الآيات مريم وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا طه وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً الفرقان وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا الشعراء وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ النمل وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ حمعسق وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ النجم عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى إلى قوله أَوْ أَدْنى القيامة لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ تفسير قال البيضاوي في قوله تعالى وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ حكاية قول جبرئيل ع حين استبطأه رسول الله ص لما سئل عن قصة أصحاب الكهف و ذي القرنين و الروح و لم يدر ما يجيب و رجا أن يوحى إليه فيه فأبطأ عليه خمسة عشر يوما و قيل أربعين يوما حتى قال المشركون ودعه ربه و قلاه ثم نزل ببيان ذلك و التنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل و قد يطلق التنزل بمعنى النزول مطلقا كما يطلق نزل بمعنى أنزل و المعنى و ما ننزل وقتا غب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته و قرئ و ما يتنزل بالياء و الضمير للوحي لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ و هو ما نحن فيه من الأماكن أو الأحايين لا ننقل من مكان إلى مكان و لا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره و مشيته وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا تاركا لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به و لم يكن ذلك عن ترك الله لك و توديعه إياك كما زعمت الكفرة و إنما كان لحكمة رآها فيه. قوله تعالى وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ قال الطبرسي فيه وجوه. أحدها أن معناه لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبرئيل من إبلاغه فإنه ص كان يقرأ معه و يعجل بتلاوته مخافة نسيانه أي تفهم ما يوحى إليك إلى أن يفرغ الملك من تلاوته و لا تقرأ معه ثم اقرأ بعد فراغه منه. و ثانيها أن معناه لا تقرئ به أصحابك و لا تمله حتى يتبين لك معانيه. و ثالثها أن معناه و لا تسأل إنزال القرآن قبل أن يأتيك وحيه لأنه تعالى إنما ينزله بحسب المصلحة وقت الحاجة. قوله تعالى كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ قال البيضاوي أي كذلك أنزلناه مفرقا لنقوي بتفريقه فؤادك على حفظه و فهمه لأن حاله يخالف حال موسى و عيسى و داود ع
حيث كان أميا و كانوا يكتبون فلو ألقي عليه جملة لتعيي بحفظه و لأن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة و خوض في المعنى و لأنه إذا نزل منجما و يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه و لأنه إذا نزل به جبرئيل حالا بعد حال يثبت به فؤاده و من فوائد التفريق معرفة الناسخ و المنسوخ و منها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية فإنه يعين على البلاغة وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا أي و قرأنا عليك شيئا بعد شيء على تؤدة و تمهل في عشرين سنة أو ثلاث و عشرين سنة. قوله تعالى ما كانَ لِبَشَرٍ أي لا يصح له أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أي إلهاما و قذفا في القلوب أو إلقاء في المنام أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أي يكلمه من وراء حجاب كما كلم موسى ع بخلق الصوت في الطور و كما كلم نبينا ص في المعراج و هذا إما على سبيل الاستعارة و التشبيه فإن من يسمع الكلام و لا يرى المتكلم يشبه حاله بحال من يكلم من وراء حجاب أو المراد بالحجاب الحجاب المعنوي من كماله تعالى و نقص الممكنات و نوريته تعالى و ظلمانية غيره كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا أي ملكا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ فظهر أن وحيه تعالى منحصر في أقسام ثلاثة إما بالإلهام و الإلقاء في المنام أو بخلق الصوت بحيث يسمعه الموحى إليه أو بإرسال ملك و علم الملك أيضا يكون على هذه الوجوه و الملك الأول لا يكون علمه إلا بوجهين منها و قد يكون بأن يطالع في اللوح و سيأتي تحقيقه في الأخبار إِنَّهُ عَلِيٌّ عن أن يدرك بالأبصار حَكِيمٌ في جميع الأفعال وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً قيل المراد القرآن و قيل جبرئيل و سيأتي في الأخبار أن المراد به روح القدس فعلى الأخيرين المراد بأوحينا أرسلنا مِنْ أَمْرِنا أي بأمرنا أو أنه من عالم الأمر و قد مر تحقيقه و سيأتي ما كُنْتَ تَدْرِي أي قبل الوحي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ قيل الكتاب القرآن و الإيمان الصلاة و قيل المراد أهل الإيمان على حذف المضاف و قيل المراد به الشرائع و معالم الإيمان و هو ص لم يكن في حال من الأحوال على غير الإيمان و استدل بهذه الآية على أنه ص لم يكن قبل النبوة متعبدا بشرع و سيأتي تحقيقه وَ لكِنْ جَعَلْناهُ أي القرآن أو الروح أو الإيمان. قوله تعالى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى قال الطبرسي رحمه الله يعني جبرئيل ع أي القوي في نفسه و خلقته ذُو مِرَّةٍ أي قوة و شدة في خلقه و من قوته أنه اقتلع قرى قوم لوط و من شدته صيحته لقوم ثمود حتى هلكوا و قيل ذو صحة و خلق حسن و قيل شديد القوى في ذات الله ذُو مِرَّةٍ أي صحة في الجسم سليم من الآفات و العيوب و قيل ذو مرة أي ذو مرور في الهواء ذاهبا و جائيا و نازلا و صاعدا فَاسْتَوى أي جبرئيل على صورته التي خلق عليها بعد انحداره إلى محمد ص وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى أي أفق المشرق قالوا إن جبرئيل ع كان يأتي النبي ص في صورة الآدميين فسأله رسول الله ص أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها فأراه نفسه مرتين مرة في الأرض و مرة في السماء أما في الأرض ففي الأفق الأعلى و ذلك أن محمدا ص كان بحراء فطلع له جبرئيل ع من المشرق فسد الأفق إلى المغرب فخر النبي ص مغشيا عليه فنزل جبرئيل ع في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه و هو قوله ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى و تقديره ثم تدلى أي قرب بعد بعده و علوه في الأفق الأعلى فدنا من محمد ص قال الحسن و قتادة ثم دنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فنزل إلى محمد ص و قال الزجاج معنى دنا و تدلى واحد أي قرب فزاد في القرب و قيل فاستوى أي ارتفع و علا إلى السماء بعد أن علم محمدا و قيل اعتدل واقفا في الهواء بعد أن كان ينزل بسرعة ليراه النبي ص و قيل معناه استوى جبرئيل و محمد ص بالأفق الأعلى يعني السماء
الدنيا ليلة المعراج فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أي كان ما بين جبرئيل و بين رسول الله ص قاب قوسين قال عبد الله بن مسعود إن رسول الله ص رأى جبرئيل و له ستمائة جناح. أقول سيأتي تفسير بقية الآيات في باب المعراج. قوله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ قال البيضاوي أي بالقرآن قبل أن يتم وحيه لِتَعْجَلَ بِهِ لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ في صدرك وَ قُرْآنَهُ و إثبات قراءته في لسانك فَإِذا قَرَأْناهُ بلسان جبرئيل عليك فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ قراءته و تكرر فيه حتى يرسخ في ذهنك ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ بيان ما أشكل عليك من معانيه 1- عد، ]العقائد[ الاعتقاد في نزول الوحي من عند الله عز و جل بالأمر و النهي اعتقادنا في ذلك أن بين عيني إسرافيل لوحا فإذا أراد الله عز و جل أن يتكلم بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل فينظر فيه فيقرأ ما فيه فيلقيه إلى ميكائيل و يلقيه ميكائيل إلى جبرئيل ع و يلقيه جبرئيل إلى الأنبياء ع و أما الغشية التي كانت تأخذ النبي ص حتى يثقل و يعرق فإن ذلك كان يكون منه عند مخاطبة الله عز و جل إياه فأما جبرئيل فإنه كان لا يدخل على النبي ص حتى يستأذنه إكراما له و كان يقعد بين يديه قعدة العبد بيان قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح هذا الكلام هذا أخذه أبو جعفر من شواذ الحديث و فيه خلاف لما قدمه من أن اللوح ملك من ملائكة الله تعالى و أصل الوحي هو الكلام الخفي ثم قد يطلق على كل شيء قصد به إلى إفهام المخاطب على الستر له عن غيره و التخصيص له به دون من سواه و إذا أضيف إلى الله تعالى كان فيما يخص به الرسل صلى الله عليهم خاصة دون من سواهم على عرف الإسلام و شريعة النبي ص قال الله تعالى وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ الآية فاتفق أهل الإسلام على أن الوحي كان رؤيا مناما و كلاما سمعته أم موسى على الاختصاص و قال تعالى وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ الآية يريد به الإلهام الخفي إذ كان خالصا لمن أفرده دون من سواه فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهر به المتكلم فأسمعه غيره و قال تعالى وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ بمعنى يوسوسون إلى أوليائهم بما يلقونه من الكلام في أقصى أسماعهم فيخصون بعلمهم دون من سواهم و قال فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ يريد به أشار إليهم من غير إفصاح
الكلام شبه ذلك بالوحي لخفائه عمن سوى المخاطبين و لستره عمن سواهم و قد يري الله في المنام خلقا كثيرا ما يصح تأويله و يثبت حقه لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي و لا يقال في هذا الوقت لمن طبعه الله على علم شيء إنه يوحى إليه و عندنا أن الله تعالى يسمع الحجج بعد نبيه ص كلاما يلقيه إليهم في علم ما يكون لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي لما قدمناه من إجماع المسلمين على أنه لا وحي لأحد بعد نبينا و إنه لا يقال في شيء مما ذكرنا أنه أوحى إلى أحد و لله تعالى أن يبيح إطلاق الكلام أحيانا و يحظره أحيانا و يمنع السمات بشيء حينا و يطلقها حينا و أما المعاني فإنها لا تتغير عن حقائقها على ما قدمناه و أما الوحي من الله تعالى إلى نبيه فقد كان تارة بإسماعه الكلام من غير واسطة و تارة بإسماعه الكلام على ألسن الملائكة و الذي ذكره أبو جعفر رحمه الله من اللوح و القلم و ما يثبت فيه فقد جاء به حديث إلا أنا لا نعزم على القول به و لا نقطع على الله بصحته و لا نشهد منه إلا بما علمناه و ليس الخبر به متواتر يقطع العذر و لا عليه إجماع و لا نطق القرآن به و لا ثبت عن حجة الله تعالى فينقاد له و الوجه أن نقف فيه و نجوزه و لا نقطع به و لا نرده و نجعله في حيز الممكن فأما قطع أبي جعفر به و علمه على اعتقاده فهو مستند إلى ضرب من التقليد و لسنا من التقليد في شيء
2- عد، ]العقائد[ الاعتقاد في نزول القرآن اعتقادنا في ذلك أن القرآن نزل في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور ثم نزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة و أن الله تبارك و تعالى أعطى نبيه العلم جملة واحدة ثم قال له وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ و قال عز و جل لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إلى قوله بَيانَهُ بيان قال الشيخ المفيد رحمه الله الذي ذهب إليه أبو جعفر في هذا الباب أصله حديث واحد لا يوجب علما و لا عملا و نزول القرآن على الأسباب الحادثة حالا بحال يدل على خلاف ما تضمنه الحديث و ذلك أنه قد تضمن حكم ما حدث و ذكر ما جرى على وجهه و ذلك لا يكون على الحقيقة إلا بحدوثه عند السبب أ لا ترى إلى قوله تعالى وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ و قوله وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ و هذا خبر عن ماض و لا يجوز أن يتقدم مخبره فيكون حينئذ خبرا عن ماض و هو لم يقع بل هو في المستقبل و أمثال ذلك في القرآن كثيرة و قد جاء الخبر بذكر الظهار و سببه و أنه لما جادلت النبي ص في ذكر الظهار أنزل الله تعالى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها و هذه قصة كانت بالمدينة فكيف ينزل الله تعالى الوحي بها بمكة قبل الهجرة فيخبر أنها قد كانت و لم تكن و لو تتبعنا قصص القرآن لجاء مما ذكرناه كثيرا ينسد به المقال و فيما ذكرنا منه كفاية لذوي الألباب و ما أشبه ما جاء به من الحديث بمذهب المشبهة الذين زعموا أن الله تعالى لم يزل متكلما بالقرآن و مخبرا عما يكون بلفظ كان و قد رد عليهم أهل التوحيد بنحو ما ذكرناه و قد يجوز أن الخبر بنزول القرآن جملة في ليلة القدر المراد به أنه نزل جملة منه في ليلة القدر ثم تلاه ما نزل منه إلى وفاة النبي ص فأما أن يكون نزل بأسره و جميعه في ليلة القدر فهو بعيد مما يقتضيه ظاهر القرآن و التواتر من الأخبار و إجماع العلماء على اختلافها في الآراء و أما قوله تعالى وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ففيه وجهان غير ما ذكره أبو جعفر و عول فيه على حديث شاذ. أحدهما أن الله تعالى نهاه عن التسرع إلى تأويل القرآن قبل الوحي إليه به و إن كان في الإمكان من جهة اللغة ما لو قالوه على مذهب أهل اللسان. و الوجه الآخر أن جبرئيل ع كان يوحي إليه بالقرآن فيتلوه معه حرفا بحرف فأمره الله تعالى أن لا يفعل ذلك و يصغي إلى ما يأتيه به جبرئيل أو ينزله الله تعالى عليه بغير واسطة حتى يحصل الفراغ منه فإذا تم الوحي به تلاوة و نطق به فاقرأه فأما ما ذكره المعول على الحديث من التأويل فبعيد لأنه لا وجه لنهي الله تعالى عن العجلة بالقرآن الذي هو في السماء الرابعة حتى يقضى إليه وحيه لأنه لم يكن محيطا علما بما في السماء الرابعة قبل الوحي به إليه فلا معنى لنهيه عما ليس في إمكانه اللهم إلا أن يقول قائل ذلك إنه كان محيطا بعلم القرآن المودع في السماء الرابعة فينتقض كلامه و مذهبه أنه كان في السماء الرابعة لأن ما في صدر رسول الله ص و حفظه في الأرض فلا معنى لاختصاصه بالسماء و لو كان ما في حفظ رسول الله ص يوصف بأنه في السماء الرابعة خاصة لكان ما في حفظ غيره موصوفا بذلك و لا وجه حينئذ يكون
لإضافته إلى السماء الرابعة و لا إلى السماء الأولى و من تأمل ما ذكرناه علم أن تأويل الآية على ما ذكره المتعلق بالحديث بعيد عن الصواب انتهى كلامه رفع الله مقامه. و أقول أما الاعتراض الأول الذي أورده قدس سره على الصدوق رحمه الله فغير وارد إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أن جميع الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه أثبتها في اللوح المحفوظ قبل خلق السماء و الأرض ثم ينزل منها بحسب المصالح في كل وقت و زمان و أما انطباقها على الوقائع المتأخرة فلا ينافي ذلك لأن الله تعالى عالم بما يتكلمون و يصدر منهم و يقع بينهم بعد ذلك فأثبت في القرآن المثبت في اللوح جواب جميع ذلك على وفق علمه الذي لا يتخلف فالمضي إنما يكون بالنسبة إلى زمان التبليغ إلى الخلق فلا استبعاد في أن ينزل هذا الكتاب جملة على النبي ص و يأمره بأن لا يقرأ على الأمة شيئا منه إلا بعد أن ينزل كل جزء منه في وقت معين يناسب تبليغه و في واقعة معينة يتعلق بها و أما تشبيه صاحب هذا القول بالمشبهة القائلين بقدم كلام الله فلا يخفى ما فيه لأن صاحب هذا القول لا يقول بقدم القرآن المؤلف من الحروف و لا بكونه صفة قديمة لله قائمة بذاته تعالى فأي مفسدة تلزم عليه و أما المشابهة في أنه يمكن نفي القولين بتلك الآيات ففيه أن نفي هذا المذهب السخيف أيضا بتلك الآيات لا يتم بل ثبت بطلانه بسائر البراهين الموردة في محالها و أما الاعتراضات التي أوردها على تفسير الصدوق للآية الكريمة فلعلها مبنية على الغفلة عن مراده فإن الظاهر أن الصدوق رحمه الله أراد بذلك الجمع بين الآيات و الروايات و دفع ما يتوهم من التنافي بينها لأنه دلت الآيات على نزول القرآن في ليلة القدر و الظاهر نزول جميعه فيها و دلت الآثار و الأخبار على نزول القرآن في عشرين أو ثلاث و عشرين سنة و ورد في بعض الروايات أن القرآن نزل في أول ليلة من شهر رمضان و دل بعضها على أن ابتداء نزوله في المبعث فجمع بينها بأن في ليلة القدر نزل القرآن جملة من اللوح إلى السماء الرابعة لينزل من السماء الرابعة إلى الأرض بالتدريج و نزل في أول ليلة من شهر رمضان جملة القرآن على النبي ص ليعلم هو لا ليتلوه على الناس ثم ابتداء نزوله آية آية و سورة سورة في المبعث أو غيره
ليتلوه على الناس و هذا الجمع مؤيد بالأخبار و يمكن الجمع بوجوه أخر سيأتي تحقيقها في باب ليلة القدر و غيره فقوله رحمه الله إن الله تعالى أعطى نبيه ص العلم جملة لا يعني به أنه أعطاه بمحض النزول إلى البيت المعمور ليرد عليه ما أورده رحمه الله و لا أن المراد بالنزول إلى البيت المعمور أنه علمه النبي ص و هذا منه رحمه الله غريب و أما اللوح الذي ذكره أولا أنه يضرب جبين إسرافيل ع فيحتمل أن يكون المراد به اللوح المحفوظ و يكون ذلك عند أول النزول إلى البيت المعمور أو يكون المراد اللوح الذي ثبت فيه القرآن في السماء الرابعة و لعله بعد نظر إسرافيل في اللوح على الوجهين يجد فيه علامة يعرف بها مقدار ما يلزمه إنزالها أو يكون لوحا آخر ينقش فيه شيء فشيء عند إرادة الوحي و لا ينافي انتقاش الأشياء فيه كونه ملكا كما اعترض عليه المفيد رحمه الله و إن كان بعيدا
3- فس، ]تفسير القمي[ وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ الآية قال وحي مشافهة و وحي إلهام و هو الذي يقع في القلب أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ كما كلم الله نبيه ص و كما كلم الله موسى ع من النار أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ قال وحي مشافهة يعني إلى الناس ثم قال لنبيه ص وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ قال روح القدس هي التي قال الصادق ع في قوله وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قال هو ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله ص و هو مع الأئمة
أقول سيأتي في تفسير النعماني عن أمير المؤمنين ع قال و أما تفسير وحي النبوة و الرسالة فهو قوله تعالى إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ إلى آخر الآية و أما وحي الإلهام فهو قوله عز و جل وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ و مثله وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ و أما وحي الإشارة فقوله عز و جل فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا أي أشار إليهم كقوله تعالى أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً و أما وحي التقدير فقوله تعالى وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها و أما وحي الأمر فقوله سبحانه وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي و أما وحي الكذب فقوله عز و جل شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ إلى آخر الآية و أما وحي الخبر فقوله سبحانه وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ
4- ب، ]قرب الإسناد[ اليقطيني عن القداح عن جعفر عن أبيه ع قال احتبس الوحي على النبي ص فقيل احتبس عنك الوحي يا رسول الله قال فقال رسول الله ص و كيف لا يحتبس عني الوحي و أنتم لا تقلمون أظفاركم و لا تنقون روائحكم
بيان قوله روائحكم أي الكريهة و في الكافي و بعض نسخ المنقول منه رواجبكم و هو أظهر و هي مفاصل أصول الأصابع أو بواطن مفاصلها أو هي قصب الأصابع أو مفاصلها أو ظهور السلاميات أو ما بين البراجم من السلاميات أو المفاصل التي تلي الأنامل ذكرها الفيروزآبادي
5- ع، ]علل الشرائع[ ابن البرقي عن أبيه عن جده عن ابن أبي عمير عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله ع قال كان جبرئيل إذا أتى النبي ص قعد بين يديه قعدة العبد و كان لا يدخل حتى يستأذنه
6- يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن هاشم عن ابن أبي نجران عن محمد بن سنان عن إبراهيم و الفضل ابني محمد الأشعريين عن عبيد بن زرارة عن أبيه قال قلت لأبي عبد الله ص جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله ص إذا نزل عليه الوحي قال فقال ذلك إذا لم يكن بينه و بين الله أحد ذاك إذا تجلى الله له قال ثم قال تلك النبوة يا زرارة و أقبل يتخشع
بيان تجلي الله تعالى ظهور آيات عظمته و جلاله أو هو كناية عن غاية المعرفة
7- يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن ابن أبان عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عبد الله الفراء عن محمد بن مسلم و محمد بن مروان عن أبي عبد الله ع قال ما علم رسول الله ص أن جبرئيل ع من قبل الله إلا بالتوفيق
شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن هارون عنه ع مثله بيان أي وفقه بأن علم علما ضروريا أنه جبرئيل و ليس بشيطان أو قرن الوحي بمعجزات علم بها أنه من قبل الله
8- يد، ]التوحيد[ ج، ]الإحتجاج[ فيما أجاب به أمير المؤمنين ع عن أسئلة الزنديق المدعي للتناقض في القرآن قال ع و أما قوله وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ و قوله وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً و قوله وَ ناداهُما رَبُّهُما و قوله يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فأما قوله ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا و ليس بكائن إلا من وراء حجاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ كذلك قال الله تبارك و تعالى علوا كبيرا قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء فتبلغ رسل السماء رسل الأرض و قد كان الكلام بين رسل أهل الأرض و بينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء و قد قال رسول الله ص يا جبرئيل هل رأيت ربك فقال جبرئيل إن ربي لا يرى فقال رسول الله ص من أين تأخذ الوحي فقال آخذه من إسرافيل فقال و من أين يأخذه إسرافيل قال يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين قال فمن أين يأخذه ذلك الملك قال يقذف في قلبه قذفا فهذا وحي و هو كلام الله عز و جل و كلام الله ليس بنحو واحد منه ما كلم الله به الرسل و منه ما قذفه في قلوبهم و منه رؤيا يريها الرسل و منه وحي و تنزيل يتلى و يقرأ فهو كلام الله فاكتف بما وصفت لك من كلام الله فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد فإنه منه ما تبلغ منه رسل السماء رسل الأرض قال فرجت عني فرج الله عنك و حللت عني عقدة فعظم الله أمرك يا أمير المؤمنين
بيان لعل سؤاله ص عن رؤية الرب تعالى بعد ما علم بالعقل أنه يمتنع عليه الرؤية ليعلم بالوحي أيضا كما علم بالعقل و ليخبر الناس بما أوحي إليه من ذلك
9- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال جبرئيل لرسول الله ص في وصف إسرافيل هذا حاجب الرب و أقرب خلق الله منه و اللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء فإذا تكلم الرب تبارك و تعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ثم ألقى إلينا نسعى به في السماوات و الأرض إنه لأدنى خلق الرحمن منه و بينه و بينه تسعون حجابا من نور يقطع دونها الأبصار ما يعد و لا يوصف و إني لأقرب الخلق منه و بيني و بينه مسيرة ألف عام
بيان قوله و بينه و بينه أي و بين الموضع الذي جعله الله محل صدور الوحي من العرش أو المراد بالحجب الحجب المعنوية
10- فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم في قوله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قال اللوح المحفوظ له طرفان طرف على العرش و طرف على جبهة إسرافيل فإذا تكلم الرب جل ذكره بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل فنظر في اللوح فيوحي بما في اللوح إلى جبرئيل ع
11- فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ و ذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى ابن مريم ع إلى أن بعث محمد ص فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد ص سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعق أهل السماوات فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل كلما مر بأهل السماء فزع عن قلوبهم يقول كشف عن قلوبهم فقال بعضهم لبعض ما ذا قال ربكم قالوا الحق و هو العلي الكبير
بيان قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أي كشف الفزع عن قلوبهم و اختلف في الضمير في قلوبهم فقيل يعود إلى المشركين المتقدم ذكرهم أي إذا أخرج عن قلوبهم الفزع وقت الفزع ليسمعوا كلام الملائكة قالُوا أي قالت الملائكة لهم ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا أي المشركون الْحَقَّ أي قال الحق فيعترفون أن ما جاء به الرسل كان حقا عن ابن عباس و غيره و قيل يعود إلى الملائكة ثم اختلف فيه على وجوه. أحدها أن الملائكة إذا صعدوا بأعمال العباد و لهم زجل و صوت عظيم فتحسب الملائكة أنها الساعة فيخرون سجدا و يفزعون فإذا علموا أنه ليس ذلك قالوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ. و ثانيها أن الفترة لما كان بين عيسى ع و محمد ص و بعث الله محمدا أنزل الله سبحانه جبرئيل بالوحي فلما نزلت ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة فصعقوا لذلك فجعل جبرئيل يمر بكل سماء و يكشف عنهم الفزع فرفعوا رءوسهم و قال بعضهم لبعض ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ يعني الوحي عن مقاتل و الكلبي. و ثالثها أن الله إذا أوحى إلى بعض ملائكته لحق الملائكة غشي عند سماع الوحي و يصعقون و يخرون سجدا للآية العظيمة فإذا فزع عن قلوبهم سألت الملائكة ذلك الملك الذي أوحي إليه ما ذا قال ربك أو يسأل بعضهم بعضا فيعلمون أن الأمر في غيرهم عن ابن مسعود و اختاره الجبائي
12- ك، ]إكمال الدين[ إن النبي ص كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه و هو يتصاب عرقا فإذا أفاق قال قال الله عز و جل كذا و كذا و أمركم بكذا و نهاكم عن كذا و أكثر مخالفينا يقولون إن ذلك كان يكون عند نزول جبرئيل ع عليه فسئل الصادق ع عن الغشية التي كانت تأخذ النبي ص أ كانت تكون عند هبوط جبرئيل فقال لا إن جبرئيل ع إذا أتى النبي ص لم يدخل عليه حتى يستأذنه فإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد و إنما ذلك عند مخاطبة الله عز و جل إياه بغير ترجمان و واسطة حدثنا بذلك ابن إدريس عن أبيه عن جعفر بن محمد عن محمد بن الحسين بن زيد عن الحسين بن علوان عن عمرو بن ثابت عن الصادق ع
13- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ و أما كيفية نزول الوحي فقد سأله الحارث بن هشام كيف يأتيك الوحي فقال أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس و هو أشده علي فيفصم عني فقد وعيت ما قال و أحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول
و روي أنه كان إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل
و روي أنه كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه و إن جبينه لينفصد عرقا
و روي أنه كان إذا نزل عليه كرب لذلك و يربد وجهه و نكس رأسه و نكس أصحابه رءوسهم منه و منه يقال برحاء الوحي
قال ابن عباس كان النبي ص إذا نزل عليه القرآن تلقاه بلسانه و شفتيه كان يعالج من ذلك شدة فنزل لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ و كان إذا نزل عليه الوحي وجد منه ألما شديدا و يتصدع رأسه و يجد ثقلا قوله إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا و سمعت أنه نزل جبرئيل ع على رسول الله ص ستين ألف مرة
بيان قال في النهاية في صفة الوحي كأنه صلصلة على صفوان الصلصلة صوت الحديد إذا حرك و قال فيفصم عني أي يقلع و أفصم المطر إذا أقلع و انكشف و قال فيه كان إذا نزل عليه الوحي تفصد عرقا أي سال عرقه تشبيها في كثرته بالفصاد و عرقا منصوب على التمييز و قال فيه إذا أصابه الوحي كرب له أي أصابه الكرب و اربد وجهه أي تغير إلى الغبرة و قال البرح الشدة و منه الحديث فأخذه البرحاء أي شدة الكرب من ثقل الوحي
14- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قول الله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مخففة قال ظنت الرسل أن الشياطين تمثل لهم على صورة الملائكة
-15 و عن أبي شعيب عن أبي عبد الله ع قال وكلهم الله إلى أنفسهم أقل من طرفة عين
بيان لعل المراد أن الله وكلهم إلى أنفسهم ليزيد يقينهم بأنهم معصومون بعصمة الله فخطر ببالهم أن ما وعدوا من عذاب الأمم لعله يكون من الشياطين فصرف الله عنهم ذلك و عصمهم و ثبتهم على اليقين بأن ما أوحي إليهم ليس للشيطان فيه سبيل. قال الطبرسي رحمه الله قرأ أهل الكوفة و أبو جعفر كذبوا بالتخفيف و هي قراءة علي و زين العابدين و محمد بن علي و جعفر بن محمد ع و زيد بن علي و ابن عباس و ابن مسعود و ابن جبير و غيرهم و قرأ الباقون بالتشديد قال أبو علي الضمير في ظنوا على قول من شدد للرسل أي تيقنوا أو حسبوا أن القوم كذبوهم و أما من خفف فالضمير للمرسل إليهم أي ظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا أنزل بهم العذاب و أما من زعم أن الضمير راجع إلى الرسل أي ظن الرسل أن الذي وعد الله سبحانه أممهم على لسانهم قد كذبوا به فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء و لا إلى صالحي عباد الله و كذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا و ظنوا أنهم قد أخلفوا لأن الله لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ
16- شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله ع كيف لم يخف رسول الله ص فيما يأتيه من قبل الله أن يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان قال فقال إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة و الوقار فكان يأتيه من قبل الله عز و جل مثل الذي يراه بعينه
17- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل عن صفوان و ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال في المستحاضة تأتي مقام جبرئيل ع و هو تحت الميزاب فإنه كان مكانه إذا استأذن على نبي الله ص
18- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عمن ذكره عن ابن بكير عن عمر بن يزيد قال حاضت صاحبتي و أنا بالمدينة فذكرت ذلك لأبي عبد الله ع فقال مرها فلتغتسل و لتأت مقام جبرئيل فإن جبرئيل كان يجيء فيستأذن على رسول الله و إن كان على حال لا ينبغي أن يأذن له قام في مكانه حتى يخرج إليه و إن أذن له دخل عليه فقلت و أين المكان قال حيال الميزاب الذي إذا أخرجت من الباب الذي يقال له باب فاطمة بحذاء القبر إذا رفعت رأسك بحذاء الميزاب و الميزاب فوق رأسك و الباب من وراء ظهرك الخبر
19- ع، ]علل الشرائع[ الطالقاني عن أحمد بن إسحاق المادرائي عن أبي قلابة عبد الملك بن محمد عن غانم بن الحسن السعدي عن مسلم بن خالد المكي عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال ما أنزل الله تبارك و تعالى كتابا و لا وحيا إلا بالعربية فكان يقع في مسامع الأنبياء بألسنة قومهم و كان يقع في مسامع نبينا ص بالعربية فإذا كلم به قومه كلمهم بالعربية فيقع في مسامعهم بلسانهم و كان أحد لا يخاطب رسول الله ص بأي لسان خاطبه إلا وقع في مسامعه بالعربية كل ذلك يترجم جبرئيل ع له و عنه تشريفا من الله عز و جل له ص
20- أقول قال في المنتقى، كان النبي ص إذا غشيه الوحي ثقل على جسمه ما غشيه من أمر الله و في الحديث المقبول أنه ص أوحي إليه و هو على ناقته فبركت و وضعت جرانها بالأرض فما تستطيع أن تتحرك و إن عثمان كان يكتب للنبي ص لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ الآية و فخذ النبي ص على فخذ عثمان فجاء ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله إن بي من العذر ما ترى فغشيه الوحي فثقلت فخذه على فخذ عثمان حتى قال خشيت أن ترضها فأنزل الله سبحانه غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
و روي عن أبي أروى الدوسي قال رأيت الوحي ينزل على رسول الله ص و إنه ص على راحلته فترغو و تنقل يديها حتى أظن أن ذراعها ينفصم فربما بركت و ربما قامت مؤتدة يديها حتى تسري عنه من ثقل الوحي و إنه لينحدر منه مثل الجمان
21- كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض و هو في بيته مرخى عليه ستره فقال يا مفضل إن الله تبارك و تعالى جعل في النبي ص خمسة أرواح روح الحياة فبه دب و درج و روح القوة فبه نهض و جاهد و روح الشهوة فبه أكل و شرب و أتى النساء من الحلال و روح الإيمان فبه آمن و عدل و روح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي ص انتقل روح القدس فصار إلى الإمام و روح القدس لا ينام و لا يغفل و لا يلهو و لا يزهو و الأربعة الأرواح تنام و تغفل و تلهو و تزهو و روح القدس كان يرى به
بيان كان يرى به على المعلوم أو المجهول أي كان يرى النبي ص و الإمام بروح القدس ما غاب عنه في أقطار الأرض و السماء و ما دون العرش
22- كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن أبي الصباح الكناني عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله تبارك و تعالى وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ قال خلق من خلق الله أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله ص يخبره و يسدده و هو مع الأئمة من بعده
23- كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قال خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله ص و هو مع الأئمة و هو من الملكوت
بيان أي هو من عالم المجردات أو العلويات
24- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن أسباط بن سالم قال سأله رجل من أهل هيت و أنا حاضر عن قول الله عز و جل وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا فقال منذ أنزل الله عز و جل ذلك الروح على محمد ما صعد إلى السماء و إنه لفينا
25- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قال خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد ص و هو مع الأئمة يسددهم و ليس كل ما طلب وجد
بيان قوله ليس كل ما طلب وجد بيان لعظم هذه المرتبة و أنها لا تتيسر إلا بفضل الله تعالى و أنه ليس كل الأمور بحيث يمكن تحصيله بالطلب و الكسب
26- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عن علي بن أسباط عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله ع عن العلم أ هو شيء يتعلمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرءونه فتعلمون منه قال الأمر أعظم من ذلك و أوجب أ ما سمعت قول الله عز و جل وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ ثم قال أي شيء يقول أصحابكم في هذه الآية أ يقرون أنه كان في حال لا يدري ما الكتاب و لا الإيمان فقلت لا أدري جعلت فداك ما يقولون فقال بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب و لا الإيمان حتى بعث الله عز و جل الروح التي ذكر في الكتاب فلما أوحاها إليه علم به العلم و الفهم و هي الروح التي يعطيها الله عز و جل من شاء فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم
27- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن الأحول قال سألت أبا جعفر ع عن الرسول و النبي و المحدث قال الرسول الذي يأتيه جبرئيل ع قبلا فيراه و يكلمه فهذا الرسول و أما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ع و نحو ما كان رأى رسول الله ص من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل ع من عند الله بالرسالة و كان محمد ص حين جمع له النبوة و جاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ع و يكلمه بها قبلا و من الأنبياء من جمع له النبوة و يرى في منامه و يأتيه الروح و يكلمه و يحدثه من غير أن يكون يرى في اليقظة و أما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع و لا يعاين و لا يرى في منامه
بيان قال الجوهري رأيته قبلا و قبلا بالضم أي مقابلة و عيانا و رأيته قبلا بكسر القاف قال الله تعالى أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا أي عيانا
28- ير، ]بصائر الدرجات[ محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن سماعة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الروح خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله ص يسدده و يرشده و هو مع الأوصياء من بعده
أقول سيأتي سائر الأخبار في ذلك في كتاب الإمامة
29- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن سليمان السجستاني عن إسحاق بن إبراهيم النهشلي عن زكريا بن يحيى الخزاز عن مندل بن علي عن الأعمش عن ابن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله ص يغدو إليه علي ع في الغداة و كان يحب ألا يسبقه إليه أحد فإذا النبي ص في صحن الدار و إذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فقال السلام عليك كيف أصبح رسول الله ص قال بخير يا أخا رسول الله فقال علي ع جزاك الله عنا أهل البيت خيرا قال له دحية إني أحبك و إن لك عندي مديحة أهديها إليك أنت أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين و سيد ولد آدم يوم القيامة ما خلا النبيين و المرسلين لواء الحمد بيدك يوم القيامة تزف أنت و شيعتك مع محمد و حزبه إلى الجنان قد أفلح من والاك و خاب و خسر من خلاك بحب محمد ص أحبوك و ببغضه أبغضوك و لا تنالهم شفاعة محمد ص ادن من صفوة الله فأخذ رأس النبي ص فوضعه في حجره فانتبه النبي ص فقال ما هذه الهمهمة فأخبره الحديث فقال لم يكن دحية كان جبرئيل سماك باسم سماك الله تعالى به و هو الذي ألقى محبتك في قلوب المؤمنين و رهبتك في صدور الكافرين
30- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم بن أحمد عن الحسن بن علي الزعفراني عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال قال بعض أصحابنا أصلحك الله أ كان رسول الله ص يقول قال جبرئيل و هذا جبرئيل يأمرني ثم يكون في حال أخرى يغمى عليه قال فقال أبو عبد الله ع إنه إذا كان الوحي من الله إليه ليس بينهما جبرئيل أصابه ذلك لثقل الوحي من الله و إذا كان بينهما جبرئيل لم يصبه ذلك فقال قال لي جبرئيل و هذا جبرئيل
31- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن محمد البغوي عن بشر بن هلال عن عبد الوارث بن سعيد عن أبي نضر عن أبي سعيد الخدري أن جبرئيل أتى النبي ص فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد و الله يشفيك بسم الله أرقيك
32- أقول قال السيد بن طاوس في كتاب سعد السعود، رأيت في تفسير منسوب إلى الباقر ع في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قال بلغنا أن عثمان بن مظعون قال نزلت هذه الآية على النبي ص و أنا عنده قال مررت عليه و هو بفناء بابه فجلست إليه فبينا هو يحدثني إذ رأيت بصره شاخصا إلى السماء حتى رأيت طرفه قد انقطع ثم رأيته خفضه حتى وضعه عن يمينه ثم ولاني ركبته و جعل ينفض برأسه كأنه ألهم شيئا فقال ثم رأيته أيضا رفع طرفه إلى السماء ثم خفضه عن شماله ثم أقبل إلي محمر الوجه يفيض عرقا فقلت يا رسول الله ما رأيتك فعلت الذي فعلت اليوم ما حالك قال و لقد رأيته قلت نعم قال رسول الله ص ذاك جبرئيل لم يكن لي همة غيره ثم تلا عليه الآيتين قال عثمان فقمت من عند رسول الله ص معجبا بالذي رأيت فأتيت أبا طالب رضي الله عنه فقرأتهما عليه فعجب أبو طالب و قال يا آل غالب اتبعوه ترشدوا و تفلحوا فو الله ما يدعو إلا إلى مكارم الأخلاق لئن كان صادقا أو كاذبا ما يدعو إلا إلى الخير
قال السيد و رأيت في غير هذا التفسير أن هذا العبد الصالح قال كان أول إسلامي حبا من رسول الله ص ثم تحقق إسلامي ذلك اليوم لما شاهدت الوحي إليه
33- ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم الجوهري عن علي عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إنا لنزاد في الليل و النهار و لو لم نزد لنفد ما عندنا قال أبو بصير جعلت فداك من يأتيكم به قال إن منا من يعاين و إن منا لمن ينقر في قلبه كيت و كيت و منا من يسمع بإذنه وقعا كوقع السلسلة في الطشت فقلت له من الذي يأتيكم بذلك قال خلق لله أعظم من جبرئيل و ميكائيل
34- ير، ]بصائر الدرجات[ العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن ربعي عن زرارة عن أبي جعفر ع قال كان جبرئيل ع يملي على النبي ص و هو يملي على علي ع فنام نومة و نعس نعسة فلما رجع نظر إلى الكتاب فمد يده قال من أملى هذا عليك قال أنت قال لا بل جبرئيل
35- ير، ]بصائر الدرجات[ علي بن حسان عن ابن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر ع من الرسول من النبي من المحدث فقال الرسول الذي يأتيه جبرئيل فيكلمه قبلا فيراه كما يرى أحدكم صاحبه الذي يكلمه فهذا الرسول و النبي الذي يؤتى في النوم نحو رؤيا إبراهيم ع و نحو ما كان يأخذ رسول الله ص من السبات إذا أتاه جبرئيل في النوم فهكذا النبي و منهم من تجمع له الرسالة و النبوة فكان رسول الله رسولا نبيا يأتيه جبرئيل قبلا فيكلمه و يراه و يأتيه في النوم و أما المحدث فهو الذي يسمع كلام الملك فيحدثه من غير أن يراه و من غير أن يأتيه في النوم
ير، ]بصائر الدرجات[ ابن أبي الخطاب عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن زرارة مثله بيان قال الجوهري السبات النوم و أصله الراحة. أقول قد مضت الأخبار الكثيرة في ذلك في كتاب قصص الأنبياء ع
36- سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد الله ع كان رسول الله ص إذا أتاه الوحي من الله و بينهما جبرئيل ع يقول هو ذا جبرئيل و قال لي جبرئيل و إذا أتاه الوحي و ليس بينهما جبرئيل تصيبه تلك السبتة و يغشاه منه ما يغشاه لثقل الوحي عليه من الله عز و جل
37- شي، ]تفسير العياشي[ عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي ع قال كان القرآن ينسخ بعضه بعضا و إنما كان يؤخذ من أمر رسول الله ص بآخره فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها و لم ينسخها شيء فلقد نزلت عليه و هو على بغلته الشهباء و ثقل عليها الوحي حتى وقف و تدلى بطنها حتى رئيت سرتها تكاد تمس الأرض و أغمي على رسول الله ص حتى وضع يده على ذؤابة منبه بن وهب الجمحي ثم رفع ذلك عن رسول الله ص فقرأ علينا سورة المائدة فعمل رسول الله ص و عملنا
38- نهج، ]نهج البلاغة[ و لقد قرن الله به ص من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره
تذنيب اعلم أن علماء الخاصة و العامة اختلفوا في أن النبي ص هل كان قبل بعثته متعبدا بشريعة أم لا قال العلامة قدس الله روحه في شرحه على مختصر ابن الحاجب اختلف الناس في أن النبي ص هل كان متعبدا بشرع أحد من الأنبياء قبله قبل النبوة أم لا فذهب جماعة إلى أنه كان متعبدا و نفاه آخرون كأبي الحسين البصري و غيره و توقف الغزالي و القاضي عبد الجبار و المثبتون اختلفوا فذهب بعضهم إلى أنه كان متعبدا بشرع نوح ع و آخرون قالوا بشرع إبراهيم و آخرون بشرع موسى ع و آخرون بشرع عيسى ع و آخرون قالوا بما ثبت أنه شرع. و استدل المصنف على أنه كان متعبدا بشرع من قبله بما نقل نقلا يقارب التواتر أنه كان يصلي و يحج و يعتمر و يطوف بالبيت و يتجنب الميتة و يذكي و يأكل اللحم و يركب الحمار و هذه أمور لا يدركها العقل فلا مصير إليها إلا من الشرع و استدل آخرون على هذا المذهب أيضا بأن عيسى ع كان مبعوثا إلى جميع المكلفين و النبي ص كان من المكلفين فيكون عيسى ع مبعوثا إليه. و الجواب لا نسلم عموم دعوة من تقدمه. و احتج المخالف بأنه لو كان متعبدا بشرع من قبله لكان مخالطا لأهل تلك الشريعة قضاء للعادة الجارية بذلك أو لزمته المخالطة لأرباب تلك الشريعة بحيث يستفيد منهم الأحكام و لما كان التالي باطلا إجماعا فكذا المقدم. و الجواب لا نسلم وجوب المخالطة لأن الشرع المنقول إليه عمن تقدمه إن كان متواترا فلا يحتاج إلى المخالطة و المناظرة و إن كان آحادا فهو غير مقبول خصوصا مع اعتقاده بأن أهل زمانه ص كانوا في غاية الإلحاد سلمنا أنه كان يلزم المخالطة لكن المخالطة قد لا تحصل لموانع تمنع منها فيحتمل ترك المخالطة لمن يقاربه من أرباب الشرائع المتقدمة على تلك الموانع جمعا بين الأدلة انتهى. و قال المرتضى رضي الله عنه في كتاب الذريعة هل كان رسول الله ص متعبدا بشرائع من تقدمه من الأنبياء ع في هذا الباب مسألتان إحداهما قبل النبوة و الأخرى بعدها و في المسألة الأولى ثلاثة مذاهب. أحدها أنه ص ما كان متعبدا قطعا و الآخر أنه كان متعبدا قطعا و الثالث التوقف و هذا هو الصحيح و الذي يدل عليه أن العبادة بالشرائع تابعة لما يعلمه الله تعالى من المصلحة بها في التكليف العقلي و لا يمتنع أن يعلم الله تعالى أن لا مصلحة للنبي ص قبل نبوته في العبادة بشيء من الشرائع كما أنه غير ممتنع أن يعلم أن له ص في ذلك مصلحة و إذا كان كل واحد من الأمرين جائزا و لا دلالة توجب القطع على أحدهما وجب التوقف
و ليس لمن قطع على أنه ما كان متعبدا أن يتعلق بأنه لو كان تعبده ص بشيء من الشرائع لكان فيه متبعا لصاحب تلك الشريعة و مقتديا به و ذلك لا يجوز لأنه أفضل الخلق و اتباع الأفضل للمفضول قبيح و ذلك أنه غير ممتنع أن يوجب الله تعالى عليه ص بعض ما قامت عليه الحجة به من بعض الشرائع المتقدمة لا على وجه الاقتداء بغيره فيها و لا الاتباع و ليس لمن قطع على أنه ص كان متعبدا أن يتعلق بأنه ص كان يطوف بالبيت و يحج و يعتمر و يذكي و يأكل المذكى و يركب البهائم و يحمل عليها و ذلك أنه لم يثبت عنه ص أنه قبل النبوة حج أو اعتمر و لو ثبت لقطع به على أنه كان متعبدا و بالتظني لا يثبت مثل ذلك و لم يثبت أيضا أنه ص تولى التذكية بيده و قد قيل أيضا إنه لو ثبت أنه ذكى بيده لجاز أن يكون من شرع غيره في ذلك الوقت أن يستعين بغيره في الذكاة فذكى على سبيل المعونة لغيره و أكل لحم المذكى لا شبهة في أنه غير موقوف على الشرع لأنه بعد الذكاة قد صار مثل كل مباح من المآكل و ركوب البهائم و الحمل عليها يحسن عقلا إذا وقع التكفل بما يحتاج إليه من علف و غيره و لم يثبت أنه ص فعل من ذلك ما لا يستباح بالعقل فعله و ليس علمه ص بأن غيره نبي بالدليل يقتضي كونه متعبدا بشريعته بل لا بد من أمر زائد على هذا العلم. فأما المسألة الثانية فالصحيح أنه ص ما كان متعبدا بشريعة نبي تقدم و سندل عليه بعون الله و ذهب كثير من الفقهاء إلى أنه كان متعبدا و لا بد قبل الكلام في هذه المسألة من بيان جواز أن يتعبد الله تعالى نبيا بمثل شريعة النبي الأول لأن ذلك إذا لم يجز سقط الكلام في هذا الوجه من المسألة و قد قيل إن ذلك يجوز على شرطين إما بأن تندرس الأولى فيجددها الثاني أو بأن يزيد فيها ما لم يكن منها و يمنعون من جواز ذلك على غير أحد هذين الشرطين و يدعون أن بعثته على خلاف ما شرطوه تكون عبثا و لا يجب النظر في معجزته و لا بد من وجوب النظر في المعجزات و ليس الأمر على ما قالوه لأن بعثة النبي الثاني لا تكون عبثا إذا علم الله تعالى أنه يؤمن عندها
و ينتفع من لم ينتفع بالأول و لو لم يكن الأمر أيضا كذلك كانت البعثة الثانية على سبيل ترادف الأدلة الدالة على أمر واحد و لا يقول أحد أن نصب الأدلة على هذا الوجه يكون عبثا. فأما الوجه الثاني فإنا لا نسلم لهم أن النظر في معجز كل نبي يبعث لا بد من أن يكون واجبا لأن ذلك يختلف فإن خاف المكلف من ضرر إن هو لم ينظر وجب النظر عليه و إن لم يخف لم يكن واجبا و قد استقصينا هذا الكلام و فرغناه في كتاب الذخيرة. و الذي يحقق هذه المسألة أن تعبده ص بشرع من تقدمه لا بد فيه من معرفة أمرين أحدهما نفس الشرع و الآخر كونه متعبدا به و ليس يخلو من أن يكون علم ص كلا الأمرين بالوحي النازل عليه و الكتاب المسلم إليه أو يكون علم الأمرين من جهة النبي المتقدم أو يكون علم أحدهما من هذا الوجه و الآخر من غير ذلك الوجه و الوجه الأول يوجب أن لا يكون متعبدا بشرائعهم إذا فرضنا أنه بالوحي إليه علم الشرع و التعبد معا و أكثر ما في ذلك أن يكون تعبد مثل شرائعهم و إنما يضاف الشرع إلى الرسول إذا حمله و لزمه أداؤه و يقال في غيره إنه متعبد بشرعه متى دعاه إلى اتباعه و ألزمه الانقياد له فيكون مبعوثا إليه و إذا فرضنا أن القرآن و الوحي وردا ببيان الشرع و إيجاب الاتباع فذلك شرعه ص لا يجب إضافته إلى غيره و أما الوجه الثاني فهو و إن كان خارجا من أقوال الفقهاء المخالفين لنا في هذه المسألة فاسد من جهة أن نقل اليهود و من جرى مجراهم من الأمم الماضية قد بين في مواضع أنه ليس بحجة لانقراضهم و عدم العلم باستواء أولهم و آخرهم و أيضا فإنه ص مع فضله على الخلق لا يجوز أن يكون متبعا لغيره من الأنبياء المتقدمين ع ثم هذا القول يقتضي أن لا يكون ص بأن يكون من أمة ذلك النبي بأولى منا و لا بأن نكون متعبدين بشرعه بأولى من أن يكون متعبدا بشرعنا لأن حاله كحالنا في أننا من أمة ذلك النبي و بهذه الوجوه التي ذكرناها نبطل القسمين الذين فرغناهما و مما يدل على حجة ما ذكرناه و فساد قول مخالفينا أنه قد ثبت عنه ص توقفه في أحكام معلوم أن بيانها في
التوراة و انتظاره فيها نزول الوحي و لو كان متعبدا بشريعة موسى ع لما جرى ذلك و أيضا فلو كان الأمر على ما قالوه لكان يجب أن يجعل ص كتب من تقدمه في الأحكام بمنزلة الأدلة الشرعية و معلوم خلافه و أيضا فقد نبه ص في خبر معاذ على الأدلة فلم يذكر في جملتها التوراة و الإنجيل و أيضا فإن كل شريعته مضافة إليه بالإجماع و لو كان متعبدا بشرع غيره لما جاز ذلك و أيضا فلا خلاف بين الأمة في أنه ص لم يؤد إلينا من أصول الشرائع إلا ما أوحي إليه و حمله و أيضا فإنه لا خلاف في أن شريعته ص ناسخة لكل الشرائع المتقدمة من غير استثناء فلو كان الأمر كما قالوه لما صح هذا الإطلاق و أيضا فإن شرائع من تقدم مختلفة متضادة فلا يصح كونه متعبدا بكلها فلا بد من تخصيص و دليل يقتضيه فإن ادعوا أنه متعبد بشريعة عيسى ع بأنها ناسخة لشريعة من تقدم فذلك منهم ينقض تعلقهم بتعرفه ص من اليهود في التوراة فأما رجوعه في رجم المحصن إليها فلم يكن لأنه كان متعبدا بذلك لأنه لو كان الرجوع لهذه العلة لرجع ص في غير هذا الحكم إليها و إنما رجع لأمر آخر و قد قيل إن سبب الرجوع أنه ص كان خبر بأن حكمه في الرجم يوافق ما في التوراة فرجع إليها تصديقا لخبره و تحقيقا لقوله ص انتهى. و قال المحقق أبو القاسم الحلي طيب الله رمسه في أصوله شريعة من قبلنا هل هي حجة في شرعنا قال قوم نعم ما لم يثبت نسخ ذلك الحكم بعينه و أنكر الباقون ذلك و هو الحق لنا وجوه. الأول قوله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. الثاني لو كان متعبدا بشرع غيره لكان ذلك الغير أفضل لأنه يكون تابعا لصاحب ذلك الشرع و ذلك باطل بالاتفاق. الثالث لو كان متعبدا بشرع غيره لوجب عليه البحث عن ذلك الشرع لكن ذلك باطل لأنه لو وجب لفعله و لو فعله لاشتهر و لوجب على الصحابة و التابعين بعده و المسلمين إلى يومنا هذا متابعته ص على الخوض فيه و نحن نعلم من الدين خلاف ذلك. الرابع لو كان متعبدا بشرع من قبله لكان طريقه إلى ذلك إما الوحي أو النقل و يلزم من الأول أن يكون شرعا له لا شرعا لغيره و من الثاني التعويل على نقل اليهود و هو باطل لأنه ليس بمتواتر لما تطرق إليه من القدح المانع من إفادة اليقين و نقل الآحاد منهم لا يوجب العمل لعدم الثقة. و احتج الآخرون بقوله تعالى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ و بقوله ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً و بقوله شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً و بقوله إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ و بقوله إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ و بأنه ص رجع في معرفة الرجم في الزنا إلى التوراة. أجاب الأولون عن الآية الأولى بأنها تتضمن الأمر بالاهتداء بهداهم كلهم فلا يكون ذلك إشارة إلى شرعهم لأنه مختلف فيجب صرفه إلى ما اتفقوا عليه و هو دلائل العقائد العقلية دون الفروع الشرعية. و عن الثاني بأن ملة إبراهيم ع المراد بها العقليات دون الشرعيات يدل على ذلك قوله وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ فلو أراد الشرعيات لما جاز نسخ شيء منها و قد نسخ كثير من شرعه فتعين أن المراد منه العقليات. و عن الآية الثالثة أنه لا يلزم من وصية نوح ع بشرعنا أنه أمره به بل يحتمل أن يكون وصايته به أمرا منه بقبوله عند أعقابهم إلى زمانه ص أو وصى به
بمعنى أطلعه عليه و أمره بحفظه و لو سلمنا أن المراد شرع لنا ما شرع لنوح ع لاحتمل أن يكون المراد به من الاستدلال بالمعقول على العقائد الدينية و لو لم يحتمل ذلك لم يبعد أن يتفق الشرعان ثم لا يكون شرعه حجة علينا من حيث ورد على نبينا ص بطريق الوحي فلا تكون شريعته شريعة لنا باعتبار ورودها عنه. و عن الآية الرابعة أن المساواة في الوحي لا تستلزم المساواة في الشرع. و عن الآية الخامسة أن ظاهرها يقتضي اشتراك الأنبياء جميعا في الحكم بها و ذلك غير مراد لأن إبراهيم و نوحا و إدريس و آدم ع لم يحكموا بها لتقدمهم على نزولها فيكون المراد أن الأنبياء يحكمون بصحة ورودها عن الله و أن فيها نورا و هدى و لا يلزم أن يكونوا متعبدين بالعمل بها كما أن كثيرا من آيات القرآن منسوخة و هي عندنا نور و هدى و أما رجوعه ص في تعرف حد الرجم فلا نسلم أن مراجعته إلى التوراة لتعرفه بل لم لا يجوز أن يكون ذلك لإقامة الحجة على من أنكر وجوده في التوراة انتهى. أقول إنما أوردنا دلائل القول في نفي تعبده ص بعد البعثة بشريعة من قبله لاشتراكها مع ما نحن فيه في أكثر الدلائل فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي ظهر لي من الأخبار المعتبرة و الآثار المستفيضة هو أنه ص كان قبل بعثته مذ أكمل الله عقله في بدو سنه نبيا مؤيدا بروح القدس يكلمه الملك و يسمع الصوت و يرى في المنام ثم بعد أربعين سنة صار رسولا و كلمه الملك معاينة و نزل عليه القرآن و أمر بالتبليغ و كان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات إما موافقا لما أمر به الناس بعد التبليغ و هو أظهر أو على وجه آخر إما مطابقا لشريعة إبراهيم ع أو غيره ممن تقدمه من الأنبياء ع لا على وجه كونه تابعا لهم و عاملا بشريعتهم بل بأن ما أوحي إليه ص كان مطابقا لبعض شرائعهم أو على وجه آخر نسخ بما نزل عليه بعد الإرسال و لا أظن أن يخفى صحة ما ذكرت على ذي فطرة مستقيمة و فطنة غير سقيمة بعد الإحاطة
بما أسلفنا من الأخبار في هذا الباب و أبواب أحوال الأنبياء ع و ما سنذكره بعد ذلك في كتاب الإمامة و لنذكر بعض الوجوه لزيادة الاطمئنان على وجه الإجمال. الأول أن ما ذكرنا من كلام أمير المؤمنين ع من خطبته القاصعة المشهورة بين العامة و الخاصة يدل على أنه ص من لدن كان فطيما كان مؤيدا بأعظم ملك يعلمه مكارم الأخلاق و محاسن الآداب و ليس هذا إلا معنى النبوة كما عرفت في الأخبار الواردة في معنى النبوة و هذا الخبر مؤيد بأخبار كثيرة سبقت في الأبواب السابقة في باب منشئه ص و باب تزويج خديجة و غيرها من الأبواب. الثاني الأخبار المستفيضة الدالة على أنهم ع مؤيدون بروح القدس من بدء حالهم بنحو ما مر من التقرير الثالث صحيحة الأحول و غيرها حيث قال نحو ما كان رأى رسول الله ص من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل من عند الله بالرسالة فدلت على أنه ص كان نبيا قبل الرسالة و يؤيده الخبر المشهور عنه ص
كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين أو بين الروح و الجسد
و يؤيده أيضا الأخبار الكثيرة الدالة على أن الله تعالى اتخذ إبراهيم ع عبدا قبل أن يتخذه نبيا و أن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا و أن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا و أن الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما. الرابع
ما رواه الكليني في الصحيح عن يزيد الكناسي قال سألت أبا جعفر ع أ كان عيسى ابن مريم حين تكلم في المهد حجة لله على أهل زمانه فقال كان يومئذ نبيا حجة لله غير مرسل أ ما تسمع لقوله حين قال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا قلت فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال و هو في المهد فقال كان عيسى في تلك الحال آية للناس و رحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها و كان نبيا حجة على من سمع كلامه في تلك الحال ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان و كان زكريا الحجة لله على الناس بعد صمت عيسى بسنتين ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب و الحكمة و هو صبي صغير أ ما تسمع لقوله عز و جل يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا فلما بلغ عيسى ع سبع سنين تكلم بالنبوة و الرسالة حين أوحى الله تعالى إليه فكان عيسى الحجة على يحيى و على الناس أجمعين إلى آخر الخبر
و قد ورد في أخبار كثيرة أن الله لم يعط نبيا فضيلة و لا كرامة و لا معجزة إلا و قد أعطاه نبينا ص فكيف جاز أن يكون عيسى ع في المهد نبيا و لم يكن نبينا ص إلى أربعين سنة نبيا و يؤيده ما مر في أخبار ولادته ص و ما ظهر منه في تلك الحال من إظهار النبوة و ما مر و سيأتي من أحوالهم و كمالهم في عالم الأظلة و عند الميثاق و أنهم كانوا يعبدون الله تعالى و يسبحونه في حجب النور قبل خلق آدم ع و أن الملائكة منهم تعلموا التسبيح و التهليل و التقديس إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في بدء أنوارهم
و يؤيده ما ورد في أخبار ولادة أمير المؤمنين ع أنه ع قرأ الكتب السماوية على النبي ص بعد ولادته
و ما سيأتي من أن القائم ع في حجر أبيه ع أجاب عن المسائل الغامضة و أخبر عن الأمور الغائبة و كذا سائر الأئمة ع كما سيأتي في أخبار ولادتهم ع و معجزاتهم فكيف يجوز عاقل أن يكون النبي ص في ذلك أدون منهم جميعا. الخامس أنه ص بعد ما بلغ حد التكليف لا بد من أن يكون إما نبيا عاملا بشريعته أو تابعا لغيره لما سيأتي من الأخبار المتواترة أن الله لا يخلي الزمان من حجة و لا يرفع التكليف عن أحد و قد كان في زمانه أوصياء عيسى ع و أوصياء إبراهيم ع فلو لم يكن أوحي إليه بشريعة و لم يعلم أنه نبي كيف جاز له أن لا يتابع أوصياء عيسى ع و لا يعمل بشريعتهم إن كان عيسى ع مبعوثا إلى الكافة و إن لم يكن مبعوثا إلى الكافة و كان شريعة إبراهيم ع باقيا في بني إسماعيل كما هو الظاهر فكان عليه أن يتبع أوصياء إبراهيم ع و يكونوا حجة عليه ص و هو باطل بوجهين أحدهما أنه يلزم أن يكونوا أفضل منه كما مر تقريره. و ثانيهما ما مر من نفي كونه محجوجا بأبي طالب و بأبي بل كانا مستودعين للوصايا. السادس أنه لا شك في أنه ص كان يعبد الله قبل بعثته بما لا يعلم إلا بالشرع كالطواف و الحج و غيرهما كما سيأتي أنه ص حج عشرين حجة مستسرا و قد ورد في أخبار كثيرة أنه ص كان يطوف و أنه كان يعبد الله في حراء و أنه كان يراعي الآداب المنقولة من التسمية و التحميد عند الأكل و غيره و كيف يجوز ذو مسكة من العقل على الله تعالى أن يهمل أفضل أنبيائه أربعين سنة بغير عبادة و المكابرة في ذلك سفسطة فلا يخلو إما أن يكون عاملا بشريعة مختصة به أوحى الله إليه و هو المطلوب أو عاملا بشريعة غيره و هو لا يخلو من وجوه. الأول أن يكون علم وجوب عمله بشريعة غيره و كيفية الشريعة من الوحي و هو المطلوب أيضا لأنه ص حينئذ يكون عاملا بشريعة نفسه موافقا لشريعة من تقدمه كما مر تقريره في كلام السيد رحمه الله. الثاني أن يكون علمهما جميعا من شريعة غيره و هو باطل كما عرفت بوجهين أحدهما أنه يلزم كون من يعمل بشريعته أفضل منه. و ثانيهما أنه معلوم أنه ص لم يراجع في شيء من الأمور إلى غيره و لم يخالط أهل الكتاب و كان هذا من معجزاته ص أنه أتى بالقصص مع أنه لم يخالط العلماء و لم يتعلم منهم كما مر في وجوه إعجاز القرآن و قد قال تعالى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ و المكابرة في هذا أيضا مما لا يأتي به عاقل.
الثالث أنه ص علم وجوب العمل بشريعة من قبله بالوحي و أخذ الشريعة من أربابها و هذا مع تضمنه للمطلوب كما عرفت إذ لا يلزم منه إلا أن يكون نبيا أوحي إليه أن يعمل بشريعة موافقة لشريعة من تقدمه باطل بما عرفت من العلم بعدم رجوعه ص إلى أرباب الشرائع قط في شيء من أموره و أما عكس ذلك فهو غير متصور إذ لا يجوز عاقل أن يوحي الله إلى عبده بكيفية شريعة لأن يعمل بها و لا يأمره بالعمل بها حتى يلزمه الرجوع في ذلك إلى غيره مع أنه يلزم أن يكون تابعا لغيره مفضولا و قد عرفت بطلانه ثم إن قول من ذهب إلى أنه ص كان عاملا بالشرائع المنسوخة كشريعة نوح و موسى ع فهو أشد فسادا لأنه بعد نسخ شرائعهم كيف جاز له ص العمل بها إلا بأن يعلم بالوحي أنه يلزمه العمل بها و مع ذلك لا يكون عاملا بتلك الشريعة بل بشريعة نفسه موافقا لشرائعهم كما عرفت و أما استدلالهم بقوله تعالى ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ فلا يدل إلا على أنه ص كان في حال لم يكن يعلم القرآن و بعض شرائع الإيمان و لعل ذلك كان في حال ولادته قبل تأييده بروح القدس كما دلت عليه رواية أبي حمزة و غيرها و هذا لا ينافي نبوته قبل الرسالة و العمل بشريعة نفسه قبل نزول الكتاب و بعد ما قررنا المطلوب في هذا الباب و ما ذكرنا من الدلائل لا يخفى عليك ضعف بعض ما نقلنا في ذلك عن بعض الأعاظم و لا نتعرض للقدح فيها بعد وضوح الحق و لو أردنا الاستقصاء في إيراد الدلائل و دفع الشبهة لطال الكلام و لخرجنا عن مقصودنا من الكتاب و الله الموفق للصواب