أقول سيأتي بعض فضائلها في باب أحوال أبي طالب
1- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن العباس بن عامر عن أبان عن بريد عن الصادق ع قال لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة ع تلوذ برسول الله ص و تدور حوله و تقول أبة أين أمي قال فنزل جبرئيل ع فقال له ربك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام و تقول لها إن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب و عمده ياقوت أحمر بين آسية و مريم بنت عمران فقالت فاطمة ع إن الله هو السلام و منه السلام و إليه السلام
2- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمرو عن ابن عقدة عن أحمد بن محمد بن يحيى الجعفي عن جابر بن الحر النخعي عن عبد الرحمن بن ميمون عن أبيه قال سمعت ابن عباس يقول أول من آمن برسول الله ص من الرجال علي ع و من النساء خديجة ع
3- ل، ]الخصال[ محمد بن علي بن إسماعيل عن أبي القاسم بن منيع عن شيبان بن فروخ عن داود بن أبي الفرات عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال خط رسول الله ص أربع خطط في الأرض و قال أ تدرون ما هذا قلنا الله و رسوله أعلم فقال رسول الله ص أفضل نساء الجنة أربع خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون
4- ل، ]الخصال[ سليمان بن أحمد اللخمي عن علي بن عبد العزيز عن حجاج بن المنهال عن داود بن أبي الفرات عن علباء عن عكرمة عن ابن عباس قال خط رسول الله ص أربع خطوط ثم قال خير نساء الجنة مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون
5- ل، ]الخصال[ ابن إدريس عن أبيه عن الأشعري عن أبي عبد الله الرازي عن ابن أبي عثمان عن موسى بن بكر عن أبي الحسن الأول ع قال قال رسول الله ص إن الله اختار من النساء أربعا مريم و آسية و خديجة و فاطمة
أقول سيأتي فيما أجاب أمير المؤمنين ع اليهودي الذي سأل عن خصال الأوصياء فقال ع فيما قال كنت أول من أسلم فمكثنا بذلك ثلاث حجج و ما على وجه الأرض خلق يصلي و يشهد لرسول الله ص بما أتاه غيري و غير ابنة خويلد رحمها الله و قد فعل
-6 ل، ]الخصال[ ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن أبي علي الواسطي عن عبد الله بن عصمة عن يحيى بن عبد الله عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال دخل رسول الله ص منزله فإذا عائشة مقبلة على فاطمة تصايحها و هي تقول و الله يا بنت خديجة ما ترين إلا أن لأمك علينا فضلا و أي فضل كان لها علينا ما هي إلا كبعضنا فسمع مقالتها لفاطمة فلما رأت فاطمة رسول الله ص بكت فقال ما يبكيك يا بنت محمد قالت ذكرت أمي فتنقصتها فبكيت فغضب رسول الله ص ثم قال مه يا حميراء فإن الله تبارك و تعالى بارك في الودود الولود و إن خديجة رحمها الله ولدت مني طاهرا و هو عبد الله و هو المطهر و ولدت مني القاسم و فاطمة و رقية و أم كلثوم و زينب و أنت ممن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئا
7- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ تزوج النبي ص بخديجة و هو ابن خمس و عشرين سنة و توفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام
8- يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن جابر قال كان سبب تزويج خديجة محمدا أن أبا طالب قال يا محمد إني أريد أن أزوجك و لا مال لي أساعدك به و إن خديجة قرابتنا و تخرج كل سنة قريشا في مالها مع غلمانها يتجر لها و يأخذ وقر بعير مما أتى به فهل لك أن تخرج قال نعم فخرج أبو طالب إليها و قال لها ذلك ففرحت و قالت لغلامها ميسرة أنت و هذا المال كله بحكم محمد ص فلما رجع ميسرة حدث أنه ما مر بشجرة و لا مدرة إلا قالت السلام عليك يا رسول الله و قال جاء بحيرا الراهب و خدمنا لما رأى الغمامة على رأسه تسير حيثما سار تظله بالنهار و ربحا في ذلك السفر ربحا كثيرا فلما انصرفا قال ميسرة لو تقدمت يا محمد إلى مكة و بشرت خديجة بما قد ربحنا لكان أنفع لك فتقدم محمد على راحلته فكانت خديجة في ذلك اليوم جالسة على غرفة مع نسوة فظهر لها محمد راكبا فنظرت خديجة إلى غمامة عالية على رأسه تسير بسيره و رأت ملكين عن يمينه و عن شماله في يد كل واحد سيف مسلول يجيئان في الهواء معه فقالت إن لهذا الراكب لشأنا عظيما ليته جاء إلى داري فإذا هو محمد ص قاصد لدارها فنزلت حافية إلى باب الدار و كانت إذا أرادت التحول من مكان إلى مكان حولت الجواري السرير الذي كانت عليه فلما دنت منه قالت يا محمد اخرج و أحضرني عمك أبا طالب الساعة و قد بعثت إلى عمها أن زوجني من محمد إذا دخل عليك فلما حضر أبو طالب قالت اخرجا إلى عمي ليزوجني من محمد فقد قلت له في ذلك فدخلا على عمها و خطب أبو طالب الخطبة المعروفة و عقد النكاح فلما قام محمد ص ليذهب مع أبي طالب قالت خديجة إلى بيتك فبيتي بيتك و أنا جاريتك
9- د، ]العدد القوية[ قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ زوج أبو طالب خديجة من النبي و ذلك أن نساء قريش اجتمعن في المسجد في عيد فإذا هن بيهودي يقول ليوشك أن يبعث فيكن نبي فأيكن استطاعت أن تكون له أرضا يطؤها فلتفعل فحصبنه و قر ذلك القول في قلب خديجة و كان النبي ص قد استأجرته خديجة على أن تعطيه بكرين و يسير مع غلامها ميسرة إلى الشام فلما أقبلا في سفرهما نزل النبي ص تحت شجرة فرآه راهب يقال له نسطور فاستقبله و قبل يديه و رجليه و قال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله لما رأى منه علامات و إنه نزل تحت الشجرة ثم قال لميسرة طاوعه في أوامره و نواهيه فإنه نبي و الله ما جلس هذا المجلس بعد عيسى ع أحد غيره و لقد بشر به عيسى ع و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد و هو يملك الأرض بأسرها و قال ميسرة يا محمد لقد جزنا عقبات بليلة كنا نجوزها بأيام كثيرة و ربحنا في هذه السفرة ما لم نربح من أربعين سنة ببركتك يا محمد فاستقبل بخديجة و أبشرها بربحنا و كانت وقتئذ جالسة على منظرة لها فرأت راكبا على يمينه ملك مصلت سيفه و فوقه سحابة معلق عليها قنديل من زبرجدة و حوله قبة من ياقوتة حمراء فظنت ملكا يأتي بخطبتها و قالت اللهم إلي و إلى داري فلما أتى كان محمدا و بشرها بالأرباح فقالت و أين ميسرة قال يقفو أثري قالت فارجع إليه و كن معه و مقصودها لتستيقن حال السحابة فكانت السحابة تمر معه فأقبل ميسرة إلى خديجة و أخبرها بحاله و قال لها إني كنت آكل معه حتى يشبع و يبقى الطعام كما هو و كنت أرى وقت الهاجرة ملكين يظللانه فدعت خديجة بطبق عليه رطب و دعت رجالا و رسول الله ص فأكلوا حتى شبعوا و لم ينقص شيئا فأعتقت ميسرة و أولاده و أعطته عشرة آلاف درهم لتلك البشارة و رتبت الخطبة من عمرو بن أسد عمها
قال النسوي في تاريخه أنكحه إياها أبوها خويلد بن أسد فخطب أبو طالب بما رواه الخركوشي في شرف المصطفى و الزمخشري في ربيع الأبرار و في تفسيره الكشاف و ابن بطة في الإبانة و الجويني في السير عن الحسن و الواقدي و أبي صالح و العتبي فقال الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم الخليل و من ذرية الصفي إسماعيل و صئصئ معد و عنصر مضر و جعلنا حضنة بيته و سواس حرمه و جعل مسكننا بيتا محجوبا و حرما آمنا و جعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوازن برجل من قريش إلا رجح به و لا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه و إن كان في المال مقلا فإن المال ورق حائل و ظل زائل و له و الله خطب عظيم و نبأ شائع و له رغبة في خديجة و لها فيه رغبة فزوجوه و الصداق ما سألتموه من مالي عاجله و آجله فقال خويلد زوجناه و رضينا به. و روي أنه قال بعض قريش يا عجبا أ يمهر النساء الرجال فغضب أبو طالب و قال إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان و إذا كانوا أمثالكم لم تزوجوا إلا بالمهر الغالي فقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم
هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت. لك الطير فيما كان منك بأسعد.تزوجته خير البرية كلها. و من ذا الذي في الناس مثل محمد.و بشر به المرءان عيسى ابن مريم. و موسى بن عمران فيا قرب موعد.أقرت به الكتاب قدما بأنه. رسول من البطحاء هاد و مهتد.
بيان قوله فحسبنه أي رمينه بالحصباء و صئصئ بالمهملتين و المعجمتين الأصل قال في النهاية في حديث الخوارج يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين الضئضئ الأصل يقال ضئضئ صدق و ضؤضؤ صدق و حكى بعضهم ضئضيء بوزن قنديل يريد أنه يخرج من نسله و من عقبه و رواه بعضهم بالصاد المهملة و هو بمعناه انتهى. و في القاموس الورق مثلثة و ككتف و جبل الدراهم المضروبة و محركة الحي من كل حيوان و المال من إبل و دراهم و غيرها انتهى و في الفقيه رزق كما سيأتي و الحائل المتغير
10- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ خرج النبي ص إلى الشام في تجارة لخديجة و له خمس و عشرون سنة و تزوج بها بعد أشهر قال الكليني تزوج خديجة و هو ابن بضع و عشرين سنة و لبث بها أربعا و عشرين سنة و أشهرا و بنيت الكعبة و رضيت قريش بحكمه فيها و هو ابن خمس و ثلاثين سنة
أقول أوردنا تاريخ وفاتها في باب المبعث
11- شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال حدث أبو سعيد الخدري أن رسول الله ص قال إن جبرئيل ع قال لي ليلة أسري بي حين رجعت و قلت يا جبرئيل هل لك من حاجة قال حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله و مني السلام و حدثنا عند ذلك أنها قالت حين لقاها نبي الله صلى الله عليه و آله فقال لها الذي قال جبرئيل فقالت إن الله هو السلام و منه السلام و إليه السلام و على جبرئيل السلام
12- كشف، ]كشف الغمة[ من مسند أحمد بن حنبل عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله ص خير نسائها خديجة و خير نسائها مريم
و منه عن عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله ص أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه و لا نصب
و منه عن ابن عباس أن أول من صلى مع رسول الله ص بعد خديجة علي ع و قال مرة أسلم
و قد تقدم ذكر تقدم إسلامها رضي الله عنها و أنها سبقت الناس كافة فلا حاجة إلى إعادة ذلك و هو مشهور
و من المسند، عن أنس بن مالك عن النبي ص قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون
و منه عن عبد الله بن أبي أوفى قال بشر رسول الله ص خديجة ببيت في الجنة لا صخب فيه و لا نصب
و روي أن جبرئيل أتى النبي ص فسأل عن خديجة فلم يجدها فقال إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرئها السلام
و روى أبو هريرة قال أتى جبرئيل النبي ص فقال هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطى فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها و مني السلام و بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه و لا نصب
و قال شريك و قد سئل عن القصب قصب الذهب. و قال الجوهري القصب أنابيب من جوهر و ذكر الحديث. و قال غيره اللؤلؤ و قال صاحب النهاية في غريب الحديث القصب لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف في هذا الحديث و القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف. و روي أن عجوزا دخلت على النبي ص فألطفها فلما خرجت سألته عائشة فقال إنها كانت تأتينا في زمن خديجة و إن حسن العهد من الإيمان.
و عن علي ع قال ذكر النبي ص خديجة يوما و هو عند نسائه فبكى فقالت عائشة ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد فقال صدقتني إذ كذبتم و آمنت بي إذ كفرتم و ولدت لي إذ عقمتم قالت عائشة فما زلت أتقرب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله بذكرها
و نقلت من كتاب معالم العترة النبوية لأبي محمد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي الحنبلي ذكر خديجة بنت خويلد أم المؤمنين و تقدم إسلامها و حسن موازرتها و خطر فضلها و شرف منزلتها ذكر مرفوعا عن محمد بن إسحاق قال كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف و مال تستأجر الرجال في مالها و تضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه و كانت قريش قوما تجارا فلما بلغها عن رسول الله ص من صدق حديثه و عظيم أمانته و كرم أخلاقه بعثت إليه و عرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام و تعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله منها رسول الله ص و خرج في مالها ذلك و معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام فنزل رسول الله ص في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة فقال ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي ثم باع رسول الله ص سلعته التي خرج فيها و اشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة و معه ميسرة و كان ميسرة فيما يزعمون قال إذا كانت الهاجرة و اشتد الحر نزل ملكان يظلانه من الشمس و هو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بما لها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا و حدثها ميسرة عن قول الراهب و عما كان يرى من إظلال الملكين فبعثت إلى رسول الله فقالت له فيما يزعمون يا ابن عم قد رغبت فيك لقرابتك مني و شرفك في قومك و سطتك فيهم و أمانتك عندهم و حسن خلقك و صدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها و كانت خديجة امرأة حازمة لبيبة و هي يومئذ أوسط قريش نسبا و أعظمهم شرفا و أكثرهم مالا و كل قومها قد كان حريصا على ذلك لو يقدر عليه فلما قالت لرسول الله ص ما قالت ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها رسول الله ص. و روى بإسناده عن ابن شهاب الزهري قال لما استوى رسول الله ص و بلغ أشده و ليس له كثير مال استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق حباشة و هو سوق بتهامة و استأجرت معه رجلا آخر من قريش فقال رسول الله ص ما رأيت من صاحبه لأجير
خيرا من خديجة ما كنا نرجع أنا و صاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبأه لنا. و منه قال الدولابي يرفعه عن رجاله أنه كان من بدء أمر رسول الله ص أنه رأى في المنام رؤيا فشق عليه فذكر ذلك لصاحبته خديجة فقالت له أبشر فإن الله تعالى لا يصنع بك إلا خيرا فذكر لها أنه رأى أن بطنه أخرج فطهر و غسل ثم أعيد كما كان قالت هذا خير فأبشر ثم استعلن له جبرئيل فأجلسه على ما شاء الله أن يجلسه عليه و بشره برسالة الله حتى اطمأن ثم قال اقرأ قال كيف أقرأ قال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ فقبل رسول الله صلى الله عليه و آله رسالة ربه و اتبع الذي جاء به جبرئيل من عند الله و انصرف إلى أهله فلما دخل على خديجة قال أ رأيتك الذي كنت أحدثك و رأيته في المنام فإنه جبرئيل استعلن و أخبرها بالذي جاءه من عند الله و سمع فقالت أبشر يا رسول الله فو الله لا يفعل الله بك إلا خيرا فاقبل الذي أتاك الله و أبشر فإنك رسول الله حقا. و روي مرفوعا إلى الزهري قال كانت خديجة أول من آمن برسول الله ص. و عن ابن شهاب أنزل الله على رسوله القرآن و الهدى و عنده خديجة بنت خويلد. و قال ابن حماد بلغني أن رسول الله ص تزوج خديجة على اثنتي عشرة أوقية ذهبا و هي يومئذ ابنة ثماني و عشرين سنة. و حدثني ابن البرقي أبو بكر عن ابن هشام عن غير واحد عن أبي عمرو بن العلاء قال تزوج رسول الله ص خديجة و هو ابن خمس و عشرين سنة. و عن قتادة بن دعامة قال كانت خديجة قبل أن يتزوج بها رسول الله ص عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يقال ولدت له جارية و هي أم محمد بن صيفي المخزومي ثم خلف عليها بعد عتيق أبو هالة هند بن زرارة التيمي فولدت له هند بن هند ثم تزوجها رسول الله ص. و بإسناده يرفعه إلى محمد بن إسحاق قال كانت خديجة أول من آمن بالله و رسوله و صدقت بما جاء من الله و وازرته على أمره فخفف الله بذلك عن رسول الله ص و كان لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه و تكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله بها إذا رجع إليها تثبته و تخفف عنه و تهون عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله. و عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير أنه حدث عن خديجة أنها قالت لرسول الله ص أي ابن عم أ تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك قال نعم قالت فإذا جاءك فأخبرني فجاء جبرئيل ع فقال رسول الله ص لخديجة يا خديجة هذا جبرئيل قد جاءني قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى فقام رسول الله ص فجلس عليها قالت هل تراه قال نعم قالت فتحول فاقعد على فخذي اليمنى فتحول فقالت هل تراه قال نعم قالت فاجلس في حجري ففعل قالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت و أبشر فو الله إنه لملك و ما هو بشيطان. قال ابن إسحاق قد حدثت بهذا الحديث عبد الله بن حسن قال سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول أدخلت رسول الله ص بينها و بين درعها فذهب عند ذلك جبرئيل فقالت خديجة لرسول الله ص إن هذا لملك و ما هو بشيطان. و عن ابن إسحاق أن خديجة بنت خويلد و أبا طالب ماتا في عام واحد فتتابع على رسول الله ص هلاك خديجة و أبي طالب و كانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام و كان رسول الله ص يسكن إليها. و عن عروة بن الزبير قال توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة و قال رسول الله صلى الله عليه و آله أريت بخديجة بيتا من قصب لا صخب فيه و لا نصب. و قال ابن هشام حدثني من أثق به أن جبرئيل أتى النبي ص فقال اقرأ خديجة من ربها السلام فقال رسول الله ص يا خديجة هذا جبرئيل يقرئك من ربك السلام قالت خديجة الله السلام و منه السلام و على جبرئيل السلام. و روي أن آدم ع قال إني لسيد البشر يوم القيامة إلا رجل من ذريتي
نبي من الأنبياء يقال له محمد ص فضل علي باثنتين زوجته عاونته و كانت له عونا و كانت زوجتي علي عونا و إن الله أعانه على شيطانه فأسلم و كفر شيطاني. و عن عائشة قالت كان رسول الله إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها و استغفار لها فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة فقلت لقد عوضك الله من كبيرة السن قالت فرأيت رسول الله ص غضب غضبا شديدا فسقطت في يدي فقلت اللهم إنك إن أذهبت بغضب رسولك ص لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت قالت فلما رأى رسول الله ص ما لقيت قال كيف قلت و الله لقد آمنت بي إذ كفر الناس و آوتني إذ رفضني الناس و صدقتني إذ كذبني الناس و رزقت مني حيث حرمتموه قالت فغدا و راح علي بها شهرا. و روي أن خديجة رضوان الله عليها كانت تكنى أم هند. و عن ابن عباس أن عم خديجة عمرو بن أسد زوجها رسول الله ص و أن أباها مات قبل الفجار. و عن ابن عباس أنه تزوجها ص و هي ابنة ثماني و عشرين سنة و مهرها اثنتي عشرة أوقية و كذلك كانت مهور نسائه و قيل إنها ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة و تزوجها ص و هي بنت أربعين سنة و رسول الله ص ابن خمس و عشرين سنة. و حديث عفيف و رؤيته النبي ص و خديجة و عليا يصلون حين قدم تاجرا إلى العباس و قوله لا و الله ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة قد تقدم ذكره بطريقه فلا حاجة لنا إلى ذكره لأنه لم يختلف في أنها رضي الله عنها أول الناس إسلاما و قال ابن سعد يرفعه إلى حكم بن حزام قال توفيت خديجة في شهر رمضان سنة عشرة من النبوة و هي ابنة خمس و ستين سنة فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون فنزل رسول الله ص في حفرتها و لم يكن يومئذ صلاة على الجنازة قيل و متى ذلك يا أبا خالد قال قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها و بعد خروج بني هاشم من الشعب بيسير قال فكانت أول امرأة تزوجها رسول الله ص و أولاده كلهم منها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية. هذا آخر ما نقلته من كتاب الجنابذي. بيان قوله وسطتك بكسر السين أي كونك وسطهم و متوسطا بينهم أي أشرفهم قال الجوهري وسطت القوم أسطهم وسطا و وسطة أي توسطتهم و فلان وسيط في قومه إذا كان أوسطهم نسبا و أرفعهم محلا انتهى. قوله ص و رزقت مني أي الولد أو الإسلام قولها فغدا و راح علي بها شهرا لعل المعنى أنه ص كان إلى شهر يذكر خديجة و فضلها في الغدو و الرواح أو لما علم ندامتي في أمرها كان يغدو و يروح إلي لطفا بي
13- كا، ]الكافي[ بعض أصحابنا عن علي بن الحسين عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله ع قال لما أراد رسول الله ص أن يتزوج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته و معه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم و ذرية إسماعيل و أنزلنا حرما آمنا و جعلنا الحكام على الناس و بارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ثم إن ابن أخي هذا يعني رسول الله ص ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به و لا يقاس به رجل إلا عظم عنه و لا عدل له في الخلق و إن كان مقلا في المال فإن المال رفد جار و ظل زائل و له في خديجة رغبة و لها فيه رغبة و قد جئناك لنخطبها إليك برضاها و أمرها و المهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله و آجله و له و رب هذا البيت خط عظيم و دين شائع و رأي كامل ثم سكت أبو طالب فتكلم عمها و تلجلج و قصر عن جواب أبي طالب و أدركه القطع و البهر و كان رجلا من القسيسين فقالت خديجة مبتدئة يا عماه إنك و إن كنت أولى بنفسي مني في الشهود فلست أولى بي من نفسي قد زوجتك يا محمد نفسي و المهر علي في مالي فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها و ادخل على أهلك قال أبو طالب اشهدوا عليها بقبولها محمد و ضمانها المهر في مالها فقال بعض قريش يا عجباه المهر على النساء للرجال فغضب أبو طالب غضبا شديدا و قام على قدميه و كان ممن يهابه الرجال و يكره غضبه فقال إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان و أعظم المهر و إذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي و نحر أبو طالب ناقة و دخل رسول الله صلى الله عليه و آله بأهله فقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم
هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت لك الطير فما كان منك بأسعد
تزوجت خير البرية كلها و من ذا الذي في الناس مثل محمدو بشر به البران عيسى ابن مريم و موسى بن عمران فيا قرب موعدأقرت به الكتاب قدما بأنه رسول من البطحاء هاد و مهتد
بيان الزرع الولد قوله فإن المال رفد جار أي عطاء مستمر يجريه الله على عباده بقدر حاجتهم و قد مر مكانه ورق حائل و سيأتي من الفقيه رزق حائل. و البهر بالضم انقطاع النفس من الإعياء قولها و إن كنت أولى بنفسي مني لعل المعنى أنك و إن كنت أولى بأمري في محضر الناس عرفا فلست أولى بأمري واقعا أو إن كنت أولى في الحضور و التكلم بمحضر الناس فلست أولى مني في أصل الرضا و القبول أو إن كنت قادرا على إهلاكي و أمكنك فيه لكني لا أمكنك في ترك هذا الأمر و لعل الأوسط أظهر قوله قد جرت لك الطير يقال للحظ من الخير و الشر طائر لقول العرب جرى لفلان الطائر بكذا من الخير و الشر على طريقة التفؤل و الطيرة و أصله أنهم كانوا يتفألون و يتطيرون بالسوانح و البوارح من الطير عند توجههم إلى مقاصدهم و يحتمل أن يكون المعنى انتشر أسعد الأخبار منك في الآفاق سريعا بسبب ما كان منك من حسن الاختيار فإن الطير أسرع في إيصال الأخبار من غيرها و الأول أظهر و البر بالفتح الصادق و الكثير البر و القدم بالكسر خلاف الحدوث يقال قدما كان كذا
14- كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن سالم عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال دخل رسول الله ص على خديجة حيث مات القاسم ابنها و هي تبكي فقال لها ما يبكيك فقالت درت دريرة فبكيت فقال يا خديجة أ ما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيء إلى باب الجنة و هو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنة و ينزلك أفضلها و ذلك لكل مؤمن إن الله عز و جل أحكم و أكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذبه بعدها أبدا
15- كا، ]الكافي[ العدة عن البرقي عن إسماعيل بن مهران عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال توفي طاهر بن رسول الله ص فنهى رسول الله ص خديجة عن البكاء فقالت بلى يا رسول الله و لكن درت عليه الدريرة فبكيت فقال لها أ ما ترضين أن تجديه قائما على باب الجنة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكانا و أطيبها قالت و إن ذلك كذلك قال فإن الله أعز و أكرم من أن يسلب عبدا ثمرة فؤاده فيصبر و يحتسب و يحمد الله عز و جل ثم يعذبه
16- نهج، ]نهج البلاغة[ و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله ص و خديجة و أنا ثالثها
17- يه، ]من لا يحضر الفقيه[ خطب أبو طالب رحمه الله لما تزوج النبي ص خديجة بنت خويلد رحمها الله بعد أن خطبها إلى أبيها و من الناس من يقول إلى عمها فأخذ بعضادتي الباب و من شاهده من قريش حضور فقال الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم و ذرية إسماعيل و جعل لنا بيتا محجوجا و حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ و جعلنا الحكام على الناس في بلدنا الذي نحن فيه ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح و لا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه و إن كان في المال قل فإن المال رزق حائل و ظل زائل و له في خديجة رغبة و لها فيه رغبة و الصداق ما سألتم عاجله و آجله من مالي و له خطر عظيم و شأن رفيع و لسان شافع جسيم فزوجه و دخل بها من الغد فأول ما حملت ولدت عبد الله بن محمد ص
18- أقول قال الكازروني في المنتقى روي أن خزيمة بن حكيم السلمي كانت بينه و بين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها قرابة و أنه قدم عليها و كان إذا قدم عليها أصابته بخير فوجهته مع رسول الله ص و غلام لها يقال له ميسرة في تجارة إلى بصرى من أرض الشام فأحب خزيمة رسول الله ص حبا شديدا فكان لا يفارقه في نومه و لا في يقظته فساروا حتى إذا كانوا بين الشام و الحجاز قام على ميسرة بعيران لخديجة و كان رسول الله ص في أول الركب فخاف ميسرة على نفسه و على البعيرين فانطلق يسعى إلى رسول الله ص فأخبره بذلك فأقبل النبي ص إلى البعيرين فوضع يديه على أخفافهما و عوذهما فانطلق البعيران يسعيان في أول الركب لهما رغاء فلما رأى خزيمة ذلك علم أن له شأنا عظيما فحرص على لزومه و محافظته و ساروا حتى إذا دخلوا الشام نزلوا براهب من رهبان الشام فنزل رسول الله ص تحت شجرة و نزل الناس متفرقين و كانت الشجرة التي نزل تحتها شجرة يابسة قحلة قد تساقط ورقها و نخر عودها فلما نزل رسول الله ص و اطمأن تحتها أنورت و أشرقت و اعشوشب ما حولها و أينع ثمرها و تدلت أغصانها فرفرفت على رسول الله ص و كان ذلك بعين الراهب فلم يتمالك أن انحدر من صومعته فقال له سألتك باللات و العزى فقال إليك عني ثكلتك أمك فما تكلمت العرب بكلمة أثقل علي من هذه الكلمة و كان ذلك مكرا من الراهب و كان معه حين نزل من صومعته رق أبيض فجعل ينظر فيه مرة و إلى النبي صلى الله عليه و آله أخرى ثم أكب ينظر فيه مليا فقال هو هو و منزل الإنجيل فلما سمع بذلك خزيمة ظن أن الراهب يريد بالنبي ص مكرا فضرب بيده إلى قائمة سيفه فانتزعه و جعل يصيح بأعلى صوته يا آل غالب فأقبل الناس يهرعون إليه من كل ناحية يقولون ما الذي راعك فلما نظر الراهب إلى ذلك أقبل يسعى إلى صومعته فدخلها و أغلق عليه بابها ثم أشرف عليهم فقال يا قوم ما الذي راعكم مني فو الذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ ما نزل بي ركب هو أحب إلي منكم و إني لأجد في هذه الصحيفة أن النازل تحت هذه الشجرة و أومأ بيده إلى الشجر التي تحتها رسول الله ص هو رسول رب العالمين يبعث بالسيف المسلول و بالذبح الأكبر و هو خاتم النبيين فمن أطاعه نجا و من عصاه غوى ثم أقبل على خزيمة فقال ما تكون من هذا الرجل أ رجلا من قومه قال لا و لكن خادم له و حدثه بحديث البعيرين فقال له الراهب أيها الرجل إنه النبي الذي يبعث في آخر الزمان و إني مفوض إليك أمرا و مستكتمك خبرا و عاهد إليك عهدا فقال ما هو فإني سامع لقولك و كاتم لسرك و مطيع لأمرك فقال إني أجد في هذه الصحيفة أنه يظهر على البلاد و ينصر على العباد و لا ترد له راية و لا تدرك له غاية و إن له أعداء أكثرهم اليهود أعداء الله فاحذرهم عليه فأسر خزيمة ذلك في نفسه ثم أقبل على رسول الله ص فقال يا محمد إني لأرى فيك شيئا ما رأيته في أحد من الناس إني لأحسبك النبي الذي يذكر أنه يخرج من تهامة و إنك لصريح في ميلادك و الأمين في أنفس قومك و إني لأرى عليك من الناس محبة و إني مصدقك في قولك و ناصرك على عدوك فانطلقوا يؤمون الشام فقضوا بها حوائجهم ثم رجعوا
ثم قال فأرسلت خديجة إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر و دخل رسول الله صلى الله عليه و آله في عمومته فتزوجها و هو ابن خمس و عشرين سنة و خديجة يومئذ بنت أربعين سنة. و قد روى قوم أنه زوجها أبوها في حال سكره. قال الواقدي هذا غلط و الصحيح أن عمها زوجها و أن أباها مات قبل الفجار. و ذكر أن أبا طالب خطب يومئذ و ذكر ما مر فلما أتم أبو طالب خطبته تكلم ورقة بن نوفل فقال الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت و فضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب و قادتها و أنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم و لا يرد أحد من الناس فخركم و شرفكم و قد رغبنا بالاتصال بحبلكم و شرفكم فاشهدوا علي معاشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على أربعمائة دينار ثم سكت ورقة و تكلم أبو طالب و قال قد أحببت أن يشركك عمها فقال عمها اشهدوا علي يا معشر قريش إني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد و شهد علي بذلك صناديد قريش فأمرت خديجة جواريها أن يرقصن و يضربن بالدفوف و قالت يا محمد مر عمك أبا طالب ينحر بكرة من بكراتك و أطعم الناس على الباب و هلم فقل مع أهلك فأطعم الناس و دخل رسول الله ص فقال مع أهله خديجة
19- أقول قال أبو الحسن البكري في كتاب الأنوار مر النبي ص يوما بمنزل خديجة بنت خويلد و هي جالسة في ملإ من نسائها و جواريها و خدمها و كان عندها حبر من أحبار اليهود فلما مر النبي ص نظر إليه ذلك الحبر و قال يا خديجة اعلمي أنه قد مر الآن ببابك شاب حدث السن فأمري من يأتي به فأرسلت إليه جارية من جواريها و قالت يا سيدي مولاتي تطلبك فأقبل و دخل منزل خديجة فقالت أيها الحبر هذا الذي أشرت إليه قال نعم هذا محمد بن عبد الله قال له الحبر اكشف لي عن بطنك فكشف له فلما رآه قال هذا و الله خاتم النبوة فقالت له خديجة لو رآك عمه و أنت تفتشه لحلت عليك منه نازلة البلاء و إن أعمامه ليحذرون عليه من أحبار اليهود فقال الحبر و من يقدر على محمد هذا بسوء هذا و حق الكليم رسول الملك العظيم في آخر الزمان فطوبى لمن يكون له بعلا و تكون له زوجة و أهلا فقد حازت شرف الدنيا و الآخرة فتعجبت خديجة و انصرف محمد و قد اشتغل قلب خديجة بنت خويلد بحبه و كانت خديجة ملكة عظيمة و كان لها من الأموال و المواشي شيء لا يحصى فقالت أيها الحبر بم عرفت محمدا أنه نبي قال وجدت صفاته في التوراة أنه المبعوث آخر الزمان يموت أبوه و أمه و يكلفه جده و عمه و سوف يتزوج بامرأة من قريش سيدة قومها و أميرة عشيرتها و أشار بيده إلى خديجة ثم بعد ذلك قال لها احفظي ما أقول لك يا خديجة و أنشأ يقول.
يا خديجة لا تنسي الآن قولي. و خذي منه غاية المحصول.يا خديجة هذا النبي بلا شك. هكذا قد قرأت في الإنجيل.سوف يأتي من الإله بوحي. ثم يجبى من الإله بالتنزيل.و يزوجه بالفخار و يحظى. في الورى شامخا على كل جيل.
فلما سمعت خديجة ما نطق به الحبر تعلق قلبها بالنبي ص و كتمت أمرها فلما خرج من عندها قال اجتهدي أن لا يفوتك محمد فهو الشرف في الدنيا و الآخرة و كان لخديجة عم يقال له ورقة و كان قد قرأ الكتب كلها و كان عالما حبرا و كان يعرف صفات النبي الخارج في آخر الزمان و كان عند ورقة أنه يتزوج بامرأة سيدة من قريش تسود قومها و تنفق عليه مالها و تمكنه من نفسها و تساعده على كل الأمور فعلم ورقة أنه ليس بمكة أكثر مالا من خديجة فرجا ورقة أن تكون ابنة أخيه خديجة و كان يقول لها يا خديجة سوف تتصلين برجل يكون أشرف أهل الأرض و السماء و كان لخديجة في كل ناحية عبيد و مواشي حتى قيل إن لها أزيد من ثمانين ألف جمل متفرقة في كل مكان و كان لها في كل ناحية تجارة و في كل بلد مال مثل مصر و الحبشة و غيرها و كان أبو طالب رضي الله عنه قد كبر و ضعف عن كثرة السفر و ترك ذلك من حيث كفل النبي ص فدخل عليه النبي ص ذات يوم فوجده مهموما فقال ما لي أراك يا عم مهموما فقال يا ابن أخي اعلم أنه لا مال لنا و قد اشتد الزمان علينا و ليس لنا مادة و أنا قد كبرت و ضعف جسمي و قل ما بيدي و أريد أن أنزل إلى ضريحي و أريد أن أرى لك زوجة تسر قلبي يا ولدي لتسكن إليها و معيشة يرجع نفعها إليك فقال له النبي ص ما عندك يا عم من الرأي قال اعلم يا ابن أخي أن هذه خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس و هي تعطي مالها سائر من يسألها التجارة و يسافرون به فهل لك يا ابن أخي أن تمضي معي إليها و نسألها أن تعطيك مالا تتجر فيه فقال نعم قم إليها و افعل ما بدا لك. قال أبو الحسن البكري لما اجتمع بنو عبد المطلب قال أبو طالب لإخوته امضوا بنا إلى دار خديجة بنت خويلد حتى نسألها أن تعطي محمدا مالا يتجر به فقاموا من وقتهم و ساعتهم و ساروا إلى دار خديجة و كان لخديجة دار واسعة تسع أهل مكة جميعا و قد جعلت أعلاها قبة من الحرير الأزرق و قد رقمت في جوانبها صفة الشمس و القمر و النجوم و قد ربطته من حبال الإبريسم و أوتاد من الفولاد و كانت قد تزوجت برجلين أحدهما اسمه أبو شهاب و هو عمرو الكندي و الثاني اسمه عتيق بن عائذ فلما ماتا خطبها عقبة بن أبي معيط و الصلت بن أبي يهاب و كان لكل واحد منهما أربعمائة عبد و أمة و خطبها أبو جهل بن هشام و أبو سفيان و خديجة لا ترغب في واحد منهم و كان
قد تولع قلبها بالنبي ص لما سمعت من الأحبار و الرهبان و الكهان و ما يذكرونه من الدلالات و ما رأت قريش من الآيات فكانت تقول سعدت من تكون لمحمد قرينة فإنه يزين صاحبه و ازداد بها الوجد و لج بها الشوق فبعثت إلى عمها ورقة بن نوفل فقالت له يا عم أريد أن أتزوج و ما أدري بمن يكون و قد أكثر علي الناس و قلبي لا يقبل منهم أحدا فقال لها ورقة يا خديجة أ لا أعلمك بحديث غريب و أمر عجيب قالت و ما هو يا عم قال عندي كتاب من عهد عيسى ع فيه طلاسم و عزائم أعزم بها على ماء و تأخذينه و تغسلين به ثم أكتب كتابا فيه كلمات من الزبور و كلمات من الإنجيل فتضعيه تحت رأسك عند النوم و أنت على فراشك ملتفة بثيابك فإن الذي يكون زوجك يأتيك في منامك حتى تعرفيه باسمه و كنيته فقالت افعل يا عم قال حبا و كرامة و كتب الكتاب و أعطاها إياه و فعلت ما أمرها به و نامت فرأت كان قد جاء إليها رجل لا بالطويل الشاهق و لا بالقصير اللاذق أدعج العينين أزج الحاجبين أحور المقلتين عقيقي الشفتين مورد الخدين أزهر اللون مليح الكون معتدل القامة تظله الغمامة بين كتفيه علامة راكب على فرس من نور مزمم بسلسلة من ذهب على ظهره سرج من العقيان مرصع بالدر و الجوهر له وجه كوجه الآدميين منشق الذنب له أرجل كالبقر خطوته مد البصر و هو يرقل بالراكب و كان خروجه من دار أبي طالب فلما رأته خديجة ضمته إلى صدرها و أجلسته في حجرها و لم تنم باقي ليلتها إلى أن أقبلت إلى عمها ورقة و قالت أنعمت صباحا يا عم قال و أنت لقيت نجاحا فلعلك رأيت شيئا في منامك قالت رأيت رجلا صفته كذا و كذا فعندها قال ورقة يا خديجة إن صدقت رؤياك تسعدين و ترشدين فإن الذي رأيته متوج بتاج الكرامة الشفيع في العصاة يوم القيامة سيد العرب و العجم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم قالت و كيف لي بما تقول يا عم و أنا كما يقول الشاعر
أسير إليكم قاصدا لأزوركم. و قد قصرت بي عند ذاك رواحلي.و ملك الأماني خدعة غير أنني. أعلل حد الحادثات بباطل.أحمل برق الشرق شوقا إليكم. و أسأل ريح الغرب رد رسائلي.
قال فزاد بها الوجد و كانت إذا خلت بنفسها فاضت عبرتها أسفا و جرت دمعتها لهفا و هي تقول
كم أستر الوجد و الأجفان تهتكه. و أطلق الشوق و الإغضاء تمسكه.جفاني القلب لما أن تملكه. غيري فوا أسفا لو كنت أملكه.ما ضر من لم يدع مني سوى رمقي. لو كان يسمح بالباقي فيتركه.
قال الراوي و أعجب ما رأيت في هذا الأمر العجيب و الحديث الغريب أن خديجة لم تفرغ من شعرها إلا و قد طرق الباب فقالت لجاريتها انزلي و انظري من بالباب لعل هذا خبر من الأحباب ثم أنشأ يقول
أيا ريح الجنوب لعل علم. من الأحباب يطفئ بعض حري.و لم لا حملوك إلي منهم. سلاما أشتريه و لو بعمري.و حق ودادهم إني كتوم. و إني لا أبوح لهم بسري.أراني الله وصلهم قريبا. و كم يسر أتى من بعد عسر.فيوم من فراقكم كشهر. و شهر من وصالكم كدهر.
قال ثم نزلت الجارية و إذا أولاد عبد المطلب بالباب فرجعت إلى خديجة و قالت يا سيدتي إن بالباب سادات العرب ذوي المعالي و الرتب أولاد عبد المطلب فرمقت خديجة رمق الهوى و نزل بها دهش الجوى و قالت افتحي لهم الباب و أخبري ميسرة يعتد لهم المساند و الوسائد فإني أرجو أن يكونوا قد أتوني بحبيبي محمد ثم قالت شعرا
ألذ حياتي وصلكم و لقاكم. و لست ألذ العيش حتى أراكم.و ما استحسنت عيني من الناس غيركم. و لا لذ في قلبي حبيب سواكم.على الرأس و العينين جملة سعيكم. و من ذا الذي في فعلكم قد عصاكم.فها أنا محسوب عليكم بأجمعي. و روحي و مالي يا حبيبي فداكم.و ما غيركم في الحب يسكن مهجتي. و إن شئتم تفتيش قلبي فهاكم.
قال صاحب الحديث و بسط لهم ميسرة المجلس بأنواع الفرش فما استقر بالقوم الجلوس إلا و قد قدم لهم أصناف الطعام و الفواكه من الطائف و الشام فأكلوا و أخذوا في الحديث فقالت لهم خديجة من وراء الحجاب بصوت عذب و كلام رطب يا سادات مكة أضاءت بكم الديار و أشرقت بكم الأنوار فلعل لكم حاجة فتقضى أو ملمة فتمضى فإن حوائجكم مقضية و قناديلكم مضيئة فقال أبو طالب رضي الله عنه جئناك في حاجة يعود نفعها إليك و بركتها عليك قالت يا سيدي و ما ذلك قال جئناك في أمر ابن أخي محمد فلما سمعت ذلك غاب رشدها عن الوجود و أيقنت بحصول المقصود و قالت شعرا
بذكركم يطفئ الفؤاد من الوقد. و رؤيتكم فيها شفا أعين الرمد.و من قال إني أشتفي من هواكم. فقد كذبوا لو مت فيه من الوجد.و ما لي لا أملأ سرورا بقربكم. و قد كنت مشتاقا إليكم على البعد.
تشابه سري في هواكم و خاطري. فأبدي الذي أخفى و أخفى الذي أبدي.
ثم قالت بعد ذلك يا سيدي أين محمد حتى نسمع ما يقول قال العباس رضي الله عنه أنا آتيكم به فنهض و سار يطلبه من الأبطح فلم يجده فالتفت يمينا و شمالا فقالوا ما تريد فقال أريد محمدا فقالوا له في جبل حري فسار إليه فإذا هو فيه نائما في مرقد إبراهيم الخليل ع ملتفا ببردة و عند رأسه ثعبان عظيم في فمه طاقة ريحان يروحه بها فلما نظر إليه العباس قال خفت عليه من الثعبان فجذبت سيفي و هممت بالثعبان فحمل الثعبان على العباس فلما رأى العباس ذلك صاح من وقته أدركني يا ابن أخي ففتح النبي ص عينيه فذهب الثعبان كأنه لم يكن فقال النبي ص ما لي أرى سيفك مسلولا قال رأيت هذا الثعبان عندك فسللت سيفي و قصدته خوفا عليك منه فعرفت في نفسي الغلبة فصحت بك فلما فتحت عينك ذهب كأنه لم يكن فتبسم النبي ص و قال يا عم ليس هذا بثعبان و لكنه ملك من الملائكة و لقد رأيته مرارا و خاطبته جهارا و قال لي يا محمد إني ملك من عند ربي موكل بحراستك في الليل و النهار من كيد الأعداء و الأشرار قال ما ينكر فضلك يا محمد فقال له سر معي إلى دار خديجة بنت خويلد تكون أمينا على أموالها تسير بها حيث شئت قال أريد الشام قال ذلك إليك فسار النبي ص و العباس إلى بيت خديجة و كان من عادته ص إذا أراد زيارة قوم سبقه النور إلى بيتهم فسبقه النور إلى بيت خديجة فقالت لعبدها ميسرة كيف غفلت عن الخيمة حتى عبرت الشمس إلى المجلس قال لست بغافل عنها و خرج فلم يجد تغير وتد و لا طنب و نظر إلى العباس فوجده قد أقبل هو و النبي ص معه فرجع و قال لها يا مولاتي هذا الذي رأيته من أنوار محمد ص فجاءت خديجة لتنظر إلى محمد فلما دخل المجلس نهض أعمامه إجلالا له و أجلسوه في أوساطهم فلما استقر بهم الجلوس قدمت لهم خديجة الطعام فأكلوا ثم قالت خديجة يا سيدي أنست بك الديار و أضاءت بك الأقدار و أشرقت من طلعتك الأنوار أ ترضى أن تكون أمينا على أموالي تسير بها حيث شئت قال نعم رضيت ثم قال أريد الشام قالت ذلك إليك و إني قد جعلت لمن يسير على أموالي مائة وقية من الذهب الأحمر و مائة وقية من الفضة البيضاء و جملين و راحلتين فهل أنت راض فقال أبو طالب رضي الله عنه رضي و رضينا و أنت يا خديجة محتاجة إليه لأنه من حين خلق ما وقف له العرب على صبوة و إنه مكين أمين قالت خديجة تحسن يا سيدي تشد على الجمل و ترفع عليه الأحمال قال نعم قالت يا ميسرة ايتني ببعير حتى أنظر كيف يشد عليه محمد فخرج ميسرة و أتى ببعير شديد المراس قوي البأس لم يجسر أحد من الرعاة أن يخرجه من بين الإبل لشدة بأسه فأدناه ليركبه فهدر و شقشق و احمرت عيناه فقال له العباس ما كان عندك أهون من هذا البعير تريد أن تمتحن به ابن أخينا فعند ذلك قال النبي ص دعه يا عم فلما سمع البعير كلام البشير النذير برك على قدمي النبي ص و جعل يمرغ وجهه على قدمي النبي ص و نطق بكلام فصيح و قال من مثلي و قد لمس ظهري سيد المرسلين فقلن النسوة اللاتي كن عند خديجة ما هذا إلا سحر عظيم قد أحكمه هذا اليتيم قالت لهم خديجة ليس هذا سحرا و إنما هو آيات بينات و كرامات ظاهرات ثم قالت
نطق البعير بفضل أحمد مخبرا. هذا الذي شرفت به أم القرى.هذا محمد خير مبعوث أتى. فهو الشفيع و خير من وطأ الثرى.يا حاسديه تمزقوا من غيظكم. فهو الحبيب و لا سواه في الورى.
قال و خرج أولاد عبد المطلب و أخذوا في أهبة السفر فالتفتت خديجة إلى النبي صلى الله عليه و آله و قالت يا سيدي ما معك غير هذه الثياب فليست هذه تصلح للسفر فقال لست أملك غيرها فبكت خديجة و قالت عندي يا سيدي ما يصلح للسفر غير أنهن طوال فأمهل حتى أقصرها لك فقال هلمي بها و كان ص إذا لبس القصير يطول و إذا لبس الطويل يقصر كأنه مفصل عليه فأخرجت له ثوبين من قباطي مصر و جبة عدنية و بردة يمنية و عمامة عراقية و خفين من الأديم و قضيب خيزران فلبس النبي ص الثياب و خرج كأنه البدر في تمامه فلما نظرت إليه جعلت تقول
أوتيت من شرف الجمال فنونا. و لقد فتنت بها القلوب فتونا.قد كونت للحسن فيك جواهر. فيها دعيت الجوهر المكنونا.يا من أعار الظبي في لفتاته. للحسن جيدا ساميا و جفونا.انظر إلى جسمي النحيل و كيف قد. أجريت من دمع العيون عيونا.
أسهرت عيني في هواك صبابة. و ملئت قلبي لوعة و جنونا.
ثم قالت يا سيدي عندك ما تركب عليه قال إذا تعبت ركبت أي بعير أردت قالت و ما يحملني على ذلك لا كانت الأموال دونك يا محمد ثم قالت لعبدها ميسرة ايتني بناقتي الصهباء حتى يركبها سيدي محمد فأتى بها ميسرة و هي تزيد على الأوصاف لا يلحقها في سيرها تعب و لا يصيبها نصب كأنها خيمة مضروبة أو قبة منصوبة ثم التفتت إلى ميسرة و ناصح و قالت لهما اعلما أنني قد أرسلت إليكما أمينا على أموالي و إنه أمير قريش و سيدها فلا يد على يده فإن باع لا يمنع و إن ترك لا يؤم و ليكن كلامكما له بلطف و أدب و لا يعلو كلامكما على كلامه قال عبدها ميسرة و الله يا سيدتي إن لمحمد عندي محبة عظيمة قديمة و الآن قد تضاعف لمحبتك له ثم إن النبي ص ودع خديجة و ركب راحلته و خرج و ميسرة و ناصح بين يديه و عين الله ناظرة إليه فعندها قالت خديجة شعرا
قلب المحب إلى الأحباب مجذوب. و جسمه بيد الأسقام منهوب.و قائل كيف طعم الحب قلت له. الحب عذب و لكن فيه تعذيب.أقذى الذين على خدي لبعدهم. دمي و دمعي مسفوح و مسكوب.ما في الخيام و قد سارت ركابهم. إلا محب له في القلب محبوب.كأنما يوسف في كل ناحية. و الحز في كل بيت فيه يعقوب.
ثم إن النبي ص سار مجدا للسير إلى الأبطح فوجد القوم مجتمعين و هم لقدومه منتظرون فلما نظروا إلى جمال سيد المرسلين و قد فاق الخلق أجمعين فرح المحب و اغتم الحاسد و ظهر الحسد و الكمد فيمن سبقت له الشقاوة من المكذبين و زادت عقيدة من سبقت له السعادة من المؤمنين فلما نظر العباس إليهم أنشأ يقول
يا مخجل الشمس و البدر المنير إذا. تبسم الثغر لمع البرق منه أضا.كم معجزات رأينا منك قد ظهرت. يا سيدا ذكره يشفي به المرضى.
فلما نظر النبي ص إلى أموال خديجة على الأرض و لم يحمل منها شيء زعق على العبيد و قال ما الذي منعكم عن شد رحالكم قالوا يا سيدنا لقلة عددنا و كثرة أموالنا فأبرك راحلته و نزل و لوى ذيله في دور منطقته و صار يزعق بالبعير فيقول بإذن الله تعالى فتعجب الناس من فعله فنظر العباس إلى النبي ص و قد احمرت وجناته من العرق فقال كيف أخلي الشمس تقرح هذا الوجه الكريم فعمد إلى خشبة و قال لأتخذن منها حجفة تظل محمدا من حر الشمس فارتجت الأقطار و تجلى الملك الجبار و أمر الأمين جبرئيل ع أن يهبط إلى رضوان خازن الجنان و قل له يخرج لك الغمامة التي خلقتها لحبيبي محمد ص قبل أن أخلق آدم بألفي عام و انشرها على رأس حبيبي محمد فلما رأوها شخصت نحوها الأبصار و قال العباس إن محمدا لكريم على ربه و لقد استغنى عن حجفتي ثم أنشأ يقول
وقف الهوى بي حيث كنت فليس لي. متقدم عنكم و لا متأخر.
ثم سار القوم حتى نزلوا بجحفة الوداع و حطوا رحالهم حتى يلحق بهم المتأخرون فقال مطعم بن عدي يا قوم إنكم سائرون إلى أرض كثيرة المهامة و الأوعار و ليس لكم مقدم تستشيرون به و ترجعون إلى أمره و الرأي عندي أنكم تقدمون عليكم رجلا لتستندوا إلى رأيه و ترجعوا إلى أمره عن المنازع و المخالف قالوا نعم ما أشرت به فقال بنو مخزوم نحن نقدم علينا أخانا عمرو بن هشام المخزومي و قال بنو عدي نحن نقدم علينا أميرنا مطعم بن عدي و قال بنو النضر نحن نقدم علينا أميرنا النضر بن الحارث و قال بنو زهرة نحن نقدم علينا أميرنا أحيحة بن الجلاح و قال بنو لوي نحن نقدم علينا أبا سفيان صخر بن حرب و قال ميسرة و الله ما نقدم علينا إلا سيدنا محمد بن عبد الله و قال بنو هاشم و نحن أيضا نقدم علينا محمدا فقال أبو جهل لئن قدمتم علينا محمدا لأضعن هذا السيف في بطني و أخرجه من ظهري فقبض حمزة على سيفه و قال يا وغد الرجال و يا نذل الأفعال و الله ما أريد إلا أن يقطع الله يديك و رجليك و يعمي عينيك فقال له النبي ص اغمد سيفك يا عماه و لا تستفتحوا سفركم بالشر دعوهم يسيرون أول النهار و نحن نسير آخره فإن التقدم لقريش و كان ص أول من تكلم بهذه الكلمة و سار أبو جهل و من يلوذ به و قد استغنم من بني هاشم الفرصة و هو ينشد و يقول
لقد ضلت حلوم بني قصي. و قد زعموا بتسييد اليتيم.
و راموا للخلافة غير كفو. فكيف يكون ذا الأمر العظيم.و إني فيهم ليث حمي. بمصقول و لي جد كريم.فلو قصدوا عبيدة أو ظليما. و صخر الحرب ذا الشرف القديم.لكنا راضيين لهم و كنا. لهم تبعا على خلف ذميم.
فأجابه العباس يقول
ألا أيها الوغد الذي رام ثلبنا. أ تثلب قرنا في الرجال كريم.أ تثلب يأويك الكريم أخا التقى. حبيب لرب العالمين عظيم.و لو لا رجال قد عرفنا محلهم. و هم عندنا في مجدب و مقيم.لدارت سيوف يفلق الهام حدها. بأيدي رجال كالليوث تقيم.حماة كماة كالأسود ضراغم. إذا برزوا ردوا لكل زعيم.
ثم إن القوم ساروا إلى أن بعدوا عن مكة فنزلوا بواد يقال له واد الأمواه لأنه مجتمع السيول و أنهار الشام و منه تنبع عيون الحجاز فنزل به القوم و حطوا رحالهم و إذا بالسحاب قد اجتمع فقال النبي ص ما أخوفني على أهل هذا الوادي أن يدهمهم السيل فيذهب بجميع أموالهم و الرأي عندي أن نستند إلى هذا الجبل قال له العباس نعم ما رأيت يا ابن أخي فأمر النبي ص أن ينادي في القافلة أن ينقلوا رحالهم إلى نحو الجبل مخافة السيل ففعلوا إلا رجلا من بني جمح يقال له مصعب و كان له مال كثير فأبى أن يتغير من مكانه و قال يا قوم ما أضعف قلوبكم تنهزمون عن شيء لم تروه و لم تعاينوه فما استتم كلامه إلا و قد ترادفت السحاب و البرق و نزل السيل و امتلأ الوادي من الحافة إلى الحافة و أصبح الجمحي و أمواله كأنه لم يكن و أقام القوم في ذلك المكان أربعة أيام و السيل يزداد فقال ميسرة يا سيدي هذه السيول لا تنقطع إلى شهر و لا تقطعه السفار و إن أقمنا هاهنا أضر بنا المقام و يفرق الزاد و الرأي عندي أن نرجع إلى مكة فلم يجبه النبي ص إلى ذلك ثم نام فرأى في منامه ملكا يقول له يا محمد لا تحزن إذا كان غداة غد مر قومك بالرحيل و قف على شفير الوادي فإذا رأيت الطير الأبيض قد خط بجناحه فاتبع الخط و أنت تقول بسم الله بالله و أمر قومك أن يقولوا هذه الكلمة فمن قالها سلم و من حاد عنها غرق فاستيقظ النبي ص و هو فرح مسرور ثم أمر ميسرة أن ينادي في الناس بالرحيل فرحلوا و شد ميسرة رحاله فقال الناس يا ميسرة و كيف نسير و هذا الماء لا تقطعه إلا السفن فقال أما أنا فإن محمدا أمرني و أنا لا أخالفه فقال القوم و نحن أيضا لا نخالفه فبادر القوم و تقدم النبي ص و وقف على شفير الوادي و إذا بالطير الأبيض قد أقبل من ذروة الجبل و خط بجناحيه خطا أبيض يلمع فشمر النبي ص أذياله و اقتحم الماء و هو يقول بسم الله و بالله فلم يصل الماء إلى نصف ساقه و نادى أيها الناس لا يدخل أحد منكم الماء حتى يقول هذه الكلمة فمن قالها سلم
و من حاد عنها هلك فاقتحم القوم الماء و هم يقولون الكلمة و لم يتأخر من القوم سوى رجلين أحدهما من بني جمح و الآخر من بني عدي فقال العدوي بسم الله و بالله و قال الجمحي بسم اللات و العزى فغرق الجمحي و أمواله و سلم العدوي و أمواله فقال القوم للعدوي ما بال صاحبك غرق قال إنه قد عوج لسانه و خالف قول النبي ص فغرق فاغتم أبو جهل لعنه الله و قومه قالوا ما هذا إلا سحر عظيم فقال له بعض أصحابه يا ابن هشام ما هذا بسحر و لكن و الله ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء أفضل من محمد فلم يرد جوابا و ساروا حتى نزلوا على بئر و كان تنزل عليه العرب في طريق الشام فقال أبو جهل و الله لأجد في نفسي غبنة عظيمة إن رد محمد من سفره هذا سالما و لقد عزمت على قتله و كيف لي بالحيلة في قتله و هو ينظر من ورائه كما ينظر من أمامه و لكن أفعل فسوف تنظرون ثم عمد إلى الرمل و الحصى و ملأ حجره و كبس به البئر فقال أصحابه و لم تفعل ذلك فقال أريد دفن البئر حتى إذا جاء ركب بني هاشم و قد أجهدهم العطش فيموتوا عن آخرهم فتبادر القوم بالرمل و الحصى و لم يتركوا للبئر أثرا فقال أبو جهل لعنه الله الآن قد بلغت مرادي ثم التفت إلى عبد له اسمه فلاح و قال له خذ هذه الراحلة و هذه القربة و الزاد و اختف تحت الجبل فإذا جاء ركب بني هاشم يقدمهم محمد و قد أجهدهم العطش و التعب و لم يجدوا للبئر أثرا فيموتوا فأتني بخبرهم فإذا أتيتني و بشرتني بموتهم أعتقتك و زوجتك بمن تريد من أهل مكة فقال حبا و كرامة ثم سار أبو جهل و تأخر العبد كما أمره مولاه و إذا بركب بني هاشم قد أقبل يتقدمهم محمد فتبادر القوم إلى البئر فلم يجدوا له أثرا فضاقت صدورهم و أيقنوا بالهلاك فلاذوا بمحمد ص فقال لهم هل هنا موضع يعرف بالماء قالوا نعم بئر قد ردمت بالرمل و الحجارة فمشى النبي ص حتى وقف على شفير البئر فرفع طرفه إلى السماء و نادى يا عظيم الأسماء يا باسط الأرض و يا رافع السماء قد أضر بنا الظماء فاسقنا الماء فإذا بالحجارة و الرمل قد تصلصلت و عين الماء قد نبعت و تفجرت و جرى الماء من تحت أقدامه فسقى القوم دوابهم و ملئوا قربهم و ساروا و سار العبد إلى مولاه و قال ما وراءك يا فلاح و قال و الله ما أفلح من عادى محمدا و حدثهم بما عاين منه فامتلأ أبو جهل غيظا و قال للعبد غيب وجهك عني فلا أفلحت أبدا ثم سار حتى وصل واديا من أودية الشام يقال له ذبيان و كان كثير الأشجار إذ خرج من ذلك الوادي ثعبان عظيم كأنه النخلة السحوق ففتح فاه و زفر و خرج من عينيه الشرار فجفلت منه ناقة أبي جهل لعنه الله و لعبت بيديها و رجليها و رمته فكسرت أضلاعه فغشي عليه فلما أفاق قال لعبيده تأخروا إلى جانب الطريق فإذا جاء ركب بني هاشم يتقدمهم محمد قدموه علينا حتى إذا رأت ناقته الثعبان فعسى أن ترميه إلى الأرض فيموت ففعل العبيد ما أمرهم به و إذا بركب بني هاشم قد أقبل يتقدمهم محمد فقال النبي ص يا ابن هشام أراكم قد نزلتم و ليس هو وقت نزولكم فقال له يا محمد و الله قد استحييت أن أتقدم عليك و أنت سيد أهل الصفا و أعلى حسبا و نسبا فتقدم فلعن الله من يبغضك ففرح العباس بذلك و أراد العباس أن يتقدم فنهاه النبي ص و قال ارفق يا عم فما تقديمهم لنا إلا لمكيدة لنا ثم إنه ص تقدم أمامهم و دخل إلى ذلك الشعب و إذا بالثعبان قد ظهر فجفلت منه ناقة النبي ص فزعق بها النبي ص و قال ويحك
كيف تخافين و عليك خاتم الرسل و إمام البشر. ثم التفت إلى الثعبان و قال له ارجع من حيث أتيت و إياك أن تتعرض لأحد من الركب فنطق الثعبان بقدرة الله تعالى و قال السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد فقال النبي ص السلام على من اتبع الهدى و خشي عواقب الردى و أطاع الملك الأعلى فعندها قال يا محمد ما أنا من هوام الأرض و إنما أنا ملك من ملوك الجن و اسمي الهام بن الهيم و قد آمنت على يد أبيك إبراهيم الخليل و سألته الشفاعة فقال هي لولد يظهر من نسلي يقال له محمد و وعدني أن أجتمع بك في هذا المكان و قد طال بي الانتظار و قد شاهدت المسيح عيسى ابن مريم ع ليلة عرج به إلى السماء و هو يوصي الحواريين باتباعك و الدخول في ملتك و الآن قد جمع الله شملي بك فلا تنسني من الشفاعة يا سيد المرسلين فقال له النبي ص لك ذلك علي فعد من حيث جئت و لا تتعرض لأحد من الركب فغاب الثعبان فلما نظر القوم إلى كلامه عجبوا من ذلك و ازداد أعمام النبي ص يقينا و فرحا و ازداد الجنود غيظا و حسدا فأنشأ العباس يقول
يا قاصدا نحو الحطيم و زمزم. بلغ فضائل أحمد المتكرم.و اشرح لهم ما عاينت عيناك من. فضل لأحمد و السحاب الأركم.قل و أت بالآيات في السيل الذي. ملأ الفجاج بسيله المتراكم.و نجا الذي لم يخط قول محمد. و هو الذي أخطأ بوسط جهنم.و البئر لما أن أضر بنا الظماء. فدعا الحبيب إلى الإله المنعم.فاضت عيونا ثم سالت أنهرا. و غدا الحسود بحسرة و تغمغم.
و الهام بن الهيم لما أن رأى. خير البرية جاء كالمستسلم.ناداه أحمد فاستجاب ملبيا. و شكا المحبة كالحبيب المغرم.من عهد إبراهيم ظل مكانه. يرجو الشفاعة خوف جسر جهنم.من ذا يقاس أحمد في الفضل من. كل البرية من فصيح و أعجم.و به توسل في الخطيئة آدم. فليعلم الأخبار من لم يعلم.
و لما فرغ العباس من شعره أجابه الزبير و أنشأ يقول شعرا
يا للرجال ذوي البصائر و النظر. قوموا انظروا أمرا مهولا قد خطر.هذا بيان صادق في عصرنا. من سيد عالي المراتب مفتخر.آياته قد أعجزت كل الورى. من ذا يقايس عدها أو يختصر.منها الغمام تظله مهما مشى. أنى يسير تظله و إذا خطر.و كذلك الوادي أتى مترادفا. بالسيل يسحب للحجارة و الشجر.و نجا الذي قد طاع قول محمد. و هوى المخالف مستقرا في سقر.و أزال عنا الضيم من حر الظماء. من بعد ما بان التقلقل و الضجر.و البئر فاضت بالمياه و أقبلت. تجري على الأراض أشباه النهر.و الهام فيه عبارة و دلالة. لذوي العقول ذوي البصائر و الفكر.كاد الحسود يذوب مما عاينت. عيناه من فضل لأحمد قد ظهر.
يا للرجال ألا انظروا أنواره. تعلو على نور الغزالة و القمر.الله فضل أحمدا و اختاره. و لقد أذل عدوه ثم احتقر.
فأجابه حمزة رضي الله عنه يقول
ما نالت الحساد فيك مرادهم. طلبوا نقوص الحال منك فزادا.كادوا و ما خافوا عواقب كيدهم. و الكيد مرجعه على من كادا.ما كل من طلب السعادة نالها. بمكيدة أو أن يروم عنادا.يا حاسدين محمدا يا ويلكم. حسدا تمزق منكم الأكبادا.الله فضل أحمدا و اختاره. و لسوف يملكه الورى و بلادا.و ليملأن الأرض من إيمانه. و ليهدين عن الغوى من حادا.
قال فشكرهم النبي ص على ذلك و ساروا جميعا و نزلوا واديا كانوا يتعاهدون فيه الماء قديما فلم يجدوا فيه شيئا من الماء فشمر النبي ص عن ذراعيه و غمس كفيه في الرمل و رمق السماء و هو يحرك شفتيه فنبع الماء من بين أصابعه تيارا و جرى على وجه الأرض أنهارا فقال العباس أمسك يا ابن أخي حذرا من الماء أن يغرق أموالنا ثم شربوا و ملئوا قربهم و سقوا دوابهم فقال النبي ص لميسرة لعل عندك شيئا من التمر فأحضره و كان يأكل التمر و يغرس النوى في الأرض فقال له العباس لم تفعل ذلك يا ابن أخي قال يا عم أريد أن أغرسها نخلا قال و متى تطعم قال الساعة نأكل منها و نتزود إن شاء الله تعالى فقال له العباس يا ابن أخي النخلة إذا غرست تثمر في خمس سنين قال يا عم سوف ترى من آيات ربي الكبرى ثم ساروا حتى تواروا عن الوادي فقال يا عم ارجع إلى الموضع الذي فيه النخلات و اجمع لنا منا نأكله فمضى العباس فرأى النخلات قد كبرت و تمايلت أثمارها و أزهرت فأوقر منها راحلة و التحق بالنبي ص فكان يأكل من التمر و يطعم القوم فصاروا متعجبين من ذلك فقال أبو جهل لعنه الله لا تأكلوا يا قوم مما يصنعه محمد الساحر فأجابه قومه و قالوا يا ابن هشام أقصر عن الكلام فما هذا بسحر ثم سار القوم حتى وصلوا عقبة أيلة و كان بها دير و كان مملوا رهبانا و كان فيهم راهب يرجعون إلى رأيه و عقله يقال له الفيلق بن اليونان بن عبد الصليب و كان يكنى أبا خبير و قد قرأ الكتب و عنده سفر فيه صفة النبي ص من عهد عيسى ابن مريم ع و كان إذا قرأ الإنجيل على الرهبان و وصل إلى صفات النبي ص بكى و قال يا أولادي متى تبشروني بقدوم البشير النذير الذي يبعثه الله من تهامة متوجا بتاج الكرامة تظله الغمامة يشفع في العصاة يوم القيامة فقال له الرهبان لقد قتلت نفسك بالبكاء و الأسف على هذا الذي تذكره و عسى أن يكون قد قرب أوانه فقال إي و الله إنه قد ظهر بالبيت الحرام و دينه عند الله الإسلام فمتى تبشروني بقدومه من أرض الحجاز و هو تظله الغمامة و أنشأ يقول شعرا
لئن نظرت عيني جمال أحبتي. وهبت لبشري الوصل ما ملكت يدي.و ملكته روحي و مالي غيرها. و هذا قليل في محبة أحمد.
سألت إلهي أن يمن بقربه. و يجمع شملي بالنبي محمد.
قال و ما زال الراهب كلما ذكر الحبيب أكثر النحيب إلى أن حال منه النظر و زاد به الفكر فعند ذلك أشرف بعض الرهبان و قد أشرقت الأنوار من جبين النبي المختار فنظر الرهبان إلى الأنوار و قد تلألأت من الركب و قد أقبل من الفلا و أشرق و علا تقدمهم سيد الأمم و قد نشرت على رأسه الغمامة فقالوا يا أبا الرهبان هذا ركب قد أقبل من الحجاز فقال يا أولادي و كم ركب قد أقبل و أتى و أنا أعلل نفسي بلعل و عسى قالوا يا أبانا قد رأينا نورا قد علا فقال الآن قد زال الشقاء و ذهب العناء ثم رفع طرفه نحو السماء و قال إلهي و سيدي و مولاي بجاه هذا المحبوب الذي زاد فيه تفكري إلا ما رددت علي بصري فما استتم كلامه حتى رد الله عليه بصره فقال الراهب للرهبان كيف رأيتم جاه هذا المحبوب عند علام الغيوب ثم أنشأ يقول
بدا النور من وجه النبي فأشرقا. و أحيا محبا بالصبابة محرقا.و أبرأ عيونا قد عمين من البكاء. و أصبح من سوء المكاره مطلقا.ترى هل ترى عيناي طلعة وجهه. و أصبح من رق الضلالة معتقا.
ثم قال يا أولادي إن كان هذا النبي المبعوث في هذا الركب ينزل تحت هذه الشجرة فإنها تخضر و تثمر فقد جلس تحتها عدة من الأنبياء و هي من عهد عيسى ابن مريم ع يابسة و هذه البئر لم نر فيها ماء فإنه يأتي إليها و يشرب منها فما كان إلا قليلا و إذا الركب قد أقبل و حول البئر قد نزلوا و حطوا الأحمال عن الجمال و كان النبي ص يحب الخلوة بنفسه فأقبل تحت الشجرة فاخضرت و أثمرت من وقتها و ساعتها فما استقر بهم الجلوس حتى قام النبي ص فمشى إلى البئر فنظر إليها و استحسن عمارتها و تفل فيها فتفجرت منها عيون كثيرة و نبع منها ماء معين فلما رأى الراهب ذلك قال يا أولادي هذا هو المطلوب فبادروا بصنع الولائم من أحسن الطعام لنتشرف بسيد بني هاشم فإنه سيد الأنام لنأخذ منه الذمة لسائر الرهبان فبادر القوم لأمره طائعين و صنعوا الولائم و قال لهم انزلوا إلى أمير هذا القوم و قولوا له إن أبانا يسلم عليك و يقول لك إنه قد عمل وليمة و هو يسألك أن تجيبه و تأكل من زاده فنزل بعض الرهبان فما رأى أحسن من أبي جهل لعنه الله و لم ير رسول الله صلى الله عليه و آله فأخبر أبا جهل بما قاله الراهب فنادى في العرب إن هذا الراهب قد صنع لأجلي وليمة و أريد أن تجيبوا لدعوته فقال القوم من نترك عند أموالنا فقال أبو جهل اجعلوا محمدا عند أموالنا فهو الصادق الأمين و في هذا المعنى قيل شعر
و مناقب شهد العدو بفضلها. و الفضل ما تشهد به الأعداء.
فسار القوم إلى النبي ص و سألوه أن يجلس عند متاعهم و سار القوم إلى الراهب يتقدمهم أبو جهل لعنه الله و قد أعجب بنفسه فلما دخلوا الدير أحضر لهم الطعام و ناداهم بالرحب و الإكرام فأخذ القوم في الأكل و أخذ الراهب القلنسوة جعل ينظر فيه و يدور على القوم رجلا رجلا و جعل ينظر فيهم رجلا رجلا فلم ير صفة النبي صلى الله عليه و آله فرمى القلنسوة عن رأسه و نادى وا خيبتاه وا طول شقوتاه ثم جعل يقول شعرا
يا أهل نجد تقضى العمر في أسف. منكم و قلبي لم يبلغ أمانيه.يا ضيعة العمر لا وصل ألوذ به. من قربكم لا و لا وعد أرجيه.
قال ثم بعد ذلك قال يا سادات قريش هل بقي منكم أحد فقال أبو جهل نعم بقي منا صبي صغير أجير على أموال بعض نسائنا فما استتم كلامه حتى قام له حمزة و ضربه ضربا وجيعا و ألقاه على قفاه و قال يا وغد الأنام لم لا قلت تأخر منا البشير النذير السراج المنير و ما تركناه عند بضائعنا و أموالنا إلا لأمانته و ما فينا أصلح منه ثم التفت حمزة إلى الراهب و قال أرني السفر و أخبرني بما فيه فقال سيدي هذا سفر فيه صفة النبي ص لا بالطويل الشاهق و لا بالقصير اللاصق معتدل القامة بين كتفيه علامة تظله الغمامة يبعث من تهامة شفيع العصاة يوم القيامة قال العباس يا راهب إذا رأيته تعرفه قال نعم قال سر معي إلى الشجرة فإن صاحب هذه الصفة تحتها فخرج الراهب من الدير يهرول في خطواته حتى لحق بالنبي ص فلما رآه نهض قائما لا متكبرا و لا متجبرا فقال مرحبا بالفيلق بعد ما قال له الراهب السلام عليك يا أبا الفتيان فقال له النبي ص و عليك السلام يا عالم الرهبان و يا ابن اليونان يا ابن عبد الصليب فقال الراهب و ما أدراك أني الفيلق بن اليونان بن عبد الصليب قال الذي أخبرك أني أبعث في آخر الزمان بالأمر العجيب فانكب الراهب على قدميه يقبلهما و هو يقول يا سيد البشر لعلك أن تجيب لوليمتنا لتحصل لنا بها الكرامة و نفوز بمحبتك يوم القيامة فقال له النبي ص اعلم أن القوم أودعوني في أموالهم فقال يا مولاي تصدق علينا بالمسير إن عدم لهم عقال علي ببعير فقال له النبي ص سر و سار معهم إلى ديرهم و كان له بابان واحد كبير و الآخر صغير و قد وضعوا بحيال الباب الصغير كنيسة فيها تصاوير و تماثيل فإذا دخل الرجل من الباب الصغير ينحني برأسه و ذلك برسم السجود للتصاوير في الكنيسة فخطر في نفسه أنه يدخل النبي ص من الباب الصغير ليتلذذ بمعاجزه و غرائب كراماته فلما دخل الراهب أمامه داخله الفزع من النبي ص فلما دخل النبي ص من الباب القصير أمر الله تعالى عضادتي الباب أن ترتفع فارتفع الباب حتى دخل النبي ص منتصب القامة فلما أشرف على القوم قاموا له إجلالا و أجلسوه في أوساطهم على أعلى مكان و وقف الراهب بين يديه و الرهبان حوله فقدموا بين يديه طرائف الشام ثم رمق الراهب بطرفه إلى السماء فقال إلهي و سيدي و مولاي أرني خاتم النبوة فأرسل الله عز و جل جبرئيل و رفع ثيابه عن ظهره فبان خاتم النبوة بين كتفيه فسطع منه نور ساطع فلما رآه الراهب خر ساجدا هيبة من ذلك النور ثم رفع رأسه و قال هو أنت حقا ثم إن حمزة أنشأ يقول
أنت المظلل بالغمام و قد رأى. الرهبان أنك ذاك و انكشف الخبر.ربيت في بحبوح مكة بعد ما. وضع الخليل وفاق فخرك من فخر.و رضعت في سعد لثدي حليمة. كرما ففاض الثدي نحوك و انحدر.
قال فشكره النبي ص و تفرق القوم إلى رحالهم و قد كمد أبو جهل غيظا و بقي ميسرة و الراهب مع النبي ص فقال الراهب يا سيدي أبشر فإن الله يوطئ لك رقاب العرب و تملك سائر البلاد و ينزل عليك القرآن و تدين لك الأنام و دينك عند الله هو الإسلام و تنكس الأصنام و تمحق الأديان و تخمد النيران و تكسر الصلبان و يبقى ذكرك إلى آخر الزمان فأسألك يا سيدي أن تتصدق علينا بالذمام لسائر الرهبان لتأخذ منهم أمتك الجزية في ذلك الزمان فيا ليتني كنت معك حتى تبعث يا سيدي فأعطاهم النبي ص الذمام و أكرمهم غاية الإكرام. و قال الراهب لميسرة يا ميسرة اقرأ مولاتك مني السلام و اعلم أنها قد ظفرت بسيد الأنام و أنه سيكون لك شأن من الشأن و تفضل على سائر الخاص و العام و احذرها أن تفوتها القرب من هذا السيد فإن الله تعالى سيجعل نسلها من نسله و تبقى ذكرها إلى آخر الزمان و يحسدها عليه كل أحد و أعلمها أنه لا يدخل الجنة إلا من يؤمن به و يصدق برسالته و أنه أشرف الأنبياء و أفضلهم و أصفاهم سريرة و احذر عليه من أعدائه اليهود في الشام حتى يعود إلى البيت الحرام ثم ودع الراهب و خرج النبي ص و لحق بالقوم و ساروا من وقتهم و ساعتهم إلى أن نزلوا بأرض الشام و حطوا رحالهم فبادر أهل المدينة و اشتروا بضاعتهم و باعت قريش بضائعها بأغلى أثمان في أحسن بيع و أما ما كان من النبي ص فإنه لم يبع شيئا من بضاعته فقال أبو جهل لعنه الله و الله ما رأت خديجة سفرة أشأم من هذه لم يبع من بضاعتها شيئا فلما أصبح الصباح نادى العرب فلما أقبلت من كل جانب و مكان يريدون البضائع فلم يجدوا إلا بضائع خديجة فباعها النبي ص بأضعاف ما باعت قريش فاغتم أبو جهل لذلك غما شديدا و لم يبق من بضائع خديجة إلا حمل أديم فجاء رجل من اليهود يقال له سعيد بن قطمور و كان من أحبار اليهود و كهانهم و كان قد اطلع على صفة النبي ص فلما نظر إليه عرفه بالنور و قال هذا الذي يسفه أحلامنا و يعطل أدياننا و يرمل نسواننا و أنا أحتال على قتله ثم دنا من النبي ص و قال يا سيدي بكم هذا الحمل فقال بخمس مائة درهم لا ينقص منها شيء قال اشتريت بشرط أن تسير معي إلى منزلي و تأكل من طعامي حتى تحصل لنا البركة فقال النبي ص نعم فأخذ اليهودي حمل الأديم و سار إلى منزله و سار النبي ص فلما قرب اليهودي من منزله سبق إلى زوجته و قال لها أريد منك أن تساعديني على قتل هذا الذي يعطل أدياننا قالت و كيف أصنع به قال خذي فردة الرحى و اقعدي على باب الدار فإذا رأيتيه قبض منا ثمن حمل الأديم و خرج ارمي عليه فردة الرحى حتى تقتليه و نستريح منه قال فأخذت زوجة اليهودي الرحى و طلعت على سطح الدار فلما خرج النبي ص همت أن تلقي عليه الرحى فأمسك الله يديها و رجف قلبها و قد غشي عليها من نور وجه رسول الله ص و كان لها ولدان قائمان بفناء الدار فسقطت الرحى عليهما فماتا فلما نظر اليهودي إلى ما جرى على أولاده نادى بأعلى صوته يا بني قريظة فأجابوه من كل جانب و مكان و قالوا له ما وراءك قال اعلموا أنه قد حل
ببلدكم هذا الرجل الذي يعطل أديانكم و يسفه أحلامكم و قد دخل منزلي و أكل من طعامي و قتل أولادي فلما سمعت اليهود ذلك منه ركبوا خيولهم و جردوا سيوفهم و حملوا على قريش بأجمعهم فلما نظر أعمام النبي ص إلى اليهود لبسوا دروعهم و بيضهم و ركبوا خيولهم العربية و ارتفع الصياح و شهروا الصفاح و قالوا ما أبركه من صائح صاح و ركب حمزة على جواده و هو أشقر مضمر حسن المنظر مليح المخبر صافي الجوهر من خيل قيصر و تقلد سيفه و اعتقل رمحه و لبس درعه و حمل على اليهود فهناك جاشت عليهم الخيل من كل مكان و حل بهم الوبال فأجمع رأيهم على أن ينفذوا منهم سبعة رجال من رؤسائهم بلا سلاح فلما رأتهم قريش من غير سلاح قالوا ما شأنكم قالوا يا معشر العرب إن هذا الرجل الذي معكم يعنون بذلك النبي ص أول من يبدئ بخراب دياركم و قتل رجالكم و تكسير أصنامكم و الرأي عندنا أن تسلموه لنا حتى نقتله و نستريح منه نحن و أنتم فلما سمع حمزة الكلام قال يا ويلكم هيهات هيهات أن نسلمه إليكم فهو نورنا و سراجنا و لو تلفت فيه أرواحنا فهي فداه دون أموالنا فلما سمع اليهود ذلك آيسوا من بلوغ مرادهم و رجعوا على أعقابهم فلما عاين قريش اليهود و قد انقلب بعضهم على بعض رأوها فرصة فرحل القوم يجدون السير إلى ديارهم و قد غنموا أسلابا من اليهود و خيلهم و سلاحهم و قد فرحوا بالنصر و الظفر فلما استقاموا على الطريق قال لهم ميسرة ما منكم أحد يا قوم إلا و قد سافر مرة أو مرتين أو أكثر فهل رأيتم أبرك من هذه السفرة و أكثر من ربحها و ما ذلك إلا ببركة محمد ص و هو نشأ فيكم و هو قليل المال فهل لكم أن تجمعوا له شيئا من بينكم على جهة الهدية حتى يستعين به على حاله فقالوا له و الله لقد أصبت الرأي يا ميسرة ثم إن القوم نزلوا منزلا كثير الماء و الأشجار و الأنهار فاستخرج كل واحد منهم شيئا لطيفا و جاءوا به على سبيل الهدية و كان يحب الهدية و يكره الصدقة فلما جمعوه بين يديه قالوا له خذها مباركة عليك فدفعها إلى ميسرة و لم يرد جوابا ثم إن القوم رحلوا يجدون السير و يقطعون الفيافي و الأودية إلى أن نزلوا دير الراهب و هو الوادي الذي تزودوا منه التمر ثم إنهم رحلوا حتى قربوا من مكة و نزلوا بحجفة الوداع فأخذ الناس ينفذون إلى أهاليهم يبشرونهم بقدومهم و غنمهم قال أبو جهل لعنه الله يا قوم ما رأيت ربحا أكثر من سفرتنا هذه فقالوا نعم قال و أكثرنا أرباحا محمد ص قال ما كنت أحسب أنه يجلبهم من أماكنهم و يبيع عليهم بأغلى الثمن ثم أخذ القوم في إنفاذ رسلهم و نفذ أبو جهل و غيره رسلا فأقبل ميسرة إلى النبي ص و قال يا قرة العين هل أرشدك إلى خير يصل إليك قال ما هو قال تسير من وقتك و ساعتك إلى مولاتي خديجة و تبشرها بسلامة أموالها فإنها تعطي من يبشرها خيرا كثيرا و أنا أحب أن يكون ذلك لك فقم الآن و سر إلى مكة و ادخل على مولاتي خديجة و بشرها بسلامة أموالها فقام النبي ص و قال يا ميسرة أوصيك بمالك و نفسك خيرا و ركب مستقبل الطريق وحده يريد مكة و غاب عن الأبصار فبعث الله ملكا يطوي له البعيد و يهون عليه الصعب الشديد فلما أشرف على الجبال
أرسل الله عليه النوم فنام فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل أن اهبط إلى جنات عدن و أخرج منها القبة التي خلقتها لصفوتي محمد ص قبل أن أخلق آدم ع بألفي عام و انشرها على رأسه و كانت من الياقوت الأحمر معلقة بعلائق من اللؤلؤ الأبيض يرى باطنها من ظاهرها و ظاهرها من باطنها لها أربعة أركان و أربعة أبواب ركن من الزبرجد و ركن من الياقوت و ركن من العقيان و ركن من اللؤلؤ و كذا الأبواب فنزل جبرئيل و استخرجها فتباشرت الحور العين و أشرفت من قصورها و قلن لك الحمد يا رحمان هذا الآن يبعث صاحب القبة و هبت ريح الرحمة و صفقت الأشجار و نشر جبرئيل ع القبة على رأس النبي ص و أحدقت الملائكة بأركانها ثم أعلنوا بالتقديس و التسبيح و نشر جبرئيل بين يديه ثلاثة أعلام و تطاولت الجبال و نادت الأشجار و الأطيار و الأملاك يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ص هنيئا لك من عبد ما أكرمك على الله تعالى قال و كانت خديجة متكئة على موضع عال و جواريها حولها و عندها جماعة من نساء قريش و هي تطيل النظر إلى شعاب مكة إذ كشف الله تعالى عن بصرها دون غيرها و قد نظرت نورا ساطعا و ضياء لامعا من جهة باب المعلى ثم إنها حققت النظر فرأت القبة و المحدقين بها ناشرين أعلامها و النبي ص نائم بها فحارت في أمرها فجعلت تنظر إليه فقلن لها النسوة ما لنا نراك باهتة يا بنت العم فقالت يا بنات العرب أنا نائمة أم يقظانة فقلن نعيذك بالله بل أنت يقظانة قالت لهن انظروا إلى باب المعلى و انظروا إلى القبة قلن نعم رأينا قالت لهن و ما الذي ترون غير ذلك قلن نرى نورا ساطعا و ضياء لامعا قد بلغ عنان السماء قالت و ما الذي ترون غير ذلك قلن لم نر شيئا قالت أ ما ترون القبة و الراكب و الأطيار الخضر المحدقين بالقبة فقلن لها لم نر شيئا قالت أرى راكبا أبهى من نور الشمس في قبة خضراء لم أر أحسن منها على ناقة واسعة الخطا و لا شك أن الناقة هي ناقتي الصهباء و الراكب محمد ص فقلن يا سيدتنا و من أين لمحمد ص ما تقولين و ليس يقدر على هذا كسرى و لا قيصر فقالت لهن فضل محمد أعظم من ذلك ثم إن الناقة دخلت بين الشعاب ثم قصدت باب المعلى ثم إن الملائكة عرجت إلى السماء و عرج جبرئيل ع بالقبة و الأعلام و انتبه النبي ص من نومه و دخل مكة و قصد منزل خديجة فوجدها و هي تقول متى يصل محمد حتى أمتع بالنظر إليه و هي تقوم و تقعد و إذا بالنبي ص قد قرع الباب قالت الجارية من بالباب قال أنا محمد قد جئت أبشر خديجة بقدوم أموالها و سلامتها فلما سمعت خديجة كلام رسول الله ص انحدرت إلى وسط الدار و وقفت بالحجاب و فتحت الجارية الباب فقال السلام عليكم يا أهل البيت فقالت خديجة هنيئا لك السلامة يا قرة عيني قال و أنت يهنؤك سلامة أموالك قالت خديجة تهنئني سلامتك أنت يا قرة العين فو الله أنت عندي خير من جميع الأموال و الأهل ثم قالت شعرا
جاء الحبيب الذي أهواه من سفر. و الشمس قد أثرت في وجهه أثرا.عجبت للشمس من تقبيل وجنته. و الشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا.
ثم قالت يا حبيبي أين خلفت الركب قال بالجحفة قالت و متى عهدك بهم قال ساعتي هذه فلما سمعت خديجة كلامه اقشعر جلدها و قالت سألتك بالله أنك فارقتهم بالجحفة قال نعم و لكن طوى الله لي البعيد قالت و الله ما كنت أحب أن تجيء هكذا وحيدا إنما كنت أحب أن تكون أول القوم و أنظر إليك و أنت مقدم الرجال و أرسل إليك جواري على رءوس الجبال بأيديهم المباخر و المعازف و آمر عبيدي بالذبائح و العقائر و يكون لك يوم مشهور قال يا خديجة إني أتيت و لم يعلم بي أحد من أهل مكة فإن أمرتيني بالرجوع رجعت من هذه الساعة و تفعلين مرادك فقالت له يا سيدي أمهل قليلا ثم عملت له زادا ساخنا فوضعته في مزادة و كانت العرب تعرفه بنقائه و طيب ريحه و ملأت له قربة من ماء زمزم و قالت له ارجع أودعتك من طوى لك البعيد من الأرض فرجع النبي ص ثم إن خديجة رجعت إلى موضعها لتنظر هل تعود القبةأم لا و إذا بالقبة قد عادت و جبرئيل قد نزل و الملائكة قد أحدقوا بها كالأول ففرحت خديجة بذلك و أنشأت تقول
نعم لي منكم ملزم أي ملزم. و وصل مدى الأيام لم يتصرم.و لو لم يكن قلب المتيم فيكم. جريحا لما سالت دموعي بالدم.و لم يخل طرفي ساعة من خيالكم. و من حبكم قلبي و من ذكركم فمي.و لو جبلا حملتموه بعادكم. لمال و ما زال جسمي و أعظمي.أشد على كبدي يدي فيردها. بما فيه من وجد من الشوق مضرم.طويت الهوى و الشوق ينشر طيه. و كتمت أشجاني فلم تتكتم.فيا رب قد طالت بنا شقة النوى. و أنت قدير تنظم الشمل فانظم.
قال ثم إن النبي ص سار قليلا و التحق بالقوم و بعضهم يقظان و بعضهم رقود فلما أحس به ميسرة قال من الطارق في هذا الليل العاكر قال أنا محمد بن عبد الله قال يا سيدي ما عهدتك أن تهزأ و عهدي بك أنك سائر فما الذي أرجعك يا سيدي فقال له يا ميسرة إني سافرت ثم عدت فضحك ميسرة و قال سافرت إلى ذيل هذا الجبل ثم عدت قال النبي ص بل قصدت البيت الحرام فقال له ميسرة ما عهدت منك يا سيدي إلا الصدق فقال يا ميسرة ما قلت لك إلا الصدق فإن كان عندك شك فهذا خبز مولاتك خديجة و هذا ماء زمزم فلما نظر ميسرة إلى ذلك نهض قائما على قدميه و نادى يا معاشر قريش و يا بني النضر و يا بني زهرة و يا بني هاشم هل غاب محمد عنكم غير ساعتين أو أقل من ذلك فقالوا نعم قال قد سار إلى مكة و رجع و هذا خبز مولاتي خديجة و هذا ماء زمزم فتعجب القوم و دهشت عقولهم و صاح أبو جهل لعنه الله و قال لا يبعد هذا على الساحر فلما أصبح الصباح بلغ العرب و سبق الخبر بقدوم القافلة و خرج أهل مكة مبادرين و سبق عبيد خديجة و جواريها و تفرقوا في شعاب مكة و أوديتها بأيديهم المعازف و المباخر فكان النبي ص ما يمر على عبد من عبيد خديجة إلا يعقر ناقة فرحا بقدومه ثم تفرق الناس إلى منازلهم و نظرت خديجة إلى جمالها و قد أقبلت كالعرائس و كانت معتادة أن يموت بعض جمالها و يجرب بعضها إلا تلك السفرة فإنها لم تنقص منها شعرة فوقف قريش متعجبين من تلك الجمال كلما مر بهم جمل بإزائه ناقة هيفاء فيقولون لمن هذا فيقال هذا ما أفاده محمد ص لخديجة من الشام فذهلت عقول قريش لذلك فلما اجتمعت أموال خديجة فكوا رحالها و عرضوا الجميع على خديجة و كانت جالسة خلف الحجاب و النبي ص جالس وسط الدار و ميسرة يعرض عليها الأمتعة شيئا فشيئا فنظرت خديجة إلى شيء قد أدهشها فبعثت إلى أبيها تعرفه بذلك و ترغبه في محمد ص فلم تك إلا ساعة واحدة و إذا بخويلد قد أقبل و دخل منزل ابنته خديجة و هو متزين بالثياب متقلد سيفا فلما نظرت إليه قامت و أجلسته إلى جنبها و ابتدأته بالترحيب و جعلت تعرض عليه البضائع و هي تقول يا أبت هذا كله ببركة محمد ص و الله يا أبتاه إنه مبارك الطلعة ميمون الغرة فما ربحت ربحا أغنم من هذه السفرة ثم التفتت إلى ميسرة و قالت حدثني كيف كان سفركم و ما الذي عاينتم من محمد ص قال يا سيدتي و هل أطيق أن أصف لك بعضا من صفاته و ما عاينت منه ص ثم أخبرها بحديث السيل و البئر و الثعبان و النخل و ما أخبره الراهب و ما أوصاه إلى خديجة فقالت حسبك يا ميسرة لقد زدتني شوقا إلى محمد ص اذهب فأنت حر لوجه الله و زوجتك و أولادك و لك عندي مائتا درهم و راحلتان و خلعت عليه خلعة سنية و قد امتلأ سرورا و فرحا ثم إن خديجة التفتت إلى النبي ص و قالت ادن مني فلا حجاب اليوم بيني و بينك ثم رفعت عنها الحجاب و أمرت أن ينصب له كرسي من العاج و الآبنوس و أجلسته عليه و قالت يا سيدي كيف كان سفركم فأخذ يحدثها بما باعه و ما شراه فرأت خديجة ربحا عظيما و قالت يا سيدي لقد فرحتني بطلعتك و أسعدتني برؤيتك فلا لقيت بؤسا و لا رأيت نحوسا ثم جعلت تقول شعرا
فلو أنني أمسيت في كل نعمة. و دامت لي الدنيا و ملك الأكاسرة.فما سويت عندي جناح بعوضة. إذا لم يكن عيني لعينك ناظرة.
قال ثم إن خديجة قالت يا سيدي لك عندي حق البشارة زيادة على ما كان بيننا فهل لك الساعة من حاجة فتقضى قال ص حتى أستريح و أعود إليك ثم خرج و دخل منزل عمه أبي طالب و كان أبو طالب فرحا بما عاين من ابن أخيه فقبل ما بين عينيه و جاءت أعمامه حوله و قال أبو طالب يا ولدي ما الذي أعطتك خديجة قال وعدتني الزيادة على ما بيننا قال هذه نعمة جليلة و قد عزمت أن أترك لك بعيرين تسافر عليهما و راحلتين تصلح بهما شأنك و أما الذهب و الفضة أخطب لك بهما فتاة من نسوان قريش من قومك ثم لا أبالي بالموت حيث أتى و كيف نزل فقال يا عماه افعل ما بدا لك فلما كان وقت الغداة اغتسل النبي ص من وعك السفر و تطيب و سرح رأسه و لبس أفخر أثوابه و سار إلى منزل خديجة فلم يجد عندها سوى ميسرة فلما رأته فرحت بقدومه و جعلت تقول
دنا فرمى من قوس حاجبه سهما. فصادفني حتى قتلت به ظلما.و أسفر عن وجه و أسبل شعره. فبات يباهي البدر في ليلة ظلماء.و لم أدر حتى زار من غير موعد. على رغم واش ما أحاط به علما.و علمني من طيب حسن حديثه. منادمة يستنطق الصخرة الصماء.
قال ثم التفتت إليه و قالت يا سيدي نعمت الصباح و دامت لك الأفراح هل من حاجة فتقضى فاستحيا و طأطأ رأسه و عرق جبينه فأقبلت عليه تلاطفه في الكلام ثم قالت يا سيدي إذا سألتك عن شيء تخبرني قال نعم قالت خديجة إذا أخذت الجمال و المال من عندي ما تريد أن تصنع به قال لها و ما تريدين بذلك يا خديجة قالت أزيدك و ما أقدر عليه قال اعلمي أن عمي أبا طالب قد أشار علي أن يترك لي بعيرين أسافر بهما و بعيرين أصلح بهما شأني و الذهب و الفضة يخطب لي بهما امرأة من قومي تقنع مني بالقليل و لا تكلفني ما لا أطيق فتبسمت خديجة و قالت يا سيدي أ ما ترضى أني أخطب لك امرأة تحسن بقلبي قال نعم قالت قد وجدت لك زوجة و هي من أهل مكة من قومك و هي أكثرهن مالا و أحسنهن جمالا و أعظمهن كمالا و أعفهن فرجا و أبسطهن يدا طاهرة مصونة تساعدك على الأمور و تقنع منك بالميسور و لا ترضى من غيرك بالكثير و هي قريبة منك في النسب يحسدك عليه جميع الملوك و العرب غير أني أصف لك عيبها كما وصفت لك خيرها قال و ما ذلك قالت عرفت قبلك رجلين و هي أكبر منك سنا قال ص سميها لي قالت هي مملوكتك خديجة فأطرق منها خجلا حتى عرق جبينه و أمسك عن الكلام فأعادت عليه القول مرة أخرى و قالت يا سيدي ما لك لا تجيب و أنت و الله لي حبيب و إني لا أخالف لك أمرا و أنشأت تقول
يا سعد إن جزت بوادي الأراك. بلغ قليبا ضاع مني هناك.و استفت غزلان الفلا سائلا. هل لأسير الحب منهم فكاك.و إن ترى ركبا بوادي الحمى. سائلهم عني و من لي بذاك.نعم سروا و استصحبوا ناظري. و الآن عيني تشتهي أن تراك.ما في من عضو و لا مفصل. إلا و قد ركب منه هواك.عذبتني بالهجرة بعد الجفاء. يا سيدي ما ذا جزاء بذاك.فاحكم بما شئت و ما ترتضي. فالقلب ما يرضيه إلا رضاك.
قال ثم ألحت عليه بالكلام فقال لها يا ابنة العم أنت امرأة ذات مال و أنا فقير لا أملك إلا ما تجودين به علي و ليس مثلك من يرغب في مثلي و أنا أطلب امرأة يكون حالها كحالي و مالها كمالي و أنت ملكة لا يصلح لك إلا الملوك فلما سمعت كلامه قالت و الله يا محمد إن كان مالك قليلا فمالي كثير و من يسمح لك بنفسه كيف لا يسمح لك بماله و أنا و مالي و جواري و جميع ما أملك بين يديك و في حكمك لا أمنعك منه شيئا و حق الكعبة و الصفا ما كان ظني أن تبعدني عنك ثم ذرفت عبرتها و قالت شعرا
و الله ما هب نسيم الشمال. إلا تذكرت ليالي الوصال.و لا أضا من نحوكم بارق. إلا توهمت لطيف الخيال.أحبابنا ما خطرت خطرة. منكم غداة الوصل مني ببال.جور الليالي خصني بالجفا. منكم و من يأمن جور الليال.رقوا و جودوا و اعطفوا و ارحموا. لا بد لي منكم على كل حال.
قال ثم إن خديجة قالت و رب احتجب عن الأبصار و علم حقيقة الأسرار إني محقة لك في هذا الأمر قم إلى عمومتك و قل لهم يخطبوني لك من أبي و لا تخف من كثرة المهر فهو عندي و أنا أقوم لك بالهدايا و المصانعات فسر و أحسن الظن فيمن أحسن بك الظن فخرج النبي ص من عندها و دخل على عمه أبي طالب و السرور في وجهه فوجد أعمامه مجتمعين فنظر إليه أبو طالب و قال يا ابن أخي يهنؤك ما أعطتك خديجة و أظنها قد غمرتك من عطاياها قال محمد ص يا عم لي إليك حاجة قال و ما هي قال تنهض أنت و أعمامي هذه الساعة إلى خويلد و تخطبون لي منه خديجة فلم يرد أحد منهم عليه جوابا غير أبي طالب فقال يا حبيبي إليك نصير و بأمرك نستشير في أمورنا و أنت تعلم أن خديجة امرأة كاملة ميمونة فاضلة تخشى العار و تحذر الشنار و قد عرفت قبلك رجلين أحدهما عتيق بن عائذ و الآخر عمرو الكندي و قد رزقت منه ولدا و خطبها ملوك العرب و رؤساؤهم و صناديد قريش و سادات بني هاشم و ملوك اليمن و أكابر الطائف و بذلوا لها الأموال فلم ترغب في أحد منهم و رأت أنها أكبر منهم و أنت يا ابن أخي فقير لا مال لك و لا تجارة و خديجة امرأة مزاحة عليك فلا تعلل نفسك بمزاحها و لا تسمع قريشا هذا الأمر فقال أبو لهب يا ابن أخي لا تجعلنا في أفواه العرب و أنت لا تصلح لخديجة فقام إليه العباس و انتهره و قال و الله إنك لرذل الرجال ردي الأفعال و ما عسى أن يقولوا في ابن أخي و الله إنه أكثر منهم جمالا و أزيد كمالا و بما ذا تتكبر عليه خديجة لمالها أم لزيادة كمالها و جمالها فأقسم برب الكعبة لأن طلبت عليه مالا لأركبن جوادي و أطوف في الفلوات و لأدخلن على الملوك حتى أجمع له ما تطلب عليه خديجة قال النبي ص يا معاشر الأعمام قد أطلتم الكلام فيما لا فائدة فيه قوموا و اخطبوا لي خديجة من أبيها فما عندكم من العلم مثل ما عندي منها فنهضت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها و قالت و الله أنا أعلم أن ابن أخي صادق فيما قاله و يمكن أن تكون خديجة مازحة عليه و لكن أنا أروح و أبين لكم الأمر ثم لبست أفخر ثيابها و سارت نحو منزل خديجة فلقيتها بعض جواريها في الطريق فسبقتها إلى الدار و أعلمت خديجة بقدوم صفية بنت عبد المطلب و كانت قد عزمت على النوم فأخلت لها المكان و قد عثرت خديجة بذيلها فقالت لا أفلح من عاداك يا محمد فسمعت صفية كلام خديجة فقالت في نفسها أجاد الدليل ثم طرقت الباب ففتح و جاءت إلى خديجة فلقيتها بالرحب و التحية و أرادت أن تأتي لها بطعام فقالت يا خديجة ما جئت لأكل طعام بل يا ابنة العم جئت أسألك عن كلام أ هو صحيح أم لا فقالت خديجة بل هو صحيح إن شئت تخفيه أو شئت تبديه و أنا قد خطبت محمدا لنفسي و تحملت عنه مهري فلا تكذبوه إن كان قد ذكر لكم بشيء و إني قد علمت أنه مؤيد من رب السماء فتبسمت صفية و قالت و الله إنك لمعذورة فيمن أحببت و الله ما شاهدت عيني مثل نور جبينه و لا أعذب من كلام ابن أخي و لا أحلى من لفظه ثم أنشأت تقول شعرا
الله أكبر كل الحسن في العرب. كم تحت غرة هذا البدر من عجب.قوامه ثم إن مالت ذوائبه. من خلفه فهي تغنيه عن الأدب.تبت يد اللائمي فيه و حاسده. و ليس لي في سواه قط من أرب.
قال ثم إن صفية رضي الله عنها عزمت على الخروج من بيتها فقالت لها خديجة أمهلي قليلا ثم أخرجت خلعة سنية و خلعتها على صفية و ضمتها إلى صدرها و قالت يا صفية بالله عليك إلا ما أعنتيني على وصال محمد ص قالت نعم ثم خرجت طالبة لإخوتها فقالوا لها ما وراءك يا صفية يا ابنة الطيبين قالت يا إخوتي قوموا إن كنتم قائمين فو الله إن لها في ابن أخيكم محمد ص رغبة ليس تدرك ففرحوا بذلك كلهم غير أبي لهب فإن كلامها زاده غيظا و حسدا لمحمد ص و ذلك بسبب الشقاوة السابقة فزعق بهم العباس و قال فما قعودكم إذ كان قد حصل الأمر فنهضوا جميعا إلى دار خويلد و قد عمد أبو طالب إلى النبي ص و ألبسه أحسن الثياب و قلده سيفا و أركبه على جواده و دار حوله عمومته و كلهم محدقون به فلقاهم أبو بكر بن أبي قحافة و قال إلى أين تريدون يا أولاد عبد المطلب لقد كنت قاصدا إليكم في حاجة خطرت ببالي فقال له العباس و ما هي اذكرها قال رأيت في منامي كأن نجما قد ظهر في منزل أبي طالب و ارتفع إلى أفق السماء و أنار و استنار إلى أن صار كالقمر الزاهر ثم نزل بين الجدران فتبعته فإذا هو قد دخل في بيت خديجة بنت خويلد و دخل معها تحت الثياب فما تأويله قال له أبو طالب ها نحن لها قاصدون و على خطبتها معولون ثم ساروا حتى وصلوا منزل خويلد فسبقتهم الجواري إليه و كان يشرب الخمر و قد لعب الخمر في رأسه فلما نظر إلى بني هاشم قام لهم و قال مرحبا و أهلا بأبناء آبائنا و أعز الخلق علينا فقال أبو طالب يا خويلد ما جئنا إلا لحاجة و أنت تعلم قربنا منكم و نحن في هذا الحرم أبناء أب واحد و قد جئنا خاطبين ابنتك خديجة لسيدنا و نحن لها راغبون فقال خويلد و من الخاطب منكم و من المخطوبة مني فقال أبو طالب الخاطب منا محمد ابن أخي و المخطوبة خديجة فلما سمع ذلك خويلد تغير لونه و كبر عليه و قال و الله إن فيكم الكفاية و أنتم أعز الخلق علينا و لكن خديجة قد ملكت نفسها و عقلها أوفر من عقلي و أنا لم تطب قلبي إن خطبها الملوك فكيف و هذا محمد فقير صعلوك فقام إليه حمزة رضي الله عنه فقال له لا يقدر اليوم بأمس و لا تشاكل القمر بالشمس يا بادي الجهل و يا خسيف العقل أ ما علمت أنك قد ضل رشدك و غاب عقلك أ تثلب ابن أخينا أ ما علمت أنه إذا أراد أموالنا و أرواحنا قدمنا الكل بين يديه و لكن سوف يبين لك غب فعلك ثم نفض أثوابه و نهض و نهض إخوته و ساروا إلى منازلهم و بلغ الخبر خديجة من جارية لها فقالت ما وراءك قالت أمر يغم القلوب فقالت لها ما ذا يا ويحك قالت إن أباك قد رد أولاد عبد المطلب خائبين فلما سمعت خديجة كلامها قالت اطلبي لي عمي ورقة فخرجت الجارية و عادت و معها ورقة فلما جاءها استقبلته بأحسن قبول و قالت مرحبا بك يا عم فلا غابت طلعتك عني ثم طرقت إلى الأرض و قد قطب حاجباها فقال ورقة حاشاك يا خديجة من السوء ما الذي حل بك قالت يا عم ما حال السائل و ما نال المسئول قال في أنحس حال قال و لكن أراك يا
خديجة تخاطبيني بهذا الكلام كأنك تريدين الزواج قالت أجل قال يا خديجة لقد خطبك الملوك و الصناديد و لم ترضي بأحد منهم قالت ما أريد من يخرجني من مكة فقال و الله ما منها أحد إلا و قد خطبك مثل شيبة بن ربيعة و عقبة بن أبي معيط و أبي جهل بن هشام و الصلت بن أبي يهاب فأبيتي عنهم جميعا قالت ما أريد من فيه عيب ثم قالت يا عم صف لي عيبهم قال يا خديجة أما شيبة ففيه سوء الظن و أما عقبة فهو كثير السن و أما أبو جهل فهو بخيل متكبر كريه النفس و أما الصلت فهو رجل مطلاق فقالت لعن الله من ذكرت و هل تعلم أنه خطبني غير هؤلاء قال سمعت أنه قد خطبك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم قالت يا عم صف لي عيبه و كان ورقة عنده علم من الكتب السالفة بما يكون من أمر محمد ص فلما سمع كلامها طأطأ رأسه و قال أصف لك عيبه قالت نعم قال أصله أصيل و فرعه طويل و طرفه كحيل و خلقه جميل و فضله عميم و جوده عظيم و الله يا خديجة ما كذبت فيما قلت قالت يا عم صف لي عيبه كما وصفت لي خيره قال يا خديجة وجهه أقمر و جبينه أزهر و طرفه أحور و لفظه أعذب من المسك الأذفر و أحلى من السكر و إذا مشى كأنه البدر إذا بدر و الوبل إذا أمطر قالت يا عم صف لي عيبه قال يا خديجة مخلوق من الحسن الشامخ و النسب الباذخ و هو أحسن العالم سيرة و أصفاهم سريرة إذا مشى تخاله ينحدر من صبب شعره كالغيهب و خده أزهر من الورد الأحمر و ريحه أزكى من المسك الأذفر و لفظه أعذب من الشهد و أخير أشهدك يا خديجة أني أحبه قالت يا عم أراك كلما قلت لك صف لي عيبه وصفت لي حسنه قال يا ابنتي و هل أنا أقدر على وصف خيره ثم أنشأ يقول
لقد علمت كل القبائل و الملإ. بأن حبيب الله أطهرهم قلبا.و أصدق من في الأرض قولا و موعدا. و أفضل خلق الله كلهم قربا.
فقالت يا ورقة إن أكثر الناس يثلبونه قال ثلبهم له إنه فقير قالت يا عم أ ما سمعت قول الشاعر
إذا سلمت رءوس الرجال من الأذى فما المال إلا مثل قلم الأظافر
و لكن يا عم إذا كان ماله قليلا فمالي كثير و إني يا عم محبة له على كل حال فقال لها إذن و الله تسعدين و ترشدين و تحضين بنبي كريم فقالت يا عم أنا الذي خطبته لنفسي فقال لها ورقة و ما الذي تعطيني و أنا أزوجك في هذه الليلة بمحمد فقالت يا عم و هل لي شيء دونك أم يخفى عليك و هذه ذخائري بين يديك و منزلي لك و أنا كما قال القائل شعرا
إذا تحققتم ما عند صاحبكم. من الغرام فذاك العذر يكفيه.أنتم سكنتم بقلبي فهو منزلكم. و صاحب البيت أدرى بالذي فيه.
ثم قال ورقة يا خديجة لست أريد شيئا من حطام الدنيا و إنما يريد أن تشفعي لي عند محمد ص يوم القيامة و اعلمي يا خديجة أن بين أيدينا حساب و كتاب و عقاب و عذاب و لا ينجو إلا من تبع محمدا و صدق برسالته فيا ويل من زحزح عن الجنة و أدخل النار فلما سمعت خديجة كلامه قالت يا عم لك عندي ما طلبت فخرج ورقة و دخل على أخيه خويلد و قد غلب عليه السكر فجلس ورقة و قد ظهر الغيظ في وجهه و قال يا أخي ما أغفلك عن نفسك تريد أن تقتلها أنت بنفسك فقال و من أين علمت يا أخي فقال لقد خلفت بني عبد المطلب و قلوبهم تغلي عليك كغلي القدر و قد أراد حمزة أن يهجم عليك في دارك فقال خويلد يا أخي و أي ذنب أذنبته عليهم حتى يفعلوا بي ذلك قال سمعتهم يقولون إنك تثلب ابن أخيهم و هو عليك قبيح إن كان قد وقع منك ذلك و الله ما وطئ الحصى مثل محمد أ نسيت ما جرى له في صغره و ما بان له في كبره و الله ما يثلبه إلا لئيم قال خويلد و الله يا أخي ما ثلبت الرجل و إنه خير مني و إنما أراد أن يتزوج بخديجة فقال له أخوه ما ذا تنكر منه قال خويلد و الله يا أخي ما أقول فيه شيئا و لكن خشيت من وجهين الأول تسبني العرب حيث إني رددت أكابرهم و ساداتهم و أزوجها الآن بفقير لا مال له و الثاني أنها لا ترضاه فقال ورقة إن العرب ما منهم أحد إلا و يحب أن يزوجه بابنته و يشتهي أن يكون محمد نسيبه و قريبه و أما خديجة فمذ عاينت فضله رضيت به و أما أنت فقد جلبت لنفسك عداوة من بني هاشم على غير شيء و إنهم ما يتركونك غير ساعة و لا سيما الأسد الهجوم حمزة القضاء المحتوم لا يصده عنك صاد و يرده عنك راد و الله إن قبلت نصحي و سرت معي إلى بني هاشم سألتهم أن يرفعوا عنك يد العداوة و تزوج محمدا ص بخديجة و الله ما تصلح إلا له و لا يصلح إلا لها فقال يا أخي أخاف أن يهجموا بي و يقتلوني فقالورقة ضمان هذا الأمر علي فلا تخف فنهضا جميعا و سارا حتى دخلا على أولاد عبد المطلب فوقفا على الباب و كان من الأمر المقدر أن في ذلك الوقت كان أولاد عبد المطلب جالسين و بينهم النبي ص فنظر إليه حمزة و قال يا قرة العين ما تقول و الله لئن أمرتني لآتينك في هذه الساعة برأس خويلد فقال خويلد لورقة اسمع يا أخي فقال ورقة اسمع أنت فقال خويلد دعني أرجع قال ورقة لا و انظر الآن ما أصنع دعنا نأتي إليهم فإنهم لا يبعدون من يأتي إليهم ثم إن ورقة قرع الباب فقال النبي ص لقد جاءكم خويلد و أخوه ورقة فقام حمزة فأدخلهم و يد خويلد في يد ورقة و نادى نعمتم صباحا و مساء و كفيتم شر الأعداء يا أولاد زمزم و الصفا فناداه أبو طالب و أنت يا خويلد كفيت ما تحذر و تخشى فانتهره حمزة و قال لا أهلا و لا سهلا لمن طلب منا بعدا و أرانا هجرا و صدا قال خويلد ما كان ذلك مني يا سيدي و أنتم تعلمون أن خديجة وافرة العقل مالكة نفسها و إنما تكلمت بهذا الكلام حتى أسمع ما تقول و الآن عرفت أن المرأة فيكم راغبة فلا تؤاخذوني بما جرى و نحن كما قال الشاعر
و من عجب الأيام أنك هاجري. و ما زالت الأيام تبدئ العجائبا.و ما لي ذنب أستحق به الجفا. و إن كان لي ذنب أتيتك تائبا.
و الآن قد رضيت لرضاها و لأجل القرابة و النسب و قال شعرا
عودوني الوصال فالوصل عذب. و ارحموا فالفراق و الهجر صعب.زعموا حين عاينوا أن جرمي. فرط حبي لهم و ما ذاك ذنب.لا و حق الخضوع عند التلاقي. ما جزى من يحب أن لا يحب.
فقال عند ذلك حمزة يا خويلد أنت عندنا عزيز كريم و لكن ما كان يجوز منك إذا جئناك أن تبعدنا فقال ورقة إنا لنحب محمد أشد محبة و نحن على ما تقولون و لكني أريد يا بني هاشم أن تكون هذه الخطبة في غداة غد على رءوس الأنام حتى يسمع الغائب و الحاضر فقال حمزة لا نخالفكم فيما تقولون فقال ورقة أعلمكم أن أخي له لسان لا يخلص به عند العرب و أريد أن يوكلني في أمر ابنته خديجة حتى أصير أنا المجاوب و أنتم تعلمون أني قد قرأت سائر الكتب و عرفت سائر الأديان فقال حمزة و كله يا خويلد على ذلك فقال خويلد أشهدكم يا أولاد هاشم أني قد وكلت أخي ورقة في أمر ابنتي خديجة فقال ورقة أريد أن يكون هذا الأمر عند الكعبة فساروا جميعا إلى الكعبة فوجدوا العرب مجتمعين بين زمزم و المقام و هم جماعات كثيرة منهم الصلت بن أبي يهاب و لئيمة بن الحجاج و هشام بن المغيرة و أبو جهل بن هشام و عثمان بن مبارك العميري و أسد بن غويلب الدارمي و عقبة بن أبي معيط و أمية بن خلف و أبو سفيان بن حرب فناداهم ورقة نعمتم صباحا يا سكان حرم الله فقالوا كلهم أهلا و سهلا يا أبا البيان فقال ورقة يا معشر قريش يا جميع من حضر أني أسألكم ما تقولون في خديجة بنت خويلد فنطق العرب بأجمعهم فقالوا بخ بخ لقد ذكرت و الله الشرف الأوفى و النسب الأعلى و الرأي الأزكى و من لا يوجد لها نظير في نساء العرب و العجم فقال أ تحمدون أن تكون بلا بعل فقالوا ليس بواجب و قد وجدنا الخطاب لها كثيرا و هي تأبى قال ورقة يا سادات العرب ألا و إن هذا أخي قد وكلني في أمرها و هي قد أمرتني أن أزوجها و أعلمتني أن لها رغبة في سيد من سادات قريش و سألتها أن تسميه لي فأبت و أحب أن تسمعوا الوكالة منه و أن تحضروا كلكم جميعا غداة غد في منزلها فما تسعكم غير دارها و كان لها دار واسعة تسع أهل مكة فلما سمعوا كلامه لم يبق أحد منهم إلا يقول أنا هو المطلوب فقالوا نعم الوكيل و الكفيل أنت فقال ورقة لأخيه خويلد تكلم ما دامت السادات حاضرين قال خويلد أشهدكم يا سادات العرب على أني قد نزعت نفسي من أمر ابنتي خديجة و جعلت وكيلي و كفيلي في هذا الأمر أخي فلا رأي فوق رأيه و لا أمر فوق أمره فقال ورقة اسمعوا أيها السادات و إنه غير مجنون و لا مجبور و لا مخمور و إني أزوجها بمن شئت فقال العرب سمعنا و أطعنا و شهدنا و خرج خويلد و قد ذهب حكمها من يده و سار ورقة إلى منزل خديجة و هو فرح مسرور فلما نظرت إليه قالت مرحبا و أهلا بك يا عم لعلك قضيت الحاجة قال نعم يا خديجة يهنؤك و قد رجعت أحكامك إلي فأنا وكيلك و في غداة غد أزوجك إن شاء الله تعالى بمحمد ص فلما سمعت خديجة كلامه فرحت و خلعت عليه خلعة قد اشتراها عبدها ميسرة من الشام بخمسمائة دينار فقال ورقة لا ترغبيني في مثل هذا فلست براغب فيه و إنما الرغبة في شفاعة محمد ص فقالت لك ذلك ثم قال لها يا خديجة قومي هذه الساعة و جهزي أمرك و جملي منزلك و أخرجي ذخائرك و علقي ستورك و انشري حللك و اكمدي عدوك فما يدخر المال إلا لمثل هذا اليوم و اصنعي وليمة لا يعوزك فيها شيء فإن العرب في غداة غد يأتون كلهم إلى دارك فلما سمعت منه ذلك نادت في عبيدها و جواريها و أخرجوا الستور و المساند و الوسائد و البسط المختلفة الألوان و الحلل ذات الأثمان و العقود و القلائد و نشرت الرايات. و قد روت الرواة الذين شاهدوا تلك الليلة أن تلك العبيد و الإماء الذين كانوا برسم الخدمة لحمل الآنية ثمانون عبدا و ذبحت الذبائح و عقرت العقائر و عقدت الحلاوات من كل لون و جمعت الفواكه من كل فاكهة و قصد ورقة منزل أبي طالب فوجده و إخوته
مجتمعين فقال لهم نعمتم صباحا و مساء ما يحبسكم عن إصلاح أمركم انهضوا في أمر خديجة فقد صار أمرها بيدي فإذا كان غداة غد إن شاء الله تعالى أزوجها بمحمد صلى الله عليه و آله فعندها قال محمد ص لا أنسى الله لك ذلك يا ورقة و جزاك فوق صنيعك معنا ثم قال أبو طالب الآن و الله طاب قلبي و علمت أن أخي قد بلغ المنى و قام لعمل الوليمة و إخوته عنده فعند ذلك اهتز العرش و الكرسي و سجد الملائكة و أوحى الله تعالى إلى رضوان خازن الجنان أن يزينها و يصف الحور و الولدان و يهيئ أقداح الشراب و يزين الكواعب و الأتراب و أوحى إلى الأمين جبرئيل ع أن ينشر لواء الحمد على الكعبة و تطاولت الجبال و سبحت بحمد الملك المتعال على ما خص به محمدا ص و فرحت الأرض و باتت مكة تغلي بأهلها كما يغلي المرجل على النار فلما أصبحوا أقبلت الطوائف و الأكابر و القبائل و العشائر فلما دخلوا منزل خديجة وجدوها و قد أعدت لهم المساند و الوسائد و الكراسي و المراتب و جعلت مجلس كل واحد منهم في مرتبته و محله فدخل أبو جهل لعنه الله و هو يختال في مشيته و زينته و قد أرخى ذوائبه من ورائه و حمائل سيفه على منكبه و قد أحدقت به بنو مخزوم فنظر إلى صدر المجلس و قد نصب فيه كرسي عظيم و تحته أحد عشر كرسيا في أعلى مكان مصفوفا لم ير أحسن منها فتقدم و أراد الجلوس على ذلك السرير العالي فصاح به ميسرة و قال له يا سيدي تمهل قليلا و لا تعجل فقد وضعت منزلك عند بني مخزوم فرجع هو خجلان و جلس فما كان إلا قليلا و إذا بأصوات قد علت و العرب قد تواثبت و قد أقبل العباس و حمزة إلى جانبه و سيفه مجرد من غمده و أبو طالب يقدمهم و حمزة يقول يا أهل مكة الزموا الأدب و قللوا الكلام و انهضوا على الأقدام و دعوا الكبر فإنه قد جاءكم صاحب الزمان محمد المختار من الملك الجبار المتوج بالأنوار صاحب الهيبة و الوقار قد ورد عليكم فنظرت العرب و إذا بالنبي ص قد جاء و هو معتم بعمامة سوداء تلوح ضياء جبينه من تحتها و عليه قميص عبد المطلب و بردة إلياس و في رجليه نعلان لجده عبد المطلب و في يده قضيب إبراهيم الخليل متختم بخاتم من العقيق الأحمر و الناس محدقون به ينظرون إليه و قد أحاطت به عشيرته و حمزة يحجبه عن أعين الناظرين و قد شخصت إليه جميع المخلوقات و الموجودات بالإشارة يسلمون عليه و قد ذهلت العرب مما رأوا منه و قام كل قاعد منهم على قدميه و جلس النبي ص و أعمامه في أعلى موضع و مكان و هو المكان الذي نحي عنه أبو جهل و أصحابه و لم يبق منهم جالس غير أبو جهل لعنه الله و أخزاه و قال إن كان الأمر لخديجة لتأخذن محمدا فتقدم إليه حمزة كالأسد و قبض على أطرافه و قال له قم لا سلمت من النوائب و لا نجوت من المصائب فأخذ أبو جهل يده و ضربها في قائم سيفه فسبقه حمزة و قبض على يده حتى نبع الدم من تحت أظفاره و وكزه الحارث و قال له ويلك يا ابن هشام ما أنت عديل من نهض إليك من جملة الناس و رأيت أنك أشرف منهم لئن لم تقعد لأخذ رأسك فخاف الفتنة و سكت و ظن أنه زوج خديجة فلما استقر بالناس الجلوس إذا بخويلد قد أقبل و دخل على خديجة و هي تحت حجابها و قال يا خديجة أين عقلك و أين سؤددك أنا لم أرض لك بالملوك و رددتهم كبرا عليهم و ترضين الآن لنفسك بصبي صغير فقير يتيم ليس له مال أبدا قد كان لك أجيرا و هذا اليوم يكون لك بعلا لا كان ذلك أبدا و الآن إن قبلتيه لأعلينك بهذا السيف و اليوم لا شك فيه تسفك الدماء و نهض على قدميه و خرج كأنه مجنون حتى وقف على صدر المجلس و قال يا معاشر العرب و يا ذوي المعالي و الرتب أشهدكم على أني لم أرض محمدا لابنتي بعلا و لو دفع لي وزن جبل أبي قبيس ذهبا فما بيني و بينه إلا السيوف فما مثلي من يخدع بشرب المدام ثم قال
و لو أنها قالت نعم لعلوتها. بشفرة حد للجماجم فاصل.فمن رام تزويج ابنتي بمحمد. و إن رضيت يا قوم لست بقابل.
قال فلما سمع أعمام النبي ص كلامه و الحاضرون قال حمزة لأخيه أبي طالب مع إخوته ما بقي للجلوس موضع قوموا بنا فبينا هم في ذلك إذ أقبلت جارية لخديجة و أشارت إلى أبي طالب فقام معها و وقف أبو طالب خلف الحجاب فسلمت عليه خديجة و قالت نعمت صباحا و مساء يا سيد الحرم لا تغتر بشقشقة أبي فإنه ينصلح بشيء قليل ثم أعطته كيسا فيه ألفا دينار و قالت يا سيدي خذ هذا و سر به إليه كأنك تعاتبه و صبه في حجره فإنه يرضى فسار أبو طالب و الناس حاضرون و قال له يا خويلد ادن مني قال لا أدنو منك أبدا قال يا خويلد إنه كلام تسمعه فإن لم يرضك فما أحد يقهرك و فتح أبو طالب الكيس و صبه في حجر خويلد و قال له هذا عطية من ابن أخي لك غير مهر ابنتك فلما رأى خويلد المال انطفت ناره و أقبل و وقف في الموقف الأول على رءوس الجمع و نادى بأعلى صوته يا معاشر العرب و ذوي المعالي و الرتب فو الله ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء بأفضل من محمد و لقد رضيته لابنتي بعلا و كفوا فكونوا على ذلك من الشاهدين ثم قام العباس و قال يا معاشر العرب لم تنكرون الفضل لأهله هل سقيتم الغيث إلا بابن أخي و هل اخضر زرعكم إلا به و كم له عليكم من إياد كتمتموها و لزمتم له الحسد و العناد و بالله أقسم ما فيكم من يعادل صيانته و لا أمانته و اعلموا أن محمدا ص لم يخطب خديجة لمالها و لا جمالها إن المال زائل و إلى نفاد ثم إن خويلدا أقبل و جلس إلى جانب رسول الله ص و أمسك الناس عن الكلام حتى يسمعوا ما يقول خويلد فقال خويلد يا أبا طالب ما الانتظار عما طلبتم اقضوا الأمر فإن الحكم لكم و أنتم الرؤساء و الخطباء و البلغاء و الفصحاء فليخطب خطيبكم و يكون العقد لنا و لكم فنهض أبو طالب و أشار إلى الناس أن أنصتوا فأنصتوا فقال الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم الخليل و أخرجنا من سلالة إسماعيل و فضلنا و شرفنا على جميع العرب و جعلنا في حرمه و أسبغ علينا من نعمه و صرف عنا شر نقمه و ساق إلينا الرزق من كل فج عميق و مكان سحيق و الحمد لله على ما أولانا و له الشكر على ما أعطانا و ما به حبانا و فضلنا على الأنام و عصمنا عن الحرام و أمرنا بالمقاربة و الوصل و ذلك ليكثر منا النسل و بعد فاعلموا يا معاشر من حضر أن ابن أخينا محمد بن عبد الله خاطب كريمتكم الموصوفة بالسخاء و العفة و هي فتاتكم المعروفة المذكور فضلها الشامخ خطبها و هو قد خطبها من أبيها خويلد على ما يحب من المال.
ثم نهض ورقة و كان إلى جانب أخيه خويلد و قال نريد مهرها المعجل دون المؤجل أربعمائة ألف دينار ذهبا و مائة ناقة سود الحدق حمر الوبر و عشر حلل و ثمانية و عشرين عبدا و أمة و ليس ذلك بكثير علينا قال له أبو طالب رضينا بذلك فقال خويلد قد رضيت و زوجت خديجة بمحمد على ذلك فقبل النبي ص عقد النكاح فنهض عند ذلك حمزة و كان معه دراهم فنثرها على الحاضرين و كذلك أصحابه فقام أبو جهل لعنه الله و قال يا قوم رأينا الرجال يمهرون النساء أم النساء يمهرون الرجال فنهض أبو طالب رضي الله عنه و قال ما لك يا لكع الرجال و يا رئيس الأرذال مثل محمد ص يحمل إليه و يعطى و مثلك من يهدي و لا يقبل منه ثم سمع الناس مناديا ينادي من السماء إن الله تعالى قد زوج بالطاهر الطاهرة و بالصادق الصادقة ثم رفع الحجاب و خرجت منه جوار بأيديهن نثار ينثرن على الناس و أمر الله عز و جل جبرئيل أن يرسل على الناس الطيب على البر و الفاجر فكان الرجل يقول لصاحبه من أين لك هذا الطيب فيقول هذا من طيب محمد ثم نهض الناس إلى منازلهم و مضى رسول الله ص إلى منزل عمه أبي طالب رضي الله عنه و أعمامه حوله و هو كالقمر فاجتمعت نسوان قريش و نسوان بني عبد المطلب و بني هاشم في دار خديجة و الفتيان يضربن الدفوف و بعثت خديجة من يومها أربعة آلاف دينار إلى رسول الله ص و قالت يا سيدي أنفذها إلى عمك العباس ينفذها إلى أبي و أرسلت مع المال خلعة سنية فسار بها العباس و أبو طالب إلى منزل خويلد و ألبساه الخلعة فقام خويلد من وقته و ساعته إلى دار خديجة و قال يا بنتي ما الانتظار بالدخول جهزي نفسك فهذا مهرك قد أتوا به إلي و أعطوني هذه الخلعة و الله ما تزوج أحد بزوج مثلك لا في الحسن و لا في الجمال فسمع أبو جهل ذلك فقام في الناس يقول هذا المال من عند خديجة فبلغ الخبر أبا طالب فخرج من وقته و ساعته متقلدا سيفه و وقف في الأبطح و العرب مجتمعون و قال يا معاشر العرب سمعنا قول قائل و عيب عائب فإن كانت النساء قد أقمن بواجب حقنا فليس ذلك بعيب و حق لمحمد أن يعطى و يهدى إليه فهذا جرى منها على رغم أنف من تكلم و تكلم بعض قريش من المبغضين بالإزراء على خديجة حيث تزوجها محمد ص و بلغ الخبر إلى خديجة فصنعت طعاما و دعت نساء المبغضين فلما اجتمعن و أكلن قالت لهن معاشر النساء بلغني أن بعولتكن عابوا علي فيما فعلته من أني تزوجت محمدا و أنا أسألكم هل فيكم مثله أو في بطن مكة شكله من جماله و كماله و فضله و أخلاقه الرضية و أنا قد أخذته لأجل ما قد رأيت منه و سمعت منه أشياء ما أحد رآها فلا يتكلم أحد فيما لا يعنيه فكف كل منهن عن الكلام. ثم إن خديجة قالت لعمها ورقة خذ هذه الأموال و سر بها إلى محمد ص و قل له إن هذه جميعها هدية له و هي ملكه يتصرف فيها كيف شاء و قل له إن مالي و عبيدي و جميع ما أملك و ما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمد ص إجلالا و إعظاما له فوقف ورقة بين زمزم و المقام و نادى بأعلى صوته يا معاشر العرب إن خديجة تشهدكم على أنها قد وهبت نفسها و مالها و عبيدها و خدمها و جميع ما ملكت يمينها و المواشي و الصداق و الهدايا لمحمد ص و جميع ما بذل لها مقبول منه و هو هدية منها إليه إجلالا له و إعظاما و رغبة فيه فكونوا عليها من الشاهدين ثم سار ورقة إلى منزل أبي طالب رضي الله عنه و كانت خديجة قد بعثت جارية و معها خلعة سنية و قالت أدخليها إلى محمد ص فإذا دخل عليه عمي ورقة يخلعها عليه ليزداد فيه حبا فلما دخل ورقة عليهم قدم المال إليهم و قال الذي قالته خديجة فقام النبي ص و أفرغ عليه الخلعة و زاده خلعة أخرى فلما خرج ورقة تعجب الناس من حسنه و جماله ثم أخذت خديجة في جهازها و أعتدت صوافي الذهب و الفضة و فيها الطيب و المسك و العنبر فلما كانت الليلة الثالثة دخل عليها عمات النبي ص و اجتمع السادات و الأكابر في اليوم الثالث كعادتهم و نهض العباس و هو يقول
أبشروا بالمواهب آل فهر و غالب. افخروا يا آل قومنا بالثناء و الرغائب.شاع في الناس فضلكم و علي في المراتب. قد فخرتم بأحمد زين كل الأطايب.فهو كالبدر نوره مشرق غير غائب. قد ظفرتي خديجة بجليل المواهب.بفتى هاشم الذي ما له من مناسب. جمع الله شملكم فهو رب المطالب.أحمد سيد الورى خير ماش و راكب. فعليه الصلاة ما سار عيس براكب.
ثم إن خديجة قالت اعلموا أن شأن محمد ص عظيم و فضله عميم و جوده جسيم ثم نثرت عليهن من المال و الطيب ما دهش الحاضرين و شجر طوبى تنثر في الجنة على الحور العين فجعلن يلتقطن النثار ثم يتهادينه ثم إن خديجة أنفذت إلى أبي طالب غنما كثيرا و دنانير و دراهم و ثيابا و طيبا و عمل أبو طالب وليمة عظيمة و وقف النبي ص و شد وسطه و ألزم نفسه خدمة جميع الناس و أقام لأهل مكة الوليمة ثلاثة أيام و أعمام النبي ص تحته في الخدمة و أنفذت خديجة إلى الطائف و غيره و دعت أهل الصنائع إلى منزلها و صاغت المصاغ و الحلي و فصلت الثياب و عملت الشمع بالعنبر على هيئة الأشجار و أجرت عليه الذهب و عملت فيه التماثيل من المسك و العنبر و لم تزل تعمل في شغل العرس ستة أشهر حتى فرغت من جميع ما تحتاج إليه و علقت ستور الديباج المطرز و نقشت فيها صورة الشمس و القمر و فرشت المجالس و وضعت المساند و الوسائد من الديباج و الخز و فرشت لرسول الله ص مجلسا على سرير تحت الإبريسم و الوشي و السرير من العاج و الآبنوس مصفح بصفائح الذهب الوهاج و ألبست جواريها و خدمها ثياب الحرير و الديباج المختلفات الألوان و نظمت شعورهن باللؤلؤ و المرجان و سورتهن و وضعت في أعناقهن قلائد الذهب و أوقفت الخدم بأيديهن المجامر من الذهب و فيها الطيب و العنبر و البخور من العود و الند و جعلت في يد كل واحدة من الخدم مراوح منقوشة بالذهب مقصبة بالفضة و أوقفتهن عند مجلس رسول الله ص و دفعت إلى بعضهن الدفوف و الشموع و نصبت في وسط الدار شمعا كثيرا على أمثال النخيل فلما فرغت من ذلك دعت نسوان أهل مكة جميعهن فأقبلن إليها و رفعت مجلس عمات النبي ص ثم أرسلت إلى أبي طالب ليحضر وقت الزفاف فلما كان تلك الليلة أقبل النبي ص بين أعمامه و عليه ثياب من قباطي مصر و عمامة حمراء و عبيد بني هاشم بأيديهم الشموع و المصابيح و قد كثر الناس في شعاب مكة ينظرون إلى محمد ص و منهم من وقف على السرادقات و النور يخرج من بين ثناياه و من جبينه و من تحت ثيابه فلما وصلوا إلى دار خديجة دخل هو صلوات الله عليه و آله و هو كأنه القمر في تمامه قد خرج من الأفق و أعمامه محدقون به كأنهم أسود الشرى في أحسن زينة و فرحة يكبرون الله و يحمدونه على ما وصلوا إليه من الكرامة فدخلوا جميعا إلى دارها و جلس النبي ص في المجلس الذي هيئ له في دار خديجة رضي الله عنها و نوره قد علا نور المصابيح فذهلت النساء مما رأين من حسنه و جماله ثم هيئوا خديجة للجلاء فخرجت أول مرة و عليها ثياب معمدة و على رأسها تاج من الذهب الأحمر مرصع بالدر و الجوهر و في رجليها خلخالان من الذهب منقوش بالفيروزج لم تر الأعين له نظيرا و عليه قلائد لا تحصى من الزمرد و الياقوت فلما برزت ضربن النساء الدفوفو جعلت بعض النساء تقول شعرا
أضحى الفخار لنا و عز الشأن. و لقد فخرنا يا بني العدنان.أ خديجة نلت العلا بين الورى. و فخرت فيه جملة الثقلان.أعني محمدا الذي لا مثله. ولد النساء في سائر الأزمان.فيه المكارم و المعالي و الحياء. ما ناحت الأطيار في الأغصان.صلوا عليه و سلموا و ترحموا. فهو المفضل من بني عدنان.فتطاولي فيه خديجة و اعلمي. أن قد خصصت بصفوة الرحمن.
ثم أقبلن بها نساء بني هاشم للجلوة الثانية على رسول الله ص و قد أشرق من نور وجهها نور علا على جميع المصابيح و الشموع فتعجبت منها بنات عبد المطلب حتى زاد فيها نور لم يرى الراءون مثله و ذلك فضل لرسول الله ص و عطية من الله تعالى لها و أقبلوا بها و قد فاقت على جميع من حضر و عليها سقلاط أبيض مذهب مرصع بالجوهر الأحمر و الأخضر و الأصفر و من كل الألوان و كانت خديجة امرأة طويلة شامخة عريضة من النساء بيضاء لم ير في عصرها ألطف منها و لا أحسن و خرجت بين يديها صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها و قالت شعرا
جاء السرور مع الفرح. و مضى النحوس مع الترح.أنوارنا قد أقبلت. و الحال فيها قد نجح.بمحمد المذكور في. كل المفاوز و البطح.لو أن يوازن أحمد. بالخلق كلهم رجح.و لقد بدا من فضله. لقريش أمر قد وضح.ثم السعود لأحمد. و السعد عنه ما برح.بخديجة نبت الكمال. و بحر نائلها طفح.يا حسنها في حليها. و الحلم منها ما برح.هذا النبي محمد. ما في مدائحه كلح.صلوا عليه تسعدوا. و الله عنكم قد صفح.
ثم أقبلن بها رضي الله عنها حتى أوقفوها بين يدي النبي ص ثم بعد ذلك أخذوا التاج و رفعوه من رأسها و وضعوه على رأس النبي ص ثم أتوا بالدفوف و هن يضربن لها و قلن لها يا خديجة لقد خصصت هذه الليلة بشيء ما خص به غيرك و لا ناله سواك من قبائل العرب و العجم فهنيئا لك بما أوتيته و وصل إليك من العز و الشرف و خرجت في الجلوة الثالثة و عليها ثوب أصفر و عليها حلي و جوهر و قد أضاء الموضع من لمعان ذلك الجوهر الذي في وسط الإكليل و في آخر الإكليل ياقوتة حمراء تضيء و قد أشرقت الدار من ذلك الجوهر و من نورها و حسنها و أقبلت بين يديها صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها و هي تقول شعرا
أخذ الشوق موثقات الفؤاد. و ألقت السهاد بعد الرقاد.فليالي اللقاء بنور التداني. مشرقات خلاف طول البعاد.فزت بالفخر يا خديجة إذ نلت. من المصطفى عظيم الوداد.فغدا شكره على الناس فرضا. شاملا كل حاضر ثم بادي.كبر الناس و الملائك جمعا. جبرئيل لدى السماء ينادي.فزت يا أحمد بكل الأماني. فنحى الله عنك أهل العناد.فعليك الصلاة ما سرت العيس. و حطت لثقلها في البلاد.
قال ثم بعد ذلك أجلسوها مع النبي ص و خرج جميع الناس عنها و بقي عندها في أحسن حال و أرخى بال و لم يأخذ عليها أحدا من النساء حتى ماتت بعد ما بعث صلوات الله عليه و آله و آمنت به و صدقته و انتقلت إلى جنان عدن في أعلى عليين من قصور الجنة. أقول و في بعض النسخ بعد الأبيات و خلا رسول الله ص مع عروسه و أوحى الله إلى جبرئيل أن اهبط إلى الجنة و خذ قبضة من مسكها و قبضة من عنبرها و قبضة من كافورها و انثرها على جبال مكة ففعل فامتلأت شعاب مكة و أوديتها و منازلها و طرقها من ذلك الطيب حتى أن الرجل يقول إذا خلا مع زوجته ما هذا الطيب فتقول هذا من طيب خديجة و محمد ص. توضيح المزمم هو الذي شد عليه الزمام و هو الذي يقاد به البعير و العقيان من الذهب الخالص و الإرقال ضرب من العدو و في بعض النسخ بالفاء من قولهم فلان يرفل في مشيته أي يتبختر و الإغضاء إدناء الجفون و باح بسره أظهره و الجوى الحرقة و شدة الوجد من عشق أو حزن و الصبوة الميل إلى الجهل و المراس بالكسر الشدة و القوة و يقال لفت وجهه أي صرفه و الصبابة رقة الشوق و حرارته و لوعة الحب حرقته و الكمد بالتحريك الحزن المكتوم و الحجفة الترس و الوغد الرجل الذي يخدم بطعام بطنه و النذل الخسيس و الثلب التصريح بالعيب و التنقص و التغمغم الكلام لا يبين و أغرم بالشيء أولع به و خطر الرجل في مشيته رفع يديه و وضعهما و جفل أسرع و الجافل المنزعج و الغزالة الشمس و التيار الموج و يقال قطع عرقا تيارا أي سريعة الجري و اعتكر الليل و أعكر اشتد سواده و الهيف بالتحريك ضمر البطن و الخاصرة و فرس هيفاء ضامرة و السحيق البعيد و السقلاط شيء من صوف تلقيه المرأة على هودجها أو ثياب ككتان موشية و كان وشيه خاتم و العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة. أقول إنما أوردت تلك الحكاية لاشتمالها على بعض المعجزات و الغرائب و إن لم نثق بجميع ما اشتملت عليه لعدم الاعتماد على سندها كما أومأنا إليه و إن كان مؤلفة من الأفاضل و الأماثل
20- د، ]العدد القوية[ في الدر أن فاطمة ع ولدت بعد ما أظهر الله نبوة أبيها ص بخمس سنين و قريش تبني البيت و روي أنها ولدت ع في جمادى الآخرة يوم العشرين منه سنة خمس و أربعين من مولد النبي ص
في المناقب، روي أن فاطمة ع ولدت بمكة بعد المبعث بخمس سنين و بعد الأسرى بثلاث سنين في العشرين من جمادى الآخرة و ولدت الحسن ع و لها اثنتا عشرة سنة و قيل إحدى عشرة سنة بعد الهجرة و كان بين ولادتها الحسن و بين حملها بالحسين عليه السلام خمسون يوما
و روي أنها ولدت خمس سنين قبل ظهور الرسالة و نزول الوحي و قيل بينا النبي ص جالس بالأبطح و معه عمار بن ياسر و المنذر بن الضحضاح و أبو بكر و عمر و علي بن أبي طالب و العباس بن عبد المطلب و حمزة بن عبد المطلب إذ هبط عليه جبرئيل ع في صورته العظمى قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب فناداه يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و هو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحا فشق ذلك على النبي ص و كان لها محبا و بها وامقا قال فأقام النبي صلى الله عليه و آله أربعين يوما يصوم النهار و يقوم الليل حتى إذا كان في آخر أيامه تلك بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر و قال قل لها يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك و لا قلى و لكن ربي عز و جل أمرني بذلك لينفذ أمره فلا تظني يا خديجة إلا خيرا فإن الله عز و جل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا فإذا جنك الليل فأجيفي الباب و خذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مرارا لفقد رسول الله ص فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل ع فقال يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام و هو يأمرك أن تتأهب لتحيته و تحفته قال النبي ص يا جبرئيل و ما تحفة رب العالمين و ما تحيته قال لا علم لي قال فبينا النبي ص كذلك إذ هبط ميكائيل و معه طبق مغطى بمنديل سندس أو قال إستبرق فوضعه بين يدي النبي ص و أقبل جبرئيل ع و قال يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام فقال علي بن أبي طالب ع كان النبي ص إذ أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الإفطار فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي ص على باب المنزل و قال يا ابن أبي طالب إنه طعام محرم إلا علي قال علي ع فجلست على الباب و خلا النبي ص بالطعام و كشف الطبق فإذا عذق من رطب و عنقود من عنب فأكل النبي ص منه شبعا و شرب من الماء ريا و مد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل و غسل يده ميكائيل و تمندله إسرافيل و ارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء ثم قام النبي ص ليصلي فأقبل عليه جبرئيل و قال الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها فإن الله عز و جل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة فوثب رسول الله ص إلى منزل خديجة قالت خديجة رضوان الله عليها و كنت قد ألفت الوحدة فكان إذا جنتني الليل غطيت رأسي و أسجفت ستري و غلقت بابي و صليت وردي و أطفأت مصباحي و آويت إلى فراشي فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة و لا بالمنتبهة إذ جاء النبي صلى الله عليه و آله فقرع الباب فناديت من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد ص قالت خديجة فنادى النبي ص بعذوبة كلامه و حلاوة منطقه افتحي يا خديجة فإني محمد قالت خديجة فقمت فرحة مستبشرة بالنبي ص و فتحت الباب و دخل النبي المنزل و كان ص إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما ثم يأوي إلى فراشه فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالأناء و لم يتأهب بالصلاة غير أنه أخذ بعضدي و أقعدني على فراشه و داعبني و مازحني و كان بيني و بينه ما يكون بين المرأة و بعلها فلا و الذي سمك السماء و أنبع الماء ما تباعد عني النبي ص حتى حسست بثقل فاطمة في بطني
و فيه عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد ع كيف كانت ولادة فاطمة ع قال نعم إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله ص هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها و لا يسلمن عليها و لا يتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة من ذلك فلما حملت بفاطمة ع صارت تحدثها في بطنها و تصبرها و كانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله ص فدخل يوما و سمع خديجة تحدث فاطمة فقال لها يا خديجة من يحدثك قالت الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني فقال لها هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و أن الله تبارك و تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش و نساء بني هاشم يجئن و يلين منها ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها عصيتينا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له فلسنا نجيء و لا نلي من أمرك شيئا فاغتمت خديجة لذلك فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن فقالت لها إحداهن لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه صفراء بنت شعيب بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها و الأخرى عن يسارها و الثالثة من بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت خديجة فاطمة ع طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر فلفتها بواحدة و قنعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت فاطمة ع بشهادة أن لا إله إلا الله و أن أبي رسول الله ص سيد الأنبياء و أن بعلي سيد الأوصياء و أن ولدي سيد الأسباط ثم سلمت عليهن و سمت كل واحدة منهن باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة ع و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم فلذلك سميت الزهراء ع و قالت خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها خديجة ع فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت فدر عليها و كانت ع تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في شهر و في شهر كما ينمي الصبي في سنة صلى الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها
كتاب الدر النظيم، مثل ما مر من الروايات كلها
أقول سيأتي أحوال فاطمة صلوات الله عليها و ولادتها في المجلد العاشر و أحوال سائر أولاد خديجة رضي الله عنها في باب أحوال أولاد النبي ص