الآيات البقرة وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ تفسير فَادَّارَأْتُمْ أي اختصمتم في شأنها إذ المتخاصمان يدفع بعضهم بعضا أو تدافعتم بأن طرح قتلها كل عن نفسه إلى صاحبه و أصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال و اجتلبت لها همزة الوصل فَقُلْنا اضْرِبُوهُ الضمير للنفس و التذكير على تأويل الشخص أو القتيل بِبَعْضِها أي أي بعض كان و قيل ضرب بفخذ البقرة و قام حيا و قال قتلني فلان ثم عاد ميتا و قيل ضرب بذنبها و قيل بلسانها و قيل بعظم من عظامها و قيل بالبضعة التي بين الكتفين
1- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد الله ع قال إن رجلا من خيار بني إسرائيل و علمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له و خطبها ابن عم لذلك الرجل و كان فاسقا رديئا فلم ينعموا له فحسد ابن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ثم حمله إلى موسى ع فقال يا نبي الله هذا ابن عمي فقد قتل فقال موسى ع من قتله قال لا أدري و كان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم ذلك على موسى فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله و كان في بني إسرائيل رجل له بقرة و كان له ابن بار و كان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته و كان مفتاح بيته تحت رأس أبيه و كان نائما و كره ابنه أن ينبهه و ينغص عليه نومه فانصرف القوم فلم يشتروا سلعته فلما انتبه أبوه قال له يا بني ما ذا صنعت في سلعتك قال هي قائمة لم أبعها لأن المفتاح كان تحت رأسك فكرهت أن أنبهك و أنغص عليك نومك قال له أبوه قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك و شكر الله لابنه ما فعل بأبيه و أمر موسى بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها فلما اجتمعوا إلى موسى و بكوا و ضجوا قال لهم موسى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فتعجبوا و قالوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة فقال لهم موسى أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فعلموا أنهم قد أخطئوا فقالوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ و الفارض التي قد ضربها الفحل و لم تحمل و البكر التي لم يضربها الفحل فقالوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها أي شديدة الصفرة تَسُرُّ النَّاظِرِينَ إليها قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ أي لم تذلل وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ أي لا تسقي الزرع مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها أي لا نقطة فيها إلا الصفرة قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى ع فأخبروه فقال لهم موسى لا بد لكم من ذبحها بعينها فاشتروها بملء جلدها ذهبا فذبحوها ثم قالوا يا نبي الله ما تأمرنا فأوحى الله تبارك و تعالى إليه قل لهم اضربوه ببعضها و قولوا من قتلك فأخذوا الذنب فضربوه به و قالوا من قتلك يا فلان فقال فلان بن فلان ابن عمي الذي جاء به و هو قوله فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
بيان أنعم له أي قال له نعم و الغيلة بالكسر الاغتيال يقال قتله غيلة و هو أن يخدعه و يذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله و نغص كفرح لم يتم مراده و البعير لم يتم شربه و أنغص الله عليه العيش و نغصه عليه فتنغصت تكدرت قال البيضاوي قصته أنه كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه طمعا في ميراثه و طرحوه على باب المدينة ثم جاءوا يطالبون بدمه فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة و يضربوه ببعضها ليحيى فيخبر بقاتله لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ لا مسنة و لا فتية يقال فرضت البقرة فروضا من الفرض و هو القطع كأنها فرضت سنها و تركيب البكر للأولية و منه البكرة و الباكورة انتهى. أقول المعنى الذي ذكره علي بن إبراهيم للفارض لم أعثر عليه و يمكن أن يكون كناية عن غاية كبرها حيث لا تحمل و العوان الوسط بين الصغيرة و الكبيرة قوله فاقِعٌ لَوْنُها أي شديدة صفرة لونها و قيل خالص الصفرة و قيل حسن الصفرة.
و روى الكليني عن عدة من أصحابه عن أحمد بن أبي عبد الله عن بعض أصحابه بلغ به جابر الجعفي عن أبي جعفر ع قال من لبس نعلا صفراء لم يزل ينظر في سرور ما دامت عليه لأن الله عز و جل يقول صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
قوله بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ قال البيضاوي أي لم تذلل للكراب و سقي الحروث و لا ذلك صفة لبقرة بمعنى غير ذلول و لا الثانية مزيدة لتأكيد الأولى و الفعلان صفتا ذلول كأنه قيل لا ذلول مثيرة و ساقية مُسَلَّمَةٌ سلمها الله من العيوب أو أهلها من العمل أو أخلص لونها من سلم له كذا إذا خلص له لا شِيَةَ فِيها لا لون فيها يخالف لون جلدها و هي في الأصل مصدر وشاه وشيا و شية إذا خلط بلونه لونا آخر وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ لتطويلهم و كثرة مراجعتهم. و قال الطبرسي رحمه الله أي قرب أن لا يفعلوا ذلك مخافة اشتهار فضيحة القاتل و قيل كادوا أن لا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها فقد حكى عن ابن عباس أنهم اشتروها بملء جلدها ذهبا من مال المقتول و عن السدي بوزنها عشر مرات ذهبا و قال عكرمة و ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير انتهى. و قال البيضاوي و لعله تعالى إنما لم يحيه ابتداء و شرط فيه ما شرط لما فيه من التقرب و أداء الواجب و نفع اليتيم و التنبيه على بركة التوكل و الشفقة على الأولاد و أن من حق الطالب أن يقدم قربة و من حق المتقرب أن يتحرى الأحسن و يغالي بثمنه و أن المؤثر في الحقيقة هو الله تعالى و الأسباب أمارات لا أثر لها و أن من أراد أن يعرف أعدى عدوه الساعي في إماتته الموت الحقيقي فطريقه أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوة الشهوية حين زال عنها شره الصبا و لم يلحقها ضعف الكبر و كانت معجبة رائقة المنظر غير مذللة في طلب الدنيا مسلمة عن دنسها لا سمة بها من مقابحها بحيث يصل أثره إلى نفسه فيحيا حياة طيبة و يعرب عما به ينكشف الحال و يرتفع ما بين العقل و الوهم من التداري و النزاع.
2- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ أبي عن الكميداني و محمد العطار عن ابن عيسى عن البزنطي قال سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول إن رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له ثم أخذه فطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ثم جاء يطلب بدمه فقالوا لموسى ع إن سبط آل فلان قتلوا فلانا فأخبرنا من قتله قال ائتوني ببقرة قالوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ و لو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم و لكن شددوا فشدد الله عليهم قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ يعني لا كبيرة و لا صغيرة عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ و لو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم و لكن شددوا فشدد الله عليهم قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ و لو أنهم عمدوا إلى بقرة لأجزأتهم و لكن شددوا فشدد الله عليهم قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل فقال لا أبيعها إلا بملء مسكها ذهبا فجاءوا إلى موسى ع فقالوا له ذلك فقال اشتروها فاشتروها و جاءوا بها فأمر بذبحها ثم أمر أن يضرب الميت بذنبها فلما فعلوا ذلك حي المقتول و قال يا رسول الله إن ابن عمي قتلني دون من يدعي عليه قتلي فعملوا بذلك قاتله فقال لرسول الله موسى ع بعض أصحابه إن هذه البقرة لها نبأ فقال و ما هو قال إن فتى من بني إسرائيل كان بارا بأبيه و إنه اشترى بيعا فجاء إلى أبيه فرأى و الأقاليد تحت رأسه فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع فاستيقظ أبوه فأخبره فقال أحسنت خذ هذه البقرة فهي لك عوضا لما فاتك قال فقال له رسول الله موسى ع انظروا إلى البر ما بلغ بأهله
شي، ]تفسير العياشي[ عن البزنطي مثله بيان لا يخفى دلالة هذا الخبر و الأخبار الآتية على كون التكليف في الأول غير التكليف بعد السؤال و قد اختلف علماء الفريقين في ذلك قال الشيخ الطبرسي رحمه الله اختلف العلماء في هذه الآيات فمنهم من ذهب إلى أن التكليف فيها متغاير و لو أنهم ذبحوا أولا أي بقرة اتفقت لهم كانوا قد امتثلوا الأمر فلما لم يفعلوا كانت المصلحة أن شدد عليهم التكليف و لما راجعوا المرة الثانية تغيرت مصلحتهم إلى تكليف ثالث. ثم اختلف هؤلاء من وجه آخر فمنهم من قال في التكليف الأخير إنه يجب أن يكون مستوفيا لكل صفة تقدمت فعلى هذا القول يكون التكليف الثاني و الثالث ضم تكليف إلى تكليف زيادة في التشديد عليهم لما فيه من المصلحة و منهم من قال يجب أن يكون بالصفة الأخيرة فقط دون ما تقدم و على هذا القول يكون التكليف الثاني نسخا للأول و الثالث للثاني و قد يجوز نسخ الشيء قبل الفعل لأن المصلحة يجوز أن تتغير بعد فوات وقتها و إنما لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت الفعل لأن ذلك يؤدي إلى البداء. و ذهب آخرون إلى أن التكليف واحد و أن الأوصاف المتأخرة إنما هي للبقرة المتقدمة و إنما تأخر البيان و هو مذهب المرتضى قدس الله روحه و استدل بهذه الآية على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة قال إنه تعالى لما كلفهم ذبح بقرة قالوا لموسى ع ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ فلا يخلو قولهم ما هي من أن يكون كناية عن البقرة المتقدمة ذكرها أو عن التي أمروا بها ثانيا و الظاهر من قولهم ما هي يقتضي أن يكون السؤال عن صفة البقرة المأمور بذبحها لأنه لا علم لهم بتكليف ذبح بقرة أخرى ليستفهموا عنها و إذا صح ذلك فليس يخلو قوله إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ من أن يكون الهاء فيه كناية عن البقرة الأولى أو غيرها و ليس يجوز أن يكون كناية عن بقرة ثانية إذ الظاهر تعلقها بما تضمنه سؤالهم و لأنه لو لم يكن الأمر على ذلك لم يكن جوابا لهم و قول القائل في جواب من سأله ما كذا و كذا أنه بالصفة الفلانية صريح في أن الهاء كناية عما وقع السؤال عنه هذا مع قولهم إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا فإنهم لم يقولوا ذلك إلا و قد اعتقدوا أن خطابهم مجمل غير مبين و لو كان على ما ذهب إليه القوم فلم لم يقل لهم و أي تشابه عليكم و إنما أمرتم بذبح أي بقرة كانت و أما قوله وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ فالظاهر أن ذمهم مصروف إلى تقصيرهم أو تأخيرهم امتثال الأمر بعد البيان التام لا على ترك المبادرة في الأول إلى ذبح بقرة انتهى. أقول غاية ما أفاده رحمه الله هو أن الظاهر من الآيات ذلك و بعد تسليمه فقد يعدل عن الظاهر لورود النصوص المعتبرة و أما النسخ قبل الفعل فقد مر الكلام فيه في باب الذبيح ع و تفصيل القول في ذلك موكول إلى مظانه من الكتب الأصولية
3- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بإسناده إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن البزنطي عن أبان بن عثمان عن أبي حمزة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان في مدينة اثنا عشر سبطا أمة أبرار و كان فيهم شيخ له ابنة و له ابن أخ خطبها إليه فأبى أن يزوجها فزوجها من غيره فقعد له في الطريق إلى المسجد فقتله و طرحه على طريق أفضل سبط لهم ثم غدا يخاصمهم فيه فانتهوا إلى موسى ص فأخبروه فأمرهم أن يذبحوا بقرة قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً نسألك من قتل هذا تقول اذبحوا بقرة قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ و لو انطلقوا إلى بقرة لأجيزت و لكن شددوا فشدد الله عليهم قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ فرجعوا إلى موسى و قالوا لم نجد هذا النعت إلا عند غلام من بني إسرائيل و قد أبى أن يبيعها إلا بملء مسكها دنانير قال فاشتروها فابتاعوها فذبحت قال فأخذ جذوة من لحمها فضربه فجلس فقال موسى من قتلك فقال قتلني ابن أخي الذي يخاصم في قتلي قال فقتل فقالوا يا رسول الله إن لهذه البقرة لنبأ فقال ص و ما هو قالوا إنها كانت لشيخ من بني إسرائيل و له ابن بار به فاشترى الابن بيعا فجاء لينقدهم الثمن فوجد أباه نائما فكره أن يوقظه و المفتاح تحت رأسه فأخذ القوم متاعهم فانطلقوا فلما استيقظ قال له يا أبت إني اشتريت بيعا كان لي فيه من الفضل كذا و كذا و إني جئت لأنقدهم الثمن فوجدتك نائما و إذا المفتاح تحت رأسك فكرهت أن أوقظك و إن القوم أخذوا متاعهم و رجعوا فقال الشيخ أحسنت يا بني فهذه البقرة لك بما صنعت و كانت بقية كانت لهم فقال رسول الله ع انظروا ما ذا صنع به البر
-4 ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن الحجال عن مقاتل بن مقاتل عن أبي الحسن ع قال إن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة و كان يجزيهم ما ذبحوا و ما تيسر من البقر فعنتوا و شددوا فشدد عليهم
5- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بهذا الإسناد عن ابن عيسى عن علي بن سيف عن محمد بن عبيدة عن الرضا ع قال إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم قال لهم موسى ع اذبحوا بقرة قالوا ما لونها فلم يزالوا شددوا حتى ذبحوا بقرة بملء جلدها ذهبا
6- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن محجوب عن علي بن يقطين قال سمعت أبا الحسن ع يقول إن الله أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة و إنما كانوا يحتاجون إلى ذنبها فشدد الله عليهم
7- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إلى قوله لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ قال الإمام ع قال الله عز و جل ليهود المدينة و اذكروا إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا بإذن الله تعالى و يخبركم بقاتله و ذلك حين ألقي القتيل بين أظهرهم فألزم موسى ع أهل القبيلة بأمر الله أن يحلف خمسون من أماثلهم بالله القوي الشديد إله بني إسرائيل مفضل محمد و آله الطيبين على البرايا أجمعين ما قتلناه و لا علمنا له قاتلا فإن حلفوا بذلك غرموا دية المقتول و إن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر القاتل فيقاد منه فإن لم يفعلوا حبسوا في مجلس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقروا أو يشهدوا على القاتل فقالوا يا نبي الله أ ما وقت أيماننا أموالنا و لا أموالنا أيماننا قال لا هكذا حكم الله و كان السبب أن امرأة حسناء ذات جمال و خلق كامل و فضل بارع و نسب شريف و ستر ثخين كثر خطابها و كان لها بنو أعمام ثلاثة فرضيت بأفضلهم علما و أثخنهم سترا و أرادت التزويج به فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له و غبطاه عليها لإيثارها إياه فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى دعوتهما ثم قتلاه و حملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل فألقياه بين أظهرهم ليلا فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك فعرف حاله فجاء ابنا عمه القاتلان له فمزقا على أنفسهما و حثيا التراب على رءوسهما و استعديا عليهم فأحضرهم موسى ع و سألهم فأنكروا أن يكونوا قتلوه أو علموا قاتله قال فحكم الله عز و جل على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه فقالوا يا موسى أي نفع في أيماننا لنا إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة أم أي نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرأ عنا الأيمان فقال موسى ع كل النفع في طاعة الله تعالى و الايتمار لأمره و الانتهاء عما نهى عنه فقالوا يا نبي الله غرم ثقيل و لا جناية لنا و أيمان غليظة و لا حق في رقابنا لو أن الله عز و جل عرفنا قاتله بعينه و كفانا مئونته فادع لنا ربك أن يبين لنا هذا القاتل لينزل به ما يستحقه من العقاب و ينكشف أمره لذوي الألباب فقال موسى ع إن الله عز و جل قد بين ما أحكم به في هذا فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم و لا أعترض عليه فيما أمر أ لا ترون أنه لما حرم العمل في السبت و حرم لحم الجمل لم يكن لنا أن نقترح عليه أن يغير ما حكم به علينا من ذلك بل علينا أن نسلم له حكمه و نلتزم ما ألزمناه و هم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم فأوحى
الله عز و جل إليه يا موسى أجبهم إلى ما اقترحوا و سلني أن أبين لهم القاتل ليقتل و يسلم غيره من التهمة و الغرامة فإني إنما أريد بإجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار أمتك دينه الصلاة على محمد و آله الطيبين و التفضيل لمحمد و علي بعده على سائر البرايا أغنيه في هذه الدنيا في هذه القضية ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد و آله فقال موسى يا رب بين لنا قاتله فأوحى الله تعالى إليه قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوا ببعضها المقتول فيحيا فتسلمون لرب العالمين ذلك و إلا فكفوا عن المسألة و التزموا ظاهر حكمي فذلك ما حكى الله عز و جل وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أي سيأمركم أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إن أردتم الوقوف على القاتل و تضربوا المقتول ببعضها ليحيا و يخبر بالقاتل ف قالُوا يا موسى أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً و سخرية تزعم أن الله يأمر أن نذبح بقرة و نأخذ قطعة من ميت و نضرب بها ميتا فيحيا أحد الميتين بملاقاة بعض الميت الآخر له كيف يكون هذا قالَ موسى أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ أنسب إلى الله عز و جل ما لم يقل لي و أن أكون من الجاهلين أعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت دافعا لقول الله تعالى و أمره ثم قال موسى ع أ و ليس ماء الرجل نطفة ميت و ماء المرأة ميت يلتقيان فيحدث الله من التقاء الميتين بشرا حيا سويا أ و ليس بذوركم التي تزرعونها في أرضكم تتفسخ في أرضيكم و تعفن و هي ميتة ثم يخرج الله منها هذه السنابل الحسنة البهجة و هذه الأشجار الباسقة المؤنقة فلما بهرهم موسى ع قالوا له يا موسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ أي ما صفتها لنقف عليها فسأل موسى ربه عز و جل فقال إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ كبيرة وَ لا بِكْرٌ صغيرة عَوانٌ وسط بَيْنَ ذلِكَ بين الفارض و البكر فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ إذا أمرتم به قالُوا يا موسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها قالَ موسى عن الله تعالى بعد السؤال و الجواب إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ حسنة لون الصفرة ليس بناقص تضرب إلى بياض و لا بمشبع تضرب إلى السواد لَوْنُها هكذا فاقع تَسُرُّ البقرة النَّاظِرِينَ إليها لبهجتها و حسنها و بريقها قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ صفتها قالَ عن الله تعالى إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ لم تذلل لإثارة الأرض و لم ترض بها و لا تسقي الأرض ] وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ[ و لا هي ممن تجر الدوالي و لا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع مُسَلَّمَةٌ من العيوب كلها لا عيب فيها لا شِيَةَ فِيها لا لون فيها من غيرها فلما سمعوا هذه الصفات قالوا يا موسى أ فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها قال بلى و لم يقل موسى في الابتداء بذلك لأنه لو قال إن الله يأمركم لكانوا إذا قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي و ما لونها و ما هي كان لا يحتاج أن يسأله ذلك عز و جل و لكن كان يجيبهم هو بأن يقول أمركم ببقرة فأي شيء وقع عليه اسم البقر فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها قال فلما استقر الأمر عليهم طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله في منامه محمدا و عليا و طيبي ذريتهما فقالا له أما إنك كنت لنا محبا مفضلا و نحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر أمك فإن الله عز و جل يلقنها ما يغنيك به و عقبك ففرح الغلام و جاءه القوم يطلبون بقرته فقالوا بكم تبيع بقرتك قال بدينارين و الخيار
لأمي قالوا قد رضينا بدينار فسألها فقالت بل بأربعة فأخبرهم فقالوا نعطيك دينارين فأخبر أمه فقالت بمائة فما زالوا يطلبون على النصف مما تقول أمه و يرجع إلى أمه فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها ملء مسك ثور أكبر ما يكون ملئوه دنانير فأوجب لهم البيع ثم ذبحوها فأخذوا قطعة و هي عجب الذنب الذي منه خلق ابن آدم و عليه يركب إذا أعيد خلقا جديدا فضربوه بها و قالوا اللهم بجاه محمد و آله الطيبين الطاهرين لما أحييت هذا الميت و أنطقته ليخبر عن قاتله فقام سالما سويا و قال يا نبي الله قتلني هذان ابنا عمي حسداني على ابنة عمي فقتلاني و ألقياني في محلة هؤلاء ليأخذوا ديتي فأخذ موسى الرجلين فقتلهما و كان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي فقالوا يا نبي الله أين ما وعدتنا عن الله قال موسى قد صدقت و ذلك إلى الله عز و جل فأوحى الله تعالى إليه يا موسى إني لا أخلف وعدي و لكن ليقدموا للفتى من ثمن بقرته فيملئوا مسكها دنانير ثم أحيي هذا فجمعوا أموالهم و وسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار فقال بعض بني إسرائيل لموسى ع و ذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة لا ندري أيهما أعجب إحياء الله هذا و إنطاقه بما نطق أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم فأوحى الله إليه يا موسى قل لبني إسرائيل من أحب منكم أن أطيب في الدنيا عيشه و أعظم في جناني محله و أجعل بمحمد و آله الطيبين فيها منادمته ليفعل كما فعل هذا الفتى إنه كان قد سمع من موسى بن عمران ذكر محمد و علي و آلهما الطيبين و كان عليهم مصليا و لهم على جميع الخلائق من الجن و الإنس و الملائكة مفضلا فلذلك صرفت إليه المال العظيم ليتنعم بالطيبات و يتكرم بالهبات و الصلات و يتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات و يكبت بنفقاته ذوي العداوات قال الفتى يا نبي الله كيف أحفظ هذه الأموال أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها و حسد من يحسدني لأجلها قال قل عليها من الصلاة على محمد و آله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها فإن الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا بهذا القول مع صحة الاعتقاد فقالها الفتى فما رامها حاسد له ليفسدها أو لص ليسرقها أو غاصب ليغصبها إلا دفعه الله عز و جل عنها بلطيفة من لطائفه حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه كف اضطرار قال ع فلما قال موسى للفتى ذلك و صار الله عز و جل له بمقالته حافظا قال هذا المنشور اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد و آله الطيبين و التوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي و تخزي عني أعدائي و حسادي و ترزقني فيها خيرا كثيرا طيبا فأوحى الله إليه يا موسى أن لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستين سنة و قد وهبت له لمسألته و توسله بمحمد و آله الطيبين سبعين سنة تمام مائة و ثلاثين سنة صحيحة حواسه ثابت فيها جنانه قوية فيها شهواته يتمتع بحلال هذه الدنيا و يعيش و لا يفارقها و لا تفارقه فإذا حان حينه حان حينها و ماتا جميعا معا فصارا إلى جناني فكانا زوجين فيها ناعمين و لو سألني يا موسى هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد و أقنعه بما رزقته و ذلك هو الملك العظيم لفعلت و لو سألني بذلك مع التوبة أن لا أفضحه لما فضحته و لصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل و لأغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا
المال و لو سألني بعد ما افتضح و تاب إلي و توسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن أنسي الناس فعله بعد ما ألطف لأوليائه فيعفون عن القصاص لفعلت و كان لا يعيره بفعله أحد و لا يذكره فيهم ذاكر و لكن ذلك فضل أوتيه من أشاء و أنا ذو الفضل العظيم و أعدل بالمنع على من أشاء و أنا العزيز الحكيم فلما ذبحوها قال الله تعالى فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ و أرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة و لكن اللجاج حملهم على ذلك و اتهامهم لموسى ع حداهم قال فضجوا إلى موسى ع و قالوا افتقرت القبيلة و دفعت إلى التكفف و انسلخنا بلجاجنا عن قليلنا و كثيرنا فادع الله لنا بسعة الرزق فقال لهم موسى ع ويحكم ما أعمى قلوبكم أ ما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة و ما أورثه الله تعالى من الغنى أ و ما سمعتم دعاء الفتى المقتول المنشور و ما أثمر له من العمر الطويل و السعادة و التنعم بحواسه و سائر بدنه و عقله لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهم و تتوسلون إلى الله بمثل وسيلتهما ليسد فاقتكم و يجبر كسركم و يسد خلتكم فقالوا اللهم إليك التجأنا و على فضلك اعتمدنا فأزل فقرنا و سد خلتنا بجاه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم فأوحى الله إليه يا موسى قل لهم ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان و يكشفوا في موضع كذا لموضع عينه وجه أرضها قليلا و يستخرجوا ما هناك فإنه عشرة آلاف ألف دينار ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود أحوالهم ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل و هو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة ليتضاعف أموالهم جزاء على توسلهم بمحمد و آله الطيبين و اعتقادهم لتفضيلهم فذلك ما قال الله عز و جل وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها اختلفتم فيها و تدارأتمألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض و درأه عن نفسه و ذويه وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ مظهر ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ما كان من خبر القاتل و ما كنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسى باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيبه إليه فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ببعض البقرة كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى في الدنيا و الآخرة كما أحيا الميت بملاقاة ميت آخر له أما في الدنيا فيتلاقى ماء الرجل ماء المرأة فيحيي الله الذي كان في الأصلاب و الأرحام حيا و أما في الآخرة فإن الله تعالى ينزل بين نفختي الصور بعد ما ينفخ النفخة الأولى من دوين السماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله فيه وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ و هي من مني كمني الرجل فيمطر ذلك على الأرض فيلقى الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من الأرض و يحيون ثم قال الله عز و جل وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده و نبوة موسى ع نبيه و فضل محمد على الخلائق سيد عبيده و إمائه و تبيينه فضله و فضل آله الطيبين على سائر خلق الله أجمعين لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ تعتبرون و تتفكرون أن الذي فعل هذه العجائب لا يأمر الخلق إلا بالحكمة و لا يختار محمدا و آله إلا لأنهم أفضل ذوي الألباب
بيان أما وقت أيماننا أموالنا استبعاد منهم للحكم عليهم بالدية بعد حلفهم أي أ ليس أيماننا وقاية لأموالنا و بالعكس حتى جمعت بينهما و الباسقة الطويلة و راض الدابة ذللها و النواعير جمع الناعورة و هي الدولاب و الدلو يستقى بها و نادمة منادمة و نداما جالسة على الشراب قوله ع و لم يقل موسى حاصله أنه ع حمل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ على حقيقة الاستقبال و لذا فسره بقوله سيأمركم فوعدهم أولا بالأمر ثم بعد سؤالهم و تعيين البقرة أمرهم و لو قال موسى أولا بصيغة الماضي أمركم أن تذبحوا لتعلق الأمر بالحقيقة و كان يكفي أي بقرة كانت و هذا وجه ثالث غير ما ذهب إليه الفريقان في تأويل الآية لكن بقول السيد و أصحابه أنسب و جمعه مع الأخبار السابقة لا يخلو من إشكال و يمكن أن تحمل الأخبار السابقة على أنه تعالى لما علم أنه إن أمرهم ببقرة مطلقة لم يكتفوا بذلك فلذا لم يأمرهم بها أولا أو على أنه بعد الوعد بالأمر لو لم يسألوا عن خصوص البقرة لأمرهم ببقرة مطلقة فلما بادروا بالسؤال شدد عليهم و هما بعيدان و ارتكاب مثلهما فيها لهذا الخبر مع كونها أقوى و أكثر مشكل و الله يعلم حقيقة الأمر. و قال الثعلبي قال المفسرون وجد قتيل في بني إسرائيل اسمه عاميل و لم يدروا قاتله و اختلفوا في قاتله و سبب قتله فقال عطاء و السدي كان في بني إسرائيل رجل كثير المال و له ابن عم مسكين لا وارث له غيره فلما طال عليه حياته قتله ليرثه و قال بعضهم كان تحت عاميل بنت عم له كانت مثلا في بني إسرائيل بالحسن و الجمال فقتله ابن عمه لينكحها فلما قتله حمله من قريته إلى قرية أخرى فألقاه هناك و قال عكرمة كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا لكل سبط منهم باب فوجد قتيل على باب سبط قتل و جر إلى باب سبط آخر فاختصم فيه السبطان و قال ابن سيرين قتله القاتل ثم احتمله فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يطلب بدمه و قيل ألقاه بين قريتين فاختصم فيه أهلهما فاشتبه أمر القتيل على موسى و كان ذلك قبل نزول القسامة فأمرهم الله بذبح البقرة فشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم و إنما كان تشديدهم تقديرا من الله به و حكمة. و كان السبب فيه على ما ذكره السدي و غيره أن رجلا من بني إسرائيل كان بارا بأبيه و بلغ من بره أن رجلا أتاه بلؤلؤة فابتاعها بخمسين ألفا و كان فيها فضل و ربح فقال للبائع إن أبي نائم و مفتاح الصندوق تحت رأسه فأمهلني حتى يستيقظ فأعطيك الثمن قال فأيقظ أباك و أعطني المال قال ما كنت لأفعل و لكن أزيدك عشرة آلاف فأنظرني حتى ينتبه أبي فقال الرجل فأنا أحط عنك عشرة آلاف إن أيقظت أباك و عجلت النقد فقال و أنا أزيدك عشرين ألفا إن انتظرت انتباهة أبي ففعل و لم
يوقظ أباه فلما استيقظ أبوه أخبره بذلك فدعا له و جزاه خيرا و قال هذه البقرة لك بما صنعت فقال رسول الله انظروا ما ذا صنع به البر. و قال ابن عباس و وهب و غيرهما من أهل الكتب كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل و كان له عجل فأتى بالعجل إلى غيضة و قال اللهم إني استودعتك هذه العجلة لابني حتى يكبر و مات الرجل فشبت العجلة في الغيضة و صارت عوانا و كانت تهرب من كل من رامها فلما كبر الصبي كان بارا بوالدته و كان يقسم الليلة ثلاثة أثلاث يصلي ثلثا و ينام ثلثا و يجلس عند رأس أمه ثلثا فإذا أصبح انطلق و احتطب على ظهر و يأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه و يأكل ثلثه و يعطي والدته ثلثا فقالت له أمه يوما إن أباك ورثك عجلة و ذهب بها إلى غيضة كذا و استودعها فانطلق إليها و ادع إله إبراهيم و إسماعيل و إسحاق أن يردها عليك و إن من علامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها و كانت تسمى المذهبة لحسنها و صفوتها و صفاء لونها فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها و قال أعزم عليك بإله إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها و قادها فتكلمت البقرة بإذن الله و قالت أيها الفتى البار بوالدته اركبني فإن ذلك أهون عليك فقال الفتى إن أمي لم تأمرني بذلك و لكن قالت خذ بعنقها قالت البقرة بإله بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر علي أبدا فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله و ينطلق معك لفعل لبرك بوالدتك فصار الفتى بها فاستقبله عدو الله إبليس في صورة راع فقال أيها الفتى إني رجل من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت زادي و متاعي حتى إذا بلغت شطر الطريق ذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل و ما قدرت عليه و إني أخشى على نفسي الهلكة فإن رأيت أن تحملني على بقرتك و تنجيني من الموت و أعطيك أجرها بقرتين مثل بقرتك فلم يفعل الفتى و قال اذهب فتوكل على الله و لو علم الله تعالى منك اليقين لبلغك بلا زاد و لا راحلة فقال إبليس إن شئت فبعنيها بحكمك و إن شئت فاحملني عليها و أعطيك عشرة مثلها فقال الفتى إن أمي لم تأمرني بهذا فبين الفتى كذلك إذ طار طائر من بين يدي البقرة و نفرت البقرة هاربة في الفلاة و غاب الراعي فدعاها الفتى باسم إله إبراهيم فرجعت البقرة إليه فقالت أيها الفتى البار بوالدته أ لم تر إلى الطائر الذي طار فإنه إبليس عدو الله اختلسني أما إنه لو ركبني لما قدرت علي أبدا فلما دعوت إله إبراهيم جاء ملك فانتزعني من يد إبليس و ردني إليك لبرك بأمك و طاعتك لها فجاء بها الفتى إلى أمه فقالت له إنك فقير لا مال لك و يشق عليك الاحتطاب بالنهار و القيام بالليل فانطلق فبع هذه البقرة و خذ ثمنها قال لأمه بكم أبيعها قالت بثلاثة دنانير و لا تبعها بغير رضاي و مشورتي و كان ثمن البقرة في ذلك الوقت ثلاثة دنانير فانطلق بها الفتى إلى السوق فعقبه الله سبحانه ملكا ليري خلقه قدرته و ليختبر الفتى كيف بره بوالدته و كان الله به خبيرا فقال له الملك بكم تبيع هذه البقرة قال بثلاثة دنانير و أشترط عليك رضا أمي فقال له الملك ستة دنانير و لا تستأمر أمك فقال الفتى لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضا أمي فردها إلى أمه و أخبرها بالثمن فقالت ارجع فبعها بستة دنانير على رضا مني فانطلق الفتى بالبقرة إلى السوق فأتى الملك فقال استأمرت والدتك فقال الفتى نعم إنها أمرتني أن لا أنقصها من ستة دنانير على أن أستأمرها قال الملك فإني أعطيك اثني عشر على أن لا تستأمرها فأبى الفتى و رجع إلى أمه و أخبرها بذلك فقالت إن ذاك الرجل الذي يأتيك هو ملك من الملائكة يأتيك في صورة آدمي ليجربك فإذا أتاك فقل له أ تأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا ففعل ذلك فقال له الملك اذهب إلى أمك و قل لها أمسكي هذه البقرة فإن موسى يشتريها منكم لقتيل يقتل في بني إسرائيل فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير فأمسكا البقرة و قدر الله تعالى على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها مكافاة على بره بوالدته
فضلا منه و رحمة فطلبوها فوجدوها عند الفتى فاشتروها بملء مسكها ذهبا و قال السدي اشتروها بوزنها عشر مرات ذهبا. و اختلفوا في البعض المضروب به فقال ابن عباس ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف و هو المقتل و قال الضحاك بلسانها و قال الحسين بن الفضل هذا أولى الأقاويل لأن المراد كان من إحياء القتيل كلامه و اللسان آلته و قال سعيد بن جبير بعجب ذنبها و قال يمان بن رئاب و هو أولى التأويلات بالصواب العصعص أساس البدن الذي ركب عليه الخلق و إنه أول ما يخلق و آخر ما يبلى و قال مجاهد بذنبها و قال عكرمة و الكلبي بفخذها الأيمن و قال السدي بالبضعة التي بين كتفيها و قيل بأذنها ففعلوا ذلك فقام القتيل حيا بإذن الله تعالى و أوداجه تشخب دما و قال قتلني فلان ثم سقط و مات مكانه. أقول و قال السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب سعد السعود وجدت في تفسير منسوب إلى أبي جعفر الباقر ع و أما قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فذلك أن رجلين من بني إسرائيل و هما أخوان و كان لهما ابن عم أخ أبيهما و كان غنيا مكثرا و كانت لهما ابنة عم حسناء شابة كانت مثلا في بني إسرائيل بحسنها و جمالها خافا أن ينكحها ابن عمها ذلك الغني فعمدا فقتلاه فاحتملاه فألقياه إلى جنب قرية ليبرءوا منه و أصبح القتيل بين ظهرانيهم فلما غم عليهم شأنه و من قتله قال أصحاب القرية الذين وجد عندهم يا موسى ادع الله لنا أن يطلع على قاتل هذا الرجل ففعل موسى ثم ذكر ما ذكره الله جل جلاله في كتابه و قال ما معناه أنهم شددوا فشدد الله عليهم و لو ذبحوا في الأول أي بقرة كانت كافية فوجدوا البقرة لامرأة فلم تبعها لهم إلا بملء جلدها ذهبا و ضربوا المقتول ببعضها فعاش فأخبرهم بقاتله فأخذا فقتلا فأهلكا في الدنيا و هكذا يقتلهما ربنا في الآخرة