الآيات وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً تفسير قال الطبرسي رحمه الله قيل بعث رسول الله ص سرية إلى حي من كنانة فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء فتأخر رجوعهم فقال المنافقون قتلوا جميعا فأخبر الله تعالى عنها بقوله وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً عن مقاتل و قيل نزلت السورة لما بعث النبي ص عليا إلى ذات السلاسل فأوقع بهم و ذلك بعد أن بعث إليهم مرارا غيره من الصحابة فرجع كل منهم إلى رسول الله ص و هو المروي عن أبي عبد الله ع في حديث طويل قال و سميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم و قتل و سبى و شد أساراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل و لما نزلت السورة خرج رسول الله ص إلى الناس فصلى بهم الغداة و قرأ فيها وَ الْعادِياتِ فلما فرغ من صلاته قال أصحابه هذه السورة لم نعرفها فقال رسول الله ص نعم إن عليا قد ظفر بأعداء الله و بشرني بذلك جبرئيل ع في هذه الليلة فقدم علي ع بعد أيام بالأسارى و الغنائم وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً قيل هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل الله عن ابن عباس و أكثر المفسرين قالوا أقسم بالخيل العادية لغزو الكفار و هي تضبح ضبحا و ضبحها صوت أجوافها إذا عدت ليس بصهيل و لا حمحمة و لكنه صوت نفس و قيل هي الإبل حين ذهبت إلى غزوة بدر تمد أعناقها في السير فهي تضبح أي تضبع و هي أن يمد ضبعه في السير حتى لا يجد مزيدا روي ذلك عن علي ع و ابن مسعود و روي أيضا أنها إبل الحاج تعدو من عرفة إلى المزدلفة و من المزدلفة إلى منى فَالْمُورِياتِ قَدْحاً هي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة و الأرض المخصبة و قال مقاتل يقدحن بحوافرهن النار في الحجارة قال ابن عباس يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزناد إذا قدح و قال مجاهد يريد مكر الرجال في الحروب تقول العرب إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه أما و الله لأورين لك بزند وار و لأقدحن لك و قيل هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما يتكلم به فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً يريد الخيل تغير بفرسانها على العدو وقت الصبح و إنما ذكر الصبح لأنهم كانوا يسيرون إلى العدو ليلا فيأتونهم صبحا و قيل يريد الإبل ترفع ركبانها يوم النحر من جمع إلى منى و السنة أن لا ترفع بركبانها حتى تصبح و الإغارة سرعة السير فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً يقال ثار الغبار أو الدخان و أثرته أي هيجته و الهاء في به عائد إلى معلوم يعني بالمكان أو بالوادي فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً أي صرن بعدوهن أو بذلك المكان وسط جمع العدو و قيل يريد جمع منى
1- نوادر الراوندي، بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال إن رسول الله ص بعث مع علي ع ثلاثين فرسا في غزوة ذات السلاسل و قال أتلو عليك آية في نفقة الخيل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً هي النفقة على الخيل سرا و علانية
2- فس، ]تفسير القمي[ وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً حدثنا جعفر بن أحمد عن عبيد بن موسى عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قوله وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً قال هذه السورة نزلت في أهل وادي يابس قال قلت و ما كان حالهم و قصتهم قال إن أهل وادي يابس اجتمعوا اثني عشر ألف فارس و تعاقدوا و تعاهدوا و تواثقوا أن لا يتخلف رجل عن رجل و لا يخذل أحد أحدا و لا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم على خلق واحد و يقتلوا محمدا ص و علي بن أبي طالب ع فنزل جبرئيل ع على محمد ص فأخبره بقصتهم و ما تعاقدوا عليه و توافقوا و أمره أن يبعث أبا بكر إليهم في أربعة آلاف فارس من المهاجرين و الأنصار فصعد رسول الله ص المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا معشر المهاجرين و الأنصار إن جبرئيل أخبرني أن أهل وادي اليابس اثني عشر ألفا قد استعدوا و تعاهدوا و تعاقدوا أن لا يغدر رجل بصاحبه و لا يفر عنه و لا يخذله حتى يقتلوني و أخي علي بن أبي طالب و أمرني أن أسير إليهم أبا بكر في أربعة آلاف فارس فخذوا في أمركم و استعدوا لعدوكم و انهضوا إليهم على اسم الله و بركته يوم الاثنين إن شاء الله فأخذ المسلمون عدتهم و تهيئوا و أمر رسول الله ص أبا بكر بأمره و كان فيما أمره به أن إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام فإن تابعوا و إلا واقعهم فقتل مقاتليهم و سبى ذراريهم و استباح أموالهم و خرب ضياعهم و ديارهم فمضى أبو بكر و من معه من المهاجرين و الأنصار في أحسن عدة و أحسن هيئة يسير بهم سيرا رفيقا حتى انتهوا إلى أهل وادي اليابس فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم و نزل أبو بكر و أصحابه قريبا منهم خرج إليهم من أهل وادي اليابس مائتا رجل مدججين بالسلاح فلما صادفوهم قالوا لهم من أنتم و من أين أقبلتم و أين تريدون ليخرج إلينا صاحبكم حتى نكلمه فخرج إليهم أبو بكر في نفر من أصحابه المسلمين فقال لهم أنا أبو بكر صاحب رسول الله ص قالوا ما أقدمك علينا قال أمرني رسول الله ص أن أعرض عليكم الإسلام و أن تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون و لكم ما لهم و عليكم ما عليهم و إلا فالحرب بيننا و بينكم قالوا له أما و اللات و العزى لو لا رحم ماسة و قرابة قريبة لقتلناك و جميع أصحابك قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم فارجع أنت و من معك و ارتجوا العافية فإنا إنما نريد صاحبكم بعينه و أخاه علي بن أبي طالب فقال أبو بكر لأصحابه يا قوم القوم أكثر منكم أضعافا و أعد منكم و قد نأت داركم عن إخوانكم من المسلمين فارجعوا نعلم رسول الله ص بحال القوم فقالوا له جميعا خالفت يا أبا بكر رسول الله و ما أمرك به فاتق الله و واقع القوم و لا تخالف قول رسول الله ص فقال إني أعلم ما لا تعلمون الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فانصرف و انصرف الناس أجمعون فأخبر النبي ص بمقالة القوم له و ما رد عليهم أبو بكر فقال ص يا با بكر خالفت أمري و لم تفعل ما أمرتك به و كنت لي و الله عاصيا فيما أمرتك فقام النبي ص و صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا معشر المسلمين إني أمرت أبا بكر أن يسير إلى أهل وادي اليابس و أن يعرض عليهم الإسلام و يدعوهم إلى الله فإن أجابوا و إلا واقعهم فإنه سار إليهم و خرج منهم إليه مائتا رجل فإذا سمع كلامهم و ما استقبلوه به انتفخ صدره و دخله الرعب منهم و ترك قولي و لم يطع أمري و إن جبرئيل ع أمرني عن الله أن أبعث إليهم عمر مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس فسر يا عمر على اسم الله و لا تعمل كما عمل أبو بكر أخوك فإنه قد عصى الله و عصاني و أمره بما أمر به أبا بكر فخرج عمر و المهاجرون و الأنصار الذين كانوا مع أبي بكر يقتصد بهم في سيرهم حتى شارف القوم و كان قريبا منهم حيث يراهم و يرونه و خرج إليهم مائتا رجل فقالوا له و لأصحابه مثل مقالتهم لأبي بكر فانصرف و انصرف الناس معه و كاد
أن يطير قلبه مما رأى من عدة القوم و جمعهم و رجع يهرب منهم فنزل جبرئيل ع فأخبر محمدا بما صنع عمر و أنه قد انصرف و انصرف المسلمون معه فصعد النبي ص المنبر فحمد الله و أثنى عليه و أخبرهم بما صنع عمر و ما كان منه و أنه قد انصرف و انصرف المسلمون معه مخالفا لأمري عاصيا لقولي فقدم عليه فأخبره بمقالة ما أخبره به صاحبه فقال له يا عمر عصيت الله في عرشه و عصيتني و خالفت قولي و عملت برأيك لأقبح الله رأيك و إن جبرئيل ع قد أمرني أن أبعث علي بن أبي طالب في هؤلاء المسلمين فأخبرني أن الله يفتح عليه و على أصحابه فدعا عليا و أوصاه بما أوصى به أبا بكر و عمر و أصحابه الأربعة آلاف و أخبره أن الله سيفتح عليه و على أصحابه فخرج علي و معه المهاجرون و الأنصار فسار بهم سيرا غير سير أبي بكر و عمر و ذلك أنه أعنف بهم في السير حتى خافوا أن ينقطعوا من التعب و تحفى دوابهم فقال لهم لا تخافوا فإن رسول الله ص قد أمرني بأمر و أخبرني أن الله سيفتح علي و عليكم فأبشروا فإنكم على خير و إلى خير فطابت نفوسهم و قلوبهم و ساروا على ذلك السير التعب حتى إذا كانوا قريبا منهم حيث يرونه و يراهم أمر أصحابه أن ينزلوا و سمع أهل وادي اليابس بمقدم علي بن أبي طالب و أصحابه فخرجوا إليه منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح فلما رآهم علي ع خرج إليهم في نفر من أصحابه فقالوا لهم من أنتم و من أين أنتم و من أين أقبلتم و أين تريدون قال أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله ص و أخوه و رسوله إليكم أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم من خير و شر فقالوا له إياك أردنا و أنت طلبتنا قد سمعنا مقالتك فاستعد للحرب العوان و اعلم أنا قاتليك و قاتلي أصحابك و الموعود فيما بيننا و بينك غدا ضحوة و قد أعذرنا فيما بيننا و بينك فقال لهم علي ع ويلكم تهددوني بكثرتكم و جمعكم فأنا أستعين بالله و ملائكته و المسلمين عليكم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم فانصرفوا إلى مراكزهم و انصرف علي ع إلى مركزه فلما جنه الليل أمر أصحابه أن يحسنوا إلى دوابهم و يقضموا و يسرجوا فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس ثم غار عليهم بأصحابه فلم يعلموا حتى وطئتهم الخيل فما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم و سبى ذراريهم و استباح أموالهم و خرب ديارهم و أقبل بالأسارى و الأموال معه و نزل جبرئيل فأخبر رسول الله ص بما فتح الله على علي ع و جماعة المسلمين فصعد المنبر فحمد الله
و أثنى عليه و أخبر الناس بما فتح الله على المسلمين و أعلمهم أنه لم يصب منهم إلا رجلان و نزل فخرج يستقبل عليا في جميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على أميال من المدينة فلما رآه علي مقبلا نزل عن دابته و نزل النبي ص حتى التزمه و قبل ما بين عينيه فنزل جماعة المسلمين إلى علي ع حيث نزل رسول الله و أقبل بالغنيمة و الأسارى و ما رزقهم الله من أهل وادي اليابس ثم قال جعفر بن محمد ع ما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن تكون خيبرا فإنها مثل خيبر فأنزل الله تبارك و تعالى في ذلك اليوم وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً يعني بالعاديات الخيل تعدو بالرجال و الضبح ضبحها في أعنتها و لجمها فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فقد أخبرك أنها غارت عليهم صبحا قلت قوله فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً قال يعني الخيل يأثرن بالوادي نقعا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قلت قوله إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ قال لكفور وَ إِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ قال يعنيهما جميعا قد شهدا جميعا وادي اليابس و كانا لحب الحياة حريصين قلت قوله أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ قال نزلت الآيتان فيهما خاصة كانا يضمران ضمير السوء و يعملان به فأخبر الله خبرهما و فعالهما فهذه قصة أهل وادي اليابس و تفسير العاديات ثم قال علي بن إبراهيم في قوله وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً أي عدوا عليهم في الضبح ضباح الكلاب صوتها فَالْمُورِياتِ قَدْحاً كانت بلادهم فيها حجارة فإذا وطئها سنابك الخيل كان ينقدح منها النار فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً أي صبحهم بالغارة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً قال ثارت الغبرة من ركض الخيل فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال توسط المشركين بجمعهم إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أي كفور و هم الذين أمروا و أشاروا على أمير المؤمنين ع أن يدع الطريق مما حسدوه و كان علي ع أخذ بهم على غير الطريق الذي أخذ فيه أبو بكر و عمر فعلموا أنه يظفر بالقوم فقال عمرو بن العاص لأبي بكر إن عليا غلام حدث لا علم له بالطريق و هذا طريق مسبع لا نأمن فيه من السباع فمشوا إليه فقالوا يا أبا الحسن هذا الطريق الذي أخذت فيه طريق مسبع فلو رجعت إلى الطريق فقال لهم أمير المؤمنين ع الزموا رحالكم و كفوا عما لا يعنيكم و اسمعوا و أطيعوا فإني أعلم بما أصنع فسكتوا وَ إِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ أي على العداوة وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ يعني حب الحياة حيث خافوا السباع على أنفسهم فقال الله أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي يجمع و يظهر إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ
فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ عبد الله بن بحر بن طيفور بإسناده عن جعفر بن محمد ع مثله إلى قوله ثم قال علي بن إبراهيم
بيان رجل مدجج و مدجج أي شاك في السلاح و حفي من كثرة المشي أي رقت قدمه أو حافره و العوان من الحروب التي قوتل فيها مرة كأنهم جعلوا الأولى بكرا و أقضم القوم امتاروا شيئا في القحط و في بعض لغة الفرس القضم خوردن اسب جو را. قوله ع يعنيهما أي مصداق الإنسان في هذه الآية أبو بكر و عمر. قال البيضاوي لَكَنُودٌ لكفور من كند النعمة كنودا أو لعاص بلغة كندة أو لبخيل بلغة بني مالك و هو جواب القسم وَ إِنَّهُ عَلى ذلِكَ و إن الإنسان على كنوده لَشَهِيدٌ يشهد على نفسه لظهور أثره عليه أو إن الله على كنوده لشهيد فيكون وعيدا وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ المال لَشَدِيدٌ لبخيل أو لقوي مبالغ فيه قوله بُعْثِرَ أي بعث و حُصِّلَ جمع محصلا في الصحف أو ميز
3- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ قال شيخ الطائفة قرئ على أبي القاسم بن شبل و أنا أسمع حدثنا ظفر بن حمدون بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري عن محمد بن ثابت و أبي المغراء العجلي قالا حدثنا الحلبي قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً قال وجه رسول الله ص عمر بن الخطاب في سرية فرجع منهزما يجبن أصحابه و يجبنونه أصحابه فلما انتهى إلى النبي ص قال لعلي أنت صاحب القوم فتهيأ أنت و من تريد من فرسان المهاجرين و الأنصار و سر الليل و لا يفارقك العين قال فانتهى علي إلى ما أمره به رسول الله ص فسار إليهم فلما كان عند وجه الصبح أغار عليهم فأنزل الله على نبيه ص وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً إلى آخرها
بيان لا يفارقك العين أي ليكن معك جواسيس ينظرون لئلا يكمن لك العدو أو كناية عن ترك النوم أو عن ترك الحذر و النظر إلى مظان الريبة أو المعنى لا يفارقك عسكرك و كن معهم قال الجوهري جاء فلان في عين أي في جماعة
4- يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن النبي ص لما بعث سرية ذات السلاسل و عقد الراية و سار بها أبو بكر حتى إذا صار بها بقرب المشركين اتصل خبرهم فتحرزوا و لم يصل المسلمون إليهم فأخذ الراية عمر و خرج مع السرية فاتصل بهم خبرهم فتحرزوا و لم يصل المسلمون إليهم فأخذ الراية عمرو بن العاص فخرج في السرية فانهزموا فأخذ الراية لعلي و ضم إليه أبا بكر و عمر و عمرو بن العاص و من كان معه في تلك السرية و كان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة فيأخذون حذرهم و استعدادهم فلما خرج علي ع ترك الجادة و أخذ بالسرية في الأودية بين الجبال فلما رأى عمرو بن العاص و قد فعل علي ذلك علم أنه سيظفر بهم فحسده فقال لأبي بكر و عمر و وجوه السرية إن عليا رجل غر لا خبرة له بهذه المسالك و نحن أعرف بها منه و هذا الطريق الذي توجه فيه كثير السباع و سيلقى الناس من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو فسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة فعرفوا أمير المؤمنين ع ذلك قال من كان طائعا لله و لرسوله منكم فليتبعني و من أراد الخلاف على الله و رسوله فلينصرف عني فسكتوا و ساروا معه فكان يسير بهم بين الجبال في الليل و يكمن في الأودية بالنهار و صارت السباع التي فيها كالسنانير إلى أن كبس المشركين و هم غارون آمنون وقت الصبح فظفر بالرجال و الذراري و الأموال فحاز ذلك كله و شد الرجال في الحبال كالسلاسل فلذلك سميت غزاة ذات السلاسل فلما كانت الصبيحة التي أغار فيها أمير المؤمنين ع على العدو و من المدينة إلى هناك خمس مراحل خرج النبي ص فصلى بالناس الفجر و قرأ وَ الْعادِياتِ في الركعة الأولى و قال هذه سورة أنزلها الله علي في هذا الوقت يخبرني فيها بإغارة علي على العدو و جعل حسده لعلي حسدا له فقال إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ و الكنود الحسود و هو عمرو بن العاص هاهنا إذ هو كان يحب الخير و هو الحياة حين أظهر الخوف من السباع ثم هدده الله
5- شا، ]الإرشاد[ ثم كان غزاة السلسلة و ذلك أن أعرابيا جاء عند النبي ص فجثا بين يديه و قال له جئتك لأنصح لك قال و ما نصيحتك قال قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل و عملوا على أن يبيتوك بالمدينة و وصفهم له فأمر النبي ص أن ينادي بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون و صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن هذا عدو الله و عدوكم قد عمل على أن يبيتكم فمن له فقام جماعة من أهل الصفة فقالوا نحن نخرج إليهم فول علينا من شئت فأقرع بينهم فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم و من غيرهم فاستدعى أبا بكر فقال له خذ اللواء و امض إلى بني سليم فإنهم قريب من الحرة فمضى و معه القوم حتى قارب أرضهم و كانت كثيرة الحجارة و الشجر و هم ببطن الوادي و المنحدر إليه صعب فلما صار أبو بكر إلى الوادي و أراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه و قتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فانهزم أبو بكر من القوم فلما ورد على النبي ص عقد لعمر بن الخطاب و بعثه إليهم فكمنوا له تحت الحجارة و الشجر فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه فساء رسول الله ص ذلك فقال له عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله إليهم فإن الحرب خدعة فلعلي أخدعهم فأنفذه مع جماعة و وصاه فلما صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه و قتلوا من أصحابه جماعة و مكث رسول الله ص أياما يدعو عليهم ثم دعا أمير المؤمنين ع فعقد له ثم قال أرسلته كرارا غير فرار ثم رفع يديه إلى السماء و قال اللهم إن كنت تعلم أني رسولك فاحفظني فيه و افعل به و افعل فدعا له ما شاء الله و خرج علي بن أبي طالب ع و خرج رسول الله ص لتشييعه و بلغ معه إلى مسجد الأحزاب و علي على فرس أشقر مهلوب عليه بردان يمانيان و في يده قناة خطية فشيعه رسول الله ص و دعا له و أنفذ معه فيمن أنفذ أبا بكر و عمر و عمرو بن العاص فسار بهم ع نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه ثم انحدر بهم على محجة غامضة فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه و كان يسير الليل و يكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعكموا الخيل و وقفهم مكانا و قال لا تبرحوا و انتبذ أمامهم فأقام ناحية منهم فلما رأى عمرو بن العاص ما صنع لم يشك أن الفتح يكون له فقال لأبي بكر أنا أعلم بهذه البلاد من علي و فيها ما هو أشد علينا من بني سليم و هي الضباع و الذئاب فإن خرجت علينا خفت أن تقطعنا فكلمه يخل عنا نعلو الوادي قال فانطلق أبو بكر فكلمه فأطال فلم يجبه أمير المؤمنين ع حرفا واحدا فرجع إليهم فقال لا و الله ما أجابني حرفا واحدا فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب أنت أقوى عليه فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثل ما صنع بأبي بكر فرجع إليهم فأخبرهم أنه لم يجبه فقال عمرو بن العاص إنه لا ينبغي لنا أن نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعلو الوادي فقال له المسلمون و الله ما نفعل أمرنا رسول الله أن نسمع لعلي و نطيع فنترك أمره و نطيع لك و نسمع فلم يزالوا كذلك حتى أحس أمير المؤمنين ع بالفجر فكبس القوم و هم غارون فأمكنه الله تعالى منهم فنزلت على النبي ص وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً إلى آخرها
فبشر النبي ص أصحابه بالفتح و أمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنين ع فاستقبلوه و النبي ص يقدمهم فقاموا له صفين فلما بصر بالنبي ص ترجل عن فرسه فقال له النبي ص اركب فإن الله و رسوله عنك راضيان فبكى أمير المؤمنين ع فرحا فقال له النبي ص يا علي لو لا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك
و كان الفتح في هذه الغزاة لأمير المؤمنين ع خاصة بعد أن كان لغيره فيها من الإفساد ما كان و اختص ع من مديح النبي ص فيها بفضائل لم يحصل منها شيء لغيره و بان له من المنقبة فيها ما لم يشركه فيه سواه. بيان المهلبة ما غلظ من شعر الذنب و هلبت الفرس نتفت هلبه فهو مهلوب ذكره الجوهري و قال الخط موضع باليمامة تنسب إليه الرماح الخطية لأنها تحمل من بلاد الهند فتقوم به و يقال عكمت المتاع أي شددته و المراد هنا شد أفواه الدواب لترك صهيلها قوله فكبس القوم أي هجم عليهم
6- أقول ذكر المفيد رحمه الله هذه الغزوة على هذا الوجه بعد غزوة تبوك و ذكرها على وجه آخر على ما في بعض النسخ القديمة بعد غزوة بني قريظة و قبل غزوة بني المصطلق قال و قد كان من أمير المؤمنين ع في غزوة وادي الرمل و يقال إنها كانت تسمى بغزوة السلسلة ما حفظه العلماء و دونه الفقهاء و نقله أصحاب الآثار و رواه نقلة الأخبار مما ينضاف إلى مناقبه ع في الغزوات و يماثل فضائله في الجهاد و ما توحد به في معناه من كافة العباد و ذلك أن أصحاب السير ذكروا أن النبي ص كان ذات يوم جالسا إذ جاء أعرابي فجثا بين يديه ثم قال إني جئت لأنصحك قال و ما نصيحتك قال قوم من العرب قد عملوا على أن يبيتوك بالمدينة و وصفهم له قال فأمر أمير المؤمنين ع أن ينادي بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن هذا عدو الله و عدوكم قد أقبل عليكم يزعم أنه يبيتكم بالمدينة فمن للوادي فقام رجل من المهاجرين فقال أنا له يا رسول الله فناوله اللواء و ضم إليه سبعمائة رجل و قال له امض على اسم الله فمضى فوافى القوم ضحوة فقالوا له من الرجل قالوا رسول لرسول الله ص إما أن تقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أو لأضربنكم بالسيف قالوا له ارجع إلى صاحبك فإنا في جمع لا تقوم له فرجع الرجل فأخبر رسول الله ص بذلك فقال النبي ص من للوادي فقام رجل من المهاجرين فقال أنا له يا رسول الله قال فدفع إليه الراية و مضى ثم عاد بمثل ما عاد به صاحبه الأول فقال رسول الله ص أين علي بن أبي طالب فقام أمير المؤمنين ع فقال أنا ذا يا رسول الله قال امض إلى الوادي قال نعم و كانت له عصابة لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي ص في وجه شديد فمضى إلى منزل فاطمة ع فالتمس العصابة منها فقالت أين تريد و أين بعثك أبي قال إلى وادي الرمل فبكت إشفاقا عليه فدخل النبي ص و هي على تلك الحال فقال لها ما لك تبكين أ تخافين أن يقتل بعلك كلا إن شاء الله فقال له علي ع لا تنفس علي بالجنة يا رسول الله ثم خرج و معه لواء النبي ص فمضى حتى وافى القوم بسحر فأقام حتى أصبح ثم صلى بأصحابه الغداة و صفهم صفوفا و اتكأ على سيفه مقبلا على العدو فقال لهم يا هؤلاء أنا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله و إن محمدا عبده و رسوله و إلا أضربنكم بالسيف قالوا ارجع كما رجع صاحباك قال أنا أرجع لا و الله حتى تسلموا أو أضربكم بسيفي هذا أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فاضطرب القوم لما عرفوه ثم اجترءوا على مواقعته فواقعهم ع فقتل منهم ستة أو سبعة و انهزم المشركون و ظفر المسلمون و حازوا الغنائم و توجه إلى النبي ص.
فروي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كان نبي الله ص قائلا في بيتي إذا انتبه فزعا من منامه فقلت له الله جارك قال صدقت الله جاري لكن هذا جبرئيل ع يخبرني أن عليا ع قادم ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليا ع فقام المسلمون له صفين مع رسول الله ص فلما بصر بالنبي ص ترجل عن فرسه و أهوى إلى قدميه يقبلهما فقال له ص اركب فإن الله تعالى و رسوله عنك راضيان فبكى أمير المؤمنين ع فرحا و انصرف إلى منزله و تسلم المسلمون الغنائم فقال النبي ص لبعض من كان معه في الجيش كيف رأيتم أميركم قالوا لم ننكر منه شيئا إلا أنه لم يؤم بنا في صلاة إلا قرأ فيها بقل هو الله فقال النبي ص أسأله عن ذلك فلما جاءه قال له لم لم تقرأ بهم في فرائضك إلا بسورة الإخلاص فقال يا رسول الله أحببتها قال له النبي ص فإن الله قد أحبك كما أحببتها ثم قال له يا علي لو لا أني أشفق أن تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملإ منهم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك
و قد ذكر كثير من أصحاب السير أن في هذه الغزاة نزل على النبي ص وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً إلى آخرها فتضمنت ذكر الحال فيما فعله أمير المؤمنين ع فيها. أقول ذكر في إعلام الورى تلك القصة على هذا الوجه مع اختصار
7- فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ فرات بن إبراهيم معنعنا عن ابن عباس قال دعا النبي ص أبا بكر إلى غزوة ذات السلاسل فأعطاه الراية فردها ثم دعا عمر فأعطاه الراية فردها ثم دعا خالد بن الوليد فأعطاه الراية فرجع فدعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فأمكنه من الراية فسيرهم معه و أمرهم أن يسمعوا له و يطيعوه قال فانطلق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بالعسكر و هم معه حتى انتهى إلى القوم فلم يكن بينه و بينهم إلا جبل قال فأمرهم أن ينزلوا في أسفل الجبل فقال لهم اركبوا دوابكم فقال خالد بن الوليد يا أبا بكر و أنت يا عمر ما ترون إلى هذا الغلام أين أنزلنا في واد كثير الحيات كثير الهام كثير السباع نحن منه على إحدى ثلاث خصال إما سبع يأكلنا و يأكل دوابنا و إما حيات تعقرنا و تعقر دوابنا و إما يعلم بنا عدونا فيقتلنا قوموا بنا إليه قال فجاءوا إلى علي ع و قالوا يا علي أنزلتنا في واد كثير السباع كثير الهام كثير الحيات نحن منه على إحدى ثلاث خصال إما سبع يأكلنا و يأكل دوابنا أو حيات تعقرنا و تعقر دوابنا أو يعلم بنا عدونا فيبيتنا فيقتلنا قال فقال لهم علي ع أ ليس قد أمركم رسول الله ص أن تسمعوا لي و تطيعوا قالوا بلى قال فانزلوا فرجعوا قال فأبوا أن ينقادوا و استفزهم خالد ثانية فقالوا له ذلك الكلام فقال لهم أ ليس قد أمركم رسول الله ص أن تسمعوا لي و تطيعوا قالوا بلى قال فانزلوا بارك الله فيكم ليس عليكم بأس قال فنزلوا و هم مرعوبون قال و ما زال علي ليلته قائما يصلي حتى إذا كان في السحر قال لهم اركبوا بارك الله فيكم قال فركبوا و طلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم فأشرف عليهم قال لهم انزعوا عكمة دوابكم قال فشمت الخيل ريح الإناث فصهلت فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين قال فقتل مقاتليهم و سبى ذراريهم قال فهبط جبرئيل ع على رسول الله ص فقال يا محمد وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال فقال رسول الله ص يخالط القوم و رب الكعبة قال و جاءت البشارة
8- فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ الحسين بن سعيد و جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه و غيره أن النبي ص قد أقرع بين أهل الصفة فبعث منهم ثمانين رجلا و من غيرهم إلى بني سليم و ولى عليهم و انهزموا مرة بعد مرة فلبث بذلك أياما يدعو عليهم قال ثم دعا بلالا فقال له ايتني ببردي النجراني و قناتي الخطية فأتاه بهما فدعا عليا و بعثه في جيش إليهم و قال لقد وجهته كرارا غير فرار قال فسرح عليا قال و خرج معه النبي ص يشيعه فكأني أنظر إليهم عند مسجد الأحزاب و علي على فرس أشقر و هو يوصيه ثم ودعه النبي ص و انصرف قال و سار علي فيمن معه متوجها نحو العراق و ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه حتى أتى فم الوادي ثم جعل يسير الليل و يكمن النهار فلما دنا من القوم أمر أصحابه فعكموا الخيل و أوقفهم و قال لا تبرحوا و انتبذ أمامهم فرام بعض أصحابه الخلاف و أبى بعض حتى إذا طلع الفجر أغار عليهم علي فمنحه الله أكتافهم و أظهره عليهم فأنزل الله على نبيه محمد ص الآية وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فخرج النبي ص لصلاة الفجر و هو يقول صبح و الله جمع القوم ثم صلى بالمسلمين فقرأ وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً قال فقتل منهم مائة و عشرين رجلا و كان رئيس القوم الحارث بن بشر و سبى منه مائة و عشرين ناهدا
بيان الناهد الجارية أول ما يرتفع ثديها
9- فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ علي بن محمد بن عمر الزهري معنعنا عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال بينما أجمع ما كنا حول النبي ص ما خلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع إذ أقبل أعرابي بدوي فتخطى صفوف المهاجرين و الأنصار حتى جثا بين يدي رسول الله ص و هو يقول السلام عليك يا رسول الله فداك أبي و أمي يا رسول الله فقال النبي ص عليك السلام من أنت يا أعرابي قال رجل من بني لجيم يا رسول الله فقال النبي ص ما وراك بما جاء لجيم قال يا رسول الله خلفت خثعم و قد تهيئوا و عبئوا كتائبهم و خلفت الرايات تخفق فوق رءوسهم يقدمهم الحارث بن مكيدة الخثعمي في خمسمائة من رجال خثعم يتألون باللات و العزى أن لا يرجعوا حتى يردوا المدينة فيقتلوك و من معك يا رسول الله قال فدمعت عينا النبي ص حتى أبكى جميع أصحابه ثم قال يا معشر الناس سمعتم مقالة الأعرابي قالوا كل قد سمعنا يا رسول الله قال فمن منكم يخرج إلى هؤلاء القوم قبل أن يطئونا في ديارنا و حريمنا لعل الله يفتح على يديه و أضمن له على الله الجنة قال فو الله ما قال أحد أنا يا رسول الله قال فقام النبي ص على قدميه و هو يقول معاشر أصحابي هل سمعتم مقالة الأعرابي قالوا كل قد سمعنا يا رسول الله قال فمن منكم يخرج إليهم قبل أن يطئونا في ديارنا و حريمنا لعل الله أن يفتح على يديه و أضمن له على الله اثني عشر قصرا في الجنة قال فو الله ما قال أحد أنا يا رسول الله قال فبينما النبي ص واقف إذ أقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فلما نظر إلى النبي ص واقفا و دموعه تنحدر كأنها جمان انقطع سلكه على خديه لم يتمالك أن رمى بنفسه عن بعيره إلى الأرض ثم أقبل يسعى نحو النبي ص يمسح بردائه الدموع عن وجه رسول الله ص و هو يقول ما الذي أبكاك لا أبكى الله عينيك يا حبيب الله هل نزل في أمتك شيء من السماء قال يا علي ما نزل فيهم إلا خير و لكن هذا الأعرابي حدثني عن رجال خثعم بأنهم قد عبئوا كتائبهم و خفقت الرايات فوق رءوسهم يكذبون قولي و يزعمون أنهم لا يعرفون ربي يقدمهم الحارث بن مكيدة الخثعمي في خمسمائة من رجال خثعم يتألون باللات و العزى لا يرجعون حتى يردوا المدينة فيقتلوني و من معي و إني قلت لأصحابي من منكم يخرج إلى هؤلاء القوم من قبل أن يطئونا في ديارنا و حريمنا لعل الله أن يفتح على يديه و أضمن له على الله اثني عشر قصرا في الجنة فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فداك أبي و أمي يا رسول الله صف لي هذه القصور فقال رسول الله ص يا علي بناء هذه القصور لبنة من ذهب و لبنة من فضة ملاطها المسك الأذفر و العنبر حصباؤها الدر و الياقوت ترابها الزعفران كثبها الكافور في صحن كل قصر من هذه القصور أربعة أنهار نهر من عسل و نهر من خمر و نهر من لبن و نهر من ماء محفوف بالأشجار و المرجان على حافتي كل نهر من هذه الأنهار خيمة من درة بيضاء لا قطع فيها و لا فصل قال لها كوني فكانت يرى باطنها من ظاهرها و ظاهرها من باطنها في كل خيمة سرير مفصص بالياقوت الأحمر قوائمها من الزبرجد الأخضر على كل سرير حوراء من الحور العين على كل حوراء سبعون حلة خضراء و سبعون حلة صفراء و يرى مخ ساقها خلف عظمها و جلدها و حليها و حللها كما ترى الخمرة الصافية في الزجاجة البيضاء مكللة بالجواهر لكل حوراء سبعون ذؤابة كل ذؤابة بيد وصيف و بيد كل وصيف مجمر يبخر تلك الذؤابة يفوح من ذلك المجمر بخار لا يفوح بنار و لكن بقدرة الجبار قال فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فداك أمي و أبي يا رسول الله أنا لهم فقال النبي ص يا علي هذا لك و أنت له أنجد إلى القوم فجهزه رسول الله ص في
خمسين و مائة رجل من الأنصار و المهاجرين فقام ابن عباس رضي الله عنه و قال فداك أبي و أمي يا رسول الله تجهز ابن عمي في خمسين و مائة رجل من العرب إلى خمسمائة رجل و فيهم الحارث بن مكيدة يعد بخمسمائة فارس فقال النبي ص أمط عني يا ابن عباس فو الذي بعثني بالحق لو كانوا على عدد الثرى و علي وحده لأعطى الله عليهم النصر حتى يأتينا بسبيهم أجمعين فجهزه النبي ص و هو يقول اذهب يا حبيبي حفظ الله من تحتك و من فوقك و عن يمينك و عن شمالك الله خليفتي عليك فسار علي ع بمن معه حتى نزلوا بواد خلف المدينة بثلاثة أميال يقال له وادي ذي خشب قال فوردوا الوادي ليلا فضلوا الطريق قال فرفع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع رأسه إلى السماء و هو يقول يا هادي كل ضال و يا مفرج كل مغموم لا تقو علينا ظالما و لا تظفر بنا عدونا و اعهدنا إلى سبيل الرشاد قال فإذا الخيل يقدح بحوافرها من الحجارة النار حتى عرفوا الطريق فسلكوه فأنزل الله على نبيه محمد وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً يعني الخيل فَالْمُورِياتِ قَدْحاً قال قدحت الخيل بحوافرها من الحجارة النار فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً قال صبحهم علي مع طلوع الفجر و كان لا يسبقه أحد إلى الأذان فلما سمع المشركون الأذان قال بعضهم لبعض ينبغي أن يكون راعي في رءوس هذه الجبال يذكر الله فلما أن قال أشهد أن محمدا رسول الله ص قال بعضهم لبعض ينبغي أن يكون الراعي من أصحاب الساحر الكذاب و كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لا يقاتل حتى تطلع الشمس و تنزل ملائكة النهار قال فلما أن دخل النهار التفت أمير المؤمنين علي ع إلى صاحب راية النبي ص فقال له ارفعها فلما أن رفعها و رآها المشركون عرفوها و قال بعضهم لبعض هذا عدوكم الذي جئتم تطلبونه هذا محمد و أصحابه قال فخرج غلام من المشركين من أشدهم بأسا و أكفرهم كفرا فنادى أصحاب النبي يا أصحاب الساحر الكذاب أيكم محمد فليبرز إلي فخرج إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و هو يقول ثكلتك أمك أنت الساحر الكذاب محمد جاء بالحق من عند الحق قال له من أنت قال أنا علي بن أبي طالب أخو رسول الله و ابن عمه و زوج ابنته قال لك هذه المنزلة من محمد قال له علي نعم قال فأنت و محمد شرع واحد ما كنت أبالي لقيتك أو لقيت محمدا ثم شد على علي و هو يقول
لاقيت يا علي ضيغما قرم كريم في الوغىليث شديد من رجال خثعما ينصر دينا معلما و محكما
فأجابه علي بن أبي طالب ع و هو يقول
لاقيت قرنا حدثا و ضيغما ليثا شديدا في الوغى غشمشماأنا علي سأبير خثعما بكل خطي يري النقع دماو كل صارم يثبت الضرب فينعما
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فاختلف بينهما ضربتان فضربه علي ع ضربة فقتله و عجل الله بروحه إلى النار ثم نادى أمير المؤمنين ع هل من مبارز فبرز أخ للمقتول و حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه أمير المؤمنين ع ضربة فقتله و عجل الله بروحه إلى النار ثم نادى علي ع هل من مبارز فبرز له الحارث بن مكيدة و كان صاحب الجمع و هو يعد بخمسمائة فارس و هو الذي أنزل الله فيه إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ قال كفور وَ إِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ قال شهيد عليه بالكفر وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع يعني باتباعه محمدا فلما برز الحارث حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي ضربة فقتله و عجل الله بروحه إلى النار ثم نادى علي ع هل من مبارز فبرز إليه ابن عمه يقال له عمرو بن الفتاك و هو يقول
أنا عمرو و أبي الفتاك و بيدي نصل سيف هتاكأقطع به الرءوس لمن أرى كذاك
فأجابه أمير المؤمنين ع و هو يقول
هاكها مترعة دهاقا كأس دهاق مزجت زعاقاأبي امرؤ إذا ما لاقا أقد الهام و أجد ساقا
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي ع ضربة فقتله و عجل الله بروحه إلى النار ثم نادى علي ع هل من مبارز فلم يبرز إليه أحد فشد أمير المؤمنين ع عليهم حتى توسط جمعهم فذلك قول الله فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً فقتل علي ع مقاتليهم و سبى ذراريهم و أخذ أموالهم و أقبل بسبيهم إلى رسول الله ص فبلغ ذلك النبي ص فخرج و جميع أصحابه حتى استقبل علي ع على ثلاثة أميال من المدينة و أقبل النبي ص يمسح الغبار عن وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بردائه و يقبل بين عينيه و يبكي و هو يقول الحمد لله يا علي الذي شد بك أزري و قوي بك ظهري يا علي إنني سألت الله فيك كما سأل أخي موسى بن عمران صلوات الله و سلامه عليه أن يشرك هارون في أمره و قد سألت ربي أن يشد بك أزري ثم التفت إلى أصحابه و هو يقول معاشر أصحابي لا تلوموني في حب علي بن أبي طالب ع فإنما حبي عليا من أمر الله و الله أمرني أن أحب عليا و أدنيه يا علي من أحبك فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله و من أحب الله أحبه الله و حقيق على الله أن يسكن محبيه الجنة يا علي من أبغضك فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض الله و من أبغض الله أبغضه و لعنه و حقيق على الله أن يقفه يوم القيامة موقف البغضاء و لا يقبل منه صرفا و لا عدلا
بيان خفقت الراية تخفق بالضم و الكسر اضطربت و آلى و تألى أي حلف و الجمان بالضم جمع الجمانة و هي حبة تعمل من الفضة كالدرة و الملاط بالكسر الطين الذي يجعل بين سافتي البناء و قال الفيروزآبادي أنجد عرق و أعان و ارتفع و الدعوة أجابها و النجدة القتال و الشجاعة و الشدة و الضيغم الأسد و القرم بالفتح الفحل و السيد و الغشمشم من يركب رأسه فلا يثنيه عن مراده شيء. أقول إنما أوردت تلك الغزوة في هذا الموضع تبعا للمؤرخين و قد مر أن المفيد رحمه الله ذكرها في موضعين غير هذا و الله أعلم