الآيات التوبة بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ و قال تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تفسير قال الطبرسي رحمه الله بَراءَةٌ أي هذه براءة مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ أي انقطاع العصمة و رفع الأمان و خروج عن العهود إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الخطاب للنبي ص و للمسلمين و المعنى تبرؤا ممن كان بينكم و بينهم عهد من المشركين فإن الله و رسوله بريئان منهم و إذا قيل كيف يجوز أن ينقض النبي ص العهد فالقول فيه أنه يجوز أن ينقض ذلك على أحد ثلاثة أوجه إما أن يكون العهد مشروطا بأن يبقى إلى أن يرفعه الله بوحي و إما أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة و نقض فأمر الله سبحانه بأن ينبذ إليهم عهدهم و إما أن يكون مؤجلا إلى مدة فتنقضي المدة و ينتقض العهد و قد وردت الرواية بأن النبي ص شرط عليهم ما ذكرناه و روي أيضا أن المشركين كانوا قد نقضوا العهد أو هموا بذلك فأمر الله سبحانه أن ينقض عهودهم ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أي سيروا في الأرض على وجه المهل و تصرفوا في حوائجكم آمنين من السيف أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فإذا انقضت هذه المدة و لم تسلموا انقطعت العصمة عن دمائكم و أموالكم وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ أي غير فائتين عن الله كما يفوت ما يعجز عنه لأنكم حيث كنتم في سلطان الله و ملكه وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ أي مذلهم و مهينهم و اختلف في هذه الأشهر الأربعة فقيل كان ابتداؤها يوم النحر إلى العاشر من شهر ربيع الآخر و هو المروي عن أبي عبد الله ع و قيل إنما ابتداء الأشهر الأربعة من أول الشوال إلى آخر المحرم و قيل كان ابتداء الأشهر الأربعة يوم النحر لعشر من ذي القعدة إلى عشر من شهر ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة و فيها حجة الوداع و كان سبب ذلك النسيء و اعلم أنه أجمع المفسرون و نقلة الأخبار أنه لما نزلت براءة دفعها رسول الله ص إلى أبي بكر ثم أخذها منه و دفعها إلى علي بن أبي طالب ع و اختلفوا في تفصيل ذلك
فقيل إنه بعثه و أمره أن يقرأ عشر آيات من أول هذه السورة و أن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده ثم بعث عليا ع خلفه ليأخذها و يقرأها على الناس فخرج على ناقة رسول الله ص العضباء حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة فأخذها منه و قيل إن أبا بكر رجع فقال هل نزل في شيء فقال ص لا إلا خيرا و لكن لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني
و قيل إنه قرأ علي ع براءة على الناس و كان أبو بكر أميرا على الموسم و قيل إنه أخذها من أبي بكر قبل الخروج و دفعها إلى علي و قال لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني
و روى أصحابنا أن النبي ص ولاه أيضا الموسم و أنه حين أخذ البراءة من أبي بكر رجع أبو بكر
و روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن سماك بن حرب عن أنس بن مالك أن رسول الله ص بعث براءة مع أبي بكر إلى أهل مكة فلما بلغ ذا الحليفة بعث إليه فرده و قال لا يذهب بها إلا رجل من أهل بيتي فبعث عليا
و روى الشعبي عن محرز عن أبيه أبي هريرة قال كنت أنادي مع علي حين أذن المشركين و كان إذا صحل صوته فيما ينادي دعوت مكانه قال فقلت يا أبة أي شيء كنتم تقولون قال كنا نقول لا يحج بعد عامنا هذا مشرك و لا يطوفن بالبيت عريان و لا يدخل البيت إلا مؤمن و من كان بينه و بين رسول الله مدة فإن أجله إلى أربعة أشهر فإذا انقضت أربعة أشهر ف أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ
و روى عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال خطب علي ع الناس و اخترط سيفه فقال لا يطوفن بالبيت عريان و لا يحجن البيت مشرك و من كانت له مدة فهو إلى مدته و من لم تكن له مدة فمدته أربعة أشهر
و كان خطب يوم النحر و كانت عشرون من ذي الحجة و محرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشر من شهر ربيع الآخر و قال يوم النحر يوم الحج الأكبر
و ذكر أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن زيد بن بقيع قال سألنا عليا بأي شيء بعثت في ذي الحجة قال بعثت بأربعة لا تدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة و لا يطوف بالبيت عريان و لا يجتمع مؤمن و كافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا و من كان بينه و بين رسول الله عهد فعهده إلى مدته و من لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر
و روي أنه ع قام عند جمرة العقبة و قال يا أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر و لا يحج البيت مشرك و لا يطوف بالبيت عريان و من كان له عهد عند رسول الله ص فله عهده إلى أربعة أشهر و من لا عهد له فله مدة بقية الأشهر الحرم و قرأ عليهم سورة براءة
و قيل قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أول براءة و روي أنه ع لما نادى فيهم إن الله بريء من كل مشرك قال المشركون نحن نتبرأ من عهدك و عهد ابن عمك ثم لما كانت السنة المقبلة و هي سنة عشر حج النبي ص حجة الوداع و قفل إلى المدينة و مكث بقية ذي الحجة و المحرم و صفر و ليالي من ربيع الأول حتى لحق بالله عز و جل وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ أي و إعلام و فيه معنى الأمر أي آذنوا الناس يعني أهل العهد و قيل أراد بالناس المؤمن و المشرك لأن الكل داخلون في هذا الإعلام يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه يوم عرفة روي عن أمير المؤمنين ع قال عطا الحج الأكبر الذي فيه الوقوف و الحج الأصغر الذي ليس فيه وقوف و هو العمرة و ثانيها أنه يوم النحر عن علي ع و ابن عباس و هو المروي عن أبي عبد الله ع قال الحسن و سمي الحج الأكبر لأنهحج فيه المسلمون و المشركون و لم يحج بعدها مشرك و ثالثها أنه جميع أيام الحج كما يقال يوم الجمل و يوم صفين يراد به الحين و الزمان أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي من عهدهم وَ رَسُولِهِ معناه و رسوله أيضا بريء منهم و قيل إن البراءة الأولى لنقض العهد و الثانية لقطع الموالاة و الإحسان فليس بتكرار فَإِنْ تُبْتُمْ عن الشرك فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لأنكم تنجون به من خزي الدنيا و عذاب الآخرة وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن الإيمان فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ عن تعذيبكم في الدنيا وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ في الآخرة إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قال الفراء استثنى الله تعالى من براءته و براءة رسوله من المشركين قوما من بني كنانة و بني ضمرة كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر أمر بإتمامها لهم لأنهم لم يظاهروا على المؤمنين و لم ينقضوا عهد رسول الله ص و قال ابن عباس عنى به كل من كان بينه و بين رسول الله ص عهد قبل براءة و ينبغي أن يكون أراد بذلك من كان بينه و بينه عهد و هدنة و لم يتعرض له بعداوة و لا ظاهر عليه عدوا لأن النبي ص صالح أهل هجر و أهل البحرين و أيلة و دومة الجندل و له عهود بالصلح و
الجزية و لم ينبذ إليهم بنقض عهد و لا حاربهم بعد و كانوا أهل ذمة إلى أن مضى لسبيله ص و وفى لهم بذلك من بعده ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً من شروط العهد و قيل لم يضروكم شيئا وَ لَمْ يُظاهِرُوا أي لم يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من أعدائكم فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ أي إلى انقضاء مدة المعاهدة إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ لنقض العهود فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ و هي ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب و قيل الأشهر الأربعة التي جعل الله للمشركين أن يسيحوا في الأرض على ما مر فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ هذا ناسخ لكل آية وردت في الصلح و الإعراض عنهم وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ أي احبسوهم و استرقوهم أو فادوهم بمال و قيل و امنعوهم دخول مكة و التصرف في بلاد الإسلام وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أي بكل طريق و بكل مكان تظنون أنهم يمرون فيه فَإِنْ تابُوا من الشرك وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ أي قبلوا الإتيان بهما فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إلى بلاد الإسلام أو إلى البيت وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ أي طلب منك الأمان من القتل ليسمع دعوتك و احتجاجك عليه بالقرآن فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ و إنما خص كلام الله لأن معظم الأدلة فيه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ معناه فإن دخل في الإسلام نال خير الدارين و إن لم يدخل في الإسلام فلا تقتله فتكون قد غدرت به و لكن أوصله إلى ديار قومه التي يأمن فيها على نفسه و ماله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ أي ذلك الأمان لهم بأنهم قوم لا يعلمون الإيمان و الدلائل فآمنهم حتى يسمعوا و يتدبروا كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ أي عهد صحيح مع إضمارهم الغدر و النكث على التعجب أو على الجحد و قيل كيف يأمر الله و رسوله بالكف عن دماء المشركين ثم استثنى سبحانه فقال إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فإن لهم عهدا عند الله لأنهم لم يضمروا الغدر بك و الخيانة لك و اختلف في هؤلاء من هم فقيل هم قريش عن ابن عباس و قيل هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله ص يوم الحديبية فلم يستقيموا و نقضوا العهد بأن أعانوا بني بكر على خزاعة فضرب لهم رسول الله ص بعد الفتح أربعة أشهر يختارون أمرهم إما أن يسلموا و إما أن يلحقوا بأي بلاد شاءوا فأسلموا قبل الأربعة أشهر و قيل هم من قبائل بكر بنو خزيمة و بنو مدلج و بنو ضمرة و بنو الدئل و هم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله ص و بين قريش فلم يكن نقضها إلا قريش و بنو الدئل من بكر فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن له نقض إلى مدته و هذا أقرب إلى الصواب فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ على العهد فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ كذلك إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ للنكث و الغدر كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أي كيف يكون لهم عهد أو كيف لا تقتلونهم و هم بحال إن يظفروا بكم لا يَرْقُبُوا أي لا يحفظوا و لا يراعوا فِيكُمْ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً أي قرابة و لا عهدا و الآل القرابة أو الحلف و قيل الآل اسم الله يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى قُلُوبُهُمْ أي يتكلمون بكلام الموالين لكم لترضوا عنهم و تأبى قلوبهم إلا العداوة و الغدر وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ أي متمردون في الشرك و قيل أراد كلهم و قيل المعنى أكثرهم خارجون عن طريق الوفاء بالعهد و أراد بذلك رؤساءهم اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ أي أعرضوا عن دين الله و صدوا الناس عنه بشيء يسير نالوه من الدنيا ورد في قوم من العرب جمعهم أبو سفيان على طعامه ليستميلهم إلى عداوة النبي ص و قيل ورد في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشاء من العوام على الحكم بالباطل إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي بئس العمل عملهم لا يَرْقُبُونَ إلى قوله هُمُ الْمُعْتَدُونَ أي المجاوزون الحد في الكفر و الطغيان و كرر للتأكيد أو الأولى في طائفة و الثانية في أخرى فَإِنْ تابُوا إلى قوله فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ أي فعاملوهم معاملة إخوانكم من المؤمنين وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي نبينها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ذلك و يبينونه وَ إِنْ نَكَثُوا أي نقضوا أَيْمانَهُمْ أي عهودهم و ما حلفوا عليه مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ
أي من بعد أن عقدوه وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ أي عابوه و قدحوا فيه فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أي رؤساء الكفر و الضلالة و خصهم لأنهم يضلون أتباعهم قال الحسن أراد به جماعة الكفار و كل كافر إمام لنفسه في الكفر و لغيره في الدعاء إليه و قال ابن عباس و قتادة أراد به رؤساء قريش مثل الحارث بن هشام و أبي سفيان بن حرب و عكرمة بن أبي جهل و سائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد و كان حذيفة يقول لم يأت أهل هذه الآية بعد و قال مجاهد هم أهل فارس و الروم
و قرأ علي ع هذه الآية يوم البصرة ثم قال أما و الله لقد عهد إلي رسول الله ص و قال يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة و الفئة الباغية و الفئة المارقة
إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ قرأ ابن عامر لا إيمان لهم بكسر الهمزة و رواه ابن عقدة بإسناده عن عزيز بن الوضاح الجعفي عن جعفر بن محمد ع و الباقون بفتحها فمن قرأ بالفتح فمعناه أنهم لا يحفظون العهد و اليمين و من قرأ بالكسر فمعناه لا تؤمنوهم بعد نكثهم العهد أو أنهم إذا آمنوا إنسانا لا يفون به أو أنهم كفروا فلا إيمان لهم لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أي قاتلوهم لينتهوا عن الكفر أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ الألف للاستفهام و المراد به التحضيض و الإيجاب و معناه هلا تقاتلونهم و قد نقضوا عهودهم التي عقدوها و اختلف فيهم فقيل هم اليهود الذين نقضوا العهد و خرجوا مع الأحزاب و هموا بإخراج الرسول ص من المدينة كما أخرجه المشركون من مكة و قيل هم مشركو قريش و أهل مكة وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بنقض العهد أو بالقتال يوم بدر أو بقتال حلفاء النبي ص من خزاعة أَ تَخْشَوْنَهُمْ أن ينالكم من قتالهم مكروه فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ أي تخافوا عقابه في ترك أمره بقاتلهم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بعقابه و ثوابه قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ قتلا و أسرا وَ يُخْزِهِمْ أي و يذلهم وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ يعني بني خزاعة الذين بيت عليهم بنو بكر و يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ لكثرة ما نالهم من الأذى من جهتهم وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ أي و يقبل توبة من تاب فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا أي فامنعوهم عن المسجد الحرام و قيل المراد منعهم من دخول الحرم فإن الحرم كله مسجد و قبلة و العام الذي أشار إليه سنة تسع الذي نادى فيه علي ع بالبراءة و قال لا يحجن بعد العام مشرك وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي فقرا و حاجة و كانوا خافوا انقطاع المتاجر بمنع المشركين عن دخول الحرم فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إن شاء من جهة أخرى بأن يرغب الناس من أهل الآفاق في حمل الميرة إليكم قال مقاتل أسلم أهل جدة و صنعا و حرش من اليمن و حملوا الطعام إلى مكة على ظهور الإبل و الدواب و كفاهم الله سبحانه ما كانوا يتخوفون و قيل يغنيكم بالجزية المأخوذة من أهل الكتاب و قيل بالمطر و النبات و قيل بإباحة الغنائم
1- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله ع عن يوم الحج الأكبر فقال هو يوم النحر و الحج الأصغر العمرة
2- كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن ذريح عن أبي عبد الله ع قال الحج الأكبر يوم النحر
3- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه و علي بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن فضيل بن عياض قال سألت أبا عبد الله ع عن الحج الأكبر فإن ابن عباس كان يقول يوم عرفة فقال أبو عبد الله ع قال أمير المؤمنين ع الحج الأكبر يوم النحر و يحتج بقوله تعالى فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ و هو عشرون من ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشر من ربيع الآخر و لو كان الحج الأكبر يوم عرفة لكان أربعة أشهر و يوما
بيان قوله ع الحج الأكبر أي يوم الحج الأكبر يوم النحر و مبنى الاحتجاج على ما كان مسلما عندهم من أن أشهر السياحة تنتهي في العاشر من ربيع الآخر
4- شي، ]تفسير العياشي[ عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله ع قال كان الفتح في سنة ثمان و براءة في سنة تسع و حجة الوداع في سنة عشر
5- شي، ]تفسير العياشي[ عن حريز عن أبي عبد الله ع قال إن رسول الله ص بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس فنزل جبرئيل فقال لا يبلغ عنك إلا علي فدعا رسول الله ص عليا فأمره أن يركب ناقته العضباء و أمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة و يقرأه على الناس بمكة فقال أبو بكر أ سخطة فقال لا إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا رجل منك فلما قدم علي ع مكة و كان يوم النحر بعد الظهر و هو يوم الحج الأكبر قام ثم قال إني رسول رسول الله إليكم فقرأ عليهم بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عشرين من ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشر من شهر ربيع الآخر و قال لا يطوف بالبيت عريان و لا عريانة و لا مشرك ألا و من كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الأربعة الأشهر
و في خبر محمد بن مسلم فقال يا علي هل نزل في شيء منذ فارقت رسول الله ص قال لا و لكن أبى الله أن يبلغ عن محمد إلا رجل منه فوافى الموسم فبلغ عن الله و عن رسوله بعرفة و المزدلفة و يوم النحر عند الجمار و في أيام التشريق كلها ينادي بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ و لا يطوفن بالبيت عريان
-6 شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع عن قوله فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قال عشرين من ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشر من شهر ربيع الآخر
7- شي، ]تفسير العياشي[ عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين ع قال و الله إن لعلي لاسما في القرآن ما يعرفه الناس قال قلت و أي شيء هو جعلت فداك فقال لي وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قال فبعث رسول الله ص أمير المؤمنين و كان علي ع هو و الله المؤذن فأذن بأذان الله و رسوله يوم الحج الأكبر في المواقف كلها فكان ما نادى به ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان و لا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك
8- شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة عن أبي جعفر ع في قول الله فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قال هي يوم النحر إلى عشر مضين من شهر ربيع الآخر
9- عم، ]إعلام الورى[ نزلت سورة بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ في سنة تسع فدفعها إلى أبي بكر فسار بها فنزل جبرئيل ع فقال إنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو علي فبعث عليا ع على ناقته العضباء فلحقه فأخذ منه الكتاب فقال له أبو بكر أ نزل في شيء قال لا و لكن لا يؤدي عن رسول الله ص إلا هو أو أنا فسار بها علي ع حتى أذن بمكة يوم النحر و أيام التشريق و كان في عهده أن ينبذ إلى المشركين عهدهم و أن لا يطوف بالبيت عريان و لا يدخل المسجد مشرك و من كان له عهد فإلى مدته و من لم يكن له عهد فله أربعة أشهر فإن أخذناه بعد أربعة أشهر قتلناه و ذلك قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ إلى قوله كُلَّ مَرْصَدٍ و لما دخل مكة اخترط سيفه و قال و الله لا يطوف بالبيت عريان إلا ضربته بالسيف حتى ألبسهم الثياب فطافوا و عليهم الثياب
10- شا، ]الإرشاد[ من فضائله ع ما جاء في قصة براءة
و قد دفعها النبي ص إلى أبي بكر لينبذ بها عهد المشركين فلما سار غير بعيد نزل جبرئيل ع على النبي ص فقال إن الله يقرئك السلام و يقول لك لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فاستدعا رسول الله ص عليا ع و قال له اركب ناقتي العضباء و الحق أبا بكر فخذ براءة من يده و امض بها إلى مكة و انبذ بها عهد المشركين إليهم و خير أبا بكر بين أن يسير مع ركابك أو يرجع إلي فركب أمير المؤمنين ع ناقة رسول الله ص العضباء و سار حتى لحق بأبي بكر فلما رآه فزع من لحوقه به و استقبله و قال فيم جئت يا أبا الحسن أ سائر أنت معي أم لغير ذلك فقال أمير المؤمنين ع إن رسول الله ص أمرني أن ألحقك فأقبض منك الآيات من براءة أنبذ بها عهد المشركين إليهم و أمرني أن أخيرك بين أن تسير معي أو ترجع إليه فقال بل أرجع إليه و عاد إلى النبي ص فلما دخل عليه قال يا رسول الله إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق إلي فيه فلما توجهت له رددتني عنه ما لي أ نزل في قرآن فقال له النبي ص لا و لكن الأمين جبرئيل ع هبط إلي عن الله عز و جل بأنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك و علي مني و لا يؤدي عني إلا علي
في حديث مشهور و كان نبذ العهد مختصا بمن عقده أو بمن يقوم مقامه في فرض الطاعة و جلالة القدر و علو الرتبة و شرف المقام و من لا يرتاب بفعاله و لا يعترض عليه في مقاله و من هو كنفس العاقد و أمره أمره فإذا حكم بحكم مضى و استقر و أمن الاعتراض فيه و كان بنبذ العهد قوة الإسلام و كمال الدين و صلاح أمر المسلمين و تمام فتح مكة و اتساق أحوال الصلاح و أحب الله أن يجعل ذلك في يد من ينوه باسمه و يعلي ذكره و ينبه على فضله و يدل على علو قدره و يبينه به عمن سواه و كان ذلك أمير المؤمنين ع و لم يكن لأحد من القوم فضل يقارب الفضل الذي وصفناه و لا يشركه فيه أحد منهم على ما بيناه. أقول سيأتي أكثر الأخبار المتعلقة بتلك القصة و بسط القول في الاستدلال بها على إمامته و فضله في أبواب الآيات النازلة في شأنه في باب مفرد فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إليه
11- كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن ابن شمون عن الأصم عن مسمع عن أبي عبد الله ع قال لما بعث رسول الله ص ببراءة مع علي ع بعث معه أناسا و قال رسول الله ص من استأسر من غير جراحة مثقلة فليس منا