الآيات البقرة وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ و قال سبحانه وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ إلى قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ الأنفال وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ الحج إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الفتح إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَ زُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً وَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَ مَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَ كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَ لِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَ يَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً إلى قوله تعالى الفتح وَ لَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً
الممتحنة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ تفسير قال الطبرسي رضي الله عنه في قوله تعالى وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ اختلفوا في المعنى بهذه الآية فقال ابن عباس و مجاهد إنهم الروم غزوا بيت المقدس و سعوا في خرابه حتى كان أيام عمر فأظهر الله المسلمين عليهم و صاروا لا يدخلونها إلا خائفين و قال الحسن و قتادة هو بختنصر خرب بيت المقدس و أعانه عليه النصارى و روي عن أبي عبد الله ع أنهم قريش حين منعوا رسول الله ص دخول مكة و المسجد الحرام و به قال البلخي و الرماني و الجبائي و قال في قوله تعالى وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عن ابن عباس نزلت هذه الآية في صلح الحديبية و ذلك أن رسول الله ص لما خرج هو و أصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة و كانوا ألفا و أربعمائة فساروا حتى نزلوا الحديبية فصدهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدي بالحديبية ثم صالحهم المشركون على أن يرجع في عامه و يعود العام القابل و يخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت و يفعل ما يشاء فيرجع إلى المدينة من فوره فلما كان العام المقبل تجهز النبي ص و أصحابه لعمرة القضاء و خافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك و أن يصدوهم عن البيت الحرام و يقاتلوهم فكره رسول الله ص قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله هذه الآية و عن الربيع بن أنس و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذه أولى آية نزلت في القتال فلما نزلت كان رسول الله ص يقاتل من قاتله و يكف عمن كف عنه حتى نزلت فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فنسخت هذه الآية وَ لا تَعْتَدُوا أي لا تجاوزوا من قتال من هو أهل القتال إلى قتال من لم تؤمروا بقتاله و قيل معناه لا تعتدوا بقتال من لم يبدأكم بقتال إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ و اختلف في الآية فقال بعضهم منسوخة كما ذكرنا و روي عن ابن عباس و مجاهد أنها غير منسوخة بل هي خاصة في النساء و الذراري و قيل أمر بقتال أهل مكة و روي عن أئمتنا ع أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ و كذلك قوله وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ناسخ لقوله وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ دَعْ أَذاهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ أي الكفار حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي وجدتموهم وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ يعني أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ أي شركهم بالله و برسوله أعظم من القتل في الشهر الحرام و ذلك أن رجلا
من الصحابة قتل رجلا من الكفار في الشهر الحرام فعابوا المؤمنين بذلك فبين الله سبحانه أن الفتنة في الدين و هو الشرك أعظم من قتل المشركين في الشهر الحرام و إن كان غير جائز وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ نهى عن ابتدائهم بقتال أو قتل في الحرم حتى يبتدئ المشركون بذلك فَإِنْ قاتَلُوكُمْ أي بدءوكم بذلك فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ أن يقتلوا حيث ما وجدوا فَإِنِ انْتَهَوْا أي امتنعوا من كفرهم بالتوبة فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لهم رَحِيمٌ بهم وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي شرك عن ابن عباس و هو المروي عن أبي جعفر ع وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ أي و حتى تكون الطاعة لله و الانقياد لأمره أو حتى يكون الإسلام لله فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ أي فلا عقوبة عليهم و إنما العقوبة بالقتل على الكافرين المقيمين على الكفر فسمي القتل عدوانا من حيث كان عقوبة على العدوان و هو الظلم الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ المراد به هاهنا ذو القعدة و هو شهر الصد عام الحديبية و الأشهر الحرم أربعة ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب كانوا يحرمون فيها القتال و إنما قيل ذو القعدة لقعودهم فيه عن القتال و قيل في تقديره وجهان أحدهما قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام فحذف المضاف و قيل إنه الشهر الحرام على جهة العوض لما فات في السنة الأولى و معناه الشهر الحرام ذو القعدة الذي دخلتم فيه مكة و اعتمرتم و قضيتم منها وطركم في سنة سبع بالشهر الحرام ذي القعدة الذي صددتم فيه عن البيت و منعتم من مرادكم سنة ست و الحرمات قصاص فيه قولان أحدهما أن الحرمات قصاص بالمراغمة بدخول البيت في الشهر الحرام قال مجاهد لأن قريشا فخرت بردها رسول الله عام الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخله الله تعالى مكة في العام المقبل في ذي القعدة و قضى عمرته و روي ذلك عن أبي جعفر ع و الثاني أن الحرمات قصاص بالقتل في الشهر الحرام أي لا يجوز للمسلمين إلا قصاصا قال الحسن إن مشركي العرب قالوا لرسول الله ص أ نهيت عن قتالنا في الشهر الحرام قال نعم و إنما أراد المشركون أن يغيروه في الشهر الحرام فيقاتلوه فأنزل الله سبحانه هذا أي إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا فاستحلوا منهم مثل ما استحلوا منكم و إنما جمع الحرمات لأنه أراد حرمة الشهر و حرمة البلد و حرمة الإحرام و قيل أراد كل حرمة تستحل فلا تجوز إلا على وجه المجازاة فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ أي ظلمكم فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ أي فجازوه باعتدائه و قابلوه بمثله وَ اتَّقُوا اللَّهَ فيما أمركم بهو نهاكم عنه وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بالنصرة لهم وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ أي أتموهما بمناسكهما و حدودهما و اقصدوا بهما التقرب إلى الله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أي إن منعكم خوف أو عدو أو مرض فامتنعتم لذلك و هو المروي عن أئمتنا ع فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ أي فعليكم ما سهل من الهدي أو فاهدوا ما تيسر من الهدي إذا أردتم الإحلال وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ أي لا تتحللوا من إحرامكم حتى يبلغ الهدي محله و ينحر أو يذبح و اختلف في محل الهدي فقيل إنه الحرم و قيل إنه الموضع الذي يصد فيه لأن النبي ص نحر هديه بالحديبية و أمر أصحابه ففعلوا ذلك و ليست الحديبية من الحرم و أما على مذهبنا فالأول حكم المحصر بالمرض و الثاني حكم المحصور بالعدو
و إن كان الإحرام بالحج فمحله منى يوم النحر و إن كان الإحرام بالعمرة فمحله مكة. قوله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ. قال البيضاوي نزلت عام الحديبية ابتلاهم الله بالصيد و كانت الوحوش تغشاهم في رحابهم بحيث يتمكنون من صيدها أخذا بأيديهم و طعنا برماحهم و هم محرمون و التقليل و التحقير في بشيء للتنبيه على أنه ليس من العظائم التي تدحض الإقدام كالابتلاء ببذل الأنفس و الأموال فمن لم يثبت عنده كيف يثبت عند ما هو أشد منه لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ ليتميز الخائف من عقابه و هو غائب منتظر لقوة إيمانه ممن لا يخافه لضعف قلبه و قلة إيمانه فذكر العلم و أراد وقوع المعلوم و ظهوره أو تعلق العلم فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ بعد ذلك الابتلاء بالصيد. قوله تعالى وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ قال البيضاوي أي و ما لهم مما يمنع تعذيبهم متى ذلك و كيف لا يعذبون وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و حالهم ذلك و من صدهم عنه إلجاء الرسول ص و المؤمنين إلى الهجرة و إحصارهم عام الحديبية وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ مستحقين ولاية أمره مع شركهم و هو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت و الحرم فنصد من نشاء و ندخل من نشاء إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره و قيل الضميران لله وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن لا ولاية لهم عليه. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لا يريد به حالا و لا استقبالا و إنما يريد استمرار الصد منهم و لذلك حسن عطفه على الماضي وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ عطف على اسم الله الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ أي المقيم و الطارئ وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ مما ترك مفعوله ليتناول كل متناول بِإِلْحادٍ عدول عن القصد بِظُلْمٍ بغير حق و هما حالان مترادفان أو الثاني بدل من الأول بإعادة الجار أو صلة له أي ملحدا بسبب الظلم كالإشراك و اقتراف الآثام نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ جواب لمن. و قال الطبرسي رحمه الله قيل إن الآية نزلت في الذين صدوا رسول الله ص عام الحديبية. و قال رحمه الله في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ المراد بالبيعة هنا بيعة الحديبية و هي بيعة الرضوان بايعوا رسول الله ص على الموت إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يعني أن المبايعة معك تكون مبايعة مع الله لأن طاعتك طاعة الله و إنما سميت بيعة لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب النصرة يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ أي عقد الله في هذه البيعة فوق عقدهم لأنهم بايعوا الله ببيعة نبيه فكأنهم بايعوه من غير واسطة و قيل معناه قوة الله في نصرة نبيه فوق نصرتهم إياه أي ثق بنصرة الله لك لا بنصرتهم و إن بايعوك و قيل نعمة الله عليهم بنبيه فوق أيديهم بالطاعة و المبايعة و قيل يد الله بالثواب و ما وعدهم على بيعتهم من الجزاء فوق أيديهم بالصدق و الوفاء فَمَنْ نَكَثَ أي نقض ما عقد من البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ أي يرجع ضرر ذلك النقض عليه و ليس له الجنة و لا كرامة وَ مَنْ أَوْفى أي ثبت على الوفاء بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ من البيعة فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً أي ثوابا جزيلا سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ أي الذين تخلفوا عن صحبتك في وجهتك و عمرتك و ذلك أنه ص لما أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا و كان في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة استنفر من حول المدينة من الأعراب إلى الخروج معه و هم غفار و أسلم و مزينة و جهينة و
أشجع و الدئل حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو بصد و أحرم بالعمرة و ساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حربا فتثاقل عنه كثير من الأعراب فقالوا نذهب معه إلى قوم قد جاءوه و قتلوا أصحابه فتخلفوا عنه و اعتلوا بالشغل فقال سبحانه إنهم يقولون لك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم على التخلف عنك شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا عن الخروج معك فَاسْتَغْفِرْ لَنا في قعودنا عنك فكذبهم الله تعالى فقال يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ أي لا يبالون استغفر لهم النبي أم لا قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً أي غنيمة و ذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي ص يدفع عنهم الضر أو يعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم و أموالهم فأخبرهم سبحانه أنه إن أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه عنهم بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أي عالما بما كنتم تعملون في تخلفكم بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً أي ظننتم أنهم لا يرجعون إلى من خلفوا بالمدينة من الأهل و الأولاد لأن العدو يستأصلهم و يصطلمهم وَ زُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ أي زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ في هلاك النبي ص و المؤمنين و كل هذا من الغيب الذي لا يطلع عليه أحد إلا الله فصار معجزا لنبينا ص وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أي هلكى لا تصلحون لخير و قيل قوما فاسدين. سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ يعني هؤلاء إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها يعني غنائم خيبر ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ أي اتركونا نجيء معكم و ذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية بالصلح وعدهم الله سبحانه فتح خيبر و خص بغنائمها من شهد الحديبية فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فقال سبحانه يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ أي مواعيد الله لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة أرادوا تغيير ذلك بأن يشاركوهم فيها و قيل يريد أمر الله لنبيه أن لا يسير معه منهم أحد قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أي قال الله بالحديبية قبل خيبر و قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية لا يشركهم فيها غيرهم فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نشارككم في الغنيمة بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ الحق إِلَّا قَلِيلًا أي إلا فقها قليلا أو شيئا قليلا. قوله تعالى إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قد مر تفسيره في باب نوادر الغزوات لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ أي ضيق في ترك الحضور مع المؤمنين في الجهاد قال مقاتل عذر الله أهل الزمانة و الآفات الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية. قوله تعالى إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ يعني بيعة الحديبية تحت الشجرة المعروفة و هي شجرة السمرة و تسمى بيعة الرضوان لهذه الآية و رضى الله سبحانه عنهم هو إرادته تعظيمهم و إثابتهم فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من صدق النية في القتال و الكراهة له لأنه بايعهم على القتال و قيل ما في قلوبهم من الصبر و اليقين و الوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ و هي اللطف المقوي لقلوبهم و الطمأنينة وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً يعني فتح خيبر و قيل فتح مكة وَ مَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها يعني غنائم خيبر فإنها كانت مشهورة بكثرة المال و العقار و قيل يعني غنائم هوازن بعد فتح مكة. أقول قد مضى تفسير بقية الآيات في باب نوادر الغزوات. قوله تعالى وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أي بالرعب قيل سبب نزوله أن المشركين بعثوا أربعين رجلا عام الحديبية ليصيبوا من المسلمين فأتي بهم إلى النبي ص أسارى فخلى سبيلهم عن ابن عباس و قيل إنهم كانوا ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا من جبل التنعيم عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم
فأخذهم رسول الله ص و أعتقهم عن أنس و قيل كان رسول الله ص جالسا في ظل شجرة و بين يديه علي ع يكتب كتاب الصلح فخرج ثلاثون شابا عليهم السلاح فدعا عليهم النبي ص فأخذ الله تعالى بأبصارهم فقمنا فأخذناهم فخلى ص سبيلهم فنزلت هذه الآية عن عبد الله بن المغفل وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بالنهي مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ذكر الله تعالى منته على المؤمنين بحجزه بين الفريقين حتى لم يقتتلا و حتى اتفق بينهم الصلح الذي كان أعظم من الفتح وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أن تطوفوا و تحلوا من عمرتكم يعني قريشا وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أي و صدوا الهدي و هي البدن التي ساقها رسول الله ص معه و كانت سبعين بدنة حتى بلغ ذا الحليفة فقلد البدن التي ساقها و أشعرها و أحرم بالعمرة حتى نزل بالحديبية و منعه المشركون و كان الصلح فلما تم الصلح نحروا البدن و ذلك قوله مَعْكُوفاً أي محبوسا من أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أي منحره يعني مكة وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ يعني المستضعفين الذين كانوا بمكة بين الكفار من أهل الإيمان لَمْ تَعْلَمُوهُمْ بأعيانهم لاختلاطهم بغيرهم أَنْ تَطَؤُهُمْ بالقتل و توقعوا بهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ أي إثم و جناية أو عيب يعيبكم المشركون بأنهم قتلوا أهل دينهم و قيل هي غرم الدية و الكفارة في قتل الخطإ عن ابن عباس و ذلك أنهم لو كبسوا مكة و فيها قوم مؤمنون لم يتميزوا من الكفار و لم يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين فتلزمهم الكفارة و تلحقهم السيئة بقتل من على دينهم فهذه المعرة التي صان الله المؤمنين عنها و جواب لو لا محذوف و تقديره لو لا المؤمنون الذين لم تعلموهم لوطئتم رقاب المشركين بنصرنا إياكم و قوله بِغَيْرِ عِلْمٍ موضعه التقديم لأن التقدير لو لا أن تطئوهم بغير علم و قوله لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ اللام متعلق بمحذوف دل عليه معنى الكلام تقديره فحال بينكم و بينهم ليدخل الله في رحمته من يشاء يعني من أسلم من الكفار بعد الصلح و قيل ليدخل الله في رحمته أولئك بسلامتهم من القتل و يدخل هؤلاء في رحمته بسلامتهم من الطعن و العيب لَوْ تَزَيَّلُوا أي لو تميز المؤمنون من الكافرين لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ أي من أهل مكة عَذاباً أَلِيماً بالسيف و القتل بأيديكم و لكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ إذ يتعلق بقوله لَعَذَّبْنَا أي لعذبنا الذين كفروا و أذنا لك في قتالهم حين جعلوا في قلوبهم الأنفة التي تحمي الإنسان أي حميت قلوبهم بالغضب ثم فسر تلك الحمية فقال حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ أي عادة آبائهم في الجاهلية أن لا يذعنوا لأحد و لا ينقادوا له و ذلك أن كفار مكة قالوا قد قتل محمد و أصحابه آباءنا و إخواننا و يدخلون علينا في منازلنا فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا و اللات و العزى لا يدخلونها علينا فهذه حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم و قيل هي أنفتهم من الإقرار لمحمد ص بالرسالة و الاستفتاح ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حيث أراد أن يكتب كتاب العهد بينهم عن الزهري فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ إلى قوله كَلِمَةَ التَّقْوى و هي قول لا إله إلا الله وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها قيل إن فيه تقديما و تأخيرا و التقدير كانوا أهلها و أحق بها أي كان المؤمنون أهل تلك الكلمة و أحق بها من المشركين و قيل كانوا أحق بنزول السكينة عليهم و أهلا لها و قيل كانوا أحق بمكة أن يدخلوها و أهلها وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً لما ذم الكفار بالحمية و مدح المؤمنين بلزوم الكلمة و السكينة بين علمه ببواطن سرائرهم و ما ينطوي عليه عقد ضمائرهم لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ قالوا إن الله تعالى أرى نبيه في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا و حسبوا أنهم دخلوا مكة عامهم ذلك فلما انصرفوا و لم يدخلوا مكة قال المنافقون ما حلقنا و لا قصرنا و لا دخلنا المسجد الحرام فأنزل الله هذه الآية و أخبر أنه أرى رسوله الصدق في منامه لا الباطل و أنهم يدخلونه و أقسم على ذلك فقال لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ يعني العام المقبل إِنْ شاءَ اللَّهُ قال أبو العباس استثنى الله فيما يعلم
ليستثني الناس فيما لا يعلمون و قيل إن الاستثناء من الدخول و كان بين نزول الآية و الدخول سنة و قد مات منهم ناس في السنة فيكون تقديره ليدخلن كلكم إن شاء الله إذ علم أن منهم من يموت قبل السنة أو يمرض فلا يدخلها فأدخل الاستثناء لئلا يقع في الخبر خلف و قيل إن الاستثناء داخل على الخوف و الأمن فأما الدخول فلا شك فيه و تقديره لتدخلن آمنين من العدو إن شاء الله و قيل إن إن هاهنا بمعنى إذ أي إذ شاء الله حين أرى رسوله ذلك عن أبي عبيدة مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ أي محرمين يحلق بعضكم رأسه و يقصر بعض و هو أن يأخذ بعض الشعر لا تَخافُونَ مشركا فَعَلِمَ من الصلاح في صلح الحديبية ما لَمْ تَعْلَمُوا و قيل علم في تأخير دخول المسجد الحرام من الخير و الصلاح ما لم تعلموا أنتم و هو خروج المؤمنين من بينهم و غير ذلك فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي قبل الدخول فَتْحاً قَرِيباً يعني فتح خيبر أو صلح الحديبية. ثم قال رحمه الله قصة فتح الحديبية قال ابن عباس إن رسول الله ص خرج يريد مكة فلما بلغ الحديبية وقفت ناقته و زجرها فلم تنزجر و بركت الناقة فقال أصحابه خلأت الناقة فقال ص ما هذا لها عادة و لكن حبسها حابس الفيل و دعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة ليأذنوا له بأن يدخل مكة و يحل من عمرته و ينحر هديه فقال يا رسول الله ما لي بها حميم و إني أخاف قريشا لشدة عداوتي إياها و لكن أدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان فقال صدقت فدعا رسول الله ص عثمان فأرسله إلى أبي سفيان و أشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب و إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله ص و المسلمين أن عثمان قد قتل فقال ص لا نبرح حتى نناجز القوم فدعا الناس إلى البيعة فقام رسول الله ص إلى الشجرة فاستند إليها و بايع الناس على أن يقاتلوا المشركين و لا يفروا قال عبد الله بن مغفل كنت قائما على رأس رسول الله ص ذلك اليوم و بيدي غصن من السمرة أذب عنه و هو يبايع الناس فلم يبايعهم على الموت و إنما بايعهم على أن لا يفروا. و روى الزهري و عروة بن الزبير و المسور بن مخرمة قالوا خرج رسول الله ص من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله ص الهدي و أشعره و أحرم بالعمرة و بعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش و سار رسول الله ص حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال إني تركت كعب بن لؤي و عامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش و جمعوا لك جموعا و هم قاتلوك أو مقاتلوك و صادوك عن البيت فقال ص روحوا فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي ص إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل القريش طليعة فخذوا ذات اليمين و سار ص حتى إذا كان بالثنية بركت راحلته فقال ص ما خلأت القصوى و لكن حبسها حابس الفيل ثم قال و الله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله
إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت به قال فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا فشكوا إليه العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه في الماء فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينما هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة و كانوا عيبة نصح رسول الله ص من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي و عامر بن لؤي و معهم العوذ المطافيل و هم مقاتلوك و صادوك عن البيت فقال رسول الله ص إنا لم نجئ لقتال أحد و لكنا جئنا معتمرين و إن قريشا قد نهكتهم الحرب و أضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة و يخلوا بيني و بين الناس و إن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا و إلا فقد جموا و إن أبوا فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله تعالى أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل و إنه يقول كذا و كذا فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها و دعوني آته فقالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي ص و قال له رسول الله ص نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أ رأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك و إن تكن الأخرى فو الله إني لأرى وجوها و أرى أوباشا من الناس خلقا أن يفروا و يدعوك فقال له أبو بكر امصص بظر اللات أ نحن نفر عنه و ندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر قال أما و الذي نفسي بيده لو لا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك قال و جعل يكلم النبي ص و كلما كلمه أخذ بلحيته و المغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي ص و معه السيف و عليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله ص ضرب يده بنعل السيف و قال أخر يدك عن لحية رسول الله ص قبل أن لا ترجع إليك فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر أ و لست أسعى في غدرتك قال و كان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم و أخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي ص أما الإسلام فقد قبلنا و أما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه. ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي ص إذا أمرهم رسول الله ص ابتدروا أمره و إذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه و إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما يحدون إليه النظر تعظيما له قال فرجع عروة إلى أصحابه و قال أي قوم و الله لقد وفدت على الملوك و وفدت على قيصر و كسرى و النجاشي و الله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا إذا أمرهم ابتدروا أمره و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه و إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما يحدون إليه النظر تعظيما له و إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقال ائته فلما أشرف عليهم قال رسول الله ص هذا فلان و هو من قوم يعظمون البدن فابعثوها فبعثت له و استقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فقام رجل
منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي ص هذا مكرز و هو رجل فاجر فجعل يكلم النبي ص فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال ص قد سهل الله عليكم أمركم فقال اكتب بيننا و بينك كتابا فدعا رسول الله ص علي بن أبي طالب ع فقال له اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل أما الرحمن فو الله ما أدري ما هو و لكن اكتب باسمك اللهم فقال المسلمون و الله لا نكتبها إلا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال النبي ص اكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ص فقال سهيل لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت و لا قاتلناك و لكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي ص إني لرسول الله و إن كذبتموني ثم قال لعلي ع امح رسول الله فقال يا رسول الله إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة فأخذه رسول الله ص فمحاه ثم قال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو و اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس و يكف بعضهم عن بعض و على أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه و ماله و من قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو الشام فهو آمن على دمه و ماله فإن بيننا عيبة مكفوفة و أنه لا إسلال و لا إغلال و أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد و عهده دخل فيه و من أحب أن يدخل في عقد قريش و عهدهم دخل فيه. فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش و عهدهم فقال رسول الله ص على أن يخلو بيننا و بين البيت فنطوف فقال سهيل و الله ما تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة و لكن ذلك من العالم المقبل فكتب فقال سهيل على أنه لا يأتيك منا رجل و إن كان على دينك إلا رددته إلينا و من جاءنا ممن معك لم نرده عليك فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين و قد جاء مسلما فقال رسول الله ص من جاءهم منا فأبعده الله و من جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا فقال سهيل و على أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة فإذا كان عام قابل خرجنا عنها لك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا و لا تدخلها بالسلاح إلا السيوف في القراب و سلاح الراكب و على أن هذا الهدي حيث ما حبسناه محله لا تقدمه علينا فقال ص نحن نسوق و أنتم تردون فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده فقال النبي ص إنا لم نرض بالكتاب بعد قال و الله إذا لا أصالحك على
شيء أبدا فقال النبي ص فأجره لي قال ما أنا بمجيره لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه قال أبو جندل بن سهيل معاشر المسلمين أرد إلى المشركين و قد جئت مسلما أ لا ترون ما قد لقيت و كان قد عذب عذابا شديدا فقال عمر بن الخطاب و الله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي ص فقلت أ لست نبي الله قال بلى قلت أ لسنا على الحق و عدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله و لست أعصيه و هو ناصري قلت أ و لست تحدثنا أنا سنأتي البيت و نطوف حقا قال بلى أ فأخبرتك أنا نأتيه العام قلت لا قال فإنك تأتيه و تطوف به فنحر رسول الله ص بدنة و دعا بحالقه فحلق شعره ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ الآية قال محمد بن إسحاق بن بشار و حدثني بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب أن كاتب رسول الله ص في هذا الصلح كان علي بن أبي طالب ع فقال له رسول الله ص اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فجعل علي ع يتلكأ و يأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله ص فقال رسول الله ص فإن لك مثلها تعطيها و أنت مضطهد فكتب ما قالوا ثم رجع رسول الله ص إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش و هو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين إني لأرى سيفك هذا جيدا فاستله و قال أجل إنه لجيد و جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد و فر الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله ص حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي ص قال قتل و الله صاحبي و إني لمقتول قال فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد أوفى الله ذمتك و رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي ص ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر و انفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت عليه عصابة قال فو الله لا يسمعون بعير لقريش قد خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم و أخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي ص تناشده الله و الرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل ص إليهم فأتوه. ثم قال رحمه الله في ذكر عمرة القضاء و كذلك جرى الأمر في عمرة القضاء في السنة التالية للحديبية و هي سنة سبع من الهجرة في ذي القعدة و هو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام فخرج النبي ص و دخل مكة مع أصحابه معتمرين و أقاموا بمكة ثلاثة أيام ثم رجعوا إلى المدينة. و عن الزهري قال بعث رسول الله ص جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى
ميمونة بنت الحارث العامرية فخطبها ص فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب و كانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث فزوجها العباس من رسول الله ص فلما قدم رسول الله ص أمر أصحابه فقال اكشفوا عن المناكب و اسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدهم و قوتهم فاستكف أهل مكة الرجال و النساء و الصبيان ينظرون إلى رسول الله ص و أصحابه و هم يطوفون بالبيت و عبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله متوشحا بالسيف يقول
خلوا بني الكفار عن سبيله. قد أنزل الرحمن في تنزيله.في صحف تتلى على رسوله. اليوم نضربكم على تأويله.كما ضربناكم على تنزيله. ضربا يزيل الهام عن مقيله.و يذهل الخليل عن خليله. يا رب إني مؤمن بقيله.إني رأيت الحق في قبوله.
و يشير بيده إلى رسول الله ص و أنزل الله في تلك العمرة الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ و هو أن رسول الله ص اعتمر في الشهر الحرام الذي صد فيه و قال في قوله تعالى إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ قال ابن عباس صالح رسول الله ص بالحديبية مشركي مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده عليهم و من أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله ص فهو لهم و لم يردوه عليه و كتبوا بذلك كتابا و ختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب و النبي ص بالحديبية فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم و قال مقاتل هو صيفي بن الراهب في طلبها و كان كافرا فقال يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا و هذه طينة الكتاب لم تجف بعد فنزلت الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ من دار الكفر إلى دار الإسلام فَامْتَحِنُوهُنَّ قال ابن عباس امتحانهن أن يستحلفن ما خرجن من بغض زوج و لا رغبة عن أرض إلى أرض و لا التماس دنيا و لا خرجت إلا حبا لله و لرسوله فاستحلفها رسول الله ص ما خرجت بغضا لزوجها و لا عشقا لرجل منا و ما خرجت إلا رغبة في الإسلام فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك فأعطى رسول الله ص زوجها مهرها و ما أنفق عليها و لم يردها عليه فتزوجها عمر بن الخطاب فكان رسول الله يرد من جاءه من الرجال و يحبس من جاءه من النساء إذا امتحن و يعطى أزواجهن مهورهن قال الزهري و لما نزلت هذه الآية و فيها قوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين قريبة بنت أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان و هما على شركهما بمكة و الأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافر بن غانم رجل من قومه و هما على شركهما و كانت عند طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر و كان طلحة قد هاجر و هي بمكة عند قومها كافرة ثم تزوجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أمية و كانت ممن فر إلى رسول الله ص من نساء الكفار فحبسها و زوجها خالدا و أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الدحداحة ففرت منه و هو يومئذ كافر إلى رسول الله ص فزوجها رسول الله ص سهل بن حنيف فولدت عبد الله بن سهل.
قال الشعبي و كانت زينب بنت رسول الله ص امرأة أبي العاص بن الربيع فأسلمت و لحقت بالنبي ص في المدينة و أقام أبو العاص مشركا بمكة ثم أتى المدينة فأمنته زينب ثم أسلم فردها عليه رسول الله ص. و قال الجبائي لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء و لم يجر للنساء ذكر و إن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول الله ص ردها عليهما فقال رسول الله ص إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردها عليهما قال الجبائي و إنما لم يجر هذا الشرط في النساء لأن المرأة إذا أسلمت لم تحل لزوجها الكافر فكيف ترد عليه و قد وقعت الفرقة بينهما فَامْتَحِنُوهُنَّ بالإيمان أي استوصفوهن الإيمان و سماهن مؤمنات قبل أن يؤمن لأنهن اعتقدن الإيمان اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ أي كنتم تعلمون بالامتحان ظاهر إيمانهن و الله يعلم حقيقة إيمانهن في الباطن ثم اختلفوا في الامتحان على وجوه أحدها أن الامتحان أن يشهدن أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله عن ابن عباس. و ثانيها ما روي عن ابن عباس أيضا في رواية أخرى أن امتحانهن أن يحلفن ما خرجن إلا للدين و الرغبة في الإسلام و لحب الله و رسوله و لم يخرجن لبغض زوج و لا لالتماس دنيا و روي ذلك عن قتادة. و ثالثها أن امتحانهن بما في الآية التي بعد و هو أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ الآية عن عائشة ثم قال سبحانه فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ يعني في الظاهر فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ أي لا تردوهن إليهم لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ و هذا يدل على وقوع الفرقة بينهما لخروجها مسلمة و إن لم يطلق المشرك وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا أي و آتوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر عن ابن عباس و مجاهد و قتادة قال الزهري لو لا الهدنة لم يرد إلى المشركين الصداق كما كان يفعل قبل وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي و لا جناح عليكم معاشر المسلمين أن تنكحوا المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن التي يستحل بها فروجهن لأنهم بالإسلام قد بن من أزواجهن وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ أي لا تتمسكوا بنكاح الكافرات و أصل العصمة المنع و سمي النكاح عصمة لأن المنكوحة تكون في حبالة الزوج و عصمته وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ أي إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها و لم يدفعوها إليكم كما يسألونكم مهور نسائهم إذا هاجرن إليكم و هو قوله وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ يعني ما ذكر الله في هذه الآية حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بجميع الأشياء حَكِيمٌ فيما يفعل و يأمر به قال الحسن كان في صدر الإسلام تكون المسلمة تحت الكافر و الكافرة تحت المسلم فنسخته هذه الآية قال الزهري و لما نزلت هذه الآية آمن المؤمنون بحكم الله و أدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم و أبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما أمرهم به من أداء نفقات المسلمين فنزل وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ أي أحد من أزواجكم إِلَى الْكُفَّارِ فلحقن بهم مرتدات فَعاقَبْتُمْ معناه فغزوتم و أصبتم من الكفار عقبى و هي الغنيمة و ظفرتم و كانت العاقبة لكم و قيل معناه فخلفتم من بعدهم و صار الأمر إليكم و قيل إن عقب و عاقب مثل صغر و صاغر بمعنى و قيل عاقبتم بمصير أزواج الكفار إليكم إما من جهة سبي أو مجيئهن مؤمنات فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ أي نساؤهم من المؤمنين مِثْلَ ما أَنْفَقُوا من المهور عليهن من رأس الغنيمة و كذلك من ذهبت زوجته إلى من بينكم و بينه عهد فنكث في إعطاء المهر فالذي ذهب زوجته يعطى المهر من الغنيمة و لا ينقص شيء من حقه بل يعطى كملا عن ابن عباس و الجبائي و قيل معناه إن فاتكم أحد من
أزواجكم إلى الكفار الذين بينكم و بينهم عهد فغنمتم فأعطوا زوجها صداقها الذي كان ساق إليها من الغنيمة ثم نسخ هذا الحكم في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده عن قتادة و قال علي بن عيسى معناه فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من المهور كما عليهم أن يردوا عليكم مثل ما أنفقتم لمن ذهب من أزواجكم وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ أي اجتنبوا معاصي الله الذي أنتم تصدقون به و لا تجاوزوا أمره و قال الزهري فكان جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعات عن الإسلام ست نسوة أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري و فاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر أن يهاجر أبت و ارتدت و يروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان و عبدة بنت عبد العزى بن فضلة و زوجها عمرو بن عبد ود و هند بنت أبي جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل و كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر فأعطاهم رسول الله ص مهور نسائهم من الغنيمة انتهى. و لنوضح بعض ما ربما يشتبه على بعض من اللغات قال الجزري الحديبية قرية قريبة من مكة سميت ببئر هناك و هي مخففة و كثير من المحدثين يشددونها. و قال الجوهري خلأت الناقة أي حرنت و بركت من غير علة. و قال الجزري الخطة بالضم الحال و الأمر و الخطب و قال الثمد بالتحريك الماء القليل و قال يتبرضه الناس تبرضا أي يأخذونه قليلا قليلا و البرض الشيء القليل و قال يجيش أي يفور ماؤه و يرتفع. قوله عيبة نصح رسول الله ص قال في جامع الأصول يقال عيبة نصح فلان إذا كان موضع سره و ثقته في ذلك. قوله معهم العوذ المطافيل قال الجزري يريد النساء و الصبيان و العوذ في الأصل جمع عائذ و هي الناقة إذا وضعت و بعد ما تضع أياما حتى يقوى ولدها و المطافيل الإبل مع أولادها و المطفل الناقة القريب العهد بالنتاج معها طفلها يقال أطفلت فهي مطفل و مطفلة و الجمع مطافل و مطافيل بالإشباع يريد أنهم جاءوا بأجمعهم كبارهم و صغارهم. قوله قد نهكتهم الحرب أي أضرت بهم و أثرت فيهم قوله ماددتهم أي جعلت بيني و بينهم أمدا طويلا أصالحهم فيه و هو فاعل من المد قوله فقد جموا أي استراحوا و الجمام الراحة بعد التعب أو كثروا من الجم الغفير قوله ص حتى تنفرد سالفتي السالفة صفحة العنق و هما سالفتان من جانبيه كنى بانفرادها عن الموت لأنها لا تنفرد عما يليها إلا بالموت و قيل أراد حتى يفرق بين رأسي و جسدي ذكره الجزري و قيل السالفة حبل العنق و هو العرق الذي بينه و بين الكتف قوله أوباشا أي أخلاطا و سفلة في بعض النسخ أشوابا بمعناه و في بعضها أشابا و في بعضها أوشابا و المعنى واحد. قوله امصص ببظر اللات قال الجزري البظر بفتح الباء الهنة التي تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان و منه الحديث يا ابن المقطعة البظور و دعاه بذلك لأن أمه كانت تختن النساء و العرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم و إن لم تكن أم من يقال له خاتنة انتهى.
و قيل البظر هنة بين ناحيتي الفرج و هي ما تبقيه الخافضة عند القطع و اللات المراد بها الصنم. و قال الفيروزآبادي هو يمصه و يبظره أي قاله له امصص بظر فلانة. و قال الجزري فيه قال عروة بن مسعود للمغيرة يا غدر و هل غسلت غدرتك إلا بالأمس غدر معدول عن غادر للمبالغة يقال للذكر غدر و للأنثى غدار كقطام و هما مختصان بالنداء في الغالب انتهى. و في جامع الأصول ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي ص بعينه قال فو الله ما تنخم رسول الله ص نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده و إذا أمرهم ابتدروا أمره إلى آخر القصة. قوله هذا ما قضى و في بعض النسخ قاضى قال الجزري في صلح الحديبية هذا ما قاضى عليه محمد هو فاعل من القضاء الفصل و الحكم لأنه كان بينه و بين أهل مكة. قوله عيبة مكفوفة قال الجزري أي بينهم صدر نقي من الغل و الخداع مطوي على الوفاء بالصلح و المكفوفة المشرجة المشدودة و قيل أراد أن بينهم موادعة و مكافة عن الحرب تجريان مجرى المودة التي تكون بين المتصافين الذين يثق بعضهم إلى بعض و قال في مكفوفة أي مشرجة على ما فيها مقفلة ضربها مثلا للصدور و إنها نقية من الغل و الغش فيما اتفقوا عليه من الصلح و الهدنة و قيل معناه أن يكون الشر بينهم مكفوفا كما تكف العيبة على ما فيها من المتاع يريد أن الذحول التي كانت بينهم اصطلحوا على أن لا ينشروها فكأنهم قد جعلوها في وعاء و أشرجوا عليه و قال الإسلال السرقة الخفية يقال سل البعير أو غيره في جوف الليل إذا انتزعه من بين الإبل و هي السلة و أسل أي صار ذا سلة و يقال الإسلال الغارة الظاهرة و الإغلال الخيانة أو السرقة الخفية يقال غل يغل فأما أغل و أسل فمعناه صار ذا غلول و ذا سلة و يكون أيضا أن يعين غيره عليهما و قيل الإغلال لبس الدروع و الإسلال سل السيوف. قوله ضغطة قال الجزري أي قهرا يقال أخذت فلانا ضغطة بالضم إذا ضيقت عليه لتكرهه على الشيء. قوله ص نحن نسوق الظاهر أنه على الاستفهام الإنكاري قوله يرسف بضم السين و كسرها الرسف مشي المقيد إذا جاء يتحامل برجله مع القيد قوله أجزه لي في جامع الأصول بالزاء المعجمة من الإجازة أي اجعله جائزا غير ممنوع أو أطلقه أو بالراء المهملة من الإجارة بمعنى الحماية و الحفظ و الأمان و كان سهيلا لم يجز أمان مكرز أو كان أراد مكرز إجارته من التعذيب و في بعض رواياتهم بعد ذلك ثم جعل سهيل يجره ليرده إلى قريش. و قال الجزري الدنية الخصلة المذمومة و الأصل فيه الهمز و قد يخفف و قال تلكأت أي توقفت و تباطأت و قال سعرت النار و الحرب أوقدتهما و سعرتهما بالتشديد للمبالغة و المسعر و المسعار ما تحرك به النار من آلة الحديد يصفه بالمبالغة في الحرب و النجدة. أقول روي في جامع الأصول عند سياق قصة الحديبية عن علي ع قال لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين منهم سهيل بن عمرو و أناس من رؤساء المشركين فقالوا يا رسول الله قد خرج إليك ناس من أبنائنا و إخواننا و أرقائنا و ليس بهم فقه في الدين و إنما خرجوا فرارا من أموالنا و ضياعنا فارددهم إلينا فإن لم يكن فقه في الدين سنفقههم فقال رسول الله ص يا معشر قريش لتنتهين أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين قد امتحن الله قلوبهم على الإيمان قال أبو بكر و عمر من هو يا رسول الله قال هو خاصف النعل و كان قد أعطى عليا نعله يخصفها ثم التفت إلينا
علي ع فقال قال رسول الله من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
قوله فاستكف أهل مكة يقال استكفوا حوله أي أحاطوا به ينظرون إليه. أقول قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قيل المراد بالفتح هنا صلح الحديبية و كان فتحا بغير قتال و قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية و ذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم و أسلم في ثلاث سنين خلق كثير و كثر بهم سواد الإسلام و قال الشعبي بويع بالحديبية بيعة الرضوان و أطعم نخيل خيبر و ظهرت الروم على فارس و فرح المسلمون بظهور أهل الكتاب و هم الروم على المجوس إذ كان فيه مصداق قوله تعالى أنهم سيغلبون و بلغ الهدي محله و الحديبية بئر و روي أنه نفد ماؤها فظهر فيها من أعلام النبوة ما اشتهرت به الروايات قال البراء بن عازب تعدون أنتم الفتح فتح مكة و قد كان فتح مكة فتحا و نحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي ص أربع عشرة مائة و الحديبية بئر فنزحناها فما ترك منها قطرة فبلغ ذلك النبي ص فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض و دعا ثم صبه فيها و تركها ثم إنها أصدرتنا نحن و ركابنا. و في حديث سلمة بن الأكوع إما دعا أو بصق فيها فجاشت فسقينا و استقينا. و عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير عن مسور بن مخرمة أن رسول الله ص خرج لزيارة البيت لا يريد حربا فذكر الحديث إلى أن قال قال رسول الله ص انزلوا فقالوا يا رسول الله ما بالوادي ماء فأخرج رسول الله ص من كنانته سهما فأعطاه رجلا من أصحابه فقال له انزل في بعض هذه القلب فاغرزه في جوفه ففعل فجاش بالماء الرواء حتى ضرب الناس بعطن. و عن عروة و ذكر خروج رسول الله ص قال و خرجت قريش من مكة فسبقوه إلى بلد حينئذ و إلى الماء فنزلوا عليه فلما رأى رسول الله ص أنه قد سبق نزل على الحديبية و ذلك في حر شديد و ليس فيها إلا بئر واحدة فأشفق القوم من الظمأ و القوم كثير فنزل فيها رجال يميحونها و دعا رسول الله ص بدلو من ماء فتوضأ من الدلو و مضمض فاه ثم مج فيه و أمر أن يصب في البئر و نزع سهما من كنانته و ألقاه في البئر و دعا الله تعالى ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها و هم جلوس على شفيرها. و روى سالم بن أبي الجعد قال قلت لجابر كم كنتم يوم الشجرة قال كنا ألفا و خمسمائة و ذكر عطشا أصابهم قال فأتي رسول الله ص بماء في تور فوضع يده فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنه العيون قال فشربنا و وسعنا و كفانا قال قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا ألفا و خمسمائة
1- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن حماد و ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ قال حشرت لرسول الله ص في عمرة الحديبية الوحوش حتى نالتها أيديهم و رماحهم
شي، ]تفسير العياشي[ عن معاوية مثله و في آخره ليبلوهم الله به
2- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ قال حشر عليهم الصيد في كل مكان حتى دنا منهم ليبلوهم الله به
شي، ]تفسير العياشي[ عن الحلبي مثله
3- شي، ]تفسير العياشي[ عن سماعة عن أبي عبد الله ع في قول الله لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ قال ابتلاهم الله بالوحش فركبتهم من كل مكان
4- فس، ]تفسير القمي[ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً قال فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال كان سبب نزول هذه السورة و هذا الفتح العظيم أن الله عز و جل أمر رسول الله ص في النوم أن يدخل المسجد الحرام و يطوف و يحلق مع المحلقين فأخبر أصحابه و أمرهم بالخروج فخرجوا فلما نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة و ساقوا البدن و ساق رسول الله ص ستا و ستين بدنة و أشعرها عند إحرامه و أحرموا من ذي الحليفة ملبين بالعمرة و قد ساق من ساق منهم الهدي معرات مجللات فلما بلغ قريش ذلك بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا ليستقبل رسول الله ص فكان يعارضه على الجبال فلما كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذن بلال و صلى رسول الله ص بالناس فقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم في الصلاة لأصبناهم فإنهم لا يقطعون صلاتهم و لكن يجيء لهم الآن صلاة أخرى أحب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم فنزل جبرئيل ع على رسول الله ص بصلاة الخوف في قوله وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية فلما كان في اليوم الثاني نزل رسول الله ص الحديبية و هي على طرف الحرم و كان رسول الله ص يستنفر الأعراب في طريقه معه فلم يتبعه منهم أحد و يقولون أ يطمع محمد و أصحابه أن يدخلوا الحرم و قد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم إنه لا يرجع محمد و أصحابه إلى المدينة أبدا فلما نزل رسول الله ص الحديبية خرجت قريش يحلفون باللات و العزى لا يدعون محمدا يدخل مكة و فيهم عين تطرف فبعث إليهم رسول الله ص أني لم آت لحرب و إنما جئت لأقضي نسكي و أنحر بدني و أخلي بينكم و بين لحماتها فبعثوا عروة بن مسعود الثقفي و كان عاقلا لبيبا و هو الذي أنزل الله فيه وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فلما أقبل إلى رسول الله ص عظم ذلك و قال يا محمد تركت قومك و قد ضربوا الأبنية و أخرجوا العوذ المطافيل يحلفون باللات و العزى لا يدعوك تدخل حرمهم و فيهم عين تطرف أ فتريد أن تبير أهلك و قومك يا محمد فقال رسول الله ص ما جئت لحرب و إنما جئت لأقضي نسكي فأنحر بدني و أخلي بينكم و بين لحماتها فقال عروة بالله ما رأيت كاليوم أحدا صد عما صددت فرجع إلى قريش و أخبرهم فقالت قريش و الله لئن دخل محمد مكة و تسامعت به العرب لنذلن و لتجترئن علينا العرب فبعثوا حفص بن الأحنف و سهيل بن عمرو فلما نظر إليهما رسول الله ص قال ويح قريش قد نهكتهم الحرب ألا خلوا بيني و بين العرب فإن أك صادقا فإنما أجر الملك إليهم مع النبوة و إن أك كاذبا كفتهم ذؤبان العرب لا يسأل اليوم امرؤ من قريش خطة ليس لله فيها سخط إلا أجبتهم إليه قال فوافوا رسول الله ص فقالوا يا محمد إلى أن ننظر إلى ما ذا يصير أمرك و أمر العرب على أن ترجع من عامك
هذا فإن العرب قد تسامعت بمسيرك فإن دخلت بلادنا و حرمنا استذلتنا العرب و اجترأت علينا و نخلي لك البيت في القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك و تنصرف عنا فأجابهم رسول الله ص إلى ذلك و قالوا له و ترد إلينا كل من جاءك من رجالنا و نرد إليك كل من جاءنا من رجالك فقال رسول الله ص من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه و لكن على أن المسلمين بمكة لا يؤذون في إظهارهم الإسلام و لا يكرهون و لا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الإسلام فقبلوا ذلك فلما أجابهم رسول الله ص إلى الصلح أنكر عليه عامة أصحابه و أشد ما كان إنكارا عمر فقال يا رسول الله أ لسنا على الحق و عدونا على الباطل فقال نعم قال فنعطى الدنية في ديننا فقال إن الله قد وعدني و لن يخلفني قال لو أن معي أربعين رجلا لخالفته و رجع سهيل بن عمرو و حفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم بالصلح فقال عمر يا رسول الله أ لم تقل لنا أن ندخل المسجد الحرام و نحلق مع المحلقين فقال أ من عامنا هذا وعدتك قلت لك إن الله عز و جل قد وعدني أن أفتح مكة و أطوف و أسعى و أحلق مع المحلقين فلما أكثروا عليه قال لهم إن لم تقبلوا الصلح فحاربوهم فمروا نحو قريش و هم مستعدون للحرب و حملوا عليهم فانهزم أصحاب رسول الله ص هزيمة قبيحة و مروا برسول الله ص فتبسم رسول الله ص ثم قال يا علي خذ السيف و استقبل قريشا فأخذ أمير المؤمنين ع سيفه و حمل على قريش فلما نظروا إلى أمير المؤمنين ع تراجعوا و قالوا يا علي بدا لمحمد فيما أعطانا قال لا فرجع أصحاب رسول الله ص مستحيين و أقبلوا يعتذرون إلى رسول الله ص فقال لهم رسول الله ص أ لستم أصحابي يوم بدر إذ أنزل الله فيكم إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أ لستم أصحابي يوم أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ أ لستم أصحابي يوم كذا أ لستم أصحابي يوم كذا فاعتذروا إلى رسول الله ص و ندموا على ما كان منهم و قالوا الله أعلم و رسوله فاصنع ما بدا لك و رجع حفص بن الأحنف و سهيل بن عمرو إلى رسول الله ص فقالا يا محمد قد أجابت قريش إلى ما اشترطت من إظهار الإسلام و أن لا يكره أحد على دينه فدعا رسول الله ص بالمكتب و دعا أمير المؤمنين ع فقال له اكتب فكتب أمير المؤمنين ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال سهيل بن عمرو لا نعرف الرحمن اكتب كما كان يكتب آباؤك باسمك اللهم فقال رسول الله ص اكتب باسمك اللهم فإنه اسم من أسماء الله ثم كتب هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله ص و الملأ من قريش فقال سهيل بن عمرو و لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله أ تأنف من نسبك يا محمد فقال رسول الله ص أنا رسول الله و إن لم تقروا ثم قال امح يا علي و اكتب محمد بن عبد الله فقال أمير المؤمنين ع ما أمحو اسمك من النبوة أبدا فمحاه رسول الله ص بيده ثم كتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله و الملأ من قريش و سهيل بن عمرو اصطلحوا على وضع الحرب بينهم عشر سنين على أن يكف بعضنا عن بعض و على أنه لا إسلال و لا إغلال و أن بيننا و بينهم عيبة مكفوفة و أنه من أحب أن يدخل في عهد محمد و عقده فعل و أنه من أحب أن يدخل في عقد قريش و عقدها فعل و أنه من أتى محمدا بغير إذن وليه يرده إليه و أنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه إليه و أن يكون الإسلام ظاهرا بمكة لا يكره أحد على دينه و لا يؤذى و لا يعير و أن محمدا يرجع عنهم عامه هذا و أصحابه ثم يدخل علينا في العام القابل مكة فيقيم فيها ثلاثة أيام و لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب و كتب
علي بن أبي طالب و شهد على الكتاب المهاجرون و الأنصار ثم قال رسول الله ص يا علي إنك أبيت أن تمحو اسمي من النبوة فو الذي بعثني بالحق نبيا لتجيبن أبناءهم إلى مثلها و أنت مضيض مضطهد فلما كان يوم صفين و رضوا بالحكمين كتب هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان فقال عمرو بن العاص لو علمنا أنك أمير المؤمنين ما حاربناك و لكن اكتب هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان فقال أمير المؤمنين ع صدق الله و صدق رسوله ص أخبرني رسول الله ص بذلك ثم كتب الكتاب قال فلما كتبوا الكتاب قامت خزاعة فقالت نحن في عهد محمد و عقده و قامت بنو بكر فقالت نحن في عهد قريش و عقدها و كتبوا نسختين نسخة عند رسول الله ص و نسخة عند سهيل بن عمرو و رجع سهيل بن عمرو و حفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم و قال رسول الله ص لأصحابه انحروا بدنكم و احلقوا رءوسكم فامتنعوا و قالوا كيف ننحر و نحلق و لم نطف بالبيت و لم نسع بين الصفا و المروة فاغتم رسول الله ص من ذلك و شكا ذلك إلى أم سلمة فقالت يا رسول الله انحر أنت و احلق فنحر رسول الله ص و حلق فنحر القوم على خبث يقين و شك و ارتياب فقال رسول الله ص تعظيما للبدن رحم الله المحلقين و قال قوم لم يسوقوا البدن يا رسول الله و المقصرين لأن من لم يسق هديا لم يجب عليه الحلق فقال رسول الله ثانيا رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي فقالوا يا رسول الله و المقصرين فقال رحم الله المقصرين ثم رحل رسول الله ص نحو المدينة فرجع إلى التنعيم و نزل تحت الشجرة فجاء أصحابه الذين أنكروا عليه الصلح و اعتذروا و أظهروا الندامة على ما كان منهم و سألوا رسول الله ص أن يستغفر لهم فنزل آية الرضوان و قال علي بن إبراهيم في قوله هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ الآية فهم الذين لم يخالفوا رسول الله ص و لم ينكروا عليه الصلح ثم قال لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ إلى قوله الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ هم الذين أنكروا الصلح و اتهموا رسول الله ص و نزلت في بيعة الرضوان لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ اشترط عليهم أن لا ينكروا بعد ذلك على رسول الله ص شيئا يفعله و لا يخالفوه في شيء يأمرهم به فقال الله عز و جل بعد نزول آية الرضوان إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً و إنما رضي عنهم بهذا الشرط أن يفوا بعد ذلك بعهد الله و ميثاقه و لا ينقضوا عهده و عقده فبهذا العقد رضي عنهم فقد قدموا في التأليف آية الشرط على بيعة الرضوان و إنما نزلت أولا بيعة الرضوان ثم آية الشرط عليهم فيها ثم ذكر الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله ص فقال سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ إلى قوله وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أي قوم سوء و هم الذين استنفرهم في الحديبية و لما رجع رسول الله ص إلى المدينة من الحديبية غزا خيبرا فاستأذنه المخلفون أن يخرجوا معه فقال الله عز و جل سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ ثم قال وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعني فتح خيبر ثم قال وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ أي من بعد أن أممتم من المدينة إلى الحرم و طلبوا منكم الصلح بعد أن كانوا يغزونكم بالمدينة صاروا يطلبون الصلح بعد إذ كنتم أنتم تطلبون الصلح منهم ثم أخبر بعلة الصلح و ما أجاز الله لنبيه ص فقال هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ إلى قوله وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ يعني بمكة لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فأخبر الله أن علة الصلح إنما كان للمؤمنين و المؤمنات الذين كانوا بمكة و لو لم يكن صلح و كانت الحرب لقتلوا فلما كان الصلح آمنوا و أظهروا الإسلام و يقال إن ذلك الصلح كان أعظم فتحا على المسلمين من غلبهم ثم قال
لَوْ تَزَيَّلُوا يعني هؤلاء الذين كانوا بمكة من المؤمنين و المؤمنات يعني لو زالوا عنهم و خرجوا من بينهم ثم قال إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ يعني قريشا و سهيل بن عمرو حين قالوا لا نعرف الرحمن الرحيم و قولهم و لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك فاكتب محمد بن عبد الله و نزل في تطهير الرؤيا التي رآها رسول الله ص لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ إلى قوله فَتْحاً قَرِيباً يعني فتح خيبر لأن رسول الله ص لما رجع من الحديبية غزا خيبرا
بيان قوله معرات أي كانت بعضها عرات و بعضها مجللات و المكتب على بناء الإفعال الذي يعلم الكتابة و قراب السيف بالكسر جفنته و هو وعاء يكون فيه السيف بغمده و حمالته و مضه الشيء مضا و مضيضا بلغ من قلبه الحزن به و مضض كفرح ألم و اضطهده قهره
5- يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي ع قال لما كان يوم القضية حين رد المشركون النبي ص و من معه و دافعوه عن المسجد أن يدخلوه هادنهم رسول الله ص فكتبوا بينهم كتابا قال علي ع فكنت أنا الذي كتب فكتبت باسمك اللهم هذا كتاب بين محمد رسول الله ص و بين قريش فقال سهيل بن عمرو لو أقررنا أنك رسول الله لم ينازعك أحد فقلت بل هو رسول الله و إنك راغم فقال لي رسول الله ص اكتب له ما أراد ستعطى يا علي بعدي مثلها قال فلما كتبت الصلح بيني و بين أهل الشام كتبت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا كتاب بين علي أمير المؤمنين و بين معاوية بن أبي سفيان فقال معاوية و عمرو بن العاص لو علمنا أنك أمير المؤمنين لم ننازعك فقال اكتبوا ما رأيتم فعلمت أن قول رسول الله حق قد جاء
6- يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أنه لما صده المشركون بالحديبية شكا إليه الناس قلة الماء فدعا بدلو من ماء البئر فتوضأ منه ثم تمضمض و مج في الدلو و أخرج من كنانته سهما ثم أمر بأن يصب في البئر تلك الدلو و أن يغرز ذلك السهم في أسفل البئر فعملوا ففارت البئر بالماء إلى شفيرها و اغترف الناس فعند ذلك قال أوس بن خولي لعبد الله بن أبي سلول أ بعد هذا شيء أ ما آن لك أن تبصر
7- يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أنه لما أصاب الناس بالحديبية جوع شديد و قلت أزوادهم لأنهم أقاموا بها بضعة عشر يوما فشكوا إليه ذلك فأمر بالنطع أن يبسط و أمرهم أن يأتوا ببقية أزوادهم فيطرحوا فأتوا بدقيق قليل و تميرات فقام و دعا بالبركة فيها و أمرهم بأن يأتوا بأوعيتهم فملئوها حتى لم يجدوا لها محلا
-8 يج، ]الخرائج و الجرائح[ من معجزاته ص أنه لما خرج رسول الله ص للعمرة سنة الحديبية منعت قريش من دخوله مكة و تحالفوا أنه لا يدخلها و منهم عين تطرف و قال لهم رسول الله ص ما جئت محاربا لكم إنما جئت معتمرا قالوا لا ندعك تدخل مكة على هذه الحال فتستذلنا العرب و تعيرنا و لكن اجعل بيننا و بينك هدنة لا تكون لغيرنا فاتفقوا عليه و قد نفد ماء المسلمين و كظهم و بهائمهم العطش فجيء بركوة فيها قليل من الماء فأدخل يده فيها ففاضت الركوة و نودي في العسكر من أراد الماء فليأته فسقوا و استقوا و ملئوا القرب
بيان يقال كظني هذا الأمر أي جهدني من الكرب
9- شا، ]الإرشاد[ ثم تلا بني المصطلق الحديبية و كان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين ع كما كان إليه في المشاهد قبلها و كان من بلائه في ذلك اليوم عند صف القوم في الحرب و القتال ما ظهر خبره و استفاض ذكره و ذلك بعد البيعة التي أخذها النبي ص على أصحابه و العهود عليهم في الصبر و كان أمير المؤمنين ع المبايع للنساء عن النبي ص فكانت بيعته لهن يومئذ أن طرح ثوبا بينهن و بينه ثم مسحه بيده فكانت مبايعتهن للنبي ص بمسح الثوب و رسول الله ص يمسح ثوب علي ع مما يليه و لما رأى سهيل بن عمرو توجه الأمر عليهم ضرع إلى النبي ص في الصلح و نزل عليه الوحي بالإجابة إلى ذلك و أن يجعل أمير المؤمنين ع كاتبه يومئذ و المتولي لعقد الصلح بخطه فقال له النبي ص اكتب يا علي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل بن عمرو هذا كتاب بيننا و بينك يا محمد فافتتحه بما نعرفه و اكتب باسمك اللهم فقال النبي ص لأمير المؤمنين ع امح ما كتبت و اكتب باسمك اللهم فقال أمير المؤمنين ع لو لا طاعتك يا رسول الله ما محوت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ثم محاها و كتب باسمك اللهم فقال النبي ص اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل لو أجبتك في الكتاب الذي بيننا إلى هذا لأقررت لك بالنبوة فسواء شهدت على نفسي بالرضا بذلك أو أطلقته من لساني امح هذا الاسم و اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فقال له أمير المؤمنين ع إنه و الله لرسول الله على رغم أنفك فقال سهيل اكتب اسمه يمضي الشرط فقال له أمير المؤمنين ويلك يا سهيل كف عن عنادك فقال له النبي ص امحها يا علي فقال يا رسول الله إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة قال له فضع يدي عليها فمحاها رسول الله ص بيده و قال لأمير المؤمنين ع ستدعى إلى مثلها فتجيب و أنت على مضض ثم تمم أمير المؤمنين ع الكتاب و لما تم الصلح نحر رسول الله ص هديه في مكانه فكان نظام تدبير هذه الغزاة معلقا بأمير المؤمنين و كان ما جرى فيها من البيعة و صف الناس للحرب ثم الهدنة و الكتاب كله لأمير المؤمنين ع و كان فيما هيأه الله له من ذلك حقن الدماء و صلاح أمر الإسلام و قد روى الناس له في هذه الغزاة بعد الذي ذكرناه فضيلتين اختص بهما و انضافتا إلى فضائله العظام و مناقبه الجسام. فروى إبراهيم بن عمر عن رجاله عن قائد مولى عبد الله بن سالم قال لما خرج رسول لله ص في غزوة الحديبية نزل الجحفة فلم يجد فيها ماء فبعث سعد بن مالك بالروايا حتى إذا كان غير بعيد رجع سعد بالروايا و قال يا رسول الله ما أستطيع أن أمضي لقد وقفت قدماي رعبا من القوم فقال له النبي ص اجلس ثم بعث رجلا آخر فخرج بالروايا حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى إليه الأول رجع فقال له رسول الله ص لم رجعت فقال يا رسول الله و الذي بعثك بالحق نبيا ما استطعت أن أمضي رعبا فدعا رسول الله ص أمير المؤمنين ع فأرسله بالروايا و خرج السقاة و هم لا يشكون في رجوعه لما رأوا من جزع من تقدمه فخرج علي ع بالروايا حتى ورد الحرار و استسقى ثم أقبل بها إلى النبي ص و لها زجل فلما دخل كبر النبي ص و دعا له بخير. و في هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبي ص فقال له يا محمد إن أرقاءنا لحقوا بك فارددهم علينا فغضب رسول الله ص حتى تبين الغضب في وجهه ثم قال لتنتهن يا معاشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب رقابكم على الدين فقال بعض من حضر يا رسول الله أبو بكر ذلك الرجل قال لا قال فعمر قال لا و لكنه خاصف النعل في الحجرة فتبادر الناس إلى الحجرة ينظرون من الرجل فإذا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع. و قد روى هذا الحديث جماعة عن أمير المؤمنين ع و قالوا فيه إن عليا قص هذه القصة
ثم قال سمعت رسول الله ص يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
و كان الذي أصلحه أمير المؤمنين ع من نعل النبي ص شسعها فإنه كان انقطع فخصف موضعه و أصلحه
10- عم، ]إعلام الورى[ في سنة خمس كانت غزوة الحديبية في ذي القعدة و خرج في ناس كثير من أصحابه يريد العمرة و ساق معه سبعين بدنة و بلغ ذلك المشركين من قريش فبعثوا خيلا ليصدوه عن المسجد الحرام و كان ص يرى أنهم لا يقاتلونهم لأنه خرج في الشهر الحرام و كان من أمر سهيل بن عمرو و أبي جندل ابنه و ما فعله رسول الله ص ما شك به من زعم أنه ما شك إلا يومئذ في الدين و أتى بديل بن ورقاء إلى قريش فقال لهم يا معشر قريش خفضوا عليكم و أنه لم يأت يريد قتالكم و إنما يريد زيارة هذا البيت فقالوا و الله لا نسمع منك و لا تحدث العرب أنه دخلها عنوة و لا نقبل منه إلا أن يرجع عنا ثم بعثوا إليه بكرز بن حفص و خالد بن الوليد و صدوا الهدي و بعث ص عثمان بن عفان إلى أهل مكة يستأذنهم في أن يدخل مكة معتمرا فأبوا أن يتركوه و احتبس عثمان فظن رسول الله ص أنهم قتلوه فقال لأصحابه أ تبايعوني على الموت فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفروا عنه أبدا ثم إنهم بعثوا سهيل بن عمرو فقال يا أبا القاسم إن مكة حرمنا و عزنا و قد تسامعت العرب بك أنك قد غزوتنا و متى ما تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فنتخطف و إنا نذكرك الرحم فإن مكة بيضتك التي تفلقت عن رأسك قال فما تريد قال أريد أن أكتب بيني و بينك هدنة على أن أخليها لك في قابل فتدخلها و لا تدخلها بخوف و لا فزع و لا سلاح إلا سلاح الراكب السيف في القراب و القوس فدعا رسول الله ص علي بن أبي طالب ع فأخذ أديما أحمر فوضعه على فخذه ثم كتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل بن عمرو هذا كتاب بيننا و بينك يا محمد فافتتحه بما نعرفه اكتب باسمك اللهم فقال اكتب باسمك اللهم و امح ما كتبت فقال لو لا طاعتك يا رسول الله لما محوت فقال النبي ص اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوة فامح هذا الاسم و اكتب محمد بن عبد الله فقال له علي ع إنه و الله لرسول الله على رغم أنفك فقال النبي ص امحها يا علي فقال له يا رسول الله إن يدي لا تنطلق لمحو اسمك من النبوة قال فضع يدي عليها فمحاها رسول الله ص بيده و قال لعلي ع ستدعى إلى مثلها فتجيب و أنت على مضض ثم كتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و من معه من المسلمين سهيل بن عمرو و من معه من أهل مكة على أن الحرب مكفوفة فلا إغلال و لا إسلال و لا قتال و على أن لا يستكره أحد على دينه و على أن يعبد الله بمكة علانية و على أن محمدا ينحر الهدي مكانه و على أن يخليها له في قابل ثلاثة أيام فيدخلها بسلاح الراكب و يخرج قريش كلها من مكة إلا رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمد و أصحابه و من لحق محمدا و أصحابه من قريش فإن محمدا يرده إليهم و من رجع من أصحاب محمد إلى قريش بمكة فإن قريشا لا ترده إلى محمد و قال رسول الله ص إذا سمع كلامي ثم جاءكم فلا حاجة لي فيه و إن قريشا لا يعين على محمد و أصحابه أحدا بنفس و لا سلاح إلى آخره فجاء أبو جندل إلى النبي ص حتى جلس إلى جنبه فقال أبوه سهيل رده
علي فقال المسلمون لا نرده فقام ص و أخذ بيده فقال اللهم إن كنت تعلم إن أبا جندل لصادق فاجعل له فرجا و مخرجا ثم أقبل على الناس و قال إنه ليس عليه بأس إنما يرجع إلى أبيه و أمه و إني أريد أن أتم لقريش شرطها و رجع رسول الله ص إلى المدينة و أنزل الله في الطريق سورة الفتح إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قال الصادق ع فما انقضت تلك المدة حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة و لما رجع رسول الله ص إلى المدينة انفلت أبو بصير بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين و بعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين فقتل أحدهما و أتى رسول الله ص مسلما مهاجرا فقال مسعر حرب لو كان معه واحد ثم قال شأنك بسلب صاحبك و اذهب حيث شئت فخرج أبو بصير و معه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين حتى كانوا بين العيص و ذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر و انفلت أبو جندل بن عمرو في سبعين راكبا أسلموا فلحق بأبي بصير و اجتمع إليهم ناس من غفار و أسلم و جهينة حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل و هم مسلمون لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها و قتلوا أصحابها فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله ص يسألونه و يتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير و أبي جندل و من معهم فيقدموا عليه و قالوا من خرج منا إليك فامسكه غير حرج أنت فيه فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول الله ص أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القصة أن طاعة رسول الله ص خير لهم فيما أحبوا و فيما كرهوا و كان أبو بصير و أبو جندل و أصحابهما هم الذين مر بهم أبو العاص بن الربيع من الشام في نفر من قريش فأسروهم فأخذوا ما معهم و لم يقتلوا منهم أحدا لصهر أبي العاص رسول الله ص و خلوا سبيل أبي العاص فقدم المدينة على امرأته و كان أذن لها حين خرج إلى الشام أن تقدم المدينة فتكون مع رسول الله ص و أبو العاص هو ابن أخت خديجة بنت خويلد
بيان قال في النهاية في حديث الإفك و رسول الله يخفضهم أي يسكنهم و يهون عليهم الأمر من الخفض الدعة و السكون و منه حديث أبي بكر قال لعائشة في شأن الإفك خفضي عليك أي هوني الأمر عليك و لا تحزني له و قال عنوة أي قهرا و غلبة و قال الخطف استلاب الشيء و أخذه بسرعة
11- عم، ]إعلام الورى[ ربعي بن خراش عن أمير المؤمنين ع قال أقبل سهيل بن عمرو و رجلان أو ثلاثة معه إلى رسول الله ص في الحديبية فقالوا له إنه يأتيك قوم من سفلتنا و عبداننا فارددهم علينا فغضب حتى احمار وجهه و كان إذا غضب ص يحمار وجهه ثم قال لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للإيمان يضرب رقابكم و أنتم مجفلون عن الدين فقال أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال لا قال عمر أنا هو يا رسول الله قال لا و لكنه ذلكم خاصف النعل في الحجرة و أنا أخصف نعل رسول الله ص ثم قال أما إنه قد قال ص من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
بيان في القاموس العبد الإنسان حرا كان أو رقيقا و المملوك و الجمع عبدون و عبيد و أعبد و عباد و عبدان و عبدان عبدان بكسرتين مشددة الدال و قال جفل الظليم جفولا أسرع و ذهب في الأرض كأجفل
12- كا، ]الكافي[ العدة عن أحمد بن محمد عن معاوية بن حكيم عن ابن أبي عمير عن الحسن بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال إن رسول الله ص في عمرة القضاء شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا و المروة فتشاغل رجل حتى ترك السعي حتى انقضت الأيام و أعيدت الأصنام فجاءوا إليه فقالوا يا رسول الله إن فلانا لم يسع بين الصفا و المروة و قد أعيدت الأصنام فأنزل الله عز و جل فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أي و عليهما الأصنام
13- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير و غيره عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال لما خرج النبي ص في غزوة الحديبية خرج في ذي القعدة فلما انتهى إلى المكان الذي أحرم فيه أحرموا و لبسوا السلاح فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليرده قال ابغوني رجلا يأخذني على غير هذا الطريق فأتي برجل من مزينة أو جهينة فسأله فلم يوافقه قال ابغوني رجلا غيره فأتي برجل آخر إما من مزينة و إما من جهينة قال فذكر له فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة فقال من يصعدها حط الله عنه كما حط الله عن بني إسرائيل فقال لهم ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ قال فابتدرها خيل الأنصار الأوس و الخزرج قال و كانوا ألفا و ثمانمائة قال فلما هبطوا إلى الحديبية إذا امرأة معها ابنها على القليب فسعى ابنها هاربا فلما أثبتت أنه رسول الله صرخت به هؤلاء الصابئون ليس عليك منهم بأس فأتاها رسول الله ص فأمرها فاستقت دلوا من ماء فأخذه رسول الله ص فشرب و غسل وجهه فأخذت فضلته فأعادته في البئر فلم تبرح حتى الساعة و خرج رسول الله ص فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل فكان بإزائه ثم أرسلوا الجيش فرأى البدن و هي تأكل بعضها أوبار بعض فرجع و لم يأت رسول الله ص و قال لأبي سفيان يا با سفيان أما و الله ما على هذا حالفناكم على أن تردوا الهدي عن محله فقال اسكت فإنما أنت أعرابي فقال أ ما و الله لتخلين عن محمد و ما أراد أو لأنفردن في الأحابيش فقال اسكت حتى نأخذ من محمد ولثا فأرسلوا إليه عروة بن مسعود و قد كان جاء إلى قريش في القوم الذين أصابهم المغيرة بن شعبة كان خرج معهم من الطائف و كانوا تجارا فقتلهم و جاء بأموالهم إلى رسول الله ص فأبى رسول الله ص أن يقبلها و قال هذا غدر و لا حاجة لنا فيه فأرسلوا إلى رسول الله ص فقالوا يا رسول الله هذا عروة بن مسعود قد أتاكم و هو يعظم البدن قال فأقيموها فأقاموها فقال يا محمد مجيء من جئت قال جئت أطوف بالبيت و أسعى بين الصفا و المروة و أنحر هذه الإبل و أخلي عنكم و عن لحمانها قال لا و اللات و العزى فما رأيت مثلك رد عما جئت له إن قومك يذكرونك الله و الرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم و أن تقطع أرحامهم و أن تجرئ عليهم عدوهم فقال رسول الله ص ما أنا بفاعل حتى أدخلها قال و كان عروة بن مسعود حين كلم رسول الله ص تناول لحيته و المغيرة قائم على رأسه فضرب بيده فقال من هذا يا محمد فقال هذا ابن أخيك المغيرة فقال يا غدر و الله ما جئت إلا في غسل سلحتك قال فرجع إليهم فقال لأبي سفيان و أصحابه لا و الله ما رأيت مثل محمد رد عما جاء له فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو حويطب بن عبد العزى فأمر رسول الله ص فأثيرت في وجوههم البدن فقالا مجيء من جئت قال جئت لأطوف بالبيت و أسعى بين الصفا و المروة و أنحر البدن و أخلي بينكم و بين لحمانها فقالا إن قومك يناشدونك الله و الرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم و تقطع أرحامهم و تجرئ عليهم عدوهم قال فأبى عليهما رسول الله ص إلا أن يدخلها و كان رسول الله ص أراد أن يبعث عمر فقال يا رسول الله إن عشيرتي قليل و إني فيهم على ما تعلم و لكني أدلك على عثمان بن عفان فأرسل إليه رسول الله فقال انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشرهم بما وعدني ربي من فتح مكة فلما انطلق عثمان إلى أبان بن سعيد فتأخر عن السرج فحمل عثمان بين يديه و دخل عثمان فأعلمهم و كانت المناوشة فجلس سهيل بن عمرو عند رسول الله ص و جلس عثمان في عسكر المشركين و بايع رسول الله ص المسلمين و ضرب بإحدى يديه على الأخرى لعثمان و قال المسلمون طوبى لعثمان قد طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل فقال رسول الله ص و ما كان ليفعل فلما جاء عثمان قال له رسول الله ص أ طفت بالبيت فقال ما كنت لأطوف بالبيت و رسول الله ص لم يطف به ثم ذكر القضية و ما كان فيها
فقال لعلي ع اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل ما أدري ما الرحمن الرحيم إلا أني أظن هذا الذي باليمامة و لكن اكتب كما يكتب باسمك اللهم قال و اكتب هذا ما قاضى رسول الله ص سهيل بن عمرو فقال سهيل فعلى ما نقاتلك يا محمد فقال أنا رسول الله و أنا محمد بن عبد الله فقال الناس أنت رسول الله قال اكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فقال الناس أنت رسول الله و كان في القضية إن كان منا أتى إليكم رددتموه إلينا و رسول الله ص غير مستكره عن دينه و من جاء إلينا منكم لم نرده إليكم فقال رسول الله ص لا حاجة لنا فيهم و على أن يعبد الله فيكم علانية غير سر و إن كانوا ليتهادون السيور في المدينة إلى مكة و ما كانت قضية أعظم بركة منها لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الإسلام فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه فقال أول ما قاضينا عليه فقال رسول الله ص و هل قاضيت على شيء فقال يا محمد ما كنت بغدار قال فذهب بأبي جندل فقال يا رسول الله تدفعني إليه قال و لم أشترط لك قال و قال اللهم اجعل لأبي جندل مخرجا
بيان قال الجزري يقال ابغني كذا بهمزة الوصل أي اطلب لي و أبغني بهمزة القطع أي أعني على الطلب قوله أو من جهينة الترديد من الراوي في الموضعين و يقال أثبته أي عرفه حق المعرفة و يقال صبأ فلان إذا خرج من دين إلى غيره قوله ع فلم تبرح أي لم يزل الماء من تلك البئر قوله ع فكان بإزائه أي أتى حتى قام بحذاء النبي ص أو المراد أنه كان قائد عسكر المشركين كما أنه ص كان قائد عسكر المسلمين قوله و هي تأكل كناية عن كثرتها و ازدحامها و اجتماعها قوله حالفناكم لأنهم كان وقع بينهم الحلف على معاداة النبي ص أو على تعاونهم مطلقا. قوله أو لأنفردن في الأحابيش أي أعتزل معهم عنكم و أمنعهم عن معاونتكم. قال الجزري في حديث الحديبية أن قريشا جمعوا لك الأحابيش هي أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا و التحبش التجمع و قيل حالفوا قريشا تحت جبل يسمى حبشيا فسموا بذلك. و قال الفيروزآبادي حبشي بالضم جبل بأسفل مكة و منه أحابيش قريش لأنهم تحالفوا بالله إنهم ليد على غيرهم ما سجا ليل و وضح نهار و ما رسا حبشي انتهى. و الولث العهد بين القوم يقع من غير قصد أو يكون غير مؤكد. قوله و قد كان جاء كانت هذه القصة على ما ذكره الواقدي أنه ذهب المغيرة مع ثلاثة عشر رجلا من بني مالك إلى مقوقس سلطان الإسكندرية و فضل مقوقس بني مالك على المغيرة في العطاء فلما رجعوا و كانوا في الطريق شرب بنو مالك ذات ليلة خمرا و سكروا فقتلهم المغيرة حسدا و أخذ أموالهم و أتى النبي ص و أسلم فقبل ص إسلامه و لم يقبل من ماله شيئا و لم يأخذ منه الخمس لغدره فلما بلغ ذلك أبا سفيان أخبر عروة بذلك فأتى عروة رئيس بني مالك و هو مسعود بن عمرة فكلمه في أن يرضى بالدية فلم يرض بنو مالك بذلك و طلبوا القصاص من عشائر المغيرة و اشتعلت بينهم نائرة الحرب فأطفأها عروة بلطائف حيله و ضمن دية
الجماعة من ماله فضمير الفاعل في قوله جاء راجع إلى عروة و قوله في القوم أي لأن يتكلم و يشفع في الأمر المقتولين و الضمير في خرج راجع إلى المغيرة قوله فأرسلوا أي قريش عروة إلى رسول الله ص لذلك فقالوا أي الصحابة أو ضمير أرسلوا أيضا راجع إلى الصحابة أي الذين كانوا بإزاء العدو قوله ما رأيت مثلك هذا تعجب منه أي كيف يكون مثلك في الشرافة و عظم الشأن مردودا عن مثل هذا المقصد الذي لا ينبغي أن يرد عنه أحد. قوله إلا في غسل سلحتك قال في المغرب السلح التغوط أقول الظاهر أن جئت بصيغة المتكلم أي جئت الآن أو قبل ذلك عند إطفاء نائرة الفتنة لإصلاح قبائح أعمالك و يمكن أن يقرأ بصيغة الخطاب أي لم يكن مجيئك إلى النبي ص للإسلام بل للهرب مما صنعت من الخيانة و أتيت من الجناية. قوله و كانت المناوشة المناوشة المناولة في القتال أي كان المشركون في تهيئة القتال قوله و ضرب بإحدى يديه لعله ص إنما فعل ذلك لتتأكد عليه الحجة و العهد و الميثاق فيستوجب بنكثه أشد العذاب كما قال تعالى فيه و في أخويه و أضرابهم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ. قوله ثم ذكر لعله كلام الراوي أي ثم ذكر الصادق القضية و كتابة الكتاب و ما جرى فيها و ترك الراوي ذكرها اختصارا و يحتمل أن يكون كلامه أي ثم ذكر عثمان ما جرى بينه و بين قريش من حبسه و منعه عن الرجوع أو من طلبهم الصلح أو إصرارهم في عدم دخوله ص في تلك السنة. قوله هذا الذي باليمامة إنهم كانوا يقولون لمسيلمة رحمان اليمامة. قوله ص و إن كانوا ليتهادون الستور في بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقانية و في بعضها بالمثناة التحتانية فعلى الأول هو جمع الستر المعلق على الأبواب و غيرها و على الثاني إما المراد السير المعروف المتخذ من الجلود أو نوع من الثياب قال الفيروزآبادي السير بالفتح الذي يقد من الجلود و الجمع سيور و قال الجوهري السير من الثياب الذي فيه خطوط كالسيور و على التقادير هذا كلام الصادق ع لبيان ثمرة تلك المصالحة و كثرة فوائدها بأنها صارت موجبة لأمن المسلمين بحيث كانوا يبعثون الهدايا من المدينة إلى مكة من غير منع و رعب و رغب أهل مكة في الإسلام و أسلم جم غفير منهم من غير حرب قوله ص و هل قاضيت على شيء أي لم يتم الصلح و لم يكتب الكتاب بعد فليس هذا داخلا فيما نقاضي عليه قوله ص و لم أشترط لك أي ليس هذا شرطا يخصك بل هذا ما قاضينا عليه لمصلحة عامة المسلمين و لا بد من ذلك أو لم تكن داخلا فيه لمجيئك قبل تمام الكتاب لكن هؤلاء يجبروننا عليه أو ما كنت اشترطت لك عليهم أن تكون مستثنى من ذلك و لا يمكننا الغدر معهم و لعله أظهر و يحتمل على بعد أن يكون استفهاما إنكاريا أي أ لم أشترط لك و أعدك بالنجاة منهم قريبا. أقول إنما أوردت آيات عمرة القضاء و أخبارها في هذا الباب لاشتراك بعض الآيات و الأخبار و شدة الارتباط بينهما و سيأتي لها ذكر في موضعه إن شاء الله تعالى
14- و روي في جامع الأصول من صحاحهم عن البراء بن عازب قال اعتمر رسول الله ص في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يدخل يعني من العام المقبل يقيم فيها ثلاثة فلما كتبوا الكتاب كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ص قالوا ما نقر بها فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك و لكن أنت محمد بن عبد الله فقال أنا رسول الله و أنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي بن أبي طالب امح رسول الله فقال لا و الله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله ص و ليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب و أن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه و أن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها فلما دخلها و مضى الأجل أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل فخرج النبي ص فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي و قال لفاطمة دونك بنت عمك فحملتها فاختصم فيها علي و زيد و جعفر قال علي أنا أخذتها قال الحميدي أنا أحق بها و هي بنت عمي و قال جعفر بنت عمي و خالتها تحتي و قال زيد بنت أخي فقضى بها النبي ص لخالتها و قال الخالة بمنزلة الأم و قال لعلي أنت مني و أنا منك و قال لجعفر أشبهت خلقي و خلقي و قال لزيد أنت أخونا و مولانا
15- أقول ذكر ابن الأثير في الكامل في حوادث السنة السادسة فيها نزلت سورة الفتح و هاجر إلى رسول الله ص نسوة مؤمنات فيهن أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط فجاء أخواها عمارة و الوليد يطلبانها فأنزل الله فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ فلم يرسل امرأة مؤمنة إلى مكة و أنزل الله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ فطلق عمر بن الخطاب امرأتين له. و فيها كانت سرية عكاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى الغمر فنذر القوم بهم فهربوا فسعت الطلائع فوجدوا مائتي بعير فأخذوها إلى المدينة و كانت في ربيع الآخر. و فيها كانت سرية محمد بن مسلمة أرسله رسول الله ص في عشرة فوارس في ربيع الأول إلى بني ثعلبة بن سعد فكمن القوم له حتى نام هو و أصحابه فظهروا عليهم فقتل أصحابه و نجا هو وحده جريحا. و فيها كانت سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في ربيع الآخر في أربعين رجلا فهرب أهله منهم و أصابوا نعما و رجلا فأسلم فتركه رسول الله ص. و فيها كانت سرية زيد بن حارثة بالجموم فأصاب امرأة من مزينة اسمها حليمة فدلتهم على محلة من محال بني سليم فأصابوا نعما و شاء و أسراء فيهم زوجها فأطلقها رسول الله ص و زوجها معها. و فيها سرية زيد أيضا إلى العيص في جمادى الأولى. و فيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع و استجار بزينب بنت رسول الله ص فأجارته كما تقدم. و فيها سرية زيد أيضا إلى الطرف في جمادى الآخرة في بني تغلبة في خمسة عشر رجلا فهربوا منه و أصاب من تميم عشرين بعيرا. و فيها سرية زيد بن حارثة إلى خمس في جمادى الآخرة و سببها أن رفاعة بن زيد الجدلي ثم الضبي قدم على رسول الله ص في هدنة الحديبية و أهدى لرسول الله ص غلاما و أسلم فحسن إسلامه و كتب له رسول الله ص كتابا إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا ثم ساروا إلى الحرة ثم إن دحية بن خليفة أقبل من الشام من عند قيصر حتى إذا كان بأرض حذام أغار إليه الهنيد و ابنه العوص الصليعيان و هو بطن من حذام فأخذا كل شيء معه فبلغ ذلك نفرا من بني الضب قوم رفاعة ممن كان أسلم فنفروا إلى الهنيد و ابنه فلقوهم فاقتتلوا فظفر بنو الضب و استنقذوا كل شيء كان أخذ من دحية و ردوه عليه فخرج دحية حتى لقي رسول الله ص و طلب منه دم الهنيد و ابنه العوص فبعث رسول الله ص إليهم زيد بن حارثة في جيش فأغاروا و جمعوا ما وجدوا من مال و قتلوا الهنيد و ابنه فلما سمع ذلك بنو الضب رهط رفاعة سار بعضهم إلى زيد بن حارثة فقالوا إنا قوم مسلمون فقال زيد نادوا في الجيش أن الله حرم علينا ما أخذ من طريق القوم الذين جاءوا منها و أراد أن يسلم إليهم سباياهم فأخبره بعض أصحابه عنهم بما أوجب أن يحتاط فتوقف في تسليم السبايا و قال هم في حكم الله تعالى و نهى الجيش أن يهبطوا واديهم و عاد أولئك الركب إلى رفاعة بن زيد لم يشعر بشيء من أمرهم فقال له بعضهم إنك لجالس تحلب المعزى و نساء حذام أسارى فسار رفاعة و القوم معه إلى المدينة و عرض كتاب رسول الله ص عليه فقال كيف أصنع بالقتيل فقالوا لنا من كان حيا و من قتل فهو تحت أقدامنا فأجابهم إلى ذلك و أرسل معهم علي بن أبي طالب إلى زيد بن حارثة فرد على القوم ما لهم حتى كانوا ينتزعون لبد المرأة من تحت الرجل. و فيها سرية زيد أيضا إلى وادي القرى في رجب. و فيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان فأسلموا فتزوج عبد الرحمن تمامة بنت الإصبع رئيسهم و هي أم أبي سلمة. و فيها سرية علي بن أبي طالب ع إلى فدك في شعبان في مائة رجل و ذلك أن رسول الله ص بلغه أن حيا من بني سعد قد تجمعوا له يريدون أن يمدوا أهل خيبر فسار إليهم علي ع فأصاب عينا لهم فأخبره أنهم ساروا إلى أهل خيبر يعرضون عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر
16- أقول ذكر في روضة الأحباب أنه ع سار بالليل و كمن بالنهار حتى أتى الهمج فأصاب عينا لهم فذهب بعسكر المسلمين إليهم فأغاروا عليهم فانهزم بنو سعد و غنم المسلمون منهم مائة بعير و ألفي شاة فاصطفى علي ع للنبي ص عدة من الإبل و قسم سائر المال على أهل السرية و رجع قال و فيها أجدب الناس جدبا شديدا فاستسقى رسول الله ص بالناس في شهر رمضان و فيها سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى و ذلك أن زيدا كان يذهب إلى الشام في تجارة و معه بضائع من أصحاب النبي ص فلما قربوا من وادي القرى أغار عليهم قوم من فزارة فقتلوا المسلمين و هرب زيد إلى المدينة و في رواية ارتث زيد من بين القتلى فنذر أن لا يمس طيبا و لا ماء من جنابة حتى يغزو فزارة فبعثه رسول الله ص إلى بني فزارة فلقيهم بوادي القرى فأصاب منهم و قتل و أسر أم فروة و هي فاطمة بنت ربيعة فقتلها