرني بالرؤيا التي رأت أمّي و هي حاملة بي يملكني. فقال أمير المؤمنين عليه السلام ما ادّعت باطلا، أخبروها تملكوها. فقالوا يا أبا الحسن ما منّا من يعلم، أ ما علمت أنّ ابن عمّك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قد قبض و أخبار السماء قد انقطعت من بعده. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أخبرها بغير اعتراض منكم قالوا نعم. فقال عليه السلام يا حنفيّة أخبرك و أملكك فقالت من أنت أيّها المجتري دون أصحابه فقال أنا عليّ بن أبي طالب. فقالت لعلّك الرجل الذي نصبه لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علما للناس. فقال أنا ذلك الرجل. قالت من أجلك نهبنا، و من نحوك أتينا، لأنّ رجالنا قالوا لا نسلّم صدقات أموالنا و لا طاعة نفوسنا إلّا لمن نصبه محمّد صلّى اللَّه عليه و آله فينا و فيكم علما. قال أمير المؤمنين عليه السلام إنّ أجركم غير ضائع، و إنّ اللَّه يوفي كلّ نفس ما
عملت من خير. ثم قال يا حنفيّة أ لم تحمل بك أمّك في زمان قحط قد منعت السماء قطرها، و الأرضون نباتها، و غارت العيون و الأنهار حتى أنّ البهائم كانت ترد المرعى فلا تجد شيئا، و كانت أمّك تقول لك إنّك حمل مشوم في زمان غير مبارك، فلمّا كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأن قد وضعت بك، و أنّها تقول إنّك حمل مشوم في زمان غير مبارك، و كأنّك تقولين يا أمّي لا تتطيّرن بي فإنّي حمل مبارك أنشأ منشأ مباركا صالحا، و يملكني سيّد، و أرزق منه ولدا يكون للحنفيّة عزّا، فقالت صدقت. فقال عليه السلام إنّه كذلك و به أخبرني ابن عمّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله. فقالت ما العلامة التي بيني و بين أمّي. فقال لها لمّا وضعتك كتبت كلامك و الرؤيا في لوح من نحاس و أودعته عتبة الباب، فلمّا كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به، فلمّا كان بعد ستّ سنين عرضته عليك فأقررت به، ثم جمعت بينك و بين اللوح و قالت لك يا بنيّة إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، و ناهب لأموالكم، و ساب لذراريكم، و سبيت فيمن سبي، فخذي اللوح معك و اجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلّا من عبّرك بالرؤيا و بما في هذا اللوح. فقالت صدقت... يا أمير المؤمنين )ع(، ثم قالت فأين هذا اللوح فقال هو في عقيصتك، فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فملكها و اللَّه يا أبا جعفر بما ظهر من حجّته و ثبت من بيّنته، فلعن اللَّه من اتّضح له الحقّ ثم جحد حقّه و فضله، و جعل بينه و بين الحقّ سترا.
بيان الرّجف الزّلزلة و الاضطراب الشّديد، و العقيصة الشّعر المنسوج على الرّأس عرضا.
يل، فض بالإسناد.. يرفعه إلى ابن عباس قال ما حسدت عليّا عليه السلام بشيء ممّا سبق من سوابقه بأفضل من شيء سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و هو يقول يا معاشر قريش أنتم كفرتم فرأيتموني في كتيبة أضرب بها وجوهكم، فأتى جبرئيل عليه السلام فغمزه و قال يا محمّد قل إن شاء اللَّه أو عليّ بن أبي طالب، فقال محمّد إن شاء اللَّه أو عليّ بن أبي طالب.
يل، فض بالإسناد.. يرفعه إلى أبي الأسود الدؤلي، عن عمّه، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال نزلت هذه الآية فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ بعليّ بن أبي طالب، بذلك أخبرني جبرئيل عليه السلام.
يل، فض بالإسناد.. يرفعه إلى سلمان الفارسي و المقداد و أبي ذرّ قالوا إنّ رجلا فاخر عليّا عليه السلام فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يا علي فاخر أهل الشرق و الغرب و العرب و العجم فأنت أقربهم نسبا، و ابن عمّك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و أكرمهم نفسا، و أعلاهم رفعة، و أكرمهم ولدا، و أكرمهم أخا، و أكرمهم عمّا، و أعظمهم حلما، و أقدمهم سلما، و أكثرهم علما، و أعظمهم عزّا في نفسك و مالك، و أنت أقرأهم لكتاب اللَّه عزّ و جلّ و أعلاهم نسبا، و أشجعهم قلبا في لقاء الحرب، و أجودهم كفّا، و أزهدهم في الدنيا، و أشدّهم جهادا، و أحسنهم خلقا، و أصدقهم لسانا، و أحبّهم إلى اللَّه و إليّ، و ستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد اللَّه و تصبر على ظلم قريش لك، ثم تجاهد في سبيل اللَّه إذا وجدت أعوانا تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك، قاتلك يعدل قاتل ناقة صالح في البغضاء للَّه و البعد من اللَّه. يا عليّ إنّك من بعدي مغلوب مغصوب تصبر على الأذى في اللَّه و فيّ محتسبا أجرك غير ضائع، فجزاك اللَّه عن الإسلام خيرا.
فر الحسين بن محمد بن مصعب معنعنا عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول في حياة النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إنّ اللَّه تعالى يقول في كتابه أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ...، و اللَّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللَّه، و اللَّه لئن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قاتل عليه، و من أولى به منّي و أنا أخوه و وارثه و ابن عمّه عليه السلام.
فر جعفر بن محمد الفزاري، عن محمد بن الحسين بن عمر، عن محمد بن عبد اللَّه بن مهران قال أردت زيارة أبي عبد اللَّه الحسين عليه السلام مع أبي عبد اللَّه عليه السلام فلمّا صرنا في الطريق إذا شيخ قد عارضنا عليه ثياب حسان. فقال لم لم يقاتل أمير المؤمنين.. فلانا و فلانا فقال له عليه السلام لمكان آية في كتاب اللَّه، قال و ما هي قال قوله لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا... الآية كان أمير المؤمنين عليه السلام قد علم أنّ في أصلاب المنافقين قوما من المؤمنين فعند ذلك لم يقتلهم و لم يستسبهم. قال ثم التفت فلم أر أحدا.
فر عبيد بن كثير معنعنا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يا عليّ كيف أنت إذا رأيت أزهد الناس في الآخرة، و رغبوا في الدنيا، و أكلوا التراث أكلا لمّا، و أحبّوا المال حبّا جمّا و اتّخذوا دين اللَّه دغلا، و مال اللَّه دولا قال قلت أتركهم و ما اختاروا، و أختار اللَّه و رسوله و الدار الآخرة و أصبر على مصائب الدنيا و لأواتها حتى ألقاك إن شاء اللَّه. قال فقال هديت، اللّهمّ افعل به ذلك.
و قال أبو عبد اللَّه عليه السلام نزلت الآية يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ... في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
نهج من خطبة له عليه السّلام و لعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ، و خابط الغيّ من إدهان و لا إيهان، فاتّقوا اللَّه عباد اللَّه و فرّوا إلى اللَّه من اللَّه و امضوا في الّذي نهجه لكم و قوموا بما عصبه بكم، فعليّ ضامن لفلجكم آجلا إن لم تمنحوه عاجلا.
بيان قيل إنّما قال عليه السلام ذلك في ردّ قول من قال إنّ مصانعته عليه السلام لمحاربيه و مخالفيه و مداهنتهم أولى من محاربتهم. قوله عليه السلام و خابطا الغي.. ذكر المخابطة هنا للمبالغة لكونه من الجانبين. و الإدهان المصانعة. و نهجه أوضحه. قوله عليه السلام عصبه بكم.. أي ناطه و ربطه بكم، و جعله كالعصابة الّتي تشدّ بها الرّأس. و المنحة العطيّة.
كتاب سليم بن قيس الهلالي قال كنّا جلوسا حول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و حوله جماعة من أصحابه فقال له قائل يا أمير المؤمنين لو استنفرت الناس. فقام و خطب فقال أما إنّي قد استنفرتكم فلم تنفروا، و دعوتكم فلم تسمعوا، فأنتم شهود كغياب، و أحياء كأموات، و صمّ ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة و أعظكم بالموعظة الشافية الكافية، و أحثّكم على جهاد أهل الجور، فما آتي على آخر كلامي حتى أراكم متفرّقين حلقا شتّى تتناشدون الأشعار، و تضربون الأمثال، و تسألون عن سعر التمر و اللبن، تبّت أيديكم لقد دعوتكم إلى الحرب و الاستعداد لها و أصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأباطيل و الأضاليل، أغزوهم قبل أن يغزوكم، فو اللَّه ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلّا ذلّوا، و ايم اللَّه ما أظنّ أن تفعلوا حتى يفعلوا، ثم وددت أنّي قد رأيتهم فلقيت اللَّه على بصيرتي و يقيني، و استرحت من مقاساتكم و ممارستكم، فما أنتم إلّا كإبل جمّة ضلّ راعيها، فكلّما ضمّت من جانب انتشرت من جانب، كأنّي بكم و اللَّه فيما أرى لو قد حمس الوغى و احمرّ الموت قد انفرجتم عن عليّ بن أبي طالب انفراج الرأس و انفراج المرأة عن قبلها لا تمنع عنها. قال الأشعث بن قيس فهلّا فعلت كما فعل ابن عفّان. فقال أ و كما فعل ابن عفّان رأيتموني فعلت أنا عائذ باللَّه من شرّ ما تقول، يا ابن قيس و اللَّه إنّ التي فعل ابن عفّان لمخزاة لمن لا دين له و لا وثيقة معه، فكيف أفعل ذلك و أنا على بيّنة من ربّي، و الحجّة في يدي، و الحقّ معي و اللَّه إن امرأ أمكن عدوّه من نفسه يجّز لحمه، و يفري جلده، و يهشم عظمه، و يسفك دمه، و هو يقدر على أن يمنعه لعظيم وزره، ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره، فكنت أنت ذاك يا ابن قيس فأمّا أنا فو اللَّه دون أن أعطي بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش الهام، و تطيح منه الأكفّ و المعاصم، و يفعل اللَّه بعد ذلك ما يشاء، ويلك يا ابن قيس إنّ المؤمن يموت كلّ ميتة غير أنّه لا يقتل نفسه، فمن قدر على حقن دمه ثم خلّى عمّن يقتله فهو قاتل نفسه، يا ابن قيس إنّ هذه الأمّة تفترق على ثلاث و سبعين فرقة، فرقة واحدة في الجنّة و اثنتان و سبعون في النار، و شرّها و أبغضها و أبعدها منه السامرة الذين يقولون لا قتال و كذبوا، قد أمر اللَّه بقتال الباغين في كتابه و سنّة نبيّه، و كذلك المارقة. فقال ابن قيس و غضب من قوله فما منعك يا ابن أبي طالب حين بويع
أبو بكر أخو بني تيم و أخو بني عدي بن كعب و أخو بني أميّة بعدهم أن تقاتل و تضرب بسيفك و أنت لم تخطبنا خطبة مذ كنت قدمت العراق إلّا قلت فيها قبل أن تنزل عن المنبر و اللَّه إنّي لأولى الناس بالناس، و ما زلت مظلوما مذ قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فما يمنعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك. قال عليه السلام يا ابن قيس اسمع الجواب، لم يمنعني من ذلك الجبن و لا كراهة للقاء ربّي، و أن لا أكون أعلم أنّ ما عند اللَّه خير لي من الدنيا و البقاء فيها، و لكن منعني من ذلك أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و عهده إليّ، أخبرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بما الأمّة صانعة بعده فلم أك بما صنعوا حين عاينته بأعلم به و لا أشدّ استيقانا منّي به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أشدّ يقينا منّي بما عاينت و شهدت، فقلت يا رسول اللَّه فما تعهد إليّ إذا كان ذلك قال إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم و جاهدهم، و إن لم تجد أعوانا فكفّ يدك و احقن دمك حتّى تجد على إقامة الدين و كتاب اللَّه و سنّتي أعوانا، و أخبرني صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أنّ الأمّة ستخذلني و تبايع غيري، و أخبرني صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أنّي منه بمنزلة هارون من موسى، و أنّ الأمّة سيصيرون بعده بمنزلة هارون و من تبعه و العجل و من تبعه، إذ قال له موسى يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي و إنّما يعني أنّ موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلّوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم و إن لم يجد أعوانا أن يكفّ يده و يحقن دمه و لا يفرق بينهم، و إنّي خشيت أن يقول ذلك أخي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لم فرّقت بين الأمّة و لم ترقب قولي و قد عهدت إليك أنّك إن لم تجد أعوانا أن تكفّ يدك و تحقن دمك و دم أهلك و شيعتك، فلمّا قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه و أنا مشغول برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بغسله، ثم شغلت بالقرآن فآليت يمينا بالقرآن أن لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمعه في كتاب ففعلت، ثم حملت فاطمة عليها السلام و أخذت بيد الحسن و الحسين عليهما السلام فلم أدع أحدا من أهل بدر و أهل السابقة من المهاجرين و الأنصار إلّا ناشدتهم اللَّه و حقّي و دعوتهم إلى نصرتي، فلم يستجب من جميع الناس إلّا أربعة رهط الزبير و سلمان و أبو ذرّ و المقداد، و لم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به و لا أقوى به، أمّا حمزة فقتل يوم أحد، و أمّا جعفر فقتل يوم مؤتة، و بقيت بين جلفين خائفين ذليلين حقيرين العباس و عقيل، و كانا قريبي عهد بكفر، فأكرهوني و قهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فلي بهارون أسوة حسنة، و لي بعهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حجّة قويّة. قال الأشعث كذلك صنع عثمان استغاث بالناس و دعاهم إلى نصرته فلم يجد أعوانا فكفّ يده حتى قتل مظلوما. قال ويلك يا ابن قيس إنّ القوم حين قهروني و استضعفوني و كادوا
يقتلونني و لو قالوا لي نقتلنّك البتة لامتنعت من قتلهم إيّاي، و لو لم أجد غير نفسي وحدي، و لكن قالوا إن بايعت كففنا عنك و أكرمناك و قرّبناك و فضّلناك، و إن لم تفعل قتلناك، فلمّا لم أجد أحدا بايعتهم، و بيعتي لهم لما لا حقّ لهم فيه لا يوجب لهم حقّا و لا يلزمني رضا، و لو أنّ عثمان لمّا قال له الناس اخلعها و نكفّ عنك خلعها لم يقتلوه، و لكنّه قال لا أخلعها. قالوا فإنّا قاتلوك، فكفّ يده عنهم حتّى قتلوه، و لعمري لخلعه إيّاها كان خيرا له، لأنّه أخذها بغير حقّ، و لم يكن له فيها نصيب، و ادّعى ما ليس له، و تناول حقّ غيره. ويلك يا ابن قيس إنّ عثمان لا يعدو أن يكون أحد رجلين، إمّا أن يكون دعا الناس إلى نصرته فلم ينصروه، و إمّا أن يكون القوم دعوه إلى أن ينصروه فنهاهم عن نصرته فلم يكن يحلّ له أن ينهى المسلمين عن أن ينصروا إماما هاديا مهتديا لم يحدث حدثا و لم يؤو محدثا، و بئس ما صنع حين نهاهم، و بئس ما صنعوا حين أطاعوه، فإما أن يكونوا لم يروه أهلا لنصرته لجوره و حكمه بخلاف الكتاب و السنّة و قد كان مع عثمان من أهل بيته و مواليه و أصحابه أكثر من أربعة آلاف رجل و لو شاء اللَّه أن يمتنع بهم لفعل و لم ينههم عن نصرته، و لو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رجلا مطيعين لجاهدتهم، فأمّا يوم بويع عمر و عثمان فلا، لأنّي كنت بايعت و مثلي لا ينكث بيعته. ويلك يا ابن قيس كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان و وجدت أعوانا هل رأيت منّي فشلا أو جبنا، أو تقصيرا في وقعتي يوم البصرة و هم حول جملهم الملعون من معه، الملعون من قتل حوله، الملعون من ركبه، الملعون من بقي بعده لا تائبا و لا مستغفرا فإنّهم قتلوا أنصاري، و نكثوا بيعتي، و مثّلوا بعاملي، و بغوا عليّ، و سرت إليهم في اثني عشر ألفا و في رواية أخرى أقلّ من عشرة آلاف و هم نيّف على عشرين و مائة ألف و في رواية زيادة على خمسين ألفا فنصرني اللَّه عليهم و قتلهم بأيدينا و شفى صدور قوم مؤمنين. و كيف رأيت يا ابن قيس وقعتنا بصفّين، و ما قتل اللَّه منهم بأيدينا خمسين ألفا في صعيد واحد إلى النار و في رواية أخرى زيادة على سبعين ألفا، و كيف رأيتنا يوم النهروان إذ لقيت المارقين و هم مستبصرون متديّنون قد ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فقتلهم اللَّه في صعيد واحد إلى النار لم يبق منهم عشرة و لم يقتلوا من المؤمنين عشرة. ويلك يا ابن قيس هل رأيت لي لواء ردّ أو رأية ردّت إيّاي تعيّر يا ابن قيس. و أنا صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في جميع مواطنه و مشاهده، و المتقدّم إلى الشدائد بين يديه، و لا أفرّ و لا ألوذ و لا أعتلّ و لا أنحاز و لا أمنح اليهود دبري، إنّه لا ينبغي للنبيّ و لا للوصيّ إذا لبس لامته و قصد لعدوّه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح اللَّه له. يا ابن قيس هل سمعت لي بفرار قطّ أو نبوة. يا ابن قيس أما و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة لو وجدت يوم بويع أبو بكر الذي عيّرتني بدخولي في بيعته أربعين رجلا كلّهم على مثل بصيرة الأربعة الذين وجدت لما كففت يديّ، و لناهضت القوم، و لكن لم أجد خامسا. قال الأشعث و من الأربعة يا أمير المؤمنين عليه السلام.
قال سلمان و أبو ذرّ و المقداد و الزبير بن صفيّة قبل نكثه بيعتي، فإنّه بايعني مرتين، أمّا بيعته الأولى التي وفى بها فإنّه لمّا بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من المهاجرين و الأنصار فبايعوني و فيهم الزبير، فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رءوسهم عليهم السلاح، فما وافى منهم أحد و لا صبّحني منهم غير أربعة سلمان و أبو ذرّ و المقداد و الزبير، و أمّا بيعته الأخرى فإنّه أتاني هو و صاحبه طلحة بعد قتل عثمان فبايعاني طائعين غير مكرهين، ثم رجعا عن دينهما مرتدّين ناكثين مكابرين معاندين حاسدين، فقتلهما اللَّه إلى النار، و أمّا الثلاثة سلمان و أبو ذرّ و المقداد فثبتوا على دين محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و ملّة إبراهيم )ع( حتّى لقوا اللَّه، يرحمهم اللَّه. يا ابن قيس فو اللَّه لو أنّ أولئك الأربعين الذين بايعوني وفوا لي و أصبحوا على بابي محلّقين قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعة لناهضته و حاكمته إلى اللَّه عزّ و جلّ، و لو وجدت قبل بيعة عثمان أعوانا لناهضتهم و حاكمتهم إلى اللَّه، فإنّ ابن عوف جعلها لعثمان، و اشترط عليه فيما بينه و بينه أن يردّها عليه عند موته، فأمّا بعد بيعتي إيّاهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل. فقال الأشعث و اللَّه لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت الأمّة غيرك و غير شيعتك فقال إنّ الحقّ و اللَّه معي يا ابن قيس كما أقول، و ما هلك من الأمّة إلّا الناصبين و المكاثرين و الجاحدين و المعاندين، فأمّا من تمسّك بالتوحيد و الإقرار بمحمّد و الإسلام و لم يخرج من الملّة، و لم يظاهر علينا الظلمة، و لم ينصب لنا العداوة، و شكّ في الخلافة، و لم يعرف أهلها و ولاتها، و لم يعرف لنا ولاية، و لم ينصب لنا عداوة، فإنّ ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة اللَّه و يتخوّف عليه ذنوبه. قال أبان قال سليم بن قيس فلم يبق يومئذ من شيعة عليّ عليه السلام أحد إلّا تهلّل وجهه و فرح بمقالته، إذ شرح أمير المؤمنين عليه السلام الأمر و باح به، و كشف الغطاء، و ترك التقيّة، و لم يبق أحد من القرّاء ممّن كان يشكّ في الماضين و يكفّ عنهم و يدّع البراءة منهم ورعا و تأثما إلّا استيقن و استبصر و حسن و ترك الشكّ و الوقوف، و لم يبق أحد حوله أتى بيعته على وجه ما بويع عثمان و الماضون قبله إلّا رئي ذلك في وجهه و ضاق به أمره، و كره مقالته، ثم إنّهم استبصر عامّتهم و ذهب شكّهم. قال أبان، عن سليم فما شهدت يوما قطّ على رءوس العامّة أقرّ لأعيننا من ذلك اليوم لما كشف للناس من الغطاء، و أظهر فيه من الحقّ، و شرح فيه من الأمر، و ألقي فيه التقيّة و الكتمان، و كثرت الشيعة بعد ذلك المجلس مذ ذلك اليوم، و تكلّموا و قد كانوا أقلّ أهل عسكره، و صار الناس يقاتلون معه على علم بمكانه من اللَّه و رسوله، و صارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجلّ الناس و أعظمهم و في رواية أخرى جلّ الناس و أعظمهم و ذلك بعد وقعة النهروان، و هو يأمر بالتهيئة و المسير إلى معاوية، ثم لم يلبث أن قتل صلوات اللَّه عليه، قتله ابن ملجم لعنه اللَّه غيلة و فتكا، و قد كان سيفه مسموما قبل ذلك.
توضيح
قوله عليه السلام تبّت أيديكم.. التّباب الخسران و الهلاك، و في بعض النسخ كما في النهج تربت، و هي كلمة يدعى على الإنسان بها، أي لا أصبتم خيرا و أصل ترب أصابه التّراب، فكأنّه يدعو عليه بأن يفتقر. قوله عليه السلام حمس الوغاء.. أي اشتدّ الحرب، و أصل الوغاء الصّوت و الجلبة، سمّيت الحرب بها لما فيها من الأصوات و الجلبة. قوله عليه السلام و احمرّ الموت.. قال في النهاية فيه.. الموت الأحمر يعني القتل لما فيه من حمرة الدّم أو لشدّته، يقال موت أحمر أي شديد. و في النهج و استحر الموت.. قال في النّهاية أي اشتدّ و كثر، و هو استفعل من الحرّ الشّدّة، و منه حديث عليّ عليه السّلام حمس الوغا و استحرّ الموت. و قيل يحتمل أن يكون المراد شدته الشبيهة بالحرارة مجازا أو خلوصه و حضوره، فيكون اشتقاقه من الحرية. قوله عليه السلام انفراج الرأس.. أي تتفرّقون عنّي أشدّ تفرّق، و هو مثل، و قيل أوّل من تكلّم به أكثم بن صيفي في وصيّته يا بني لا تتفرّقوا في الشدائد انفراج الرأس، فإنّكم بعد ذلك لا تجتمعون على عسر. و في معناه أقوال أحدها ما ذكره ابن دريد، و هو أنّ المراد به انفراج الرأس عن البدن، فإنّه لا يقبل الالتئام و لا يكون بعده اتّصال. ثانيها قال المفضّل الرأس اسم رجل ينسب إليه قرية من قرى الشام، يقال لها بيت الرأس، و فيها يباع الخمر، قال حسّان
كأنّ سبيئته من بيت رأس يكون مزاجها عسل و ماء ]كذا[
و هذا الرجل كان قد انفرج عن قومه و مكانه فلم يعد إليه، فضرب به المثل في المفارقة. ثالثها قال بعضهم معناه أنّ الرأس إذا انفرج بعض عظامه عن بعض كان ذلك بعد الالتئام و العود إلى الصحّة. رابعها قال القطب الراوندي رحمه اللَّه معناه انفرجتم عنّي رأسا أي بالكليّة. و اعترض عليه ابن أبي الحديد بأنّه لا يعرف، و فيه نظر. خامسها ما قاله الراوندي أيضا أي انفراج من أدلى برأسه إلى غيره ثم حرف رأسه عنه. و اعترض ابن أبي الحديد بأنّه لا خصوصيّة للرأس في ذلك، و لا يخفى ضعفه، فإنّ وجه التخصيص ظاهر، و هو مثل مشهور بين العرب و العجم. سادسها إنّ معناه انفراج المرأة عن رأس ولدها حالة الوضع، فإنّه يكون في غاية الشدّة و تفرّق الاتّصال و الانفراج. و أمّا انفراج المرأة عن قبلها، فقيل انفراج المرأة البغيّة و تسليمها لقبلها. و قيل أريد انفراجها وقت الولادة. و قيل وقت الطعان، و الأوسط أظهر. و على التقدير إنّما شبّه عليه السلام هذا التشبيه ليرجعوا إلى الأنفة. قوله عليه السلام يجزّ لحمه.. في النهج يعرق لحمه، يقال عرق اللّحم إذا لم يبق على العظم منه شيئا. و الفري القطع. و الهشم كسر العظام. و الجوانح الأضلاع ممّا يلي الصّدر، الواحد جانحة. و فراش الهام العظام الرّفيعة على القحف، و هو بالكسر العظم فوق الدّماغ. و طاح يطوح و يطيح هلك و أشرف على الهلاك، و ذهب و سقط و تاه في الأرض. و المعاصم جمع معصم بالكسر و هو موضع السّوار من السّاعد. و في النهج تطيح السواعد و الأقدام. و نابذه الحرب كاشفه. و النّيّف.. ككيّس، و قد يخفّف الزّيادة بين العددين. قوله أو نبوة.. أي كلالا و تقصيرا، يقال نبأ السّيف عن الضّريبة.. أي كلّ، و السّهم عن الهدف أي قصّر. و في بعض النسخ أو سوأة.. أي قبيحا. أقول أورده الديلمي في إرشاد القلوب مع اختصار.