الآيات البقرة وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ النساء لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ الأعراف إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسْجُدُونَ النحل وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَ الْمَلائِكَةُ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ مريم وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا الأنبياء وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ و قال تعالى وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ التحريم عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ. تفسير وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ أقول هذه الآية مما يوهم نفي عصمة الملائكة و للعلماء في تأويلها مسالك نشير إلى بعضها و إن أفضى إلى الإطناب قال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الغرر و الدرر إن سأل سائل عن قوله عز و علا وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ إلى قوله تعالى وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فقال كيف ينزل الله سبحانه السحر على الملائكة أم كيف تعلم الملائكة الناس السحر و التفريق بين المرء و زوجه و كيف نسب الضرر الواقع عند ذلك إلى أنه بإذنه و هو تعالى قد نهى عنه و حذر من فعله و كيف أثبت العلم لهم و نفاه عنهم بقوله وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ثم بقوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الجواب قلنا في الآية وجوه كل منها يزيل الشبهة الداخلة على من لم يمعن النظر فيها أولها أن يكون ما في قوله تعالى وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بمعنى الذي فكأنه تعالى خبر عن طائفة من أهل الكتاب بأنهم اتبعوا ما تكذب فيه الشياطين على ملك سليمان و تضيفه إليه من السحر فبرأه الله عز و جل من قرفهم و أكذبهم في قولهم فقال تعالى وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا باستعمال السحر و التمويه على الناس ثم قال يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ و أراد أنهم يعلمونهم السحر و ما الذي أنزل على الملكين و إنما أنزل على الملكين وصف السحر و ماهيته و كيفية الاحتيال فيه ليعرفا ذلك و يعرفاه الناس فيجتنبوه و يحذروا منه كما أنه تعالى قد أعلمنا ضروب المعاصي و وصف لنا أحوال القبائح لنجتنبها لا لنواقعها إلا أن الشياطين كانوا إذا علموا ذلك و عرفوه استعملوه و أقدموا على فعله و إن كان غيرهم من المؤمنين لما عرفه اجتنبه و حارزه و انتفع باطلاعه على كيفيته ثم قال وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ يعني الملكين و معنى يعلمان يعلمان و العرب تستعمل لفظة علمه بمعنى أعلمه. قال القطامي
تعلم أن بعد الغي رشدا و أن لتانك الغمر انقشاعا
و قال كعب بن زهير
تعلم رسول الله أنك مدركي و أن وعيدا منك كالأخذ باليد
و معنى تعلم في البيتين معنى اعلم و الذي يدل على أنه هاهنا الإعلام لا التعليم قوله وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ أي أنهما لا يعرفان صفات السحر و كيفيته إلا بعد أن يقولا إنما نحن محنة لأن الفتنة بمعنى المحنة من حيث ألقيا إلى المكلفين أمرا لينزجروا عنه و ليتمتعوا من مواقعته و هم إذا عرفوه أمكن أن يستعملوه و يرتكبوه فقالا لمن يطلعانه على ذلك لا تكفر باستعماله و لا تعدل عن الغرض في إلقاء هذا إليك فإنه إنما ألقي إليك و اطلعت عليه لتجتنبه لا لتفعله ثم قال فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ أي فيعرفون من جهتهما ما يستعملونه في هذا الباب و إن كان الملكان ما ألقياه إليهم لذلك و لهذا قال وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ لأنهم لما قصدوا بتعلمه أن يفعلوه و يرتكبوه لا أن يجتنبوه صار ذلك بسوء اختيارهم ضررا عليهم. و ثانيها أن يكون ما أُنْزِلَ موضعه موضع جر و يكون معطوفا بالواو على مُلْكِ سُلَيْمانَ أي و اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان و على ما أنزل على الملكين و معنى ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ أي معهما و على ألسنتهما كما قال تعالى رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ أي على ألسنتهم و معهم و ليس بمنكر أن يكون ما أُنْزِلَ معطوفا على ملك سليمان و إن اعترض بينهما من الكلام ما اعترض لأن رد الشيء إلى نظيره و عطفه على ما هو أولى هو الواجب و إن اعترض بينهما ما ليس منهما و لهذا نظائر في القرآن و كلام العرب كثيرة قال الله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً و قيم من صفات الكتاب حال منه لا من صفة عوج و إن تباعد ما بينهما و مثله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فالمسجد الحرام هاهنا معطوف على الشهر الحرام أي يسألونك عن الشهر و عن المسجد الحرام و حكي عن بعض علماء أهل اللغة أنه قال العرب تلف الخبرين المختلفين ثم ترمي بتفسيرهما جملة ثقة بأن السامع يرد إلى كل خبره كقوله عز و جل وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ و هذا واضح في مذهب العرب كثير النظائر. ثم قال تعالى وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ و المعنى أنهما لا يعلمان أحدا بل ينهيان عنه و يبلغ من نهيهما عنه و صدهما عن فعله و استعماله أن يقولا إنما نحن فتنة فَلا تَكْفُرْ باستعمال السحر و الإقدام على فعله و هذا كما يقول الرجل ما أمرت فلانا بكذا و لقد بالغت في نهيه حتى قلت له إنك إن فعلته أصابك كذا و كذا و هذا هو نهاية البلاغة في الكلام و الاختصار الدال مع اللفظ القليل على المعاني الكثيرة لأنه أشعر بقوله تعالى وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ عن بسط الكلام الذي ذكرناه و لهذا نظائر في القرآن قال الله تعالى مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ و مثل قوله تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي فيقال للذين اسودت وجوههم أ كفرتم بعد إيمانكم و أمثاله أكثر من أن نورد ثم قال تعالى فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ و ليس يجوز أن يرجع الضمير على هذا الجواب إلى الملكين و كيف يرجع إليهما و قد نفى تعالى عنهما التعليم بل يرجع إلى
الكفر و السحر و قد تقدم ذكر السحر و تقدم أيضا ذكر ما يدل على الكفر و يقتضيه في قوله تعالى وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا فدل كفروا على الكفر و العطف عليه مع السحر جائز و إن كان التصريح وقع بذكر السحر دونه و مثل ذلك قوله تعالى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى أي يتجنب الذكرى الأشقى و لم يتقدم تصريح بالذكرى لكن دل عليها قوله سَيَذَّكَّرُ و يجوز أيضا أن يكون معنى فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما أي بدلا مما علمهم الملكان و يكون المعنى أنهم يعدلون عما علمهم و وقفهم عليه الملكان من النهي عن السحر إلى تعلمه و استعماله. كما يقول القائل ليت لنا من كذا و كذا كذا أي بدلا منه كما قال الشاعر.
جمعت من الخيرات وطبا و علبة و صرا لأخلاف المزممة البزلو من كل أخلاق الكرام تميمة و سعيا على الجار المجاور بالبخل
يريد جمعت مكان الخيرات و مكان أخلاق الكرام هذه الخصال الذميمة. و قوله ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ فيه وجهان أحدهما أن يكونوا يغوون أحد الزوجين و يحملونه على الشرك بالله تعالى فيكون بذلك قد فارق زوجه الآخر المؤمن المقيم على دينه ليفرق بينهما اختلاف النحلة و الملة و الوجه الآخر أن يسعوا بين الزوجين بالنميمة و الوشاية و الإغراء و التمويه بالباطل حتى يؤول أمرهما إلى الفرقة و المباينة. و ثالث الوجوه في الآية أن تحمل ما في قوله تعالى وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ على الجحد و النفي فكأنه تعالى قال و اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان و ما كفر سليمان و ما أنزل الله السحر على الملكين و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت و ماروت و يكون قوله تعالى بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ من المؤخر الذي معناه التقديم فيكون على هذا التأويل هاروت و ماروت رجلين من جملة الناس هذان اسماهما و إنما ذكرا بعد ذكر الناس تمييزا و تبيينا و يكون الملكان المذكوران اللذان نفى تعالى عنهما السحر جبرئيل و ميكائيل لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تدعي أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبرئيل و ميكائيل إلى سليمان فأكذبهما الله تعالى بذلك و يجوز أن يكون هاروت و ماروت يرجعان إلى الشياطين كأنه تعالى قال و لكن الشياطين هاروت و ماروت كفروا و يسوغ ذلك كما ساغ في قوله وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ يعني تعالى حكم داود و سليمان و يكون قوله تعالى على هذا التأويل وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ راجعا إلى هاروت و ماروت اللذين هما من الشياطين أو من الإنس المتعلمين للسحر من الشياطين و العاملين به و معنى قولهما إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ يكون على طريق الاستهزاء أو التماجن و التخالع كما يقول الماجن من الناس إذا فعل قبيحا أو قال باطلا هذا فعل من لا يفلح و قول من لا ينجو و الله لا حصلت إلا على الخسران و ليس ذلك منه على سبيل النصيحة للناس و تحذيرهم من مثل فعل فعله بل على جهة المجون و التهالك و يجوز أيضا على هذا التأويل الذي تضمن الجحد و النفي أن يكون هاروت و ماروت اسمين للملكين و نفى عنهما إنزال السحر بقوله تعالى وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ و يكون قوله تعالى وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ يرجع إلى قبيلتين من الجن أو إلى شياطين الجن و الإنس فتحسن التثنية لهذا و قد روي هذا التأويل في حمل ما على النفي عن ابن عباس و غيره من المفسرين و حكي عنه أيضا أنه كان يقرأ على الملكين بكسر اللام و يقول متى كان العلجان ملكين إنما كانا ملكين و على هذه القراءة لا ينكر أن يرجع قوله تعالى وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ إليهما و يمكن على هذه القراءة في الآية وجه آخر و هو أن لا يحمل قوله تعالى وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ على الجحد و النفي و هو أن لا يكون هؤلاء الذين أخبر عنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين و تدعيه على ملك سليمان و اتبعوا ما أنزل على هذين الملكين من السحر و لا يكون الإنزال مضافا إلى الله تعالى و إن أطلق لأنه عز و جل لا ينزل السحر بل يكون منزله إليهما بعض الضلال و العصاة و أن يكون معنى أنزل و إن كان من الأرض حمل إليهما لا من السماء أنه أتى به عن نجود الأرض و البلاد و أعاليهما فإن من هبط من نجد من البلاد إلى غورها يقال نزل و هبط و ما جرى هذا المجرى. فأما قوله تعالى وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فيحتمل وجوها منها أن يريد تعالى بالإذن العلم من قولهم أذنت فلانا بكذا و كذا إذا أعلمته و أذنت بكذا و كذا إذا أسمعته و علمته و قال الشاعر.
في سماع يأذن الشيخ له و حديث مثل ماذي مشار.
و منها أن يكون إلا زائدة و يكون المعنى و ما هم بضارين به من أحد إلا بأن يخلي الله تعالى بينهم و بينه و لو شاء لمنعهم بالقهر و القسر زائدا على منعهم بالنهي و الزجر. و منها أن يكون الضرر الذي عنى به أنه لا يكون إلا بإذنه و أضافه إليه ما هو يلحق المسحور عن الأدوية و الأغذية التي أطعمه إياه السحرة و يدعون أنها موجبة لما يقصدونه فيه من الأمور و معلوم أن الضرر الحاصل عن ذلك من فعل الله تعالى بالعادة لأن الأغذية لا توجب ضررا و لا نفعا و إن كان المعرض للضرر من حيث كان كالفاعل له هو المستحق للذم و عليه يجب العوض. و منها أن يكون الضرر المذكور إنما هو ما يحصل من التفريق بين الأزواج لأنه أقرب إليه في ترتيب الكلام و المعنى أنهم إذا أغروا أحد الزوجين فكفر فبانت منه زوجته فاستضر بذلك كانوا ضارين له بما حسنوا له من الكفر إلا أن الفرقة لم تكن إلا بإذن الله و حكمه لأنه تعالى هو الذي حكم و أمر بالتفريق بين المختلفتين الأديان فلهذا قوله تعالى وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ و المعنى أنه لو لا حكم الله تعالى و إذنه في الفرقة بين هذين الزوجين باختلاف الملة لم يكونوا بضارين له هذا الضرر من الضرر الحاصل عند الفرقة و يقوى هذا الوجه ما روي أنه كان من دين سليمان أنه من سحر بانت منه امرأته. و أما قوله تعالى وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ثم قوله تعالى لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ففيه وجوه أولها أن يكون الذين علموا غير الذين لم يعلموا و يكون الذين علموا الشياطين أو الذين خبر عنهم بأنهم نبذوا كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ و الذين لم يعلموا هم الذين عملوا السحر و شروا به أنفسهم. و ثانيها أن يكون الذين علموا هم الذين لم يعلموا لأنهم علموا شيئا و لم يعلموا غيره فكأنه تعالى وصفهم بأنهم عالمون بأنه لا نصيب لمن اشترى ذلك و رضيه لنفسه على الجملة و لم يعلموا كنه ما يصير إليه من العقاب الذي لا نفاد له و لا انقطاع. و ثالثها أن تكون الفائدة في نفي العلم بعد إثباته أنهم لم يعملوا بما علموه فكأنهم لم يعلموا و هذا كما يقول أحدنا لغيره ما أدعوك إليه خير لك و أعود عليك لو كنت تعقل و تنظر في العواقب و هو يعقل و ينظر إلا أنه لم يعمل بموجب علمه فحسن أن يقال له مثل هذا القول و قال كعب بن زهير يصف ذئبا و غراباه تبعاه ليصيبا من زاده
إذا حضراني قلت لو يعلمانه أ لم تعلما أني من الزاد مرمل.
فنفى عنهما العلم ثم أثبته بقوله أ لم تعلما أني من الزاد مرمل و إنما المعنى في نفيه العلم عنهما أنهما لم يعملا بما علما فكأنهما لم يعلما و رابعها أن يكون المعنى أن هؤلاء القوم الذين قد علموا أن الآخرة لا حظ لهم فيها مع عملهم القبيح إلا أنهم ارتكبوه طمعا في طعام الدنيا و زخرفها فقال تعالى وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي الذي آثروه و جعلوه عوضا عن الآخرة لا يتم لهم و لا يبقى عليهم و إنه منقطع زائل و مضمحل باطل و أن المآل إلى المستحق في الآخرة و كل ذلك واضح بحمد الله انتهى. و أقول قال في الصحاح و الغمرة الشدة و الجمع غمر قال القطامي يصف سفينة نوح و حان لتالك الغمر انحسار و قال الانحسار الانكشاف و قال قشعت الريح السحاب أي كشفته فانقشع و تقشع و قال الوطب سقاء اللبن خاصة و قال العلبة محلب من جلد و قال صررت الناقة شددت عليها الصرار و هو خيط يشد فوق الخلف و التودية لئلا يرضعها ولدها و قال الخلف بالكسر حلمة ضرع الناقة و المزممة من الزمام و البزل جمع البازل و هو جمل أو ناقة كمل لها تسع سنين و الماذي العسل الأبيض و يقال شرت العسل أي اجتنيتها و أشرت لغة ذكره الجوهري و استشهد بالبيت.
و قال الرازي في تفسير هذه الآية
أما قوله وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ففيه مسائل
المسألة الأولى
قوله وَ اتَّبَعُوا حكاية عما تقدم ذكره و هم اليهود ثم فيه أقوال أحدها أنهم اليهود الذين كانوا في زمان محمد ص و ثانيها أنهم الذين تقدموا من اليهود و ثالثها أنهم الذين كانوا في زمن سليمان من السحرة لأن أكثر اليهود ينكرون نبوة سليمان و يعدونه من جملة الملوك في الدنيا فالذين منهم كانوا في زمانه لا يمتنع أن يعتقدوا فيه أنه إنما وجد ذلك الملك العظيم بسبب السحر و رابعها أنه يتناول الكل و هذا أولى لأنه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره إذ لا دليل على التخصيص و خامسها أنه عائد إلى من تقدم ذكره في قوله نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قال السدي لما جاءهم محمد ص عارضوا بالتوراة فخاصموه بها فاتفقت التوراة و القرآن فنبذوا التوراة و أخذوا بكتاب آصف و سحر هاروت و ماروت فلم يوافق القرآن فهذا هو قوله وَ لَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ ثم أخبر عنهم بأنهم اتبعوا كتب السحرة.
المسألة الثانية
ذكروا في تفسير تَتْلُوا وجهين أحدهما أن المراد منه التلاوة و الإخبار و ثانيهما قال أبو مسلم تَتْلُوا أي تكذب على ملك سليمان يقال تلا عليه إذا كذب و تلا عنه إذا صدق و إذا أبهم جاز الأمران و الأقرب هو الأول لأن التلاوة حقيقة في الخبر إلا أن المخبر لا يقال في خبره إذا كان كذبا أنه يقول على فلان و إنه قد تلا على فلان ليميز بينه و بين الصدق الذي لا يقال على فلان بل يقال روي عن فلان و أخبر عن فلان و تلا عن فلان و ذلك لا يليق إلا بالإخبار و التلاوة و لا يمتنع أن يكون الذي كانوا يخبرون به عن سليمان ما يتلى و يقرأ فيجتمع فيه كل الأوصاف.
المسألة الثالثة
اختلفوا في الشياطين فقيل المراد شياطين الجن و هو قول الأكثرين و قيل شياطين الإنس و هو قول المتكلمين من المعتزلة و قيل شياطين الإنس و الجن معا أما الذين حملوه على شياطين الجن فقالوا إن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها و يلقونها إلى الكهنة و قد دونوها في كتب يقرءونها و يعلمونها الناس و فشا ذلك في زمان سليمان حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب فكانوا يقولون هذا علم سليمان و ما تم له ملكه إلا بهذا العلم و به سخر الجن و الإنس و الريح التي تجري بأمره و أما الذين حملوه على شياطين الإنس فقالوا روي في الخبر أن سليمان كان قد دفن كثيرا من العلوم التي خصه الله بها تحت سرير ملكه حرصا على أنه إن هلك الظاهر منها بقي ذلك المدفون فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ثم بعد موته و اطلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان و أنه ما وصل إلى ما وصل إليه إلا بسبب هذه الأشياء فهذا معنى ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ و احتج القائلون بهذا الوجه على فساد القول الأول بأن شياطين الجن لو قدروا على تغيير كتب الأنبياء و شرائعهم بحيث يبقى ذلك التحريف مخفيا فيما بين الناس لارتفع الوثوق عن جميع الشرائع و ذلك يفضي إلى الطعن في كل الأديان فإن قيل إذا جوزتم ذلك على شياطين الإنس فلم لا يجوز مثله من شياطين الجن قلنا الفرق أن الذي يفتعله الإنسان لا بد و أن يظهر من بعض الوجوه أما لو جوزنا هذا الافتعال من الجن و هو أن يزيد في كتب سليمان بخط مثل خط سليمان فإنه لا يظهر ذلك و يبقى مخفيا فيفضي إلى الطعن في جميع الأديان
المسألة الرابعة
أما قوله عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ فقيل في ملك سليمان عن ابن جريح و قيل على عهد ملك سليمان و الأقرب أن يكون المراد و اتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان لأنهم كانوا يقرءون من كتب السحر فيقولون إن سليمان إنما وجد ذلك الملك بسبب هذا العلم فكانت تلاوتهم لتلك الكتب كالافتراء على ملك سليمان و الله أعلم.
المسألة الخامسة
اختلفوا في المراد بملك سليمان فقال القاضي إن ملك سليمان هو النبوة أو يدخل فيها النبوة و تحت النبوة الكتاب المنزل عليه و الشريعة فإذا صح ذلك ثم أخرج القوم صحيفة فيها ضروب السحر و قد دفنوها تحت سرير ملكه ثم أخرجوها بعد موته و أوهموا أنها من جهته صار ذلك منهم تقولا على ملكه في الحقيقة و الأصح عندي أن يقال القوم لما ادعوا أن سليمان إنما وجد تلك المملكة بسبب ذلك العلم كان ذلك الادعاء كالافتراء على ملك سليمان و الله أعلم.
المسألة السادسة
السبب في أنهم أضافوا السحر إلى سليمان وجوه أحدها أنهم أضافوا السحر إلى سليمان تفخيما لشأنه و تعظيما لأمره و ترغيبا للقوم في قبول ذلك منهم. و ثانيها أن اليهود ما كانوا يقرون بنبوة سليمان بل كانوا يقولون إنما وجد ذلك الملك بسبب السحر. و ثالثها أن الله تعالى لما سخر الجن لسليمان فكان يخالطهم و يستفيد منهم أسرارا عجيبة. فغلب على الظنون أنه عليه السلام استفاد السحر منهم. أما قوله تعالى وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ فهذا تنزيه له عليه السلام عن الكفر و ذلك يدل على أن القوم نسبوه إلى الكفر و السحر و قيل فيه أشياء أحدها ما روي عن بعض أحبار اليهود أنهم قالوا أ لا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيا و ما كان إلا ساحرا فأنزل الله هذه الآية. و ثانيها أن السحرة من اليهود زعموا أنهم أخذوا السحر عن سليمان فنزهه الله منه. و ثالثها أن قوما زعموا أن قوام ملكه كان بالسحر فبرأه الله منه لأن كونه نبيا ينافي كونه ساحرا كافرا ثم بين تعالى أن الذي برأه منه لاحق بغيره فقال وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يشير به إلى ما تقدم ذكره ممن اتخذ السحر كالحرفة لنفسه و ينسبه إلى سليمان ثم بين تعالى ما به كفروا فقد كان يجوز أن يتوهم أنهم كفروا لا بالسحر فقال تعالى يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ.
و اعلم أن الكلام في السحر يقع من وجوه الأول في البحث عنه بحسب اللغة فنقول ذكر أهل اللغة إنه في الأصل عبارة عما لطف و خفي سببه و السحر بالفتح هو الغذاء لخفائه و لطف مجاريه قال لبيد و نسحر بالطعام و بالشراب. قيل فيه وجهان أحدهما أنا نعلل و نخدع كالمسحور و المخدوع و الآخر نغذي و أي الوجهين كان فمعناه الخفاء و قال.
فإن تسألينا مم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر.
و هذا الوجه يحتمل من المعنى ما احتمله الأول و يحتمل أيضا أن يريد بالمسحر أنه ذو السحر و السحر هو الرئة و ما تعلق بالحلقوم و هذا أيضا يرجع إلى معنى الخفاء و منه قول عائشة توفي رسول الله بين سحري و نحري و قوله تعالى إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ يعني من المجوف الذي يطعم و يشرب يدل عليه قولهم ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا و قال تعالى حكاية عن موسى ع أنه قال للسحرة ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ و قال فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ فهذا هو معنى السحر في أصل اللغة. الوجه الثاني اعلم أن لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر مخفي سببه و يتخيل على غير حقيقته و يجري مجرى التمويه و الخداع و متى أطلق و لم يقيد أفاد ذم فاعله قال تعالى سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم و عصيهم تسعى و قال تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى و قد يستعمل مقيدا فيما يمدح و يحمد
روي أنه قدم على رسول الله ص الزبرقان بن بدر و عمرو بن الأهتم و قال لعمرو خبرني عن الزبرقان فقال مطاع في ناديه شديد العارض مانع لما وراء ظهره قال الزبرقان هو و الله يعلم أني أفضل منه فقال عمرو إنه زمر المروءة ضيق العطن أحمق الأب لئيم الخال يا رسول الله صدقت فيهما أرضاني فقلت أحسن ما علمت و أسخطني فقلت أسوأ ما علمت فقال رسول الله ص إن من البيان لسحرا
فسمى النبي ص بعض البيان سحرا لأن صاحبه يوضح الشيء المشكل و يكشف عن حقيقته بحسن بيانه و بليغ عبارته. فإن قيل كيف يجوز أن يسمي ما يوضح الحق و ينبئ عنه سحرا و هذا القائل إنما قصد إظهار الخفي لا إخفاء الظاهر و لفظ السحر إنما يكون عند إخفاء الظاهر. قلنا إنما سماه سحرا لوجهين الأول أن ذلك العذر للطفه و حسنه استمال القلوب فأشبه السحر الذي يستميل القلوب فمن هذا الوجه سمي سحرا لا من الوجه الذي ظننت. الثاني أن المقتدر على البيان يكون قادرا على تحسين ما يكون قبيحا و تقبيح ما يكون حسنا فذلك يشبه السحر من هذا الوجه في أقسام السحر.
و اعلم أن السحر على أقسام
القسم الأول سحر الكلدانيين و الكذابين الذين كانوا في قديم الدهر
و هم قوم يعبدون الكواكب و يزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم و منها تصدر الخيرات و الشرور و السعادة و النحوسة و هم الذين بعث الله تعالى إبراهيم مبطلا لمقالتهم و رادا عليهم في مذاهبهم. و هؤلاء فرق ثلاث
الفريق الأول هم الذين زعموا أن هذه الأفلاك و الكواكب واجبة الوجود في ذواتها
و أنه لا حاجة بهذية ذواتها و صفاتها إلى موجب و مدبر و خالق و علة البتة ثم إنها هي المدبرة لعالم الكون و الفساد و هؤلاء هم الصابئة الدهرية
و الفريق الثاني الذين قالوا الجسم يستحيل أن يكون واجبا لذاته
لأن كل جسم مركب و كل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه و كل واحد من أجزائه غيره فكل جسم فهو مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته و كل ممكن لذاته فهو مؤثر فله مؤثر و هذه الأجرام الفلكية و الكوكبية لا بد لها من مؤثر ثم قالوا ذلك المؤثر إما أن يكون حادثا أو قديما فإن كان حادثا افتقر إلى مؤثر آخر و لزم التسلسل و هو محال و إن كان قديما فإما أن يكون كل ما لا بد منه في مؤثريته حاصلا في الأزل أو ليس كذلك و يدخل في هذا التقسيم قول من يقول إنه إنما خلق العالم في الحيز الذي خلقه فيه لأن خلقه في ذلك الحيز أصلح من خلقه في حيز آخر أو لأن خلقه كان موقوفا على انقضاء الأزل أو لأن خلقه كان موقوفا على حضور وقت معين إما مقدر أو محقق فإن قلنا إن كل ما لا بد منه في مؤثريته كان حاصلا في الأزل لزم أن يكون الأثر واجب الترتب عليه في أزل لأن الأزل لو لم يكن واجب الترتب عليه فهو إما ممتنع الترتب عليه فهو ليس بمؤثر البتة و قد فرضناه مؤثرا هذا خلف و إن كان ممكن الترتب عليه و ممكن اللاترتب عليه أيضا فلنفرض تارة مصدرا للأثر بالفعل و أخرى غير مصدر له بالفعل فامتياز الحيز الذي صار المؤثر فيه مصدرا للأثر بالفعل عن الحيز الذي لم يصر فيه كذلك إما أن يتوقف على انضمام قيد إليه أو لم يتوقف فإن توقف لم يكن الحاصل قبل انضمام هذا القيد إليه كل ما لا بد منه في المؤثرية و قد فرضناه كذلك و هذا خلف و إن لم يتوقف فقد ترجح الممكن من غير مرجح البتة و تجويزه يسد باب الاستدلال بالممكن على وجود الصانع و أما إن قلنا بأن كل ما لا بد منه في المؤثرية ما كان حاصلا في الأزل فإن استمر ذلك السلب وجب أن لا يصير البتة مؤثرا لكنا قد فرضناه مؤثرا في الأزل هذا خلف و إن تغير فقد حدث بعض ما لا بد منه في المؤثرية فإن كان حدوثه لا لأمر فقد وقع الممكن لا عن مؤثر و هو محال و إن كان حدوثه لأمر لم يكن الشيء الذي فرضناه حادثا أولا كذلك لأنه حصل قبله حادث آخر و كنا فرضناه حادثا أولا و هذا خلف و أيضا فإنا ننقل الكلام إليه و يلزم التسلسل و هو محال. قالوا و هذا يقتضي استناد الممكنات إلى مؤثر تام المؤثرية في الأزل و متى كان كذلك وجب كون الآثار أزلية دائمة فهذا يقتضي أن لا يحصل في العالم شيء من التغيرات البتة لكن التغيرات مشاهدة قطعا فلا بد من حيلة فنقول ذلك المؤثر القديم الواجب لذاته إلا أن كل حادث مسبوق بحادث آخر حتى يكون انقضاء المتقدم شرطا لحصول المتأخر عن ذلك المبدإ القديم و على هذا الطريق يصير المبدأ القديم مبدأ للحوادث المتغيرة فإذن لا بد من توسط حركة دائمة يكون كل جزء منها مسبوقا بالآخر لا إلى أول و هذه الحركة يمتنع أن تكون مستقيمة و إلا لزم القول بأبعاد غير متناهية و هو محال فلا بد من جرم متحرك بالاستدارة و هو الفلك فثبت أن حركات الأفلاك كالمبادئ القريبة للحوادث الحادثة في هذا العالم و المدبرات الملاصقة بها فلا جرم قالوا بإلهيتها و اشتغلوا بعبادتها و تعظيمها و اتخذوا لكل واحد منها هيكلا مخصوصا و صمنا معينا فاشتغلوا بخدمتها فهذا هو دين عبدة الأصنام و الأوثان ثم إن هؤلاء قالوا إن المبدأ الفاعلي لا يكفي وجوده في حصول الفعل بل لا بد من حضور المبدإ القابلي المنفعلي و لا يكفي حضوره أيضا ما لم تكن الشرائط حاصلة و الموانع زائلة و ربما حدث أمر مشكل غريب في العالم الأعلى يصلح لإفادة هيئة غريبة في مادة العالم الأسفل فإذا لم تكن المادة السفلية متهيئة لقبول تلك الهيئة من الأشكال العلوية لم تحدث تلك الهيئة ثم إن فوات تلك التهيؤ تارة تكون لأجل كون المادة ممنوة بالمعوقات المانعة عن قبول ذلك الأثر و تارة لأجل فوات
بعض الشرائط لكن لو تهيأت لنا تقدمه المعرفة بطبيعة ذلك التشكل و بوقت حدوثه و بطبيعة الأمور المعتبرة في كون المادة السفلية قابلة لذلك الأثر لكان يمكننا تهيئة المادة لقبول ذلك الأثر و إماطة الموانع عنها و تحصيل المعدات لها حتى يتم ذلك الفيضان و يسري في القابليات لما تقرر أن الفاعل التام متى لقي المنفعل التام ظهر الفعل التام لا محالة فإذا عرفت هذا فالساحر هو الذي يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها و مركباتها و يعرف ما يليق بكل واحد من العوالم السفلية و يعرف المعدات ليعدها و العوائق لينحيها معرفة بحسب الطاقة البشرية فحينئذ يكون الإنسان متمكنا من استجذاب ما يخرق العادة و من دفع ما يدافعها بتقريب المنفعل من الفاعل و هذا معنى قول بطلميوس علم النجوم منك و منها فهذا هو الإشارة إلى خلاصة قوله الفلاسفة الصابئة في حقيقة السحر و ماهيته
الفريق الثالث الذين أثبتوا لهذه الأفلاك و الكواكب فاعلا مختارا
خلقها و أوجدها بعد العدم إلا أنهم قالوا إنه سبحانه أعطاه قوة عالية نافذة في هذا العالم و فوض تدبير هذا العالم إليهم قالوا الدليل على كون هذه الأجرام الفلكية أحياء وجهان الأول أنه لا شك أن الحياة أشرف من الجمادية فكيف يحسن في الحكمة خلق الحياة في الأجسام الخسيسة نحو أبدان الديدان و الخنافس و إخلاء هذه الأجرام الشريفة النورانية الروحانية عن الحياة الثاني أن هذه الأفلاك متحركة بالاستدارة فحركتها إما أن تكون طبيعية أو قسرية أو إرادية لا جائز أن تكون طبيعية لأن المهروب عنه بالطبع لا يكون بعينه مطلوبا بالطبع و كل نقطة فرضنا الفلك متحركا عنه فإن حركته عنها هي عين حركته إليها فيستحيل كون تلك الحركة طبيعية و لا جائز أن تكون قسرية لأن القسر هو الذي يكون على خلاف الطبيعة فإذ قد بطلت الطبيعية وجب بطلان كونها قسرية و لما بطل القسمان ثبت كونها إرادية فثبت أن الأفلاك و الكواكب أجرام حية عاقلة قالوا إذا ثبت هذا فنقول الوقوف على جميع الطبائع العلوية و السفلية مما لا يفي به وسع البشر و طاقة النفس الناطقة لوجوه أربعة أولها أنه لا سبيل إلى إثبات الكواكب إلا بواسطة القوة الباصرة و لا ارتياب أنها عن إدراك الصغير من البعيد قاصرة فإن أصغر كوكب مما في القدر السابع من الفلك الثامن و هو الذي يمتحن به حدة البصر مثل كرة الأرض بضع عشرة مرة و إن كرة الأرض أعظم من العطارد كذا ألف مرة فلو تكوكب الفلك الأعظم بكواكب على قدر الكواكب الصغيرة المذكورة من الثوابت فلا شك أن الحس لا يدركه و البصر لا يمتد عليه فضلا عما يكون في مقدار عطارد أو أصغر منه و على هذا التقدير لا يبعد أن يكون في السماوات كواكب كثيرة فعالة و إن كنا لا نعرف وجودها فضلا عن أن نعرف طبائعها و لهذا نقل صاحب كتاب تتكلوشا عن رواياي البشر أنه بقي في الفلك وراء الكواكب المرصودة كواكب لم ترصد إما لفرط صغرها أو لخفاء آثارها و أفعالها. و ثانيها أن الكواكب التي نراها ليست بأسرها مرصودة بل المرصودة منها ألف و اثنان و عشرون و البواقي غير مرصودة و مما يحقق ذلك ما ثبت بالدلالة أن المجردة ليست إلا أجرام كوكبيه صغيرة جدا مرتكزة في فلك الثوابت على هذا السمت المخصوص و ظاهر أن الوقوف على طبائعها متعذرة. و ثالثها أن هذه الكواكب المرصودة مما لم يحصل الوقوف التام على طبائعها لأن أقوال الأحكاميين ضعيفة قليلة الحاصل لا سيما في طبائع الثوابت. و رابعها أنا بتقدير أن نعرف طبائع هذه الكواكب على بساطتها لكنه لا يمكننا الوقوف على طبائعها حال امتزاجها إلا على سبيل التقريب البعيد عن التحقيق. ثم إنا نعلم أن الحوادث الحادثة في هذا العالم لا يصدر عن طبائعها البسيطة و إلا لدامت هذه الحوادث بدوام تلك الطبائع بل إنما يحصل عن امتزاجاتها و تلك الامتزاجات غير متناهية فلا سبيل إلى الوقوف عليها على سبيل القياس فقد ثبت
بهذه الوجوه الأربعة تعذر الوقوف على طبائعها الفعالة و أما القوى المنفعلة فالوقوف التام عليها كالمتعذر لأن القبول التام لا يتحقق إلا مع شرائط مخصوصة في القابل من الكم و الكيف و الوضع و الأين و سائر المقولات و المواد السفلية غير ثابتة على حالة واحدة بل هي أبدا في الاستحالة و التغير و إن كان لا يظهر في الحس فقد ظهر بما قررنا أن الوقوف التام على أحوال القوى الفعالة السماوية و القوى الأرضية المنفعلة غير حاصل للبشر و لو حصل ذلك لأحد لوجب أن يكون ذلك الشخص عالما بجميع التفاصيل الحاصلة من الماضية و الآتية و أن يكون متمكنا من إحداث جميع الأمور التي لا نهاية لها. ثم قالوا فهذه المباحث و الملامح مما يوهن العقل عن التمكن من هذه الصناعة إلا أنه نعم ما قيل من أن ما لا يدرك كله لا يترك كله فالقوى البشرية و إن قصرت عن اكتناه هذه القوى العالية الفعالة و السافلة المنفعلة و لكن يمكنها الاطلاع على بعض أحوالها و إن كان ذلك القدر تافها حقيرا بالنسبة إلى ما في الوجود لكنه عظيم بالنسبة إلى قدرة الإنسان و قوته لأن الأحكاميين من أهل النجوم قد وقفوا بسبب التجارب المتطاولة قرنا بعد قرن على كثير من أحوال السبعة السيارة و كثير من الثوابت و عرفوا من أحوال البروج و الحدود و الوجوه و المثلثات ما يعظم الانتفاع بمعرفته لمن اطلع عليه و أحاط به و ليس يلزمنا أنه لما تعذر علينا تحصيل اليقين التام بها بواسطة البراهين المنطبقة أن يترك الانتفاع بها مع ما تشاهد من صحة قوانينها الكلية كما لا يلزم من عدم قيام الدلائل الطبيعية على طبائع الأغذية و الأدوية البسيطة و المركبة أن لا ينتفع بها بل هذه الصناعة أولى بالرعاية من صناعة الطب و ذلك لأنهما بعد اشتراكهما في عدم البراهين المنطبقة على مطالبها امتازت هذه الصناعة عن صناعة الطب بوصف نافع و ذلك أن الدواء المتناول لو لم ينفع يحصل من تناوله ضرر عظيم و أما هذه الصناعة فلو لن تنفع لم تضر و أما ظن حصول النفع فهو قائم في الموضعين و إذا كان كذلك كانت هذه الصناعة أولى بالرعاية من صناعة الطب. فإن قال قائل كيف السبيل إلى معرفة طبائع هذه الكواكب و البروج و أما التجربة فهي متعذرة و ذلك لأن أقل ما لا بد منه في التجربة أن يعود الأمر مرتين و عودة الفلك إلى شكله المعين ممتنع عند بعض الفلاسفة و لو أمكن على بعده فإنما يقع لو عاد جميع الكواكب إلى الموضع الذي كان واقفا عليه في المرة الأولى و ذلك مما لا يحصل إلا بعد المدة التي تسمى بعمر العالم فأي عمر يفي بذلك و أي عقل يصل إليه. الجواب أنه لا حاجة في هذه التجربة إلى عود الفلك إلى الشكل الأول من جميع الوجوه بل لما رأينا كوكبا حصل في برج و صدر عنه أثر و شاهدنا هذا الأثر مع حصوله في ذلك البرج مدة بعد أخرى غلب على ظننا أن حصوله في ذلك البرج مستعقب لهذا الأثر و هذا القدر كاف في حصول الظن و أيضا قد تحصل معرفة طبائع هذه الكواكب على سبيل الإلهام يحكى عن جالينوس أنه عرف كثيرا من الأمور الطبية برؤيا رآها و إذا كان ذلك ممكنا فلا سبيل إلى دفعه. قالوا إذا ثبت ذلك فإن التجارب التي مارسها الأحكاميون من المنجمين دلت على أن لكل اختصاصا بأشياء معينة في هذا العالم من الأمكنة و الأزمنة و الأيام و الساعات و الأغذية و الروائح و الأشكال التي يتعلق بها كوكب معين في وقت يكون الكوكب فيه قويا على ذلك الفعل الذي يطلب منه لم يبعد أن يحصل ذلك الأثر الخارق للعادة لا سيما إذا كان المتولي لمباشرة ذلك العمل القوي النفس صافي الروح بحيث يكون روحه في الاستعلاء و الاستيلاء من جوهر الأرواح السماوية فهناك يتم الأمر و يحصل الغرض فهذا مجموع أقوال الصابئة في تقرير هذا النوع من السحر. أما المعتزلة فقد اتفقت كلمتهم على أن غير الله لا يقدر على خلق الجسم
و الحياة و اللون و الطعم و احتجوا بوجوه ذكرها القاضي و لخصها في تفسيره و في سائر كبته و نحن ننقل تلك الوجوه و ننظر فيها أولها و هو النكتة العقلية التي عليها يقولون إن كل ما سوى الله إما متحيز أو قائم بالمتحيز فلو كان غير الله فاعلا للجسم و الحياة لكان ذلك الغير متحيزا و ذلك المتحيز لا بد و أن يكون قادرا بالقدرة إذ لو كان قادرا لذاته لكان كل جسم كذلك بناء على أن الأجسام متماثلة لكن القادر بالقدرة لا يصح منه فعل الجسم و الحياة و يدل عليه وجهان الأول أن العلم الضروري حاصل بأن الواحد منا لا يقدر على خلق الجسم و الحياة ابتداء فقدرتنا مشتركة في امتناع ذلك عليها فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة و لا مشترك هاهنا إلا كوننا قادرين بالقدرة و إذا ثبت هذا وجب في من كان قادرا بالقدرة أن يتعذر عليه فعل الجسم و الحياة. الثاني أن هذه القدرة التي لنا لا شك أن بعضها يخالف بعضا فلو قدرنا قدرة صالحة لخلق الجسم و الحياة لم يكن مخالفتها لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض فلو كفى ذلك القدر من المخالفة في صلاحيتها لخلق الجسم لوجب في هذه القدرة التي يخالف بعضها بعضا أن تكون صالحة لخلق الجسم و الحياة و لما لم يكن كذلك علمنا أن القادر بالقدرة لا يقدر على خلق الجسم و الحياة. و ثانيها أنا لو جوزنا ذلك لتعذر الاستدلال بالمعجزات على النبوات لأنا لما جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية لم يمكننا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي الأمناء صدرت عن الله تعالى بل يجوز فيها أنهم أتوا بها من طريق السحر و حينئذ يبطل القول بالنبوات من كل الوجوه. و ثالثها أنا لو جوزنا أن يكون في الناس من يقدر على خلق الجسم و الحياة و الألوان لقدر ذلك الإنسان على تحصيل الأموال العظيمة من غير تعب لكنا نرى من يدعي السحر متوسلا إلى اكتساب الحقير من المال بجهد جهيد فعلمنا كذبه و بهذا الطريق يعلم فساد ما يدعيه قوم من الكيمياء فإنا نقول لو أمكنهم ببعض الأدوية أن يقلبوا غير الذهب ذهبا لكان إما أن يمكنهم ذلك بالقليل من الأموال فكان ينبغي أن يغنوا أنفسهم بذلك عن المشقة و الذلة أو لا يمكن إلا بالآلات العظام و الأموال الخطيرة فكان يجب أن يظهروا ذلك للملوك المتمكنين من ذلك بل كان يجب أن يفطن الملوك لذلك لأنه أنفع لهم من فتح البلاد التي لا يتم إلا بإخراج الأموال و الكنوز و في علمنا بانصراف النفوس و الهمم عن ذلك دلالة على فساد هذا القول قال القاضي فثبت بهذه الجملة أن الساحر لا يصح أن يكون فاعلا لشيء من ذلك. و اعلم أن هذه الدلائل ضعيفة جدا أما الوجه الأول فنقول ما الدليل على أن كل ما سوى الله تعالى إما أن يكون متحيزا أو قائما بالمتحيز أ ما علمتهم أن الفلاسفة مصرون على إثبات العقول و النفوس الفلكية و النفوس الناطقة و زعموا أنها في أنفسها ليست بمتحيزة و لا قائمة بالمتحيز فما الدليل على فساد القول بها. فإن قالوا لو وجد موجود هكذا لزم أن يكون مثلا لله تعالى قلنا لا نسلم و ذلك لأن الاشتراك في السلوب لا يقتضي الاشتراك في الماهية سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون بعض الأجسام يقدر على ذلك لذاته قوله الأجسام متساوية فلو كان جسم كذلك لكان كل جسم كذلك قلنا ما الدليل على تماثل الأجسام. فإن قالوا إنه لا معنى للجسم إلا الممتد في الجهات الشاغل للأحياز فلا تفاوت بينها في هذا المعنى
قلنا الامتداد في الجهات و الشغل للأحياز صفة من صفاتها و لازم من لوازمها و لا بد أن تكون الأشياء المختلفة في الماهية مشتركة في بعض اللوازم سلمنا أنه يجب أن يكون قادرا بالقدرة فلم قلتم إن القادر بالقدرة لا يصح منه خلق الجسم و الحياة قوله لأن القدرة التي لنا مشتركة في هذا الامتناع فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة و لا مشترك سوى كوننا قادرين بالقدرة قلنا هذه المقدمات بأسرها ممنوعة فلا نسلم أن الامتناع حكم معلل و ذلك لأن الامتناع عدمي و العدمي لا يعلل سلمنا أنه أمر وجودي و لكن من مذهبهم أن كثيرا من الأحكام لا يعلل فلم لا يجوز أن يكون هاهنا كذلك سلمنا أنه معلل فلم قلتم إن الحكم المشترك لا بد له عن علة مشتركة أ ليس أن القبح حصل في الظلم معللا بكونه ظلما و في الكذب بكونه كذبا و في الجهل بكونه جهلا سلمنا أنه لا بد من علة مشتركة لكن لا نسلم أنه لا مشترك إلا كوننا قادرين بالقدرة فلم لا يجوز أن تكون هذه القدرة التي لنا مشتركة في وصف معين و تلك القدرة التي تصلح لخلق الجسم تكون خارجة عن ذلك الوصف فما الدليل على أن الأمر ليس كذلك. أما الوجه الثاني و هو أنه ليست مخالفة تلك القدرة لبعض هذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض فنقول هذا أضعف لأنا لا نعلل صلاحيتها لخلق الجسم بكونها مخالفة لهذه القدرة بل لخصوصيتها المعينة التي لأجلها خالفت سائر القدر و تلك الخصوصية معلوم أنها غير حاصلة في سائر القدر و نظير ما ذكروه أن يقال ليست مخالفة الصوت للبياض أشد من مخالفة السواد للبياض فلو كانت تلك المخالفة مانعة للصوت من صحة أن يرى لوجب لكون السواد مخالفا للبياض أن يمتنع رؤيته و لما كان هذا الكلام فاسدا فكذا ما قالوه و العجب من القاضي أنه لما حكي هذه الوجوه عن الشعرية في مسألة الرؤية زيفها بهذه الأسئلة ثم إنه نفسه تمسك بها في هذه المسألة التي هي الأصل في إثبات النبوة و الرد على من أثبت متوسطا بين الله و بيننا. أما الوجه الثالث و هو أن القول بصحة النبوات لا يبقى مع تجويز هذا الأصل فنقول إما أن يكون القول بصحة النبوات متفرعا على فساد هذه القاعدة أو لا يكون فإن كان الأول امتنع إفساد هذا الأصل بالبناء على صحة النبوات و إلا وقع الدور و إن كان الثاني فقد سقط هذا الكلام بالكلية. و أما الوجه الرابع فلقائل أن يقول الكلام في الإمكان غير و في الوقوع غير و نحن لا نقول بأن هذه الحالة حاصلة لكل أحد بل هذه الحالة لا تحصل للبشر إلا في الأعصار المتباعدة فكيف يلزمنا ما ذكرتموه فهذا هو الكلام في النوع الأول من السحر
النوع الثاني من السحر سحر أصحاب الأوهام و النفوس القوية
قالوا اختلف الناس في أن الذي يشير إليه كل إنسان بقوله أنا ما هو فمن الناس من يقول إنه هو هذه البنية و منهم من يقول إنه جسم سار في هذه البنية و منهم من يقول إنه موجود ليس بجسم و لا جسماني أما إذا قلنا إن الإنسان هو هذه البنية فلا شك أن هذه البنية مركبة من الأخلاط الأربعة فلم لا يجوز أن يتفق في بعض الأعصار النادرة أن يكون مزاج من الأمزجة في ناحية من النواحي يقتضي القدرة على خلق الجسم و العلم بالأمور الغائبة عنا و هكذا الكلام إذا قلنا إن الإنسان جسم سار في هذه البنية أما إذا قلنا إن الإنسان هو النفس فلم لا يجوز أن يقال النفوس مختلفة فيتفق في بعض النفوس أن تكون لذاتها قادرة على هذه الحوادث الغريبة مطلعة على الأسرار الغائبة عنا فهذا الاحتمال مما لم يقم دلالة على فساده سوى الوجوه المتقدمة و قد بان بطلانها. ثم الذي يؤكد هذا الاحتمال وجوه أولها أن الجذع الذي يتمكن الإنسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر على هاوية تحته و ما ذاك إلا لأن تخيل السقوط متى قوي أوجبه و ثانيها أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر و المصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان و الدوران و ما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام و ثالثها حكى صاحب الشفاء عن أرسطو في طبائع الحيوان أن الدجاجة إذا تشبهت كثيرا بالديكة في الصوت و في الجواب مع الديكة نبت على ساقيها مثل الشيء النابت على ساق الديك ثم قال صاحب الشفاء و هذا يدل على أن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية. و رابعها أجمعت الأمم على أن الدعاء مظنة للإجابة و أجمعوا على أن الدعاء اللساني الخالي عن المطلب النفساني قليل البركة عديم الأثر فدل ذلك على أن للهمم و النفوس آثارا و هذا الاتفاق غير مختص بملة معينة و نحلة مخصوصة و خامسها أنك لو أنصفت لعلمت أن المبادي القريبة للأفعال الحيوانية ليست إلا التصورات النفسانية لأن القوة المحركة المخلوقة المطبوعة المغروزة في العضلات صالحة للفعل و تركه أو ضده و لن يترجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح و ما ذاك إلا تصور كون الفعل جميلا أو لذيذا أو تصور كونه قبيحا أو مؤلما فتلك التصورات هي المبادئ لصيرورة القوى العضلية مبادئ بالفعل لوجود الأفعال بعد أن كانت كذلك بالقوة و إذا كانت هذه التصورات هي المبادئ لمبادئ هذه الأفعال فأي استبعاد في كونها مبادئ للأفعال بأنفسها و إلغاء الواسطة عن درجة الاعتبار و سادسها التجربة و العيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة لحدوث الكيفيات في الأبدان فإن الغضبان يشتد سخونة مزاجه حتى أنه يفيد سخونة قوية يحكى عن بعض الملوك أنه عرض له فالج فأعيا الأطباء مزاولة علاجه فدخل عليه بعض الحذاق منهم على حين غفلة منه و شافهه بالشتم و القدح
في العرض فاشتد غضب الملك و قفز من مرقده قفزة اضطرارية لما ناله من شدة ذلك الكلام فزالت تلك العلة المزمنة و المرضة المهلكة و إذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن و سابعها أن الإصابة بالعين أمر قد اتفق عليها العقلاء و ذلك أيضا يحقق إمكان ما قلناه. إذا عرفت هذا فنقول النفوس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفعال عن الاستعانة بالآلات و الأدوات و قد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه و تحقيقه أن النفس إذا كانت قوية مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات كانت كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم أما إذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن فإذا أراد هذا الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك الغير و وضعه عند الحس ليشتغل الحس به فيتبعه الخيال عليه و أقبلت النفس الناطقة عليه فقويت التأثيرات النفسانية و التصرفات الروحانية و لذلك اجتمعت الأمم على أنه لا بد لمزاول هذه الأعمال من الانقطاع عن المألوفات و المشتهيات و تقليله الغذاء و الانقطاع عن مخاطبة القلب فكلما كانت هذه الأمور أتم كان ذلك التأثير أقوى فإذا اتفق أن كانت النفس مناسبة لهذا الأمر نظرا إلى ماهيتها و خاصيتها عظم التأثير و السبب اللمي فيه أن النفس إذا اشتغلت بالجانب الواحد استعملت جميع قوتها في ذلك الفعل و إذا اشتغلت بالأفعال الكثيرة تفرقت قوتها و توزعت على تلك الأفعال فتصل إلى كل واحد من تلك الأفعال شعبة من تلك القوة و جدول من ذلك النهر و لذلك ترى أن إنسانين يستويان في قوة الخاطر إذا اشتغل أحدهما بصناعة واحدة و اشتغل الآخر بصناعتين فإن ذا الفن الواحد يكون أقوى من ذي الفنين و من حاول الوقوف على حقيقة مسألة من المسائل فإنه حال تفكره فيها لا بد و إن يفرغ خاطره عما عداه فإنه عند تفريغ الخاطر يتوجه الخاطر بكليته إليه فيكون الفعل أسهل و أحسن و إذا كان كذلك فإذا كان الإنسان مشغول الهم و الهمة بقضاء اللذات و تحصيل الشهوات كانت القوة النفسانية مشغولة بها مستغرقة فيها فلا يكون انجذابها إلى تحصيل الفعل الغريب الذي يحاوله انجذابا قويا لا سيما و هنا آفة أخرى و هي أن مثل هذه النفس اعتادت الاشتغال باللذات من أول أمرها إلى آخره و لم تشتغل قط باستحداث هذه الأفعال الغريبة فهي بالطبع حنون إلى الأول عزوف للثاني فإذا وجدت مطلوبها من النمط الأول فإني تلتفت إلى الجانب الآخر. فقد ظهر من هذا أن مزاولة هذه الأعمال لا تتأتى إلا مع التجرد عن الأحوال الجسمانية و ترك مخالطة الخلق و الإقبال بالكلية على عالم الصفا و الأرواح و أما الرقي فإن كانت معلومة فالأمر فيها ظاهر لأن الغرض منها أن حس البصر كما شغلناه بالأمور المناسبة لذلك الغرض فحس السمع نشغله أيضا بالأمور المناسبة لذلك الغرض فإن الحواس متى تطابقت نحو التوجه إلى الغرض الواحد كان توجه النفس إليه حينئذ أقوى و أما إذا كانت بألفاظ غير معلومة حصلت للنفس هناك حالة شبيهة بالحيرة و الدهشة و يحصل للنفس في أثناء ذلك انقطاع عن المحسوسات و إقبال على ذلك الفعل و جد عظيم فيقوى التأثير النفساني فيحصل الغرض و هكذا القول في الدخن. قالوا فقد ثبت أن هذا القدر من القوة النفسانية مستقل
بالتأثير فإن انضم إليه النوع الأول من السحر و هو الاستعانة بالكواكب و تأثيراتها عظم التأثير بل هاهنا نوعان آخران الأول أن النفوس التي فارقت الأبدان قد يكون فيها ما هو شديد المشابهة لهذه النفس في قوتها و في تأثيراتها فإذا صارت هذه النفوس صافية لم يبعد أن ينجذب إليها ما تشابهها من النفوس المفارقة و يحصل لتلك النفوس نوع ما من التعلق بهذا البدن فتعاضد النفوس الكثيرة على ذلك الفعل و إذا كملت القوة تزايدت قوى التأثير الثاني أن هذه النفوس الناطقة إذا صارت صافية عن الكدورات البدنية صارت قابلة للأنوار الفائضة من الأرواح السماوية و النفوس الفلكية فتتقوى هذه النفوس بأنوار تلك الأرواح فتقوى على أمور غريبة خارقة للعادة فهذا شرح سحر أصحاب الأوهام و الرقى
النوع الثالث من السحر الاستعانة بالأرواح الأرضية
و اعلم أن القول بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة و المعتزلة أما أكابر الفلاسفة فإنهم ما أنكروا القول به إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية و هي في أنفسها مختلفة منها خيرة و منها شريرة فالخير منهم الجن و الشريرة هم كفار الجن و شياطينهم ثم قال خلق منهم هذا الأرواح جواهر قائمة بأنفسها لا متحيزة و لا حالة في المتحيز و هي قادرة عالمة مدركة للجزئيات و اتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية إلا أن القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بسبب اتصالها بهذه الأرواح الأرضية أضعف من القوة الحاصلة لها بسبب اتصالها بتلك الأرواح السماوية إما أن الاتصال أسهل فلأن المناسبة بين نفوسنا و بين هذه الأرواح الأرضية أرسل فإن المشابهة و المشاكلة بينها أتم و أشد من المشاكلة بين نفوسنا و بين الأرواح السماوية و إما أن القوة الحاصلة بسبب الاتصال بالأرواح السماوية أقوى فلأن الأرواح السماوية بالنسبة إلى الأرواح الأرضية كالشمس بالنسبة إلى الشعلة و البحر بالنسبة إلى القطرة و السلطان بالنسبة إلى الرعية قالوا و هذه الأشياء و إن لم يقم على وجودها برهان قاهر فلا أقل من الاحتمال و الإمكان ثم إن أصحاب الصنعة و أرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى و الدخن و التجريد فهذا النوع هو المسمى بالعزائم و عمل تسخير الجن
النوع الرابع من السحر التخيلات و الأخذ بالعيون
فهذا النوع مبني على مقدمات أحدها أن أغلاط البصر كثيرة فإن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة و الشط متحركا و ذلك يدل على أن الساكن يرى متحركا و المتحرك يرى ساكنا و القطرة النازلة ترى خطا مستقيما و الزبالة التي تدار بسرعة ترى دائرة و القبة ترى في الماء كالإجاصة و الشخص الصغير يرى في الضباب عظيما و كبخار الأرض الذي يريك قرص الشمس عند طلوعها عظيما فإذا فارقته و ارتفعت صغرت و أما رؤية العظيم من البعيد صغيرا فظاهر فهذه الأشياء قد هدت العقول إلى أن القوة الباصرة قد تبصر الشيء على خلاف ما هو عليه في الجملة لبعض الأسباب العارضة. و ثانيها أن القوة الباصرة إنما تقف على المحسوس وقوفا تاما إذا أدركت المحسوس في زمان له مقدار فأما إذا أدركت المحسوس في زمان صغير جدا ثم أدركت بعده محسوسا آخر و هكذا فإنه يختلط البعض بالبعض و لا يتميز بعض المحسوسات عن البعض و لذلك فإن الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى محيطها خطوطا كثيرة بألوان مختلفة ثم استدارت فإن الحس يرى لونا واحدا كأنه مركب من كل تلك الألوان. و ثالثها أن النفس إذا كانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحس شيء آخر فلا يشعر الحس به البتة كما أن الإنسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه إنسان و يتكلم معه فلا يعرفه و لا يفهم كلامه لما أن قلبه مشغول بشيء آخر و كذا الناظر في المرآة فإنه ربما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها و لا يرى ما هو أكثر منها إن كان بوجهه أثر أو بجبهته أو بسائر أعضائه التي تقابل المرآة و ربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستو أم لا فلا يرى شيئا مما في المرآة إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلك تصور كيفية هذا النوع من السحر و ذلك لأن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به و يأخذ عيونهم إليه حتى إذا استفز عنهم الشغل بذلك الشيء و التحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل خفيا لتعلمون الشيئين أحدهما اشتغالهم بالأمر الأول و الثاني سرعة الإتيان بهذا العمل الثاني و حينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا و لو أنه سكت و لم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمل و لم تتحرك النفوس و الأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله فهذا هو المراد من قولهم إن المشعبذ يأخذ بالعيون لأنه بالحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال و كلما كان أخذه للعيون و الخواطر و جذبه لها إلى سواء مقصوده أقوى كان أحذق في عمله و كلما كانت الأحوال التي تفيد حس البصر نوعا من أنواع الخلل أشد كان هذا العمل أحسن مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدا فإن الضوء الشديد يفيد البصر كلالا و اختلالا و كذا الظلمة الشديدة و كذلك الألوان المشرقة القوية تفيد البصر كلالا و اختلالا و الألوان المظلمة قلما تقف القوة الباصرة على أحوالها فهذا مجامع القول في هذا النوع من السحر
النوع الخامس من السحر
الأعمال العجيبة التي تطرأ من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية تارة و على ضروب الخيلاء أخرى مثل فارسين يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر و كفارس على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير أن يمسه أحد و منها الصور التي تصورها الروم و أهل الهند حتى لا يفرق الناظر بينها و بين الإنسان حتى يصورونها ضاحكة و باكية و حتى يفرق فيها بين ضحك السرور و ضحك الخجل و ضحك الشامت فهذه الوجوه من لطيف أمور التخائيل و كان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب و من هذا الباب تركيب صندوق الساعات و يندرج في هذا الباب علم جر الأثقال و هو أن يجر ثقيلا عظيما بآلة خفيفة و هذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعده من باب السحر لأن لها أسبابا معلومة تعيينية من اطلع عليها قدر عليها إلا أن الاطلاع عليها لما كان عسرا شديدا لا يصل إليه إلا الفرد بعد الفرد لا جرم عد أهل الظاهر ذلك من باب السحر و من هذا الباب عمل ارجعانوس الموسيقات في هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه و ذلك أنه اتفق له أن كان مجتازا بفلاة من الأرض فوجد فيها فرخا من فراخ البراصل و البراصل هو طائر عطوف فكان يصفر صفيرا حزينا بخلاف صفير سائر البراصل فكانت البراصل تجيئه بلطائف الزيتون فتطرحها عنده فيأكل بعضها و يفضل بعضها عن حاجته فوقف هذا الموسيقات هناك و تأمل حال هذا الفرخ و علم أن في صفيره المخالف لصفير البراصل ضربا من التوجع و الاستعطاف حتى رقت له الطيور و جاءته بما يأكله فتلطف لعمل آلة تشبه الصفارة إذا استقبل الريح بها أدت ذلك الصفير و لم يزل يجرب ذلك حتى وثق بها و جاءته البراصل بالزيتون كما كانت تجيء إلى ذلك الفرخ لأنها تظن أن هناك فرخا من جنسها فلما صح له ما أراد أظهر النسك و عمد إلى هيكل أورشليم و سأل عن الليلة التي دفن فيها اسطرحن الناسك القيم بعمارة ذلك الهيكل فأخبر أنه دفن في أول ليلة من آب فأخذ صورة من زجاج مجوف على هيئة البرصلة و نصبها فوق ذلك الهيكل و جعل فوق تلك الصورة قبة و أمرهم بفتحها في أول آب فكان يظهر صوت البرصلة بسبب نفوذ الريح في تلك الصورة و كانت البراصل تجيء بالزيتون حتى كانت تمتلئ القبة كل يوم من ذلك الزيتون و الناس اعتقدوا أنه من كرامات ذلك المدفون و يدخل في هذا الباب أنواع كثيرة لا يليق شرحها في هذا الموضع.
النوع السادس من السحر الاستعانة بخواص الأدوية
من أن يجعل في طعامه بعض الأدوية المبلدة المزيلة للعقل و الدخن المسكرة نحو دماغ الحمار إذا تناول الإنسان تبلد عقله و قلت فطنته و اعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه و خلطوا الصدق بالكذب و الباطل بالحق
النوع السابع من السحر تعليق القلب
و هو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم و أن الجن يطيعونه و ينقادون له في أكثر الأمور فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التميز اعتقد أنه حق و تعلق قلبه بذلك و حصل في نفسه نوع من الرعب و المخافة فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل حينئذ ما شاء و إن من جرب الأمور و عرف أحوال العالم علم أن لتعلق القلب أثرا عظيما في تنفيذ الأعمال و إخفاء الأسرار.
النوع الثامن من السحر السعي بالنميمة و التضريب من وجوه خفية لطيفة
و ذلك شائع في الناس فهذا جملة الكلام في أقسام السحر و شرح أنواعه و أصنافه و الله أعلم.
المسألة الحادية عشر في أقوال المسلمين
أن هذه الأنواع هل هي ممكنة أم لا أما المعتزلة فقد اتفقوا على إنكارها إلا النوع المنسوب إلى التخيل و المنسوب إلى إطعام بعض الأدوية المبلدة و المنسوب إلى التضريب و النميمة و أما الأقسام الخمسة الأول فقد أنكروها و لعلهم كفروا من قال بها و جوز وجودها و أما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء و يقلب الإنسان حمارا و الحمار إنسانا إلا أنهم قالوا إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء عند ما يقرأ الساحر رقى مخصوصة و كلمات معينة فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك و النجوم فلا و أما الفلاسفة و المنجمون و الصابئة فقولهم على ما سلف تقريره. و احتج أصحابنا على فساد قول الصابئة أنه قد ثبت أن العالم محدث فوجب أن يكون موجودة قادرا فإن الشيء الذي حكم العقل بأنه مقدوره إنما يصح أن يكون مقدورا له لكونه ممكنا و الإمكان قدر مشترك بين كل الممكنات فإذن كل الممكنات مقدور لله و لو وجد شيء من تلك المقدورات بسبب آخر يلزم أن يكون ذلك السبب مزيلا لتعلق قدرة الله تعالى بذلك المقدور فيكون الحادث سببا لعجز الله و هو محال فثبت أنه يستحيل وقوع شيء من الممكنات إلا بقدرة الله و عنده يبطل كل ما قاله الصابئة. قالوا إذا ثبت هذا النوع فندعي أنه لا يمتنع وقوع هذه الخوارق بإجراء العادة عند سحر السحرة فقد احتجوا على وقوع هذا النوع من السحر بالقرآن و الخبر أما القرآن فقوله تعالى في هذه الآية وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ و الاستثناء يدل على حصول الآثار بسببه و أما الأخبار فأحدها ما روي أنه ع سحر و أن السحر عمل فيه حتى قال إنه ليخيل إلي أني أقول الشيء و أفعله و لم أقله و لم أفعله و إن امرأة يهودية سحرته و جعلت ذلك السحر تحت راعوفة البئر فلما استخرج ذلك زال عن النبي ص ذلك العارض و نزلت المعوذتان بسببه. و ثانيها أن امرأة أتت عائشة فقالت لها إني ساحرة فهل لي من توبة فقالت و ما سحرك فقالت صرت إلى الموضع الذي فيه هاروت و ماروت ببابل أتعلم علم السحر فقالا لي يا أمة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا فأبيت فقالا لي اذهبي فبولي على ذلك الرماد فذهبت لأبول عليه ففكرت في نفسي فقلت لا فعلت و جئت إليهما فقلت قد فعلت فقالا لي ما رأيت لما فعلت فقلت ما رأيت شيئا فقالا لي أنت على رأس أمرك فاتقي الله و لا تفعلي فأبيت فقالا لي اذهبي فافعلي فذهبت ففعلت فرأيت كأن فارسا مقنعا بالحديد قد خرج من فرجي فصعد إلى السماء فجئتهما فأخبرتهما فقالا إيمانك قد خرج عنك فقد أحسنت السحر فقلت و ما هو قالا لا تريدين شيئا فتصورينه في وهمك إلا كان فصورت في نفسي حبا من حنطة فإذا أنا بحب فقلت انزرع فانزرع فخرج من ساعته سنبلا فقلت انطحن فانطحن فقلت انخبز فانخبز و أنا لا أريد شيئا أصوره في نفسي إلا حصل فقالت عائشة ليست لك توبة. و ثالثها ما يذكرونه من الحكايات الكثيرة في هذا الباب و هي مشهورة أما المعتزلة فقد احتجوا على إنكاره بوجوه أحدها قوله تعالى وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى و ثانيها قوله تعالى في صفة محمد ص وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً و لو صار ص مسحورا لما استحقوا الذم بسبب هذا القول و ثالثها أنه لو جاز ذلك من الساحر فكيف يتميز المعجز من السحر ثم قالوا هذه الدلائل يقينية و الأخبار التي ذكرتموها من باب الآحاد فلا تصلح معارضة لهذه الدلائل.
المسألة الثانية عشر في أن العلم بالسحر ليس بقبيح و لا محظور
اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف و أيضا لعموم قوله تعالى هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و لأن السحر لو لم يعلم لما أمكن الفرق بينه و بين المعجز و العلم بكون المعجز معجزا واجب و ما يتوقف الواجب عليه فهو واجب فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا و ما يكون واجبا كيف يصير حراما و قبيحا.
المسألة الثالثة عشر في أن الساحر هل يكفر أم لا
اختلف الفقهاء في أن الساحر هل يكفر أم لا
روي عن النبي ص أنه قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقهما بقول فقد كفر بما أنزل على محمد
و اعلم أنه لا نزاع بين الأمة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم و هي الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور فإنه يكون كافرا على الإطلاق و هذا هو النوع الأول من السحر و أما النوع الثاني و هو أن يعتقد أنه قد يبلغ روح الإنسان في التصفية و القوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد الأجسام و الحياة و القدرة و تغيير البنية و الشكل فالأظهر إجماع الأمة أيضا على تكفيره أما النوع الثالث و هو أن يعتقد الساحر أنه قد يبلغ في التصفية و قراءة الرقي و تدخين بعض الأدوية إلى حيث يخلق الله تعالى في عقب أفعاله على سبيل العادة الأجسام و الحياة و القدرة و تغيير البنية و الشكل فهنا المعتزلة اتفقوا على تكفير من يجوز ذلك قالوا لأنه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه أن يعرف صدق الأنبياء و الرسل و هذا ركيك من القول فإن لقائل أن يقول إن الإنسان لو ادعى النبوة و كان كاذبا في دعواه فإنه لا يجوز من الله تعالى إظهار هذه الأشياء على يده لئلا يحصل التلبيس أما إذا لم يدع النبوة و ظهرت هذه الأشياء على يده لم يفض ذلك إلى التلبيس لأن المحق يتميز عن المبطل بما أن المحق تحصل له هذه الأشياء مع ادعاء النبوة و أما سائر الأنواع التي عددناه من السحر فلا شك أنه ليس بكفر. فإن قيل إن اليهود لما أضافوا السحر إلى سليمان قال الله تعالى تنزيها عنه وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ و هذا يدل على أن السحر على الإطلاق كفر و أيضا قال وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ و هذا أيضا يقتضي أن يكون السحر على الإطلاق كفرا و حكي عن الملكين أنهما لا يعلمان أحدا السحر حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ و هو يدل على أن السحر كفر على الإطلاق. قلنا حكاية الحال يكفي في صدقها صورة واحدة فنحملها على سحر من يعتقد إلهية النجوم
ثم قال بعد إيراد المسألة الرابعة عشر في حكم قتل الساحر فهذا هو الكلام الكلي في السحر و لنرجع إلى التفسير أما قوله تعالى وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فظاهر الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لأجل أنهم كانوا يعلمون الناس السحر لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية و تعليم ما لا يكون كفرا لا يوجب الكفر فصارت الآية دالة على أن تعليم السحر كفر و على أن السحر أيضا كفر و لمن منع ذلك أن يقول لا نسلم أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية بل المعنى أنهم كفروا و هم مع ذلك يعلمون السحر. فإن قيل هذا مشكل لأن الله أخبر في آخر الآية أن الملكين يعلمان السحر فلو كان تعليم السحر كفرا لزم تكفير الملكين و أنه غير جائز لما ثبت أن الملائكة بأسرهم معصومون و أيضا فلأنكم دللتم على أنه ليس كلما يسمى سحرا فهو كفر. قلنا اللفظ المشترك لا يكون عاما في جميع مسمياته فنحن نحمل هذا السحر الذي هو كفر على النوع الأول من الأشياء المسماة بالسحر و هو اعتقاد إلهية الكواكب و الاستعانة بها في إظهار المعجزات و خوارق العادات فهذا السحر كفر و الشياطين إنما كفروا بإتيانهم بهذا السحر لا بسائر الأقسام و أما الملكان فلا نسلم أنهما إنما علما هذا النوع من السحر بل لعلهما يعلمان سائر الأنواع على ما قال تعالى فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ و أيضا فبتقدير أن يقال إنهما علما هذا النوع إنما يكون كفرا إذا قصد المعلم أن يعتقد المتعلم حقيته و كونه صوابا فأما أن يعلمه ليحترز عنه فهذا التعليم لا يكون كفرا و تعليم الملائكة كان لأجل أن يصير المكلف محترزا عنه على ما قال تعالى حكاية عنهما وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ و أما الشياطين الذين علموا السحر الناس فكان مقصودهم اعتقاد حقية هذه الأشياء فظهر الفرق.
المسألة الخامسة عشر
قرأ نافع و ابن كثير و عاصم و أبو عمرو بتشديد لكِنَّ و الشَّياطِينُ بالنصب على أنه اسم لكن و الباقون لكن بالتخفيف و الشياطين بالرفع و المعنى واحد
أما قوله تعالى وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ ففيه مسائل
الأولى ما في قوله وَ ما أُنْزِلَ
فيه وجهان الأول أنه بمعنى الذي ثم هؤلاء اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال أولها أنه عطف على السحر أي يعلمون الناس السحر و يعلمونهم ما أنزل على الملكين أيضا. و ثانيها أنه عطف على قوله ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ أي و اتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ لأن السحر منه ما هو كفر و هو الذي تتلوا الشياطين و منه ما تأثيره بالتفريق بين المرء و زوجه و هو الذي أنزل على الملكين فكأنه تعالى أخبر عن اليهود بأنهم اتبعوا كلا الأمرين و لم يقتصروا على أحدهما. و ثالثها أن موضعه جر عطفا على ملك سليمان و تقديره ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان و على ما أنزل على الملكين و هو اختيار أبي مسلم و أنكر في الملكين أن يكون السحر نازلا عليهما. و احتج عليه بوجوه الأول أن السحر لو كان نازلا عليهما لكان منزله هو الله تعالى و ذلك غير جائز لأن السحر كفر و عبث و لا يليق بالله تعالى إنزال ذلك. الثاني أن قوله وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ يدل على أن تعليم السحر كفر و لو ثبت في الملائكة أنهم يعلمون السحر لزمهم الكفر و ذلك باطل. الثالث كما لا يجوز في الأنبياء أن يبعثوا لتعليم السحر فكذلك في الملائكة بالطريق الأولى. الرابع أن السحر لا يضاف إلا إلى الكفرة و الفسقة و الشياطين المردة فكيف يضاف إلى الله ما ينهى عنه و يتوعد عليه بالعقاب و هل السحر إلا الباطل المموه و قد جرت عادة الله تعالى بإبطاله كما قال في قصة موسى ع ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ. ثم إنه سلك في تفسير الآية مسلكا آخر يخالف قول أكثر المخالفين فقال كما أن الشياطين نسبوا السحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين إلى السحر مع أن المنزل عليهما كان مبرأ عن السحر و ذلك لأن المنزل عليهما كان هو الشرع و الدين و الدعاء إلى
الخير و أنهما كانا يعلمان الناس ذلك مع قولهما إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ توكيدا لبعثهم على القبول و التمثل فكانت طائفة تتمثل و أخرى تخالف و تعدل عن ذلك فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما أي من الفتنة و الكفر مقدار ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ و هذا تقرير مذهب أبي مسلم الوجه الثاني أن يكون ما بمعنى الجحد و يكون معطوفا على قوله وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ كأنه قال لم يكفر سليمان و لم ينزل على الملكين سحر لأن السحرة كانت تضيف السحر إلى سليمان و تزعم أنه مما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت فرد الله عليهم في القولين و قوله وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ جحد أيضا أي لا يعلمان أحدا بل ينهيان عنه أشد النهي و أما قوله حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ أي ابتلاء و امتحان فَلا تَكْفُرْ فهو كقولك ما أمرت فلانا بكذا حتى قلت له إن فعلت كذا نالك كذا أي ما أمرته به بل حذرته عنه. و اعلم أن هذه الأقوال و إن كانت حسنة إلا أن القول الأول أحسن منها و ذلك لأن عطف قوله وَ ما أُنْزِلَ على ما يليه أولى من عطفه على ما بعد عنه إلا لدليل منفصل أما قوله لو نزل السحر عليهما لكان منزل ذلك السحر هو الله تعالى قلنا تعريف صفة الشيء قد يكون لأجل الترغيب في إدخاله في الوجود و قد يكون لأجل أن يقع الاحتراز عنه كما قال الشاعر.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه.
قوله ثانيا إن تعليم السحر كفر لقوله تعالى وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فالجواب أنا بينا أنه واقعة حال فيكفي في صدقها صورة واحدة و هي ما إذا اشتغل بتعليم سحر من يقول بإلهية الكواكب و يكون قصده من ذلك التعليم إثبات أن ذلك المذهب حق قوله ثالثا إنه لا يجوز بعثة الأنبياء لتعليم السحر فكذا الملائكة قلنا لا نسلم أنه لا يجوز بعثة الأنبياء لتعليمه بحيث يكون الغرض من ذلك التعليم التنبيه على إبطاله قوله رابعا إنما يضاف السحر إلى الكفرة أو المردة فكيف يضاف إلى الله ما ينهى عنه قلنا فرق بين العمل و بين التعليم فلم لا يجوز أن يكون العمل به منهيا عنه و أما تعليمه لغرض التنبيه على فساده فإنه يكون مأمورا به.
المسألة الثانية قرأ الحسن الملكين بكسر اللام
و هو مروي أيضا عن الضحاك و ابن عباس ثم اختلفوا فقال الحسن كانا عجلين أقلفين ببابل يعلمان الناس السحر و قيل كانا رجلين صالحين من الملوك و القراءة المشهورة بفتح اللام و هما كانا ملكين نزلا من السماء و هاروت و ماروت اسمان لهما ثم قيل هما جبرئيل و ميكائيل ع و قيل غيرهما أما الذين كسروا اللام فقد احتجوا بوجوه أحدها أنه لا يليق بالملائكة تعليم السحر. و ثانيها كيف يجوز إنزال الملكين مع قوله وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ. و ثالثها لو أنزل الملكين لكان إما أن يجعلهما في صورة رجلين أو لا يجعلهما كذلك فإن جعلهما في صورة رجلين مع أنهما ليسا برجلين كان ذلك تجهيلا و تلبيسا و هو غير جائز و لو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون كل واحد من الناس الذين نشاهدهم لا يكون في الحقيقة إنسانا بل ملكا من الملائكة و إن لم يجعلهما في صورة الرجلين قدح ذلك في قوله تعالى وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا و الجواب عن الأول أنا سنبين وجه الحكمة و إنزال الملائكة لتعليم السحر و عن الثاني أن هذه الآية عامة و قراءة الْمَلَكَيْنِ بفتح اللام متواترة و خاصة و الخاص يقدم على العام و عن الثالث أن الله تعالى ينزلهما في صورة رجلين و كان الواجب على المكلفين في زمان الأنبياء أن لا يقطعوا على من صورته صورة الإنسان بكونه إنسانا كما أن في زمان الرسول ص كان الواجب على من شاهد دحية الكلبي أن لا يقطع بكونه من البشر بل الواجب التوقف فيه.
المسألة الثالثة إذا قلنا بأنهما كانا من الملائكة
فقد اختلفوا في سبب نزولهما فروي عن ابن عباس أن الملائكة لما قالت أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ فأجابهم الله تعالى بقوله إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ثم إن الله وكل عليهم جمعا من الملائكة و هم الكرام الكاتبون فكانوا يعرجون بأعمالهم الخبيثة فعجبت الملائكة منهم و من تبقية الله إياهم مع ما يظهر منهم من القبائح ثم أضافوا إليها عمل السحر فازداد تعجب الملائكة فأراد الله تعالى أن يبتلي الملائكة فقال لهم اختاروا ملكين من أعظم الملائكة علما و زهدا و ديانة لإنزالهما إلى الأرض فاختبرهما فاختاروا هاروت و ماروت و ركب فيهما شهوة الإنس و أنزلهما و نهاهما عن الشرك و القتل و الزنا و الشرب فنزلا فذهب إليهما امرأة من أحسن النساء و هي الزهرة فراوداها عن نفسها فأبت إلا بعد أن يعبدا الصنم و إلا بعد أن يشربا فامتنعا أولا ثم غلبت الشهوة عليهما فأطاعا في كل ذلك فعند إقدامهما على الشرب و عبادة الصنم دخل سائل عليهم فقالت إن أظهر هذا السائل للناس ما رأى منا فسد أمرنا فإن أردتما الوصول إلي فاقتلا هذا الرجل فامتنعا منه ثم اشتغلا بقتله فلما فرغا من القتل طلبا المرأة فلم يجداها ثم إن الملكين عند ذلك ندما و تحسرا و تضرعا إلى الله تعالى فخيرهما بين عذاب الدنيا و عذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا و هما معذبان ببابل معلقان بين السماء و الأرض يعلمان الناس السحر. ثم لهم في الزهرة قولان أحدهما أن الله تعالى لما ابتلى الملكين بشهوة بني آدم أمر الله الكوكب الذي يقال له الزهرة و فلكها حتى هبط إلى الأرض إلى أن كان ما كان فحينئذ ارتفعت الزهرة و فلكها إلى موضعها من السماء موبخين لهما على ما شاهداه منهما و القول الثاني أن المرأة كانت فاجرة من أهل الأرض و واقعاها بعد شرب الخمر و قتل النفس و عبادة الصنم ثم علماها الاسم الذي به كانا يعرجان إلى السماء فتكلمت به و عرجت إلى السماء و كان اسمها بيدخت فمسخها الله تعالى و جعلها هي الزهرة. و اعلم أن هذه الرواية فاسدة مردودة غير مقبولة لأنه ليس في كتاب الله ما يدل عليها بل فيه ما يبطلها من وجوه الأول ما تقدم من الدلائل الدالة على عصمة الملائكة عن كل المعاصي و ثانيها أن قولهم إنهما خيرا بين عذاب الدنيا و عذاب الآخرة فاسد بل كان الأولى أن يخيرا بين التوبة و العذاب لأن الله تعالى خير بينهما من أشرك به طول عمره فكيف يبخل عليهما بذلك و ثالثها أن من أعجب الأمور قولهم إنهما يعلمان الناس السحر في حال كونهما معذبين و يدعوان إليه و هما يعاقبان. و لما ظهر فساد هذا القول فنقول السبب في إنزالهما وجوه أحدها أن السحرة كثرت في ذلك الزمان و استنبطت أبوابا غريبة و كانوا يدعون النبوة و يتحدون الناس بها فبعث الله تعالى هذين الملكين لأجل أن يعلما الناس أبواب السحر حتى يتمكنوا من معارضة أولئك الذين كانوا يدعون النبوة كذبا و لا شك أن هذا من أحسن الأغراض و المقاصد. و ثانيها أن العلم بكون المعجزة مخالفا للسحر متوقف على العلم بماهية المعجزة و الناس كانوا جاهلين بماهية السحر فلا جرم تعذرت عليهم معرفة حقيقة المعجزة فبعث الله هذين الملكين لتعريف ماهية السحر لأجل هذا الغرض و ثالثها لا يمتنع أن يقال السحر الذي يوقع الفرقة بين أعداء الله و الألفة بين أولياء الله كان مباحا عندهم أو مندوبا فالله تعالى بعث الملكين لتعليم السحر لهذا الغرض ثم إن القوم تعلموا ذلك منهما و استعملوه في الشر و إيقاع الفرقة بين أولياء الله و الألفة بين أعداء الله و رابعها أن تحصيل العلم بكل شيء حسن و لما كان السحر منهيا عنه وجب أن يكون متصورا معلوما لأن الذي لا يكون متصورا امتنع النهي عنه و خامسها لعل الجن كان عندهم أنواع من السحر لم يقدر البشر على الإتيان بمثلها فبعث الله الملائكة ليعلموا البشر أمورا يقدرون بها على معارضة الجن و سادسها يجوز أن يكون ذلك تشديدا في التكليف من حيث إذا علمه ما أمكنه أن يتوصل به إلى اللذات العاجلة ثم منعه من استعمالها كان ذلك في نهاية المشقة فيستوجب به الثواب الزائد كما ابتلى قوم طالوت بالنهر على ما قال فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي فثبت بهذه الوجوه أنه لا يبعد من الله تعالى إنزال الملكين لتعليم السحر.
المسألة الرابعة قال بعضهم هذه الواقعة إنما وقعت في زمان إدريس ع
لأنهما إذا كانا ملكين نزلا بصورة البشر لهذا الغرض فلا بد من رسول في وقتهما ليكون ذلك معجزة له و لا يجوز كونهما رسولين لأنه ثبت أنه تعالى لا يبعث الرسول من الملائكة إلى الإنس و الله أعلم.
المسألة الخامسة هارُوتَ وَ مارُوتَ عطف بيان لملكين
علمان لهما و هما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف و لو كانا من الهرت و المرت و هو الكسر كما زعم بعضهم لانصرفا و قرأ الزهري هاروت و ماروت بالرفع على هما هاروت و ماروت و أما قوله تعالى وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فاعلم أنه تعالى شرح حالهما فقال و هذان الملكان لا يعلمان السحر إلا بعد التحذير الشديد من العمل به و هو قولهما إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ و المراد هاهنا بالفتنة المحنة التي بها يتميز المطيع عن العاصي كقولهم فتنت الذهب بالنار إذا عرض على النار ليتميز الخالص عن المشوب و قد بينا الوجوه في أنه كيف يحسن بعثة الملكين لتعليم السحر فالمراد أنهما لا يعلمان أحدا السحر و لا يصفانه لأحد و لا يكشفان له وجوه الاحتيال حتى يبذلا له النصيحة فيقولا له إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ أي هذا الذي نصفه لك و إن كان الغرض فيه أن يتميز السحر من المعجز و لكنه يمكنك أن تتوصل إلى المفاسد و المعاصي فإياك بعد وقوفك عليه أن تستعمله فيما نهيت عنه أو تتوصل به إلى شيء من الأغراض العاجلة
أما قوله فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ ففيه مسائل
المسألة الأولى ذكروا في تفسير هذا التفريق وجهين
الأول أن هذا التفريق إنما يكون بأن يعتقد أن ذلك السحر مؤثر في هذا التفريق فيصير كافرا و إذا صار كافرا بانت منه امرأته فيحصل التفريق بينهما الثاني يفرق بينهما بالتمويه و التخييل و التضريب و سائر الوجوه المذكورة.
المسألة الثانية أنه تعالى لم يذكر ذلك
لأن الذي يتعلمون منهما ليس إلا هذا القدر لكن هذه الصورة تنبيها على سائر الصور فإن استنامة المرء إلى زوجه و ركونه إليها معروف زائد على كل مودة فنبه بذكر ذلك على أن السحر إذا ما أمكن به هذا الأمر على شدته فغيره به أولى.
أما قوله وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ فإنه يدل على ما ذكرناه لأنه أطلق الضرر و لم يقصره على التفريق بين المرء و زوجه فدل ذلك على أنه تعالى إنما ذكره لأنه أعلى مراتبه أما قوله بِإِذْنِ اللَّهِ فاعلم أن الإذن حقيقة في الأمر و الله لا يأمر بالسحر و لأنه تعالى أراد عيبهم و ذمهم و لو كان قد أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه فلا بد من التأويل و فيه وجوه أحدها قال الحسن المراد منه التخلية يعني الساحر إذا سحر إنسانا فإن شاء الله منعه منه و إن شاء خلي بينه و بين ضرر السحر و ثانيها قال الأصم المراد إلا بعلم الله و إنما سمي الأذان أذانا لأنه إعلام الناس وقت الصلاة و سمي الأذن أذنا لأن بالحاسة القائمة بذلك يدرك الإذن و كذلك قوله وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ أي إعلام و قوله فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ معناه فاعلموا و قوله فَقُلْ آذَنْتُكُمْ يعني أعلمتكم و ثالثها أن الضرر الحاصل عند فعل السحر إنما يحصل بخلق الله تعالى و إيجاده و إبداعه و ما كان كذلك فإنه يصح أن يضاف إلى إذن الله تعالى كما قال إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و رابعها أن يكون المراد بالإذن الأمر و هذا الوجه لا يليق إلا بأن يفسر التفريق بين المرء و زوجه بأن يصير كافرا و الكفر يقتضي التفريق فإن هذا حكم شرعي و ذلك لا يكون إلا بأمر الله
أما قوله وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ففيه مسائل
المسألة الأولى إنما ذكر لفظ الشراء على سبيل الاستعارة
لوجوه أحدها أنهم لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم و أقبلوا على التمسك بما تتلوا الشياطين فكأنهم قد اشتروا ذلك السحر بكتاب الله و ثانيها أن الملكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه ليصل بذلك الاحتراز إلى منافع الآخرة فلما استعمل السحر فكأنه اشترى بمنافع الآخرة منافع الدنيا و ثالثها أنه لما استعمل السحر علمنا أنه إنما تحمل المشقة ليتمكن من ذلك الاستعمال فكأنه اشترى بالمحن التي تحملها قدرته على ذلك الاستعمال
المسألة الثانية قال الأكثرون الخلاق النصيب
قال القفال يشبه أن يكون أصل الكلمة من الخلق معناه التقدير و منه خلق الأديم و منه يقال قدر الرجل كذا درهما رزقا على عمل كذا و قال الآخرون الخلاق الخلاص قال أمية بن أبي صلت
يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم إلا سرابيل قطران و أغلال.
بقي في الآية سؤال و هو أنه كيف أثبت لهم العلم أولا في قوله وَ لَقَدْ عَلِمُوا ثم نفاه عنهم في قوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ و الجواب من وجوه أحدها أن الذين علموا غير الذين لم يعلموا فالذين علموا هم الذين علموا السحر و دعوا الناس إلى تعلمه و هم الذين قال الله في حقهم نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ و أما الجهال الذين يرغبون في تعلم السحر فهم الذين لا يعلمون و هذا جواب الأخفش و قطرب و ثانيها لو سلمنا أن القوم واحد و لكنهم علموا أشياء و جهلوا أشياء أخر علموا أنه ليس لهم في الآخرة خلاق و لكنهم جهلوا مقدار ما فاتهم من منافع الآخرة و ما حصل لهم من مضارها و عقوباتها و ثالثها لو سلمنا أن القوم واحد و المعلوم واحد و لكنهم لم ينتفعوا بعلمهم بل أعرضوا عنه فصار ذلك العلم كالعدم كما سمى الله تعالى الكفار صما و بكما و عميا إذ لم ينتفعوا بهذه الحواس و يقال للرجل في شيء يفعله لكنه لا يضعه موضعه صنعت و لم تصنع انتهى.
و إنما أوردت أكثر كلامهم في هذا المقام مع طوله و اشتماله على الزوائد الكثيرة لمناسبته لما سيأتي في بعض الأبواب الآتية و لتطلع على مذاهبهم الواهية في تلك الأبواب و سأل شيخنا البهائي رحمه الله بعض أخلائه عن قول البيضاوي في تفسير هذه الآية حيث قال و ما روي من أنهما مثلا بشرين و ركبت فيهما الشهوة فتعرضا لامرأة يقال لها الزهرة فحملتهما على المعاصي و الشرك ثم صعدت السماء بما تعلمت منهما فمحكي عن اليهود و لعله من رموز الأوائل و حله لا يخفى على ذوي البصائر بينوا حتى نصير من ذوي البصائر فأجاب الشيخ رحمه الله بعد أن أورد هذه القصة نحوا مما رواه الرازي في هذه القصة هي ما رواه قدماء المفسرين من العامة عن ابن عباس و لم يرتض بهذه الرواية متأخروهم و أطنب الفخر الرازي و غيره في تزييفها و قال إنها فاسدة مردودة غير مقبولة لوجوه ثلاثة إلى آخر ما نقلناه من الوجوه في عرض كلامه ثم قال و في كل من هذه الوجوه نظر أما الأول فلأنه لم يثبت بقاؤهما على العصمة بعد أن مثلهما الله سبحانه بصورة البشر و ركب فيهما قوتي الشهوة و الغضب و جعلهما كسائر بني آدم كما يظهر من القصة و أما الثاني فلأن التخيير بين التوبة و العذاب و إن كان هو الأصلح بحالهما لكن فعل الأصلح مطلقا غير واجب عليه سبحانه على مذهب هذا المفسر بل فعل الأصلح الذي من هذا القبيل غير واجب عندنا أيضا فإنا لا نوجب عليه سبحانه كل ما هو أصلح بحال العبد كما ظنه مخالفونا و شنعوا علينا بما شنعوا بل إنما نوجب عليه سبحانه كل أصلح لو لم يفعله كان مناقضا لغرضه كما ذكرته في الحواشي التي علقتها على تفسير البيضاوي و لعله سبحانه لم يلهمهما التوبة و أغفلهما عنها لمصلحة لا يعلمها إلا هو فلا بخل منه سبحانه على هذا التقدير. و أما الثالث فلأن التعليم حال التعذيب غير ممتنع و ظني أن تزييف الفخر الرازي لهذه الرواية هو الباعث على عدول البيضاوي عن حمل هذه القصة على ظاهرها و تنزيلها على محض الرمز و الذي سمعته من والدي رحمه الله في حله أنه إشارة إلى أن شخص العالم العامل الكامل المقرب من حظائر القدس قد يوكل إلى نفسه الغرارة و لا يلحقه التوفيق و العناية فينبذ علمه وراء ظهره و يقبل على مشتهيات نفسه الخبيثة الخسيسة و يطوي كشحه عن اللذات الحقيقية و المراتب العلية فينحط إلى أسفل سافلين و الشخص الناقص الجاهل المنغمس في الأوزار قد يختلط بذلك الشخص العالم قاصدا بذلك الفساد و الفحشاء فيدركه بذلك التوفيق الإلهي فيستفيد من ذلك العلم ما يضرب بسببه صفحا عن أدناس دار الغرور و أرجاس عالم الزور و يرتفع ببركة ما يعلمه عن حضيض الجهل و الخسران إلى أوج العزة و العرفان فيصير به المتعلم في أرفع درج العلاء و المعلم في أسفل درك الشقاء و رأيت في بعض التفاسير أن المراد بالملكين المذكورين الروح و القلب فإنهما من العالم الروحاني اهبطا إلى العالم الجسماني لإقامة الحق فافتتنا بزهرة الحياة الدنيا و وقعا في شبكة الشهوة فشربا خمر الغفلة و زنيا ببغي الدنيا و عبدا صنم الهوى و قتلا نفسهما بحرمانهما من النعيم الباقي فاستحقا أليم النكال و قطيع العذاب هذا و هذه القصة كما رواها علماء العامة عن ابن عباس فقد رواها علماؤنا رضوان الله عليهم عن الإمام أبي جعفر الباقر ع و ذكرها الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي في مجمع البيان لكن بين ما رواه العامة و ما رواه أصحابنا اختلاف يسير فإن الرواية التي رواها أصحابنا ليس فيها أنهما يعلمان الناس السحر في وقت تعذيبهما بل هي صريحة في أن التعليم كان قبل التعذيب و كذلك ليس فيها أن تلك المرأة تعلمت منهما الاسم الأعظم و صعدت ببركته إلى السماء و الحاصل أن هذه القصة مروية من طرقنا و من طرق العامة معا و ليس من جملة الحكايات الغير المسندة كما يظهر من كلام الفاضل الدواني في شرح العقائد العضدية حيث قال إن هذه القصة ليست في كتاب الله و لا في سنة رسول الله ما يدل على صدقها ثم إنه
استدل على أنه من جملة الأكاذيب بأن تمكن تلك المرأة من الصعود إلى السماء بما تعلمته من الملكين أعني الاسم الأعظم و عدم تمكنهما من ذلك مع علمهما به غير معقول و لا يخفى أن دليله هذا إنما يتم لو ثبت أنه جل اسمه لم ينسهما الاسم الأعظم بعد اقترافهما تلك الكبائر العظيمة و استحقاقهما الطرد و الخذلان و دون ثبوته خرط القتاد انتهى كلامه رحمه الله. لَنْ يَسْتَنْكِفَ أي لم يأنف و لم يمتنع الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ أي من أن يكون عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ أي و لا هم يستكبرون من الإقرار بعبودية الله سبحانه قال الطبرسي رحمه الله استدل بهذه الآية من قال إن الملائكة أفضل من الأنبياء قالوا إن تأخير ذكر الملائكة في مثل هذا الخطاب يقتضي تفضيلهم لأن العادة لم تجر بأن يقال لن يستنكف الأمير أن يفعل كذا و لا الحارس بل يقدم الأدون و يؤخر الأعظم فيقال لن يستنكف الوزير أن يفعل كذا و لا السلطان و أجاب أصحابنا عن ذلك بأن قالوا إنما أخر ذكر الملائكة لأن جميع الملائكة أفضل و أكثر ثوابا من المسيح و هذا لا يقتضي أن يكون كل واحد منهم أفضل منه و إنما الخلاف في ذلك و أيضا فإنا و إن ذهبنا إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة فإنا نقول مع قولنا بالتفاوت إنه لا تفاوت كثيرا في الفضل بينهما و مع التقارب و التداني يحسن أن يقدم ذكر الأفضل أ لا ترى أنه يحسن أن يقال ما يستنكف الأمير فلان و لا الأمير فلان إذا كانا متساويين في المنزلة أو متقاربين و قال البيضاوي لعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير لا باعتبار التكبير كقولك أصبح الأمير لا يخالفه رئيس و لا مرءوس. إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ أي مطلق الملائكة أو المقربين منهم وَ لَهُ يَسْجُدُونَ أي يخضعون بالعبادة أو التذلل و لا يشركون به غيره. وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ قال البيضاوي أي ينقاد انقيادا يعم الانقياد لإرادته و تأثيره طبعا و الانقياد لتكليفه و أمره طوعا ليصح إسناده إلى عامة أهل السماوات و الأرض و قوله مِنْ دابَّةٍ بيان لهما لأن الدبيب هو الحركة الجسمانية سواء كان في أرض أو سماء و الملائكة عطف على المبين به عطف جبرئيل على الملائكة للتعظيم أو عطف المجردات على الجسمانيات و به احتج من قال إن الملائكة أرواح مجردة أو بيان لما في الأرض و الملائكة تكرير لما في السماوات و تعيين له إجلالا و تعظيما و المراد بهما ملائكتهما من الحفظة و غيرهم و ما لما استعمل للعقلاء كما استعمل لغيرهم كان استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق من تغليبا للعقلاء وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن عبادته يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ يخافون أن يرسل عذابا من فوقهم أو يخافونه و هو فوقهم بالقهر و قوله وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ و الجملة حال من الضمير في لا يَسْتَكْبِرُونَ أو بيان له و تقرير لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ من الطاعة و التدبير و فيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف و الرجاء و قال في قوله وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ حكاية قول جبرئيل حين استبطأه رسول الله ص لما سئل عن أصحاب الكهف و ذي القرنين و الروح و لم يدر ما يجيب و رجا أن يوحى إليه فيه فأبطأ عليه خمسة عشر يوما و قيل أربعين حتى قال المشركون ودعه ربه و قلاه ثم نزل تبيان ذلك و التنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل و قد يطلق بمعنى النزول مطلقا كما يطلق نزل بمعنى أنزل و المعنى و ما ننزل وقتا غب وقت إلا بأمر الله تعالى على ما تقتضيه حكمته لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ و هو ما نحن فيه من الأماكن و الأحايين لا تنتقل من مكان إلى مكان أو لا تنزل في زمان دون زمان إلا بأمره و مشيته
وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا أي تاركا لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به و لم يكن ذلك عن ترك الله لك و توديعه إياك كما زعمت الكفرة و إنما كان لحكمة رآها فيه وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ أي لا يعبئون منها لا يَفْتُرُونَ حال من الواو في يسبحون. وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ تنزيه له عن ذلك بَلْ عِبادٌ أي بل هم عباد من حيث هم مخلوقون و ليسوا بأولاد مُكْرَمُونَ مقربون لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ لا يقولون شيئا حتى يقوله كما هو ديدن العبيد المقربين وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ و لا يعملون قط ما لم يأمرهم به يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ لا تخفى عليه خافية مما قدموا و أخروا أو هو كالعلة لما قبله و التمهيد لما بعده فإنه لإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم و يراقبون أحوالهم وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ من عظمته و مهابته مُشْفِقُونَ مرتعدون و أصل الخشية خوف مع تعظيم و لذلك خص بها العلماء و الإشفاق خوف مع اعتناء فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر و إن عدي بعلى فبالعكس. وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ أي من الملائكة أو من الخلائق كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أي من ظلم بالإشراك و ادعاء الربوبية و على تقدير إرجاع الضمير إلى الملائكة لا ينافي عصمتهم فإن الفرض لا ينافي امتناع الوقوع كقوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ. عَلَيْها أي على النار مَلائِكَةٌ يلي أمرها و هم الزبانية غِلاظٌ شِدادٌ غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ فيما مضى وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فيما يستقبل أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر و التزامها و يؤدون ما يؤمرون به قال الطبرسي رحمه الله في هذا دلالة على أن الملائكة الموكلين بالنار معصومون عن القبائح لا يخالفون الله في أوامره و نواهيه و قال الجبائي إنما عنى أنهم لا يعصونه و يفعلون ما يأمرهم به في دار الدنيا لأن الآخرة ليست بدار تكليف و إنما هي دار جزاء المؤمنين و إنما أمرهم الله تعالى بتعذيب أهل النار على وجه الثواب لهم بأن جعل سرورهم و لذاتهم في تعذيب أهل النار كما جعل سرورهم و لذاتهم في الجنة انتهى. و أقول كون الآخرة دار جزاء الملائكة غير معلوم و إنما المعلوم أنها دار جزاء الإنس فلا ينافي كون الملائكة مكلفين فيها بل يمكن أن يكون جزاؤهم مقارنا لأفعالهم من حصول اللذات الحقيقية و رفع الدرجات الصورية و المعنوية بل أصل خدماتهم و جزاؤهم كما ورد أن طعامهم التسبيح و شرابهم التقديس و قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب المقالات أقول إن الملائكة مكلفون و موعودون و متوعدون قال الله تبارك و تعالى وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ و أقول إنهم معصومون مما يوجب لهم العقاب بالنار و على هذا القول جمهور الإمامية و سائر المعتزلة و أكثر المرجئة و جماعة من أصحاب الحديث و قد أنكر قوم من الإمامية أن تكون الملائكة مكلفين و زعموا أنهم إلى الأعمال مضطرون و وافقهم على ذلك جماعة من أصحاب الحديث
1- العلل، عن محمد بن علي بن بشار القزويني عن المظفر بن أحمد القزويني قال سمعت أبا الحسين محمد بن جعفر الأسدي الكوفي يقول في سهيل و الزهرة إنهما دابتان من دواب البحر المطيف بالدنيا في موضع لا تبلغه سفينة و لا تعمل فيه حيلة و هما المسخان المذكوران في أصناف المسوخ و يغلط من يزعم أنهما الكوكبان و لو كانا ملكين لعصما فلم يعصيا و إنما سماهما الله عز و جل في كتابه ملكين بمعنى أنهما خلقا ليكونا ملكين كما قال الله عز و جل لنبيه ص إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ بمعنى ستكون ميتا و يكونون موتى
بيان المطيف بالدنيا على بناء الإفعال أي المحيط يقال فلان يرشح للوزارة أي يربى و يؤهل لها ثم إن هذا الكلام إن كان قاله الأسدي من قبل نفسه فيرد عليه أن الملائكة ليست أمرا تحصل لذات بعد أن لم تكن بل الظاهر أنها من الحقائق التي لا تنفك كالإنسانية و الحيوانية إلا أن يكون مراده أنهما لم يكونا من الملائكة بل كانا مما يصلحان ظاهرا أن يخلطا بالملائكة كالشيطان
2- تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال سأله عطا و نحن بمكة عن هاروت و ماروت فقال أبو جعفر ع إن الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم و ليلة يحفظون أعمال أوساط أهل الأرض من ولد آدم و الجن فيكتبون أعمالهم و يعرجون بها إلى السماء قال فضج أهل السماء من معاصي أهل أوساط الأرض فتوامزوا فيما بينهم مما يسمعون و يرون من افترائهم الكذب على الله تبارك و تعالى و جرأتهم عليه و نزهوا الله مما يقول فيه خلقه و يصفون فقالت طائفة من الملائكة يا ربنا ما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك و ما يصفون فيك الكذب و يقولون الزور و يرتكبون المعاصي و قد نهيتهم عنها ثم أنت تحلم عنهم و هم في قبضتك و قدرتك و خلال عافيتك قال أبو جعفر ع فأحب الله أن يري الملائكة القدرة و نافذ أمره في جميع خلقه و يعرف الملائكة ما من به عليهم مما عدله عنهم من صنع خلقه و ما طبعهم عليه من الطاعة و عصمهم به من الذنوب قال فأوحى الله إلى الملائكة أن انتدبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض ثم اجعل فيهما من طبائع المطعم و المشرب و الشهوة و الحرص و الأمل مثل ما جعلته في ولد آدم ثم اختبرهما في الطاعة لي قال فندبوا لذلك هاروت و ماروت و كانا أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم و استئثار غضب الله عليهم قال فأوحى الله إليهما أن اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما من طبائع المطعم و المشرب و الشهوة و الحرص و الأمل مثل ما جعلت في ولد آدم قال ثم أوحى الله إليهما انظرا أن لا تشركا بي شيئا و لا تقتلا النفس التي حرم الله و لا تزنيا و لا تشربا الخمر قال ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر و لباسهم فهبطا ناحية بابل فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء مزينة معطرة مسفرة مقبلة نحوهما قال فلما نظرا إليها و ناطقاها و تأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموضع الشهوة التي جعلت فيهما فرجعا إليها رجوع فتنة و خذلان و راوداها عن نفسها فقالت لهما إن لي دينا أدين به و ليس أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلا في ديني الذي أدين به فقالا لها و ما دينك قالت لي إله من عبده و سجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني فقالا لها و ما إلهك قالت إلهي هذا الصنم قال فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال هاتان خصلتان مما نهينا عنهما الشرك و الزنا لأنا إن سجدنا لهذا الصنم و عبدناه أشركنا بالله و إنما نشرك بالله لنصل إلى الزنا و هو ذا نحن نطلب الزنا فليس تعطى إلا بالشرك قال فائتمرا بينهما فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما
فقالا لها نجيبك إلى ما سألت فقالت فدونكما فاشربا هذه الخمر فإنه قربان لكما و به تصلان إلى ما تريدان فائتمرا بينهما فقالا هذه ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك و الزنا و شرب الخمر و إنما ندخل في شرب الخمر و الشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما فقالا ما عظم البلية بك قد أجبناك إلى ما سألت قالت فدونكما فاشربا من هذه الخمر و اعبدا هذا الصنم و اسجدا له فشربا الخمر و عبدا الصنم ثم راوداهما عن نفسها فلما تهيأت لهما و تهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل هذه فلما أن رآهما و رأياه ذعرا منه فقال لهما إنكما نابان ذعران قد خلوتما بهذه المرأة المعطرة الحسناء إنكما لرجلا سوء و خرج عنهما فقالت لهما لا و إلهي ما تصلان الآن إلي و قد اطلع هذا الرجل على حالكما و عرف مكانكما و يخرج الآن و يخبر بخبركما و لكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل أن يفضحكما و يفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما و أنتما مطمئنان آمنان قال فقاما إلى الرجل فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها و بدت لهما سوآتهما و نزع عنهما رياشهما و أسقطا في أيديهما قال فأوحى الله إليهما أن أهبطتكما إلى الأرض مع خلقي ساعة من النهار فعصيتماني بأربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها و تقدمت إليكما فيها فلم تراقباني و لم تستحييا مني و قد كنتما أشد من نقم على أهل الأرض المعاصي و استجر أسفي و غضبي عليهم لما جعلت فيكما من طبع خلقي و عصمتي إياكما من المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فقال أحدهما لصاحبه نتمتع من شهواتنا في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب الآخرة فقال الآخر إن عذاب الدنيا له مدة و انقطاع و عذاب الآخرة دائم لا انقطاع له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع الفاني قال فاختارا عذاب الدنيا فكانا يعلمان الناس السحر في أرض بابل ثم لما علما الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة
العياشي، عن محمد بن قيس مثله بيان أن انتدبوا في بعض النسخ أن اندبوا و هو أصوب إذ الظاهر من كلام أكثر اللغويين أن الانتداب لازم قال الجوهري ندبه إلى الأمر فانتدب أي دعاه فأجاب و نحوه قال الفيروزآبادي لكن قال في المصباح المنير انتدبته في الأمر فانتدب يستعمل لازما و متعديا و قال كشطت البعير كشطا من باب ضرب مثل سلخت الشاة إذا نحيت جلده و كشطت الشيء كشطا نحيته و قال الفيروزآبادي الكشط رفعك الشيء عن الشيء قد غشاه و إذا السماء كشطت قلعت كما يقلع السقف و كشط الجل عن الفرس كشفه و في النهاية فيه يراود عمه على الإسلام أي يراجعه و يراوده و في القاموس سقط في يده و أسقط مضمومتين ذل و أخطأ أو ندم و تحير و قال نكسه قلبه على رأسه كنكسه انتهى و أقول يمكن حمل الخبر على التقية بقرينة كون السائل من علماء العامة
3- العيون، و تفسير الإمام، بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عن الصادق جعفر بن محمد ع في قول الله عز و جل وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ قال اتبعوا ما تتلو كفرة الشياطين من السحر و النيرنجات على ملك سليمان الذين يزعمون أن سليمان به ملك و نحن أيضا به نظهر العجائب حتى ينقاد لنا الناس و نستغني عن الانقياد لعلي و قالوا كان سليمان كافرا ساحرا ماهرا بسحره ملك ما ملك و قدر على ما قدر فرد الله عز و جل عليهم فقال وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ و لا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ الذي نسبوه إلى سليمان وَ إلى ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ و كان بعد نوح ع قد كثر السحرة و المموهون فبعث الله عز و جل ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين و أداه إلى عباد الله بأمر الله عز و جل و أمرهم أن يقفوا به على السحر و أن يبطلوه و نهاهم أن يسحروا به الناس و هذا كما يدل على السم ما هو و على ما يدفع به غائلة السم ثم يقال للمتعلم ذلك هذا السم فمن رأيته يسم فادفع غائلته بكذا و إياك أن تقتل بالسم أحدا ثم قال عز و جل وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ يعني أن ذلك النبي أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين و يعلماهما ما علمهما الله من ذلك فقال الله عز و جل وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ذلك السحر و إبطاله حَتَّى يَقُولا للمتعلم إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ امتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا و يبطلوا به كيد الساحر و لا يسحروهم فَلا تَكْفُرْ باستعمال هذا السحر و طلب الإضرار به و دعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنك به تحيي و تميت و تفعل ما لا يقدر عليه إلا الله عز و جل فإن ذلك كفر قال الله عز و جل فَيَتَعَلَّمُونَ يعني طالبي السحر مِنْهُما يعني مما كتبت الشياطين عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ من النيرنجات وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ يتعلمون من هذين الصنفين ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ هذا من يتعلم للإضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل و التمائم و الإيهام أنه قد دفن في موضع كذا و عمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل و الرجل إلى المرأة أو يؤدي إلى الفراق بينهما ثم قال عز و جل وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي ما المتعلمون لذلك بضارين به من أحد إلا بإذن الله يعني بتخلية الله و علمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر و القهر ثم قال وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم و لا ينفعهم فيه بل ينسلخون عن دين الله بذلك و لقد علم هؤلاء المتعلمون لَمَنِ اشْتَراهُ بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي من نصيب في ثواب الجنة ثم قال عز و جل وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وهنوها بالعذاب لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أنهم قد باعوا الآخرة و تركوا نصيبهم من الجنة لأن المتعلمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول و لا إله و لا بعث و لا نشور فقال وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ لأنهم يعتقدون أن لا آخرة فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا و إن كان بعد الدنيا آخرة فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها ثم قال وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ إذ باعوا الآخرة بالدنيا و رهنوا بالعذاب الدائم أنفسهم لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أنهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب و لكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به فلما تركوا النظر في حجج الله حتى يعلموا عذابهم على اعتقادهم الباطل و جحدهم الحق
قال يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما أنهما قالا فقلنا للحسن أبي القائم ع فإن قوما عندنا يزعمون أن هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم و أنزلهما الله مع ثالث لهما إلى الدنيا و أنهما افتتنا بالزهرة و أرادا الزنا بها و شربا الخمر و قتلا النفس المحترمة و أن الله تبارك و تعالى يعذبهما ببابل و أن السحرة منهما يتعلمون السحر و أن الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة فقال الإمام ع معاذ الله من ذلك إن ملائكة الله معصومون محفوظون من الكفر و القبائح بألطاف الله قال الله عز و جل فيهم لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ و قال عز و جل وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ يعني من الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ و قال عز و جل في الملائكة أيضا بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ثم قال ع لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء على الأرض و كانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمة فيكون من الأنبياء و الأئمة ع قتل النفس و الزنا ثم قال ع أ و لست تعلم أن الله عز و جل لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من البشر أ و ليس الله عز و جل يقول وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ يعني إلى الخلق إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة و حكاما و إنما أرسلوا إلى أنبياء الله قالا قلنا له فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا فقال لا بل كان من الجن أ ما تسمعان الله عز و جل يقول وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فأخبر عز و جل أنه كان من الجن و هو الذي قال الله عز و جل وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ
قال الإمام الحسن بن علي ع حدثني أبي عن جدي عن الرضا عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص إن الله عز و جل اختارنا معاشر آل محمد و اختار النبيين و اختار الملائكة المقربين و ما اختارهم إلا على علم منه بهم أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته و ينقلعون به عن عصمته و ينتمون به إلى المستحقين لعذابه و نقمته قالا فقلنا له فقد روي لنا أن عليا ع لما نص عليه رسول الله ص بالإمامة عرض الله عز و جل ولايته في السماوات على فئام من الناس و فئام من الملائكة فأبوها فمسخهم الله ضفادع فقال ع معاذ الله هؤلاء المكذبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله فهم كسائر أنبياء الله و رسله إلى الخلق فيكون منهم الكفر بالله قلنا لا قال فكذلك الملائكة إن شأن الملائكة لعظيم و إن خطبهم لجليل
الإحتجاج، بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع من قوله فقلنا للحسن أبي القائم إلى آخر الخبر
توضيح قال في النهاية الفئام مهموزا الجماعة الكثيرة انتهى و أقول قد فسر في خبر فضل يوم الغدير بمائة ألف
4- العيون، عن تميم بن عبد الله القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن محمد بن الجهم قال سمعت المأمون يسأل الرضا علي بن موسى ع عما يرويه الناس من أمر الزهرة و أنها كانت امرأة فتن بها هاروت و ماروت و ما يروونه من أمر سهيل و أنه كان عشارا باليمن فقال كذبوا في قولهم إنهما كوكبان و إنما كانتا دابتين من دواب البحر فغلط الناس و ظنوا أنهما كوكبان و ما كان الله ليمسخ أعداءه أنوارا مضيئة ثم يبقيها ما بقيت السماء و الأرض و إن المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت و ما تناسل منها شيء و ما على وجه الأرض اليوم مسخ و إن التي وقع عليها اسم المسوخية مثل القردة و الخنزير و الدب و أشباهها إنما هي مثل ما مسخ الله على صورها قوما غضب عليهم و لعنهم بإنكارهم توحيد الله و تكذيبهم رسله و أما هاروت و ماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليتحرزوا به من سحر السحرة و يبطلوا به كيدهم و ما علما أحدا من ذلك إلا قالا له إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه و جعلوا يفرقون بما يعرفونه بين المرء و زوجه قال الله عز و جل وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني بعلمه
5- العلل، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران عن محمد بن الحسن زعلان عن أبي الحسن ع أنه عد المسوخ و ساق الحديث إلى أن قال و مسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن بها هاروت و ماروت
-6 و منه، بإسناد آخر عن الصادق ع و أما الزهرة فإنها كانت امرأة تسمى ناهيد و هي التي تقول الناس إنه افتتن بها هاروت و ماروت
7- و منه، بإسناد آخر عن الرضا ع و أما الزهرة فكانت امرأة فتنت بها هاروت و ماروت فمسخها الله عز و جل الزهرة
8- و منه، بإسناد آخر عن الصادق ع عن آبائه ع قال قال النبي ص و أما الزهرة فكانت امرأة نصرانية و كانت لبعض ملوك بني إسرائيل و هي التي فتن بها هاروت و ماروت و كان اسمها ناهيل و الناس يقولون ناهيد
أقول سنذكر الأخبار بأسانيدها في باب المسوخات إن شاء الله
9- العياشي، عن زرارة عن أبي الطفيل قال كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليا و هو على المنبر و ناداه ابن الكواء و هو في مؤخر المسجد فقال يا أمير المؤمنين ما الهدى قال لعنك الله و لم يسمعه ما الهدى تريد و لكن العمى تريد ثم قال له ادن فدنا منه فسأله عن أشياء فأخبره فقال أخبرني عن هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة قال إن الله اطلع ملائكته على خلقه و هم على معصية من معاصيه فقال الملكان هاروت و ماروت هؤلاء الذين خلقت أباهم بيدك و أسجدت له ملائكتك يعصونك قال فلعلكم إذا ابتليتم بمثل الذي ابتلوهم به عصيتموني كما عصوني قالا لا و عزتك قال فابتلاهما بمثل الذي ابتلي به بني آدم من الشهوة ثم أمرهما أن لا يشركا به شيئا و لا يقتلا النفس التي حرم الله و لا يزنيا و لا يشربا الخمر ثم أهبطهما إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس هذا في ناحية و هذا في ناحية فكانا بذلك حتى أتت أحدهما هذه الكوكبة تخاصم إليه و كانت من أجمل الناس فأعجبته فقال لها الحق لك و لا أقضي لك حتى تمكنيني من نفسك فواعدت يوما ثم أتت الآخر فلما خاصمت إليه وقعت في نفسه و أعجبته كما أعجبت الآخر فقال لها مثل مقالة صاحبه فواعدته الساعة التي واعدت صاحبه فاتفقا جميعا عندها في تلك الساعة فاستحيا كل واحد من صاحبه حيث رآه و طأطآ رءوسهما و نكسا ثم نزع الحياء منهما فقال أحدهما لصاحبه يا هذا جاء بي الذي جاء بك قال ثم راوداها عن نفسها فأبت عليهما حتى يسجدا لوثنها و يشربا من شرابها و أبيا عليها و سألاها فأبت إلا أن يشربا من شرابها فلما شربا صليا لوثنها و دخل مسكين فرآهما فقالت لهما يخرج هذا فيخبر عنكما فقاما إليه فقتلاه ثم راوداها عن نفسها فأبت حتى يخبراها بما يصعدان به إلى السماء فأبيا و أبت أن تفعل فأخبراها فقالت ذلك لتجرب مقالتهما و صعدت فرفعا أبصارهما إليها فرأيا أهل السماء مشرفين عليهما ينظرون إليهما و تناهت إلى السماء فمسخت فهي الكوكبة التي ترى
10- و منه، عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد قال قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك إن رجلا من أصحابنا ورعا مسلما كثير الصلاة قد ابتلي بحب اللهو و هو يسمع الغناء فقال أ يمنعه ذلك من الصلاة لوقتها أو من صوم أو من عيادة مريض أو حضور جنازة أو زيارة أخ قال قلت لا ليس يمنعه ذلك من شيء من الخير و البر قال فقال هذا من خطوات الشيطان مغفور له ذلك إن شاء الله ثم قال إن طائفة من الملائكة عابوا ولد آدم في اللذات و الشهوات أعني ذلكم الحلال ليس الحرام قال فأنف الله للمؤمنين من ولد آدم من تعيير الملائكة لهم قال فألقى الله في همة أولئك الملائكة اللذات و الشهوات كيلا يعيبون المؤمنين قال فلما أحسوا ذلك من هممهم عجوا إلى الله من ذلك فقالوا ربنا عفوك عفوك ردنا إلى ما خلقتنا له و اخترتنا عليه فإنا نخاف أن نصير في أمر مريج قال فنزع الله ذلك من هممهم قال فإذا كان يوم القيامة و صار أهل الجنة في الجنة استأذن أولئك الملائكة على أهل الجنة فيؤذن لهم فيدخلون عليهم فيسلمون عليهم و يقولون لهم سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ في الدنيا عن اللذات و الشهوات الحلال
بيان أنف من الشيء كعلم استنكف و مرج الدين و الأمر خلط و اضطرب
11- الإقبال، عن زين العابدين ع في دعاء عرفة اللهم إن ملائكتك مشفقون من خشيتك سامعون مطيعون لك و هم بأمرك يعملون لا يفترون الليل و النهار يسبحون
12- الإحتجاج، سأل الزنديق أبا عبد الله ع قال فما تقول في الملكين هاروت و ماروت و ما يقول الناس بأنهما يعلمان السحر قال إنهما موضع ابتلاء و موقف فتنة تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج منهما فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم