الآيات الأسرى وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً القصص إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ التنزيل وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ الفتح إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً الممتحنة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْيَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَوَ مَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَ اللَّهُ قَدِيرٌ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إلى قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ النصر إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ قيل معناه أدخلني المدينة و أخرجني منها إلى مكة للفتح
عن ابن عباس و غيره قال و روي عن ابن مسعود قال دخل النبي ص مكة و حول البيت ثلاثمائة و ستون صنما فجعل يطعنها و يقول جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً
أورده البخاري في الصحيح و قال الكلبي فجعل ينكب لوجهه إذا قال ذلك و أهل مكة يقولون ما رأينا رجلا أسحر من محمد. قوله تعالى لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ روي عن ابن عباس و غيره أنه وعد بفتح مكة و عوده ص إليها. قوله تعالى قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ قال البيضاوي هو يوم القيامة فإنه يوم نصر المسلمين على الكفرة و الفصل بينهم و قيل يوم بدر أو يوم فتح مكة و المراد بالذين كفروا المقتولون منهم فيه فإنه لا ينفعهم إيمانهم حال القتل و لا يمهلون و انطباقه جوابا عن سؤالهم من حيث المعنى باعتبار ما عرف من غرضهم فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذيبا و استهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ و لا تبال بتكذيبهم و قيل هو منسوخ بآية السيف وَ انْتَظِرْ النصرة عليهم إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ الغلبة عليك. قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا قال الطبرسي رضي الله عنه أي قضينا عليك قضاء ظاهرا أو يسرنا لك يسرا بينا أو أعلمناك علما ظاهرا فيما أنزلنا عليك من القرآن و أخبرناك به من الدين أو أرشدناك إلى الإسلام و فتحنا لك أمر الدين ثم اختلف في هذا الفتح على وجوه أحدها أن المراد به فتح مكة وعده الله ذلك عام الحديبية عند انصرافه منها و تقديره قضينا لك بالنصر على أهلها و عن جابر قال ما كنا نعلم فتح مكة إلا يوم الحديبية. و ثانيها أنه صلح الحديبية و ثالثها أنه فتح خيبر و رابعها أن الفتح الظفر على الأعداء كلهم بالحجج و المعجزات الظاهرة و إعلاء كلمة الإسلام. و قال في قوله تعالى لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ نزلت في حاطب بن أبي بلتعة و ذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت رسول الله ص من مكة إلى المدينة بعد بدر بسنتين فقال لها رسول الله ص أ مسلمة جئت قالت لا قال أ مهاجرة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت كنتم الأصل و العشيرة و الموالي و قد ذهبت موالي و احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني و تكسوني و تحملوني قال فأين أنت من شبان مكة و كانت مغنية نائحة قالت ما طلب مني بعد وقعة بدر فحث رسول الله ص عليها بني عبد المطلب فكسوها و حملوها و أعطوها نفقة و كان رسول الله ص يتجهز لفتح مكة فأتاها حاطب بن أبي بلتعة فكتب معها كتابا إلى أهل مكة و أعطاها عشرة دنانير عن ابن عباس و عشرة دراهم عن مقاتل و كساها بردا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة و كتب في الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة إن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم. فخرجت سارة و نزل جبرئيل ع فأخبر النبي ص بما فعل فبعث رسول الله ص عليا و عمارا و عمر و الزبير و طلحة و المقداد بن الأسود و أبا مرثد و كانوا كلهم فرسانا و قال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول الله ص فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها من كتاب فنحوها و فتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علي ع و الله ما كذبنا و لا كذبنا و سل سيفه و قال أخرجي الكتاب و إلا و الله لأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأتها في شعرها فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله ص فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله و الله ما كفرت منذ أسلمت و لا غششتك منذ صحبتك و لا أجبتهم منذ فارقتهم و لكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا و له بمكة من يمنع عشيرته و كنت عزيزا فيهم أي غريبا و كان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا و قد علمت أن الله ينزل بهم بأسه و أن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله ص و عذره فقام عمر بن الخطاب و قال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله و ما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل
بدر فغفر لهم فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. و روى البخاري و مسلم في صحيحهما عن عبد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا ع يقول بعثنا رسول الله ص أنا و المقداد و الزبير و قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب و ذكر نحوه. تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ قال البيضاوي أي تقضون إليهم المودة بالمكاتبة و الباء مزيدة أو أخبار رسول الله ص بسبب المودة وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ حال من فاعل أحد الفعلين يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ أي من مكة و هو حال من كفروا أو استئناف لبيانه أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ لأن تؤمنوا به إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ عن أوطانكم جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي علة للخروج و عمدة للتعليق و جواب الشرط محذوف دل عليه لا تتخذوا تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ بدل من تلقون أو استئناف معناه أي طائل لكم في إسرار المودة أو الإخبار بسبب المودة وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ أي منكم و قيل أعلم مضارع و الباء مزيدة و ما موصولة أو مصدرية وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي يفعل الاتخاذ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أخطأه إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يظفروا بكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً لا ينفعكم إلقاء المودة إليهم وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ بما يسوؤكم كالقتل و الشتم وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ و تمنوا ارتدادكم و مجيؤه وحده بلفظ الماضي للإشعار بأنهم ودوا ذلك قبل كل شيء و أن ودادتهم حاصلة و إن لم يثقفوكم لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ قراباتكم وَ لا أَوْلادُكُمْ الذين توالون المشركين لأجلهم يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ يفرق بينكم بما عراكم من الهول فيفر بعضكم من بعض وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم عليه قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قدوة اسم لما يؤتسى به فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ صفة ثانية أو خبر كان و لكم لغو أو حال من المستكن في حسنة أو صلة لها لا لأسوة لأنها وصفت إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ ظرف لخبر كان إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ جمع بريء كظريف و ظرفاء وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ أي بدينكم أو بمعبودكم أو بكم و به فلا نعتد بشأنكم و آلهتكم وَ بَدا بَيْنَنا إلى قوله وَحْدَهُ فتنقلب العداوة و البغضاء ألفة و محبة إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ استثناء من قوله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا متصل بما قبل الاستثناء أو أمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نتحمله لَقَدْ كانَ لَكُمْ تكرير لمزيد الحث على التأسي بإبراهيم و لذلك صدر بالقسم و أبدل قوله لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ من لَكُمْ فإنه يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم و أن تركه مؤذن بسوء العقيدة و لذلك عقبه بقوله وَ مَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فإنه جدير بأن يوعد به الكفرة. قوله تعالى وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ قال الطبرسي أي من كفار مكة مَوَدَّةً بالإسلام قال مقاتل لما أمر الله سبحانه المؤمنين بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم فنزلت و المعنى أن موالاة الكفار لا تنفع و الله سبحانه قادر على أن يوفقهم للإيمان و يحصل المودة بينكم و بينهم و قد فعل ذلك حين أسلموا عام الفتح وَ اللَّهُ قَدِيرٌ على نقل القلوب من العداوة إلى المودة وَ اللَّهُ غَفُورٌ لذنوب عباده رَحِيمٌ بهم إذا تابوا و أسلموا لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ أي ليس ينهاكم عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال و برهم و معاملتهم بالعدل و هو قوله أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أي و تعدلوا فيما بينكم و بينهم من الوفاء بالعهد و قيل إن المسلمين استأمروا النبي ص في أن يبروا أقرباءهم
من المشركين و ذلك قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين فنزلت هذه الآية و هي منسوخة بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ عن ابن عباس و غيره و قيل إنه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من أهل مكة و لم يهاجر إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي العادلين و قيل الذين يجعلون لقراباتهم قسطا مما في بيوتهم من المطعومات إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ من أهل مكة و غيرهم وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أي منازلكم و أملاككم وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أي العوام و الأتباع الذين عاونوا رؤساءهم على الباطل أَنْ تَوَلَّوْهُمْ أي ينهاكم عن أن تولوهم و توادوهم و تحبوهم و المعنى أن مكاتبتكم بإظهار سر المؤمنين موالاة لهم. و قال رحمه الله في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ثم ذكر سبحانه بيعة النساء و كان ذلك يوم فتح مكة لما فرغ النبي ص من بيعة الرجال و هو على الصفا جاءته النساء يبايعنه فنزلت الآية في مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط و هي عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً من الأصنام و الأوثان وَ لا يَسْرِقْنَ لا من أزواجهن و لا من غيرهم وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ لا بالواد و لا بالإسقاط وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ أي بكذب يكذبنه في مولود يوجد بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم عن ابن عباس و قال الفراء كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفتري بين أيديهن و أرجلهن و ذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها و رجليها و ليس المعنى نهيهن من أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى الأزواج لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم و قيل البهتان الذي نهين عنه قذف المحصنات و الكذب على الناس و إضافة الأولاد إلى الأزواج على البطلان في الحاضر و المستقبل من الزمان لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ و هو جميع ما يأمرهن به لأنه ص لا يأمر إلا بالمعروف و قيل عنى بالمعروف النهي عن النوح و تمزيق الثياب و جز الشعر و شق الجيب و خمش الوجه و الدعاء بالويل فَبايِعْهُنَّ على ذلك وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ من ذنوبهن إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ أي صفوح عنهن رَحِيمٌ منعم عليهن
و روي أن النبي ص بايعهن و كان على الصفا و كان عمر أسفل منه و هند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفا أن يعرفها رسول الله ص فقال أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا فقالت هند إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال و ذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الإسلام و الجهاد فقط فقال النبي ص و لا تسرقن فقالت هند إن أبا سفيان رجل ممسك و إني أصبت من ماله هنات فلا أدري أ يحل لي أم لا فقال أبو سفيان ما أصبت من شيء فيما مضى و فيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول الله ص و عرفها فقال لها و إنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فقال و لا تزنين فقالت هند أ و تزني الحرة فتبسم عمر بن الخطاب لما جرى بينه و بينها في الجاهلية فقال ص و لا تقتلن أولادكن فقالت هند ربيناهم صغارا و قتلتموهم كبارا فأنتم و هم أعلم و كان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب ع يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى و تبسم النبي ص و لما قال و لا تأتين ببهتان قالت هند و الله إن البهتان قبيح و ما تأمرنا إلا بالرشد و مكارم الأخلاق و لما قال وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قالت هند ما جلسنا مجلسنا هذا و في أنفسنا أن نعصيك في شيء
و روى الزهري عن عرفة عن عائشة قالت كان النبي ص يبايع النساء بالكلام بهذه الآية أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً و ما مست يد رسول الله ص يد امرأة قط إلا امرأة يملكها رواه البخاري في الصحيح
و روي أنه ص كان إذ بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ثم غمس أيديهن فيه
و قيل إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي و الوجه في بيعة النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة هو أخذ العهد عليهن بما يصلح من شأنهن في الدين و الأنفس و الأزواج و كان ذلك في صدر الإسلام و لئلا ينفتق بهم فتق لما ضيع من الأحكام فبايعهن النبي ص حسما لذلك. و قال رضي الله عنه في قوله سبحانه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ على من عاداك و هم قريش وَ الْفَتْحُ يعني فتح مكة و هذه بشارة من الله سبحانه لنبيه بالفتح و النصر قبل وقوع الأمر وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً أي جماعة بعد جماعة و زمرة بعد زمرة و المراد بالدين الإسلام و التزام أحكامه و اعتقاد صحته و توطين النفس على العمل به قال الحسن لما فتح رسول الله ص مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم و قد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يد فكانوا يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا و اثنين و اثنين فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام و قيل في دين الله أي في طاعة الله و طاعتك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ هذا أمر من الله سبحانه بأن ينزهه عما لا يليق به من صفات النقص و أن يستغفره و وجه وجوب ذلك بالنصر و الفتح أن النعمة تقتضي القيام بحقها و هو شكر المنعم و تعظيمه و الايتمار بأوامره و الانتهاء عن معاصيه فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الشكر و الاستغفار و إن لم يكن ثم ذنب فإن الاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينافي الإصرار و قد يكون على وجه التسبيح و الانقطاع إلى الله سبحانه إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً يقبل توبة من بقي كما يقبل توبة من مضى قال مقاتل لما نزلت هذه السورة قرأها على أصحابه ففرحوا و استبشروا و سمعها العباس فبكى فقال ص ما يبكيك يا عم فقال أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال إنه لكما تقول فعاش بعدها سنتين و ما رئي فيهما ضاحكا مستبشرا قال و هذه السورة تسمى سورة التوديع
و قال ابن عباس لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ قال ص نعيت إلي نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة
و اختلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك و ليس في ظاهره نعي فقيل لأن التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لاحق بالله و ذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل و عند الكمال يرقب الزوال كما قيل
إذا تم أمر دنا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم
. و قيل لأنه سبحانه أمره بتجديد التوحيد و استدراك الفائت بالاستغفار و ذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار
و عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت السورة كان النبي ص يقول كثيرا سبحانك اللهم و بحمدك اللهم اغفر لي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
و عن أم سلمة قالت كان رسول الله ص بآخره لا يقوم و لا يقعد و لا يجيء و لا يذهب إلا قال سبحان الله و بحمده أستغفر الله و أتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال إني أمرت بها ثم قرأ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ
و في رواية عائشة أنه كان يقول سبحانك اللهم و بحمدك أستغفرك و أتوب إليك
ثم قال رحمه الله لما صالح رسول الله ص قريشا عام الحديبية كان في أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله ص دخل فيه فدخلت خزاعة في عهد رسول الله ص و دخلت بنو بكر في عهد قريش و كان بين القبيلتين شر قديم ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر و خزاعة مقاتلة و رفدت قريش بني بكر بالسلاح و قاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا و كان ممن أعان بني بكر على خزاعة بنفسه عكرمة بن أبي جهل و سهيل بن عمرو فركب عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله ص المدينة و كان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه و هو في المسجد بين ظهراني القوم فقال
لا هم إني ناشد محمدا حلف أبينا و أبيه الأتلداإن قريشا أخلفوك الموعدا و نقضوا ميثاقك المؤكداو قتلونا ركعا و سجدا
فقال رسول الله ص حسبك يا عمرو ثم قام فدخل دار ميمونة و قال اسكبي لي ماء فجعل يغتسل و هو يقول لا نصرت إن لم أنصر بني كعب و هم رهط عمرو بن سالم ثم خرج بديل بن الورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله ص فأخبروه بما أصيب منهم و مظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة و قد كان ص قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد و يزيد في المدة و سيلقى بديل بن ورقاء فلقوا أبا سفيان بعسفان و قد بعثته قريش إلى النبي ص ليشدد العقد فلما لقي أبو سفيان بديلا قال من أين أقبلت يا بديل قال سرت في هذا الساحل و في بطن هذا الوادي قال ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففت فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله ص فقال يا محمد احقن دم قومك و أجر بين قريش و زدنا في المدة فقال أ غدرتم يا أبا سفيان قال لا قال فنحن على ما كنا عليه فخرج فلقي أبا بكر فقال يا أبا بكر أجر بين قريش قال ويحك و أحد يجير على رسول الله ص ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك ثم خرج فدخل على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال يا بنية أ رغبة بهذا الفراش عني فقالت نعم هذا فراش رسول الله ص ما كنت لتجلس عليه و أنت رجس مشرك ثم خرج فدخل على فاطمة فقال يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش و تزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس فقالت جواري جوار رسول الله ص فقال أ تأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس قالت و الله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس و ما يجير على رسول الله ص أحد فقال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني فقالت أنت شيخ قريش فقم على باب المسجد و أجر بين قريش ثم الحق بأرضك قال و ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال لا و الله ما أظن ذلك و لكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش ثم ركب بعيره فانطلق فلما أن قدم على قريش قالوا ما وراك فأخبرهم بالقصة فقالوا و الله إن زاد ابن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت قال لا و الله ما وجدت غير ذلك قال فأمر رسول الله بالجهاز لحرب مكة و أمر الناس بالتهيؤ و قال اللهم خذ العيون و الأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها و كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله ص الخبر من السماء فبعث عليا ع و الزبير حتى أخذا كتابه من المرأة و قد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة. ثم استخلف رسول الله ص أبا دهم الغفاري و خرج عامدا إلى مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين و نحو من أربعمائة فارس و لم يتخلف من المهاجرين و الأنصار عنه أحد و قد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب و عبد الله بن أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله ص بنيق العقاب فيما بين مكة و المدينة فالتمسا الدخول عليه فلم يأذن لهما فكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك و ابن عمتك و صهرك قال لا حاجة لي فيهما أما ابن عمي فهو الذي هتك عرضي و أما ابن عمتي و صهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال قال فلما خرج الخبر إليهما بذلك و مع أبي سفيان
بني له فقال و الله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا و جوعا فلما بلغ ذلك رسول الله ص رق لهما فأذن لهما فدخلا عليه فأسلما فلما نزل رسول الله ص مر الظهران و قد غمت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم عن رسول الله ص خبر خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار و قد قال العباس للبيد يا سوء صباح قريش و الله لئن بغتها رسول الله ص في بلادها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر فخرج العباس على بغلة رسول الله ص و قال أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله ص فيأتونه و يستأمنونه قال العباس فو الله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء و سمعت أبا سفيان يقول و الله ما رأيت كاليوم قط نيرانا فقال بديل هذه نيران خزاعة فقال أبو سفيان خزاعة ألأم من ذلك قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان فقال أبو الفضل فقلت نعم قال لبيك فداك أبي و أمي ما وراك فقلت هذا رسول الله ص وراك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال فما تأمرني قلت تركب عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله ص فو الله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا هذا عم رسول الله ص على بغلة رسول الله ع حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال يعني عمر يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد و لا عقد ثم اشتد نحو رسول الله ص و ركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة و سبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء فدخل عمر فقال يا رسول الله ص هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد و لا عقد فدعني أضرب عنقه فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله و أخذت برأسه و قلت و الله لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت مهلا يا عمر فو الله ما تصنع هذا بالرجل إلا أنه رجل من بني عبد مناف و لو كان من عدي بن كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم فقال ص اذهب فقد آمناه حتى تغدو به علي بالغداة. قال فلما أصبح غدوت به على رسول الله ص فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان أ لم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله فقال بأبي أنت و أمي ما أوصلك و أكرمك و أرحمك و أحلمك و الله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر و يوم أحد فقال ويحك يا با سفيان أ لم يأن لك أن تعلم أني رسول الله فقال بأبي أنت و أمي أما هذه فإن في النفس منها شيئا قال العباس فقلت له ويحك اشهد بشهادة الحق قبل أن يضرب عنقك فتشهدفقال ص للعباس انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى تمر عليه جنود الله قال فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي و مر عليه القبائل قبيلة قبيلة و هو يقول من هؤلاء و من هؤلاء و أقول أسلم و جهينة و فلان حتى مر رسول الله ص في الكتيبة الخضراء من المهاجرين و الأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل قلت هذا رسول الله ص في المهاجرين و الأنصار فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقلت ويحك إنها النبوة فقال نعم إذا و جاء حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء رسول الله ص فأسلما و بايعاه فلما بايعاه بعثهما رسول الله ص بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام و قال من دخل دار أبي سفيان و هو بأعلى مكة فهو آمن و من دخل دار حكيم و هو بأسفل مكة فهو آمن و من أغلق بابه و كف يده فهو آمن.
و لما خرج أبو سفيان و حكيم من عند رسول الله ص عامدين إلى مكة بعث في أثرهما الزبير بن العوام و أمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون و قال لا تبرح حتى آتيك ثم دخل رسول الله ص مكة و ضرب خيمته هناك و بعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمته و بعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة و بني سليم و أمره أن يدخل من أسفل مكة و أن يغرز رايته دون البيوت و أمرهم رسول الله ص جميعا أن يكفوا أيديهم و لا يقاتلوا إلا من قاتلهم و أمرهم بقتل أربعة نفر عبد الله بن سعد بن أبي سرح و الحويرث بن نفيل و ابن خطل و مقيس بن صبابة و أمرهم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله ص و قال اقتلوهم و إن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فقتل علي ع الحويرث بن نفيل و إحدى القينتين و أفلتت الأخرى و قتل مقيس بن صبابة في السوق و أدرك ابن خطل و هو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث و عمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا فقتله قال و سعى أبو سفيان إلى رسول الله ص و أخذ غرزه فقبله و قال بأبي أنت و أمي أ ما تسمع ما يقول سعد إنه يقول
اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة
. فقال ص لعلي ع أدركه فخذ الراية منه و كن أنت الذي يدخل بها و أدخلها إدخالا رفيقا فأخذها علي ع و أدخلها كما أمر و لما دخل رسول الله ص مكة دخل صناديد قريش الكعبة و هم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم
فأتى رسول الله ص و وقف قائما على باب الكعبة فقال لا إله إلا الله وحده أنجز وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ألا إن كل مال و مأثرة و دم يدعى تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة و سقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ألا أن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لأحد كان قبلي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار و هي محرمة إلى أن تقوم الساعة لا يختلى خلاها و لا يقطع شجرها و لا ينفر صيدها و لا تحل لقطتها إلا لمنشد ثم قال ألا لبئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم و طردتم و أخرجتم و آذيتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني اذهبوا فأنتم الطلقاء
فيخرج القوم فكأنما أنشروا من القبور و دخلوا في الإسلام و قد كان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة و كانوا له فيئا فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء و جاء ابن الزبعري إلى رسول الله ص و أسلم و قال
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بورإذ أباري الشيطان في سنن الغي و من مال ميله مبثورآمن اللحم و العظام لربي ثم نفسي الشهيد أنت النذير.
و عن ابن مسعود قال دخل النبي ص يوم الفتح و حول البيت ثلاثمائة و ستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده و يقول جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً
و عن ابن عباس قال لما قدم النبي ص مكة أبى أن يدخل البيت و فيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرج صورة إبراهيم و إسماعيل و في أيديهما الأزلام فقال ص قاتلهم الله أما و الله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط
انتهى كلام الطبرسي رحمه الله. و قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة لما حبس العباس أبا سفيان عند الجبل مرت به القبائل على راياتها فكان أول من مر به خالد بن الوليد في بني سليم و هم ألف لهم لواءان يحمل أحدهما العباس بن مرداس و آخر حفاف بن ندية و راية يحملها المقداد فقال أبو سفيان يا أبا الفضل من هؤلاء قال بنو سليم و عليهم خالد بن الوليد قال الغلام قال نعم فلما حاذى خالد العباس و أبا سفيان كبر ثلاثا و كبروا ثم مضوا و مر على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة منهم جماعة من المهاجرين و قوم من أفناء العرب و معه راية سوداء فلما حاذاهما كبر ثلاثا و كبر أصحابه فقال من هذا قال هذا الزبير قال ابن أختك قال نعم ثم مرت بنو غفار في ثلاثمائة يحمل رايتهم أبو ذر فلما حاذوهما كبروا ثلاثا قال يا أبا الفضل من هؤلاء قال بنو غفار قال ما لي و لبني غفار ثم مرت أسلم في أربعمائة يحمل لوائها بريدة بن الحصيب و لواء آخر مع ناجية بن الأعجم فلما حاذوه كبروا ثلاثا فسأل عنهم فقال هؤلاء أسلم فقال ما لي و لأسلم ما كان بيننا و بينهم ترة قط ثم مرت بنو كعب بن عمرو بن خزاعة في خمسمائة يحمل رايتهم بشر بن سفيان فقال من هؤلاء قال كعب بن عمرو قال نعم هؤلاء حلفاء محمد فلما حاذوه كبروا ثلاثا ثم مرت مزينة في ألف فيها ثلاثة ألوية مع النعمان بن مقرن و بلال بن الحارث و عبد الله بن عمرو فلما حاذوهما كبروا قال من هؤلاء قال مزينة قال ما لي و لمزينة قد جاءت تقعقع من شواهقها ثم مرت جهينة في ثمانمائة فيها أربعة ألوية مع معبد بن خالد و سويد بن صخر و رافع بن مكتب و عبد الله بن بدر فلما حاذوه كبروا ثلاثا فسأل عنهم فقيل جهينة ثم مرت بنو كنانة بنو ليث و ضمرة و سعد و بكر في مائتين يحمل لواءهم أبو واقد الليثي فلما حاذوه كبروا ثلاثا فقال من هؤلاء قال بنو بكر قال نعم هل أهل سوء هؤلاء الذين غزانا محمد لأجلهم أما و الله ما شوورت فيهم و لا علمته و لقد كنت له كارها حيث بلغني و لكنه أمر حتم قال العباس لقد خار الله لك في غزو محمد إياكم دخلتم في الإسلام كافة ثم مرت أشجع و هم ثلاثمائة يحمل لواءهم معقل بن سنان و لواء آخر مع نعيم بن مسعود فكبروا قال من هؤلاء قال أشجع فقال هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد قال العباس نعم و لكن الله أدخل الإسلام قلوبهم و ذلك من فضل الله فسكت فقال أ ما مر محمد بعد قال لا و لو رأيت الكتيبة التي هو فيها لرأيت الحديد و الخيل و الرجال و ما ليس لأحد به طاقة فلما طلعت كتيبة رسول الله ص الخضراء طلع سواد شديد و غبرة من سنابك الخيل و جعل الناس يمرون كل ذلك يقول أ ما مر محمد فيقول العباس لا حتى مر رسول الله ص يسير على ناقته القصواء بين أبي بكر و أسيد بن حضير و هو يحدثهما فقال له العباس هذا رسول الله ص في كتيبته الخضراء فانظر قال و كان في تلك الكتيبة وجوه المهاجرين و الأنصار و فيها الألوية و الرايات و كلهم منغمسون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق و كان في الكتيبة ألفا درع و راية رسول الله ص مع سعد بن عبادة و هو أمام الكتيبة فلما حاذاهما سعد نادى يا أبا سفيان
اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة
اليوم أذل الله قريشا فلما حاذاهما رسول الله ص ناداه أبو سفيان يا رسول الله أمرت بقتل قومك إن سعدا قال كذا و إني أنشد الله في قومك فأنت أبر الناس و أرحم الناس و أوصل الناس فقال عثمان و عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله إنا لا نأمن سعدا أن يكون منه في قريش صولة فوقف النبي ص و ناداه يا أبا سفيان بل اليوم يوم الرحمة اليوم أعز الله قريشا و أرسل إلى سعد فعزله عن اللواء. بيان الرفد بالكسر العطاء و الإرفاد الإعانة و الحلف بالكسر العهد بين القوم و الحليف و الأتلد الأقدم و في بعض الكتب بعد قوله ميثاقك المؤكدا
و زعموا أن لست تدعو أحدا فانصر هداك الله نصرا أيداو ادع عباد الله يأنوا مددا فيهم رسول الله قد تجرداأبيض كالبدر ينمي أبدا إن سيم خسفا وجهه تربدا
. قوله أيدا أي قويا ينمي يرتفع و يزداد و سامه خسفا أورد عليه ذلا تربد تغير و في القاموس نيق العقاب بالكسر موضع بين الحرمين و في النهاية في حديث الفتح قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الجبل هكذا جاءت في كتاب أبي موسى و قال حطم الجبل الموضع الذي حطم منه أي ثلم فبقي منقطعا قال و يحتمل أن يريد عند مضيق الجبل حيث يزحم بعضهم بعضا و رواه أبو نصر الحميدي في كتابه بالخاء المعجمة و فسرها في غريبه فقال الخطم و الخطمة رعن الجبل و هو الأنف النادر منه و الذي جاء في كتاب البخاري و هو الذي أخرج الحديث فيما قرأناه و رأيناه من نسخ كتابه عند حطم الخيل هكذا مضبوطا فإن صحت الرواية به و لم يكن تحريفا من الكتبة فيكون معناه و الله أعلم أنه يحبسه في الموضع المتضايق الذي يتحطم فيه الخيل أي يدوس بعضها بعضا و يزحم بعضها بعضا فيراها جميعها و تكثر في عينه بمرورها في ذلك الموضع الضيق و كذلك أراد بحبسه عند خطم الجبل على ما شرحه الحميدي فإن الأنف النادر من الجبل يضيق الموضع الذي يخرج فيه. و قال مر رسول الله ص في كتيبته الخضراء كتيبة خضراء إذا غلب عليها لبس الحديد شبه سواده بالخضرة و العرب تطلق الخضرة على السواد و قال مآثر العرب مكارمها و مفاخرها التي تؤثر عنها أي تروى و تذكر تحت قدمي هاتين أراد خفاءها و إعدامها و إذلال أمر الجاهلية و نقض سنتها و قال الخلى مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا و اختلاؤه قطعه انتهى. و البور بالضم الهالك يستوي فيه الواحد و الكثير و المذكر و المؤنث و المباراة المجاراة و المسابقة و الثبور الهلاك و الويل و الإهلاك
1- أقول روى السيد في سعد السعود من تفسير الكلبي أن رسول الله ص لما فتح مكة وجد في الحجر أصناما مصفوفة حوله ثلاثمائة و ستين صنما صنم كل قوم بحيالهم و معه مخصرة بيده فجعل يأتي الصنم فيطعن في عينه أو في بطنه ثم يقول جاءَ الْحَقُّ يقول ظهر الإسلام وَ زَهَقَ الْباطِلُ يقول و هلك الشرك و أهله و الشيطان و أهله إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً يقول هالكا فجعل الصنم ينكب لوجهه إذا قال رسول الله ص ذلك فجعل أهل مكة يتعجبون و يقولون فيما بينهم ما رأينا رجلا أسحر من محمد
-2 كتاب صفات الشيعة، للصدوق رحمه الله عن الحميري عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيدة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لما فتح رسول الله ص مكة قام على الصفا فقال يا بني هاشم يا بني عبد المطلب إني رسول الله إليكم و إني شفيق عليكم لا تقولوا إن محمدا منا فو الله ما أوليائي منكم و لا من غيركم إلا المتقون فلا أعرفكم تأتوني يوم القيامة تحملون الدنيا على رقابكم و يأتي الناس يحملون الآخرة ألا و إني قد أعذرت فيما بيني و بينكم و فيما بين الله عز و جل و بينكم و إن لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ
3- د، ]العدد القوية[ في يوم العشرين من رمضان سنة ثمان من الهجرة كان فتح مكة
4- ب، ]قرب الإسناد[ أبو البختري عن جعفر عن أبيه ع قال دخل رسول الله ص البيت يوم الفتح فرأى فيه صورتين فدعا بثوب فبله في ماء ثم محاهما قال ثم أمر رسول الله ص بقتل عبد الله بن أبي سرح و إن وجد في جوف البيت و بقتل عبد الله بن خطل و قتل مقيس بن صبابة و بقتل قرسا و أم سارة قال و كانتا قينتين تزنيان و تغنيان بهجاء النبي ص و تحضضان يوم أحد على رسول الله ص
-5 فس، ]تفسير القمي[ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ نزلت في حاطب بن أبي بلتعة و لفظ الآية عام و معناه خاص و كان سبب ذلك أن حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم و هاجر إلى المدينة و كان عياله بمكة و كانت قريش يخاف أن يغزوهم رسول الله ص فصاروا إلى عيال حاطب و سألوهم أن يكتبوا إلى حاطب يسألوه عن خبر محمد ص هل يريد أن يغزو مكة فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك فكتب إليهم حاطب أن رسول الله ص يريد ذلك و دفع الكتاب إلى امرأة تسمى صفية فوضعته في قرونها و مرت فنزل جبرئيل على رسول الله ص فأخبره بذلك فبعث رسول الله ص أمير المؤمنين ع و الزبير بن العوام في طلبها فلحقاها فقال أمير المؤمنين ع أين الكتاب فقالت ما معي شيء ففتشاها فلم يجدا معها شيئا فقال الزبير ما نرى معها شيئا فقال أمير المؤمنين ع و الله ما كذبنا رسول الله ص و لا كذب رسول الله ص على جبرئيل ع و لا كذب جبرئيل ع على الله جل ثناؤه و الله لتظهرن الكتاب أو لأوردن رأسك إلى رسول الله ص فقالت تنحيا حتى أخرجه فأخرجت الكتاب من قرونها فأخذه أمير المؤمنين ع و جاء به إلى رسول الله فقال رسول الله يا حاطب ما هذا فقال حاطب و الله يا رسول الله ما نافقت و لا غيرت و لا بدلت و إني أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله حقا و لكن أهلي و عيالي كتبوا إلي بحسن صنيع قريش إليهم فأحببت أن أجازي قريشا بحسن معاشرتهم فأنزل الله جل ثناؤه على رسول الله ص يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إلى قوله لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
أقول قد أوردنا نحوه بأسانيد في كتاب أحوال أمير المؤمنين ع في باب تنمره في ذات الله. روى في كشف الغمة عن الواحدي أنه ذكر في أسباب نزول القرآن نحوا من ذلك. و روى في الخرائج نحوه بأدنى تغيير فتركناها حذرا من زيادة التكرار
6- فس، ]تفسير القمي[ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ إلى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فإنها نزلت في يوم فتح مكة و ذلك أن رسول الله ص قعد في المسجد يبايع الرجال إلى صلاة الظهر و العصر ثم قعد لبيعة النساء و أخذ قدحا من ماء فأدخل يده فيه ثم قال للنساء من أراد أن تبايع فلتدخل يدها في القدح فإني لا أصافح النساء ثم قرأ عليهن ما أنزل الله من شروط البيعة عليهن فقال عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ فقامت أم حكيم بنت الحارث بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله ما هذا المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه فقال ألا تخمشن وجها و لا تلطمن خدا و لا تنتفن شعرا و لا تمزقن جيبا و لا تسودن ثوبا و لا تدعون بالويل و الثبور و لا تقمن عند قبر فبايعهن ص على هذه الشروط
-7 فس، ]تفسير القمي[ وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً فإنها نزلت يوم فتح مكة لما أراد رسول الله ص دخولها أنزل الله وَ قُلْ يا محمد رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أي معينا وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فارتجت مكة من قول أصحاب رسول الله ص جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً
8- فس، ]تفسير القمي[ وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً فإنها نزلت في عبد الله بن أبي أمية أخ أم سلمة رحمة الله عليها و ذلك أنه قال هذا لرسول الله ص بمكة قبل الهجرة فلما خرج رسول الله ص إلى فتح مكة استقبل عبد الله بن أبي أمية فسلم على رسول الله ص فلم يرد عليه السلام فأعرض عنه و لم يجبه بشيء و كانت أخته أم سلمة مع رسول الله ص فدخل إليها فقال يا أختي إن رسول الله ص قد قبل إسلام الناس كلهم و رد إسلامي فليس يقبلني كما قبل غيري فلما دخل رسول الله ص على أم سلمة قالت بأبي أنت و أمي يا رسول الله سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين قريش و العرب رددت إسلامه و قبلت إسلام الناس كلهم فقال رسول الله ص يا أم سلمة إن أخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني أحد من الناس هو الذي قال لي لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى قوله كِتاباً نَقْرَؤُهُ قالت أم سلمة بأبي أنت و أمي يا رسول الله أ لم تقل إن الإسلام يجب ما كان قبله قال نعم فقبل رسول الله ص إسلامه
بيان قال الجزري فيه الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها أي يقطعان و يمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصي و الذنوب
9- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر عن إسماعيل بن علي الدعبلي عن أبي علي بن علي عن أبيه علي بن رزين عن أبيه رزين بن عثمان عن أبيه عثمان بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن بديل بن ورقاء قال سمعت أبي بديل بن ورقاء الخزاعي يقول لما كان يوم الفتح وقفني العباس بين يدي رسول الله ص قال يا رسول الله هذا يوم قد شرفت فيه قوما فما بال خالك بديل بن ورقاء و هو قعيد حية قال النبي ص احسر عن حاجبيك يا بديل فحسرت عنهما و حدرت لثامي فرأى سوادا بعارضي فقال كم سنوك يا بديل فقلت سبع و تسعون يا رسول الله فتبسم النبي ص و قال زادك الله جمالا و سوادا و أمتعك و ولدك لكن رسول الله ص قد نيف على الستين و قد أسرع الشيب فيه اركب جملك هذا الأورق و ناد في الناس أنها أيام أكل و شرب و كنت جهيرا فرأيتني بين خيامهم و أنا أقول أنا رسول رسول الله ص يقول لكم إنها أيام أكل و شرب و هي لغة خزاعة يعني الاجتماع و من هاهنا قرأ أبو عمرو فشاربون شرب الهيم
بيان و هو قعيد حية أي قاعد في قبيلته يجالسهم و لا ينهض لأمر قال الجوهري القعيد المقاعد و الجراد الذي لم يستو جناحه بعد و قال قال الأصمعي الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد. قوله يعني الاجتماع لم أعرف لهذا الكلام معنى و لعله سقط قوله و بعال كما في سائر الروايات و الاجتماع تفسير له لكن قوله و من هاهنا قرأ يدل على أنه تفسير للشرب و لم أر الشرب بهذا المعنى و أما القراءة فلم أعثر إلا على قراءة شُرْبَ بالضم مصدرا و بالفتح جمع شارب ثم المشهور أن هذا النداء كان في حجة الوداع لا عام الفتح قال الجزري في حديث التشريق إنها أيام أكل و شرب و بعال البعال النكاح و ملاعبة الرجل أهله و المباعلة المباشرة
10- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن الصلت عن ابن عقدة عن عبد الملك الطحان عن هارون بن عيسى عن عبد الله بن إبراهيم عن الرضا عن آبائه عن علي ع أن رسول الله ص سافر إلى بدر في شهر رمضان و افتتح مكة في شهر رمضان
11- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن الصلت عن ابن عقدة عن الحسن بن القاسم عن ثبير بن إبراهيم عن سليمان بن بلال عن الرضا ع قال دخل رسول الله ص يوم فتح مكة و الأصنام حول الكعبة و كانت ثلاثمائة و ستين صنما فجعل يطعنها بمخصرة في يده و يقول جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ فجعلت تكب لوجهها
12- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ تفسير الثعلبي و القشيري و الواحدي و القزويني و معاني الزجاج و مسند الموصلي و أسباب نزول القرآن عن الواحدي أنه لما دخل النبي ص مكة يوم الفتح غلق عثمان بن أبي طلحة العبدي باب البيت و صعد السطح فطلب النبي ص المفتاح منه فقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فصعد علي بن أبي طالب ع السطح و لوى يده و أخذ المفتاح منه و فتح الباب فدخل النبي ص البيت فصلى فيه ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح فنزل إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فأمر النبي ص أن يرد المفتاح إلى عثمان و يعتذر إليه فقال له عثمان يا علي أكرهت و أديت ثم جئت برفق قال لقد أنزل الله عز و جل في شأنك و قرأ عليه الآية فأسلم عثمان فأقره النبي ص في يده
13- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن الأصفهاني عن المنقري عن حفص عن أبي عبد الله ع عن أبيه قال إن رسول الله ص يوم فتح مكة لم يسب لأهلها ذرية و قال من أغلق بابه و ألقى سلاحه أو دخل دار أبي سفيان فهو آمن الخبر
14- ف، ]تحف العقول[ عن أبي جعفر الثاني ع قال كانت مبايعة رسول الله ص النساء أن يغمس يده في إناء فيه ماء ثم يخرجها فتغمس النساء أيديهن في ذلك الإناء بالإقرار و الإيمان بالله و التصديق برسوله على ما أخذ عليهن
15- شا، ]الإرشاد[ يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن أبي بصير عن الصادق ع أنه كان في المسجد ثلاثمائة و ستون صنما و قال بعضها فيما يزعمون مشدود ببعضها بالرصاص فأخذ رسول الله ص كفا من حصى فرماها في عام الفتح ثم قال جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فما بقي فيها صنم إلا خر لوجهه فأمر بها فأخرجت من المسجد فطرحت فكسرت
-16 يج، ]الخرائج و الجرائح[ فلما دخل وقت الصلاة الظهر أمر رسول الله ص بلالا فصعد على الكعبة فقال عكرمة أكره أن أسمع صوت أبي رباح ينهق على الكعبة و حمد خالد بن أسيد أن أبا عتاب توفي و لم ير ذلك و قال أبو سفيان لا أقول شيئا لو نطقت لظننت أن هذه الجدر ستخبر به محمدا فبعث إليهم النبي ص فأتي بهم فقال عتاب نستغفر الله و نتوب إليه قد و الله يا رسول الله قلنا فأسلم و حسن إسلامه فولاه رسول الله ص مكة
17- يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن النبي ص خرج قاصدا مكة في عشرة آلاف من المسلمين فلم يشعر أهل مكة حتى نزل تحت العقبة و كان أبو سفيان و عكرمة بن أبي جهل خرجا إلى العقبة يتجسسان خبرا و نظرا إلى النيران فاستعظما فلما يعلما لمن النيران و كان العباس قد خرج من مكة مستقبلا إلى المدينة فرده رسول الله ص معه و الصحيح أنه منذ يوم بدر كان بالمدينة فلما نزل تحت العقبة ركب العباس بغلة رسول الله ص و صار إلى العقبة طمعا أن يجد من أهل مكة من ينذرهم إذ سمع كلام أبي سفيان يقول لعكرمة ما هذه النيران فقال العباس يا أبا سفيان نعم هذا رسول الله قال أبو سفيان ما ترى أن أصنع قال تركب خلفي فأصير بك إلى رسول الله ص فآخذ لك الأمان قال و تراه يؤمنني قال نعم فإنه إذا سألته شيئا لم يردني فركب أبو سفيان خلفه فانصرف عكرمة إلى مكة فصار إلى رسول الله ص فقال العباس هذا أبو سفيان صار معي إليك فتؤمنه بسببي فقال ص أسلم تسلم يا أبا سفيان فقال يا أبا القاسم ما أكرمك و أحلمك قال أسلم تسلم قال ما أكرمك و أحلمك قال أسلم تسلم فوكزه العباس و قال ويلك إن قالها الرابعة و لم تسلم قتلك فقال ص خذه يا عم إلى خيمتك و كانت قريبة فلما جلس في الخيمة ندم على مجيئه مع العباس و قال في نفسه من فعل بنفسه مثل ما فعلت أنا جئت فأعطيت بيدي و لو كنت انصرفت إلى مكة فجمعت الأحابيش و غيرهم فلعلي كنت أهزمه فناداه رسول الله من خيمته فقال إذا كان الله يخزيك فجاءه العباس فقال يريد أبو سفيان أن يجيئك يا رسول الله قال هاته فلما دخل قال أ لم يأن أن تسلم فقال له العباس قل و إلا فيقتلك قال أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فضحك ص فقال رده إلى عندك فقال العباس إن أبا سفيان يحب الشرف فشرفه فقال من دخل داره فهو آمن و من ألقى سلاحه فهو آمن فلما صلى بالناس الغداة فقال للعباس خذه إلى رأس العقبة فأقعده هناك ليراه الناس جنود الله و يراها فقال أبو سفيان ما أعظم ملك ابن أخيك قال العباس يا أبا سفيان هي نبوة قال نعم ثم قال رسول الله ص تقدم إلى مكة فأعلمهم بالأمان فلما دخلها قالت هند اقتلوا هذا الشيخ الضال فدخل النبي ص مكة و كان وقت الظهر فأمر بلالا فصعد على ظهر الكعبة فأذن فما بقي صنم بمكة إلا سقط على وجهه فلما سمع وجوه قريش الأذان قال بعضهم في نفسه الدخول في بطن الأرض خير من سماع هذا و قال آخر الحمد لله الذي لم يعش والدي إلى هذا اليوم فقال النبي ص يا فلان قد قلت في نفسك كذا و يا فلان قلت في نفسك كذا فقال أبو سفيان أنت تعلم أني لم أقل شيئا قال اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون
18- شا، ]الإرشاد[ من مناقب أمير المؤمنين ع أن النبي ص لما أراد فتح مكة سأل الله جل اسمه أن يعمي أخباره على قريش ليدخلها بغتة و كان ص قد بنى الأمر في مسيره إليها على الاستسرار بذلك فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله ص على فتحها و أعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة تستميح الناس و تستبرهم و جعل لها جعلا أن توصله إلى قوم سماهم لها من أهل مكة و أمرها أن تأخذ على غير الطريق فنزل الوحي على رسول الله ص بذلك فاستدعى أمير المؤمنين ع و قال له إن بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا و قد كنت سألت الله أن يعمي أخبارنا عليهم و الكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق فخذ سيفك و الحقها و انتزع الكتاب منها و خلها و صر به إلي ثم استدعى الزبير بن العوام و قال له امض مع علي بن أبي طالب في هذا الوجه فمضيا و أخذا على غير الطريق فأدركا المرأة فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرت و حلفت أنه لا شيء معها و بكت فقال الزبير ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا فارجع بنا إلى رسول الله ص نخبره ببراءة ساحتها فقال له أمير المؤمنين ع يخبرني رسول الله ص أن معها كتابا و يأمرني بأخذه منها و تقول أنت إنه لا كتاب معها ثم اخترط السيف و تقدم إليها فقال أما و الله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك ثم لأضربن عنقك فقالت إذا كان لا بد من ذلك فأعرض يا ابن أبي طالب بوجهك عني فأعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها و أخرجت الكتاب من عقيصتها فأخذه أمير المؤمنين و صار به إلى النبي ص فأمر أن ينادي الصلاة جامعة فنودي في الناس فاجتمعوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم ثم صعد النبي ص إلى المنبر و أخذ الكتاب بيده و قال أيها الناس إني كنت سألت الله عز و جل أن يخفي أخبارنا عن قريش و إن رجلا منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا فليقم صاحب الكتاب و إلا فضحه الوحي فلم يقم أحد فأعاد رسول الله ص مقالته ثانية و قال ليقم صاحب الكتاب و إلا فضحه الوحي فقام حاطب بن أبي بلتعة و هو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف فقال أنا يا رسول الله صاحب الكتاب و ما أحدثت نفاقا بعد إسلامي و لا شكا بعد يقيني فقال له النبي ص فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب قال يا رسول الله إن لي أهلا بمكة و ليس لي بها عشيرة فأشفقت أن تكون دائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا لهم عن أهلي و يدا لي عندهم و لم أفعل ذلك للشك في الدين فقام عمر بن الخطاب و قال يا رسول الله مرني بقتله فإنه منافق فقال رسول الله ص إنه من أهل بدر و لعل الله تعالى اطلع عليهم فغفر لهم أخرجوه من المسجد قال فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه و هو يلتفت إلى النبي ص ليرق عليه فأمر رسول الله ص برده و قال له قد عفوت عنك و عن جرمك فاستغفر ربك و لا تعد بمثل ما جنيت
19- شي، ]تفسير العياشي[ عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله ع قال كان الفتح في سنة ثمان و براءة في سنة تسع و حجة الوداع في سنة عشر
20- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ قال الإمام قال الحسن بن علي ع لما بعث الله محمدا ص بمكة و أظهر بها دعوته و نشر بها كلمته و عاب أعيانهم في عبادتهم الأصنام و أخذوه و أساءوا معاشرته و سعوا في خراب المساجد المبنية كانت للقوم من خيار أصحاب محمد و شيعة علي بن أبي طالب ع كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون فسعى هؤلاء المشركون في خرابها و أذى محمد و أصحابه و إلجائه إلى الخروج من مكة نحو المدينة التفت خلفه إليها و قال الله يعلم أنني أحبك و لو لا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا و لا ابتغيت عليك بدلا و إني لمغتم على مفارقتك فأوحى الله إليه يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و يقول سنردك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما قادرا قاهرا و ذلك قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ يعني إلى مكة غانما ظافرا فأخبر بذلك رسول الله ص أصحابه فاتصل بأهل مكة فسخروا منه فقال الله تعالى لرسوله سوف يظفرك الله بمكة و يجري عليهم حكمي و سوف أمنع عن دخولها المشركين حتى لا يدخلها أحد منهم إلا خائفا أو دخلها مستخفيا من أنه إن عثر عليه قتل فلما حتم قضاء الله بفتح مكة و استوسقت له أمر عليهم عتاب بن أسيد فلما اتصل بهم خبره قالوا إن محمدا لا يزال يستخف بنا حتى ولى علينا غلاما حدث السن ابن ثماني عشرة سنة و نحن مشايخ ذوي الأسنان و جيران حرم الله الأمن و خير بقعة على وجه الأرض و كتب رسول الله ص لعتاب بن أسيد عهدا على مكة و كتب في أوله من محمد رسول الله ص إلى جيران بيت الله الحرام و سكان حرم الله أما بعد فمن كان منكم بالله مؤمنا و بمحمد رسوله في أقواله مصدقا و في أفعاله مصوبا و لعلي أخي محمد رسوله و نبيه و صفيه و وصيه و خير خلق الله بعده مواليا فهو منا و إلينا و من كان لذلك أو لشيء منه مخالفا فَسُحْقاً و بعدا لِأَصْحابِ السَّعِيرِ لا يقبل الله شيئا من أعماله و إن عظم و كبر يصليه نار جهنم خالدا مخلدا أبدا و قد قلد محمد رسول الله عتاب بن أسيد أحكامكم و مصالحكم و قد فوض إليه تنبيه غافلكم و تعليم جاهلكم و تقويم أود مضطربكم و تأديب من زال عن أدب الله منكم لما علم من فضله عليكم من موالاة محمد رسول الله ص و من رجحانه في التعصب لعلي ولي الله فهو لنا خادم و في الله أخ و لأوليائنا موال و لأعدائنا معاد و هو لكم سماء ظليلة و أرض زكية و شمس مضيئة قد فضله الله على كافتكم بفضل موالاته و محبته لمحمد و علي و الطيبين من آلهما و حكمه عليكم يعمل بما يريد الله فلن يخليه من توفيقه كما أكمل من موالاة محمد و علي ع شرفه و حظه لا يؤامر رسول الله و لا يطالعه بل هو السديد الأمين فليطمع المطيع منكم بحسن معاملته شريف الجزاء و عظيم الحباء و ليتوقى المخالف له شديد العذاب و غضب الملك العزيز الغلاب و لا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه فليس الأكبر هو الأفضل بل الأفضل هو الأكبر و هو الأكبر في موالاتنا و موالاة أوليائنا و معاداة أعدائنا فلذلك جعلناه الأمير عليكم و الرئيس عليكم فمن أطاعه فمرحبا به و من خالفه فلا يبعد الله غيره قال فلما وصل إليهم عتاب و قرأ عهده و وقف فيهم موقفا ظاهرا نادى في جماعتهم حتى حضروه و قال لهم معاشر أهل مكة إن رسول الله ص رماني بكم
شهابا محرقا لمنافقكم و رحمة و بركة على مؤمنكم و إني أعلم الناس بكم و بمنافقكم و سوف آمركم بالصلاة فيقام بها ثم أتخلف أراعي الناس فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن على المؤمن و من وجدته قد بعد عنها فتشته فإن وجدت له عذرا عذرته و إن لم أجد له عذرا ضربت عنقه حكما من الله مقضيا على كافتكم لأطهر حرم الله من المنافقين أما بعد فإن الصدق أمانة و الفجور خيانة و لن تشيع الفاحشة في قوم إلا ضربهم الله بالذل قويكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه و ضعيفكم عندي قوي حتى آخذ الحق له اتقوا الله و شرفوا بطاعة الله أنفسكم و لا تذلوها بمخالفة ربكم ففعل و الله كما قال و عدل و أنصف و أنفذ الأحكام مهتديا بهدى الله غير محتاج إلى مؤامرة و لا مراجعة
21- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا قال لما كان يوم الفتح أخرج رسول الله ص أصناما من المسجد و كان منها صنم على المروة و طلبت إليه قريش أن يتركه و كان استحيا فهم بتركه ثم أمر بكسره فنزلت هذه الآية
22- عم، ]إعلام الورى[ كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان و ذلك أن رسول الله ص لما صالح قريشا عام الحديبية دخلت خزاعة في حلف النبي ص و عهده و دخلت كنانة في حلف قريش فلما مضت سنتان من القضية قعد رجل من كنانة يروي هجاء رسول الله فقال له رجل من خزاعة لا تذكر هذا قال و ما أنت و ذاك فقال لئن أعدت لأكسرن فاك فأعادها فرفع الخزاعي يده فضرب بها فاه فاستنصر الكناني قومه و الخزاعي قومه و كانت كنانة أكثر فضربوهم حتى أدخلوهم الحرم و قتلوا منهم و أعانهم قريش بالكراع و السلاح فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله فخبره الخبر و قال أبيات شعر منها
لا هم إني ناشد محمدا حلف أبينا و أبيه الأتلداإن قريشا أخلفوك الموعدا و نقضوا ميثاقك المؤكداو قتلونا ركعا و سجدا
. فقال رسول الله ص حسبك يا عمرو ثم قام فدخل دار ميمونة و قال اسكبوا لي ماء فجعل يغتسل و يقول لا نصرت إن لم أنصر بني كعب ثم أجمع رسول الله ص على المسير إلى مكة و قال اللهم خذ العيون عن قريش حتى نأتيها في بلادها فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش أن رسول الله خارج إليكم يوم كذا و كذا فخرجت و تركت الطريق ثم أخذت ذات اليسار في الحرة فنزل جبرئيل ع فأخبره فدعا عليا ع و الزبير فقال لهما أدركاها و خذا منها الكتاب فخرج علي و الزبير لا يلقيان أحدا حتى وردا ذا الحليفة و كان النبي ص وضع حرسا على المدينة و كان على الحرس حارثة بن النعمان فأتيا الحرس فسألاهم فقالوا ما مر بنا أحد ثم استقبلا حطابا فسألاه فقال رأيت امرأة سوداء انحدرت من الحرة فأدركاها فأخذ علي منها الكتاب و ردها إلى رسول الله ص قال فدعا حاطبا فقال له انظر ما صنعت قال أما و الله إني لمؤمن بالله و رسوله ما شككت و لكني رجل ليس لي بمكة عشيرة و لي بها أهل فأردت أن أتخذ عندهم يدا ليحفظوني فيهم فقال عمر بن الخطاب دعني يا رسول الله أضرب عنقه فو الله لقد نافق فقال ص إنه من أهل بدر و لعل الله اطلع عليهم فغفر لهم أخرجوه من المسجد فجعل الناس يدفعون في ظهره و هو يلتفت إلى رسول الله ص ليرق عليه فأمر ص برده و قال قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربك و لا تعدل لمثل ما جنيت فأنزل الله سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ إلى صدر السورة.
قال أبان و حدثني عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله ع قال لما انتهى الخبر إلى أبي سفيان و هو بالشام بما صنعت قريش بخزاعة أقبل حتى دخل على رسول الله ص فقال يا محمد احقن دم قومك و أجر بين قريش و زدنا في المدة قال أ غدرتم يا با سفيان قال لا قال فنحن على ما كنا عليه فخرج فلقي أبا بكر فقال يا أبا بكر أجر بين قريش قال ويحك و أحد يجير على رسول الله ص ثم لقي عمر فقال له مثل ذلك ثم خرج فدخل على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال يا بنية أ رغبة بهذا الفراش عني قالت نعم هذا فراش رسول الله ص ما كنت لتجلس عليه و أنت رجس مشرك ثم خرج فدخل على فاطمة ع فقال يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش و تزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس قالت جواري في جوار رسول الله قال فتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس قالت و الله ما يدري ابناي ما يجيران من قريش فخرج فلقي عليا ع فقال أنت أمس القوم بي رحما و قد اعتسرت علي الأمور فاجعل لي منها وجها قال أنت شيخ قريش تقوم على باب المسجد فتجير بين قريش ثم تقعد على راحلتك و تلحق بقومك قال و هل ترى ذلك نافعي قال لا أدري فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش ثم ركب بعيره و انطلق فقدم على قريش فقالوا ما وراك قال جئت محمدا فكلمته فو الله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا ثم جئت إلى ابن الخطاب فكان كذلك ثم دخلت على فاطمة فلم تجبني ثم لقيت عليا فأمرني أن أجير بين الناس ففعلت قالوا هل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ويحك لعب بك الرجل أو أنت تجير بين قريش. قال و خرج رسول الله ص يوم الجمعة حين صلى العصر لليلتين مضتا من شهر رمضان فاستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر و دعا رئيس كل قوم فأمره أن يأتي قومه فيستنفرهم
قال الباقر ع خرج رسول الله ص في غزوة الفتح فصام و صام الناس حتى نزل كراع الغميم فأمر بالإفطار فأفطر و أفطر الناس و صام قوم فسموا العصاة لأنهم صاموا ثم سار ع حتى نزل مر الظهران و معه نحو من عشرة آلاف رجل و نحو من أربعمائة فارس و قد عميت الأخبار عن قريش فخرج في تلك الليلة أبو سفيان و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء هل يسمعون خبرا و قد كان العباس بن عبد المطلب خرج يتلقى رسول الله ص و معه أبو سفيان بن الحارث و عبد الله بن أبي أمية و قد تلقاه بثنية العقاب. و رسول الله ص في قبته و على حرسه يومئذ زياد بن أسيد فاستقبلهم زياد فقال أما أنت يا أبا الفضل فامض إلى القبلة و أما أنتما فارجعا فمضى العباس حتى دخل على رسول الله ص فسلم عليه و قال بأبي أنت و أمي هذا ابن عمك قد جاء تائبا و ابن عمتك قال لا حاجة لي فيهما إن ابن عمي انتهك عرضي و أما ابن عمتي فهو الذي يقول بمكة لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً فلما خرج العباس كلمته أم سلمة و قالت بأبي أنت و أمي ابن عمك قد جاء تائبا لا يكون أشقى الناس بك و أخي ابن عمتك و صهرك فلا يكونن شقيا بك و نادى أبو سفيان بن الحارث النبي ص كن لنا كما قال العبد الصالح لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ فدعاه و قبل منه و دعا عبد الله بن أبي أمية فقبل منه. و قال العباس هو و الله هلاك قريش إلى آخر الدهر إن دخلها رسول الله ص عنوة قال فركبت بغلة رسول الله ص البيضاء و خرجت أطلب الحطابة أو صاحب لبن لعلي آمره أن يأتي قريشا فيركبون إلى رسول الله ص يستأمنون إليه إذ لقيت أبا سفيان و بديل بن ورقاء و حكيم بن حزام و أبو سفيان يقول لبديل ما هذه النيران قال هذه خزاعة قال خزاعة أقل و أقل من أن تكون هذه نيرانهم و لكن لعل هذه تميم أو ربيعة قال العباس فعرفت صوت أبي سفيان فقلت أبا حنظلة قال لبيك فمن أنت قلت أنا العباس قال فما هذه النيران فداك أبي و أمي قلت هذا رسول الله في عشرة آلاف من المسلمين قال فما الحيلة قال تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله ص قال فأردفته خلفي ثم جئت به فكلما انتهيت إلى نار قاموا إلي فإذا رأوني قالوا هذا عم رسول الله ص خلوا سبيله حتى انتهيت إلى باب عمر فعرف أبا سفيان فقال عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك فركضت البغلة حتى اجتمعنا على باب القبة و دخل على رسول الله ص فقال هذا أبو سفيان قد أمكنك الله منه بغير عهد و لا عقد فدعني أضرب عنقه قال العباس فجلست عند رأس رسول الله ص فقلت بأبي أنت و أمي أبو سفيان و قد أجرته قال أدخله فدخل فقام بين يديه فقال ويحك يا با سفيان أ ما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله قال بأبي أنت و أمي ما أكرمك و أوصلك و أحلمك أما الله لو كان معه إله لأغنى يوم بدر و يوم أحد و أما أنك رسول الله فو الله إن في نفسي منها لشيئا قال العباس يضرب و الله عنقك الساعة أو تشهد أن لا إله إلا الله و أنه رسول الله قال
فإني أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله تلجلج بها فوه فقال أبو سفيان للعباس فما نصنع باللات و العزى فقال له عمر اسلح عليهما قال أبو سفيان أف لك ما أفحشك ما يدخلك يا عمر في كلامي و كلام ابن عمي فقال له رسول الله عند من تكون الليلة قال عند أبي الفضل قال فاذهب به يا أبا الفضل فأبته عندك الليلة و اغد به علي فلما أصبح سمع بلالا يؤذن قال ما هذا المنادي يا أبا الفضل قال هذا مؤذن رسول الله قم فتوضأ و صل قال كيف أتوضأ فعلمه قال و نظر أبو سفيان إلى النبي ص و هو يتوضأ و أيدي المسلمين تحت شعره فليس قطرة يصيب رجلا منهم إلا مسح بها وجهه فقال بالله إن رأيت كاليوم قط كسرى و لا قيصر فلما صلى غدا به إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله إني أحب أن تأذن لي إلى قومك فأنذرهم و أدعوهم إلى الله و رسوله فأذن له فقال للعباس كيف أقول لهم بين لي من ذلك أمرا يطمئنون إليه فقال ص تقول لهم من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له و شهد أن محمدا رسول الله و كف يده فهو آمن و من جلس عند الكعبة و وضح سلاحه فهو آمن فقال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فلو خصصته بمعروف فقال ص من دخل دار أبي سفيان فهو آمن قال أبو سفيان داري قال دارك ثم قال و من أغلق بابه فهو آمن. و لما مضى أبو سفيان قال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل من شأنه الغدر و قد رأى من المسلمين تفرقا قال فأدركه و احبسه في مضايق الوادي حتى يمر به جنود الله قال فلحقه العباس فقال أبا حنظلة قال أ غدرا يا بني هاشم قال ستعلم أن الغدر ليس من شأننا و لكن أصبح حتى تنظر إلى جنود الله قال العباس فمر خالد بن الوليد فقال أبو سفيان هذا رسول الله قال لا و لكن هذا خالد بن الوليد في المقدمة ثم مر الزبير في جهينة و أشجع فقال أبو سفيان يا عباس هذا محمد قال لا هذا الزبير فجعلت الجنود تمر به حتى مر رسول الله ص في الأنصار ثم انتهى إليه سعد بن عبادة بيده راية رسول الله ص فقال يا با حنظلة
اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة.
يا معشر الأوس و الخزرج ثاركم يوم الجبل فلما سمعها من سعد خلى العباس و سعى إلى رسول الله ص و زاحم حتى مر تحت الرماح فأخذ غرزه فقبلها ثم قال بأبي أنت و أمي أ ما تسمع ما يقول سعد و ذكر ذلك القول فقال ص ليس مما قال سعد شيء. ثم قال لعلي ع أدرك سعدا فخذ الراية منه و أدخلها إدخالا رفيقا فأخذها علي و أدخلها كما أمر. قال و أسلم يومئذ حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء و جبير بن مطعم و أقبل أبو سفيان يركض حتى دخل مكة و قد سطح الغبار من فوق الجبال و قريش لا تعلم و أقبل أبو سفيان من أسفل الوادي يركض فاستقبله قريش و قالوا ما وراك و ما هذا الغبار قال محمد في خلق ثم صاح يا آل غالب البيوت البيوت من دخل داري فهو آمن فعرفت هند فأخذت تطردهم ثم قالت اقتلوا الشيخ الخبيث لعنه الله من وافد قوم و طليعة قوم قال ويلك إني رأيت ذات القرون و رأيت فارس أبناء الكرام و رأيت ملوك كندة و فتيان حمير يسلمن آخر النهار ويلك اسكتي فقد و الله جاء الحق و دنت البلية. قال و كان قد عهد رسول الله ص إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكة إلا من قاتلهم سوى نفر كانوا يؤذون النبي ص منهم مقيس بن صبابة و عبد الله بن سعد بن أبي سرح و عبد الله بن خطل و قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله ص و قال اقتلوهم و إن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فأدرك ابن خطل و هو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث و عمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا فقتله و قتل مقيس بن صبابة في السوق و قتل علي ع إحدى القينتين و أفلتت الأخرى و قتل ع أيضا الحويرث بن نفيل بن كعب و بلغه أن أم هانئ بنت أبي طالب قد آوت ناسا من بني مخزوم منهم الحارث بن هشام و قيس بن السائب فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فنادى أخرجوا من آويتم فجعلوا يذرقون كما يذرق الحباري خوفا منه فخرجت إليه أم هانئ و هي لا تعرفه فقالت يا عبد الله أنا أم هانئ بنت عم رسول الله و أخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال علي أخرجوهم فقالت و الله لأشكونك إلى رسول الله فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته فقالت فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله ص فقال لها فاذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي قالت أم هانئ فجئت إلى النبي ص و هو في قبة يغتسل و فاطمة ع يستره فلما سمع رسول الله ص كلامي قال مرحبا بك يا أم هانئ قلت بأبي و أمي ما لقيت من علي اليوم فقال ص قد أجرت من أجرت فقالت فاطمة إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليا في أنه أخاف أعداء الله و أعداء رسوله فقلت احتمليني فديتك فقال رسول الله ص قد شكر الله تعالى سعيه و أجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب.
قال أبان و حدثني بشير النبال عن أبي عبد الله ع قال لما كان فتح مكة قال رسول الله ص عند من المفتاح قالوا عند أم شيبة فدعا شيبة فقال اذهب إلى أمك فقل لها ترسل بالمفتاح فقالت قل له قتلت مقاتلنا و تريد أن تأخذ منا مكرمتنا فقال لترسلن به أو لأقتلنك فوضعته في يد الغلام فأخذه و دعا فقال له هذا تأويل رؤياي من قبل. ثم قام ص ففتحه و ستره فمن يومئذ يستر ثم دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح و قال رده إلى أمك قال و دخل صناديد قريش الكعبة و هم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم فأتى رسول الله ص البيت و أخذ بعضادتي الباب ثم قال لا إله إلا الله أنجز وعده و نصر عبده و غلب الأحزاب وحده ثم قال ما تظنون و ما أنتم قائلون فقال سهيل بن عمرو نقول خيرا و نظن خيرا أخ كريم و ابن عم قال فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ألا إن كل دم و مال و مأثرة كان في الجاهلية فإنه موضوع تحت قدمي إلا سدانة الكعبة و سقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ألا إن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لأحد كان قبلي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة لا يختلى خلاها و لا يقطع شجرها و لا ينفر صيدها و لا تحل لقطتها إلا لمنشد ثم قال ألا لبئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم و طردتم و أخرجتم و فللتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم كأنما أنشروا من القبور و دخلوا في الإسلام. قال و دخل رسول الله ص مكة بغير إحرام و عليهم السلاح و دخل البيت لم يدخله في حج و لا عمرة و دخل وقت الظهر فأمر بلالا فصعد على الكعبة و أذن فقال عكرمة و الله إن كنت لأكره أن أسمع صوت ابن رياح ينهق على الكعبة و قال خالد بن أسيد الحمد لله الذي أكرم أبا عتاب من هذا اليوم أن يرى ابن رياح قائما على الكعبة قال سهيل هي كعبة الله و هو يرى و لو شاء لغير قال و كان أقصدهم و قال أبو سفيان أما أنا فلا أقول شيئا و الله لو نطقت لظننت أن هذه الجدر تخبر به محمدا و بعث ص إليهم فأخبرهم بما قالوا فقال عتاب قد و الله قلنا يا رسول الله ذلك فنستغفر الله و نتوب إليه فأسلم و حسن إسلامه و ولاه رسول الله ص مكة قال و كان فتح مكة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان و استشهد من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا في أسفل مكة و أخطئوا الطريق فقتلوا.
أقول ذكر المفيد رحمه الله في الإرشاد أكثر تلك القصص بأدنى تغيير تركناها حذرا من التكرار. بيان إلى صدر السورة أي إلى آخر الآيات من أول السورة و الصدر أيضا الطائفة من الشيء و لكن أصبح أي أصبر حتى يتنور الصبح و الإصباح الدخول في الصباح و يطلق على الإسفار قال الراغب الصباح أول النهار و هو وقت ما احمر الأفق بحاجب الشمس قوله ثاركم يوم الجبل أي اطلبوا دماءكم التي أريقت يوم أحد و الغرز بالفتح ركاب من جلد و الذرق بالذال و الزاي بمعنى و الحبارى معروف بالحمق و الجبن و في المصباح احتملت ما كان منه بمعنى العفو و الإغضاء و الفل الكسر و الضرب و فل الجيش هزمه فقال عتاب أي معتذرا عن أخيه و يحتمل أن يكون هو أيضا قال شيئا
-23 كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن البزنطي عن أبان عن أبي عبد الله ع قال لما فتح رسول الله ص مكة بايع الرجال ثم جاءه النساء يبايعنه فأنزل الله عز و جل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فقالت هند أما الولد فقد ربينا صغارا و قتلتهم كبارا و قالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام و كانت عند عكرمة بن أبي جهل يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه فقال لا تلطمن خدا و لا تخمشن وجها و لا تنتفن شعرا و لا تشققن جيبا و لا تسودن ثوبا و لا تدعين بويل فبايعهن رسول الله ص على هذا فقالت يا رسول الله كيف نبايعك قال إنني لا أصافح النساء فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة
كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع مثله
24- كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم قال قال أبو عبد الله ع أ تدري كيف بايع رسول الله ص النساء قلت الله أعلم و ابن رسوله أعلم قال جمعهن حوله ثم دعا بتور برام فصب فيه نضوحا ثم غمس يده فيه ثم قال اسمعن يا هؤلاء أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا و لا تسرقن و لا تزنين و لا تقتلن أولادكن و لا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن و أرجلكن و لا تعصين بعولتكن في معروف أقررتن قلن نعم فأخرج يده من التور ثم قال لهن اغمسن أيديكن ففعلن فكانت يد رسول الله ص الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم
بيان التور إناء من صفر أو حجارة كالإجانة ذكره الجزري و قال البرمة القدر مطلقا و جمعها برام و هي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز و اليمن و قال النضوح بالفتح ضرب من الطيب
25- كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن وهب قال لما كان يوم فتح مكة ضربت على رسول الله ص خيمة سوداء من شعر بالأبطح ثم أفاض عليه الماء من جفنة يرى فيها أثر العجين ثم تحرى القبلة ضحى فركع ثماني ركعات لم يركعها رسول الله ص قبل ذلك و لا بعد
26- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله ع قال لما قدم رسول الله ص مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست ثم أخذ بعضادتي الباب فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ما ذا تقولون و ما ذا تظنون قالوا نظن خيرا و نقول خيرا أخ كريم و ابن أخ كريم و قد قدرت قال فإني أقول كما قال أخي يوسف لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لا ينفر صيدها و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها و لا تحل لقطتها إلا لمنشد فقال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه للقبر و البيوت فقال رسول الله ص إلا الإذخر
بيان الطموس الدروس و الانمحاء و عضادتا الباب هما خشبتاه من جانبيه و التثريب التعيير و العضد القطع و الخلى مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا و اختلاؤه قطعه و إنشاد الضالة تعريفها
27- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال قال رسول الله ص يوم فتح مكة إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض و هي حرام إلى أن تقوم الساعة لا تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار
28- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه و القاساني جميعا عن الأصفهاني عن المنقري عن فضيل بن عياض عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال إن رسول الله ص يوم فتح مكة لم يسب لهم ذرية و قال من أغلق بابه فهو آمن و من ألقى سلاحه فهو آمن
29- يب، ]تهذيب الأحكام[ الطاطري عن محمد بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة فإن رسول الله ص لم يدخلها في حج و لا عمرة و لكن دخلها في فتح مكة فصلى فيها ركعتين بين العمودين و معه أسامة
30- فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ أبو القاسم العلوي معنعنا عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ قال قدمت سارة مولاة بني هاشم إلى المدينة فأتت رسول الله ص و من معه من بني عبد المطلب فقالت إني مولاتكم و قد أصابني جهد و أتيتكم أتعرض لمعروفكم فكسيت و حملت و جهزت و عمدت حاطب بن أبي بلتعة أخا بني أسد بن عبد العزى فكتب معها كتابا لأهل مكة بأن رسول الله ص قد أمر الناس أن يجهزوا و عرف حاطب أن رسول الله ص يريد أهل مكة فكتب إليهم يحذرهم و جعل لسارة جعلا على أن تكتم عليه و تبلغ رسالته ففعلت فنزل جبرئيل ع على نبي الله ص فأخبره فبعث رسول الله ص رجلين من أصحابه في أثرها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و زبير بن العوام و أخبرهما خبر الصحيفة فقال إن أعطتكم الصحيفة فخلوا سبيلها و إلا فاضربوا عنقها فلحقا سارة فقالا أين الصحيفة التي كتبت معك يا عدوة الله فحلفت بالله ما معي كتاب ففتشاها فلم يجدا معها شيئا فهما بتركها ثم قال أحدهما و الله ما كذبنا و لا كذبنا فسل سيفه فقال أحلف بالله لا أغمده حتى تخرجين الكتاب أو يقع في رأسك فزعموا أنه علي بن أبي طالب قالت فلله عليكما الميثاق إن أعطكما الكتاب لا تقتلاني و لا تصلباني و لا ترداني إلى المدينة قالا نعم فأخرجته من شعرها فخليا سبيلها ثم رجعا إلى النبي ص فأعطياه الصحيفة فإذا فيها من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة إن محمدا قد نفر فإني لا أدري إياكم أراد أو غيركم فعليكم بالحذر فأرسل رسول الله ص إليه فأتاه فقال تعرف هذا الكتاب يا حاطب قال نعم قال فما حملك عليه فقال أما و الذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ آمنت و لا أجبتهم منذ فارقتهم و لكن لم يكن أحد من أصحابك إلا و لهم بمكة عشيرة غيري فأحببت أن أتخذ عندهم يدا و قد علمت أن الله منزل بهم بأسه و نقمته و إن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله ص و عذره فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ
31- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر ع قال صعد رسول الله ص المنبر يوم فتح مكة فقال أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية و تفاخرها بآبائها ألا إنكم من آدم و آدم من طين ألا إن خير عباد الله عبد اتقاه إن العربية ليست بأب والد و لكنها لسان ناطق فمن قصر به عمله لم يبلغ حسبه ألا إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة و الإحنة الشحناء فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة
-32 ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر ع قال لما كان يوم فتح مكة قام رسول الله ص في الناس خطيبا فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب إن الله تبارك و تعالى قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية و التفاخر بآبائها و عشائرها أيها الناس إنكم من آدم و آدم من طين ألا و إن خيركم عند الله و أكرمكم عليه اليوم أتقاكم و أطوعكم له ألا و إن العربية ليست بأب والد و لكنها لسان ناطق فمن طعن بينكم و علم أنه يبلغه رضوان الله حسبه ألا و إن كل دم أو مظلمة أو إحنة كانت في الجاهلية فهي مطل تحت قدمي إلى يوم القيامة
33- كا، ]الكافي[ محمد بن الحسن عن بعض أصحابنا عن علي بن الحكم عن الحكم بن مسكين عن رجل من قريش من أهل مكة عن الصادق ع قال خطب رسول الله في مسجد الخيف نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها و بلغها من لم يبلغه يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب فرب حامل فقه ليس بفقيه و رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله و النصيحة لأئمة المسلمين و اللزوم لجماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم و هم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم
-34 كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن أبان عن الثمالي قال قلت لعلي بن الحسين ع إن عليا ع سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله ص في أهل الشرك قال فغضب ثم جلس ثم قال سار و الله فيهم بسيرة رسول الله ص يوم الفتح إن عليا ع كتب إلى مالك و هو على مقدمته يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل و لا يقتل مدبرا و لا يجهز على جريح و من أغلق بابه فهو آمن