الآيات البقرة وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً إلى آخر الآيات و قال تعالى قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ و قال تعالى تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ آل عمران شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ و قال سبحانه فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ و قال عز و جل وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ الآية و قال عز و جل إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ الآية الأنعام وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ و قال سبحانه وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ و قال تعالى وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ و قال تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ الأنفال أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ إلى قوله تعالى إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا الرعد لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ و قال تعالى وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ الحجر ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ و قال سبحانه وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً إلى آخر القصة الإسراء قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا مريم فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا الحج اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ الفرقان يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ إلى قوله تعالى وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا الأحزاب فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها سبأ وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ فاطر جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الصافات وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً و قال تعالى فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إلى قوله سبحانه وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ الزمر وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ السجدة إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ و قال سبحانه فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ حمعسق وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ الزخرف وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ إلى قوله وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ و قال وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ الذاريات فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً الحاقة وَ الْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها المعارج تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ المدثر عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا المرسلات وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَ النَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً
النبأ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً النازعات وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً عبس بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ قُتِلَ الْإِنْسانُ. تفسير وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ قد مر تفسيرها في المجلد الخامس و تدل الآيات على كثير من أحوال الملائكة قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ قال الطوسي رحمه الله
روي أن ابن صوريا و جماعة من يهود فدك أتوا النبي ص فسألوه عن مسائل فأجابهم فقال له ابن صوريا خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك و اتبعتك أي ملك يأتيك بما أنزل الله عليك قال فقال جبرئيل قال ذلك عدونا و ينزل بالقتال و الشدة و الحرب و ميكائيل ينزل باليسر و الرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمنا بك فأنزل الله هذه الآية فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ
لا من تلقاء نفسه و إنما أضافه إلى قلبه لأنه إذا أنزل عليه كان يحفظه و يفهمه بقلبه و معنى قوله بإذن الله بأمر الله و قيل أراد بعلمه أو بإعلام الله إياه ما ينزله على قلبك مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي من الكتب موافقا لها وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ معناه كان فيما أنزله من الأمر بالحرب و الشدة على الكافرين فإنه هدى و بشرى للمؤمنين مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ معناه من كان معاديا لله أي يفعل فعل المعادي من المخالفة و العصيان و قيل المراد معاداة أوليائه وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ أعاد ذكرهما لفضلهما و لأن اليهود خصوهما بالذكر فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ إنما لم يقل لهم لأنه قد يجوز أن ينتقلوا عن العداوة بالإيمان انتهى. و أقول الظاهر أن التعبير بالكافرين عنهم لبيان أن هذا أيضا من موجبات كفرهم و تدل الآية على أنه تجب محبة الملائكة و أن عداوتهم كفر. وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ قال الطبرسي رحمه الله أي نشاهده فنصدقه وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً على ما اقترحوه لما آمنوا به فاقتضت الحكمة استئصالهم و ذلك معنى قوله لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ و قيل معناه لو أنزلنا ملكا في صورته لقامت الساعة أو وجب استئصالهم وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً أي الرسول و الذي ينزل عليه ليشهد بالرسالة كما يطلبون ذلك لَجَعَلْناهُ رَجُلًا لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته لأن أعين الخلق تحار عن رؤية الملائكة إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة و لذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس و كان جبرئيل ع يأتي النبي ص في صورة دحية الكلبي و كذلك نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ و إتيانهم إبراهيم و لوطا في صورة الضيفان من الآدميين وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ قال الزجاج كانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي ص فيقولون إنما هذا بشر مثلكم فقال لو أنزلنا ملكا فرأوهم الملك رجلا لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم و قيل لو أنزلنا ملكا لما عرفوه إلا بالتفكر و هم لا يتفكرون فيبقون في اللبس الذي كانوا فيه و أضاف اللبس إلى نفسه لأنه يقع عند إنزاله الملائكة. و قال رحمه الله في قوله تعالى وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً أي ملائكة يحفظون أعمالكم و يحصونها عليكم و يكتبونها و في هذا لطف للعباد لينزجروا عن المعاصي إذا علموا أن عليهم حفظة من عند الله يشهدون بها عليهم يوم القيامة تَوَفَّتْهُ أي تقبض روحه رُسُلُنا أي أعوان ملك الموت عن ابن عباس و غيره قالوا و إنما يقبضون بأمره و لذا أضاف التوفي إليه في قوله قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ أي لا يضيعون أو لا يغفلون و لا يتوانون أو لا يعجزون. و قال البيضاوي في قوله سبحانه وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ حذف مفعوله لدلالة الظرف عليه أي و لو ترى الظالمين فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ أي في شدائده من غمره الماء إذا غشيه وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ بقبض أرواحهم كالمتقاضي الملظ أو بالعذاب أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ أي يقولون لهم أخرجوها إلينا من أجسادكم تغليظا و تعنيفا عليهم أو أخرجوها من العذاب و خلصوها من أيدينا الْيَوْمَ يريد به وقت الإماتة أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لا نهاية له تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أي الهوان يريد العذاب المتضمن لشدة و إهانة انتهى. لَهُ مُعَقِّباتٌ قال الطبرسي رحمه الله اختلف في الضمير الذي في له على وجوه أحدها أنه يعود إلى من في قوله مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ و الآخر أنه يعود إلى اسم الله تعالى و هو عالم الغيب و الشهادة. و ثالثها أنه يعود إلى النبي ص في قوله إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ. و اختلف في المعقبات على أقوال أحدها أنها الملائكة يتعاقبون تعقب ملائكة الليل ملائكة النهار و ملائكة النهار ملائكة الليل و هم الحفظة يحفظون على العبد عمله و قال
الحسن هم أربعة أملاك يجتمعون عند صلاة الفجر و هو معنى قوله إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً و قد روي ذلك أيضا عن أئمتنا ع. و الثاني أنهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيحولون بينه و بين المقادير عن علي ع و قيل هم عشرة أملاك على كل آدمي يحفظونه من بين يديه و من خلفه يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي يطوفون به كما يطوف الملك الموكل بالحفظ و قيل يحفظون ما تقدم من عمله و ما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه و قيل يحفظونه من وجوه المهالك و المعاطب و من الجن و الإنس و الهوام و قال ابن عباس يحفظونه مما لم يقدر نزوله فإذا جاء المقدر بطل الحفظ و قيل من أمر الله أي بأمر الله و قيل يحفظونه عن خلق الله فتكون من بمعنى عن قال كعب لو لا أن الله وكل بكم ملائكته يذبون عنكم في مطعمكم و مشربكم و عوراتكم ليخطفنكم الجن انتهى. و قال الرازي في تفسيره
روي أنه قيل يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال ع ملك عن يمينك للحسنات هو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتب عشرا و إذا عملت سيئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين اكتب قال لا لعله يتوب فإذا قال ثلاثا قال نعم اكتب أراحنا الله منه فَبِئْسَ الْقَرِينُ ما أقل مراقبته لله و استحياءه منا فهو قوله تعالى لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ و ملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لربك رفعك و إن تجبرت قصمك و ملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة و ملك على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك و ملك على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي ملائكة الليل و ملائكة النهار فهم عشرون ملكا على كل آدمي
ثم قال فإن قيل ما الفائدة في جعل هؤلاء الملائكة موكلين علينا قلنا اعلم أن هذا الكلام غير مستبعد و ذلك لأن المنجمين اتفقوا على أن التدبير في كل يوم لكوكب على حدة و كذا القول في كل ليلة و لا شك أن تلك الكواكب لها أرواح عندهم فتلك التدبيرات المختلفة في الحقيقة لتلك الأرواح و أما أصحاب الطلسمات فهذا الكلام مشهور في ألسنتهم و لذلك فإنهم يقولون أخبرني طبائع التام و مرادهم بالطبائع التام أن لكل إنسان روحا فلكية تتولى إصلاح مهماته و رفع بلياته و آفاته و إذا كان هذا متفقا عليه بين قدماء الفلاسفة و أصحاب الأحكام فكيف يستبعد مجيئه من الشرع و تمام التحقيق فيه أن الأرواح البشرية مختلفة في جواهرها و طبائعها فبعضها خيرة و بعضها شريرة و بعضها قوية القهر و السلطان و بعضها سخفة و كما أن الأمر في الأرواح البشرية كذلك الأمر في الأرواح الفلكية لكنه لا شك أن الأرواح الفلكية في كل باب و صفة أقوى من الأرواح البشرية فكل طائفة من الأرواح تكون مشاركة في طبيعة خاصة و صفة مخصوصة فإنها تكون في مرتبة روح من الأرواح الفلكية مشاكلة لها في الطبيعة و الخاصية و تكون تلك الأرواح البشرية كأنها أولاد لذلك الروح الفلكي و متى كان الأمر كذلك فإن ذلك الروح الفلكي يكون معينا لها على مهماتها و مرشدا لها إلى مصالحها و عاصما لها من صنوف الآفات فهذا كلام ذكره محققو الفلاسفة و إذا كان الأمر كذلك علمنا أن الذي وردت به الشريعة أمر معقول مقبول عند الكل فكيف يمكن استنكاره من الشريعة. فإن قيل ما الفائدة في اختصاص هؤلاء الملائكة مع بني آدم و تسليطهم عليهم قلنا فيه وجوه الأول أن الشياطين يدعون إلى الشرور و المعاصي و هؤلاء الملائكة يدعون إلى الخيرات و الطاعات. الثاني قال مجاهد ما من عبد إلا و معه ملك موكل يحفظه من الجن و الإنس و الهوام في نومه و يقظته. الثالث أنا نرى أن الإنسان قد يقع في قلبه داع قوى من غير سبب ثم يظهر بالأخرة أن وقوع تلك الداعية في قلبه كان سببا من أسباب مصلحته و خيراته و قد ينكشف أيضا بالأخرة أنه كان سببا لوقوعه في آفة أو معصية و مفسدة فظهر أن الداعي إلى الأمر الأول كان مريدا للخير و الراحة و إلى الأمر الثاني كان مريدا للفساد و المحنة و الأول هو الملك الهادي و الثاني هو الشيطان المغوي. الرابع أن الإنسان إذا علم أن الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب لأن من آمن يعتقد جلالة الملائكة و علو مراتبهم فإذا حاول الإقدام على معصية و اعتقد أنهم يشاهدونها زجرة الحياء منهم عن الإقدام عليها كما يزجره إذا حضر من يعظمه من البشر و إذا علم أن الملائكة يكتبونها كان الردع أكمل. فإن قيل ما الفائدة في كتب أعمال العباد قلنا هاهنا مقامان. المقام الأول أن تفسير الكتبة بالمعنى المشهور من الكتب قال المتكلمون الفائدة في تلك الصحف وزنها فإن رجحت كفة الطاعات ظهر للخلائق أنه من أهل الجنة و بالضد قال القاضي هذا يبعد لأن الأدلة قد دلت على أن كل أحد قبل مماته عند المعاينة يعلم أنه من السعداء أو من الأشقياء فلا يجوز توقيف حصول تلك المعرفة على الميزان ثم أجاب و قال لا يمتنع ما رويناه لأمر يرجع إلى حصول سروره عند الخلق العظيم أنه من أولياء الله في الجنة و بالضد من ذلك في أعداء الله. و المقام الثاني و هو قول حكماء الإسلام إن الكتبة عبارة عن نقوش مخصوصة وضعت بالاصطلاح لتعريف بعض المعاني المخصوصة فلو قدرنا تلك النقوش دالة على تلك المعاني لأعيانها و ذواتها كانت تلك الكتبة أقوى و أكمل إذا ثبت هذا فنقول إن الإنسان إذا أتى بعمل من الأعمال مرات و كرات كثيرة متوالية حصلت في نفسه بسبب تكرارها ملكة قوية راسخة فإن كانت تلك الملكة نافعة في السعادات الروحانية عظم ابتهاجه بها بعد الموت و إن كانت تلك الملكة ضارة في الأحوال الروحانية عظم تضرره بها بعد الموت إذا ثبت هذا فنقول إن التكرير الكثير لما كان سببا لحصول تلك الملكة الراسخة كان لكل واحد من
تلك الأعمال المتكررة أثر في حصول تلك الملكة الراسخة و ذلك الأثر و إن كان غير محسوس إلا أنه حاصل في الحقيقة و إذا عرفت هذا ظهر أنه لا يحصل للإنسان لمحة و لا حركة و لا سكون إلا و يحصل منه في جوهر نفسه أثر من آثار السعادة أو أثر من آثار الشقاوة قل أو كثر فهذا هو المراد من كتبة الأعمال عند هؤلاء و الله العالم بحقائق الأمور انتهى. و إنما نقلنا كلامه لتطلع على تحريفات الفلاسفة و تأويلاتهم للآيات و الأخبار من غير ضرورة سوى الاستبعادات الوهمية و عدم الاعتناء بكلام صاحب الشريعة. وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً أي العابدين لغير الله و المعبودين أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ على الإنكار ليعترفوا بخلافه قالُوا سُبْحانَكَ أي تنزيها لك عن أن يعبد سواك أَنْتَ وَلِيُّنا أي ناصرنا و أولى بنا مِنْ دُونِهِمْ أي من دون هؤلاء الكفار و ما كنا نرضى بعبادتهم إيانا بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أي إبليس و ذريته حيث أطاعوهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة و غيرهم أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ مصدقون بالشياطين مطيعون لهم. جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا قال الطبرسي رحمه الله أي إلى الأنبياء بالرسالات و الوحي أُولِي أَجْنِحَةٍ جعلهم كذلك ليتمكنوا بها من العروج إلى السماء و من النزول إلى الأرض فمنهم من له جناحان و منهم من له ثلاثة أجنحة و منهم من له أربعة أجنحة عن قتادة و قال يزيد فيها ما يشاء و هو قوله يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ
قال ابن عباس رأى رسول الله جبرئيل ليلة المعراج و له ستمائة جناح
و قيل أراد بقوله يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ حسن الصوت و قيل هو الملاحة في العينين و
عن النبي ص قال هو الوجه الحسن و الصوت الحسن و الشعر الحسن
و قال الرازي أقل ما يكون لذي الجناح أن يكون له جناحان و ما بعدهما زيادة و قال قوم فيه إن الجناح إشارة إلى الجهة و بيانه هو أن الله ليس فوقه شيء و كل شيء فهو تحت قدرته و نعمته و الملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه و يعطون من دونهم ما أخذوا بإذن الله كما قال تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ و قوله عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى و قال تعالى في حقهم فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً فهما جناحان و فيهم من يفعل الخير بواسطة و فيهم من يفعله لا بواسطة فالفاعل بواسطة فيه ثلاث جهات و فيهم من له أربع جهات و أكثر و الظاهر ما ذكرناه أولا و هو الذي عليه إطباق المفسرون. و قال في قوله تعالى وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا الآيات هذه الأشياء الثلاثة المقسم بها يحتمل أن تكون صفات ثلاثة لموصوف واحد و يحتمل أن تكون أشياء ثلاثة متبائنة أما على التقدير الأول ففيه وجوه الأول أنها صفات الملائكة و تقريره أن الملائكة يقفون صفوفا إما في السماوات لأداء العبادات كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ و قيل إنهم يصفون أجنحتهم في الهواء و يقفون منتظرين وصول أمر الله إليهم و يحتمل أيضا أن يقال معنى كونهم صفوفا أن لكل واحد منهم مرتبة و درجة معينة في الشرف و الفضيلة أو في الذات و العلية و تلك الدرجات المترتبة باقية غير متغيرة و ذلك نسبة الصفوف و أما قوله تعالى فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فقال الليث زجرت البعير أزجره زجرا إذا حثثته ليمضي و زجرت فلانا عن سوء فانزجر أي نهيته فانتهى فعلى هذا الزجر للبعير كالحث و للإنسان كالنهي. فنقول في وصف الملائكة بالزجر وجوه الأول قال ابن عباس يريد الملائكة التي وكلوا بالسحاب يزجرونها بمعنى أنهم يأتون بها من موضع إلى موضع. الثاني المراد منه أن الملائكة لهم تأثيرات في قلوب بني آدم على سبيل الإلهامات فهم يزجرونهم عن المعاصي زجرا. الثالث لعل الملائكة أيضا يزجرون الشياطين عن التعرض لبني آدم بالشر و الإيذاء. و أقول قد ثبت في العلوم العقلية أن الموجودات على ثلاثة أقسام مؤثر لا يقبل الأثر و هو الله سبحانه و هو أشرف الموجودات و متأثر لا يؤثر و هو عالم الأجسام و هو أخس الموجودات و موجود يؤثر في شيء و يتأثر عن شيء آخر و هو عالم الأرواح و ذلك لأنها تقبل الأثر عن عالم كبرياء الله ثم إنها تؤثر في عالم الأجسام و اعلم أن الجهة التي باعتبارها تقبل الأثر من عالم كبرياء الله غير الجهة التي باعتبارها تستولي على عالم الأجسام و تقدر على التصرف فيها و قوله فَالتَّالِياتِ ذِكْراً إشارة إلى الأشرف من الجهة التي باعتبارها يقوى على التأثير في عالم الأجسام إذا عرفت هذا فقوله وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا إشارة إلى وقوفها صفا صفا في مقام العبودية و الطاعة و الخضوع و الخشوع و هو الجهة التي باعتبارها تقبل تلك الجواهر القدسية أصناف الأنوار الإلهية و الكمالات الصمدية و قوله تعالى فَالزَّاجِراتِ زَجْراً إشارة إلى تأثير الجواهر الملكية في تنوير الأرواح القدسية البشرية و إخراجها من القوة إلى الفعل و ذلك أنه كالقطرة بالنسبة إلى البحر و كالشعلة بالنسبة إلى الشمس و أن هذه الأرواح البشرية إنما تنتقل من القوة إلى الفعل في المعارف الإلهية و الكمالات الروحانية بتأثيرات جواهر الملائكة و نظيره قوله تعالى يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ و قوله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ و
قوله فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً. إذا عرفت هذا فنقول في هذه الآية دقيقة أخرى و هي أن الكمال المطلق للشيء إنما يحصل إذا كان تاما و فوق التام و المراد بكونه تاما أن تحصل الكمالات اللائقة به حصولا بالفعل و المراد بكونه فوق التام أن يفيض منه أصناف الكمالات و النوالات على غيره و من المعلوم أن كونه كاملا في ذاته مقدم على كونه مكملا لغيره إذا عرفت هذا فقوله وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا إشارة إلى استكمال جواهر الملائكة في ذواتها وقت وقوفها في مواقف العبودية و صفوف الخدمة و الطاعة و قوله تعالى فَالزَّاجِراتِ زَجْراً إشارة إلى كيفية تأثيراتها في إزالة ما لا ينبغي عن جواهر الأرواح البشرية و قوله تعالى فَالتَّالِياتِ ذِكْراً إشارة إلى كيفية تأثيراتها في إفاضة الجلايا القدسية و الأنوار الإلهية على الأنوار الناطقة البشرية فهذه مناسبات عقلية و اعتبارات دقيقة تنطبق عليها هذه الألفاظ الثلاثة. الثاني أن تحمل هذه الصفات على النفوس البشرية الطاهرة المقدسة المقبلة على عبودية الله تعالى الذين هم ملائكة الأرض و بيانه من وجهين الأول أن قوله وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا المراد به الصفوف الحاصلة عند أداء الصلاة بالجماعة و قوله فَالزَّاجِراتِ زَجْراً إشارة إلى قراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كأنهم بسبب قراءة هذه الكلمة يزجرون الشياطين عن إلقاء الوساوس في قلوبهم في أثناء الصلاة و قوله فَالتَّالِياتِ ذِكْراً إشارة إلى قراءة القرآن في الصلاة و قيل إلى رفع الصوت بالقراءة كأنه يزجر الشيطان بواسطة رفع الصوت. و الوجه الثاني أن المراد بالأول الصفوف الحاصلة من العلماء المحقين الذين يدعون إلى دين الله تعالى و بالثاني اشتغالهم بالزجر عن الشبهات و الشهوات و بالثالث اشتغالهم بالدعوة إلى دين الله و الترغيب في العمل بشرائع الله. الوجه الثالث أن نحملها على أحوال الغزاة و المجاهدين في سبيل الله فالمراد بالأول صفوف القتال كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا و بالثاني رفع الصوت بزجر الخيل و بالثالث اشتغالهم وقت شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن و ذكر الله بالتهليل و التقديس و الوجه الرابع أن نجعلها صفات لآيات القرآن فالأول المراد به كونها أنواعا مختلفة بعضها في دلائل التوحيد و بعضها في بيان التكاليف و الأحكام و بعضها في تعليم الأخلاق الفاضلة و هذه الآيات مترتبة ترتيبا لا يتغير و لا يتبدل فهي تشبه أشخاصا واقفين في صفوف معينة و بالثاني الآيات الزاجرة عن الأفعال المنكرة و بالثالث الآيات الدالة على وجوب الإقدام على أعمال البر و الخير و وصف الآيات بكونها تالية على قانون ما يقال شعر شاعر و كلام قائل قال تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ و أما الاحتمال الثاني هو أن يكون المراد بهذه الثلاثة أشياء متغايرة فقيل المراد بقوله وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا الطير من قوله تعالى وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ و الزاجرات كل ما زجر عن معاصي الله و التاليات كل ما يتلى من كتاب الله. و أقول فيه وجه آخر و هو أن مخلوقات الله إما جسمانية و إما روحانية أما الجسمانية فإنها مترتبة على طبقات و درجات لا يتغير البتة
فالأرض وسط العالم و هي محفوفة بكرة الماء و الماء محفوف بالهواء و الهواء بالنار ثم هذه الأربعة بكرات الأفلاك إلى آخر العالم الجسماني فهذه الأجسام كأنها صفوف واقفة على عتبة جلال الله تعالى و أما الجواهر الروحانية الملكية فهي على اختلاف درجاتها و تباين صفاتها مشتركة في صفتين أحدهما التأثير في عالم الأجسام بالتحريك و التصرف و إليه الإشارة بقوله فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فإنا بينا أن المراد من هذا الزجر الشوق و التحريك و الثاني الإدراك و المعرفة و الاستغراق في معرفة الله و الثناء عليه و إليه الإشارة بقوله تعالى فَالتَّالِياتِ ذِكْراً و لما كان الجسم أدنى منزلة من الأرواح المشتغلة بالتصرف في الجسمانيات و هي أدون منزلة من الأرواح المستغرقة في معرفة جلال الله المقبلة على تسبيح الله كما قال وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ لا جرم بدأ في المرتبة الأولى بذكر الأجسام ثم ذكر الأرواح المدبرة لأجسام هذا العالم ثم ذكر أعلى الدرجات و هي الأرواح المقدسة المتوجهة بكليتها إلى معرفة جلال الله و الاستغراق في الثناء عليه فهذه احتمالات خطرت بالبال و العالم بأسرار كلام الله ليس إلا الله. فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ قال البيضاوي أمر باستفتائهم حيث جعلوا لله البنات و لأنفسهم البنين في قولهم الملائكة بنات الله و هؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخرى التجسيم و تجويز الفناء على الله فإن الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة و تفضيل أنفسهم عليه على وجه القسمة حيث جعلوا أوضع الجنسين له و أرفعهما لهم و استهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم و لذلك كرر الله إنكار ذلك و إبطاله في كتابه مرارا و جعله مما تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا و الإنكار هاهنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما و لأن فسادهما مما تدركه العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل المعادل للاستفهام على التقسيم أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ و إنما خص علم المشاهدة لأن أمثال ذلك لا تعلم إلا به فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم ليمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء و الإشعار بأنهم لفرط جهلهم ينبئون به كأنهم قد شاهدوا خلقهم أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ لعدم ما يقتضيه و قيام ما ينفيه وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما يتدينون به أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ استفهام إنكار و استبعاد و الاصطفاء أخذ صفوة الشيء ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بما لا يرتضيه عقل أَ فَلا تَذَكَّرُونَ أنه منزه عن ذلك أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بناته فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ الذي أنزل عليكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً يعني الملائكة ذكرهم باسم جنسهم وضعا منهم أن يبلغوا هذه المرتبة و قيل قالوا إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة و قيل قالوا الله و الشيطان أخوان وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ أن الكفرة أو الإنس أو الجنة إن فسرت بغير الملائكة لَمُحْضَرُونَ في العذاب وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية بالرد على عبدتهم و المعنى و ما منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة و العبادة و الانتهاء إلى أمر الله تعالى في تدبير العالم وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ في أداء الطاعة و منازل الخدمة وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ المنزهون الله عما لا يليق به و لعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة و هذا في المعارف. و قال الطبرسي رحمه الله وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ هذا قول جبرئيل للنبي ص و قيل إنه قول الملائكة و فيه مضمر أي و ما منا معشر الملائكة ملك إلا و له مقام معلوم في السماوات يعبد الله فيه و قيل معناه أنه لا يتجاوز ما أمر به و رتب له كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامه الذي حد له فكيف يجوز
له أن يعبد من هو بهذه الصفة و هو عبد مربوب وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ حول العرش ننتظر الأمر و النهي من الله تعالى و قيل القائمون صفوفا في الصلاة قال الكلبي صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض و قال الجبائي صافون بأجنحتنا في الهواء للعبادة و التسبيح وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ أي المصلون المنزهون الرب عما لا يليق به و منه قيل فرغت من سبحتي أي من صلاتي و ذلك لما في الصلاة من تسبيح الله و تعظيمه و المسبحون القائلون سبحان الله على وجه التعظيم لله. و قال في قوله تعالى وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ معناه و من عجائب أمور الآخرة أنك ترى الملائكة محدقين بالعرش يطوفون حوله يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي ينزهون الله تعالى عما لا يليق به و يذكرونه بصفاته التي هو عليها و قيل يحمدون الله تعالى حيث دخل الموحدون الجنة و في قوله تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ يعني عند الموت روي ذلك عن أبي عبد الله ع و قيل تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم في الموقف بالبشارة من الله تعالى و قيل إن البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت و في القبر و عند البعث نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ أي نحن معاشر الملائكة أنصاركم و أحباؤكم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا نتولى إيصال الخيرات إليكم من قبل الله تعالى وَ فِي الْآخِرَةِ نتولاكم بأنواع الإكرام و المثوبة و قيل نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا أي نحن نحرسكم في الدنيا و عند الموت و في الآخرة عن أبي جعفر ع. و قال الرازي في قوله تعالى نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ الآية هذا في مقابلة ما ذكره في وعيد الكفار حيث قال وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ و معنى كونهم أولياء للمؤمنين أن للملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية بالإلهامات و المكاشفات اليقينية و المقامات الحقة كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح بإلقاء الوساوس فيها و تخييل الأباطيل إليها و بالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة معلومة لأرباب المكاشفات و المشاهدات فهم يقولون كما أن تلك الولاية كانت حاصلة في الدنيا فهي تكون باقية في الآخرة فإن تلك العلائق لازمة غير قابلة للزوال بل كأنها تصير بعد الموت أقوى و أبقى و ذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة و هي كالشعلة بالنسبة إلى الشمس و القطرة بالنسبة إلى البحر و التعلقات الجسدانية هي تحول بينها و بين الملائكة كما
قال ص لو لا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات
فإذا زالت العلائق الجسمانية و التدبيرات البدنية فقد زال الغطاء و الوطاء فيتصل الأثر بالمؤثر و القطرة بالبحر و الشعلة بالشمس فهذا هو المراد من قوله نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ ثم قال و الأقرب عندي أن قوله وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ إشارة إلى الجنة الجسمانية وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله تعالى دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ انتهى. فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ أي جميع الملائكة أو طائفة مخصوصة منهم و على الأول دوام تسبيحهم لا ينافي اشتغالهم بسائر الخدمات مع أن تلك الخدمات أيضا نوع من تسبيحهم وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ أي لا يملون و لا يفترون. و قال الرازي في قوله تعالى وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ اعلم أن مخلوقات الله نوعان نوع عالم الجسمانيات و أعظمها السماوات و عالم الروحانيات و أعظمها الملائكة فبين سبحانه كمال عظمته باستيلاء هيبته على الجسمانيات فقال تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ثم انتقل إلى ذكر الروحانيات فقال وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ و الجواهر الروحانية لها تعلقان تعلق بعالم الجلال و الكبرياء و هو تعلق القبول فإن الأضواء الصمدية إذا شرقت على الجواهر الروحانية استضاءت جواهرها و أشرقت ماهياتها ثم إن الجواهر الروحانية إذا استفادت تلك القوى الربانية قويت بها على الاستيلاء على عالم الجسمانيات و إذا كان كذلك فلها وجهان وجه إلى حضرة الجلال و وجه إلى عالم الأجسام و الوجه الأول أشرف من الثاني إذا عرفت هذا فنقول أما الجهة الأولى و هي الجهة المقدسة العلوية فقد اشتملت على أمرين أحدهما التسبيح و الثاني التحميد لأن التسبيح عبارة عن تنزيه الله تعالى عما لا ينبغي و التحميد عبارة عن وصفه بكونه معطيا لكل الخيرات و كونه منزها في ذاته عما لا ينبغي مقدم بالرتبة على كونه فياضا للخيرات و السعادات لأن وجود الشيء و حصوله في نفسه مقدم على تأثيره في حصول غيره فلهذا السبب كان التسبيح مقدما على التحميد و لهذا قال يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ و أما الجهة الثانية و هي الجهة التي لتلك الأرواح إلى عالم الجسمانيات فالإشارة إليها بقوله وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ و المراد منها تأثيراتها في نظم أحوال هذا العالم و حصول الطريق الأصوب فيها انتهى. و استدل بالآية على عصمة الملائكة لأنهم لو كانوا مذنبين كانوا يستغفرون لأنفسهم قبل استغفارهم لغيرهم و فيه نظر. وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً فقالوا الملائكة بنات الله و سماء جزءا لأن الولد جزء من الوالد و هو يستلزم التركيب المنافي لوجوب الوجود لَكَفُورٌ مُبِينٌ أي ظاهر الكفران وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا أي بالجنس الذي جعله له مثلا إذ الولد لا بد أن يماثل الوالد ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا أي صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه من الكآبة وَ هُوَ كَظِيمٌ أي مملو قلبه من الكرب أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي أو جعلوا له أو اتخذ من يتربى في الزينة يعني البنات وَ هُوَ فِي الْخِصامِ أي في المجادلة غَيْرُ مُبِينٍ أي غير مقرر لما يدعيه من نقصان العقل و ضعف الرأي وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم و هو جعلهم أكمل العباد و أكرمهم على الله أنقصهم عقلا و أخصهم صنفا أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ أي أ حضروا خلق الله أيام فشاهدوهم إناثا فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة و هو تجهيل و تهكم لهم سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ التي شهدوا بها على الملائكة وَ يُسْئَلُونَ أي عنها يوم القيامة. فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً أي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به قال الطبرسي رحمه الله
روي أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين ع و هو يخطب على المنبر فقال ما الذَّارِياتِ ذَرْواً قال الرياح قال فَالْحامِلاتِ وِقْراً قال السحاب قال فَالْجارِياتِ يُسْراً قال السفن قال فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً قال الملائكة
و روي ذلك عن ابن عباس و مجاهد فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قيل أي كان مقداره من عروج غيرهم خمسين ألف سنة و ذلك من أسفل الأرضين إلى فوق السماوات السبع و قيل امتداد ذلك اليوم على بعض الكفار كذلك و قيل معناه أن أول نزول الملائكة في الدنيا بأمره و نهيه و قضائه بين الخلائق إلى آخر عروجهم إلى السماء و هو القيامة هذه المدة. عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قال الطبرسي رحمه الله أي من الملائكة و هم خزنتها مالك و ثمانية عشر أعينهم كالبرق الخاطف و أنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة تسع كف أحدهم مثل ربيعة و مضر نزعت منهم الرحمة يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم. وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً أي و ما جعلنا الموكلين بالنار المتولين تدبيرها إلا ملائكة جعلنا شهوتهم في تعذيب أهل النار وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي لم نجعلهم على هذا العدد إلا محنة و تشديدا في التكليف لأن الكفار استقلوا هذا العدد و زعموا أنهم يقدرون على دفعهم و قد مر الكلام في تلك الآيات في كتاب المعاد. وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً
روى الطبرسي عن أبي حمزة الثمالي عن أصحاب علي عنه ع أنها الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله و نهيه
فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً يعني الرياح الشديدات الهبوب وَ النَّاشِراتِ نَشْراً الملائكة تنتشر الكتب عن الله فَالْفارِقاتِ فَرْقاً هي آيات القرآن تفرق بين الحق و الباطل و الهدى و الضلال فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء و تلقيه الأنبياء إلى الأمم. و قال البيضاوي أقسم بطوائف من الملائكة أرسلهن الله متتابعة فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره و نشرن الشرائع في الأرض أو نشرن النفوس الميتة بالجهل بما أوحين من العلم ففرقن بين الحق و الباطل فألقين إلى الأنبياء ذكرا عذرا للمحقين و نذرا للمبطلين أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد ص فعصفن سائر الكتب أو الأديان بالنسخ و نشرن آثار الهدى و الحكم في الشرق و الغرب و فرقن بين الحق و الباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق و نشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء و فرقن بين الحق بذاته و الباطل بنفسه فرأون كل شيء هالكا إلا وجهه فألقين ذكرا بحيث لا يكون في القلوب و الألسنة إلا ذكرهم أو برياح عذاب أرسلن فعصفن و رياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن فألقين ذكرا أي تسببن له فإن العاقل إذا شاهد هبوبها أو آثارها ذكر الله تعالى و تذكر كمال قدرته و عرفا إما نقيض النكر و انتصابه على العلة أي أرسلن للإحسان و المعروف أو بمعنى المتابعة من عرف الفرس و انتصابه على الحال عُذْراً أَوْ نُذْراً مصدران لعذر إذا محا الإساءة و أنذر إذا خوف أو جمعان لعذر بمعنى المعذرة و نذر بمعنى الإنذار أو بمعنى العاذر و المنذر و نصبهما على الأولين بالعلية أي عذرا للمحقين و نذرا للمبطلين أو البدلية من ذكرا على أن المراد به الوحي أو ما يعم التوحيد و الشرك و الإيمان و الكفر و على الثالث بالحالية و قرأهما أبو عمرو و حمزة و الكسائي و حفص بالتخفيف. يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا قال الطبرسي رحمه الله اختلف في معنى الروح هنا على أقوال أحدها أن الروح خلق من خلق الله تعالى على صورة بني آدم و ليسوا بناس و ليسوا بملائكة يقومون صفا و الملائكة صفا هؤلاء جند و هؤلاء جند عن مجاهد و قتادة و أبي صالح قال الشعبي هما سماطا رب العالمين يوم القيامة سماط من الروح و سماط من الملائكة. و ثانيها أن الروح ملك من الملائكة و ما خلق الله مخلوقا أعظم منه فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا و قامت الملائكة كلهم صفا واحدا فيكون عظم خلقه مثل صفهم عن ابن مسعود و عن عطاء عن ابن عباس. و ثالثها أنه أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد الأرواح إلى الأجساد عن عطية عن ابن عباس. و رابعها أنه جبرئيل ع عن الضحاك و قال وهب إن جبرئيل واقف بين يدي الله عز و جل ترعد فرائصه يخلق الله عز و جل من كل رعدة مائة ألف ملك فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسو رءوسهم فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا لا إله إلا أنت وَ قالَ صَواباً أي لا إله إلا الله
و روى علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق ع قال هو ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل
و خامسها أن الروح بنو آدم عن الحسن و قوله صَفًّا معناه مصطفين. و قال في قوله وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً اختلف في معناه على وجوه أحدها أنه يعني الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار عن أبدانهم بالشدة كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد روي ذلك عن علي عليه السلام و غيره و قال مسروق هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم و قيل هو الموت ينزع النفوس عن مجاهد و روي ذلك عن الصادق ع. و ثانيها أنها النجوم تنزع من أفق إلى أفق أي تطلع ثم تغيب قال أبو عبيدة تنزع من مطالعها و تغرق في مغاربها. و ثالثها النازعات القسي تنزع بالسهم و الناشطات الأوهاق فالقسم بفاعلها و هم المجاهدون. وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً فيه أيضا أقوال أحدها ما ذكرناه. و ثانيها أنها الملائكة تنشط أرواح الكفار ما بين الجلد و الأظفار حتى تخرجها من أجوافهم بالكرب و الغم عن علي ع و النشط الجذب يقال نشطت الدلو نشطا نزعته. و ثالثها أنها الملائكة تنشط أنفس المؤمنين فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنها عن ابن عباس. و رابعها أنها أنفس المؤمنين تنشط عند الموت للخروج عند رؤية موضعه من الجنة عن ابن عباس أيضا. و خامسها أنها النجوم تنشط من أفق إلى أفق أي تذهب يقال حمار ناشط. وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فيه أقوال أيضا أحدها أنها الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا ثم يدعونها حتى تستريح كالسابح بالشيء في الماء يرمى به عن علي ع. و ثانيها أنها الملائكة ينزلون عن السماء مسرعين و هذا كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه. و ثالثها أنها النجوم تسبح في فلكها و قيل هي خيل الغزاة تسبح في عدوها كقوله وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً و قيل هي السفن تسبح في الماء. فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فيه أيضا أقوال أحدها أنها الملائكة لأنها سبقت ابن آدم بالخير و الإيمان و العمل الصالح و قيل إنها تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء و قيل إنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة عن علي ع. و ثانيها أنها أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها و قد عاينت السرور شوقا إلى رحمة الله و لقاء ثوابه و كرامته. و ثالثها أنها النجوم يسبق بعضها بعضا في السير. و رابعها أنها الخيل يسبق بعضها بعضا في الحرب. فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً فيها أيضا أقوال أحدها أنها الملائكة تدبر أمر العباد من السنة إلى السنة عن علي عليه السلام. و ثانيها أن المراد بذلك جبرئيل و ميكائيل و ملك الموت و إسرافيل ع يدبرون أمور الدنيا فأما جبرئيل ع فموكل بالرياح و الجنود و أما ميكائيل فموكل بالقطر و النبات و أما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس و أما إسرافيل فهو يتنزل بالأمر عليهم. و ثالثها أنها الأفلاك يقع فيها أمر الله تعالى فيجري بها القضاء في الدنيا رواه علي بن إبراهيم. و قال في قوله تعالى فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ أي هذا القرآن أو هذه التذكرة في كتب معظمة عند الله و هي اللوح المحفوظ و قيل يعني كتب الأنبياء المنزلة عليهم مَرْفُوعَةٍ في السماء السابعة و قيل مرفوعة قد رفعها الله عن دنس الأنجاس مُطَهَّرَةٍ لا يمسها إلا المطهرون و قيل مصونة عن أن تنالها أيدي الكفرة لأنها في أيدي الملائكة في أعز مكان و قيل مطهرة من كل دنس و قيل مطهرة من الشك و الشبهة و التناقض بِأَيْدِي سَفَرَةٍ يعني الكبة من الملائكة و قيل يعني السفراء بالوحي بين الله تعالى و بين رسله من السفارة و قال قتادة هم القراء يكتبونها و يقرءونها
و روى فضيل بن يسار عن الصادق ع قال الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة كِرامٍ على ربهم بَرَرَةٍ مطيعين
و قيل كِرامٍ عن المعاصي يرفعون أنفسهم عنها بَرَرَةٍ أي صالحين متقين
1- الإحتجاج، بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع فيما احتج رسول الله ص به على المشركين و الملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه و لو شاهدتموه بأن يزداد في قوى أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر الخبر
2- تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع في خبر المعراج قال النبي ص و صعد جبرائيل و صعدت معه إلى السماء الدنيا و عليها ملك يقال له إسماعيل و هو صاحب الخطفة الذي قال الله عز و جل إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ و تحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك ثم مررت و ساق الحديث إلى قوله حتى دخلت السماء الدنيا فما لقيني ملك إلا ضاحكا مستبشرا حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر خلقا أعظم منه كريه المنظر ظاهر الغضب فقلت من هذا يا جبرئيل قال هذا مالك خازن النار ثم ساق الحديث إلى قوله ثم مررت بملك من الملائكة جالس على مجلس و إذا جميع الدنيا بين ركبتيه و إذا بيده لوح من نور مكتوب فيه كتاب ينظر فيه لا يلتفت يمينا و لا شمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك الموت فقال رسول الله ص ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجيبا نصف جسده النار و النصف الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج و لا الثلج يطفئ النار و هو ينادي بصوت رفيع و يقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج و كف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار اللهم يا مؤلف بين الثلج و النار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال ملك وكله الله بأكناف السماء و أطراف الأرضين و هو أنصح ملائكة الله لأهل الأرض من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق و رأيت ملكين يناديان في السماء أحدهما يقول اللهم أعط كل منفق خلفا و الآخر يقول اللهم أعط كل ممسك تلفا ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عز و جل خلقهم الله كيف شاء و وضع وجوههم كيف شاء ليس شيء من أطباق أجسادهم إلا و هو يسبح الله و يحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم مرتفعة بالتحميد و البكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم فقال كما ترى خلقوا إن الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه كلمة قط و لا رفعوا رءوسهم إلى ما فوقها و لا خفضوها إلى ما تحتها خوفا لله و خشوعا ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا فيها من الملائكة و عليهم الخشوع و قد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح الله و يحمده بأصوات مختلفة و كذا السماء الثالثة ثم صعدنا إلى السماء الرابعة و إذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات فبشروني بالخير لي و لأمتي ثم رأيت ملكا جالسا على سرير و تحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك و ساق الحديث إلى قوله ثم صعدنا إلى السماء السابعة قال و رأيت من العجائب التي خلق الله و صور على ما أراده ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة و رأسه عند العرش و هو ملك من ملائكة الله خلقها الله كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة و انتهى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى قرب العرش و هو يقول سبحان ربي حيث ما كنت لا تدري أين ربك من عظم شأنه و له جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوز المشرق و المغرب فإذا كان في السحر نشر جناحيه و خفق بهما و صرخ بالتسبيح بقول سبحان الله الملك القدوس سبحان الله الكبير المتعال لا إله إلا الله الحي القيوم و إذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها و خفقت بأجنحتها و أخذت بالصراخ فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكت ديوك الأرض كلها و لذلك الديك زغب أخضر و ريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط و له زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط
أقول الخبر بطوله قد مضى في باب المعراج
3- التفسير، عن بعض أصحابه يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين ع إن لله ملكا في صورة الديك الأملح الأشهب براثنه في الأرض السابعة و عرفه تحت العرش له جناحان جناح بالمشرق و جناح بالمغرب فأما الجناح الذي في المشرق فمن ثلج و أما الجناح الذي في المغرب فمن نار و كلما حضر وقت الصلاة قام على براثنه و رفع عرفه من تحت العرش ثم أمال أحد جناحيه على الآخر يصفق بهما كما يصفق الديكة في منازلكم فلا الذي من الثلج يطفئ النار و لا الذي من النار يذيب الثلج ثم ينادي بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله خاتم النبيين و أن وصيه خير الوصيين سبوح قدوس رب الملائكة و الروح فلا يبقى في الأرض ديك إلا أجابه و ذلك قوله وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ
4- و منه، في قوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ قال الصادق ع خلق الله الملائكة مختلفة و قد رأى رسول الله ص جبرئيل و له ستمائة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل قد ملأ ما بين السماء و الأرض و قال إذا أمر الله ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء السابعة و الأخرى في الأرض السابعة و إن لله ملائكة أنصافهم من برد و أنصافهم من نار يقولون يا مؤلف بين البرد و النار ثبت قلوبنا على طاعتك و قال إن لله ملكا بعد ما بين شحمة أذنه إلى عينيه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير و قال إن الملائكة لا يأكلون و لا يشربون و لا ينكحون و إنما يعيشون بنسيم العرش و إن لله ملائكة ركعا إلى يوم القيامة و إن لله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة ثم قال أبو عبد الله عليه السلام قال رسول الله ص ما من شيء خلقه الله أكثر من الملائكة و إنه ليهبط في كل يوم و في كل ليلة سبعون ألف ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله ص ثم يأتون أمير المؤمنين ع فيسلمون عليه ثم يأتون الحسين فيقيمون عنده فإذا كان السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون أبدا
5- و قال أبو جعفر ع إن الله خلق إسرافيل و جبرئيل و ميكائيل من سبحة واحدة و جعل لهم السمع و البصر و موجود العقل و سرعة الفهم
6- و منه، قال أمير المؤمنين ع في خلقة الملائكة و ملائكة خلقتهم و أسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة و لا عندهم غفلة و لا فيهم معصية هم أعلم خلقك بك و أخوف خلقك منك و أقرب خلقك إليك و أعملهم بطاعتك و لا يغشاهم نوم العيون و لا سهو العقول و لا فترة الأبدان لم يسكنوا الأصلاب و لم تضمهم الأرحام و لم تخلقهم من ماء مهين أنشأتهم إنشاء فأسكنتهم سماواتك و أكرمتهم بجوارك و ائتمنتهم على وحيك و جنبتهم الآفات و وقيتهم البليات و طهرتهم من الذنوب و لو لا تقويتك لم يقووا و لو لا تثبيتك لم يثبتوا و لو لا رحمتك لم يطيعوا و لو لا أنت لم يكونوا أما إنهم على مكانتهم منك و طواعيتهم إياك و منزلتهم عندك و قلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم و لأزروا على أنفسهم و لعلموا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك سبحانك خالقا و معبودا ما أحسن بلاءك عند خلقك
بيان في القاموس الطواعية الطاعة و قال زرى عليه زريا و زراية و مزرية عابه و عاتبه كأزرى لكنه قليل
7- التفسير، عن أبيه عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد عن أبي عبد الله ع أنه سئل هل الملائكة أكثر أم بنو آدم فقال و الذي نفسي بيده لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض و ما في السماء موضع قدم إلا و فيها ملك يسبحه و يقدسه و لا في الأرض شجر و لا مدر إلا و فيها ملك موكل بها يأتي الله كل يوم بعملها و الله أعلم بها و ما منهم أحد إلا و يتقرب كل يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت و يستغفر لمحبينا و يلعن أعداءنا و يسأل الله أن يرسل عليهم العذاب إرسالا
البصائر، عن علي بن محمد عن القاسم بن محمد الأصبهاني مثله
8- مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال ما خلق الله خلقا أكثر من الملائكة و إنه لينزل كل يوم سبعون ألف ملك فيأتون البيت المعمور فيطوفون به فإذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة فإذا طافوا بها أتوا قبر النبي ص فسلموا عليه ثم أتوا قبر أمير المؤمنين ع فسلموا عليه ثم أتوا قبر الحسين ع فسلموا عليه ثم عرجوا و ينزل مثلهم أبدا إلى يوم القيامة
9- و قال ع من زار أمير المؤمنين ع عارفا بحقه غير متجبر و لا متكبر كتب الله له أجر مائة ألف شهيد و غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و بعث من الآمنين و هون عليه الحساب و استقبلته الملائكة فإذا انصرف شيعته إلى منزله فإن مرض عادوه و إن مات تبعوه بالاستغفار إلى قبره
10- الخصال، عن علي بن محمد بن الحسن القزويني المعروف بابن مقبرة عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن أحمد بن يحيى الأحول عن خلاد المنقري عن قيس عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر قال كان على الحسن و الحسين عليهما السلام تعويذان حشوهما من زغب جناح جبرئيل ع
11- و منه، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن مسكان عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن جبرئيل أتاني فقال إنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب و لا تمثال جسد و لا إناء يبال فيه
الكافي، عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان مثله بيان لعله مخصوص بغير الحفظة مع أنه يمكن أن يكونوا مع عدم الدخول أيضا مطلعين على ما يصدر عنه
12- الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن محمد بن طلحة بإسناده يرفعه إلى النبي ص قال الملائكة على ثلاثة أجزاء فجزء لهم جناحان و جزء لهم ثلاثة أجنحة و جزء لهم أربعة أجنحة
الكافي، عن عدة من أصحابه عن سعد بن زياد و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن عبد الله بن طلحة مثله بيان لعل المراد أن أكثر الملائكة كذلك فلا ينافي ما ورد من كثرة أجنحة بعض الملائكة
13- التوحيد، و الخصال، عن أحمد بن الحسن القطان عن محمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن نصر بن مزاحم المنقري عن عمرو بن سعد عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن أبي منصور عن زيد بن وهب قال سئل أمير المؤمنين ع عن قدرة الله جلت عظمته فقام خطيبا فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إن لله تبارك و تعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقه و كثرة أجنحته و منهم من لو كلفت الجن و الإنس أن يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله و حسن تركيب صورته و كيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه و شحمة أذنه و منهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم يديه و منهم من في السماوات إلى حجزته و منهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل و الأرضون إلى ركبتيه و منهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها و منهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ
14- العيون، عن محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي عن علي بن محمد بن عنبسة عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إن لله ديكا عرفه تحت العرش و رجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى إذا كان في الثلث الأخير من الليل سبح الله تعالى ذكره بصوت يسمعه كل شيء ما خلا الثقلين الجن و الإنس فتصيح عند ذلك ديكة الدنيا
15- الإحتجاج، عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق فيما سأل أبا عبد الله ع فقال ما علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم و لهم و الله عالم السر و ما هو أخفى قال استعبدهم بذلك و جعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة أو عن معصيته أشد انقباضا و كم من عبديهم بمعصية فذكر مكانها فارعوى و كف فيقول ربي يراني و حفظتي علي بذلك تشهد و إن الله برأفته و لطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنهم مردة الشياطين و هوام الأرض و آفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر الله عز و جل
16- تفسير علي بن إبراهيم، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يقول بأمر الله من أن يقع في ركي أو يقع عليه حائط أو يصيبه شيء حتى إذا جاء القدر خلوا بينه و بينه يدفعونه إلى المقادير و هما ملكان يحفظانه بالليل و ملكان يحفظانه بالنهار يتعاقبان
بيان الركي جمع الركية و هو البئر
17- التفسير، لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إنها قرئت عند أبي عبد الله ع فقال لقارئها أ لستم عربا كيف تكون المعقبات من بين يديه و إنما المعقب من خلفه فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا فقال إنما نزلت له معقبات من خلفه و رقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله و من الذي يقدر أن يحفظ الشيء من أمر الله و هم الملائكة الموكلون بالناس
بيان قال الطبرسي رحمه الله في الشواذ قراءة أبي البرهشم لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ و رقباء من خلفه يحفظونه بأمر الله
و روي عن أبي عبد الله عليه السلام له معقبات من خلفه و رقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله
و روي عن علي ع و ابن عباس و عكرمة و زيد بن علي يحفظونه بأمر الله
18- التوحيد، عن أحمد بن محمد العطار عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن ابن أورمة عن زياد القندي عن درست بن أبي منصور عن رجل عن أبي عبد الله ع قال إن لله تبارك و تعالى ملكا بعد ما بين شحمة أذنه إلى عنقه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير
الكافي، عن العدة عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه عن القندي مثله بيان قال الجوهري خفقت الراية تخفق و تخفق خفقا و خفقانا و كذلك القلب و السراب إذا اضطربا و يقال خفق الطير أي طار و أخفق إذا ضرب بجناحيه
19- التوحيد، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي عن يونس بن يعقوب عن عمرو بن مروان عن أبي عبد الله ع قال إن لله تبارك و تعالى ملائكة أنصافهم من برد و أنصافهم من نار يقولون يا مؤلفا بين البرد و النار ثبت قلوبنا على طاعتك
20- و منه، عن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري عن مكي بن أحمد البردعي عن عدي بن أحمد بن عبد الباقي عن أحمد بن محمد بن البراء عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب عن ابن عباس عن النبي ص قال إن لله تبارك و تعالى ديكا رجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى و رأسه عند العرش باقي عنقه تحت العرش و ملك من ملائكة الله خلقه الله تعالى و رجلاه في تخوم الأرض السابعة مضى مصعدا فيها مد الأرضين حتى خرج منها إلى أفق السماء ثم مضى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش و هو يقول سبحانك ربي و لذلك الديك جناحان إذا نشرهما جاوزا المشرق و المغرب فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه و خفق بهما و صرخ بالتسبيح و هو يقول سبحان الله الملك القدوس الكبير المتعال لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها و خفقت بأجنحتها و أخذت في الصراخ فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت الديكة في الأرض فإذا كان في بعض السحر نشر جناحيه فجاوزا المشرق و المغرب و خفق بهما و صرخ بالتسبيح سبحان الله العزيز سبحان الله العظيم سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد سبحان الله ذي العرش الرفيع فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض فإذا هاج هاجت الديكة في الأرض تجاوبه بالتسبيح و التقديس لله تعالى و لذلك الديك ريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط له زغب أخضر تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط فما زلت مشتاقا إلى أن أنظر إلى ريش ذلك الديك
بيان قال الجوهري التخم منتهى كل قرية أو أرض و الجمع تخوم و ملك أي و هو ملك و في بعض النسخ و ملكا فيكون عطف تفسير لقوله ديكا و الصراخ الصوت و الزغب الشعيرات الصفر على ريش الفرخ ذكره الجوهري
21- التوحيد، بالإسناد المتقدم عن النبي ص قال إن لله تبارك و تعالى ملكا من الملائكة نصف جسده الأعلى نار و نصفه الأسفل الثلج فلا النار تذيب الثلج و لا الثلج يطفئ النار و هو قائم ينادي بصوت له رفيع سبحان الله الذي كف حر هذه النار فلا تذيب هذا الثلج و كف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار اللهم يا مؤلفا بين الثلج و النار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك
22- و منه بهذا الإسناد عن النبي ص قال إن لله تبارك و تعالى ملائكة ليس شيء من أطباق أجسادهم إلا و هو يسبح الله تعالى و يحمده من ناحيته بأصوات مختلفة لا يرفعون رءوسهم إلى السماء و لا يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء و الخشية لله عز و جل
23- و منه، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن السياري عن عبد الله بن حماد عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله ع هل في السماء بحار قال نعم أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليهم السلام قال قال رسول الله ص إن في السماوات السبع لبحارا عمق أحدها مسيرة خمسمائة عام فيها ملائكة قيام منذ خلقهم الله عز و جل و الماء إلى ركبهم ليس منهم ملك إلا و له ألف و أربعمائة جناح في كل جناح أربعة وجوه في كل وجه أربعة السن ليس فيها جناح و لا وجه و لا لسان و لا فم إلا و هو يسبح الله تعالى بتسبيح لا يشبه نوع منه صاحبه
-24 و منه، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن ابن أورمة عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبي الحسن الشعيري عن سعد بن طريف عن الأصبغ قال جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين و الله إن في كتاب الله تعالى لآية قد أفسدت على قلبي و شككتني في ديني فقال له ع ثكلتك أمك و عدمتك و ما تلك الآية قال هو قول الله تعالى وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ فقال له أمير المؤمنين ع يا ابن الكواء إن الله تعالى خلق الملائكة في صور شتى ألا إن لله تعالى ملكا في صورة ديك أبج أشهب براثنه في الأرضين السابعة السفلى و عرفه مثني تحت العرش له جناحان جناح في المشرق و جناح في المغرب واحد من نار و الآخر من ثلج فإذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم فينادي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا سيد النبيين و أن وصيه سيد الوصيين و أن الله سبوح قدوس رب الملائكة و الروح قال فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله و هو قوله عز و جل وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ من الديكة في الأرض
الإحتجاج، عن الأصبغ مثله بيان ديك أبج في بعض النسخ بالباء الموحدة و الجيم و هو واسع ماق العين ذكره الجوهري و في بعضها بالحاء المهملة من البحة و هي غلظة الصوت و قد مر في التفسير أملح و الملحة بياض يخالطه السواد فالأشهب تفسير إذ الشهبة بياض يصدعه سواد و البرثن الكف مع الأصابع و مخلب الأسد و الصفق الضرب يسمع له صوت و الآية سيأتي تفسيرها المشهور
25- التوحيد، عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن علي بن زياد عن مروان بن معاوية عن الأعمش عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أمير المؤمنين ع قال ليس أحد من الناس إلا و معه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء فإذا حان أجله خلوا بينه و بين ما يصيبه الخبر
26- البصائر، عن أحمد بن محمد السياري عن عبيد الله بن أبي عبد الله الفارسي و غيره رفعوه إلى أبي عبد الله ع قال إن الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم ثم قال إن موسى ع لما أن سأل ربه ما سأل أمر واحدا من الكروبيين فتجلى للجبل ف جَعَلَهُ دَكًّا
السرائر، عن السياري مثله
27- إكمال الدين، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن محمد بن علي الكوفي عن أبي الربيع الزهراني عن جرير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال قال ابن عباس سمعت رسول الله ص يقول إن لله تبارك و تعالى ملكا يقال له دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء و الهواء كما بين السماء و الأرض فجعل يوما يقول في نفسه أ فوق ربنا جل جلاله شيء فعلم الله تبارك و تعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح ثم أوحى الله عز و جل إليه أن طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش فلما علم الله عز و جل إتعابه أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كل عظيم و ليس فوقي شيء و لا أوصف بمكان فسلبه الله أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة فلما ولد الحسين ع هبط جبرئيل في ألف قبيل من الملائكة لتهنئة النبي ص فمر بدردائيل فقاله سل النبي ص بحق مولوده أن يشفع لي عند ربي فدعا له النبي ص بحق الحسين فاستجاب الله دعاءه و رد عليه أجنحته و رده إلى مكانه
أقول تمامه في باب ولادة الحسين ع بيان أ فوق ربنا لعله كان ذلك بمحض خطور البال بغير شك لئلا ينافي العصمة و الجلالة
28- الإكمال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن موسى الوراق عن يونس عن داود بن فرقد قال قال لي بعض أصحابنا أخبرني عن الملائكة أ ينامون قلت لا أدري قال يقول الله عز و جل يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ثم قال لا أطرفك عن أبي عبد الله عليه لسلام بشيء فقلت بلى فقال سئل عن ذلك فقال ما من حي إلا و هو ينام خلا الله وحده عز و جل و الملائكة ينامون فقلت يقول الله عز و جل يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ قال أنفاسهم تسبيح
29- الخرائج، بإسناده عن سعد بن عبد الله عن عبد الله بن عامر عن العباس بن معروف عن عبد الله بن عبد الرحمن البصري عن أبي المغراء عن أبي بصير عن خيثم عن أبي جعفر ع قال نحن الذين تختلف الملائكة إلينا فمنا من يسمع الصوت و لا يرى الصورة و إن الملائكة لتزاحمنا على تكأتنا و إنا لنأخذ من زغبهم فنجعله سخابا لأولادنا
بيان التكأة كهمزة ما يتكأ عليه قاله الجوهري و قال السخاب قلادة تتخذ من سك غيره ليس فيها من الجوهر شيء و الجمع سخب
30- الخرائج، بإسناده عن سعد عن عبد الله بن عمر عن الربيع بن الخطاب عن جعفر بن بشير عن أبان عن عثمان عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا فقال أما و الله لربما وسدناهم الوسائد في منازلنا قيل الملائكة تظهر لكم فقال هم ألطف بصبياننا منا بهم و ضرب بيده إلى مساور في البيت فقال و الله لطال ما اتكأت عليه الملائكة و ربما التقطنا من زغبها
بيان في القاموس المسور كمنبر متكأ من أدم كالمسورة
31- العياشي، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع في قوله يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ثم قال ما من عبد إلا و معه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر من عند الله خليا بينه و بين أمر الله
32- المناقب، سأل الصادق ع أبا حنيفة أين مقعد الكاتبين قال لا أدري قال مقعدهما على الناجدين و الفم الدواة و اللسان القلم و الريق المداد
بيان يحتمل أن يكون المراد فم الملك و لسانه و ريقه و لو كان المراد تلك أعضاء من الإنسان فيمكن أن يكون بمحض تكلمه ينقش في ألواحهم فيكون مخصوصا بالكلام
33- الكافي، عن علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن صالح الحذاء عن أبي أسامة قال كنت عند أبي عبد الله ع فقال رجل ما السنة في دخول الخلاء قال يذكر الله و يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإذا فرغت قلت الحمد لله على ما أخرج مني الأذى في يسر و عافية قال رجل فالإنسان يكون على تلك الحال و لا يصير حتى ينظر إلى ما يخرج منه قال إنه ليس في الأرض آدمي إلا و معه ملكان موكلان به فإذا كان على تلك الحال ثنيا برقبته ثم قالا يا ابن آدم انظر إلى ما كنت تكدح له في الدنيا إلى ما هو صائر
34- و منه، عن العدة عن سهل عن ابن محبوب عن عبد الحميد عن أبي عبد الله ع قال إذا صعدا ملكا العبد المريض إلى السماء عند كل مساء يقول الرب تبارك و تعالى ما ذا كتبتما لعبدي في مرضه فيقولان الشكاية فيقول ما أنصفت عبدي إن حبسته في حبس من حبسي ثم أمنعه الشكاية اكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له من الخير في صحته لا تكتبا عليه سيئة حتى أطلقه من حبسي فإنه في حبس من حبسي
35- و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن درست قال سمعت أبا إبراهيم ع يقول إذا مرض المؤمن أحيا الله عز و جل إلى صاحب الشمال لا تكب على عبدي ما دام في حبسي و وثاقي ذنبا و يوحي إلى صاحب اليمين أن اكتب لعبدي ما كنت تكتب له في صحته من الحسنات
36- و منه، عن العدة عن البرقي عن ابن أبي نجران عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله ع قال من عاد مريضا من المسلمين وكل الله به أبدا سبعين ألفا من الملائكة يغشون رحله و يسبحون فيه و يقدسون و يهللون و يكبرون إلى يوم القيامة نصف صلاتهم لعائد المريض
-37 و منه، عن العدة عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن مهران بن محمد قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الميت إذا مات بعث الله ملكا إلى أوجع أهله فمسح على قلبه فأنساه لوعة الحزن و لو لا ذلك لم تعمر الدنيا
38- و منه، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن أبان عن عمرو بن خالد عن أبي جعفر ع قال قال جبرئيل يا رسول الله إنا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان و لا بيتا يبال فيه و لا بيتا فيه كلب
39- و منه، عن علي بن إبراهيم بن عمر اليماني عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص حدثني جبرئيل إن الله عز و جل أهبط إلى الأرض ملكا فأقبل ذلك الملك يمشي حتى وقع إلى باب عليه رجل يستأذن على رب الدار فقال له الملك ما حاجتك إلى رب هذه الدار قال أخ لي مسلم زرته في الله تبارك و تعالى قال له الملك ما جاء بك إلا ذاك فقال ما جاء بي إلا ذاك قال فإني رسول الله إليك و هو يقرئك السلام و يقول وجبت لك الجنة و قال الملك إن الله عز و جل يقول أيما مسلم زار مسلما فليس إياه زار إياي زار و ثوابه علي الجنة
40- و منه، عن العدة عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن إسحاق بن عمار عن أبي قرة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول من زار أخاه في الله في مرض أو صحة لا يأتيه خداعا و لا استبدالا وكل الله به سبعين ألف ملك ينادون في قفاه أن طبت و طابت لك الجنة فأنتم زوار الله و أنتم وفد الرحمن حتى يأتي منزله فقال له يسير جعلت فداك فإن كان المكان بعيدا قال نعم يا يسير و إن كان المكان مسير سنة فإن الله جواد و الملائكة كثير يشيعونه حتى يرجع إلى منزله
41- و منه، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن بزيع عن صالح بن عقبة عن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر ع قال إن المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل الله عز و جل به ملكا فيضع جناحا في الأرض و جناحا في السماء يطلبه فإذا دخل على منزله نادى الجبار تبارك و تعالى أيها العبد المعظم لحقي المتبع لآثار نبي حق علي إعظامك سلني أعطك ادعني أجبك اسكت أبتدئك فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتى يدخل إلى منزله ثم يناديه تبارك و تعالى أيها العبد المعظم لحقي حق علي إكرامك قد أوجبت لك جنتي و شفعتك في عبادي
42- و منه، عن العدة عن سهل عن يحيى بن المبارك عن ابن جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله عز و جل الرحمة عليها فكانت تسعة و تسعين لأشدهما حبا لصاحبه فإذا توافقا غمرتهما الرحمة و إذا قعدا يتحدثان قالت الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعل لهما سرا و قد ستره الله عليهما فقلت أ ليس الله عز و جل يقول ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ فقال يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإن عالم السر يسمع و يرى
43- و منه، عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن إسحاق بن عمار عن الوصافي عن أبي جعفر ع قال كان فيما ناجى الله عز و جل به موسى ع قال يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو برد جميل إنه يأتيك من ليس بإنس و لا جان ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك و يسألونك فيما نولتك فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران
44- و منه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال من كتم صومه قال الله عز و جل لملائكته عبدي استجار من عذابي فأجيروه و وكل الله عز و جل ملائكة بالدعاء للصائمين و لم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب لهم فيه
45- و منه، عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد عن محمد بن سنان عن منذر بن يزيد عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله ع من صام لله عز و جل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه و يبشرونه
46- و منه، عن أحمد بن محمد عن علي بن الحسن التيملي عن علي بن أسباط عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال إذا كان أيام الموسم بعث الله ملائكة في صورة الآدميين يشترون متاع الحاج و التجار قلت فما يصنعون قال يلقونه في البحر
47- و منه، عن العدة عن سهل و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن داود الرقي عن أبي عبد الله ع قال ليس خلق أكثر من الملائكة إنه لينزل كل ليلة من السماء سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام ليلتهم و كذلك في كل يوم
48- الإختصاص، بإسناده عن المعلى بن محمد رفعه إلى أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل خلق الملائكة من نور الخبر
49- و منه، بإسناده عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي عبد الله ع قال استأذن ملك ربه أن ينزل إلى الدنيا في صورة آدمي فأذن له فمر برجل على باب قوم يسأل عن رجل من أهل الدار فقال الملك يا عبد الله أي شيء تريد من هذا الرجل الذي تطلبه قال هو أخ لي في الإسلام أحببته في الله جئت لأسلم عليه قال ما بينك و بينه رحم ماسة و لا نزعتك إليه حاجة قال لا إلا الحب في الله عز و جل فجئت لأسلم عليه قال فإني رسول الله إليك و هو يقول قد غفرت لك بحبك إياه في
50- كتاب الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه و من تكبر وضعاه
51- نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص أتاني جبرئيل ع فقال يا محمد كيف ننزل عليكم و أنتم لا تستاكون و لا تستنجون بالماء و لا تغسلون براجمكم
بيان قال في النهاية فيه من الفطرة غسل البراجم هي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ الواحدة برجمة بالضم
52- مجالس الشيخ، عن جماعة عن أبي المفضل الشيباني عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمود بن عيسى بن عبيد عن أحمد بن الحسن الميثمي عن المفضل بن صالح عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عن آبائه ع عن النبي ص قال لقي ملك رجلا على باب دار كان ربها غائبا فقال له الملك يا عبد الله ما جاء بك إلى هذه الدار فقال أخ لي أردت زيارته قال أ لرحم ماسة بينك و بينه أم نزعتك إليه حاجة قال ما بيننا رحم أقرب من رحم الإسلام و ما نزعتني إليه حاجة و لكني زرته في الله رب العالمين قال فأبشر فإني رسول الله إليك و هو يقرئك السلام و يقول لك إياي قصدت و ما عندي أردت بصنعك فقد أوجبت لك الجنة و عافيتك من غضبي و من النار حيث أتيته
53- و منه، عن جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن إسحاق بن إبراهيم النهشلي عن زكريا بن يحيى عن مندل بن علي عن الأعمش عن ابن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله ص يغدو إليه علي ع في الغداة و كان يحب أن لا يسبقه إليه أحد فإذا النبي ص في صحن الدار و إذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فقال السلام عليك كيف أصبح رسول الله ص قال بخير يا أخا رسول الله ص فقال علي ع جزاك الله عنا أهل البيت خيرا قال له دحية إني أحبك و إن لك عندي مديحة أهديها إليك أنت أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين و سيد ولد آدم إلى يوم القيامة ما خلا النبيين و المرسلين و لواء الحمد بيدك يوم القيامة تزف أنت و شيعتك مع محمد و حزبه إلى الجنان فقد أفلح من والاك و خاب و خسر من خلاك بحب محمد أحبوك و ببغضه أبغضوك لا تنالهم شفاعة محمد ص ادن من صفوة الله فأخذ رأس النبي ص فوضعه في حجره فانتبه النبي ص فقال ما هذا الهمهمة فأخبره الحديث فقال لم يكن دحية كان جبرئيل سماك باسم سماك الله تعالى به و هو الذي ألقى محبتك في قلوب المؤمنين و رهبتك في صدور الكافرين
54- العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم سئل أبو عبد الله ع عن الملائكة يأكلون و يشربون و ينكحون فقال لا إنهم يعيشون بنسيم العرش فقيل له ما العلة في نومهم فقال فرقا بينهم و بين الله عز و جل لأن الذي لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ هو الله
55- و منه، قال العلة في الصيحة من السماء كيف يعلمها أهل الدنيا و الصيحة هي بلسان واحد و لغات الناس تختلف فقال إن في كل بلد ملائكة موكلون فينادي في كل بلد ملك بلسانهم و كذلك لإبليس شياطين موكلون بكل بلدة ينادون فيهم بلسانهم و لغاتهم ألا إن الأمر لعثمان بن عفان
56- الإقبال، في تعقيبات نوافل شهر رمضان و غيرها و صل على جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت و مالك خازن النار و رضوان خازن الجنة و روح القدس و الروح الأمين و حملة عرشك المقربين و على منكر و نكير و على الملكين الحافظين و على الكرام الكاتبين
57- النهج، ]نهج البلاغة[ عن نوف البكالي قال قال أمير المؤمنين ع أيها المتكلف لوصف ربك فصف جبرئيل و ميكائيل و جنود الملائكة المقربين في حجرات القدس مرجحنين متوالهة عقولهم أن يحدوا أحسن الخالقين
بيان التكلف التجشم و ارتكاب الشيء على مشقة و حجرة القوم بالفتح ناحية دارهم و الجمع حجرات كجمرة و جمرات و في بعض النسخ حجرات بضمتين جمع حجرة بالضم و هي الغرفة و قيل الموضع المنفرد و ارجحن الشيء كاقشعر أي مال من ثقله و تحرك قال في النهاية أورد الجوهري هذا الحرف في حرف النون على أن النونين أصلية و غيره يجعلهما زائدة من رجح الشيء كمنع إذا ثقل قال ابن أبي الحديد أي مائلين إلى جهة التحت خضوعا لله سبحانه و قال الكيدري الارجحنان الميل و ارجحن الشيء اهتز انتهى و لعل المراد بحجرات القدس المواضع المعدة لهم في السماوات و هي محال القدس و التنزه عن المعاصي و رذائل الأخلاق و الوله الحزن و الحيرة و الخوف و متولهة عقولهم على صيغة اسم الفاعل أي محزونة أو حائرة أو خائفة و في بعض النسخ على صيغة اسم المفعول و الأول أظهر أن يحدوا أحسن الخالقين أي يدركوه بكنهه أي يدركوا مبلغ قدرته و علمه أو مقدار عظمته
58- كتاب النوادر، لعلي بن أسباط عن يعقوب بن سالم الأحمر عن رجل عن أبي جعفر ع قال لما قبض رسول الله ص بات آل محمد بليلة أطول ليلة ظنوا أنهم لا سماء تظلهم و لا أرض تقلهم مخافة لأن رسول الله ص وتر الأقربين و الأبعدين في الله فبينما هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه و يسمعون كلامه فقال السلام عليكم يا أهل البيت و رحمة الله و بركاته في الله عزاء من كل مصيبة و نجاة من كل هلكة و درك لما فات إن الله اختاركم و فضلكم و طهركم و جعلكم أهل بيت نبيه ص و استودعكم علمه و أورثكم كتابه و جعلكم تابوت علمه و عصا عزه و ضرب لكم مثلا من نوره و عصمكم من الزلل و آمنكم من الفتن فاعتزوا بعزاء الله فإن الله لم ينزع منكم رحمته و لم يدل منكم عدوه فأنتم أهل الله الذين بكم تمت النعمة و اجتمعت الفرقة و ائتلفت الكلمة و أنتم أولياء الله من تولاكم نجا و من ظلمكم يزهق مودتكم من الله في كتابه واجبة على عباده المؤمنين و الله على نصركم إذا يشاء قدير فاصبروا لعواقب الأمور فإنها إلى الله تصير فقد قبلكم الله من نبيه ص وديعة و استودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض فمن أدى أمانته آتاه الله صدقه فأنتم الأمانة المستودعة و المودة الواجبة و لكم الطاعة المفترضة و بكم تمت النعمة و قد قبض الله نبيه ص و قد أكمل الله به الدين و بين لكم سبيل المخرج فلم يترك للجاهل حجة فمن تجاهل أو جهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى الله حسابه و الله من وراء حوائجكم فاستعينوا بالله على من ظلمكم و اسألوا الله حوائجكم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته فسأله يحيى بن أبي القاسم فقال جعلت فداك ممن أتتهم التعزية فقال من الله عز و جل
أقول قد مر مثله بأسانيد جمة في المجلد السادس و سيأتي أيضا في أبواب الجنائز
59- الكافي، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن محمد بن الفضيل عن أبي جعفر ع قال إن لله عز و جل ديكا رجلاه في الأرض السابعة و عنقه مثنية تحت العرش و جناحاه في الهواء إذا كان في نصف الليل أو الثلث الثاني من آخر الليل ضرب بجناحه و صاح سبوح قدوس ربنا الله الملك الحق المبين فلا إله غيره رب الملائكة و الروح فتضرب الديكة بأجنحتها و تصيح
60- الإحتجاج، في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله ع عن مسائل فأسلم إنه سأل ما علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم و لهم و الله عالم السر و أخفى فقال ع استعبدهم بذلك و جعلهم شهودا على خلقه لتكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة و عن معصيته أشد انقباضا و كم من عبد يهم بمعصيته فذكر مكانها فارعوى و كف و يقول ربي يراني و حفظتي علي بذلك تشهد و إن الله برأفته و لطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنهم مردة الشياطين و هوام الأرض و آفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر الله عز و جل
بيان وكلهم بعباده أي جنس الملائكة أو هذا النوع يعني الكتبة و الأول أوفق بسائر الأخبار الدالة على المغايرة و إن كان الثاني أنسب بسياق هذا الخبر
61- الكافي، عن محمد بن أحمد عن عبد الله بن الصلت عن يونس عمن ذكره عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله ع يا أبا محمد إن لله عز ذكره ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما تسقط الريح الورق من الشجر في أوان سقوطه و ذلك قوله عز و جل يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا و الله ما أراد بهذا غيركم
62- دلائل الإمامة، للطبري عن محمد بن هارون بن موسى عن أبيه عن محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن بعض رجاله عن حسن بن شعيب عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان قال استأذنت على أبي عبد الله ع فخرج إلي معتب فأذن لي فدخلت و لم يدخل معي كما كان يدخل فلما أن صرت في الدار نظرت إلى رجل على صورة أبي عبد الله عليه السلام فسلمت عليه كما كنت أفعل قال من أنت يا هذا لقد وردت على كفر أو إيمان و كان بين يديه رجلان كان على رءوسهما الطير فقال ادخل فدخلت الدار الثانية فإذا رجل على صورته ع و إذا بين يديه خلق كثير كلهم صورهم واحدة فقال من تريد قلت أريد أبا عبد الله ع فقال قد وردت على أمر عظيم إما كفر أو إيمان ثم خرج من البيت رجل حين بدأ به البيت فأخذ بيدي فأوقفني على الباب و غشي بصري من النور فقلت السلام عليكم يا بيت الله و نوره و حجابه فقال و عليك السلام يا يونس فدخلت البيت فإذا بين يديه طائران يحكيان فكنت أفهم كلام أبي عبد الله ع و لا أفهم كلامهما فلما خرجا قال يا يونس سل نحن محل النور في الظلمات و نحن البيت المعمور الذي مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً نحن عترة الله و كبرياؤه قال قلت جعلت فداك رأيت شيئا عجيبا رأيت رجلا على صورتك قال يا يونس إنا لا نوصف ذلك صاحب السماء الثالثة يسأل أن أستأذن الله له أن يصير مع أخ له في السماء الرابعة قال فقلت فهؤلاء الذين في الدار قال هؤلاء أصحاب القائم من الملائكة قال قلت فهذان قال جبرئيل و ميكائيل نزلا إلى الأرض فلن يصعدا حتى يكون هذا الأمر إن شاء الله و هم خمسة آلاف يا يونس بنا أضاءت الأبصار و سمعت الآذان و وعت القلوب الإيمان
بيان على كفر أو إيمان أي إن أنكرت ما رأيت كفرت و إن قبلت آمنت كان على رءوسهما الطير أي لا يتحركان
63- الكافي، عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن لله ملكا رجلاه في الأرض السفلى مسيرة خمسمائة عام و رأسه في السماء العليا مسيرة ألف سنة يقول سبحانك حيث كنت فما أعظمك قال فيوحي الله عز و جل إليه ما يعلم ذلك من يحلف بي كاذبا
64- و منه، عن علي عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن شيخ من أصحابنا يكنى أبا الحسن عن أبي جعفر ع قال إن الله تبارك و تعالى خلق ديكا أبيض عنقه تحت العرش و رجلاه في تخوم الأرض السابعة له جناح في المشرق و جناح في المغرب لا تصيح الديوك حتى يصيح فإذا صاح خفق بجناحيه ثم قال سبحان الله سبحان الله العظيم الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ قال فيجيبه الله تبارك و تعالى فيقول لا يحلف بي كاذبا من يعرف ما تقول
65- الدر المنثور، للسيوطي عن أنس قال قال رسول الله ص إن أول من لبى الملائكة قال الله إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ قال فرادوه فأعرض عنهم فطافوا بالعرش ست سنين يقولون لبيك لبيك اعتذارا إليك لبيك نستغفرك و نتوب إليك
66- و عن ابن جبير أن عمر سأل النبي ص عن صلاة الملائكة فلم يرد عليه شيئا فأتاه جبرئيل فقال إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي الملك و الملكوت و أهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيام يقولون سبحان ذي العزة و الجبروت و أهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون سبحان الحي الذي لا يموت
67- و عن ابن عباس قال لما تواقف الناس يوم بدر أغمي على رسول الله ص ساعة ثم كشف عنه فبشر الناس بجبرئيل في جند من الملائكة ميمنة الناس و ميكائيل في جند آخر ميسرة الناس و إسرافيل في جند آخر و إبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك المدلجي يؤيد المشركين و يخبر أنه لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ فلما أبصر عدو الله الملائكة نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ فتثبت به الحرث بن هشام و هو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه فضرب في صدر الحرث فسقط الحرث و انطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر و رفع يديه و قال يا رب موعدك الذي وعدتني
68- و عن الحسن في قوله إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ قال رأى جبرئيل ع معتجرا بردائه يقود الفرس بين يدي أصحابه ما ركبه
69- و عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله ص إني أرى ما لا ترون و أسمع ما لا تسمعون أطت السماء و حق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا و ملك واضع جبهته لله ساجدا و الله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا و ما تلذذتم بالنساء على الفرش و لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لوددت أني كنت شجرة تعضد
بيان أطت السماء قال في النهاية الأطيط صوت الأقتاب و أطيط الإبل أصواتها و حنينها أي إن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت و هذا مثل و إيذان بكثرة الملائكة و إن لم يكن ثم أطيط و إنما هو كلام تقريب أريد منه تقرير عظمة الله و قال الصعدات الطرق جمع صعد و صعد جمع صعيد كطريق و طرق و طرقات و قيل هي جمع صعدة كظلمة و هي فناء باب الدار و ممر الناس بين الأندية انتهى. و قال الطيبي في شرح هذا الحديث أي فخرجتم إلى الطرقات و الصحاري و ممر الناس كفعل المحزون الذي يضيق به المنزل فيطلب الفضاء لبث الشكوى و قال في قوله لوددت أني شجرة تعضد هو بكلام أبي ذر أشبه و النبي ص أعلم بالله من أن يتمنى عليه حالا أوضع عما هو فيه انتهى و أقول هو إظهار الخوف منه تعالى و هو لا ينافي القرب منه سبحانه بل يؤكده إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
70- الدر المنثور، عن ابن عباس قال جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل و حافظين في النهار يحفظان عمله و يكتبان أثره
71- و عن ابن عباس قال قال رسول الله ص إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حاجات الغائط و الجنابة و الغسل
72- و عن رجل من بني تميم قال كنا عند أبي العوام فقرأ هذه الآية عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ألفا قلت لا بل تسعة عشر ملكا فقال و من أين أنت علمت ذلك قلت لأن الله يقول وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قال صدقت هم تسعة عشر ملكا بيد كل ملك منهم مرزبة من حديد لها شعبتان فيضرب بها الضربة يهوي بها سبعين ألفا بين منكبي كل ملك منهم مسيرة كذا و كذا
73- و عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ص حدثهم عن ليلة أسري به قال فصعدت أنا و جبرئيل إلى السماء الدنيا فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل و هو صاحب سماء الدنيا و بين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة ألف و تلا هذه الآية وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ
74- و عن ابن عباس قال ما أنزل الله على نبيه آية من القرآن إلا و معه أربعة حفظة من الملائكة يحفظونها حتى يؤدونها إلى النبي ص ثم قرأ عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً يعني الملائكة الأربعة لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ
75- و عن سعيد بن جبير في قوله فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً قال أربعة حفظة من الملائكة مع جبرئيل لِيَعْلَمَ محمد أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ قال و ما جاء جبرئيل بالقرآن إلا و معه أربعة من الملائكة حفظة
76- و عن الضحاك بن مزاحم في قوله إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً قال كان النبي ص إذا بعث إليه الملك بعث ملائكة يحرسونه من بين يديه و من خلفه أن يتشبه الشيطان على صورة الملك
77- و عن ابن عباس في قوله إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً قال هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي ص من الشياطين حتى يتبين الذي أرسل إليهم
78- و عن سعيد بن جبير وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ قال الملائكة ما في السماء موضع إلا عليه ملك إما ساجد و إما قائم حتى تقوم الساعة
79- و عن العلا بن سعد أن رسول الله ص قال يوما لجلسائه أطت السماء و حق لها أن تئط ليس منها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد ثم قرأ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ
80- و عن مجاهد وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ قال أطت السماء و ما تلام أن تئط إن السماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماء
81- و عن أبي ذر قال قال رسول الله ص إني أرى ما لا ترون و أسمع ما لا تسمعون أن السماء أطت و حق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا ملك واضع جبهته ساجدا لله
82- و عن حكيم بن حزام قال كنا عند رسول الله ص فقال هل تسمعون ما أسمع قلنا يا رسول الله ما تسمع قال أطيط السماء و ما تلام أن تئط ما فيها موضع قدم إلا و فيه ملك راكع أو ساجد
83- فردوس الأخبار، عن سعد بن معاذ قال قال النبي ص نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مسكن الملكين الحافظين الكاتبين و إن مدادهما الريق و قلمهما اللسان و ليس شيء أشد عليهما من فضل الطعام في الفم
84- سعد السعود، قال بعد أن ذكر الملكين الموكلين بالعبد و في رواية أنهما إذا أرادا النزول صباحا و مساء ينسخ لهما إسرافيل عمل العبد من اللوح المحفوظ فيعطيهما ذلك فإذا صعد صباحا و مساء بديوان العبد قابله إسرافيل بالنسخ التي انتسخ لهما حتى يظهر أنه كان كما نسخ منه
تكملة اعلم أنه أجمعت الإمامية بل جميع المسلمين إلا من شذ منهم من المتفلسفين الذين أدخلوا أنفسهم بين المسلمين لتخريب أصولهم و تضييع عقائدهم على وجود الملائكة و أنهم أجسام لطيفة نورانية أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ و أكثر قادرون على التشكل بالأشكال المختلفة و إنه سبحانه يورد عليهم بقدرته ما يشاء من الأشكال و الصور على حسب الحكم و المصالح و لهم حركات صعودا و هبوطا و كانوا يراهم الأنبياء و الأوصياء ع و القول بتجردهم و تأويلهم بالعقول و النفوس الفلكية و القوى و الطبائع و تأويل الآيات المتظافرة و الأخبار المتواترة تعويلا على شبهات واهية و استبعادات وهمية زيغ عن سبيل الهدى و اتباع لأهل الجهل و العمى. قال المحقق الدواني في شرح العقائد الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكلات المختلفة و قال شارح المقاصد ظاهر الكتاب و السنة و هو قول أكثر الأمة إن الملائكة أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات بأشكال مختلفة كاملة في العلم و القدرة على الأفعال الشاقة شأنها الطاعة و مسكنها السماوات هم رسل الله تعالى إلى أنبيائه و أمناؤه على وحيه يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ و لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ. و قال الملائكة عند الفلاسفة هم العقول المجردة و النفوس الفلكية و يخص باسم الكروبيين ما لا تكون له علاقة مع الأجسام و لو بالتأثير و ذهب أصحاب الطلسمات إلى أن لكل فلك روحا كليا يدبر أمره و يتشعب منه أرواح كثيرة مثلا للعرش أعني الفلك الأعظم روح يرى أثره في جميع ما في جوفه يسمى بالنفس الكلية و الروح الأعظم و يتشعب منه أرواح كثيرة متعلقة بأجزاء العرش و أطرافه كما أن النفس الناطقة تدبر أمر بدن الإنسان و لها قوة طبيعية و حيوانية و نفسانية بحسب كل عضو و على هذا يحمل قوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا و قوله تعالى وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ و هكذا سائر الأفلاك و أثبتوا لكل درجة روحا يظهر أثره عند حلول الشمس تلك الدرجة و كذا لكل من الأيام و الساعات و البحار و الجبال و المفاوز و العمران و أنواع النبات و الحيوانات و غير ذلك على ما ورد في لسان الشرع من ملك الأرزاق و ملك البحار و ملك الأمطار و ملك الموت و نحو ذلك و بالجملة فكما ثبت لكل من الأبدان البشرية نفس مدبرة فقد أثبتوا لكل نوع من الأنواع بل لكل صنف روحا يدبره يسمى بالطبائع التام لذلك النوع تحفظه عن الآفات و المخافات و يظهر أثره في النوع ظهور أثر النفس الإنسانية في الشخص انتهى. و قال الرازي في تفسيره إنه لا خلاف بين العقلاء في أن أشرف الرتبة للعالم العلوي هو وجود الملائكة فيه كما أن أشرف الرتبة للعالم السفلي هو وجود الإنسان فيه إلا أن الناس اختلفوا في ماهية الملائكة و حقيقتهم و طريق ضبط المذاهب أن يقال الملائكة لا بد و أن تكون ذوات قائمة بأنفسها ثم إن تلك الذوات إما أن تكون متحيزة أو لا تكون أما الأول ففيه أقوال أحدها
أنها أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل بأشكال مختلفة مسكنها السماوات و هذا قول أكثر المسلمين و ثانيها قول طوائف من عبدة الأوثان و هو أن الملائكة في الحقيقة هو هذه الكواكب الموصوفة بالأسعاد و الأنحاس فإنها بزعمهم أحياء ناطقة و أن المسعدات منها ملائكة الرحمة و المنحسات منها هي ملائكة العذاب. و ثالثها قول معظم المجوس و الثنوية و هو أن هذا العالم مركب من أصلين أزليين و هما النور و الظلمة و هما في الحقيقة جوهران شفافان حساسان مختاران قادران متضادا النفس و الصورة مختلفا الفعل و التدبير فجوهر النور فاضل خير نقي طيب الريح كريم النفس يسر و لا يضر و ينفع و لا يمنع و يحبي و لا يبلي و جوهر الظلمة على ضد ذلك ثم إن جوهر النور لم يزل يولد الأولياء و هم الملائكة لا على سبيل التناكح بل على سبيل تولد الحكمة من الحكيم و الضوء من المضيء و جوهر الظلمة لم يزل يولد الأعداء و هم الشياطين على سبيل تولد السفه من السفيه لا على سبيل التناكح فهذه أقوال من جعل الملائكة أشياء متحيزة جسمانية. القول الثاني إن الملائكة ذوات قائمة بأنفسها و ليست بمتحيزة و لا أجسام فهاهنا قولان أحدهما قول طوائف من النصارى و هو أن الملائكة في الحقيقة هي الأنفس الناطقة بذاتها المفارقة لأبدانها على نعت الصفا و الخيرية و ذلك لأن هذه النفوس المفارقة إن كانت صافية خالصة فهي الملائكة و إن كانت خبيثة كدرة فهي الشياطين و ثانيها قول الفلاسفة و هي أنها جواهر قائمة بأنفسها ليس بمتحيزة البتة و أنها بالماهية مخالفة لنوع النفوس الناطقة البشرية و أنها أكمل قوة منها و أكثر علما و أنها للنفوس البشرية جارية مجرى الشمس بالنسبة إلى الأضواء ثم إن هذه الجواهر على قسمين منها ما هي بالنسبة إلى أجرام الأفلاك و الكواكب كنفوسنا الناطقة بالنسبة إلى أبداننا و منها ما هي أعلى شأنا من تدبير أجرام الأفلاك بل هي مستغرقة في معرفة الله و محبته و مشتغلة بطاعته و هذا القسم هم الملائكة المقربون و نسبتهم إلى الملائكة الذين يدبرون السماوات كنسبة أولئك المدبرين إلى نفوسنا الناطقة فهذا القسمان قد اتفقت الفلاسفة على إثباتهما و منهم من أثبت أنواعا أخر من الملائكة و هي الملائكة الأرضية المدبرة لأحوال هذا العالم السفلي ثم إن مدبرات هذا العالم إن كانت خيرات فهم الملائكة و إن كانت شريرة فهم الشياطين ثم اختلف أهل العلم في أنه هل يمكن الحكم بوجودها من حيث العقل أو لا سبيل إلى إثباتها إلا بالسمع فالفلاسفة على الأول. أقول ثم ذكر بعض دلائلهم فقال و أما الدلائل النقلية فلا نزاع البتة بين الأنبياء ع في إثبات الملائكة بل ذلك كالأمر المجمع عليه بينهم ثم ذكر كثرة الملائكة و بعض الأخبار في ذلك ثم قال
رأيت في بعض كتب التذكير أن النبي ص حين عرج به رأى الملائكة في موضع بمنزلة سوق بعضهم يمشي تجاه بعض فسأل رسول الله ص أنهم إلى أين يذهبون فقال جبرئيل ع لا أدري إلا أني أراهم منذ خلقت و لا أرى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك ثم سألوا واحدا منهم و قيل له منذ كم خلقت فقال لا أدري غير أن الله تعالى يخلق كوكبا في كل أربعمائة ألف سنة فخلق مثل ذلك الكواكب منذ خلقني أربعمائة ألف كوكب
ثم قال و اعلم أن الله ذكر في القرآن أصنافهم و أوصافهم و أما الأصناف فأحدها حملة العرش وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ الآية و ثانيها الحافون حول العرش وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ الآية و ثالثها أكابر الملائكة فمنهم جبرئيل و ميكائيل لقوله جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ ثم إنه وصف جبرئيل بأمور الأول أنه صاحب الوحي إلى الأنبياء نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ و الثاني أنه قدمه على ميكائيل و الثالث جعله ثاني نفسه فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ الرابع سماه روح القدس الخامس ينصر أولياءه و يقهر أعداءه مع آلاف مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ السادس أنه مدحه بصفات ستة إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ إلى قوله أَمِينٍ. و منهم إسرافيل صاحب الصور و عزرائيل قابض الأرواح و له أعوان عليه و رابعها ملائكة الجنة وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ الآية و خامسها ملائكة النار عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ و قوله وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً و رئيسهم مالك يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ و أسماء جملتهم الزبانية سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ و سادسها الموكلون ببني آدم لقوله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ و قوله تعالى لَهُ مُعَقِّباتٌ الآية و قوله وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً و ثامنها الموكلون بأحوال هذا العالم وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا و قوله فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً. و عن ابن عباس قال إن لله ملائكة سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عجزه بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله رحمكم الله. و أما أوصاف الملائكة فمن وجوه أحدها أنهم رسل الله جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا و قوله اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا و ثانيها قربهم من الله بالشرف و هو المراد من قوله سبحانه وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ و قوله بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ و ثالثها وصف طاعاتهم و ذلك من وجوه الأول قوله تعالى حكاية عنهم وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ و قولهم وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ و الله تعالى ما كذبهم في ذلك الثاني مبادرتهم إلى امتثال أمر الله و هو قوله فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ الثالث أنهم لا يفعلون إلا بوحيه و أمره و هو قوله تعالى لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. و رابعها وصف قدرتهم و ذلك بوجوه الأول أن حملة العرش و هم ثمانية يحملون العرش و الكرسي الذي هو أصغر من العرش أعظم من جملة السماوات السبع لقوله تعالى وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ و الثاني أن علو العرش شيء لا يحيط به الوهم و يدل عليه قوله تعالى تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ثم إنهم لشدة قدرتهم ينزلون منه في لحظة واحدة الثالث قوله تعالى وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ الآية فصاحب الصور بلغ في القوة إلى حيث إن بنفخة واحدة منه يصعق من في السماوات و الأرض و بالثانية منه يعدون أحياء الرابع أن جبرئيل بلغ من قوته أن قلع جبال آل لوط و بلادهم دفعة واحدة. و خامسها وصف خوفهم و يدل عليه بوجوه الأول أنهم مع كثرة عبادتهم و عدم إقدامهم على الزلات يكونون خائفين وجلين حتى كان عباداتهم معاصي قال تعالى يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ و قال وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الثاني قوله تعالى حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ الآية روي في التفسير أن الله تعالى إذا تكلم بالوحي سمعه أهل السماوات مثل صوت السلسلة على الصفوان ففزعوا فإذا انقضى الوحي قال بعضهم لبعض ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. الثالث
روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم بناحية و معه جبرئيل ع إذا انشق أفق السماء فأقبل جبرئيل يتضاءل و يدخل بعضه في بعض
إلى آخر ما سيأتي برواية السيوطي في الباب الآتي انتهى. و أقول و إن قال في أول كلامه إن أكثر المسلمين قالوا بتجسم الملائكة لكن يظهر من آخر كلامه أن المخالف في ذلك ليس إلا النصارى و الفلاسفة الذين لم يؤمنوا بشريعة و تكلموا في جميع أمورهم على آرائهم السخيفة و عقولهم الضعيفة. و أقول سئل المرتضى نزول جبرئيل بالوحي في صورة دحية الكلبي كيف كان يتصور بغير صورته هو القادر عليها أو القديم تعالى يشكل صورة و ليست صورة جبرئيل فإن كان الذي يسمع من القرآن من صورة غير جبرئيل ففيه ما فيه و إن كان من جبرئيل فكيف يتصور بصورة للبشر و هذه القدرة قد رويت أن إبليس يتصور و كذلك الجن أريد أن توضح أمر ذلك و ما كان يسمعه جبرئيل من الوحي من البارئ تعالى أو من حجاب و كيف كان يبلغه و هل جبرئيل يعلم من صفات البارئ أكثر مما نعلمه أو مثله و أين محله من السماء و هل القديم إذا خطر ببال جبرئيل يكون متحيرا فيه مثلنا و يكون سبحانه لا تدركه الأوهام أو ميزه علينا و جميع الملائكة أيضا. فأجاب رحمه الله بأن نزول جبرئيل بصورة دحية كان بمسألة من النبي ص لله تعالى في ذلك فأما تصوره فليس بقدرته بل الله يصوره كذلك صورة حقيقة لا تشكيل و الذي كان يسمعه النبي ص من القرآن كان من جبرئيل في الحقيقة و أما إبليس و الجن فليس يقدرون على التصور و كل قادر بقدرة فحكمهم سواء في أنهم لا يصح أن يصوروا نفوسهم بل إن اقتضت المصلحة أن يتصور بعضهم بصورة صوره الله للمصلحة فأما جبرئيل ع و سماعه الوحي فيجوز أن يكلمه الله بكلام يسمعه فيتعلمه و يجوز أن يقرأه من اللوح المحفوظ فأما ما يعلم جبرئيل من صفات الله فطريقه الدليل و هو و العلماء فيه واحد فأما محله من السماء فقد روي أنه في السماء الرابعة فأما ما يخطر بباله فلا يجوز أن يتحير فيه لأن جبرئيل معصوم لا يصح أن يفعل قبيحا انتهى و في بعض ما أفاده نظر لا يخفى على المتأمل. و سئل رحمه الله أيضا إذا حصل أهل الجنة في الجنة ما حكم الملائكة هل يكونون في جنة بني آدم أو غيرها و هل يراهم البشر و هم يأكلون و يشربون مثل البشر أو تسبيح و تقديس و هل يسقط عنهم التكليف و كذلك الجن. فأجاب رحمه الله أنه يجوز أن يكونوا في الجنة مع بني آدم و يجوز أن يكونوا في جنة سواها فإن الجنان كثيرة جَنَّةُ الْخُلْدِ و جنة عدن و جَنَّةُ الْمَأْوى و غير ذلك مما لم يذكره الله تعالى فأما رؤية البشر لهم فلا يصلح إلا على أحد وجهين إما أن يقوي الله تعالى شعاع بصر البشر أو يكثف الملائكة فأما الأكل و الشرب فتجوز و الله تعالى يثيبهم بما فيه لذتهم فإن جعل لذتهم في الأكل و الشرب جاز و أما التكليف فإنه يسقط عنهم لأنه لا يصح أن يكونوا مكلفين مثابين في حالة واحدة و الكلام في الجن يجري هذا المجرى. و قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب المقالات القول في سماع الأئمة عليهم السلام كلام الملائكة الكرام و إن كانوا لا يرون منهم الأشخاص و أقول بجواز هذا من جهة العقل و أنه ليس بممتنع في الصديقين من الشيعة المعصومين من الضلال و قد جاءت بصحته و كونه في الأئمة عليهم السلام و كذا سميت من شيعتهم الصالحين الأبرار الأخيار واضحة الحجة و البرهان و هو مذهب فقهاء الإمامية و أصحاب الآثار منهم و قد أباه بنو نوبخت و جماعة من أهل الإمامة لا معرفة لهم بالأخبار و لم يمنعوا النظر و لا سلكوا طريق الصواب. و قال رحمه الله في رؤية المحتضر الملائكة جائز من أن يراهم ببصره بأن يزيد الله تعالى في شعاعه ما يدرك به أجسامهم الشفافة الرقيقة. و قال القول في نزول الملكين على أصحاب القبور و مساءلتهما الاعتقاد و أقول إن ذلك صحيح و عليه إجماع الشيعة و أصحاب الحديث و تفسير مجمله أن الله تعالى ينزل على من يريد تنعيمه بعد الموت ملكين اسمهما مبشر و بشير فيسألانه عن ربه جلت عظمته و عن نبيه و وليه ع فيجيبهما بالحق الذي فارق الدنيا على اعتقاده و الصواب و يكون الغرض في مساءلتهما استخراج العلامة بما
يستحقه من النعيم فيجد لذتها منه في الجواب و ينزل جل جلاله على من يريد تعذيبه في البرزخ ملكين اسمهما ناكر و نكير فيوكلهما بعذابه و يكون الغرض في مساءلتهما له استخراج علامة استحقاقه من العقاب بما يظهر في جوابه من التلجلج عن الحق أو الخبر عن سوء اعتقاد أو إبلاسه و عجزه عن الجواب و ليس ينزل الملكان من أصحاب القبور إلا على ما ذكرناه. و أما ما ذكره السيد الداماد رحمه الله تبعا للفلاسفة حيث قال من الدائر على الألسن أن وصف القرآن بالنزول التي لا يتصف به إلا المتحيز بالذات دون الأعراض و سيما غير القارات كالأصوات إنما هو بتبعية محله سواء أخذ حروفا ملفوظة أو معاني محفوظة و هو الملك الذي يتلقف الكلام من جناب الملك العلام تلقفا سماعيا أو يتلقاه تلقيا روحانيا أو يتحفظه من اللوح المحفوظ ثم ينزل به على الرسول و لا يتمشى هذا النمط إلا على القول بتجسم الملائكة و إنما الخارجون عن دائرة التحصيل ممشاهم ذلك فأما ما هو صريح الحق و عليه الحكماء الإلهيون و المحصلون من أهل الإسلام أن الملائكة على قبائل سفلية و علوية أرضية و سماوية جسمانية و قدسانية و في القبائل شعوب و طبقات كالقوى المنطبعة و الطبائع الجوهرية و أرباب الأنواع و النفوس المفارقة السماوية و الجواهر العقلية القادسية بطبقات أنواعها و أنوارها و منها روح القدس النازل بالوحي النافث في أرواح أولي القوة القدسية بإذن الله سبحانه وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ
و في الحديث عنه ع أطت السماء و حق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا و فيه ملك ساجد أو راكع
فالأمر غير خفي اللهم إلا أن يسمى ظهورهم العقلاني لنفوس الأنبياء ع نزولا تشبيها للهيولى العقلي و الاعتلاق الروحاني بالنزول الحسي و الاتصال المكاني فيكون قولنا نزول الملك استعارة تبعية و قولنا نزل الفرقان مجازا مرسلا بتبعية تلك الاستعارة التبعية. قلت لا يطمئن مني أحد من الناس أن أستصح ذلك بجهة من الجهات و أن فيه شقا لعصا الأمة بفرقها المفترقة و أحاديثها المتواترة و خرقا للقوانين العقلية الفلسفية و نسخا للضوابط المقررة البيانية فالأمة مطبقة على أن النبي ص يرى جبرئيل ع و ملائكة الله المقربين ببصره الجسماني و يسمع كلام الله الكريم على لسانهم القدسي بسمعه الجسماني و قوائم الحكمة قائمة بالقسط إنه إنما ملاك الرؤية البشرية و الإبصار الحسي انطباع الصورة في الحس المشترك و إنما المبصر المرئي بالحقيقة من الشيء الماثل بين يدي الحس الصورة الذهنية المنطبعة و أما ذو الصورة بهويته العينية و مادته الخارجية فمبصر بالعرض مرئي بالمجاز و إن كان مثوله العيني شرط الإبصار و الجليديتان هما مسلكا التأدية لا لوحا الانطباع و على هذه السنة شاكلة السمع أيضا و الإفاضة مطلقا من تلقاء واهب الصور فإذا كانت النفس واغلة الهمة في الجنبة الجسدانية طفيفة الانجذاب إلى صقع الحق و عالم القدس لم يكن لنبطاسياها سبيل إلى التطبع بالصورة من تلقاء واهب الصور إلا من مسلك الحاسة الظاهرة و مثول المادة الخارجية بين يديها فأما إذا كانت قدسية الفطرة مستنيرة الغريزة في جوهر جبلتها المفطورة ثم في سجيتها المكسوبة صارت نقية الجوهر طاهرة الذات أكيدة العلاقة بعالم العقل شديدة الاستحقاق لعالم الحس قاهرة الملكة قوية المنة على خلع البدن و رفض الحواس و الانصراف إلى صقع القدس حيث شاءت و متى شاءت بإذن ربها و قوتها المتخيلة أيضا قليلة الانغماس في جانب الظاهر قوية التلقي من عالم الغيب فإنها تخلص من شركة الطبيعة و تعزل اللحظ عن الجسد في اليقظة فترجع إلى عالمها و تتصل بروح القدس و بمن شاء الله من الملائكة المقربين و تستفيد من هنالك العلم و الحكمة بالانتقاش على سبيل الرشح كمرآة مجلوة حوذي بها شطر الشمس و لكن حيث إنها يومئذ في دار غريبتها بعد بالطبع و لم تنسلخ عن علاقتها الطبيعية بتدبر جيوشها الجسدية و أمورها البدنية تكون مثالها فيما تناله بحسب ذلك الشأن و تلك الدرجة تحول الملك لها على صورة مادية متمثلة في شبح بشرى ينطبق بكلمات إلهية مسموعة منظومة كما قال عز من قال فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا و أعنى بذلك ارتسام الصورة في لوح الانطباع لا من سبيل الظاهر و الأخذ عن مادة خارجية بل بالانحدار إليه من الباطن و الحصول عن صقع الإفاضة فإذن في السماع و الإبصار المشهوريين يرتفع المسموع و المبصر من المواد الخارجية إلى لوح الانطباع ثم منه إلى الخيال و المتخيلة ثم يصعد الأمر إلى النفس العاقلة و في إبصار الملك و سماع الوحي و هما الإبصار و السماع الصريحان ينعكس الشأن فينزل الفيض إلى النفس من عالم الأمر فهي تطالع شيئا من الملكوت مجردة غير مستصحبة لقوة خيالية أو وهمية أو غيرهما ثم يفيض عن النفس إلى القوة الخيالية فتخيله مفصلا منضما بعبارة منظومة مسموعة فتمثل لها الصورة في الخيال من صقع الرحمة و عالم الإفاضة ثم تنحدر الصورة المتمثلة و العبارة المنتظمة من الخيال و المتخيلة إلى لوح الانطباع و هو الحس المشترك فتسمع الكلام و تبصر الصورة فهذا أفضل ضروب الوحي و الإيحاء. و يقال إنه مخاطبة العقل الفعال للنفس بألفاظ مسموعة مفصلة و له أنحاء مختلفة و مراتب متفاصلة بحسب درجات للنفس متفاوتة و قد يكون في بعض درجاته لا يتخصص المسموع و المبصر بجهة من جهات العالم بخصوصها بل الأمر يعم الجهات بأسرها في حالة واحدة و في الحديث أن الحارث بن هشام سأل رسول الله كيف يأتيك الوحي قال أحيانا يأتي مثل صلصلة الجرس و هو أشد علي فيفصم عني و قد وعيت عنه ما قال و أحيانا يمثل إلي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول و ربما تكون النفس المتنورة صقالتها في بعض الأحايين أتم و سلطانها على قهر الصوارف الجسدانية و الشواغل الهيولانية أعظم فيكون عند الانصراف عن عالم الحس و الاتصال بروح القدس استئناسها بجوهر ذاته المجردة منه بالشبح المتمثل فتشاهده ببصر ذاته العاقلة و يستفيد منه و هو في صورته القدسية كما ما ورد في الحديث
أن جبرئيل أتى النبي ص مرة في صورته الخاصة كأنه طبق الخافقين
ثم دون هذه الضروب لسائر درجاته ما يتفق له من القوة القدسية نصيب مرتبة النبوة أن يرى ملائكة الله و يسمع كلام الله و لكن في النوم لا في اليقظة و سبيل القول فيه أيضا ما دريت إلا أن الأمر هناك ينتهي إلى القوة المتخيلة و يقف عندها بمحاكاتها و تنظيمها و تفصيلها لما قد طالعته النفس من عالم الملكوت من دون انحدار الصورة المتمثلة و العبارة المنتظمة منها إلى الحس المشترك. فأما الرؤيا الصالحة لنفوس العرفاء و الصالحين فواقعة في هذا الطريق غير واصلة إلى درجة النبوة و بلوغ الغاية و في الحديث أنها جزء من ستة و أربعين أو سبعين جزءا من النبوة على اختلافات الروايات و قصارها في مرتبة الكمال و أقصاها للمحدثين بالفتح على البناء للمفعول من التحديث و هم الذين يرفضون عالم الشهادة و يصعدون إلى عالم الغيب فربما يسمعون الصوت في اليقظة عن سبيل الباطن و لكنهم لا يعاينون شخصا متشبحا. و في كتاب الحجة من كتاب الكافي لشيخ الدين أبي جعفر الكليني رضي الله عنه باب في الفرق بين الرسول و النبي ص و المحدث و أن الأئمة عليهم السلام محدثون مفهمون و إذ قد انصرح لك من المسألة من سبيلها فقد استبان أن قولنا نزل الملك مجاز عقلي مستعمل طرفاه في معنييهما الحقيقيين و التجوز فيه في الإسناد إذ النزول حقيقة منسوب إلى الصورة المتشبحة المتمثلة و قد أسند بالعرض إلى الجوهر المجرد القدسي و هو الملك و ليس هو من الاستعارة في شيء أصلا كما قولنا تحرك جالس السفينة و قولنا أنا متحرك و أنا ساكن و قولنا رأيت زيدا إذا عنينا به شخصه الموجود في الخارج بهويته العينية لا صورته الذهنية المرئية المنطبعة في الحس المشترك و سائر المقولات في وجود الاتصافات بالعرض كلها على هذه الشاكلة و أما نزل الفرقان فمجاز مرسل لاتباعه استعارة تبعية بل من حيث إن النازل على الحقيقة محله و هو تلك الصورة البشرية المتشبحة النازلة أو تجوز عقلي لا في شيء من الطرفين بل في الإسناد على أن الأصوات و الحروف و الألفاظ ليست أعراضا حالة في لسان المتكلم بل هي تقطيعات عارضة للهواء من تلقاء حركة اللسان إن قلت بنيت الأمر فيما أفدت على القول بالانطباع في باب الرؤية فما سبيل القول هنالك على المذهبين الآخرين و هما خروج الشعاع أي في فيضانه من المبدإ الفياض منبثا في الهواء المتوسط بين الجليدية و سطح المرئي على هيئة المخروط و حصول الإضافة الإشراقية للنفس المستوجبة للانكشاف الإبصاري ما دامت المقابلة بين المرئي و الجليدية على تلك الهيئة. قلت لست أكترث لذلك إذ إنما يسمى ذلك الخلاف و تثليث القول في المواد الخارجية و الرؤية من مسلك الجليدية و من مذهب الظاهر لا في الإبصار من سبيل الباطن و مذهب الغيب من دون الأخذ من مادة خارجية ثم الآراء الثلاثة متحاذية الأقدام في تطابق اللوازم و اتحاد الأحكام حذو القذة بالقذة و السواد الأعظم على مسلك الانطباع و يشبه أن يكون الحق لا يتعداه و ما يتجشمه فرق من فرق الإضافة الإشراقية من إثبات صور معلقة خيالية في عالم معلق مثالي ليستتب الأمر في صور المرايا و الصور الخيالية و أمور الإيحاءات و مواعيد النبوات قلت لا أجد لاتجاه البرهان إليه مساقا بل أجده بتماثيل الصوفية أشبه منه بقوانين الحكماء و حق القول الفصل فيه على ذمة كتبنا البرهانية انتهى. فلعله رحمه الله حاول تحقيق الأمر على مذاق المتفلسفين و مزج رحيق الحق بمموهات آراء المنحرفين عن طرق الشرع المبين مع تباين السبيلين و وضوح الحق من البين و قد اتضح بما أسلفنا صريح الأمر لذي عينين و سنذكر ما يكشف أغشية الشبه رأسا عن العين
85- أقول روينا بإسنادنا عن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن أشناس البزاز عن محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني عن جعفر بن محمد بن جعفر العلوي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب الزيات عن خاله علي بن نعمان الأعلم عن عمير بن المتوكل الثقفي البلخي عن أبيه المتوكل بن هارون عن أبي عبد الله الصادق ع عن أبيه الباقر عن جده علي بن الحسين ع و بإسنادنا عن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان عن أحمد بن محمد بن عياش الجوهري عن الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن المعروف بابن أبي طاهر العلوي عن محمد بن مطهر الكاتب عن أبيه عن محمد بن شلقان المصري عن علي بن النعمان إلى آخر السند المتقدم قال و كان من دعائه ع في الصلاة على حملة العرش و كل ملك مقرب اللهم و حملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك و لا يسأمون من تقديسك و لا يستحسرون عن عبادتك و لا يؤثرون التقصير على الجد في أمرك و لا يغفلون عن الوله إليك و إسرافيل صاحب الصور الشاخص الذي ينتظر منك الإذن و حلول الأمر فينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور و ميكائيل ذو الجاه عندك و المكان الرفيع من طاعتك و جبرئيل الأمين على وحيك المطاع في أهل سماواتك المكين لديك المقرب عندك و الروح الذي هو على ملائكة الحجب و الروح الذي هو من أمرك اللهم فصل عليهم و على الملائكة الذين من دونهم من سكان سماواتك و أهل الأمانة على رسالاتك و الذين لا يدخلهم سأمة من دءوب و لا إعياء من لغوب و لا فتور و لا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات و لا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات الخشع الأبصار فلا يرومون النظر إليك النواكس الأعناق الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك المستهترون بذكر آلائك و المتواضعون دون عظمتك و جلال كبريائك و الذين يقولون إذا نظروا إلى جهنم تزفر على أهل معصيتك سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فصل عليهم و على الروحانيين من ملائكتك و أهل الزلفة عنك و حملة الغيب إلى رسلك و المؤتمنين على وحيك و قبائل الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك و أغنيتهم عن الطعام و الشراب بتقديسك و أسكنتهم بطون أطباق سماواتك و الذين هم على أرجائها إذا نزل الأمر بتمام وعدك و خزان المطر و زواجر السحاب و الذي بصوت زجره يسمع زجل الرعود و إذا سبحت به حفيفة السحاب التمعت صواعق البروق و مشيعي الثلج و البرد و الهابطين مع قطر المطر إذا نزل و القوام على خزائن الرياح و الموكلين بالجبال فلا تزول و الذين عرفتهم مثاقيل المياه و كيل ما تحويه لواعج الأمطار و عوالجها و رسلك من الملائكة إلى أهل الأرض بمكروه ما ينزل من البلاء و محبوب الرخاء و السفرة الكرام البررة و الحفظة الكرام الكاتبين و ملك الموت و أعوانه و منكر و نكير و مبشر و بشير و رومان فتان القبور و الطائفين بالبيت المعمور و مالك و الخزنة و رضوان و سدنة الجنان و الذين لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ و الذين يقولون سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ و الزبانية الذين إذا قيل لهم خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ابتدروه سراعا و لم ينظروه و من أوهمنا ذكره و لم نعلم مكانه منك و بأي أمر وكلته و سكان الهواء و الأرض و الماء و من منهم على الخلق فصل عليهم يوم تأتي كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ و صل عليهم صلاة تزيدهم كرامة على كرامتهم و طهارة على طهارتهم اللهم و إذا صليت على ملائكتك و رسلك و بلغتهم صلواتنا عليهم فصل علينا بما فتحت لنا من حسن القول فيهم إنك جواد كريم
تبيان أقول الدعاء مروية برواية الحسني أيضا في الصحيفة الشريفة الكاملة المشهورة و رواية الشيخ و رواية المطهري كما فصلناه في آخر المجلدات و لنوضحه بعض الإيضاح و إن استقصينا الكلام في شرحه في الفرائد الطريفة اللهم و حملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك و في رواية الحسني عن تسبيحك و الواو في قوله و حملة للعطف على الجمل المتقدمة في الدعاء السابق أو من قبيل عطف القصة على القصة و قيل زائدة و قيل استئنافية و قيل عطف بحسب المعنى على قوله اللهم فإنه أيضا جملة لأنه بتأويل أدعوك و لا يخفى بعد ما سوى الأولين و قوله و حملة مبتدأ و خبره مقدر أي هم مستحقون لأن نصلي عليهم و يحتمل أن يكون فصل عليهم خبرا بتأويل مقول في حقه فدخول الفاء إما على مذهب الأخفش حيث جوز دخول الفاء على الخبر مطلقا أو بتقدير أما أو باعتبار الاكتفاء بكون صفة المبتدإ موصولا و يحتمل أن يكون الموصول خبرا لا صفة و كذا صاحب في الثاني و ذو الجاه في الثالث و الأمين في الرابع و كذا الموصول في الأخيرين أو يقدر فيهما بقرينة ما سبقهما هما مقربان عندك و قد مضى الكلام في معاني العرش و حملته و إن كان الأظهر هنا كون المراد بالعرش الجسم العظيم و بحملته الملائكة الذين يحملونه و الفتور الانكسار و الضعف و لا يسأمون من تقديسك سئم من الشيء كعلم مل أي لا يحصل لهم من التسبيح و التقديس سأمة و ملال بل يتقوون بهما كما مر و التسبيح و التقديس كلاهما بمعنى التنزيه عن العيوب و النقائص و يمكن حمل الأول على تنزيه الذات و الثاني على تنزيه الصفات و الأفعال و يحتمل وجوها أخر و لا يستحسرون عن عبادتك الاستحسار استفعال من حسر إذا أعيا و تعب و عدم ملالهم لشدة شوقهم و كون خلقتهم خلقة لا يحصل بها لهم الملال بكثرة الأعمال و لا يؤثرون التقصير على الجد في أمرك الإيثار الاختيار و الجد بالكسر الاجتهاد و السعي و لا يغفلون عن الوله إليك محركة الحزن أو ذهاب العقل حزنا و الحيرة و الخوف و لعل المراد هنا التحير في غرائب خلقه سبحانه أو لشدة حبهم له تعالى أو للخوف منه جل و علا و الأوسط لعله أظهر. و إسرافيل هو ملك موكل بنفخ الصور و الصور هو قرنه الذي ينفخ فيه كما قال سبحانه وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ و قال تعالى إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ و قد مر تفصيله في كتاب المعاد. الشاخص الذي ينتظر منك الإذن أي شخص ببصره لا يطرف من يوم خلقته انتظارا لما سوف يؤمر به بعد انقضاء أمر الدنيا و المرتفع الماد عنقه لذلك أو الرفيع الشأن و الأول أظهر قال الفيروزآبادي شخص كمنع شخوصا ارتفع و بصره فتح عينيه و جعل لا يطرف و بصره رفعه و الإذن في النفخ و الأمر أيضا فيه أو المراد أمر القيامة فينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور في القاموس الصرع الطرح على الأرض و كأمير المصروع و الجمع صرعى انتهى و الصريع يطلق على الميت و على المقتول لأنهما يطرحان على الأرض و في القاموس الرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك و كل ما احتسب به شيء فرهينة و راهن الميت القبر ضمنه إياه و الرهينة كسفينة واحد الرهائن. أقول يمكن أن يكون المراد برهائن القبور مودعاتها أي الذين أقاموهم فيها إلى يوم البعث أو من ارتهن بعمله في القبر كما قال تعالى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ و
روي عن النبي ص أن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم
و مثله في الأخبار كثير فيكون من قبيل الإضافة إلى الظرف لا إلى المفعول كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار و كما قيل في مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أي مالك الأشياء يوم الدين ثم اعلم أن أكثر نسخ الصحيفة متفقه على نصب الرهائن فهو إما بدل عن صرعى أو حال أو بيان أو صفة لأن الإضافة لفظية و في رواية ابن أشناس بالجر بالإضافة و الأول أصوب ثم إنه عليه السلام اقتصر على ذكر النفخة الثانية لأنه أشد و أفظع لاتصالها بالقيامة و احتمال كون الكلام مشتملا عليهما بأن يكون في الإذن و الأمر إشارة إلى الأولى و قوله فينبه إلى الثانية في غاية البعد. و ميكائيل هو من عظماء الملائكة و روي أنه رئيس الملائكة الموكلين بأرزاق الخلق كملائكة السحب و الرعود و البروق و الرياح و الأمطار و غير ذلك و في اسمه لغات قال الزمخشري قرئ ميكال بوزن قنطار و ميكائيل بوزن ميكاعيل و ميكئيل كميكعيل و ميكائل كميكاعل و ميكئل كميكعل قال ابن جني العرب إذا نطقت بالعجمي خلطت فيه انتهى و الجاه القدر و المنزلة و المكان الرفيع من طاعتك لعل المراد بالمكان المكانة و المنزلة و بالرفعة العلو المعنوي و من ابتدائية أي رفعة مكانه بسبب إطاعتك أو تبعيضية أي له من درجات طاعتك منزلة رفيعة. و جبرئيل من أعاظم الملائكة و في سائر روايات الصحيفة جبرئيل بالكسر أو بالفتح و فيه أيضا لغات قال الزمخشري قرئ جبرئيل بوزن فقشليل و جبرئل بحذف الياء و جبريل بحذف الهمزة و جبريل بوزن قنديل و جبرال باللام المشددة و جبرائيل بوزن جبراعيل و جبرائل بوزن جبراعل انتهى و قيل معناه عبد الله و قيل صفوة عبد الله و قيل صفوة الله و هو ع حامل الوحي إما على جميع الأنبياء أو إلى أولي العزم منهم أو إلى بعض من غير أولي العزم أيضا و المطاع في أهل سماواتك أي هم جميعا يطيعونه بأمر الله و الفقرتان إشارتان إلى قوله تعالى مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ. المكين لديك المكين ذو المكانة و المنزلة و لدى ظرف مكان بمعنى عند كلدن إلا أنهما أقرب مكانا من عند و أخص منه فإن عند يقع على مكان و غيره تقول لي عند فلان مال أي في ذمته و لا يقال ذلك فيهما. و الروح الذي هو على ملائكة الحجب قد مر ذكر الحجب و يدل على أن الروح رئيس الملائكة الموكلين بالحجب و الساكنين فيها و الظاهر أنه شخص واحد موكل بالجميع و يحتمل أن يكون اسم جنس بأن يكون لملائكة كل حجاب رئيس يطلب عليه الروح. و الروح الذي هو من أمرك إشارة إلى قوله تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي و ظاهر هذه الفقرة أن الروح من جنس الملائكة أو شبيه بهم ذكر بينهم تغليبا لا الروح الإنساني و اختلف المفسرون فيه كما سيأتي في باب النفس و الروح فقيل إنه روح الإنسان و قيل إنه جبرئيل و ظاهر الدعاء المغايرة و قيل إنه ملك من عظماء الملائكة و هو الذي قال تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا
و روي عن أمير المؤمنين ع أن له سبعين ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله بتلك اللغات كلها يخلق الله تعالى بكل تسبيحه ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة و لم يخلق الله خلقا أعظم من الروح غير العرش و لو شاء أن يبلع السماوات و الأرضين السبع بلقمة واحدة لفعل
و الجواب حينئذ أنه من غرائب خلقه تعالى و قيل خلق عظيم ليس من الملائكة و هو أعظم قدرا منها و هذا أظهر من سائر الأخبار كما رواه
الكليني و علي بن إبراهيم و الصفار و غيرهم بالأسانيد الصحيحة عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قال خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله ص و هو مع الأئمة ع و هو من الملكوت
و روى الكليني بإسناده أنه أتى رجل أمير المؤمنين ع يسأله عن الروح أ ليس هو جبرئيل فقال له أمير المؤمنين ع جبرئيل من الملائكة و الروح غير جبرئيل فكرر ذلك على الرجل فقال له لقد قلت عظيما من القول ما يزعم أحد أن الروح غير جبرئيل فقال له أمير المؤمنين ع إنك ضال تروي عن أهل الضلال يقول الله عز و جل لنبيه ص يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ و الروح غير الملائكة
و قد مرت الأخبار في ذلك فذكره ع الروح في دعاء الملائكة إما تغليبا كما عرفت أو بزعم المخالفين تقية و على الملائكة الذين من دونهم أي بحسب المكان الظاهري لأن السابقين كانوا حملة العرش و الكرسي و الساكنين فيهما و في الحجب و تلك فوق السماوات السبع أو بحسب المنزلة و الرتبة أو بحسبهما معا. و أهل الأمانة على رسالاتك يدل على عدم انحصار التبليغ في جبرئيل عليه السلام فيمكن أن يكون نزولهم على غير أولي العزم أو إليهم أيضا نادرا كما يدل عليه بعض الأخبار أو المراد بهم الوسائط بينه تعالى و بين جبرئيل كالقلم و اللوح و إسرافيل و غيرهم كما مر و في بعض الأخبار القدسية عن رسول الله ص عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم عن الله عز و جل أو المراد بهم الرسل إلى ملائكة السحاب و المطر و العذاب و الرحمة و غيرهم من الملائكة الموكلين بأمور العباد و الملائكة الحافظين للوحين الذين أثبت فيهما جميع الكتب السماوية أو الذين ينزلون على الأنبياء و الأوصياء في ليلة القدر. و الذين لا تدخلهم سأمة من دءوب و لا إعياء من لغوب و لا فتور السامة الملالة و التضجر و الدءوب التعب و الإعياء و العجز و اللغوب أيضا الإعياء و منه قوله و ما مسنا من لغوب و يمكن الفرق باختلاف مراتب التعجب و العجز و هذه الفقرة إما تعميم بعد التخصيص فإن هذا و ما سيأتي حال جميع الملائكة فتشمل ملائكة الأرض أيضا بل ملائكة الحجب و العرش و الكرسي أو تخصيص بعد التعميم لذكر بعض الصفات الظاهرة الاختصاص بالبعض فيما بعد و لا ينافي عموم هذه الصفات لأنها كمال لهم أيضا و مجموع الصفات مختصة بهم أو يكون العطف للتفسير لبيان بعض الصفات الأخر الثابتة لهم و لذكر ما يستحقون به الصلاة من الفضائل. و لا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات أي ليست لهم شهوة حتى تشغلهم و لا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات إضافة السهو إلى الغفلات من قبيل إضافة المسبب إلى السبب أو الجزء إلى الكل أو بيانية أي لا يمنعهم عن ذكر عظمتك أو العبادات المستلزمة لتعظيمك السهو الحاصل من الغفلات أو السهو الذي هو من جملة الغفلات أو هو عينها الخشع الأبصار فلا يرومون النظر إليك في النسخ المشهورة فلا يرمون النظر إليك و الخشوع الخضوع و خشوع العين التذلل بها و عدم رفعها عن الأرض أو غمضها أو الروم الطلب و لعل المراد أنهم ينظرون إلى جهة أقدامهم حياء أو خوفا أو إلى الجهة التي جعلها الله قبلتهم و لا يرفعون أبصارهم إلى جهة العرش و يحتمل أن يكون المراد النظر القلبي أي لا يتفكرون في كنه ذاتك و صفاتك و ما لا يصل إليه عقولهم من معارفك النواكس الأعناق الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك في أكثر الروايات النواكس الأذقان و على التقديرين هو أن يطأطئ رأسه و هو أزيد تذللا من الخشوع و المراد بما لديه الدرجات العالية المرتفعة و يحتمل أن يكون لهم بعض اللذات غير الطعام و الشراب و الظاهر أن الوصفين لطائفة مخصوصة من الملائكة كما مر في خبر المعراج و يحتمل التعميم. المستهترون بصيغة المفعول قال الجوهري فلان مستهتر بالشراب أي مولع به لا يبالي ما قيل فيه و الآلاء النعم واحدها ألى بالفتح و قد يكسر مثل معى و أمعاء أي هم متلذذون حريصون في ذكر نعمائك الظاهرة و الباطنة عليهم و على غيرهم و المتواضعون دون عظمتك و جلال كبريائك التواضع التذلل و دون معناه أدنى مكان من الشيء ثم استعمل بمعنى قدام الشيء و عنده و بين يديه مستعارا من معناه الحقيقي و هو ظرف لغو متعلق بمتواضعون و الجلال و الكبرياء العظمة و العطف و الإضافة للتأكيد و المبالغة و يمكن أن يخص العظمة بالذات و الكبرياء بالصفات و الذين يقولون إذا نظروا إلى جهنم تزفر على أهل معصيتك. قال
الجوهري الزفير اغتراق النفس للشدة و الزفير أول صوت الحمار و الشهيق آخره و قال الفيروزآبادي زفر يزفر زفرا و زفيرا أخرج نفسه بعد مدة إياه و النار سمع لتوقدها صوت انتهى أي إذا سمعوا زفير جهنم على العاصين خافوا من أن يكونوا مقصرين في العبادة فقالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك أي ننزهك تنزيها عن كون عباداتنا لائقة بجنابك فإنهم لما رأوا شدة عقوباته تعالى نظروا إلى أنفسهم و أعمالهم و إلى عظمته و جلاله فوجدوا أعمالهم قاصرة عما يستحقه سبحانه ففزعوا إليه و اعترفوا بالتقصير و لجئوا إلى رحمته و عفوه و كرمه أو أنه لما طرأ عليهم الخوف عند سماع صوت العذاب و كان ذلك مظنة أن يكون خوفهم من أن يعاقبهم ظلما من غير استحقاق لعصمتهم نزهوه تعالى عن أن يكون الخوف منه عن تلك الجهة و عللوا الخوف بالتقصير فيما يستحقه من العبادة. و قال الوالد رحمه الله يمكن أن يكون قولهم ذلك للتعجب من مخالفتهم حتى استحقوا العذاب أو من الصوت المهول على خلاف العادة فهذا توبة لهم من المكروه و يمكن أن يكون ذلك على سبيل الشفاعة لهم بأن ضموا أنفسهم مع العاصين فكأنهم يقولون نحن و هم مقصرون في عبادتك فارحمنا و إياهم فصل عليهم يمكن أن يكون خبرا أو كالخبر لقوله ع و الذين لا تدخلهم مع ما عطف عليه و أن يكون الموصول في محل الجر عطفا على سكان سماواتك و يكون قوله فصل تأكيدا للسابق و تمهيدا لأن يعطف عليهم غيرهم و على هذا يكون قوله الخشع و المستهترون مرفوعين على المدح. و على الروحانيين من ملائكتك قال في النهاية الملائكة الروحانيون يروى بضم الراء و فتحها كأنه نسب إلى الروح و الروح و هو نسيم الريح و الألف و النون من زيادات النسب و يريد به أنهم أجسام لطيفة لا يدركهم البصر انتهى و ما قيل من أنهم الجواهر المجردة العقلية و النفسية فهو رجم بالغيب و إنما المعلوم أنهم نوع من الملائكة و أهل الزلفة عندك قال الجوهري الزلفة و الزلفى القرب و المنزلة انتهى و هو إما صفة أخرى للروحانيين أو
طائفة أخرى غيرهم. و حملة الغيب إلى رسلك و المؤتمنين على وحيك في أكثر النسخ و حمال الغيب و الحمال جمع الحامل و الغيب يطلق على الخفي الذي لا يدركه الحس و لا يقتضيه بديهة العقل و هو قسمان القسم الأول لا دليل عليه و هو المعنى بقوله وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ و قسم نصب عليه دليل كالصانع و صفاته و اليوم الآخر و أحواله كذا ذكره البيضاوي و المراد هنا إما الأعم أو الأول و المؤتمنين إما تأكيد أو عطف تفسير لسابقه أو المراد بهم طائفة أخرى شأنهم تبليغ الأحكام و الشرائع فقط أو مع الثاني إن حملنا الأولى على الأول و الظاهر أن هاتين الفقرتين مؤكدتان لما سبق من قوله و أهل الأمانة على رسالتك و يمكن تخصيص ما سبق ببعض المعاني التي ذكرناها هنا و هاتان بالبعض الآخر إذ يمكن أن يكون لحمل الغيب طائفة مخصوصة كملائكة ليلة القدر و غيرهم و الأول أظهر و تكرير المطلب الواحد بعبارات مختلفة في مقام الدعاء و الخطب و المواعظ مما يؤكد البلاغة. و قبائل الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك القبائل جمع القبيلة و هي الشعوب المختلفة و الكلام في التأكيد و التأسيس كما مر و المراد بالاختصاص به تعالى أنهم مشغولون بعبادته بخلاف ما سيأتي ممن له شغل في النزول و العروج و سائر الأمور و إن كان هذه الأمور أيضا عبادة لهم أو أنه سبحانه يطلعهم على أسرار لم يطلع عليها غيرهم من الملائكة و أغنيتهم عن الطعام و الشراب بتقديسك أي خلقت الغذاء فهم يتقوون بتسبيحه و تقديسه و عبادته. و أسكنتهم بطون أهم خلقة لا يحتاجون في بقائهم إلى الغذاء و كما أنا نتقوى بطباق سماواتك الأطباق جمع طبق يقال السماوات أطباق و طباق أي بعضها فوق بعض قال الراغب المطابقة هو أن يجعل الشيء فوق آخر بقدرة و منه طابقت النعل ثم يستعمل الطباق في الشيء الذي يكون فوق الآخر تارة و في ما يوافق غيره تارة كسائر الأشياء الموضوعة لمعنيين ثم يستعمل في أحدهما دون الآخر كالكأس و الراوية و نحوهما قال الله تعالى سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً أي بعضها فوق بعض انتهى و يدل على الفرجة بين السماوات و كونها مساكن الملائكة كما مر. و الذين هم على أرجائها إذا نزل الأمر بتمام وعدك إشارة إلى قوله سبحانه وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ وَ الْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ قال الطبرسي رحمه الله عَلى أَرْجائِها معناه على أطرافها و نواحيها و الملك اسم يقع على الواحد و الجمع و السماء مكان الملائكة فإذا وهت صارت في نواحيها و قيل إن الملائكة على جوانب السماء تنتظر ما يؤمر به في أهل النار من السوق إليها و في أهل الجنة من التحية و التكرمة فيها انتهى و قيل إنه تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان و انضواء أهلها إلى أطرافها و حواليها و لفظة إذا ظرفية للمستقبل و الباء صلة للأمر و يحتمل السببية و تمام الوعد تمام مدة الدنيا و انقضاؤه و حلول القيامة أو المراد إتمام ما وعده الله من الثواب و العقاب للمطيعين و العاصين و كلمة هم ليست في الروايات المشهورة. و خزان المطر أي الملائكة الموكلين بالبحر الذي ينزل منه المطر كما يظهر من بعض الأخبار أو الموكلين بتقديرات الأمطار أو الذين يهيجون السحاب
بأمره تعالى و لو كان من بخارات الأرض و البحار كما هو المشهور فيكون قوله و زواجر السحاب عطف تفسير له أي سائقتها من زجر البعير إذا ساق و به فسر قوله تعالى فَالزَّاجِراتِ زَجْراً كما مر و السحاب جمع السحابة و هي الغيم و الذي بصوت زجره يسمع زجل الرعود قال في النهاية في حديث الملائكة لهم زجل بالتسبيح أي صوت رفيع عال و في القاموس الرعد صوت السحاب أو اسم ملك يسوقه كما يسوق الحادي الإبل بحدائه انتهى و الرعد هنا يحتمل الوجهين و إن كان كونه اسما للملك أظهر و سيأتي تحقيق الرعد و البرق و السحاب في الأبواب الآتية و صيغة الجمع هنا تدل على أن الرعد اسم لنوع هذا الملك إن كان اسما له و إضافة الرجل إلى الرعود بيانية إن أريد به الصوت و لامية إن أريد به الملك. و إذا سبحت به خفيفة السحاب التمعت صواعق البروق أقول النسخ مختلفة في هذه الفقرة اختلافا فاحشا ففي بعضها سبحت بتشديد الباء و في بعضها بتخفيفها و حفيفة في بعضها بالحاء المهملة و الفاءين و في بعضها بالخاء المعجمة ثم الفاء ثم القاف و في بعضها بالمهملة ثم الفاء ثم القاف و السبح الجري و العوم و الخفيف أنسب و على التشديد يحتمل أن يكون إشارة إلى قوله تعالى وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ قال الفيروزآبادي سبح بالنهر و فيه كمنع سبحا و سباحة بالكسر عام و أسبحه عومه و سبحان الله تنزيها له عن الصاحبة و الولد و نصبه على المصدر أي أبرئ الله من السوء براءة أو معناه السرعة إليه و الخفة في طاعته و قال حف الفرس حفيفا سمع عند ركضه صوت و كذلك الطائر و الشجرة إذا صوتت و قال الخفق صوت النعل و خفقت الراية تخفق و تخفق خفقا و خفقانا محركة اضطربت و تحركت و خفق فلان حرك رأسه إذا نعس و الطائر طار و الخفقان محركة اضطراب القلب و أخفق الطائر ضرب بجناحيه و في النهاية خفق النعال صوتها و أما المهملة ثم الفاء ثم القاف كما كان في نسخة ابن إدريس رحمه الله بخطه فلم أجد له معنى فيما عندنا من كتب اللغة و لعله من طغيان القلم و في الصحاح لمع البرق لمعا و لمعانا أي أضاء و التمع مثله. و لا يخفى أن هذه الفقرة من تتمة الكلام السابق و ليس وصف الملك الآخر و ضمير به إما راجع إلى الملك أو إلى زجره أو إلى الرجل و الباء للمصاحبة أو للسببية و إضافة الخفيفة إلى السحاب على التقادير من إضافة الصفة إلى الموصوف و التأنيث باعتبار جمعية السحاب و إذا حمل على المصدر فأسناد السبح إليه مجازي أو هو مؤول بذات الخفيفة و على المعجمة و الفاءين أي السحاب الخفيفة سريعة السير و الحاصل على التقادير إذا زجرت بسبب الملك أو زجره أو صوته السحاب ذات الصوت أو الاضطراب أو السرعة أضاءت الصواعق التي هي من جنس البروق و أشدها فالإضافة من قبيل خاتم حديد و ربما يقال هو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي البروق المهلكة قال الجزري الصاعقة الموت و كل عذاب مهلك و صيحة العذاب و المحراق الذي بيد الملك سائق السحاب و لا يأتي على شيء إلا أحرقه أو نار تسقط من السماء و صعقتهم السماء كمنع صاعقة مصدرا كالراعية أصابتهم بها انتهى و في رواية ابن شاذان و إذا ساق به متراكم السحاب التمعت صواعق البروق. و مشيعي الثلج و البرد و الهابطين مع قطر المطر إذا نزل أي إذا نزل المطر إلى الأرض لا عند نزوله إلى السحاب و يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى كل من الثلج و البرد و المطر لكنه بعيد و قال الوالد الظاهر أنه ع أراد بقوله إذا نزل العموم أي كلما نزل ليفيد فائدة يعتد بها و تغيير العبارة في التشييع و الهبوط إما لمحض التفنن أو لأن الغالب في الثلج و البرد في أكثر البلاد أنهما للضرر فلم ينسب الضرر إليهم صريحا بخلاف المطر. و أقول يمكن على ما سيأتي في الخبر أن البرد ينزل من السماء إلى السحاب فتذيبه حتى تصير مطرا أن يكون إشارة إلى ذلك فإن الثلج و البرد يشايعونهما
من أول الأمر بخلاف المطر فإنهم يهبطون معه بعد الذوبان أو يقال النكتة إسناد الخير إلى الله و الضرر إليهم لأن في التشييع نوع معاونة بخلاف الهبوط أقول قد مر و سيأتي الأخبار في تفاصيل تلك الأمور. و القوام على خزائن الرياح القوام جمع قائم ككفار و كافر أي الحافظين لها في خزائنها المرسلين لها قدر الحاجة بأمره تعالى و يمكن أن يكون كناية عن كون أسبابها بيدهم و قيل كل ما ورد في الكتاب الكريم الرياح بلفظ الجمع فهو في الخير كقوله تعالى أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ و كلما كان بلفظ المفرد فهو للشر كقوله سبحانه وَ... أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ و أقول إذا اطردت القاعدة في تلك العبارة فالنكتة في تخصيص الخير بالذكر ظاهرة و ستأتي الأخبار في أنواع الرياح و أساميها و صفاتها في الباب المختص بها. فلا تزول أي الجبال بسبب حفظ الموكلين لها أو هم دائما فيها لا يزولون عنها و الأول أظهر و الذين عرفتهم مثاقيل المياه المياه جمع الماء و أصلها ماه و قيل موه و لهذا يرد إلى أصله في الجمع و التصغير فيقال مياه و مويه و أمواه و ربما قالوا أمواء بالهمزة و ماهت الركية كثر ماؤها و كيل ما تحويه أي مقدار ما تجمعه و تحيط به لواعج الأمطار أي شدائدها و مضراتها و ما تحرق النبات و تخرب الأبنية كما أفيد و عوالجها أي متراكماتها قال السيد الداماد رحمه الله اللواعج جمع لاعجة أي مشتداتها القوية يقال لاعجه الأمر إذا اشتد عليه و التعج من لاعج الشوق و لواعجه ارتمض و احترق و ضرب لاعج أي شديد يلعج الجلد أي يحرقه و كذلك عوالجها جمع عالج يعني متلاطماتها و متراكماتها و في الحديث
أن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة
يعني أن الدعاء في صعوده يلقى البلاء في نزوله فيعتلجان قال في الفائق أي يصطرعان و يتدافعان و في النهاية في حديث الدعاء ما تحويه عوالج الرمال هي جمع عالج و هو ما تراكم من الرمل و دخل بعضه في بعض. و رسلك جمع الرسول من الملائكة بيان للرسل أو من للتبعيض و قيل إن الملك اسم مكان و الميم فيه غير أصلية بل زائدة فالأصل ملأك و لذلك يجمع على الملائكة و الملائكة نقلت حركة الهمزة إلى اللام ثم حذفت لكثرة الاستعمال فقيل ملك و قال بعضهم أصله مألك بتقديم الهمزة من الألوكة الرسالة فقلبت الهمزة مكانا ثم حذفت في كثرة الاستعمال للتخفيف فقيل ملك و جمع على الملائكة و قد يحذف الهاء فيقال ملائك إلى أهل الأرض متعلق برسلك بمكروه ما ينزل الباء للملابسة أو السببية أي بالذي ينزل و هو مكروه للطباع. من البلاء بيان للمكروه و النازل و إنما سمي المكروه النازل على العباد بلاء لابتلاء الله تعالى العباد و امتحانهم به هل يصبرون أم لا و إن كان على المجاز و محبوب الرخاء عطف على مكروه و هو أيضا من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الرخاء المحبوب و قيل الإضافة بيانية و الرخاء النعمة يقال رجل رخي البال أي واسع الحال و المراد إما نزولهم لأصل حصول البلاء و الرخاء و تسبب أسبابهما أو للإخبار بهما في ليلة القدر و غيرها و السفرة الكرام البررة السفرة كالكتبة لفظا و معنى جمع سافر و السفر الكتاب قال الجوهري السفرة الكتبة قال تعالى بِأَيْدِي سَفَرَةٍ و قد يظن أنه جمع سفير و هو المصلح بين الناس لكن الغالب في جمع السفير السفراء و الكرام ضد اللئام و قيل الكرام على الله الأعزاء عليه و قيل الأسخياء الباذلين الاستغفار للعباد مع تماديهم في العصيان و البررة الأتقياء و قد مر الكلام فيها و المراد هنا الملائكة الكاتبون للوحي المؤدون إلى غيرهم أو الموكلون باللوح المحفوظ و قيل هم
الكاتبون لأعمال العباد و ما بعده تأكيد له و لا يخلو من بعد إذ التأسيس أولى من التأكيد و أيضا الظاهر أنه إشارة إلى ما ورد في الآية و هي في سياق وصف القرآن كما عرفت سابقا ينفي هذا الدعاء ما مر من الأقوال في الآية سوى القول بأنهم الملائكة. و الحفظة الكرام الكاتبين إشارة إلى قوله سبحانه وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ و قال الطبرسي رحمه الله وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ من الملائكة يحفظون عليكم ما تعملون من الطاعات و المعاصي ثم وصف الحفظة فقال كِراماً على ربهم كاتِبِينَ يكتبون أعمال بني آدم انتهى و يدل على تعددهم لكل إنسان قوله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ و يدل كثير من الأخبار على أن ملائكة الليل غير ملائكة النهار كما ورد في تفسير قوله تعالى إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً أي تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار و الحكمة في خلقهم و توكيلهم على العباد مع كونه سبحانه أعلم بهم منهم كثيرة قد مر بعضها في بعض الأخبار و ملك الموت و أعوانه اسم ملك الموت عزرائيل و يدل على أن له أعوانا كما دلت عليه الآيات و الأخبار فإنه تعالى قال اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و قال سبحانه قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و قال جل و علا تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ و قال عز و جل الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ و قال الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ
و روى الصدوق في التوحيد أن أمير المؤمنين ع قال في جواب الزنديق المدعي للتناقض في القرآن المجيد حيث سأل عن هذه الآيات إن الله يدبر الأمور كيف يشاء و يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء أما ملك الموت فإن الله عز و جل يوكله بخاصة من يشاء من خلقه و يوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه تبارك و تعالى و الملائكة الذين سماهم الله عز و جل يوكلهم بخاصة من يشاء من خلقه و الله تعالى يدبر الأمور كيف يشاء
و روى الطبرسي رحمه الله هذا الخبر في الإحتجاج و الجواب فيه هكذا هو تبارك و تعالى أجل و أعظم من أن يتولى ذلك بنفسه و فعل رسله و ملائكته فعله لأنهم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه و هم الذين قال الله فيهم اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة و من كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة و لملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة و ملائكة النقمة يصدرون عن أمره و فعلهم فعله و كل ما يأتونه منسوب إليه و إذا كان فعلهم فعل ملك الموت و فعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء و يعطي و يمنع و يثيب و يعاقب على يد من يشاء و إن فعل أمناؤه فعله كما قال وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
و روى الصدوق في الفقيه عن الصادق ع أنه قال في ذلك إن الله تبارك و تعالى جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجه فتتوفاهم الملائكة و يتوفاهم ملك الموت عن الملائكة مع ما يقبض هو و يتوفاهم الله عز و جل عن ملك الموت
و منكر و نكير و مبشر و بشير الأخيران لم يكونا في أكثر الروايات و قد مر في كتاب المعاد أن الأسماء لملكين أو لنوعين من الملائكة يأتيان الميت في قبره للسؤال عن العقائد أو عن بعض الأعمال أيضا فإن كان مؤمنا أتياه في أحسن صورة فيسميان مبشرا و بشيرا و إن كان كافرا أو مخالفا أتياه في أقبح صورة فيسميان منكرا و نكيرا و يحتمل مغايرة هذين النوعين للأولين لكن ظاهر أكثر الأخبار الاتحاد و يؤيده ترك الآخرين هنا في أكثر الروايات بل في أكثر الأخبار عبر عنهما بمنكر و نكير للمؤمن و غيره و قد مضت الأخبار في ذلك و تحقيق القول فيه فيمن يسأل و فيما يسأل عنه و كيفية الإحياء و السؤال قد مر في المجلد الثالث فلا نعيدها حذرا من التكرار. و رومان فتان القبور أي ممتحن القبور و المختبر فيها في المسألة و لم أر ذكر هذا الملك في أخبارنا المعتبرة سوى هذا الدعاء و هو مذكور في أخبار المخالفين
روى مؤلف كتاب زهرة الرياض عن عبد الله بن سلام أنه قال سألت رسول الله عن أول ملك يدخل في القبر على الميت قبل منكر و نكير قال ص يا ابن سلام يدخل على الميت ملك قبل أن يدخل نكير و منكر يتلألأ وجهه كالشمس اسمه رومان فيدخل على الميت فيدخل روحه ثم يقعده فيقول له اكتب ما عملت من حسنة و سيئة فيقول بأي شيء أكتب أين قلمي و أين دواتي فيقول قلمك إصبعك و مدادك ريقك اكتب فيقول على أي شيء أكتبه و ليس معي صحيفة قال فيمزق قطعة من كفنه فيقول اكتب فيها فيكتب ما عمل في الدنيا من حسنة فإذا بلغ سيئة استحيا منه فيقول له الملك يا خاطئ أ فلا كنت تستحيي من خالقك حيث عملتها في الدنيا و الآن تستحيي مني فيكتب فيها جميع حسناته و سيئآته ثم يأمره أن يطويه و يختمه فيقول بأي شيء أختمه و ليس معي خاتم فيقول اختمها بظفرك و يعلقها في عنقه إلى يوم القيامة كما قال الله تعالى وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ الآية ثم يدخل بعد ذلك منكر و نكير
و روى شاذان بن جبرئيل رحمه الله في كتاب الفضائل عن أصبغ بن نباتة قال إن سلمان رضي الله عنه قال لي اذهب بي إلى المقبرة فإن رسول الله ص قال لي يا سلمان سيكلمك ميت إذا دنت وفاتك فلما ذهبت به إليها و نادى الموتى أجابه واحد منهم فسأله سلمان عما رأى من الموت و ما بعده فأجابه بقصص طويلة و أهوال جليلة وردت عليه إلى أن قال لما ودعني أهلي و أرادوا الانصراف من قبري أخذت في الندم فقلت يا ليتني كنت من الراجعين فأجابني مجيب من جانب القبر كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فقلت له من أنت قال أنا منبه أنا ملك وكلني الله عز و جل بجميع خلقه لأنبههم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله عز و جل ثم إنه جذبني و أجلسني و قال لي اكتب عملك فقلت إني لا أحصيه فقال لي أ ما سمعت قول ربك أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ ثم قال لي اكتب و أنا أملي عليك فقلت أين البياض فجذب جانبا من كفني فإذا هو ورق فقال هذه صحيفتك فقلت من أين القلم فقال سبابتك قلت من أين المداد قال ريقك ثم أملى علي ما فعلته في دار الدنيا فلم يبق من أعمالي صغيرة و لا كبيرة إلا أملاها كما قال تعالى وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ثم إنه أخذ الكتاب و ختمه بخاتم و طوقه في عنقي فخيل لي أن جبال الدنيا جميعا قد طوقوها في عنقي فقلت له يا منبه و لم تفعل بي كذا قال أ لم تسمع قول ربك وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً فهذا تخاطب به يوم القيامة و يؤتى بك و كتابك بين عينيك منشورا تشهد فيه على نفسك ثم انصرف عني تمام الخبر
و في رواية ابن شاذان و منكر و رومان فتان القبور و سائر الفقرات فيها بالرفع على سياقة صدر الدعاء و الطائفين بالبيت المعمور قد مر وصف البيت و طائفيه و مالك و الخزنة أي خزان النار من الملائكة الموكلين بها و بتعذيب أهلها و مالك رئيسهم و رضوان بالكسر و في بعض النسخ بالضم و هو اسم رئيس خزنة الجنان و خدمتها و المشهور في الاسم الكسر و المصدر و جاء بهما في القرآن و اللغة و سدنة الجنان أي خدمتها في القاموس سدن سدنا و سدانة خدم الكعبة أو بيت الصنم و عمل الحجابة فهو سادن و الجمع سدنة. و الذين لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون عطف تفسير لقوله مالك و الخزنة إشارة إلى قوله سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ. و الذين يقولون عطف تفسير لقوله رضوان و سدنة الجنان فالنشر على ترتيب اللف و يحتمل أن يكون هذا حال بعض سدنة الجنان فيكون تخصيصا بعد التعميم كذكر الزبانية بعد خزنة النيران و تقديم أحوال أهل النار فيهما لأن الخوف أصلح بالنسبة إلى غالب الناس من الرجاء لغلبة الشهوات الداعية إلى ارتكاب السيئات عليهم سلام عليكم إشارة إلى قوله تعالى في وصف أهل الجنة وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ و قال البيضاوي سَلامٌ عَلَيْكُمْ بشارة بدوام السلامة بِما صَبَرْتُمْ متعلق بعليكم أو بمحذوف أي هذا بما صبرتم لا بسلام فإن الخبر فاصل و الباء للسببية أو البدلية. فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ العقبى الجزاء أي نعم العقبى عقبى الدار لكم خاصة أيها المؤمنون
و روى الكليني و علي بن إبراهيم بأسانيد معتبرة عن أبي جعفر عليه السلام في وصف حال المتقين في القيامة و بعد دخولهم الجنة قال ثم يبعث الله إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة و يزوجونه الحوراء قال فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه استأذن لنا على ولي الله فإن الله بعثنا إليه نهنئه فيقول لهم الملك حتى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم قال فيدخل الملك إلى الحاجب و بينه و بين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين ليهنئوا ولي الله و قد سألوا أن آذن لهم عليه فيقول الحاجب إنه ليعظم علي أن أستأذن لأحد على ولي الله و هو مع زوجته الحوراء قال و بين الحاجب و بين ولي الله جنتان قال فيدخل الحاجب إلى القيم فيقول له إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله فاستأذن فيقدم القيم إلى الخدام فيقول لهم إن رسل الجبار على باب العرصة و هم ألف ملك أرسلهم الله يهنئون ولي الله فأعلموه بمكانهم قال فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي الله و هو في الغرفة و لها ألف باب و على كل باب من أبوابها ملك موكل به فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الموكل به قال فيدخل القيم كل ملك من باب من أبواب الغرفة قال فيبلغونه رسالة الجبار جل و عز و ذلك قول الله عز و جل وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ أي من أبواب الغرفة سَلامٌ عَلَيْكُمْ إلى آخر الآية قال و ذلك قوله عز و جل وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً يعني بذلك ولي الله و ما هو فيه من الكرامة و النعيم و الملك العظيم الكبير إن الملائكة من رسل الله عز ذكره يستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه فذلك الملك العظيم الكبير الخبر
و الزبانية الذين إذا قيل لهم خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه الزبانية هم الملائكة التسعة عشر الموكلون بالنار و هم الغلاظ الشداد قال الجوهري الزبانية عند العرب الشرط و سمي بذلك بعض الملائكة لدفعهم أهل النار إليها قال الأخفش قال بعضهم واحدها زباني و قال بعضهم زابن و قال بعضهم زبنية مثال عفرية و قال و العرب لا تكاد تعرف هذا و تجعله من الجمع الذي لا واحد له مثل أبابيل و عباديد و قال صليت اللحم و غيره أصليه صليا مثل رميته رميا إذا شويته و في الحديث أنه أتي بشاة مصلية أي مشوية و يقال أيضا صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار و جعلته يصلاها فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت أصليته بالألف و صليته تصلية و قرئ و يصلى سعيرا و من خفف فهو من قولهم صلي فلان النار بالكسر يصلى صليا احترق و يقال أيضا صلي بالأمر إذا قاسى حره و شدته ابتدروه سراعا أي حالكونهم مسرعين جمع سريع و لم ينظروه أي لم يمهلوه و من أوهمنا ذكره أي الملائكة الذين تركنا ذكرهم على الخصوص و إن كانوا داخلين في العموم قال الجوهري أوهمت الشيء تركته كله يقال أوهم من الحساب مائة أي أسقط و أوهم من صلاته ركعة. و لم نعلم مكانه منك أي منزلته عندك أو نسبته إلى عرشك و بأي أمر وكلته عطف على قوله مكانه و الظرف متعلق بوكلته قدم عليه لمزيد الاهتمام لأن المجهول هذا القيد لا أصل التوكيل و المعنى و لم نعلم توكيلك إياه بأي أمر من أمورك و فيه بعض المنافاة لما يظهر من أكثر الأخبار من سعة علمهم ع و اطلاعهم على جميع العوالم أو المخلوقات و إن الله أراهم ملكوت الأرضين و السماوات إلا أن يقال أنه ع قال ذلك على سبيل التواضع و التذلل أو المعنى لا نعلمهم من ظاهر الكتاب و السنة و إن علمنا من جهة أخرى لا مصلحة في إظهارها أو لا نعلم في هذا الوقت خصوص مكانه و عمله فإنه لا استبعاد في عدم علمهم ع ببعض تلك الخصوصيات الحادثة أو قال ع ذلك بلسان غيره ممن يتلو الدعاء فإنه عليه السلام جمع الأدعية و أملاها لذلك بل هو من أعظم نعمهم على شيعتهم صلوات الله عليهم. و سكان الهواء و الأرض و الماء يدل على أن لكل منها سكانا من الملائكة كما روى
الشيخ بسنده عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع إنه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة و قال إن للماء أهلا و في وصية النبي ص لعلي ع قال كره الله لأمتي الغسل تحت السماء إلا بمئزر و كره دخول الأنهار إلا بمئزر فإن فيها سكانا من الملائكة
و في رواية أخرى رواها الصدوق في المجالس قال في الأنهار عمار و سكان من الملائكة
و روي أيضا في العلل بإسناده عن أبي جعفر ع قال إن الله عز و جل وكل ملائكة بنبات الأرض من الشجر و النخل فليس من شجرة و لا نخلة إلا و معها من الله عز و جل ملك يحفظها و ما كان فيها و لو لا أن معها من يمنعها لأكلها السباع و هوام الأرض إذا كان فيها ثمرها الخبر
و من منهم على الخلق أي الملائكة الذين هم مع الخلق أو مستولون عليهم أو موكلون بهم من جملة سائر الملائكة و هم أصناف شتى قد مر أكثرها كالمعقبات و من يثني برقبة المتخلي ليعتبر بما صار إليه طعامه و المشيعين لعائد المريض و لزائر المؤمن و من يأتي منهم للسؤال ابتلاء و من يمسح و من يمسح يده على قلب المصاب ليسكنه و الموكلين بالدعاء للصائمين و الذين يمسحون وجه الصائم في شدة الحر و يبشرونه و الملائكة الساكنين في حرم حائر الحسين عليه السلام يشيعون الزائرين و يعودون مرضاهم و يؤمنون على دعائهم و الذين يدفعون وساوس الشياطين عن المؤمنين و أمثال ذلك كثيرة في الأخبار و هذا بناء على أن الخلق بمعنى المخلوق و يمكن حمله على المعنى المصدري فيكون إشارة إلى ما روي في أخبار كثيرة أن لله ملكين خلاقين فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر أولئك الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله تعالى في كتابه مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى فعجنوها في النطفة المسكنة في الرحم فإذا عجنت النطفة بالتربة قالا يا رب ما تخلق قال فيوحي الله تبارك و تعالى ما يريد من ذلك الخبر. فصل عليهم يوم تأتي كل نفس يوم ظرف للصلاة و ربما يومئ إلى أن هذا الحكم يعم الملائكة أيضا غير السائق و الشهيد و ذكر اليوم بهذا الوصف لبيان أن الملائكة في هذا اليوم أيضا لهم أشغال عظيمة أو لبيان أن هذا اليوم يوم الاحتياج إلى الملائكة مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ هما ملكان أحدهما يسوقه إلى المحشر و الآخر يشهد بعمله و قيل ملك واحد جامع للوصفين و قيل السائق كاتب السيئات و الشهيد كاتب الحسنات و قيل السائق نفسه و الشهيد جوارحه و أعماله و محل معها النصب على الحالية من كل لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة ذكره البيضاوي عند قوله تعالى وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ و في بعض النسخ قائم مكان السائق و السائق أوفق بالآية و لا يتغير المعنى إذ المراد بالقائم من يقوم بأمره و يسوقه إلى محشره و لعل المراد أقل من يكون مع كل أحد أو المراد بهما الجنس إذا ورد في كثير من الأخبار أنه يشايع الأخيار آلاف من الملائكة و مع بعض الأشرار أيضا كذلك لشدة تعذيبهم و كذا الشهداء من الملائكة في أكثر الأخبار أكثر من واحد. و صل عليهم تأكيد لما سبق صلاة تزيدهم كرامة
على كرامتهم أي تصير سببا لمزيد قدرهم و منزلتهم عند ربهم و طهارة على طهارتهم أي موجبا لمزيد عصمتهم و تقدسهم و تنزههم و إن كانت العصمة عن الكبائر و الصغائر لازمة لهم و يمكن أن يكون فائدة هذا الدعاء راجعة إلينا لا إليهم اللهم و إذا صليت في بعض النسخ إذ بدون الألف و عليهم مكان علينا فعلى الأول المعنى كل وقت صليت عليهم و بلغتهم صلواتنا عليهم فصل علينا و ارحمنا بسبب أنك وفقتنا لذلك و صرنا سببا لهذه الرحمة و أيضا الجواد الكريم يشفع كل نعمة منه بأخرى و لا يكتفي بواحدة منها و على النسخة الأخرى المعنى لما صليت عليهم و بلغتهم و صلاتنا عليهم فصل عليهم تارة أخرى بسبب أنهم صاروا سببا لتوفيقك إيانا للصلاة عليهم و حسن القول فيهم و في بعض النسخ إذ و علينا و هو أظهر و الجواد في أسمائه تعالى هو الذي لا يبخل بعطائه و يعطي كلا ما يستحقه و الكريم فيها هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه أو الجامع لأنواع الخير و الشرف و الفضائل و الكريم أيضا الصفوح. و أقول إنما أوردت هذا الدعاء الشريف هنا و أعطيت في شرحه بعض البسط لكونه فذلكة لسائر الأخبار و الآيات الواردة في أصنافهم و درجاتهم و مراتبهم مع تواتره سندا و متانته لفظا و معنى. و قال النيسابوري في تفسيره روي أن بني آدم عشر الجن و الجن و بنو آدم عشر حيوانات البر و هؤلاء كلهم عشر الطيور و هؤلاء عشر حيوان البحر و كلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين بها و كل هؤلاء عشر ملائكة سماء الدنيا و كل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية و على هذا الترتيب إلى ملائكة السماء السابعة ثم الكل في مقابلة الكرسي نزر قليل ثم كل هؤلاء عشر ملائكة السرادق الواحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف طول كل سرادق و عرضه و سمكه إذا قوبلت به السماوات و الأرض و ما فيها فإنها كلها يكون شيئا يسيرا و قدرا قليلا و ما مقدار موضع قدم إلا و فيه ملك ساجد أو راكع أو قائم لهم زجل بالتسبيح و التقديس ثم كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر و لا يعرف عددهم إلا الله ثم مع هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل و الملائكة الذين هم جنود جبرائيل و هم كلهم سامعون مطيعون لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ و لا يَسْأَمُونَ. فائدة قال بليناس في كتاب علل الأشياء إن الخالق عز و جل لما ضرب الخلقة بعضها ببعض و طال مكثها خلق الأرواح المتفكرة القادرة فخلقهن من حرارة الريح و نور النار فمنهم خلق خلقوا من حر الريح الباردة و منهم خلق خلقوا من نور النار الحارة و منهم خلق خلقوا من حركة الماء البارد و منهم خلق خلقوا من حركة الماء الحار و منهم خلق خلقوا من الماء المالح فخلق الله الخلقة العلوية من هذه الثلاث طبائع و ليس فيهم من طبيعة التراب شيء و من خلق منهم في السفل فإنها خلقت من الطبائع الثلاث التي ذكرت مفردات غير مركبات إذ لو كانوا مركبين إذا لأدركهم الموت و الافتراق. فهذه جميع أجناس المتفكرة من الملائكة و الجن و الشياطين و سكان الريح الباردة و البحر و الأرض السود و البيض و الكواكب العلوية تشرق بنورها عليهم فتتصل أنوارهم بنورها و لا يشغلون مكانا لأنهم نور و لا يأخذون مكان غيرهم فهم ملئوا الطبائع يدبرونها و يقبلون عليها و كل طبيعة من الطبائع فيها خلق عظيم من الروحانيين و لا يقع عليهم التفصيل و الفناء لأنهم ليسوا مركبين و إنما هم من جوهر واحد فلذلك صاروا أكثر شيء عددا لا يسأمون و لا ينامون و لا يملون يعملون دائبين بالليل و النهار بما وكلوا به من حركة الفلك و إدخال بعضها في بعض و حركة الشمس و القمر و الكواكب و الأمطار و الرياح و الحر و البرد و الإقبال و الإدبار في النبات و الحيوان و المعادن و أفاعيل الإنس و الحيوان و كلهم يعمل دائبا بالأمر الذي وكل به و هم أجناس جنس منهم في الفلك الأعلى و هم قيام على أرجلهم لا يجلسون لأن طبيعتهم روحانية لطيفة فبلطافتهم لا يقدرون أن يجلسوا لأنها تجذبهم إلى العلو و كلهم يسبحون للذي خلقهم منذ يوم خلقهم لا يعملون و لا يتحركون يمينا و لا شمالا و ليس لهم عمل غير التسبيح للرب لهم غلظ و شدة
لحدة طبائعهم لأنهم خلقوا من حر النار. و على فلك المشتري خلق عظيم من الروحانيين كذلك و هم خلق معتدل ساكن لأنهم خلقوا من روح الماء ليس لهم قسوة و فظاظة يدبرون فلك المشتري و يقبلون و يتحركون مع حركته و يمجدون الذي خلقهم و في فلك المريخ خلق عظيم من النورانيين و هم غلاظ شداد لأنهم خلقوا من نور النار اليابسة فلذلك لا رأفة لهم و لا رحمة يدبرون و يقبلون مع المريخ في دوران الفلك لم يملكوا غير ذلك لأنهم لا رحمة لهم و لذلك لم يوكلوا بشيء من أعمال الناس و في فلك الشمس خلق من الكروبيين لهم قسوة و فظاظة لشدة طبائعهم لأنهم خلقوا من الريح و الروح و لهم أناة و نور فهم موكلون بأعمال بني آدم على الحرث و النسل و هم الذين يحركون الشمس و بحركتها يخرج البخار و الدخان فيرفعون ذلك البخار إلى القمر ثم إلى الشمس ثم يصدونه إلى الكواكب العالية فيكون لهم غذاء و هم على الثمار و الزروع و ولادة الحيوان و هم المسلطون على جميع الروحانيين من تحتهم يعملون بأمرهم و هم لطاف نورانيون يدورون مع فلك الشمس و يعملون معها و يعملون في إصلاح العالم و توالد المواليد و هم الذين يحفظون شيعة الشيطان و ولده عن فساد العالم و خرابه و حفظ الحيوان منهم و إنما سموا ملائكة لأنهم ملكوا زمام الشيطان لئلا يخربوا العالم. و في فلك الزهرة أيضا خلق من الروحانيين لهم اعتدال و صلاح فهم أحسنهم وجوها و لهم ريح طيب و بشر حسن يحبون الإنس و جميع ما تحتهم من الحيوان حبا شديدا و لهم بهم رأفة و رحمة و رقة و هم الذين يسعون في تأليف الذكران و الإناث من كل شيء لمكان النسل و الولادة و بذلك وكلوا و في فلك عطارد روحانيون خلقوا من حر الريح الحارة فاتصلوا بالروحانيين الذين خلقوا من النور و هم بين أيديهم مثل العبيد لا يغيبون عن أعينهم طرفة عين يسارعون في خدمة ملائكة فلك الشمس و يعملون بمسرتهم فهم لهم شبيه الوزراء و هم الموكلون بالنبات و إصلاحه و حفظ النبت إذا طلع عن وجه الأرض حتى يتم بتمامه و هم أيضا موكلون بصغار الحيوان و الحفظ لهم عن مردة الشياطين و إن القمر جرمه من الشمس و ضوؤه من نورها و هما دائبان يعملان في الليل و النهار و فلك القمر مملو من الملائكة و هم ملائكة الرحمن مستبشر الوجوه لهم جمال و حسن صور و ليس فيهم غضب و لا شدة و لا قسوة على ولد آدم لقربهم منهم و هم أشبه الروحانيين بالآدميين و هم متعطفون على الحيوان مصلحون للنبات دائبون في مسيرة بني آدم فلاتصالهم بهم ربما ظهروا لهم و كلموهم و هم مسلطون على السماء يحرسون السماء من شيطانك و ولده أن يسترقوا السمع من الملائكة الأعلى المتصلين بفلك الشمس و هم الموكلون أيضا بالحب المبذور في الأرض يحفظونه لئلا تعرض له الشياطين ليفسدونه فإن شيطانك و ولده لهم قوة عظيمة في العالم و الحرث و النسل و كلما لطفت خلقه من الروحانيين و رقت كان أكثر أجنحة و منهم من له ستة أجنحة و منهم من له خمسة أجنحة و منهم من له أربعة أجنحة و كذلك إلى جناح واحد و أما المفكرة التي في الطبائع حين ظهرت لحقوا بالطبائع فهم مستجنون في الماء و التراب و الريح لأنهم خلقوا من حر الماء المالح و الريح العاصف و التراب المنتن و هم يسمون شيطائيل و ولده و هم عصاة جفاة مفسدون في الأرض لهم خبث عظيم و قوة شديدة و منظر قبيح و وجوه سمجة و أرواحهم قذرة و هم على الفساد و الطغيان و في خراب العالم و الخلقة العليا مسلطة عليهم يمنعونهم من خراب العالم و فساده انتهى.
و أقول إنما وردت ملخصا من كلامه لتعلم أن أكثر كلمات قدماء الحكماء الذين أخذوا العلوم من الأنبياء موافقة لما ورد في لسان الشرع و إنما أحدث المتأخرون منهم ما أحدثوا بآرائهم العليلة الفاسدة