الآيات النمل وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَ لَها عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُها وَ قَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قالَ سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَ كُنَّا مُسْلِمِينَ وَ صَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
1- ختص، ]الإختصاص[ أحمد بن محمد و فضالة عن أبان عن أبي بصير و زرارة عن أبي جعفر ع قال ما زاد العالم على النظر إلى ما خلفه و ما بين يديه مد بصره ثم نظر إلى سليمان ع ثم مد بيده فإذا هو ممثل بين يديه
2- و ذكر علي بن مهزيار عن أحمد بن محمد عن حماد بن عثمان عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول ما زاد صاحب سليمان على أن قال بإصبعه هكذا فإذا هو قد جاء بعرش صاحبة سبإ فقال له حمران كيف هذا أصلحك الله فقال إن أبي كان يقول إن الأرض طويت له إذا أراد طواها
3- فس، ]تفسير القمي[ كان سليمان ع إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير التي سخرها الله لسليمان فتظل الكرسي و البساط بجميع من عليه من الشمس فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقعت الشمس من موضعه في حجر سليمان فرفع رأسه و قال كما حكى الله ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ إلى قوله بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بحجة قوية فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء الهدهد فقال له سليمان أين كنت قال أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ أي بخبر صحيح إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ و هذا مما لفظه عام و معناه خاص لأنها لم تؤت أشياء كثيرة منها الذكر و اللحية ثم قال وَجَدْتُها وَ قَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى قوله فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ثم قال الهدهد أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ أي المطر و في الْأَرْضِ النبات ثم قال سليمان سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ إلى قوله ما ذا يَرْجِعُونَ فقال الهدهد إنها في عرش عظيم أي سرير فقال سليمان ألق الكتاب على قبتها فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك و جمعت جنودها و قالت لهم كما حكى الله يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ أي مختوم إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ أي لا تتكبروا علي ثم قالت يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ قالُوا لها كما حكى الله نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ فقالت لهم إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً فقال الله عز و جل وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ ثم قالت إن كان هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنا به فإن الله لا يغلب و لكن سأبعث إليه بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها و علمت أنه لا يقدر علينا فبعثت إليه حقا فيه جوهرة عظيمة و قالت للرسول قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد و لا نار فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان ع بعض جنوده من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها و أخرج الخيط من الجانب الآخر و قال سليمان لرسولها فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها أي لا طاقة وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك و بقوة سليمان فعلمت أنه لا محيص لها فارتحلت و خرجت نحو سليمان فلما أخبر الله سليمان بإقبالها نحوه قال للجن و الشياطين أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ عفاريت الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قال سليمان أريد أسرع من ذلك فقال آصف بن برخيا أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فدعا الله باسمه الأعظم فخرج السرير من تحت كرسي سليمان بن داود ع فقال سليمان نَكِّرُوا لَها عَرْشَها أي غيروه نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ و كان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيت من قوارير و وضعه على الماء ثم قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فظنت أنه ماء فرفعت ثوبها و أبدت ساقيها فإذا عليها شعر كثير فقيل لها إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فتزوجها سليمان و هي بلقيس بنت الشرح الجبيرية و قال سليمان للشياطين اتخذوا لها شيئا يذهب هذا الشعر عنها فعملوا الحمامات و طبخوا النورة فالحمامات و النورة مما اتخذته الشياطين لبلقيس و كذا الأرحية التي تدور على الماء و قال الصادق ع أعطي سليمان بن داود ع مع علمه معرفة المنطق بكل لسان و معرفة اللغات و منطق الطير و البهائم و السباع فكان إذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية و إذا قعد لعماله و جنوده و أهل مملكته تكلم بالرومية فإذا خلا مع نسائه تكلم بالسريانية و النبطية و إذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية و إذا جلس للوفود و الخصماء تكلم بالعبرانية قوله لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً يقول لأنتفن ريشه قوله أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ يقول لا تعظموا علي قوله لا قِبَلَ لَهُمْ بِها يقول لا طاقة لهم بها و قول سليمان لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ الذي آتاني من الملك أَمْ أَكْفُرُ إذا رأيت من هو دوني أفضل مني علما فعزم الله له على الشكر
4- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره عن محمد بن حماد عن أخيه أحمد بن حماد عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الحسن الأول ع قال قلت له جعلت فداك أخبرني عن النبي ص ورث النبيين كلهم قال نعم قلت من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه قال ما بعث الله نبيا إلا و محمد ص أعلم منه قال قلت إن عيسى ابن مريم ع كان يحيي الموتى بإذن الله قال صدقت و سليمان بن داود ع كان يفهم منطق الطير و كان رسول الله ص يقدر على هذه المنازل قال فقال إن سليمان بن داود ع قال للهدهد حين فقده و شك في أمره فقال ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ حين فقده فغضب عليه فقال لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ و إنما غضب لأنه كان يدله على الماء فهذا و هو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان و قد كانت الريح و النمل و الجن و الإنس و الشياطين و المردة له طائعين و لم يكن يعرف الماء تحت الهواء و كان الطير يعرفه و إن الله يقول في كتابه وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى و قد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال و تقطع به البلدان و تحيا به الموتى و نحن نعرف الماء تحت الهواء و إن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به الخبر
بيان تحت الهواء لعل المراد منه تحت الأرض كما سيأتي فإن الأرض أيضا تحت الهواء أو المراد معرفته حين كونهم على البساط في الهواء
5- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى و غيره عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل عن شريس الوابشي عن جابر عن أبي جعفر ع قال إن اسم الله الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا و إنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه و بين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة العين و نحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان و سبعون حرفا و حرف عند الله تبارك و تعالى استأثر به في علم الغيب عنده و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
6- كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن علي بن محمد النوفلي عن أبي الحسن العسكري ع قال سمعته يقول إن اسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه و بين سبإ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين
-7 ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل عن سعد أبي عمر الجلاب عن أبي عبد الله ع قال إن اسم الله الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه و بين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كان أسرع من طرفة عين و عندنا نحن من الاسم اثنان و سبعون حرفا و حرف عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب المكتوب عنده
8- ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن موسى عن أحمد بن عبدوس الخليجي عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل عن سعد أبي عمر عن أبي عبد الله ع قال إن اسم الله الأعظم على اثنين و سبعين حرفا و إنما كان عند آصف كاتب سليمان ع و كان يوحى إليه حرف واحد ألف أو واو فتكلم فانخرقت له الأرض حتى التفت فتناول السرير و إن عندنا من الاسم أحدا و سبعين حرفا و حرف عند الله في غيبه
أقول قد أوردنا بعض الأخبار في أبواب الإمامة و بعضها في أبواب التوحيد
9- ير، ]بصائر الدرجات[ محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل عن ضريس الوابشي عن جابر عن أبي جعفر ع قال قلت له جعلت فداك قول العالم أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قال فقال يا جابر إن الله جعل اسمه الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا فكان عند العالم منها حرف واحد فانخسفت الأرض ما بينه و بين السرير حتى التفت القطعتان و حول من هذه على هذه و عندنا من اسم الله الأعظم اثنان و سبعون حرفا و حرف في علم الغيب المكنون عنده
10- كا، ]الكافي[ علي بن محمد بن بندار عن السياري رفعه قال قال أبو عبد الله ع من أراد الاطلاء بالنورة فأخذ من النورة بإصبعه فشمه و جعله على طرف أنفه و قال صلى الله على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة لم تحرقه النورة
11- مل، ]كامل الزيارات[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الأهوازي عن النضر عن يحيى الحلبي عن ابن خارجة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن صاحب سليمان تكلم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان و بين العرش من سهولة الأرض و حزونتها حتى التقت القطعتان فاجتر العرش قال سليمان يخيل إلي أنه خرج من تحت سريري قال و دحيت في أسرع من طرفة العين
بيان ظاهر أكثر تلك الأخبار أن الأرض التي كانت بينه و بين السرير انخسفت و تحركت الأرض التي كان السرير عليها حتى أحضرته عنده فإن قيل كيف انخسفت الأبنية التي كانت عليها قلنا يحتمل أن تكون تلك الأبنية تحركت بأمره تعالى يمينا و شمالا و كذا ما عليها من الحيوانات و الأشجار و غيرها و يمكن أن يكون حركة السرير من تحت الأرض بأن غار في الأرض و طويت و تكاثفت الطبقة التحتانية حتى خرج من تحت سريره ثم دحيت تلك الطبقة من تحت الأرض
12- ختص، ]الإختصاص[ محمد بن علي عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان الأحمر قال قال الصادق ع يا أبان كيف تنكر الناس قول أمير المؤمنين ع لما قال لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره و لا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و إتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه أ ليس نبينا ص أفضل الأنبياء و وصيه أفضل الأوصياء أ فلا جعلوه كوصي سليمان ع حكم الله بيننا و بين من جحد حقنا و أنكر فضلنا
أقول قال الشيخ أمين الدين الطبرسي برد الله مضجعه في قوله تعالى وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ أي طلبه عند غيبته فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أي ما للهدهد لا أراه و اختلف في سبب تفقده فقيل إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء يقال إنه يرى الماء في بطن الأرض كما نراه في القارورة
عن ابن عباس و روى العياشي بالإسناد قال قال أبو حنيفة لأبي عبد الله ع كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه و ضحك فقال أبو عبد الله ع ما يضحكك قال ظفرت بك جعلت فداك قال و كيف ذاك قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حتى تأخذ بعنقه فقال أبو عبد الله ع يا نعمان أ ما علمت أنه إذا نزل القدر أغشي البصر
و قيل إنما تفقده لإخلاله بنوبته عن وهب و قيل كانت الطيور تظله من الشمس فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ معناه أ تأخر عصيانا أم غاب لعذر و حاجة قال المبرد لما تفقد سليمان الطير و لم ير الهدهد فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ على تقدير أنه مع جنوده و هو لا يراه ثم أدركه الشك فشك في غيبته عن ذلك الجمع بحيث لم يره فقال أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ أي بل أ كان من الغائبين كأنه ترك الكلام الأول و استفهم عن حاله و غيبته ثم أوعده على غيبته فقال لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أي بنتف ريشه و إلقائه في الشمس عن ابن عباس و قتادة و مجاهد و قيل بأن اجعله بين أضداده و كما صح نطق الطير و تكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته على ما وقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أو لأقطعن حلقه عقوبة له على عصيانه أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بحجة واضحة تكون عذرا له في الغيبة فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ أي فلم يلبث سليمان إلا زمانا يسيرا حتى جاء الهدهد و قيل معناه فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثم رجع و على هذا فيجوز أن يكون التقدير فمكث في مكان غير بعيد قال ابن عباس فأتاه الهدهد بحجة فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أي اطلعت على ما لم تطلع عليه وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ أي بخبر صادق و سبأ مدينة بأرض اليمن عن قتادة و قيل إن الله بعث إلى سبإ اثني عشر نبيا عن السدي.
و روى علقمة عن ابن عباس قال سئل رسول الله ص عن سبإ فقال هو رجل ولد له عشرة من العرب تيامن منهم ستة و تشاءم منهم أربعة فالذين تشاءموا لخم و جذام و غسان و عاملة و الذين تيامنوا كندة و الأشعرون و الأزد و حمير و مذحج و أنمار و من الأنمار خثعم و بجيلة
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ أي تتصرف فيهم بحيث لا يعترض عليها أحد وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ و هذا إخبار عن سعة ملكها أي من كل شيء من الأموال و ما يحتاج إليه الملوك من زينة الدنيا قال الحسن و هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبإ و قيل شرحيل ولدها أربعون ملكا آخرهم أبوها قال قتادة و كان أولو مشورتها ثلاث مائة و اثني عشر قبيلا كل قبيل منهم تحت رايته ألف مقاتل وَ لَها عَرْشٌ عَظِيمٌ أي سرير أعظم من سريرك و كان مقدمه من ذهب مرصع بالياقوت الأحمر و الزمرد الأخضر و مؤخره من فضة مكللة بألوان الجواهر و عليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق و عن ابن عباس قال كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا و طوله في الهواء ثلاثون ذراعا و قال أبو مسلم المراد بالعرش الملك وَجَدْتُها وَ قَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ أي عبادتهم للشمس من دون الله فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أي صرفهم عن سبيل الحق فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا قرأ أبو جعفر و الكسائي و رويس عن يعقوب ألا يسجدوا خفيفة اللام و الباقون بالتشديد فعلى الأول إنما هو على معنى الأمر بالسجود و دخلت الياء للتنبيه أو على تقدير ألا يا قوم اسجدوا لله و قيل إنه أمر من الله تعالى لجميع خلقه بالسجود له و قيل إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله أو قاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه و القراءة بالتشديد على معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الخبء المخبوء و هو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه و ما يوجده الله فيخرجه من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة و قيل الخبء الغيب و قيل إن خبء السماوات المطر و خبء الأرض النبات و الأشجار وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ أي يعلم السر و العلانية اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ من كلام الهدهد أو ابتداء إخبار من الله تعالى فلما سمع سليمان ما اعتذر به الهدهد في تأخره قالَ سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ ثم كتب سليمان ع كتابا و ختمه بخاتمه و دفعه إليه فذاك قوله اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ يعني إلى أهل سبإ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ أي استتر منهم قريبا بعد إلقاء الكتاب إليهم فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ أي يرجع بعضهم إلى بعض من القول فمضى الهدهد بالكتاب فألقاه إليهم فلما رأته بلقيس قالَتْ لقومها يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أي أيها الأشراف إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ قال قتادة أتاها الهدهد و هي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب و قيل كانت لها كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها فإذا نظرت إليها سجدت فجاء الهدهد إلى الكوة فسدها بجناحه فارتفعت الشمس و لم تعلم فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها عن وهب و ابن زيد فلما أخذت الكتاب جمعت الأشراف و هم ثلاثمائة و اثنا عشر قبيلا ثم قالت لهم إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ سمته كريما لأنه كان مختوما عن ابن عباس و يؤيده الحديث إكرام الكتاب ختمه و قيل وصفته بالكريم لأنه صدره ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و قيل لحسن خطه و جودة لفظه و بيانه و قيل لأنه كان ممن يملك الإنس و الجن و الطير و قد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته كريما لأنه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ معناه أن الكتاب من سليمان و أن المكتوب فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ
فإن هذا القدر جملة ما في الكتاب يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي أي أشيروا علي بالصواب ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ أي ما كنت ممضية أمرا حتى تحضرون و هذا ملاطفة منها لقومها قالُوا لها في الجواب نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ أي أصحاب قوة و قدرة و أهل عدد وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ أي و أصحاب شجاعة شديدة وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ أي إن الأمر مفوض إليك في القتال و تركه فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ أي ما الذي تأمريننا به لنمتثله فإن أمرت بالصلح صالحنا و إن أمرت بالقتال قاتلنا قالَتْ مجيبة لهم عن التعريض بالقتال إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها أي إذا دخلوها عنوة عن قتال و غلبة أهلكوها و خربوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً أي أهانوا أشرافها و كبراءها كي يستقيم لهم الأمر و المعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم و دخوله بلادهم و انتهى الخبر عنها و صدقها الله فيما قالت فقال وَ كَذلِكَ أي و كما قالت هي يَفْعَلُونَ و قيل إن الكلام متصل بعضه ببعض وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ من قولها وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ أي إلى سليمان ع و قومه بِهَدِيَّةٍ أصانعه بذلك عن ملكي فَناظِرَةٌ أي منتظرة بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ بقبول أم رد و إنما فعلت ذلك لأنها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم و كان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو نبي فإن قبل الهدية تبين أنه ملك و عندها ما يرضيه و إن ردها تبين أنه نبي. و اختلف في الهدية فقيل أهدت إليه وصفاء و وصائف ألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى عن ابن عباس و قيل أهدت مائتي غلام و مائتي جارية ألبست الغلمان لباس الجواري و ألبست الجواري لباس الغلمان عن مجاهد و قيل أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج فلما بلغ ذلك سليمان ع أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق فلما جاءوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاءوا به عن ثابت البناني و قيل إنها عمدت
إلى خمسمائة غلام و خمسمائة جارية فألبست الجواري الأقبية و المناطق و ألبست الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب و في أعناقهم أطواقا من ذهب و في آذانهم أقراطا و شنوفا مرصعات بأنواع الجواهر و حملت الجواري على خمسمائة رمكة و الغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر و بعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب و خمسمائة لبنة من فضة و تاجا مكللا بالدر و الياقوت المرتفع و عمدت إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة و خرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب و دعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو و ضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأي و عقل و كتبت إليه كتابا بنسخة الهدية قالت فيها إن كنت نبيا فميز بين الوصفاء و الوصائف و أخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها و أثقب الدرة ثقبا مستويا و أدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس و لا جن و قالت للرسول انظر إليه إذا دخلت عليه فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره فأنا أعز منه و إن نظر إليك نظر لطف فاعلم أنه نبي مرسل. فانطلق الرسول بالهدايا و أقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب و لبنات الفضة ففعلوا ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب و الفضة و أن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها من الذهب و الفضة ففعلوا ثم قال للجن علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم عن يمين الميدان و يساره ثم قعد سليمان ع في مجلسه على سريره و وضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه و مثلها عن يساره و أمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ و أمر الإنس فاصطفوا فراسخ و أمر الوحش و السباع و الهوام و الطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه و يساره فلما دنا القوم من الميدان و نظروا إلى ملك سليمان تقاصرت إليهم أنفسهم و رموا بما معهم من الهدايا فلما وقفوا بين يدي سليمان ع نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق و قال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم بما جاءوا به و أعطاه كتاب الملكة فنظر فيه و قال أين الحقة فأتي بها فحركها و جاءه جبرئيل فأخبره بما في الحقة و قال إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة و خرزة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فأثقب الدرة و أدخل الخيط في الخرزة فأرسل سليمان ع إلى الأرضة فجاءت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذه الخرزة يسلكها الخيط فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط في فيها و دخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ثم ميز بين الجواري و الغلمان بأن أمرهم أن يغلسوا وجوههم و أيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به الوجه و الغلام يأخذ من الآنية يضرب به وجهه و كانت الجارية تصب على باطن ساعدها و الغلام على ظهر الساعد و كانت الجارية تصب الماء صبا و كان الغلام يحدر الماء على يده حدرا فميز بينهم بذلك هذا كله مروي عن وهب و غيره و قيل إنها أيضا أنفذت مع هداياها عصا كانت تتوارثها ملوك حمير و قالت أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها و بقدح ماء و قالت تملأها ماء رواء ليس من الأرض و لا من السماء فأرسل سليمان العصا إلى الهواء و قال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أصلها و أمر بالخيل فأجريت حتى عرقت و ملأ القدح من عرقها و قال هذا ليس من ماء الأرض و لا من ماء السماء. فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ أي فلما جاء الرسول سليمان قالَ أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ أي أ تزيدونني مالا و هذا استفهام إنكار يعني أنه لا يحتاج إلى مالهم فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ أي ما أعطاني الله من الملك و النبوة و الحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا و أموالها بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ إذا أهدى بعضكم إلى بعض و أما أنا فلا أفرح بها
أشار إلى قلة اكتراثه بأموال الدنيا ثم قال سليمان للرسول ارْجِعْ إِلَيْهِمْ بما جئت به من الهدايا فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها أي لا طاقة لهم بها و لا قدرة لهم على دفعها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً أي من تلك القرية و من تلك المملكة و قيل من أرضها و ملكها وَ هُمْ صاغِرُونَ أي ذليلون صغيروا القدر إن لم يأتوا مسلمين فلما رد سليمان ع الهدية و ميز بين الغلمان و الجواري إلى غير ذلك علموا أنه نبي مرسل و أنه ليس كالملوك الذين يغترون بالأموال. فلما رجع إليها الرسول و عرفت أنه نبي و أنها لا تقاومه فتجهزت للمسير إليه و أخبر جبرئيل ع سليمان ع أنها خرجت من اليمن مقبلة إليه قالَ سليمان لأماثل جنده و أشراف عسكره يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. و اختلف في السبب الذي خص العرش بالطلب على أقوال. أحدها أنه أعجبته صفته فأراد أن يراه و ظهر له آثار إسلامها فأحب أن يملك عرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ مالها عن قتادة و ثانيها أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها و فطنتها و يختبر هل تعرفه أو تنكره عن ابن زيد و قيل أراد أن يجعل دليلا و معجزة على صدقه و نبوته لأنها خلفته في دارها و أوثقته و وكلت به ثقات قومها يحرسونه و يحفظونه عن وهب و قال ابن عباس كان سليمان ع رجلا مهيبا لا يبتدئ بالكلام حتى يكون هو الذي يسأل عنه فخرج يوما و جلس على سريره فرأى رهجا قريبا منه أي غبارا فقال ما هذا قالوا بلقيس يا رسول الله فقال و قد نزلت منا بهذا المكان و كان ما بين الكوفة و الحيرة على قدر فرسخ فقال أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها. و قوله مُسْلِمِينَ فيه وجهان أحدهما أنه أراد مؤمنين موحدين و الآخر مستسلمين منقادين على ما مر بيانه قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أي مارد قوي عن ابن عباس أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ أي من مجلسك الذي تقضي فيه عن قتادة وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ أي و إني على حمله لقوي و على الإتيان به في هذه المدة قادر و على ما فيه من الذهب و الجواهر أمين و في هذا دلالة على أن القدرة قبل الفعل لأنه أخبر بأنه قوي عليه قبل أن يجيء به و كان سليمان ع يجلس في مجلسه للقضاء غدوة إلى نصف النهار فقال سليمان ع أريد أسرع من ذلك فعند ذلك قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ و هو آصف بن برخيا و كان وزير سليمان و ابن أخته و كان صديقا يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب عن ابن عباس و قيل إن ذلك الاسم الله و الذي يليه الرحمن و قيل هو يا حي يا قيوم و بالعبرانية أهيا شر أهيا و قيل هو يا ذا الجلال و الإكرام عن مجاهد و قيل إنه قال يا إلهنا و إله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت عن الزهري و قيل إن الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ كان رجلا من الإنس يعلم اسم الله الأعظم اسمه بلخيا عن مجاهد و قيل اسمه اسطوم عن قتادة و قيل هو الخضر ع عن أبي لهيعة و قيل إن الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ هو جبرئيل ع أذن الله له في طاعة سليمان و أن يأتيه بالعرش الذي طلبه و قال الجبائي هو سليمان ع قال ذلك للعفريت ليريه نعمة الله عليه و هذا قول بعيد لم يؤثر عند أهل التفسير و أما الكتاب المعرف في الآية بالألف و اللام فقيل إنه اللوح المحفوظ و قيل إن المراد به جنس كتب الله المنزلة على أنبيائه و ليس المراد به كتابا بعينه و الجنس قد يعرف بالألف و اللام و قيل المراد به كتاب سليمان ع إلى بلقيس أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ اختلف في معناه فقيل يريد قبل أن يصل إليك من كان منك على قدر مد البصر
عن قتادة و قيل معناه قبل أن يبلغ طرفك مداه و غايته و يرجع إليك قال سعيد بن جبير قال لسليمان انظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه و المعنى حتى يرتد إليك طرفك بعد مده إلى السماء و قيل ارتداد الطرف إدامة النظر حتى يرتد طرفه خاسئا عن مجاهد فعلى هذا معناه أن سليمان ع مد بصره إلى أقصاه و هو يديم النظر فقبل أن ينقلب إليه بصره حسيرا يكون قد أتي بالعرش و قال الكلبي خر آصف ساجدا و دعا باسم الله الأعظم فغار عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسي سليمان و ذكر العلماء في ذلك وجوها. أحدها أن الملائكة حملته بأمر الله تعالى. و الثاني أن الريح حملته. و الثالث أن الله تعالى خلق فيه حركات متوالية. و الرابع أنه انخرق مكانه حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان. و الخامس أن الأرض طويت له و هو المروي عن أبي عبد الله ع. و السادس أنه أعدمه الله في موضعه و أعاده في مجلس سليمان و هذا لا يصح على مذهب أبي هاشم و يصح على مذهب أبي علي الجبائي فإنه يجوز فناء بعض الأجسام دون بعض. و في الكلام حذف كثير لأن التقدير قال سليمان له افعل فسأل الله تعالى في ذلك فحضر العرش فرآه سليمان مستقرا عنده أي فلما رأى سليمان العرش محمولا إليه موضوعا بين يديه في مقدار رجع البصر قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي أي من نعمته علي و إحسانه لدي لأن تيسير ذلك و تسخيره مع صعوبته و تعذره معجزة له و دلالة على علو قدره و جلالته و شرف منزلته عند الله تعالى لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ أي ليختبرني هل أقوم بشكر هذه النعمة أم أكفر بها وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لأن عائدة شكره و منفعته ترجعان إليه و تخصانه دون غيره و هذا مثل قوله إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ يعني غني عن شكر العباد غير محتاج إليه بل هم المحتاجون إليه لما لهم فيه من الثواب و الأجر كَرِيمٌ أي متفضل على عباده شاكرهم و كافرهم و عاصيهم و مطيعهم لا يمنعه كفرهم و عصيانهم من الإفضال عليهم و الإحسان إليهم قالَ سليمان نَكِّرُوا لَها عَرْشَها أي غيروا سريرها إلى حال تنكرها إذا رأته و أراد بذلك اختبار عقلها على ما قيل نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ أي أ تهتدي إلى معرفة عرشها بفطنتها بعد التغيير أم لا تهتدي إلى ذلك عن سعيد بن جبير و قتادة و قيل أَ تَهْتَدِي أي أ تستدل بعرشها على قدرة الله و صحة نبوتي و تهتدي بذلك إلى طريق الإيمان و التوحيد أم لا عن الجبائي قال ابن عباس فنزع ما كان على العرش من الفصوص و الجواهر و قال مجاهد غير ما كان أحمر و جعل أخضر و ما كان أخضر فجعل أحمر و قال عكرمة زيد فيه شيء و نقص منه شيء فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ فلم تثبته و لم تنكره فدل ذلك على كمال عقلها حيث لم تقل لا إذ كان يشبه سريرها لأنها وجدت فيه ما تعرفه و لم تقل نعم إذ وجدت فيه ما غير و بدل و لأنها خلفته في بيتها و حمله في تلك المدة إلى ذلك الموضع غير داخل في مقدور البشر قال مقاتل عرفته و لكن شبهوا عليها حين قالوا لها أَ هكَذا عَرْشُكِ فشبهت حين قالت كَأَنَّهُ هُوَ و لو قيل لها أ هذا عرشك لقالت نعم قال عكرمة كانت حكيمة قالت إن قلت هو هو خشيت أن أكذب و إن قلت لا خشيت أن أكذب فقالت كَأَنَّهُ هُوَ شبهته به فقيل لها فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب و كانت قد خلفته وراء سبعة أبواب لما خرجت فقالت وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ بصحة نبوة سليمان مِنْ قَبْلِها أي من قبل الآية في العرش وَ كُنَّا مُسْلِمِينَ طائعين لأمر سليمان و قيل إنه من كلام سليمان عن مجاهد و معناه أوتينا العلم بإسلامها و مجيئها طائعة قبل مجيئها وَ صَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي منعها عبادة الشمس عن الإيمان بالله تعالى بعد رؤية تلك المعجزات عن مجاهد فعلى هذا تكون ما موصولة مرفوعة
الموضع بأنها فاعلة صد و قيل معناه و صدها سليمان عما كانت تعبده من دون الله و حال بينها و بينه و منعها عنه فعلى هذا تكون ما في موضع النصب و قيل معناه منعها الإيمان و التوحيد عن الذي كانت تعبده من دون الله و هو الشمس ثم استأنف فقال إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ أي من قوم يعبدون الشمس قد نشأت فيما بينهم فلم تعرف إلا عبادة الشمس قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ و الصرح هو الموضع المنبسط المنكشف من غير سقف. و ذكر أن سليمان ع لما أقبلت صاحبة سبإ أمر الشياطين ببناء الصرح و هو كهيئة السطح المنبسط من قوارير أجرى تحته الماء و جمع في الماء الحيتان و الضفادع و دواب البحر ثم وضع له فيه سرير فجلس عليه و قيل إنه قصر من زجاج كأنه الماء بياضا و قال أبو عبيدة كل بناء من زجاج أو صخرا و غير ذلك مونق فهو صرح و إنما أمر سليمان ع بالصرح لأنه أراد أن يختبر عقلها و ينظر هل تستدل على معرفة الله تعالى بما ترى من هذه الآية العظيمة و قيل إن الجن و الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان ع فلا ينفكون من تسخير سليمان و ذريته بعده لو تزوجها و ذلك أن أمها كانت جنية فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها و قالوا إن في عقلها شيئا و إن رجلها كحافر الحمار فلما امتحن ذلك وجدها على خلاف ما قيل و قيل إنه ذكر له أن على رجليها شعرا فلما كشفته بان الشعر فساءه ذلك فاستشار الجن في ذلك فعملوا الحمامات و طبخوا له النورة و الزرنيخ و كان أول ما صنعت النورة فَلَمَّا رَأَتْهُ أي رأت بلقيس الصرح حَسِبَتْهُ لُجَّةً و هي معظم الماء وَ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها لدخول الماء و قيل إنها لما رأت الصرح قالت ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق و أنفت أن تجيء فلا تدخل و لم يكن من عادتهم لبس الخفاف فلما كشفت عن ساقيها قالَ لها سليمان إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ أي مملس مِنْ قَوارِيرَ و ليس بماء و لما رأت سرير سليمان و الصرح قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بالكفر الذي كنت عليه وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فحسن إسلامها و قيل إنها لما جلست دعاها سليمان إلى الإسلام و كانت قد رأت الآيات و المعجزات فأجابته و أسلمت و قيل إنها لما ظنت أن سليمان ع يغرقها ثم عرفت حقيقة الأمر قالت ظَلَمْتُ نَفْسِي إذ توهمت على سليمان ما توهمت. و اختلف في أمرها بعد ذلك فقيل إنها تزوجها سليمان و أقرها على ملكها و قيل إنه زوجها من ملك يقال له تبع و ردها إلى أرضها و أمر زوبعة أمير الجن باليمن أن يعمل له و يطيع فصنع له المصانع باليمن
13- و روى العياشي في تفسيره بالإسناد قال التقى موسى بن محمد بن علي بن موسى و يحيى بن أكثم فسأله عن مسائل قال فدخلت على أخي علي بن محمد ع بعد أن دار بيني و بينه من المواعظ حتى انتهيت إلى طاعته فقلت له جعلت فداك إن يحيى بن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها فضحك فقال فهل أفتيته فيها قلت لا قال و لم قلت لم أعرفها قال و ما هي قلت قال أخبرني عن سليمان أ كان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا ثم ذكر المسائل الأخر قال اكتب يا أخي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سألت عن قول الله في كتابه قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ فهو آصف بن برخيا و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف لكنه أحب أن يعرف أمته من الإنس و الجن أنه الحجة من بعده و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته و دلالته كما فهم سليمان ع في حياة داود ع ليتعرف إمامته و نبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق
ف، ]تحف العقول[ سأل يحيى بن أكثم و ذكر نحوه
14- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ إن الله خص بسورة الفاتحة محمدا ص و شرفه بها و لم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان ع فإنه أعطاه منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أ لا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أقول و قال الثعلبي في تفسيره قالت العلماء بسير الأنبياء إن نبي الله سليمان ع لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم فتجهز للمسير و استصحب من الجن و الإنس و الشياطين و الطير و الوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ فأمر الريح الرخاء فحملتهم فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم فكان ينحر كل يوم طول مقامه بمكة خمسة آلاف بدنة و خمسة آلاف ثور و عشرين ألف شاة و قال لمن حضر من أشراف قومه إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا و كذا يعطى النصر على جميع من ناواه و يبلغ هيبته مسيرة شهر القريب و البعيد عنده في الحق سواء لا تأخذه في الله لومة لائم قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله قال بدين الحنيفية فطوبى لمن أدركه و آمن به و صدقه قالوا فكم بيننا و بين خروجه يا نبي الله قال ذهاب ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء و خاتم الرسل و إن اسمه لمثبت في زبر الأنبياء قالوا فأقام بمكة حتى قضى نسكه ثم أحب أن يسير إلى أرض اليمين فخرج من مكة صباحا و سار نحو اليمين يوم نجم سهيل فوافى صنعاء وقت الزوال و ذلك مسيرة شهر فرأى أرض حسنة تزهر خضرتها فأحب النزول بها ليصلي و يتغدى فطلبوا الماء فلم يجدوا و كان دليله على الماء الهدهد كان يرى الماء من تحت الأرض فينقر الأرض فيعرف موضع الماء و بعده ثم تجيء الشياطين فيسلخونه كما يسلخ الإهاب ثم يستخرجون الماء قالوا فلما نزل قال الهدهد إن سليمان ع قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر إلى عرض الدنيا و طولها ففعل ذلك و نظر يمينا و شمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه و كان اسم هدهد سليمان يعفور و اسم هدهد اليمن عنقير فقال عنقير ليعفور من أين أقبلت و أين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود قال و منسليمان بن داود قال ملك الجن و الإنس و الطير و الوحوش و الشياطين و الرياح فمن أين أنت قال أنا من هذه البلاد قال و من ملكها قال امرأة يقال لها بلقيس و إن لصاحبكم سليمان ملكا عظيما و ليس ملك بلقيس دونه فإنها ملكة اليمن كلها و تحت يدها اثني عشر ألف قائد تحت كل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها قال أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء قال الهدهد اليماني إن صاحبك ليسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة فانطلق معه و نظر إلى بلقيس و ملكها و ما رجع إلى سليمان ع إلا وقت العصر فلما طلبه سليمان ع فلم يجده دعا عريف الطيور و هو النسر فسأله عنه فقال ما أدري أين هو و ما أرسلته مكانا ثم دعا بالعقاب فقال علي بالهدهد فارتفع فإذا هو بالهدهد مقبلا فانقض نحوه فناشده الهدهد بحق الله الذي قواك و أغلبك علي إلا رحمتني و لم تتعرض لي بسوء قال فولى عنه العقاب و قال له ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله حلف أن يعذبك أو يذبحك ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهى إلى المعسكر تلقته النسر و الطير فقالوا توعدك نبي الله فقال الهدهد أ و ما استثنى نبي الله فقالوا بلى أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فلما أتيا سليمان و هو قاعد على كرسيه قال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه و أرخى ذنبه و جناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان فأخذ برأسه فمده إليه فقال أين كنت فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى فلما سمع ذلك سليمان ع ارتعد و عفا عنه و ساق القصة إلى أن قال و قال مقاتل حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة و حولها القادة و الجنود فرفرف ساعة و الناس ينظرون حتى رفعت رأسها فألقى الكتاب في حجرها إلى آخر القصة