الآيات الضحى وَ الضُّحى وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الانشراح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ
تفسير قال المفسرون في سبب نزول سورة الضحى قال ابن عباس احتبس الوحي عنه ص خمسة عشر يوما فقال المشركون إن محمدا ص قد ودعه ربه و قلاه و لو كان أمره من الله تعالى لتتابع عليه فنزلت و قيل إنما احتبس اثني عشر يوما و قيل أربعين يوما و قيل سألت اليهود رسول الله ص عن ذي القرنين و أصحاب الكهف و عن الروح فقال سأخبركم غدا و لم يقل إن شاء الله فاحتبس عنه الوحي هذه الأيام فاغتم لشماتة الأعداء فنزلت تسلية لقلبه وَ الضُّحى أي وقت ارتفاع الشمس أو النهار وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى أي سكن أهله أو ركد ظلامة ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ ما قطعك ربك قطع المودع و هو جواب القسم وَ ما قَلى أي ما أبغضك وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى أي من الحوض و الشفاعة و سائر ما أعد له من الكرامة أو في الدنيا أيضا من إعلاء الدين و قمع الكافرين أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى قال الطبرسي رحمه الله في معناه قولان أحدهما أنه تقرير لنعمة الله عليه حين مات أبوه و بقي يتيما فآواه الله بأن سخر له عبد المطلب ثم أبا طالب و كان ص مات أبوه و هو في بطن أمه أو بعد ولادته بمدة قليلة و ماتت أمه و هو ابن سنتين و مات جده و هو ابن ثماني سنين. و سئل الصادق ع لم أوتم النبي ص عن أبويه فقال لئلا يكون لمخلوق عليه حق. و الآخر أن يكون المعنى أ لم يجدك واحدا لا مثل لك في شرفك و فضلك فآواك إلى نفسه و اختصك برسالته من قولهم درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل و قيل فآواك أي جعلك مأوى للأيتام بعد أن كنت يتيما و كفيلا للأنام بعد أن كنت مكفولا. وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى فيه أقوال أحدها وجدك ضالا عما أنت عليه الآن من النبوة و الشريعة أي كنت غافلا عنهما فهداك إليهما و نظيره ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ و قوله وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ فمعنى الضلال على هذا هو الذهاب عن العلم مثل قوله تعالى أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما. و ثانيها أن المعنى وجدك متحيرا لا تعرف وجوه معاشك فهداك إليها فإن الرجل إذا لم يهتد إلى طريق مكسبه يقال أنه ضال. و ثالثها أن المعنى وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه بإتمام العقل و نصب الأدلة و الألطاف حتى عرفت الله بصفاته بين قوم ضلال مشركين. و رابعها وجدك ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب فروي أنه ضل في شعاب مكة و هو صغير فرآه أبو جهل و رده إلى جده عبد المطلب فمن الله سبحانه بذلك عليه إذ رده إلى جده على يدي عدوه عن ابن عباس. و خامسها ما روي أن حليمة بنت أبي ذؤيب لما أرضعته مدة و قضت حق الرضاع ثم أرادت رده إلى جده جاءت به حتى قربت من مكة فضل في الطريق فطلبته جزعة
و كانت تقول لئن لم أره لأرمين نفسي عن شاهق و جعلت تصيح وا محمداه قالت فدخلت مكة على تلك الحال فرأيت شيخا متوكئا على عصا فسألني عن حالي فأخبرته فقال لا تبكي فأنا أدلك على من يرده عليك فأشار إلى هبل صنمهم الأعظم و دخل البيت و طاف بحبل و قبل رأسه و قال يا سيداه لم تضل منتك جسيمة رد محمدا على هذه السعدية قال فتساقطت الأصنام لما تفوه باسم محمد ص و سمع صوت إن هلاكنا على يدي محمد فخرج و أسنانه تصطك و خرجت إلى عبد المطلب و أخبرته بالحال فخرج و طاف بالبيت و دعا الله سبحانه فنودي و أشعر بمكانه فأقبل عبد المطلب فتلقاه ورقة بن نوفل في الطريق فبينا هما يسيران إذا النبي ص قائم تحت شجرة يجذب الأغصان و يعبث بالورق فقال عبد المطلب فداك نفسي و حمله و رده إلى مكة. و سادسها ما روي أنه ص خرج مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينا هو راكب ذات ليلة ظلماء إذ جاء إبليس فأخذ بزمام ناقته فعدل به عن الطريق فجاء جبرئيل ع فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى الحبشة و رده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك. و سابعها أن المعنى وجدك مضلولا عنك في قوم لا يعرفون حقك فهداه إلى معرفتك و أرشدهم إلى فضلك و الاعتراف بصدقك و المراد أنك كنت خاملا لا تذكر و لا تعرف فعرفك الله إلى الناس حتى عرفوك و عظموك. وَ وَجَدَكَ عائِلًا أي فقيرا لا مال لك فَأَغْنى أي فأغناك بمال خديجة ثم بالغنائم و قيل فأغناك بالقناعة و رضاك بما أعطاك و روى العياشي بإسناده عن أبي الحسن الرضا ع في قوله أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى قال ع فردا لا مثل لك في المخلوقين فآوى الناس إليك. وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى أي ضالة في قوم لا يعرفون فضلك فهداهم إليك وَ وَجَدَكَ عائِلًا تعول أقواما بالعلم فأغناهم بك. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ أي لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه و قيل أي لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيما وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أي لا تنهره و لا ترده إذا أتاك يسألك فقد كنت فقيرا فإما أن تطعمه و إما أن ترده ردا لينا وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ معناه اذكر نعم الله تعالى و أظهرها و حدث بها انتهى كلامه رفع الله مقامه. و قال البيضاوي في قوله تعالى أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ أ لم نفسحه حتى وسع مناجات الحق و دعوة الخلق فكان غائبا حاضرا أو أ لم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم و أزلنا عنه ضيق الجهل أو بما يسرنا لك تلقي الوحي بعد ما كان يشق عليك و قيل إنه إشارة إلى ما روي أن جبرئيل أتى رسول الله ص في صباه أو يوم الميثاق فاستخرج قلبه و غسله ثم ملأه إيمانا و علما و لعله إشارة إلى نحو ما سبق و معنى الاستفهام إنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته و لذلك عطف عليه وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ عبأك الثقيل الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ الذي حمله على النقيض و هو صوت الرحل عند الانتقاض من ثقل الحمل و هو ما ثقل عليه من فرطاته قبل البعثة أو جهله بالحكم و الأحكام أو حيرته أو تلقي الوحي أو ما كان يرى من ضلال قومه مع العجز عن إرشادهم أو من إصرارهم و تعديهم في إيذائه حين دعاهم إلى الإيمان. وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ بالنبوة و غيرها فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ كضيق الصدر و الوزر المنقض للظهر و ضلال القوم و إيذائهم يُسْراً كالشرح و الوضع و التوفيق للاهتداء و الطاعة فلا تيأس من روح الله إذا عراك ما يغمك إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً تكرير للتأكيد أو استئناف وعده بأن العسر مشفوع بيسر آخر كثواب الآخرة فَإِذا فَرَغْتَ من التبليغ فَانْصَبْ فأتعب في العبادة شكرا بما عددنا عليك من النعم السالفة و وعدنا بالنعم الآتية و قيل فَإِذا فَرَغْتَ من الغزو فَانْصَبْ في العبادة أو فَإِذا فَرَغْتَ من الصلاة فَانْصَبْ في الدعاء وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ بالسؤال و لا تسأل غيره فإنه القادر وحده على إسعافه. أقول اعلم أن شق بطنه ص في صغره في روايات العامة كثيرة مستفيضة كما عرفت و أما رواياتنا و إن لم يرد فيها بأسانيد معتبرة لم يرد نفيها أيضا و لا يأبى عنه العقل أيضا فنحن في نفيه و إثباته من المتوقفين كما أعرض عنه أكثر علمائنا المتقدمين و إن كان يغلب على الظن وقوعه و الله تعالى يعلم و حججه ع
1- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه ع قال سئل علي بن الحسين عليه السلام لم أوتم النبي ص من أبويه قال لئلا يجب عليه حق لمخلوق
2- مع، ]معاني الأخبار[ ع، ]علل الشرائع[ حمزة العلوي عن أحمد الهمداني عن علي بن الحسين بن فضال عن أخيه أحمد عن محمد بن عبد الله بن مروان عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل أيتم نبيه ص لئلا يكون لأحد عليه طاعة
3- ع، ]علل الشرائع[ علي بن حاتم القزويني فيما كتب إلي عن القاسم بن محمد عن حمدان بن الحسين بن الوليد عن عبد الله بن حماد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال قلت له لأي علة لم يبق لرسول الله ص ولد قال لأن الله عز و جل خلق محمدا صلى الله عليه و آله نبيا و عليا ع وصيا فلو كان لرسول الله ص ولد من بعده كان أولى برسول الله ص من أمير المؤمنين ع فكانت لا تثبت وصية أمير المؤمنين عليه السلام
4- مع، ]معاني الأخبار[ ع، ]علل الشرائع[ القطان عن ابن زكريا القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عن أبي الحسن العبدي عن سليمان بن مهران عن عباية بن ربعي عن ابن عباس قال سئل عن قول الله أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى قال إنما سمي يتيما لأنه لم يكن له نظير على وجه الأرض من الأولين و الآخرين فقال عز و جل ممتنا عليه نعمه أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً أي وحيدا لا نظير لك فَآوى إليك الناس و عرفهم فضلك حتى عرفوك وَ وَجَدَكَ ضَالًّا يقول منسوبا عند قومك إلى الضلالة فهداهم بمعرفتك وَ وَجَدَكَ عائِلًا يقول فقيرا عند قومك يقولون لا مال لك فأغناك الله بمال خديجة ثم زادك من فضله فجعل دعاءك مستجابا حتى لو دعوت على حجر أن يجعله الله لك ذهبا لنقل عينه إلى مرادك و أتاك بالطعام حيث لا طعام و أتاك بالماء حيث لا ماء و أعانك بالملائكة حيث لا مغيث فأظفرك بهم على أعدائك
5- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ في خبر ابن الجهم عن الرضا ع قال الله عز و جل لنبيه محمد ص أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى يقول أ لم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس وَ وَجَدَكَ ضَالًّا يعني عند قومك فَهَدى أي هداهم إلى معرفتك وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى يقول أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا
6- فس، ]تفسير القمي[ علي بن الحسين عن البرقي عن أبيه عن خالد بن يزيد عن أبي الهيثم عن زرارة عن الإمامين ع في قول الله تعالى أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى أي فآوى إليك الناس وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى أي هدى إليك قوما لا يعرفونك حتى عرفوك وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى أي وجدك تعول أقواما فأغناهم بعلمك قال علي بن إبراهيم ثم قال أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى قال اليتيم الذي لا مثل له و لذلك سميت الدرة اليتيمة لأنه لا مثل لها وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى بالوحي فلا تسأل عن شيء أحدا وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى قال وجدك ضالا في قوم لا يعرفون فضل نبوتك فهداهم الله بك
-7 صح، ]صحيفة الرضا عليه السلام[ عن الرضا عن آبائه ع قال سئل محمد بن علي بن الحسين ع لم أوتم النبي ص من أبويه قال لئلا يوجد عليه حق لمخلوق
8- كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ محمد بن العباس عن أبي داود عن بكار عن عبد الرحمن عن إسماعيل بن عبد الله عن علي بن عبيد الله بن العباس قال عرض على رسول الله ص ما هو مفتوح على أمته من بعده كفرا كفرا فسر بذلك فأنزل الله تعالى وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قال فأعطاه الله ألف قصر في الجنة ترابه المسك في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج و الخدم
بيان قال الجزري أهل الشام يسمون القرية كفرا و منه الحديث عرض على رسول الله ص ما هو مفتوح على أمته بعده كفرا كفرا فسر بذلك أي قرية قرية
9- كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ محمد بن العباس عن محمد بن أحمد بن الحكم عن محمد بن يونس عن حماد بن عيسى عن الصادق عن أبيه ع عن جابر بن عبد الله قال دخل رسول الله ص على فاطمة ع و هي تطحن بالرحى و عليها كساء من أجلة الإبل فلما نظر إليها بكى و قال لها يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا فأنزل الله عليه وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى
10- كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ محمد بن العباس عن أحمد بن محمد النوفلي عن أحمد بن محمد الكاتب عن عيسى بن مهران بإسناده إلى زيد بن علي ع في قول الله تعالى وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قال إن رضا رسول الله ص إدخال الله أهل بيته و شيعتهم الجنة