الآيات التوبة وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تفسير قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً قال المفسرون إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء و بعثوا إلى رسول الله ص أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف فقالوا نبني مسجدا نصلي فيه و لا نحضر جماعة محمد ص و كانوا اثني عشر رجلا و قيل خمسة عشر رجلا منهم ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشير و نبتل بن الحارث فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء فلما فرغوا منه أتوا رسول الله ص و هو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله ص إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة و الحاجة و الليلة المطيرة و الليلة الشاتية و إنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه و تدعو بالبركة فقال ص إني على جناح السفر و لو قدمنا أتيناكم إن شاء الله فصلينا لكم فلما انصرف رسول الله من تبوك نزلت عليه الآية في شأن المسجد ضِراراً أي مضارة بأهل مسجد قباء أو مسجد الرسول ص ليقل الجمع فيه وَ كُفْراً أي و لإقامة الكفر فيه أو كان اتخاذهم ذلك كفرا أو ليكفروا فيه بالطعن على رسول الله ص و الإسلام وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ أي لاختلاف الكلمة و إبطال الألفة و تفريق الناس عن رسول الله ص وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ و هو أبو عامر الراهب و كان من قصته أنه كان قد ترهب في الجاهلية و لبس المسوح فلما قدم النبي ص المدينة حزب عليه الأحزاب ثم هرب بعد فتح مكة إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام و خرج إلى الروم و تنصر و هو أبو حنظلة غسيل الملائكة الذي قتل مع النبي ص يوم أحد و كان جنبا فغسلته الملائكة و سمى رسول الله أبا عامر الفاسق و كان قد أرسل إلى المنافقين أن استعدوا و ابنوا مسجدا فإني أذهب إلى قيصر و آتي من عنده بجنود و أخرج محمدا من المدينة فكان هؤلاء المنافقون يتوقعون أن يجيئهم أبو عامر فمات قبل أن يبلغ ملك الروم وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى أي يحلفون كاذبين ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الفعلة الحسنى من التوسعة على أهل الضعف و العلة من المسلمين فاطلع الله نبيه على خبث سريرتهم فقال وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ
فوجه رسول الله ص عند قدومه من تبوك عاصم بن عوف العجلاني و مالك بن الدخشم و كان مالك من بني عمرو بن عوف فقال لهما انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه و حرقاه
و روي أنه بعث عمار بن ياسر و وحشيا فحرقاه و أمر بأن يتخذ كناسة تلقى فيه الجيف
ثم نهى الله نبيه أن يقوم في هذا المسجد فقال لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً أي لا تصل ثم أقسم فقال لَمَسْجِدٌ أي و الله لمسجد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى أي بني أصله على تقوى الله و طاعته مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أي منذ أول يوم وضع أساسه أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ أي أولى بأن تصلي فيه و اختلف في هذا المسجد فقيل هو مسجد قباء و قيل مسجد رسول الله ص و قيل كل مسجد بني للإسلام و أريد به وجه الله تعالى فِيهِ أي في هذا المسجد رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا أي يصلوا لله متطهرين بأبلغ الطهارة و قيل يحبون أن يتطهروا من الذنوب و قيل يحبون أن يتطهروا بالماء عن الغائط و البول و هو المروي عن السيدين الباقر و الصادق ع
و روي عن النبي ص أنه قال لأهل قباء ما ذا تفعلون في طهركم فإن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء قالوا نغسل أثر الغائط فقال أنزل الله فيكم وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
أي المتطهرين أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ إلى قوله شَفا جُرُفٍ هارٍ الشفا حرف الشيء و شفيره و جرف الوادي جانبه الذي ينحفر بالماء أصله و هار الجرف يهور هورا فهو هائر و تهور و انهار و هار أصله هائر و هو من المقلوب كما يقال شاكي السلاح أي شائك و تهور البناء تساقط فالله تعالى شبه بنيانهم على نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذه صفته فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ أي يوقعه ذلك البناء في نار جهنم و روي عن جابر بن عبد الله أنه قال رأيت المسجد الذي بني ضرارا يخرج منه الدخان لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ أي شكا في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم و ثباتا على النفاق و قيل حزازة في قلوبهم و قيل حسرة يترددون فيها إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ أي إلا أن يموتوا و قيل إلا أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بنيتهم في بناء المسجد حَكِيمٌ في أمره بنقضه
1- فس، ]تفسير القمي[ قوله الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً فإنه كان سبب نزولها أنه جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله ص فقالوا يا رسول الله أ تأذن لنا فنبني مسجدا في بني سالم للعليل و الليلة المطيرة و الشيخ الفاني فأذن لهم رسول الله ص و هو على الخروج إلى تبوك فقالوا يا رسول الله لو أتيتنا فصليت فيه قال أنا على جناح الطير فإذا وافيت إن شاء الله أتيته فصليت فيه فلما أقبل رسول الله ص من تبوك نزلت عليه هذه الآية في شأن المسجد و أبي عامر الراهب و قد كانوا حلفوا لرسول الله ص أنهم يبنون ذلك للصلاح و الحسنى فأنزل الله على رسوله وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً إلى قوله تعالى وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ يعني أبا عامر الراهب كان يأتيهم فيذكر رسول الله و أصحابه قوله لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى يعني مسجد قباء قوله فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا قال كانوا يتطهرون بالماء
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال مسجد الضرار الذي أسس عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ قوله إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ إلا في موضع حتى فبعث رسول الله ص مالك بن دخشم الخزاعي و عامر بن عدي أخا بني عمرو بن عوف على أن يهدموه و يحرقوه فجاء مالك فقال لعامر انتظرني حتى أخرج نارا من منزلي فدخل و جاء بنار و أشعل في سعف النخل ثم أشعله في المسجد فتفرقوا و قعد زيد بن حارثة حتى احترقت البنية ثم أمر بهدم حائطه
2- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى و ابن أبي عمير جميعا عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله ع لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قباء فإنه المسجد الذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
3- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله ع قال ابدأ بقبا فصل فيه و أكثر فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله ص في هذه العرصة
4- شي، ]تفسير العياشي[ عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال سألته عن المسجد الذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فقال مسجد قباء
5- شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع عن قوله لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ قال مسجد قباء و أما قوله أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ يعني من مسجد النفاق و كان على طريقه إذا أتى مسجد قباء فكان ينضح بالماء و السدر و يرفع ثيابه عن ساقيه و يمشي على حجر في ناحية الطريق و يسرع المشي و يكره أن يصيب ثيابه منه شيء فسألته هل كان النبي ص يصلي في مسجد قباء قال نعم كان منزله على سعد بن خيثمة الأنصاري
6- شي، ]تفسير العياشي[ عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا قال الذين يحبون أن يتطهروا نظف الوضوء و هو الاستنجاء بالماء و قال نزلت هذه الآية في أهل قباء
و في رواية ابن سنان عنه ع قال قلت ما ذلك الطهر قال نظف الوضوء إذا خرج أحدهم من الغائط فمدحهم الله بتطهرهم
بيان نظف الوضوء كان كأن بالوضوء الاستنجاء أي النظافة الحاصلة بالاستنجاء أو المراد بالنظف المبالغة في إزالة الغائط من قولهم استنظف الشيء إذا أخذه كله و يحتمل الوضوء المصطلح أي التنظف قبل الوضوء و لأجله
7- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ لما مات سعد بن معاذ بعد أن شفى من بني قريظة بأن قتلوا أجمعين قال رسول الله ص يرحمك الله يا سعد فلقد كنت شجا في حلوق الكافرين لو بقيت لكففت العجل الذي يراد نصبه في بيضة الإسلام كعجل قوم موسى قالوا يا رسول الله ص أ و عجل يراد أن يتخذ في مدينتك هذه قال بلى و الله يراد و لو كان لهم سعد حيا ما استمر تدبيرهم و يستمرون ببعض تدبيرهم ثم الله يبطله قالوا أ تخبرنا كيف يكون ذلك قال دعوا ذلك لما يريد الله أن يدبره. قال موسى بن جعفر ع و لقد اتخذ المنافقون من أمة محمد ص بعد موت سعد بن معاذ و بعد انطلاق محمد ص إلى تبوك أبا عامر الراهب أميرا و رئيسا و بايعوا له و تواطئوا على إنهاب المدينة و سبي ذراري رسول الله ص و سائر أهله و صحابته و دبروا التبييت على محمد ليقتلوه في طريقه إلى تبوك فأحسن الله الدفاع عن محمد ص و فضح المنافقين و أخزاهم و ذلك أن رسول الله ص قال لتسلكن سبل من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه قالوا يا ابن رسول الله من كان هذا العجل و ما ذا كان هذا التدبير فقال ع اعلموا أن رسول الله ص كان يأتيه الأخبار عن صاحب دومة الجندل و كان ملك تلك النواحي له مملكة عظيمة مما يلي الشام و كان يهدد رسول الله ص بأنه يقصده و يقتل أصحابه و يبيد خضراءهم و كان أصحاب رسول الله خائفين وجلين من قبله حتى كانوا يتناوبون على رسول الله ص كل يوم عشرون منهم و كلما صاح صائح ظنوا أنه قد طلع أوائل رجاله و أصحابه و أكثر المنافقون الأراجيف و الأكاذيب و جعلوا يتخللون أصحاب محمد ص و يقولون إن أكيدر قد أعد من الرجال كذا و من الكراع كذا و من المال كذا و قد نادى فيما يليه من ولايته ألا قد أبحتكم النهب و الغارة في المدينة ثم يوسوسون إلى ضعفاء المسلمين يقولون لهم فأين يقع أصحاب محمد من أصحاب أكيدر يوشك أن يقصد المدينة فيقتل رجالها و يسبي ذراريها و نساءها حتى آذى ذلك قلوب المؤمنين فشكوا إلى رسول الله ص ما هم عليه من الخدع ثم إن المنافقين اتفقوا و بايعوا أبا عامر الراهب الذي سماه رسول الله ص الفاسق و جعلوه أميرا عليهم و بخعوا له بالطاعة فقال لهم الرأي أن أغيب عن المدينة لئلا أتهم بتدبيركم و كاتبوا أكيدر في دومة الجندل ليقصد المدينة ليكونوا هم عليه و هو يقصدهم فيصطلموه فأوحى الله إلى محمد ص و عرفه ما اجتمعوا عليه من أمرهم و أمره بالمسير إلى تبوك و كان رسول الله ص إذا أراد غزوا ورى بغيره إلا غزاة تبوك فإنه أظهر ما كان يريده و أمرهم أن يتزودوا لها و هي الغزاة التي افتضح فيه المنافقون و ذمهم الله تعالى في تثبيطهم عنها و أظهر رسول الله ص ما أوحي إليه أن سيظفره بأكيدر حتى يأخذه و يصالحه على ألف أوقية من ذهب في صفر و ألف أوقية من ذهب في رجب و مائتي حلة في صفر و مائتي حلة في رجب و ينصرف سالما إلى ثمانين يوما فقال لهم
رسول الله ص إن موسى وعد قومه أربعين ليلة و إني أعدكم ثمانين ليلة ثم أرجع سالما غانما ظافرا بلا حرب يكون و لا أحد يستأسر من المؤمنين فقال المنافقون لا و الله و لكنها آخر كسراته التي لا ينجبر بعدها إن أصحابه ليموت بعضهم في هذا الحر و رياح البوادي و مياه المواضع المؤذية الفاسدة و من سلم من ذلك فبين أسير في يد أكيدر و قتيل و جريح و استأذنه المنافقون بعلل ذكروها بعضهم يعتل بالحر و بعضهم بمرض يجده و بعضهم بمرض عياله و كان يأذن لهم فلما صح عزم رسول الله ص على الرحلة إلى تبوك عمد هؤلاء المنافقون فبنوا مسجدا خارج المدينة و هو مسجد الضرار يريدون الاجتماع فيه و يوهمون أنه للصلاة و إنما كان ليجتمعوا فيه لعلة الصلاة فيتم لهم به ما يريدون ثم جاء جماعة منهم إلى رسول الله ص و قالوا يا رسول الله إن بيوتنا قاصية عن مسجدك و إنا نكره الصلاة في غير جماعة و يصعب علينا الحضور و قد بنينا مسجدا فإن رأيت أن تقصده و تصلي فيه لنتيمن و نتبرك بالصلاة في موضع مصلاك فلم يعرفهم رسول الله ص ما عرفه الله من أمرهم و نفاقهم و قال ائتوني بحماري فأتي باليعفور فركبه يريد نحو مسجدهم فكلما بعثه هو أصحابه لم ينبعث و لم يمش فإذا صرف رأسه إلى غيره سار أحسن سير و أطيبه قالوا لعل هذا الحمار قد رأى في هذا الطريق شيئا كرهه فلذلك لا ينبعث نحوه فقال رسول الله ص ايتوني بفرس فركبه فكلما بعثه نحو مسجدهم لم ينبعث و كلما حركوه نحوه لم يتحرك حتى إذا ولوا رأسه إلى غيره سار أحسن سير فقالوا لعل هذا الفرس قد كره شيئا في هذا الطريق فقال تعالوا نمش إليه فلما تعاطى هو و أصحابه المشي نحو المسجد جفوا في مواضعهم و لم يقدروا على الحركة و إذا هموا بغيره من المواضع خفت حركاتهم و حنت أبدانهم و نشطت قلوبهم فقال رسول الله ص إن هذا أمر قد كرهه الله فليس يريده الآن و أنا على جناح سفر فأمهلوا حتى أرجع إن شاء الله تعالى ثم أنظر في هذا نظرا يرضاه الله تعالى و جد في العزم على الخروج إلى تبوك و عزم المنافقين على اصطلام مخلفيهم إذا خرجوا فأوحى الله تعالى إليه يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و يقول لك إما أن تخرج أنت و يقيم علي و إما أن يخرج علي و تقيم أنت فقال رسول الله ص ذاك لعلي فقال علي السمع و الطاعة لأمر الله و أمر رسوله و إن كنت أحب أن لا أتخلف عن رسول الله ص في حال من الأحوال فقال رسول الله ص أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فقال رضيت يا رسول الله فقال له رسول الله ص يا أبا الحسن إن لك أجر خروجك معي في مقامك بالمدينة و إن الله قد جعلك أمة وحدك كما جعل إبراهيم أمة تمنع جماعة المنافقين و الكفار هيبتك عن الحركة على المسلمين فلما خرج رسول الله ص و شيعة علي ع خاض المنافقون و قالوا إنما خلفه محمد بالمدينة لبغضه له و ملالة منه و ما أراد بذلك إلا أن يبيته المنافقون فيقتلوه و يحاربوه فيهلكوه فاتصل
ذلك برسول الله ص فقال علي ع تسمع ما يقولون يا رسول الله فقال رسول الله ص أ ما يكفيك أنك جلدة ما بين عيني و نور بصري و كالروح في بدني. ثم سار رسول الله ص بأصحابه و أقام علي ع بالمدينة و كان كلما دبر المنافقون أن يقعوا بالمسلمين فزعوا من علي ع و خافوا أن يقوم معه عليهم من يدفعهم عن ذلك و جعلوا يقولون فيما بينهم هي كرة محمد التي لا يئوب منها فلما صار بين رسول الله ص و بين أكيدر مرحلة قال تلك العشية يا زبير بن العوام يا سماك بن خرشة امضيا في عشرين من المسلمين إلى باب قصر أكيدر فخذاه و ائتياني به قال الزبير و كيف يا رسول الله ص نأتيك به و معه من الجيش الذي قد علمت و معه في قصره سوى حشمه ألف ما دون عبد و أمة و خادم قال رسول الله ص تحتالان عليه و تأخذانه قال يا رسول الله و كيف هذه ليلة قمراء و طريقنا أرض ملساء و نحن في الصحراء لا نخفى فقال رسول الله ص أ تحبان أن يستركما الله عن عيونهم و لا يجعل لكما ظلا إذا سرتما و يجعل لكما نورا كنور القمر لا تتبينان منه قالا بلى قال عليكما بالصلاة على محمد و آله الطيبين معتقدين أن أفضل آله علي بن أبي طالب و تعتقد يا زبير أنت خاصة أن لا يكون علي ع في قوم إلا كان هو أحق بالولاية عليهم ليس لأحد أن يتقدمه فإذا أنتما فعلتما ذلك و بلغتما الظل الذي بين يدي قصره من حائط قصره فإن الله سيبعث الغزلان و الأوعال إلى بابه فتحك قرونها به فيقول من لمحمد في مثل هذا فيركب فرسه لينزل فيصطاد فيقول له امرأته إياك و الخروج فإن محمد قد أناخ بفنائك و لست آمن أن يحتال عليك و دس من يغزونك فيقول لها إليك عني فلو كان أحد يفصل عنه في هذه الليلة لتلقاه في هذا القمر عيون أصحابنا في الطريق و هذه الدنيا بيضاء لا أحد فيها فلو كان في ظل قصرنا هذا إنسي لنفرت منه الوحش فينزل ليصطاد الغزلان و الأوعال فتهرب من بين يديه و يتبعها فتحيطان به و تأخذانه و كان كما قال رسول الله ص فأخذوه فقال لي إليكم حاجة قالوا ما هي فإنا نقضيها إلا أن تسألنا أن نخليك قال تنزعون عني ثوبي هذا و سيفي و منطقتي و تحملونها إليه و تحملوني في قميصي لئلا يراني في هذا الزي بل يراني في زي تواضع فلعله أن يرحمني ففعلوا ذلك فجعل المسلمون و الأعراب يلبسون ذلك الثوب و يقولون هذا من حلل الجنة و هذا من حلي الجنة يا رسول الله قال لا و لكنه ثوب أكيدر و سيفه و منطقته و لمنديل ابن عمتي الزبير و سماك في الجنة أفضل من هذا إن استقاما على ما أمضيا من عهدي إلى أن يلقياني عند حوضي في المحشر قالوا و ذلك أفضل من هذا قال بل خيط من منديل بأيديهما في الجنة أفضل من ملء الأرض إلى السماء مثل هذا الذهب فلما أتي به رسول الله ص قال يا محمد أقلني و خلني على أن أدفع عنك من ورائي من أعدائك فقال له رسول الله فإن لم تف به قال يا محمد إن لم أف لك فإن
كنت رسول الله فسيظفرك بي من منع ظلال أصحابك أن يقع على الأرض حتى أخذوني و من ساق الغزلان إلى بابي حتى استخرجتني من قصري و أوقعتني في أيدي أصحابك و إن كنت غير نبي فإن دولتك التي أوقعتني في يدك بهذه الخصلة العجيبة و السبب اللطيف ستوقعني في يدك بمثلها قال فصالحه رسول الله ص على ألف أوقية من ذهب في رجب و مائتي حلة و ألف أوقية في صفر و مائتي حلة و على أنهم يضيفون من مر بهم من العساكر ثلاثة أيام و يزودونهم إلى المرحلة التي تليها على أنهم إن نقضوا شيئا من ذلك فقد برئت منهم ذمة الله و ذمة محمد رسول الله ص ثم كر رسول الله راجعا إلى المدينة إلى إبطال كيد المنافقين في نصب ذلك العجل الذي هو أبو عامر الذي سماه النبي ص الفاسق و عاد رسول الله ص غانما ظافرا و أبطل الله كيد المنافقين و أمر رسول الله ص بإحراق مسجد الضرار و أنزل الله عز و جل وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِيقاً الآيات. و قال موسى بن جعفر ع فهذا العجل في حياة رسول الله ص دمر الله عليه و أصابه بقولنج و فالج و جذام و لقوة و بقي أربعين صباحا في أشد عذاب صار إلى عذاب الله.
بيان قال الجوهري قولهم أباد الله خضراءهم أي سوادهم و معظمهم قوله و حنت أبدانهم لعله من الحنين بمعنى الشوق و في بعض النسخ خبت بالخاء المعجمة و الباء الموحدة و لعله من الخبب و هو ضرب من العدو و الأوعال جمع الوعل بالفتح و ككتف و هو تيس الجبل