الآيات الصافات وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ تفسير قال الطبرسي رحمه الله فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أي شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم و المعنى بلغ إلى أن يتصرف و يمشي معه و يعينه على أموره قالوا و كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة. و قيل يعني بالسعي العمل لله و العبادة إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أي أبصرت في المنام رؤيا تأويلها الأمر بذبحك فانظر ما ذا تراه من الرأي و الأولى أن يكون الله تعالى قد أوحى إليه في اليقظة بأن يمضي ما يأمره به في حال نومه من حيث إن منامات الأنبياء لا تكون إلا صحيحة فَلَمَّا أَسْلَما أي استسلما لأمر الله و رضيا به وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي أضجعه على جبينه و قيل وضع جبينه على الأرض لئلا يرى وجهه فتلحقه رقة الآباء و روي أنه قال اذبحني و أنا ساجد لا تنظر إلى وجهي فعسى أن ترحمني قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا أي فعلت ما أمرت به في الرؤيا إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ أي الامتحان الظاهر و الاختبار الشديد أو النعمة الظاهرة وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الذبح هو المذبوح فقيل كان كبشا من الغنم قال ابن عباس هو الكبش الذي تقبل من هابيل حين قربه. و قيل فدي بوعل أهبط عليه من ثبير و سمي عظيما لأنه كان مقبولا أو لأن قدر غيره من الكباش يصغر بالإضافة إليه و قيل لأنه رعى في الجنة أربعين خريفا و قيل لأنه كان من عند الله كونه و لم يكن عن نسل و قيل لأنه فداء عبد عظيم وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ من قال إن الذبيح إسحاق قال يعني بشرناه بنبوة إسحاق بصبره وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ أي و جعلنا فيما أعطيناهما من الخير البركة و النماء و الثبات و يجوز أن يكون أراد كثرة ولدهما و بقاءهم قرنا بعد قرن إلى أن تقوم الساعة وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما أي و من أولاد إبراهيم و إسحاق مُحْسِنٌ بالإيمان و الطاعة وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر و المعاصي مُبِينٌ بين الظلم
1- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ل، ]الخصال[ القطان عن أحمد الهمداني عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن معنى قول النبي ص أنا ابن الذبيحين قال يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل و عبد الله بن عبد المطلب أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ و لم يقل له يا أبت افعل ما رأيت سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد و يشرب في سواد و ينظر في سواد و يمشي في سواد و يبول و يبعر في سواد و كان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما و ما خرج من رحم أنثى و إنما قال الله جل و عز له كن فكان ليفتدي به إسماعيل فكلما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين
أقول ثم ساق الخبر و ذكر قصة عبد الله و سيجيء الخبر بتمامه. ثم قال الصدوق رحمه الله قد اختلفت الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل و منها ما ورد بأنه إسحاق و لا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها و كان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله و يسلم له كصبر أخيه و تسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز و جل ذلك من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك. و حدثنا بذلك محمد بن علي بن بشار عن المظفر بن أحمد القزويني عن محمد بن جعفر الكوفي الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن عبد الله بن داهر عن أبي قتادة الحراني عن وكيع بن الجراح عن سليمان بن مهران عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ع. و قول النبي ص أنا ابن الذبيحين يؤيد ذلك لأن العم قد سماه الله عز و جل أبا في قوله أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ و كان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذا الموضع أبا
و قد قال النبي ص العم والد
فعلى هذا الأصل أيضا يطرد قول النبي ص أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة و الآخر ذبيح بالمجاز و استحقاق الثواب على النية و التمني فالنبي ص هو ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه. و للذبح العظيم وجه آخر
حدثنا ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن الفضل قال سمعت الرضا ع يقول لما أمر الله عز و جل إبراهيم أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده و أنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز و جل إليه يا إبراهيم من أحب خلقي إليك فقال يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد فأوحى الله إليه أ فهو أحب إليك أم نفسك قال بل هو أحب إلي من نفسي قال فولده أحب إليك أم ولدك قال بل ولده قال فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي قال يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوانا كما يذبح الكبش و يستوجبون بذلك سخطي فجزع إبراهيم لذلك و توجع قلبه و أقبل يبكي فأوحى الله عز و جل يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين و قتله و أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب و ذلك قول الله عز و جل وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
أقول قد روي هذا الخبر في ن ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ أيضا
2- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن فضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع أن إبراهيم أتاه جبرئيل ع عند زوال الشمس من يوم التروية فقال يا إبراهيم ارتو من الماء لك و لأهلك و لم يكن بين مكة و عرفات ماء فسميت التروية لذلك فذهب به حتى انتهى به إلى منى فصلى به الظهر و العصر و العشاءين و الفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج إلى عرفات فنزل بنمرة و هي بطن عرنة فلما زالت الشمس خرج و قد اغتسل فصلى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين و صلى في موضع المسجد الذي بعرفات و قد كانت ثم أحجار بيض فأدخلت في المسجد الذي بني ثم مضى به إلى الموقف فقال يا إبراهيم اعترف بذنبك و اعرف مناسكك و لذلك سميت عرفة و أقام به حتى غربت الشمس ثم أفاض به فقال يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام فسميت المزدلفة و أتى به المشعر الحرام فصلى به المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين ثم بات بها حتى إذا صلى بها صلاة الصبح أراه الموقف ثم أفاض به إلى منى فأمره فرمى جمرة العقبة و عندها ظهر له إبليس ثم أمره بالذبح و إن إبراهيم ع حين أفاض من عرفات بات على المشعر الحرام و هو قزح فرأى في النوم أن يذبح ابنه و قد كان حج بوالدته فلما انتهى إلى منى رمى الجمرة هو و أهله و أمر سارة أن زوري البيت و احتبس الغلام فانطلق به إلى موضع الجمرة الوسطى فاستشار ابنه و قال كما حكى الله يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى فقال الغلام كما ذكر الله امض لما أمرك الله به يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ و سلما لأمر الله و أقبل شيخ فقال يا إبراهيم ما تريد من هذا الغلام قال أريد أن أذبحه فقال سبحان الله تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين فقال إبراهيم إن الله أمرني بذلك فقال ربك ينهاك عن ذلك و إنما أمرك بهذا الشيطان فقال له إبراهيم ويلك إن الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به و الكلام الذي وقع في أذني فقال لا و الله ما أمرك بهذا إلا الشيطان فقال إبراهيم لا و الله لا أكلمك ثم عزم على الذبح فقال يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك و إنك إن ذبحته ذبح الناس أولادهم فلم يكلمه و أقبل على الغلام و استشاره في الذبح فلما أسلما جميعا لأمر الله قال الغلام يا أبتاه خمر وجهي و شد وثاقي فقال إبراهيم يا بني الوثاق مع الذبح لا و الله لا أجمعهما عليك اليوم فرمى له بقرطان الحمار ثم أضجعه عليه و أخذ المدية فوضعها على حلقه و رفع رأسه إلى السماء ثم انتحى عليه المدية و قلب جبرئيل المدية على قفاها و اجتر الكبش من قبل ثبير و أثار الغلام من تحته و وضع الكبش مكان الغلام و نودي من ميسرة مسجد الخيف أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ قال و لحق إبليس بأم الغلام حين نظرت إلى الكعبة في وسط الوادي بحذاء البيت فقال لها ما شيخ رأيته قالت ذاك بعلي قال فوصيف رأيته معه قالت ذاك ابني قال فإني رأيته و قد أضجعه و أخذ المدية ليذبحه فقالت كذبت إن إبراهيم أرحم الناس كيف يذبح ابنه قال فو رب السماء و الأرض و رب هذا البيت لقد رأيته أضجعه و أخذ المدية فقالت و لم قال زعم أن ربه أمره بذلك قالت فحق له أن يطيع ربه فوقع في نفسها أنه قد أمر في ابنها بأمر فلما قضت نسكها أسرعت في الوادي راجعة إلى منى و هي واضعة يدها على رأسها تقول يا رب لا تؤاخذني بما عملت بأم إسماعيل قلت فأين أراد أن يذبحه قال عند الجمرة الوسطى قال و نزل الكبش على الجبل الذي عن يمين مسجد منى نزل من السماء و كان يأكل في سواد و يمشي في سواد أقرن قلت ما كان لونه قال كان أملح أغبر
3- قال و حدثني أبي عن صفوان بن يحيى و حماد عن عبد الله بن المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال سألناه عن صاحب الذبح فقال إسماعيل ع و روي عن رسول الله ص أنه قال أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل و عبد الله بن عبد المطلب
فهذان الخبران عن الخاص في الذبيح قد اختلفا في إسحاق و إسماعيل و قد روت العامة خبرين مختلفين في إسماعيل و إسحاق. بيان قوله ع و الكلام الذي وقع في أذني لعله معطوف على الموصول المتقدم أي الكلام الذي وقع في أذني أمرني بهذا فيكون كالتفسير لقوله الذي بلغني هذا المبلغ أو المراد بالأول الرب تعالى و بالثاني وحيه و يحتمل أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف أي و هو الكلام الذي وقع في أذني و في الكافي ويلك الكلام الذي سمعت هو الذي بلغ بي ما ترى. و على التقادير المراد أن هذا الوحي هو الذي جعلني نبيا و لا أشك فيه و القرطان البرزعة و هي الحلس الذي يلقى تحت الرحل و قال الجوهري أنحيت على حلقه السكين أي عرضت له و قال الفيروزآبادي انتحى جد و في الشيء اعتمد و الوصيف كأمير الخادم و الخادمة و إنما عبر الملعون هكذا تجاهلا عن أنه ابنه ليكون أبعد عن التهمة و الملحة بياض يخالطه سواد و الأعين عظيم العين و في بعض النسخ أغبر و لعله أظهر
4- كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و الحسين بن محمد عن عبدويه بن عامر جميعا عن البزنطي عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع مثل ما مر في خبر معاوية و فيه ثم انتحى عليه فقلبها جبرئيل عن حلقه فنظر إبراهيم فإذا هي مقلوبة فقلبها إبراهيم على حدها و قلبها جبرئيل على قفاها ففعل ذلك مرارا ثم نودي من ميسرة مسجد الخيف يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا و اجتر الغلام من تحته و في آخره قال فلما جاءت سارة فأخبرت الخبر قامت إلى ابنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشا في حلقه ففزعت و اشتكت و كان بدو مرضها الذي هلكت فذكر أبان عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال أراد أن يذبحه في الموضع الذي حملت أم رسول الله عند الجمرة الوسطى فلم يزل مضربهم يتوارثونه كابرا عن كابر حتى كان آخر من ارتحل منه علي بن الحسين ع في شيء كان بين بني هاشم و بين بني أمية فارتحل فضرب بالعرين
5- فس، ]تفسير القمي[ الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد الله عن آبائه صلوات الله و سلامه عليهم قال سأل ملك الروم الحسن بن علي ع عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم فقال ع أول هذا آدم ثم حواء ثم كبش إبراهيم ثم ناقة الله ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن
6- ل، ]الخصال[ ماجيلويه عن علي بن إبراهيم عن اليشكري عن محمد بن زياد الأزدي عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن سفيان بن أبي ليلى عن الحسن ع مثله
7- ب، ]قرب الإسناد[ محمد بن عبد الحميد عن الحسن بن علي بن فضال قال سأل الحسين بن أسباط أبا الحسن الرضا ع و أنا أسمع عن الذبيح إسماعيل أو إسحاق فقال إسماعيل أ ما سمعت قول الله تبارك و تعالى وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ
8- ل، ]الخصال[ ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن ستة لم يركضوا في رحم فقال آدم و حواء و كبش إبراهيم و عصا موسى و ناقة صالح و الخفاش الذي عمله عيسى ابن مريم فطار بإذن الله عز و جل
9- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن الصلت عن ابن عقدة عن جعفر بن عنبسة بن عمر و عن سليمان بن يزيد عن الرضا عن آبائه عن علي ع قال الذبيح إسماعيل
-10 ع، ]علل الشرائع[ ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن البزنطي عن أبان بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله ع كيف صار الطحال حراما و هو من الذبيحة فقال إن إبراهيم ع هبط عليه الكبش من ثبير و هو جبل بمكة ليذبحه أتاه إبليس فقال له أعطني نصيبي من هذا الكبش قال و أي نصيب لك و هو قربان لربي و فداء لابني فأوحى الله عز و جل إليه أن له فيه نصيبا و هو الطحال لأنه مجمع الدم و حرم الخصيتان لأنهما موضع للنكاح و مجرى للنطفة فأعطاه إبراهيم ع الطحال و الأنثيين و هما الخصيتان قال فقلت فكيف حرم النخاع قال لأنه موضع الماء الدافع من كل ذكر و أنثى و هو المخ الطويل الذي يكون في فقار الظهر
11- مع، ]معاني الأخبار[ ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن داود بن كثير الرقي قال قلت لأبي عبد الله ع أيهما كان أكبر إسماعيل أو إسحاق و أيهما كان الذبيح فقال كان إسماعيل أكبر من إسحاق بخمس سنين و كان الذبيح إسماعيل و كانت مكة منزل إسماعيل و إنما أراد إبراهيم أن يذبح إسماعيل أيام الموسم بمنى قال و كان بين بشارة الله لإبراهيم بإسماعيل و بين بشارته بإسحاق خمس سنين أ ما تسمع لقول إبراهيم ع حيث يقول رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ إنما سأل الله عز و جل أن يرزقه غلاما من الصالحين و قال في سورة الصافات فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ يعني إسماعيل من هاجر قال ففدي إسماعيل بكبش عظيم فقال أبو عبد الله ع ثم قال وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ يعني بذلك إسماعيل قبل البشارة بإسحاق فمن زعم أن إسحاق أكبر من إسماعيل و أن الذبيح إسحاق فقد كذب بما أنزل الله عز و جل في القرآن من نبئهما
ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بإسناده إلى الصدوق مثله
12- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن سعد بن سعد عن أبي الحسن ع قال لو علم الله عز و جل شيئا أكرم من الضأن لفدى به إسماعيل ع
13- كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه أظنه محمد بن إسماعيل عن الرضا ع قال لو خلق الله مضغة هي أطيب من الضأن لفدى بها إسماعيل ع
14- كا، ]الكافي[ بعض أصحابنا عن جعفر بن إبراهيم الحضرمي عن سعد بن سعد عن الرضا ع قال لو علم الله خيرا من الضأن لفدى به قال يعني إسحاق هكذا جاء في الحديث
15- شي، ]تفسير العياشي[ عن مقرن عن أبي عبد الله ع قال كتب يعقوب إلى عزيز مصر نحن أهل بيت نبتلى فقد ابتلي أبونا إبراهيم بالنار فوقاه الله و ابتلي أبونا إسحاق بالذبح
16- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن القاسم عن أبي عبد الله ع قال إن سارة قالت لإبراهيم ع قد كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا فيقر أعيننا فإن الله قد اتخذك خليلا و هو مجيب دعوتك إن شاء الله فسأل إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما عليما فأوحى الله إليه أني واهب لك غلاما عليما ثم أبلوك فيه بالطاعة لي قال قال أبو عبد الله ع فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشارة من الله بإسماعيل مرة أخرى بعد ثلاث سنين
17- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن أحمد بن محمد و ابن محبوب عن العلاء عن محمد قال سألت أبا جعفر ع أين أراد إبراهيم ع أن يذبح ابنه قال على الجمرة الوسطى و سألته عن كبش إبراهيم ع ما كان لونه و أين نزل فقال أملح و كان أقرن و نزل من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى و كان يمشي في سواد و يأكل في سواد و ينظر و يبعر و يبول في سواد
فوائد لا بد من التعرض لها الأولى في تعيين الذبيح قال الرازي في تفسيره اختلفوا في أن هذا الذبيح من هو فقيل إنه إسحاق و قيل إن هذا قول عمر و علي و العباس بن عبد المطلب و ابن مسعود و كعب الأحبار و قتادة و سعيد بن جبير و مسروق و عكرمة و الزهري و السدي و مقاتل و قيل إنه إسماعيل و هو قول ابن عباس و ابن عمر و سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و مجاهد و الكلبي. و احتج القائلون بأنه إسماعيل بوجوه
الأول أن رسول الله ص قال أنا ابن الذبيحين و قال له أعرابي يا ابن الذبيحين فتبسم فسئل عن ذلك فقال إن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم نذر إن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله و قالوا له افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل و الذبيح الثاني إسماعيل
الحجة الثانية نقل عن الأصمعي أنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال أيا أصمعي أين عقلك و متى كان إسحاق بمكة و إنما كان إسماعيل بمكة و هو الذي بنى البيت مع أبيه و النحر بمكة. الحجة الثالثة أن الله تعالى وصف إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ و هو صبره على الذبح فوفى به. الحجة الرابعة قوله تعالى فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ فنقول لو كان الذبيح إسحاق لكان الأمر بذبحه قبل ظهور يعقوب منه أو بعد ذلك و الأول باطل لأنه تعالى لما بشره بإسحاق و بشر معه بأنه يحصل منه يعقوب فقبل ظهور يعقوب منه لم يجز الأمر بذبحه و إلا حصل الخلف في قوله وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ و الثاني باطل لأن قوله فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ يدل على أن ذلك الابن لما قدر على السعي و وصل إلى حد القدرة على الفعل أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه و هذه تنافي وقوع هذه القصة في زمان آخر فثبت أنه لا يجوز أن يكون الذبيح هو إسحاق. الحجة الخامسة حكى الله تعالى عنه أنه قال إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ثم طلب من الله تعالى ولدا ليستأنس به في غربته قال رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ و هذا السؤال إنما يحسن قبل أن يحصل له الولد لأنه لو حصل له ولد واحد لما طلب الولد الواحد لأن طلب الحاصل محال و قوله هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ لا يفيد إلا طلب الواحد و كلمة من للتبعيض و أقل درجات البعضية الواحد فكان قوله مِنَ الصَّالِحِينَ لا يفيد إلا طلب الولد الواحد فثبت أن هذا السؤال لا يحسن إلا عند عدم كل الأولاد فثبت أن هذا السؤال وقع حال طلب الولد الأول و أجمع الناس على أن إسماعيل متقدم في الوجود على إسحاق فثبت أن المطلوب بهذا الدعاء هو إسماعيل ثم إن الله تعالى ذكر عقيبه قصة الذبح فوجب أن يكون الذبيح هو إسماعيل. الحجة السادسة الأخبار كثيرة في تعليق قرني الكبش بالكعبة و كان الذبح بمكة و لو كان الذبيح إسحاق لكان الذبح بالشام. و احتج من قال بأنه إسحاق بأن أول الآية و آخرها يدل على ذلك أما أولها فإنه تعالى حكى عن إبراهيم ع قبل هذه الآية أنه قال إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ و أجمعوا على أن المراد مهاجرته إلى الشام ثم قال فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فوجب أن يكون هذا الغلام الحليم قد حصل له في الشام و ذلك الغلام ليس إلا إسحاق ثم قال بعده فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ هو ذلك الغلام الذي حصل في الشام فثبت أن مقدمة هذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسحاق و أما مؤخرة الآية فهي أيضا تدل على ذلك لأنه تعالى لما تمم قصة الذبيح قال بعده وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ و معناه أنه بشره بكونه نبيا من الصالحين و ذكر هذه البشارة عند حكاية تلك القصة يدل على أنه تعالى إنما بشره بهذه النبوة لأجل أنه تحمل الشدائد في قصة الذبح
فثبت لما ذكرنا أن أول الآية و آخرها يدل على أن الذبيح هو إسحاق ع. الحجة الثانية ما اشتهر من كتاب يعقوب ع من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله. فهذا جملة الكلام في هذا الباب و كان الزجاج يقول الله أعلم أيهما الذبيح. و اعلم أنه يتفرع على ما ذكرناه اختلافهم في موضع الذبح فالذين قالوا الذبيح هو إسماعيل قالوا كان المذبح بمنى و الذين قالوا إنه إسحاق قالوا هو بالشام و قيل بيت المقدس و الله أعلم انتهى. و قال الشيخ أمين الدين الطبرسي قدس الله روحه بعد ذكر القولين و كلا القولين قد رواه أصحابنا عن أئمتنا ع إلا أن الأظهر في الروايات أنه إسماعيل ثم ذكر بعض ما مر من الوجوه ثم قال و حجة من قال إنه إسحاق أن أهل الكتابين أجمعوا على ذلك و جوابه أن إجماعهم ليس بحجة و قولهم غير مقبول و روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي قال كنت عند عمر بن عبد العزيز فسألني عن الذبيح فقلت إسماعيل و استدللت بقوله وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ فأرسل إلى رجل بالشام كان يهوديا و أسلم و حسن إسلامه و كان يرى أنه من علماء اليهود فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك و أنا عنده فقال إسماعيل ثم قال و الله يا أمير المؤمنين إن اليهود ليعلم ذلك و لكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أبوكم الذي كان من أمر الله فيه ما كان فهم يجحدون ذلك و يزعمون أنه إسحاق لأن إسحاق أبوهم انتهى. أقول لا يخفى ضعف ما احتجوا به على القول الأخير سوى الأخبار الدالة على ذلك لكن يعارضها ما هو أكثر و أصح منها و يؤيدها ما ذكر من الوجوه أولا و إن كان بعضها لا يخلو من وهن و اشتهار هذا القول بين علماء الشيعة و محدثيهم في جميع الأعصار. و أما الجمع بين الأخبار فيمكن حمل الأخبار الدالة على المذهب الثاني على التقية بأن يكون زمان صدور الخبر هذا القول أشهر بين علماء المخالفين و يمكن حمل بعضها على ما مر في الخبر من تمني الذبح و يمكن الجمع أيضا بالقول بوقوعهما معا إن لم ينعقد إجماع على كون الذبيح أحدهما.
و قال الكليني بعد أن أورد رواية عقبة بن بشير عن أحدهما ع أن إبراهيم ع أذن في الناس بالحج و كان أول من أجابه من أهل اليمن
قال و حج إبراهيم ع هو و أهله و ولده و قال فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن هاهنا كان ذبحه.
و ذكر عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر و أبا عبد الله ع يزعمان أنه إسحاق و أما زرارة فزعم أنه إسماعيل
و غرضه رحمه الله من هذا الكلام رفع استبعاد عن كون إسحاق ذبيحا بأن إسحاق كان بالشام و الذي كان بمكة إسماعيل ع فكون إسحاق ذبيحا مستبعد فدفع هذا الاستبعاد بأن هذا الخبر يدل على أن إبراهيم ع قد حج مع أهله و ولده فيمكن أن يكون الأمر بذبح إسحاق في هذا الوقت و يظهر منه رحمه الله أنه في ذلك من المتوقفين. و قال الطبرسي رحمه الله و من قال إن الذبيح إسماعيل فمنهم محمد بن إسحاق بن بشار و ذكر أن إبراهيم كان إذا زار إسماعيل و هاجر حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة و يروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى إذا بلغ السعي أري في المنام أن يذبحه فقال له يا بني خذ الحبل و المدية ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما قد ذكره الله عنه فقال يا أبة اشدد رباطي حتى لا أضطرب و اكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح من دمي شيء فتراه أمي و اشحذ شفرتك و أسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد فقال له إبراهيم نعم العون أنت يا بني على أمر الله ثم ذكر نحوا مما تقدم ذكره.
و روى العياشي بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي قال قلت لأبي عبد الله ع كم كان بين بشارة إبراهيم بإسماعيل و بين بشارته بإسحاق قال كان بين البشارتين خمس سنين قال الله سبحانه فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ يعني إسماعيل و هي أول بشارة بشر الله بها إبراهيم في الولد و لما ولد لإبراهيم إسحاق من سارة و بلغ إسحاق ثلاث سنين أقبل إسماعيل إلى إسحاق و هو في حجر إبراهيم فنحاه و جلس في مجلسه فبصرت به سارة فقالت يا إبراهيم ينحي ابن هاجر ابني من حجرك و يجلس هو مكانه لا و الله لا يجاورني هاجر و ابنها في بلاد أبدا فنحهما عني و كان إبراهيم مكرما لسارة يعزها و يعرف حقها و ذلك أنها كانت من ولد الأنبياء و بنت خالته فشق ذلك على إبراهيم و اغتم لفراق إسماعيل فلما كان في الليل أتى إبراهيم آت من ربه فأراه الرؤيا في ذبح ابنه إسماعيل بموسم مكة فأصبح إبراهيم حزينا للرؤيا التي رآها فلما حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم هاجر و إسماعيل في ذي الحجة من أرض الشام فانطلق بهما إلى مكة ليذبحه في الموسم فبدأ بقواعد البيت الحرام فلما رفع قواعده و خرج إلى منى حاجا و قضى نسكه بمنى رجع إلى مكة فطافا بالبيت أسبوعا ثم انطلق إلى السعي فلما صارا في المسعى قال إبراهيم لإسماعيل يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك في الموسم عامي هذا فما ذا ترى قال يا أبة افعل ما تؤمر فلما فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم إلى منى و ذلك يوم النحر فلما انتهى به إلى الجمرة الوسطى و أضجعه لجنبه الأيسر و أخذ السكين ليذبحه نودي أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إلى آخره و فدي إسماعيل بكبش عظيم فذبحه و تصدق بلحمه على المساكين
و عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن صاحب الذبح قال هو إسماعيل
و عن زياد بن سوقة عن أبي جعفر ع قال سألته عن صاحب الذبح فقال إسماعيل ع انتهى
أقول هذه الأخبار المعتبرة أيضا مصرحة بكون الذبيح إسماعيل و سيأتي في كتاب الدعاء و كتاب المزار في تضاعيف الدعوات و الزيارات ما يدل على ذلك أيضا. الثانية في كيفية هذا الأمر و رفعه قال الرازي اختلف الناس في أن إبراهيم ع هل كان مأمورا بما ذا و هذا الاختلاف متفرع على مسألة من مسائل أصول الفقه و هي أنه هل يجوز نسخ الحكم قبل حضور مدة الامتثال فقال أكثر أصحابنا إنه يجوز و قالت المعتزلة و كثير من فقهاء الشافعية و الحنفية إنه لا يجوز فعلى القول الأول أن الله تعالى أمره بالذبح و على القول الثاني لم يأمره بالذبح و إنما أمره بمقدمات الذبح و هذه مسألة شريفة من مسائل باب النسخ و احتج أصحابنا على أنه يجوز نسخ الأمر قبل مجيء مدة الامتثال بأن الله تعالى أمر إبراهيم ص بذبح ولده ثم إنه تعالى نسخه عنه قبل إقدامه عليه و ذلك يفيد المطلوب و إنما قلنا إنه تعالى أمره بذبح الولد لوجهين. الأول أنه ع قال لولده إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فقال الولد افْعَلْ ما تُؤْمَرُ و هذا يدل على أنه ع ما كان مأمورا بمقدمات الذبح بل بنفس الذبح ثم إنه أتى بمقدمات الذبح و أدخلها في الوجود فحينئذ يكون قد أمر بشيء و قد أتى به و في هذا الموضع لا يحتاج إلى الفداء لكنه احتاج إلى الفداء بدليل قوله تعالى وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ فدل هذا على أنه لما أتى بالمأمور به و قد ثبت أنه أتى بكل مقدمات الذبح فهذا يدل على أنه تعالى كان قد أمره بنفس الذبح فإذا ثبت هذا فنقول إنه تعالى نسخ ذلك الحكم قبل إثباته و ذلك يدل على المقصود. و قالت المعتزلة لا نسلم أن الله تعالى أمره بذبح الولد بل نقول إنه تعالى أمره بمقدمات الذبح و يدل عليه وجوه الأول أنه ما أتى بالذبح و إنما أتى بمقدمات الذبح ثم إن الله تعالى أخبر عنه بأنه أتى بما أمر به بدليل قوله تعالى وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا و ذلك يدل على أنه تعالى إنما أمره في المنام بمقدمات الذبح لا بنفس الذبح و تلك المقدمات عبارة عن إضجاعه و وضع السكين على حلقه و العزم الصحيح على الإتيان بذلك الفعل. الثاني الذبح عبارة عن قطع الحلقوم فلعل إبراهيم ع قطع الحلقوم إلا أنه كلما قطع جزءا أعاده الله التأليف فلهذا السبب لم يحصل الموت. و الوجه الثالث و هو الذي عليه تعويل القوم أنه تعالى لو أمر شخصا معينا بإيقاع فعل معين في وقت معين فهذا يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت حسن فإذا نهى عنه فذلك النهي يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت قبيح فلو حصل هذا النهي عقيب ذلك الأمر لزم أحد أمرين لأنه تعالى إن كان عالما بحال ذلك الفعل لزم أن يقال أمر بالقبيح أو نهى عن الحسن و إن لم يكن عالما به لزم جهل الله تعالى و أنه محال فهذا تمام الكلام في هذا الباب. و الجواب عن الأول أنا قد دللنا على أنه تعالى إنما أمره بالذبح أما قوله تعالى قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا فهذا يدل على أنه اعترف بكون ذلك الرؤيا واجب العمل به و لا يدل على أنه أتى بكل ما رآه في ذلك المنام. و أما قوله ثانيا كلما قطع إبراهيم ع جزءا أعاد الله التأليف إليه فنقول هذا باطل لأن إبراهيم ع لو أتى بكل ما أمر به لما احتاج إلى الفداء و حيث احتاج إليه علمنا أنه لم يأت بما أمر به.
و أما قوله ثالثا إنه يلزم إما الأمر بالقبيح و إما الجهل فنقول هذا بناء على أن الله تعالى لا يأمر إلا بما يكون حسنا في ذاته و لا ينهى إلا عما يكون قبيحا في ذاته و هذا قولك بناء على تحسين العقل و تقبيحه و هو باطل و أيضا إنا نسلم ذلك إلا أنا نقول لم لا يجوز أن يقال أنه تعالى الآمر بالشيء تارة يأمر لكون المأمور به حسنا و تارة يأمر لأجل أن ذلك الأمر يفعل لمصلحة من المصالح و لو لم يكن المأمور به حسنا أ لا ترى أن السيد إذا أراد أن يروض عبده فإنه يقول له إذا جاء يوم الجمعة فافعل الفعل الفلاني و يكون ذلك الفعل من الأفعال الشاقة و يكون مقصود السيد من ذلك الأمر ليس أن يأتي ذلك العبد بذلك الفعل بل أن يوطن العبد نفسه على الانقياد و الطاعة ثم إن السيد إذا علم منه أنه وطن نفسه على الطاعة فقد يزيل عنه ذلك التكليف فكذا هاهنا فلما لم تقيموا الدلالة على فساد هذا الاحتمال لم يتم كلامكم و الله أعلم انتهى. أقول لا ريب في وقوع مثل ذلك الأمر الذي رفع قبل وقت الامتثال و إنما الخلاف في توجيهه فذهبت المعتزلة و أكثر المتكلمين من الإمامية إلى أن رفع التكليف قبل الامتثال قرينة دالة على أن الأمر لم يكن على ظاهره بل كان المراد به أمرا آخر غير ما كان متبادرا منه كما في قصة الذبح فإن رفع التكليف به قرينة على أن الأمر إنما كان متوجها إلى مقدمات الذبح و أما الآخرون فقالوا إن الأمر كان متوجها إلى نفس الذبح لكنه كان مشروطا بعدم النسخ قبل الفعل فالفريقان متفقان في أنه قد ظهر بعد ذلك أمر كان المتبادر قبل ذلك خلافه و أن ثمرة هذا التكليف ليس إلا العزم و توطين النفس على الفعل و أن الفداء كان لأمر قد ظهر عدم تعلق التكليف به إما لنسخه و كونه مشروطا بعدم النسخ أو لانكشاف أن الأمر إنما كان متوجها إلى مقدمات الفعل فإذا تأملت فيما ذكرنا يظهر لك أن الإشكالات الموردة في هذا المقام مشتركة بين الفريقين و أن الخلاف في ذلك قليل الجدوى و تفصيل القول في ذلك يطلب من مظانه. الثالثة قال البيضاوي في قوله تعالى فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أي فلما وجد و بلغ أن يسعى معه في أعماله و معه متعلق بمحذوف دل عليه السعي لا به لأن صلة المصدر لا يتقدمه و لا ببلغ فإن بلوغهما لم يكن معا انتهى. أقول قد ظهر من بعض الأخبار السالفة أنه يحتمل أن يكون المراد بالسعي النسك المعروف بين الصفا و المروة فلا يحتاج إلى ما تكلفه إذ يحتمل تعلقه ببلغ كما لا يخفى