الآيات القصص نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ
تفسير قال الطبرسي نور الله ضريحه عَلا فِي الْأَرْضِ أي بغى و تجبر في أرض مصر وَ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً أي فرقا يكرم أقواما و يذل آخرين أو جعل بني إسرائيل أقواما في الخدمة و التسخير يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يعني بني إسرائيل يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ يقتل الأبناء و يستبقي البنات و لا يقتلهن و ذلك أن بعض الكهنة قال له إن مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سبب ذهاب ملكك و قيل رأى فرعون في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه فقالوا يخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يده وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أي أن فرعون كان يريد إهلاك بني إسرائيل و نحن نريد أن نمن عليهم وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً أي قادة و رؤساء في الخير وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ لديار فرعون و قومه و أموالهم وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أي أرض مصر مِنْهُمْ أي من بني إسرائيل ما كانُوا يَحْذَرُونَ من ذهاب الملك على يد رجل منهم قال الضحاك عاش فرعون أربعمائة سنة و كان قصيرا دميما و هو أول من خضب بالسواد و عاش موسى ع مائة و عشرين سنة. وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أي ألهمناها و قذفناها في قلبها و ليس بوحي نبوة و قيل أتاها جبرئيل ع بذلك و قيل كان الوحي رؤيا منام عبر عنها من تثق به من علماء بني إسرائيل أَنْ أَرْضِعِيهِ ما لم تخافي عليه الطلب فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ القتل فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أي في البحر و هو النيل وَ لا تَخافِي عليه الضيعة وَ لا تَحْزَنِي عن فراقه إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ سالما عن قريب. قال وهب لما حملت بموسى أمه كتمت أمرها عن جميع الناس و لم يطلع على حملها أحد من خلق الله و ذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي تولد فيها موسى بعث فرعون القوابل و تقدم إليهن أن يفتشن النساء تفتيشا لم يفتشنه قبل ذلك و حملت أم موسى فلم ينتأ بطنها و لم يتغير لونها و لم يظهر لبنها فكانت القوابل لا يعرضن لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه و لا رقيب عليها و لا قابلة و لم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم و أوحى الله تعالى إليها أَنْ أَرْضِعِيهِ الآية قال و كتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي و لا يتحرك فلما خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا و مهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله تعالى. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ أي أصابوه و أخذوه من غير طلب لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً أي ليكون لهم في عاقبة أمره كذلك لا أنهم أخذوه لذلك و كانت القصة في ذلك أن النيل جاء بالتابوت إلى موضع فيه فرعون و امرأته على شط النيل فأمر فرعون به و فتحت آسية بنت مزاحم بابه فلما نظرت إليه ألقى الله في قلبها محبة موسى و كانت آسية بنت مزاحم امرأة من بني إسرائيل استنكحها فرعون و هي من خيار النساء و من بنات الأنبياء و كانت أما للمؤمنين ترحمهم و تتصدق عليهم يدخلون عليها فلما نظر فرعون إلى موسى غاظه ذلك فقال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح قالت آسية و هي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة و إنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكن قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ و إنما قالت ذلك لأنه لم يكن له ولد فأطمعته في الولد وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ أن هلاكهم على يديه فارِغاً أي خاليا من ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى أو من الحزن سكونا إلى ما وعدها الله به أو من الوحي الذي أوحي إليها بنسيانها إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي أنها كادت تبدي بذكر موسى فتقول يا ابناه من شدة الوجد أو همت بأن تقول إنها أمه لما رأته عند دعاء فرعون إياها للإرضاع لشدة سرورها به وَ قالَتْ أي أم موسى لِأُخْتِهِ أي أخت موسى و اسمها كليمة قُصِّيهِ
أي اتبعي أثره و تعرفي خبره فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ تقديره فذهب أخت موسى فوجدت آل فرعون أخرجوا موسى فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي عن بعد و قيل عن جانب تنظر إليه و جعلت تدخل إليهم كأنها لا تريده وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته أو جاءت متعرفة عن خبره وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ أي منعناهن منه و بغضناهن إليه فلا يؤتى بمرضع فيقبلها مِنْ قَبْلُ أي من قبل مجيئ أمه فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ و هذا يدل على أن الله تعالى ألقى محبته في قلب فرعون فلغاية شفقته عليه طلب له المراضع و كان موسى ع لا يقبل ثدي واحدة منهن بعد أن أتاه مرضع بعد مرضع فلما رأت أخته وجدهم به و رأفتهم عليه قالت لهم هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أي يقبلون هذا الولد و يبذلون النصح في أمره و يحسنون تربيته وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ يشفقون عليه قيل إنها لما قالت ذلك قال هامان إن هذه المرأة تعرف أن هذا الولد من أي أهل بيت هو فقالت هي إنما عنيت أنهم ناصحون للملك فأمسكوا عنها. و رددنا إلى أمه فانطلقت أخت موسى إلى أمها فجاءت بها إليهم فلما وجد موسى ريح أمه قبل ثديها و سكن بكاؤه و قيل إن فرعون قال لأمه كيف ارتضع منك و لم يرتضع من غيرك قالت لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتي بصبي إلا ارتضع مني فسر فرعون بذلك وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ إن وعد الله حق وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ أي ثلاثا و ثلاثين سنة وَ اسْتَوى أي بلغ أربعين سنة آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً أي فقها و عقلا و علما بدينه و دين آبائه فعلم موسى و حكم قبل أن يبعث نبيا و قيل نبوة و علما وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ يريد مصر و قيل مدينة ميق من أرض مصر و قيل على فرسخين من مصر عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها أراد به نصف النهار و الناس قائلون و قيل بين العشاءين و قيل كان يوم عيد لهم و قد اشتغلوا بلعبهم و اختلفوا في سبب دخوله فقيل إنه كان موسى حين كبر يركب في مواكب فرعون فلما كان ذات يوم قيل له إن فرعون قد ركب فركب في أثره فلما كان وقت القائلة دخل المدينة ليقيل و قيل إن بني إسرائيل كانوا يجتمعون إلى موسى و يسمعون كلامه و لما بلغ أشده خالف قوم فرعون فاشتهر ذلك منه و أخافوه فكان لا يدخل مصرا إلا خائفا فدخلها على حين غفلة و قيل إن فرعون أمر بإخراجه من البلد فلم يدخل إلا الآن يَقْتَتِلانِ أي يختصمان في الدين و قيل في أمر الدنيا هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ أي أحدهما إسرائيلي و الآخر قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون و قيل كان أحدهما مسلما و الآخر كافرا فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ استنصره لينصره عليه.
و روى أبو بصير عن أبي عبد الله ع أنه قال ليهنئكم الاسم قال و ما الاسم قال الشيعة أ ما سمعت الله سبحانه يقول فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى
أي دفع في صدره بجمع كفه و قيل ضربه بعصاه فَقَضى عَلَيْهِ أي فقتله و فرغ من أمره. قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي يعني في هذا القتل فإنهم لو علموا بذلك لقتلوني رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ أي بنعمتك علي من المغفرة و صرف بلاء الأعداء عني فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ أي فلك على أن لا أكون مظاهرا و معينا للمشركين فَأَصْبَحَ موسى في اليوم الثاني فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً من قتل القبطي يَتَرَقَّبُ أي ينتظر الأخبار يعني أنه خاف من فرعون و قومه أن يكونوا عرفوا أنه هو الذي قتل القبطي و كان يتجسس و ينتظر الأخبار في شأنه فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ معناه أن الإسرائيلي الذي كان قد خلصه بالأمس و وكز القبطي من أجله يستصرخ و يستعين به على رجل آخر من القبط خاصمه قال ابن عباس لما فشا قتل القبطي قيل لفرعون إن بني إسرائيل قتلوا رجلا منا قال أ تعرفون قاتله و من يشهد عليه قالوا لا فأمرهم بطلبه فبينا هم يطوفون إذ مر موسى ع من الغد و رأى ذلك الإسرائيلي يطلب نصرته و يستغيث به قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أي ظاهر الغواية قاتلت بالأمس رجلا و تقاتل اليوم آخر و لم يرد الغواية في الدين و المراد أن من خاصم آل فرعون مع كثرتهم فإنه غوي أي خائب فيما يطلبه عادل عن الصواب فيما يقصده. فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ أي فلما أخذته الرقة على الإسرائيلي و أراد أن يدفع القبطي الذي هو عدو لموسى و الإسرائيلي عنه و يبطش به أي يأخذه بشدة ظن الإسرائيلي أن موسى قصده لما قال له إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ فقال أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي و قيل هو من قول القبطي لأنه قد اشتهر أمر القتل بالأمس و أنه قتله بعض بني إسرائيل إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ أي ما تريد إلا أن تكون جبارا عاليا في الأرض بالقتل و الظلم و لما قال الإسرائيلي ذلك علم القبطي أن القاتل موسى فانطلق إلى فرعون فأخبره به فأمر فرعون بقتل موسى و بعث في طلبه. فَخَرَجَ مِنْها أي من مدينة فرعون خائِفاً من أن يطلب فيقتل يَتَرَقَّبُ الطلب قال ابن عباس خرج متوجها نحو مدين و ليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه و قيل إنه خرج بغير زاد و لا حذاء و لا ظهر و كان لا يأكل إلا من حشيش الصحراء حتى بلغ ماء مدين وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قال الزجاج أي لما سلك في الطريق الذي يلقى مدين فيها و هي على مسيرة ثمانية أيام من مصر نحو ما بين الكوفة إلى البصرة و لم يكن له بالطريق علم و لذلك قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ أي يرشدني قصد السبيل إلى مدين و قيل إنه لم يقصد موضعا بعينه و لكنه أخذ في طريق مدين و قال عكرمة عرضت لموسى أربع طرق فلم يدر أيتها يسلك و لذلك قال عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي فلما دعا ربه استجاب له و دله على الطريق المستقيم إلى مدين و قيل جاء ملك على فرس بيده عنزة فانطلق به إلى مدين و قيل إنه خرج حافيا و لم يصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه عن ابن جبير وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ و هو بئر كانت لهم
وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ أي جماعة من الرعاة يَسْقُونَ مواشيهم الماء من البئر تَذُودانِ أي تحبسان و تمنعان غنمهما من الورود إلى الماء أو عن أن تختلط بأغنام الناس أو تذودان الناس عن مواشيهما قالَ موسى لهما ما خَطْبُكُما أي ما شأنكما و ما لكما لا تسقيان مع الناس قالَتا لا نَسْقِي عند المزاحمة مع الناس حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ قرأ أبو جعفر و أبو عمرو و ابن عامر يصدر بفتح الياء و ضم الدال أي حتى يرجع الرعاء من سقيهم و الباقون يُصْدِرَ بضم الياء و كسر الدال أي حتى يصدروا مواشيهم عن وردهم فإذا انصرف الناس سقينا مواشينا من فضول الحوض وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يقدر أن يتولى السقي بنفسه من الكبر و لذلك احتجنا و نحن نساء أن نسقي الغنم و إنما قالتا ذلك تعريضا للطلب من موسى أن يعينهما على السقي أو اعتذارا في الخروج بغير محرم فَسَقى لَهُما أي فسقى موسى غنمهما الماء لأجلهما و هو إنه زحم القوم على الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما و قيل رفع لأجلهما حجرا عن بئر كان لا يقدر على رفع ذلك الحجر إلا عشرة رجال و سألهم أن يعطوه دلوا فنالوه دلوا و قالوا له انزح إن أمكنك و كان لا ينزحها إلا عشرة فنزحها وحده و سقى أغنامهما و لم يسق إلا ذنوبا واحدة حتى رويت الغنم ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ أي ثم انصرف إلى ظل سمرة فجلس تحتها من شدة الحر و هو جائع فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال ابن عباس سأل نبي الله أكلة من خبز يقيم به صلبه و قال ابن إسحاق فرجعتا إلى أبيهما في ساعة كانا لا ترجعان فيها فأنكر شأنهما و سألهما فأخبرتاه الخبر فقال لإحداهما علي به فرجعت الكبرى إلى موسى لتدعوه فذلك قوله فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ أي مستحيية معرضة عن عادة النساء الخفرات و قيل غطت وجهها بكم درعها قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أي ليكافئك على سقيك لغنمنا. و أكثر المفسرين على أن أباها شعيب ع و قال وهب و ابن جبير هو يثروب أخي شعيب و كان شعيب قد مات قبل ذلك بعد ما كف بصره و دفن بين المقام و زمزم و قيل يثروب هو اسم شعيب قال أبو حازم لما قالت لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا كره ذلك موسى ع و أراد أن لا يتبعها و لم يجد بدا أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة و خوف فخرج معها و كانت الريح تضرب ثوبها فيصف لموسى عجزها فجعل موسى يعرض عنها مرة و يغض مرة فناداها يا أمة الله كوني خلفي فأريني السمت بقولك فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ فقال له شعيب اجلس يا شاب فتعش فقال له موسى أعوذ بالله قال شعيب و لم ذاك أ لست بجائع قال بلى و لكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما و أنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهبا فقال له شعيب لا و الله يا شاب و لكنها عادتي و عادة آبائي نقري الضيف و نطعم الطعام قال فجلس موسى يأكل. نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني فرعون و قومه فإنهم لا سلطان لهم بأرضنا و لسنا من مملكته قالَتْ إِحْداهُما أي إحدى ابنتيه و اسمها صفورة و هي التي تزوج بها و اسم الأخرى ليا و قيل اسم الكبرى صفراء و اسم الصغرى صفيراء يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي اتخذه أجيرا الْقَوِيُّ الْأَمِينُ أي من يقوى على العمل و أداء الأمانة عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي أي على أن تكون أجيرا لي ثمان سنين فَمِنْ عِنْدِكَ أي ذلك تفضل منك و ليس بواجب عليك وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ في هذه الثماني حجج و أن أكلفك خدمة سوى رعي الغنم و قيل و ما أشق عليك بأن آخذك بإتمام عشر سنين سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ في حسن الصحبة و الوفاء بالعهد و حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شية أمها فأوحى الله تعالى إلى موسى في المنام أن ألق عصاك في الماء ففعل فولدن كلهن على خلاف شبههن و قيل إنه وعده أن يعطيه تلك السنة من نتاج غنمه كل أدرع و إنما نتجت كلها درعاء.
و روى الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن أبي عبد الله ع قال سئل أيتهما التي قالت إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ قال التي تزوج بها قيل فأي الأجلين قضى قال أوفاهما و أبعدهما عشر سنين قيل فدخل بها قبل أن يمضي الشرط أو بعد انقضائه قال قبل أن ينقضي قيل له فالرجل يتزوج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين أ يجوز ذلك قال إن موسى ع علم أنه سيتم له شرطه قيل كيف قال إنه علم أنه سيبقى حتى يفي
قالَ موسى ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أي ذلك الذي شرطت علي فلك و ما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي و تم الكلام ثم قال أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ من الثماني و العشر قَضَيْتُ أي أتممت و فرغت منه فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أي فلا ظلم علي بأن أكلف أكثر منها وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ أي شهيد فيما بيني و بينك فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ أي أوفاهما
و روى الواحدي بإسناده عن أبي ذر قال قال رسول الله ص إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما و أبرهما و إذا سئل أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما و هي التي جاءت فقال يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ
و قال وهب تزوج الكبرى منهما و في الكلام حذف و هو فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ و تسلم زوجته ثم توجه نحو الشام وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً و قيل إنه لما زوجها منه أمر الشيخ أن يعطى موسى عصا يدفع السباع عن غنمه بها فأعطي العصا و قيل خرج آدم بالعصا من الجنة فأخذها جبرئيل ع بعد موت آدم و كانت معه حتى لقي به موسى ع ليلا فدفعها إليه و قيل لم تزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب ع فأعطاها موسى و كانت عصى الأنبياء عنده.
و روى عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كانت عصا موسى قضيب آس من الجنة أتاه به جبرئيل لما توجه تلقاء مدين
و قال السدي كانت تلك العصا استودعها شعيبا ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت و أخذت العصا فأتته بها فلما رآها الشيخ قال ايتيه بغيرها فألقتها و أرادت أن تأخذ غيرها فكان لا تقع في يدها إلا هي فعلت ذلك مرارا فأعطاها موسى. و قوله سارَ بِأَهْلِهِ قيل إنه مكث بعد انقضاء الأجل عند صهره عشرا أخرى تمام عشرين ثم استأذنه في العود إلى مصر ليزور والدته و أخاه فأذن له فسار بأهله عن مجاهد و قيل إنه لما قضى العشر سار بأهله أي بامرأته و بأولاد الغنم التي كانت له و كانت قطيعا فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام و امرأته في شهرها فسار في البرية غير عارف بالطريق فألجأه المسير إلى جانب الطور الأيمن في ليلة مظلمة شديدة البرد و أخذ امرأته الطلق و ضل الطريق و تفرقت ماشيته و أصابه المطر فبقي لا يدري أين يتوجه فبينا هو كذلك إذا آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً.
و روى أبو بصير عن أبي جعفر ع قال لما قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلا فرأى نارا
إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي أبصرت بِخَبَرٍ أي من الطريق الذي أريد قصده و هل أنا على صوبه أو منحرف عنه و قيل بخبر من النار هل هي لخير نأنس به أو لشر نحذره أَوْ جَذْوَةٍ أي قطعة من النار و قيل بأصل شجرة فيها نار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي تستدفئون بها مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ أي من الجانب الأيمن للوادي فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ و هي البقعة التي قال الله تعالى فيها لموسى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً و إنما كانت مباركة لأنها معدن الوحي و الرسالة و كلام الله تعالى أو لكثرة الأشجار و الثمار و الخير و النعم بها و الأول أصح مِنَ الشَّجَرَةِ إنما سمع موسى ع النداء و الكلام من الشجرة لأن الله تعالى فعل الكلام فيها و جعل الشجرة محل الكلام لأن الكلام عرض يحتاج إلى محل و علم موسى بالمعجزة إن ذلك كلامه تعالى و هذه أعلى منازل الأنبياء أعني أن يسمعوا كلام الله من غير واسطة و مبلغ و كان كلامه سبحانه أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أي إن المكلم لك هو الله مالك العالمين تعالى و تقدس عن أن يحل في محل أو يكون في مكان لأنه ليس بعرض و لا جسم وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ إنما أعاد سبحانه هذه القصة و كررها في السور تقريرا للحجة على أهل الكتاب و استمالة بهم إلى الحق و من أحب شيئا أحب ذكره و القوم كانوا يدعون محبة موسى ع و كل من ادعى اتباع سيده مال إلى ذكره بالفضل على أن كل موضع من مواضع التكرار لا يخلو من زيادة فائدة فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ أي تتحرك كَأَنَّها جَانٌّ من سرعة حركتها أو شدة اهتزازها وَلَّى مُدْبِراً موسى وَ لَمْ يُعَقِّبْ أي لم يرجع فنودي يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ من ضررها اسْلُكْ يَدَكَ أي أدخلها مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير برص وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ أي ضم يدك إلى صدرك من الخوف فلا خوف عليك عن ابن عباس و مجاهد و المعنى أن الله سبحانه أمره أن يضم يده إلى صدره فيذهب ما أصابه من الخوف عند معاينة الحية و قيل أمره سبحانه بالعزم على ما أراده منه و حثه على الجد فيه لئلا يمنعه الخوف الذي يغشاه في بعض الأحوال فيما أمره بالمضي فيه و ليس يريد بقوله اضْمُمْ يَدَكَ الضم المزيل للفرجة بين الشيئين و قيل إنه لما ألقى العصا و صارت حية بسط يده كالمتقي و هما جناحاه فقيل له اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ أي ما بسطته من يدك لأنك آمن من ضررها و يجوز أن يكون معناه اسكن و لا تخف فإن من هاله أمر أزعجه حتى كأنه يطيره و آلة الطيران الجناح فكأنه ع قد بلغ نهاية الخوف فقيل له ضم منشور جناحك من الخوف و اسكن و قيل معناه إذا هالك أمر يدك لما تبصر من شعاعها فاضممها إليك لتسكن فَذانِكَ بُرْهانانِ أي اليد و العصا حجتان من ربك على نبوتك مرسلا بهما إلى فرعون و ملئه. قوله هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً إنما قال ذلك لعقدة كانت في لسانه فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً أي معينا لي على تبليغ رسالتك يُصَدِّقُنِي أي مصدقا لي على ما أؤديه من الرسالة و قيل أي لكي يصدقني فرعون قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أي سنجعله رسولا معك و ننصرك به وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً أي حجة و قوة و برهانا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أي لا يصل فرعون و قومه إلى الإضرار بكما بسبب ما نعطيكما من الآيات و ما يجري على أيديكما من المعجزات و قيل إن قوله بِآياتِنا موضعه التقديم أي و نجعل لكما سلطانا بآياتنا فلا يصلون إليكما أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ على فرعون و قومه القاهرون لهم. أقول سيأتي سائر الآيات و تفسيرها في الباب الآتي
1- خص، ]منتخب البصائر[ بإسناده إلى المفضل بن عمر عن الصادق ع قال إن بقاع الأرض تفاخرت ففخرت الكعبة على البقعة بكربلاء فأوحى الله إليها اسكتي و لا تفخري عليها فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة
2- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن محبوب عن العلاء عن محمد عن أبي جعفر ع قال إن موسى ع لما حملت أمه به لم يظهر حملها إلا عند وضعه و كان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط تحفظهن و ذلك أنه لما كان بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون إنه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك فرعون و أصحابه على يديه فقال فرعون عند ذلك لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون و فرق بين الرجال و النساء و حبس الرجال في المحابس فلما وضعت أم موسى بموسى ع نظرت و حزنت و اغتمت و بكت و قالت يذبح الساعة فعطف الله قلب الموكلة بها عليه فقالت لأم موسى ما لك قد اصفر لونك فقالت أخاف أن يذبح ولدي فقالت لا تخافي و كان موسى لا يراه أحد إلا أحبه و هو قول الله عز و جل وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي فأحبته القبطية الموكلة به و أنزل على أم موسى التابوت و نوديت ضعه في التابوت فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ و هو البحر وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فوضعته في التابوت و أطبقت عليه و ألقته في النيل و كان لفرعون قصر على شط النيل متنزه فنظر من قصره و معه آسية امرأته إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج و تضربه الرياح حتى جاءت به على باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت و رفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا فقال هذا إسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة و كذلك في قلب آسية و أراد أن يقتله فقالت آسية لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ أنه موسى و لم يكن لفرعون ولد فقال التمسوا له ظئرا تربيه فجاءوا بعده نساء قد قتل أولادهن فلم يشرب لبن أحد من النساء و هو قول الله وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ و بلغ أمه أن فرعون قد أخذه فحزنت و بكت كما قال الله وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ يعني كادت أن تخبرهم بخبره أو تموت ثم ضبطت نفسها فكانت كما قال لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثم قالَتْ لأخت موسى قُصِّيهِ أي اتبعيه فجاءت أخته إليه فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي عن بعد وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ فلما لم يقبل موسى بأخذ ثدي أحد من النساء اغتم فرعون غما شديدا فَقالَتْ أخته هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ فقالوا نعم فجاءت بأمه فلما أخذته في حجرها و ألقمته ثديها التقمه و شرب ففرح فرعون و أهله و أكرموا أمه فقالوا لها ربيه لنا فإنا نفعل بك و نفعل و ذلك قول الله فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ و كان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كل ما يلدون و يربي موسى و يكرمه و لا يعلم أن هلاكه على يده فلما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس موسى فقال الحمد لله رب العالمين فأنكر فرعون ذلك عليه و لطمه و قال ما هذا الذي تقول فوثب موسى على لحيته و كان طويل اللحية
فهلبها أي قلعها فهم فرعون بقتله فقالت امرأته غلام حدث لا يدري ما يقول و قد لطمته بلطمتك إياه فقال فرعون بل يدري فقالت له ضع بين يديك تمرا و جمرا فإن ميز بينهما فهو الذي تقول فوضع بين يديه تمرا و جمرا فقال له كل فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر في فيه فاحترق لسانه فصاح و بكى فقالت آسية لفرعون أ لم أقل لك إنه لا يعقل فعفا عنه قال الراوي فقلت لأبي جعفر ع فكم مكث موسى غائبا عن أمه حتى رده الله عليها قال ثلاثة أيام فقلت و كان هارون أخا موسى لأبيه و أمه قال نعم أ ما تسمع الله يقول يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي فقلت فأيهما كان أكبر سنا قال هارون فقلت و كان الوحي ينزل عليهما جميعا قال كان الوحي ينزل على موسى و موسى يوحيه إلى هارون فقلت له أخبرني عن الأحكام و القضاء و الأمر و النهي أ كان ذلك إليهما قال كان موسى الذي يناجي ربه و يكتب العلم و يقضي بين بني إسرائيل و هارون يخلفه إذا غاب عن قومه للمناجاة قلت فأيهما مات قبل صاحبه قال مات هارون قبل موسى ع و ماتا جميعا في التيه قلت و كان لموسى ولد قال لا كان الولد لهارون و الذرية له قال فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال و كان ينكر عليه ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى هم به فخرج موسى من عنده و دخل المدينة فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى و الآخر يقول بقول فرعون فاستغاثه الذي هو من شيعته فجاء موسى فوكز صاحبه فقضى عليه و توارى في المدينة فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ فخلى صاحبه و هرب و كان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم إيمانه ستمائة سنة و هو الذي قال الله وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ و بلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل فطلبه ليقتله فبعث المؤمن إلى موسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فخرج منها كما حكى الله خائِفاً يَتَرَقَّبُ قال يلتفت يمنة و يسرة و يقول رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ و مر نحو مدين و كان بينه و بين مدين مسيرة ثلاثة أيام فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقي الناس منها لأغنامهم و دوابهم فقعد ناحية و لم يكن أكل منذ ثلاثة أيام شيئا فنظر إلى جاريتين في ناحية و معهما غنيمات لا تدنوان من البئر فقال لهما ما لكما لا تستقيان فقالتا كما حكى الله حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ فرحمهما موسى و دنا من البئر فقال لمن على البئر أستقي لي دلوا و لكم دلوا و كان الدلو يمده عشرة رجال فاستقى وحده دلوا لمن على البئر و دلوا لبنتي شعيب و سقى أغنامهما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ و كان شديد الجوع و قال أمير المؤمنين ع إن موسى كليم الله حيث سقى لهما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ و الله ما سأل الله إلا خبزا يأكل لأنه كان يأكل بقلة الأرض و لقد رأوا خضرة البقل من صفاق بطنه من هزاله فلما رجعتا ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما أسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسى و لم تعرفاه فقال شعيب لواحدة منهما اذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا فجاءت إليه كما حكى الله تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ فقالت له إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فقام
موسى ع معها فمشت أمامه فسفقتها الرياح فبان عجزها فقال لها موسى تأخري و دليني على الطريق بحصاة تلقيها أمامي أتبعها فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء فلما دخل على شعيب قص عليه قصته فقال له شعيب لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قالت إحدى بنات شعيب يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ فقال لها شعيب أما قوته فقد عرفته بسقي الدلو وحده فبم عرفت أمانته فقالت إنه قال لي تأخري عني و دليني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت أنه ليس من القوم الذين ينظرون في أعجاز النساء فهذه أمانته فقال له شعيب إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ فقال له موسى ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أي لا سبيل علي إن عملت عشر سنين أو ثماني سنين فقال موسى اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ قال قلت لأبي عبد الله ع أي الأجلين قضى قال أتمهما عشر حجج قلت له فدخل بها قبل أن يمضي الأجل أو بعد قال قبل قلت فالرجل يتزوج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك قال إن موسى ع علم أنه يتم له شرطه فكيف لهذا أن يعلم أنه يبقى حتى يفي قلت له جعلت فداك أيتهما زوجة شعيب من بناته قال التي ذهبت إليه فدعته و قالت لأبيها يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ قال لشعيب لا بد لي أن أرجع إلى وطني و أمي و أهل بيتي فما لي عندك فقال شعيب ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم بلق فهو لك فعمد موسى عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه و ترك بعضه و عزره في وسط مربض الغنم و ألقى عليه كساء أبلق ثم أرسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم في تلك السنة إلا بلقا فلما حال عليه الحول حمل موسى امرأته و زوده شعيب من عنده و ساق غنمه فلما أراد الخروج قال لشعيب أبغي عصا تكون معي و كانت عصي الأنبياء عنده قد ورثها مجموعة في بيت فقال له شعيب ادخل هذا البيت و خذ عصا من بين تلك العصي فدخل فوثبت عليه عصا نوح و إبراهيم ع و صارت في كفه فأخرجها و نظر إليها شعيب فقال ردها و خذ غيرها فردها ليأخذ غيرها فوثبت إليه تلك بعينها فردها حتى فعل ذلك ثلاث مرات فلما رأى شعيب ذلك قال له اذهب فقد خصك الله بها فساق غنمه فخرج يريد مصر فلما صار في مفازة و معه أهله أصابهم برد شديد و ريح و ظلمة و قد جنهم الليل و نظر موسى إلى نار قد ظهرت كما قال الله فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فأقبل نحو النار يقتبس فإذا شجرة و نار تلتهب عليها فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه ففزع منها و عدا و رجعت النار إلى الشجرة فالتفت إليها و قد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت نحوه فعدا و تركها ثم التفت و قد رجعت إلى الشجرة فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا و لم يعقب أي لم يرجع فناداه الله أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قال موسى ع فما الدليل على ذلك قال الله ما في يمينك يا موسى قالَ هِيَ عَصايَ قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فصارت حية ففزع منها موسى و عدا فناداه الله خُذْها وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير علة و ذلك أن موسى ع كان شديد السمرة فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا فقال الله عز و جل فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فقال موسى كما حكى الله رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ
بيان قوله فارِغاً قال البيضاوي أي صفرا من العقل لما دهاها من الخوف و الحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون كقوله تعالى وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ أي خلاء لا عقول فيها إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ إنها كادت لتظهر بموسى أي بأمره و قصته من فرط الزجرة أو الفرح بتبنيه لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها بالصبر و الثبات لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من المصدقين على الله أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون و عطفه انتهى قوله ع فهلبها قال الجزري الهلب الشعر و قيل هو ما غلظ من شعر الذنب و غيره يقال هلبت الفرس إذ انتفت هلبه قوله فوكز صاحبه أي ضربه بجميع كفه فقضى عليه أي قتله و قال البيضاوي إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ لأي شيء أنزلت مِنْ خَيْرٍ قليل أو كثير و حمله الأكثرون على الطعام فَقِيرٌ محتاج سائل و لذلك عدي باللام و قيل معناه أني لما أنزلت إلي من خير الدين صرت فقيرا في الدنيا لأنه كان في سعة عند فرعون انتهى. و سفقت الباب و أسفقته أي رددته قوله بِخَبَرٍ أي بخبر الطريق أَوْ جَذْوَةٍ أي عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن و لذلك بينه بقوله مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي تستدفئون بها قوله تعالى رِدْءاً أي معينا قوله تعالى بِآياتِنا قال البيضاوي متعلق بمحذوف أي اذهبا بآياتنا أو بنجعل أي نسلطكما بها أو بمعنى لا يصلون أي تمتنعون منهم أو قسم جوابه لا يصلون أو بيان للغالبون.
3- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي جميلة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى ع ذهب يقتبس نارا فانصرف إليهم و هو نبي مرسل
4- ع، ]علل الشرائع[ أبي عن محمد العطار عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن علي بن الحسين بن جعفر الضبي عن أبيه عن بعض مشايخه قال أوحى الله عز و جل إلى موسى ع و عزتي يا موسى لو أن النفس التي قتلت أقرت لي طرفة عين أني لها خالق و رازق أذقتك طعم العذاب و إنما عفوت عنك أمرها لأنها لم تقر بي طرفة عين أني لها خالق و رزاق
5- يه، ]من لا يحضر الفقيه[ عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن ع في قول الله عز و جل يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قال قال لها شعيب يا بنية هذا قوي قد عرفته بدفع الصخرة الأمين من أين عرفته قالت يا أبت إني مشيت قدامه فقال امشي من خلفي فإن ضللت فأرشديني إلى الطريق فإنا قوم لا ننظر في أدبار النساء
6- ج، ]الإحتجاج[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ في خبر ابن الجهم قال سأل المأمون الرضا ع عن قول الله عز و جل فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ قال الرضا ع إن موسى ع دخل مدينة من مدائن فرعون عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها و ذلك بين المغرب و العشاء فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فقضى موسى ع على العدو بحكم الله تعالى ذكره فَوَكَزَهُ فمات قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى ع من قتله إِنَّهُ يعني الشيطان عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قال المأمون فما معنى قول موسى رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي قال يقول إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فَاغْفِرْ لِي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قالَ موسى ع رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى فَأَصْبَحَ موسى ع فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ على آخر قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ قاتلت رجلا بالأمس و تقاتل هذا اليوم لأؤدبنك و أراد أن يبطش به فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما و هو من شيعته قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ قال المأمون جزاك الله خيرا يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ قال الرضا ع إن فرعون قال لموسى ع لما أتاه وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ بي قال موسى فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ الخبر
بيان قال الرازي احتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء بأن ذلك القبطي إما أن يقال إنه كان مستحق القتل أو لم يكن كذلك فإن كان الأول فلم قال هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ و لم قال رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي و لم قال في سورة أخرى فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ و إن كان الثاني كان قتله معصية و ذنبا و الجواب أنه لم لا يجوز أن يقال إنه كان لكفره مباح الدم و أما قوله هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ففيه وجوه أحدها أن الله تعالى و إن أباح قتل الكفار إلا أنه كان الأولى تأخير قتلهم إلى زمان آخر فلما قتل فقد ترك ذلك المندوب فهو قوله هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ. و ثانيها أن قوله هذا إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه فقوله هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أي عمل هذا المقتول من عمل الشيطان و المراد منه بيان كونه مخالفا لله تعالى مستحقا للقتل. و ثالثها أن يكون قوله هذا إشارة إلى المقتول يعني أنه من جند الشيطان و حزبه يقال فلان من عمل السلطان أي من أحزابه. و أما قوله رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فعلى نهج قول آدم ع رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا و المراد أحد وجهين إما على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى و الاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه و إن لم يكن هناك ذنب قط أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب. و أما قوله فَاغْفِرْ لِي أي فاغفر لي ترك هذا المندوب و فيه وجه آخر و هو أن يكون المراد رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي حيث قتلت هذا الملعون فإن فرعون لو عرف ذلك لقتلني به فَاغْفِرْ لِي فاستره علي و لا توصل خبره إلى فرعون فَغَفَرَ لَهُ أي ستره عن الوصول إلى فرعون و يؤيده أنه قال عقيبه رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ و لو كانت إعانة المؤمن هاهنا سببا للمعصية لما قال ذلك. و أما قوله فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فلم يقل إني صرت بذلك ضالا و لكن فرعون لما ادعى أنه كان كافرا في حال القتل نفى عن نفسه كونه كافرا في ذلك الوقت و اعترف بأنه كان ضالا أي متحيرا لا يدري ما يجب عليه أن يفعله و ما يدين به في ذلك انتهى. و قال السيد المرتضى قدس الله روحه مما يجاب به عن هذا السؤال أن موسى ع لم يتعمد القتل و لا أراد و إنما اجتاز فاستغاثه رجل من شيعته على رجل من عدوه بغى عليه و ظلمه و قصد إلى قتله فأراد موسى أن يخلصه من يده و يدفع عنه مكروهه
فأدى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه و كل ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصودا فهو حسن غير قبيح و لا يستحق العوض به و لا فرق بين أن تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه و بين أن يكون عن غيره في هذا الباب. ثم ذكر نحوا من الأجوبة التي ذكرها الرازي ثم قال فإن قيل فما معنى قول فرعون لموسى ع وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ و قوله ع فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ و كيف نسب ع الضلال إلى نفسه و لم يكن عندكم في وقت من الأوقات ضالا الجواب أما قوله وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ فإنما أراد به الكافرين لنعمتي و حق تربيتي فإن فرعون كان المربي لموسى إلى أن كبر و بلغ أ لا ترى إلى قوله تعالى حكاية عنه أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ. فأما قول موسى ع فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فإنما أراد به من الذاهبين عن أن الوكزة تأتي على النفس أو المدافعة تفضي إلى القتل فقد يسمى الذاهب عن الشيء أنه ضال عنه و يجوز أيضا أن يريد أني ضللت عن فعل المندوب إليه من الكف عن القتل في تلك الحال و الفوز بمنزلة الثواب. ثم قال فإن قيل كيف يجوز لموسى ع أن يقول لرجل من شيعته يستصرخه إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ الجواب أن قوم موسى كانوا غلاظا جفاة أ لا ترى إلى قولهم بعد مشاهدة الآيات لما رأوا من يعبد الأصنام اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ و إنما خرج موسى ع خائفا على نفسه من قوم فرعون بسبب قتل القبطي فرأى ذلك الرجل يخاصم رجلا من أصحاب فرعون و استنصر موسى ع فقال له عند ذلك إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ و أراد أنك خائب في طلب ما لا تدركه و تكلف ما لا تطيقه ثم قصد إلى نصرته كما نصره بالأمس على الآخر فظن أنه يريده بالبطش لبعد فهمه فقال له أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ فعدل عن قتله و صار ذلك سببا لشياع خبر القبطي بالأمس انتهى. أقول ما ذكره رحمه الله أحد الوجهين في تفسير الآية و الوجه الآخر أن قوله يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كلام القبطي لا كلام الإسرائيلي كما مر في رواية علي بن إبراهيم و لعل الأظهر في الخبر هو الأول و يحتمل الثاني أيضا كما لا يخفى بعد التأمل
7- ك، ]إكمال الدين[ ابن إدريس عن أبيه عن سهل عن محمد بن آدم النسائي عن أبيه آدم ابن إياس عن المبارك بن فضالة عن سعيد بن جبير عن سيد العابدين علي بن الحسين عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي عن أبيه سيد الوصيين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال قال رسول الله ص لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته و أهل بيته فحمد الله و أثنى عليه ثم حدثهم بشدة تنالهم يقتل فيها الرجال و تشق بطون الحبالى و تذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب و هو رجل أسمر طويل و وصفه لهم بنعته فتمسكوا بذلك و وقعت الغيبة و الشدة ببني إسرائيل و هم ينتظرون قيام القائم أربعمائة سنة حتى إذا بشروا بولادته و رأوا علامات ظهوره اشتدت البلوى عليهم و حمل عليهم بالخشب و الحجارة و طلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر و تراسلوه و قالوا كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك فخرج بهم إلى بعض الصحاري و جلس يحدثهم حديث القائم و نعته و قرب الأمر و كانت ليلة قمراء فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى ع و كان في ذلك الوقت حديث السن و قد خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه و أقبل إليهم و تحته بغلة و عليه طيلسان خز فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه و انكب على قدميه فقبلهما ثم قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكرا لله عز و جل فلم يزدهم على أن قال أرجو أن يعجل الله فرجكم ثم غاب بعد ذلك و خرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى و كانت نيفا و خمسين سنة و اشتدت البلوى عليهم و استتر الفقيه فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنا فخرج إلى بعض الصحاري و استدعاهم و طيب قلوبهم و أعلمهم أن الله عز و جل أوحى إليه أنهمفرج عنهم بعد أربعين سنة فقالوا بأجمعهم الحمد لله فأوحى الله عز و جل قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله فقالوا كل نعمة من الله فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرين سنة فقالوا لا يأتي بالخير إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرا فقالوا لا يصرف الشر إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم لا تبرحوا فقد آذنت في فرجكم فبينا هم كذلك إذ طلع موسى ع راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه و جاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه ما اسمك فقال موسى قال ابن من قال ابن عمران قال ابن من قال ابن وهب بن لاوي بن يعقوب قال بما ذا جئت قال بالرسالة من عند الله عز و جل فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم و طيب نفوسهم و أمرهم أمره ثم فرقهم فكان بين ذلك الوقت و بين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة
بيان قوله ع و كانت نيفا و خمسين سنة أي كان المقدر أولا هكذا و لذا أخبرهم بعد مضي نيف و عشر سنين ببقاء أربعين سنة ثم خفف الله عنهم مرات حتى أظهر لهم موسى ع في الساعة بعد رجوعه عن مدين و كان بقاؤه فيها عشر سنين و مدة ذهابه و إيابه نيفا
8- كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن البزنطي قال قلت لأبي الحسن ع قول شعيب ع إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أي الأجلين قضى قال وفى منهما بأبعدهما عشر سنين قلت فدخل بها قبل أن ينقضي الشرط أو بعد انقضائه قال قبل أن ينقضي قال قلت له فالرجل يتزوج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك فقال إن موسى ع علم أنه سيتم له شرطه فكيف لهذا بأن يعلم أنه سيبقى حتى يفي له
9- ك، ]إكمال الدين[ أبي و ابن الوليد معا عن سعد و الحميري و محمد العطار و أحمد بن إدريس جميعا عن ابن عيسى عن البزنطي عن أبان بن عثمان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله ع قال إن يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب و هم ثمانون رجلا فقال إن هؤلاء القبط سيظهرون عليكم و يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ و إنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران غلام طويل جعد آدم فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمي ابنه عمران و يسمي عمران ابنه موسى
فذكر أبان بن عثمان عن أبي الحصين عن أبي بصير عن أبي جعفر ع أنه قال ما خرج موسى حتى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل كلهم يدعي أنه موسى بن عمران فبلغ فرعون أنهم يرجفون به و يطلبون هذا الغلام و قال له كهنته و سحرته إن هلاك دينك و قومك على يدي هذا الغلام الذي يولد العام في بني إسرائيل فوضع القوابل على النساء و قال لا يولد العام غلام إلا ذبح و وضع على أم موسى قابلة فلما رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا إذا ذبح الغلمان و استحيا النساء هلكنا فلم نبق فتعالوا لا نقرب النساء فقال عمران أبو موسى بل باشروهن فإن أمر الله واقع و لو كره المشركون اللهم من حرمه فإني لا أحرمه و من تركه فإني لا أتركه و باشر أم موسى فحملت به فوضع على أم موسى قابلة تحرسها فإذا قامت قامت و إذا قعدت قعدت فلما حملته أمه وقعت عليها المحبة و كذلك حجج الله على خلقه فقالت لها القابلة ما لك يا بنية تصفرين و تذوبين قالت لا تلوميني فإني إذا ولدت أخذ ولدي فذبح قالت فلا تحزني فإني سوف أكتم عليك فلم تصدقها فلما أن ولدت التفتت إليها و هي مقبلة فقالت ما شاء الله فقالت لها أ لم أقل إني سوف أكتم عليك ثم حملته فأدخلته المخدع و أصلحت أمره ثم خرجت إلى الحرس فقالت انصرفوا و كانوا على الباب فإنه خرج دم منقطع فانصرفوا فأرضعته فلما خافت عليه الصوت أوحى الله إليها اعملي التابوت ثم اجعليه فيه ثم أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر فوضعته في التابوت ثم دفعته في اليم فجعل يرجع إليها و جعلت تدفعه في الغمر و إن الريح ضربته فانطلقت به فلما رأته قد ذهب به الماء همت أن تصيح فربط الله على قلبها قال و كانت المرأة الصالحة امرأة فرعون من بني إسرائيل قالت لفرعون إنها أيام الربيع فأخرجني و اضرب لي قبة على شط النيل حتى أتنزه هذه الأيام فضرب لها قبة على شط النيل إذ أقبل التابوت يريدها فقالت ما ترون ما أرى على الماء قالوا إي و الله يا سيدتنا إنا لنرى شيئا فلما دنا منها قامت إلى الماء فتناولته بيدها و كاد الماء يغمرها حتى تصايحوا عليها فجذبته فأخرجته من الماء فأخذته فوضعته في حجرها فإذا غلام أجمل الناس و أسرهم فوقعت عليه منها محبة فوضعته في حجرها و قالت هذا ابني فقالوا إي و الله أي سيدتنا ما لك ولد و لا للملك فاتخذي هذا ولدا فقامت إلى فرعون فقالت إني أصبت غلاما طيبا حلوا نَتَّخِذَهُ وَلَداً فيكون قرة عين لي و لك فلا تقتله قال و من أين هذا الغلام قالت لا و الله ما أدري إلا أن الماء جاء به فلم تزل به حتى رضي فلما سمع الناس أن الملك قد تبنى ابنا لم يبق أحد من رءوس من كان مع فرعون إلا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا أو تحضنه فأبى أن يأخذ من امرأة منهن ثديا قالت امرأة فرعون اطلبوا لابني ظئرا و لا تحقروا أحدا فجعل لا يقبل من امرأة منهن ف قالَتْ أم موسى لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ انظري أ ترين له أثرا فانطلقت حتى أتت باب الملك فقالت قد بلغني أنكم تطلبون ظئرا و هاهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم و تكفله لكم فقالت أدخلوها فلما دخلت قالت لها امرأة فرعون ممن أنت قالت من بني إسرائيل قالت اذهبي يا بنية فليس لنا فيك حاجة فقال لها النساء
عافاك الله انظري هل يقبل أو لا يقبل فقالت امرأة فرعون أ رأيتم لو قبل هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل و المرأة من بني إسرائيل يعني الظئر لا يرضى قلن فانظري يقبل أو لا يقبل قالت امرأة فرعون فاذهبي فادعيها فجاءت إلى أمها فقالت إن امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها ثم ألقمته ثديها فإذا قحم اللبن في حلقه فلما رأت امرأة فرعون أن ابنها قد قبل قامت إلى فرعون فقالت إني قد أصبت لابني ظئرا و قد قبل منها فقال و ممن هي قالت من بني إسرائيل قال فرعون هذا مما لا يكون أبدا الغلام من بني إسرائيل و الظئر من بني إسرائيل فلم تزل تكلمه فيه و تقول ما تخاف من هذا الغلام إنما هو ابنك ينشأ في حجرك حتى قلبته عن رأيه و رضي فنشأ موسى في آل فرعون و كتمت أمه خبره و أخته و القابلة حتى هلكت أمه و القابلة التي قبلته فنشأ لا يعلم به بنو إسرائيل قال و كانت بنو إسرائيل تطلبه و تسأل عنه فيعمى عليهم خبره قال فبلغ فرعون أنهم يطلبونه و يسألون عنه فأرسل إليهم فزاد في العذاب عليهم و فرق بينهم و نهاهم عن الإخبار به و السؤال عنه قال فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده علم فقالوا قد كنا نستريح إلى الأحاديث فحتى متى و إلى متى نحن في هذا البلاء قال و الله إنكم لا تزالون حتى يجيء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى ابن عمران غلام طوال جعد فبينا هم كذلك إذ أقبل موسى ع يسير على بغلة حتى وقف عليهم فرفع الشيخ رأسه فعرفه بالصفة فقال له ما اسمك يرحمك الله فقال موسى قال ابن من قال ابن عمران فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبلها و ثاروا إلى رجليه يقبلونها فعرفهم و عرفوه و اتخذ شيعة و مكث بعد ذلك ما شاء الله ثم خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلا من آل فرعون من القبط فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ القبطي فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ و كان موسى قد أعطي بسطة في الجسم و شدة في البطش فذكره الناس و شاع أمره و قالوا إن موسى قتل رجلا من آل فرعون فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فلما أصبحوا من الغد إذا الرجل الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ على آخر قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ بالأمس رجل و اليوم رجل فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ فخرج من مصر بغير ظهر و لا دابة و لا خادم تخفضه أرض و ترفعه أخرى حتى أتى إلى أرض مدين فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فإذا تحتها بئر و إذا عندها أمة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ فإذا جاريتان ضعيفتان و إذا معهما غنيمة لهما ف قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا... أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ و نحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرجال فإذا سقى الناس سقينا فرحمهما موسى ع فأخذ دلوهما و قال لهما قدما غنمكما فَسَقى لَهُما ثم رجعتا بكرة قبل الناس ثم أقبل موسى إلى الشجرة فجلس تحتها و قال رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فروي أنه قال ذلك و هو محتاج إلى شق تمرة فلما رجعتا إلى أبيهما قال ما أعجلكما في هذه الساعة قالتا وجدنا رجلا صالحا رحيما فسقى لنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي فجاءته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فروي أن موسى ع قال لها وجهيني إلى الطريق و امشي خلفي فإنا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ فروي أنه قضى أتمهما لأن الأنبياء لا يأخذون إلا بالأفضل و التمام فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلا فرأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أو خبر من الطريق فلما
انتهى إلى النار فإذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها فلما دنا منها تأخرت عنه فرجع و أوجس في نفسه خيفة ثم دنت منه الشجرة ف نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ فإذا حية مثل الجذع لأنيابها صرير يخرج منها مثل لهب النار فولى مدبرا فقال له ربه عز و جل ارجع فرجع و هو يرتعد و ركبتاه تصطكان فقال إلهي هذا الكلام الذي أسمع كلامك قال نعم فلا تخف فوقع عليه الأمان فوضع رجله على ذنبها ثم تناول لحيتها فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا و قيل له اخلع نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً فروي أنه أمر بخلعهما بأنهما كانتا من جلد حمار ميت وروي في قوله عز و جل فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي خوفيك خوفك من ضياع أهلك و خوفك من فرعون ثم أرسله الله عز و جل إلى فرعون و ملئه بآيتين يده و العصا
فروي عن الصادق ع أنه قال لبعض أصحابه كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى بن عمران ع خرج ليقتبس لأهله نارا فرجع إليهم و هو رسول نبي فأصلح الله تبارك و تعالى أمر عبده و نبيه موسى في ليلة و كذا يفعل الله تعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة ع يصلح الله أمره في ليلة كما أصلح الله أمر موسى ع و يخرجه من الحيرة و الغيبة إلى نور الفرج و الظهور
ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ علي بن عبد الصمد عن أبيه عن السيد أبي البركات عن الصدوق مثله مع اختصار بيان الغمر الماء الكثير و معظم البحر و التبني اتخاذ ولد الغير ابنا فإذا قحم اللبن لعله كناية عن كثرة سيلان اللبن من قولهم قحم في الأمر رمى بنفسه فيه فجاءه من غير روية و في بعض النسخ يجم أي يكثر و في بعضها فازدحم قوله تعالى وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ أي آخرها و اختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى يَسْعى أي يسرع في المشي فأخبره بذلك و أنذره و كان الرجل خربيل مؤمن آل فرعون و قيل رجل اسمه شمعون و قيل شمعان قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ أي الأشراف من آل فرعون يَأْتَمِرُونَ بِكَ أي يتشاورون فيك و قيل يأمر بعضهم بعضا. قوله تعالى تَهْتَزُّ أي تتحرك قوله تعالى كَأَنَّها جَانٌّ قال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الغرر و الدرر فإن سأل سائل فقال ما تقولون في قوله تعالى فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ و قوله كَأَنَّها جَانٌّ و الثعبان هي الحية العظيمة الخلقة و الجان الصغير من الحيات و بأي شيء تزيلون التناقض عن هذا الكلام و الجواب أول ما نقوله أن الحالتين مختلفتان فحالة كونها كالجان كانت في ابتداء النبوة و قبل مسير موسى ع إلى فرعون و حالة كونها ثعبانا كانت عند لقائه فرعون و إبلاغه الرسالة و التلاوة تدل على ذلك و قد ذكر المفسرون وجهين أحدهما أنه تعالى إنما شبهها بالثعبان في إحدى الآيتين لعظم خلقها و كبر جسمها و هول منظرها و شبهها في الآية الأخرى بالجان لسرعة حركتها و نشاطها و خفتها فاجتمع لها مع أنها في جسم الثعبان و كبر خلقه نشاط الجان و سرعة حركته و هذا أبهر في باب الإعجاز و أبلغ في خرق العادة. و الثاني أنه تعالى لم يرد بذكر الجان في الآية الأخرى الحية و إنما أراد أحد الجن فكأنه تعالى أخبر بأن العصا صارت ثعبانا في الخلقة و عظم الجسم و كانت مع ذلك كأحد الجن في هول المنظر و إفزاعها لمن شاهدها و يمكن أن يكون للآية تأويل آخر و هو أن العصا لما انقلبت حية صارت أولا بصفة الجان و على صورته ثم صارت بصفة الثعبان على تدريج و لم تصر كذلك ضربة واحدة. و قال رحمه الله في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قيل ما معنى قول شعيب ع إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ الآية و كيف يجوز في الصداق هذا التخيير و التفويض و أي فائدة للبنت فيما شرطه هو لنفسه و ليس يعود عليها من ذلك نفع قلنا يجوز أن تكون الغنم كانت لشعيب ع و كانت الفائدة باستيجار من يرعاها عائدة عليه إلا أنه أراد أن يعوض بنته عن قيمة رعيها فيكون ذلك مهرا لها فأما التخيير فلم يكن إلا فيما زاد على الثماني حجج و لم يكن فيما شرطه مقترحا تخيير و إنماكان فيما تجاوزه و تعداه. و وجه آخر و هو أنه يجوز أن تكون الغنم كانت للبنت و كان الأب المتولي لأمرها و القابض لصداقها لأنه لا خلاف أن قبض الأب مهر بنته البكر البالغ جائز و ليس لأحد من الأولياء ذلك غيره و أجمعوا على أن بنت شعيب ع كانت بكرا. و وجه آخر و هو أنه حذف ذكر الصداق و ذكر ما شرطه لنفسه مضافا إلى الصداق لأنه جائز أن يشرط الولي لنفسه ما يخرج عن الصداق و هذا يخالف الظاهر. و وجه آخر و هو أنه يجوز أن يكون من شريعته ع العقد بالتراضي من غير صداق معين و يكون قوله عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي على غير وجه الصداق و ما تقدم من الوجوه أقوى.
10- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بإسناده عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن البزنطي قال سألت الرضا ع عن قوله تعالى إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا أ هي التي تزوج بها قال نعم و لما قالت اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قال أبوها كيف علمت ذلك قالت لما أتيته برسالتك فأقبل معي قال كوني خلفي و دليني على الطريق فكنت خلفه أرشده كراهة أن يرى مني شيئا و لما أراد موسى الانصراف قال شعيب ادخل البيت و خذ من تلك العصي عصا تكون معك تدرأ بها السباع و قد كان شعيب أخبر بأمر العصا التي أخذها موسى فلما دخل موسى البيت وثبت إليه العصا فصارت في يده فخرج بها فقال له شعيب خذ غيرها فعاد موسى إلى البيت و وثبت إليه العصا فصار في يده فخرج بها فقال له شعيب أ لم أقل لك خذ غيرها قال له موسى قد رددتها ثلاث مرات كل ذلك تصير في يدي فقال له شعيب خذها و كان شعيب يزور موسى كل سنة فإذا أكل قام موسى على رأسه و كسر له الخبز
11- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن عبد الله بن محمد عن منيع بن الحجاج عن مجاشع عن معلى عن محمد بن الفيض عن أبي جعفر ع قال كانت عصا موسى ع لآدم فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران و إنها لعندنا و إن عهدي بها آنفا و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها و إنها لتنطق إذا استنطقت أعدت لقائمنا ع يصنع بها ما كان يصنع موسى ع و إنها لتروع و تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ و تصنع ما تؤمر به إنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون تفتح لها شعبتان إحداهما في الأرض و الأخرى في السقف و بينهما أربعون ذراعا تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ بلسانها
أقول قال السيد بن طاوس قدس الله روحه في كتاب سعد السعود رأيت في تفسير منسوب إلى الباقر ع كانت عصا موسى هي عصا آدم ع بلغنا و الله أعلم أنه هبط بها من الجنة كانت من عوسج الجنة و كانت عصا لها شعبتان و بلغني أنها في فراش شعيب فدخل موسى فأخذها فقال له شعيب لقد كنت عندي أمينا أخذت العصا بغير أمري فقال له موسى لا إن العصا لو لا أنها كانت لي ما أخذتها فأقر شعيب و رضي و عرف أنه لم يأخذها إلا و هو نبي
12- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال ألقى الله تعالى من موسى على فرعون و امرأته المحبة قال و كان فرعون طويل اللحية فقبض موسى عليها فجهدوا أن يخلصوها من يد موسى فلم يقدروا على ذلك حتى خلاها فأراد فرعون قتله فقالت له امرأته إن هنا أمرا تستبين به هذا الغلام ادع بجمرة و دينار فضعهما بين يديه ففعل فأهوى موسى إلى الجمرة و وضع يده عليها فأحرقتها فلما وجد حر النار وضع يده على لسانه فأصابته لغثة و قد قال في قوله تعالى أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ قضى أوفاهما و أفضلهما
بيان الألغث الثقيل البطيء و المراد هنا البطء في الكلام
13- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ سئل الصادق ع عن موسى ع لما وضع في البحر كم غاب عن أمه حتى رده الله تعالى إليها قال ثلاثة أيام
14- فض، ]كتاب الروضة[ ضه، ]روضة الواعظين[ روى مجاهد عن ابن عمرو و أبي سعيد الخدري عن النبي ص في خبر طويل قال إن موسى بن عمران ع كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء الحوامل و يذبح الأطفال ليقتل موسى ع فلما ولدته أمه أمرها أن تأخذه من تحتها و تقذفه في التابوت و تلقي التابوت في اليم فقالت و هي ذعرة من كلامه يا بني إني أخاف عليك الغرق فقال لها لا تحزني إن الله يردني إليك فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى و قال لها يا أم اقذفيني في التابوت و ألقي التابوت في اليم قال ففعلت ما أمرت به فبقي في اليم إلى أن قذفه الله في الساحل و رده إلى أمه برمته لا يطعم طعاما و لا يشرب شرابا معصوما مدة و روي أن المدة كانت سبعين يوما و روي سبعة أشهر
15- ك، ]إكمال الدين[ محمد بن علي بن حاتم عن أحمد بن عيسى الوشاء عن أحمد بن طاهر عن محمد بن يحيى بن سهل عن علي بن الحارث عن سعد بن منصور عن أحمد بن علي البديلي عن أبيه عن سدير الصيرفي عن الصادق ع قال إن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يد موسى أمر بإحضار الكهنة فدلوه على نسبه و أنه من بني إسرائيل فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا و عشرين ألف مولود و تعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك و تعالى إياه
أقول تمامه في أبواب الغيبة
16- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال عز و جل وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ قال الإمام قال الله تعالى و اذكروا يا بني إسرائيل إذا نَجَّيْناكُمْ أنجينا أسلافكم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ و هم الذين كانوا يوالون إليه بقرابته و بدينه و بمذهبه يَسُومُونَكُمْ كانوا يعذبونكم سُوءَ الْعَذابِ شدة العقاب كانوا يحملونه عليكم قال و كان من عذابهم الشديد أنه كان فرعون يكلفهم عمل البناء و الطين و يخاف أن يهربوا عن العمل فأمرهم بتقييدهم و كانوا ينقلون ذلك الطين على السلاليم إلى السطوح فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن لا يحفلون بهم إلى أن أوحى الله إلى موسى قل لهم لا يبتدئون عملا إلا بالصلاة على محمد و آله الطيبين ليخف عليهم فكانوا يفعلون ذلك فيخف عليهم و أمر كل من سقط فزمن ممن نسي الصلاة على محمد و آله الطيبين أن يقولها على نفسه إن أمكنه أي الصلاة على محمد و آله أو يقال عليه إن لم يمكنه فإنه يقوم و لا تقلبه يد ففعلوها فسلموا يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ و ذلك لما قيل لفرعون إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك و زوال ملكك فأمر بذبح أبنائهم فكانت الواحدة منهن تصانع القوابل عن نفسها كيلا تنم عليها و يتم حملها ثم تلقي ولدها في صحراء أو غار جبل أو مكان غامض و يقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد و آله فيقيض الله له ملكا يربيه و يدر من إصبع له لبنا يمصه و من إصبع طعاما لينا يتغذاه إلى أن نشأ بنو إسرائيل و كان من سلم منهم و نشأ أكثر ممن قتل وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يبقونهن و يتخذونهن إماء فضجوا إلى موسى ع و قالوا يفترعون بناتنا و أخواتنا فأمر الله تلك البنات كلما رآهن من ذلك ريب صلين على محمد و آله الطيبين و كان الله يرد عنهن أولئك الرجال إما بشغل أو مرض أو زمانة أو لطف من ألطافه فلم تفترش منهن امرأة بل دفع الله عز و جل ذلك عنهن بصلاتهن على محمد و آله الطيبين ثم قال عز و جل وَ فِي ذلِكُمْ في ذلك الإنجاء الذي أنجاكم منهم ربكم بَلاءٌ نعمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ كبير قال الله عز و جل يا بني إسرائيل اذكروا إذا كان البلاء يصرف عن أسلافكم و يخف بالصلاة على محمد و آله الطيبين أ فما تعلمون أنكم إذا شاهدتموه و آمنتم به كانت النعمة عليكم أعظم و أفضل و فضل الله لديكم أجزل
بيان قوله لا يحفلون بهم أي لا يبالون بهم قوله ع و لا يقلبه يد الجملة حالية أي يقوم من غير أن تقلبه يد و يداويه أحد قوله تصانع المصانعة الرشوة و قوله تنم بالنون من النميمة و الافتراع إزالة البكارة
17- مل، ]كامل الزيارات[ بإسناده عن ربعي قال قال أبو عبد الله ع شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ الذي ذكره الله في كتابه هو الفرات و الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ هي كربلاء و الشَّجَرَةِ هي محمد
18- عدة، ]عدة الداعي[ روي أنه لما بعث الله موسى و هارون إلى فرعون قال لهما لا يروعكما لباسه فإن ناصيته بيدي و لا يعجبكما ما متع به من زهرة الحياة الدنيا و زينة المسرفين فلو شئت زينتكما بزينة يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عنها و لكني أرغب بكما عن ذلك فأزوي الدنيا عنكما و كذلك أفعل بأوليائي إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي غنمه عن مراتع الهلكة و إني لأجنبهم سلوكها كما يجنب الراعي الشفيق إبله من موارد الغرة و ما ذاك لهوانهم علي و لكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا إنما يتزين لي أوليائي بالذل و الخشوع و الخوف الذي ينبت في قلوبهم فيظهر على أجسادهم فهو شعارهم و دثارهم الذي يستشعرون و نجاتهم التي بها يفوزون و درجاتهم التي يأملون و مجدهم الذي به يفخرون و سيماهم التي بها يعرفون فإذا لقيتهم يا موسى فاخفض لهم جناحك و ألن لهم جانبك و ذلل لهم قلبك ولسانك و اعلم أنه من أخاف لي أوليائي فقد بارزني بالمحاربة ثم أنا الثائر لهم يوم القيامة
19- مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن محمد العطار عن الأشعري عن أحمد بن هلال عن محمد بن سنان عن محمد بن عبد الله بن رباط عن محمد بن النعمان الأحول عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى قال أشده ثماني عشرة سنة و استوى التحى
بيان قال البيضاوي وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ أي مبلغه الذي لا يزيد عليه نشوؤه و ذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة فإن العقل يكمل حينئذ و روي أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين و استوى قده أو عقله أقول المعتمد ما ورد في الخبر
20- نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع بعد الحث على التأسي بالرسول و إن شئت ثنيت بموسى كليم الله ع إذ يقول رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ و الله ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض و لقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشذب لحمه
بيان الصفاق الجلد الباطن الذي فوقه الجلد الظاهر من البطن و شفيفه رقته و تشذب اللحم تفرقه
21- نهج، ]نهج البلاغة[ الذي كلم موسى تكليما و أراه من آياته عظيما بلا جوارح و لا أدوات و لا نطق و لا لهوات
أقول قال الثعلبي في كتاب عرائس المجالس لما مات الريان بن الوليد فرعون مصر الأول صاحب يوسف ع و هو الذي ولى يوسف ع خزائن أرضه و أسلم على يديه فلما مات ملك بعده قابوس بن مصعب صاحب يوسف الثاني فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى و كان جبارا و قبض الله تعالى يوسف ع في ملكه و طال ملكه ثم هلك و قام بالملك بعده أخوه أبو العباس الوليد بن مصعب بن الريان بن أراشة بن ثروان بن عمرو بن فاران بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح و كان أعتى من قابوس و أكبر و أفجر و امتدت أيام ملكه و أقام بنو إسرائيل بعد وفاة يوسف ع و قد نشروا و كثروا و هم تحت أيدي العمالقة و هم على بقايا من دينهم مما كان يوسف و يعقوب و إسحاق و إبراهيم شرعوا فيهم من الإسلام متمسكين به حتى كان فرعون موسى الذي بعثه الله إليه و قد ذكرنا اسمه و نسبه و لم يكن منهم فرعون أعتى على الله تعالى و لا أعظم قولا و لا أقسى قلبا و لا أطول عمرا في ملكه و لا أسوأ ملكة لبني إسرائيل منه و كان يعذبهم و يستعبدهم فجعلهم خدما و خولا و صنفهم في أعماله فصنف يبنون و صنف يحرسون و صنف يتولون الأعمال القذرة و من لم يكن من أهل العمل فعليه الجزية كما قال تعالى يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ و قد استنكح فرعون منهم امرأة يقال لها آسية بنت مزاحم من خيار النساء المعدودات و يقال بل هي آسية بنت مزاحم بن الريان بن الوليد فرعون يوسف الأول فأسلمت على يدي موسى ع. قال مقاتل و لم يسلم من أهل مصر إلا ثلاثة آسية و خربيل و مريم بنت ناموساء التي دلت موسى على قبر يوسف ع فعمر فرعون و هم تحت يديه عمرا طويلا يقال أربعمائة سنة يسومونهم سوء العذاب فلما أراد الله تعالى أن يفرج عنهم بعث موسى ع و كان بدء ذلك على ما ذكره السدي عن رجاله أن فرعون رأى في منامه أن نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأخربتها و أحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة و الكهنة و المعبرين و المنجمين و سألهم عن رؤياه فقالوا إنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك و يغلبك على سلطانك و يخرجك و قومك من أرضك و يبدل دينك و قد أظلك زمانه الذي يولد فيه قال فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل و جمع القوابل من نساء أهل مملكته فقال لهن لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتلتنه و لا جارية إلا تركتنها و وكل بهن فكن يفعلن ذلك قال مجاهد لقد ذكر لي أنه كان يأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار ثم يصف بعضها إلى بعض ثم يؤتى بالحبالى من بني إسرائيل فيوقعن فتحز أقدامهن حتى أن المرأة منهن لتضع ولدها فيقع بين رجليها فتظل تطأه تتقي به حد القصب عن رجلها لما بلغ من جهدها فكان يقتل الغلمان الذين كانوا في وقته و يقتل
من يولد منهم و يعذب الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن و أسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رءوس القبط على فرعون فقالوا له إن الموت قد وقع في بني إسرائيل و أنت تذبح صغارهم و يموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة و يتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها فترك و ولد موسى في السنة التي يذبحون فيها قالوا فولدت هارون أمه علانية آمنة فلما كان العام المقبل حملت بموسى فلما أرادت وضعه حزنت من شأنه و اشتد غمها فأوحى الله تعالى إليها وحي إلهام أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فلما وضعته في خفية أرضعته ثم اتخذت له تابوتا و جعلت مفتاح التابوت من داخل و جعلته فيه. قال مقاتل و كان الذي صنع التابوت خربيل مؤمن آل فرعون و قيل إنه كان من بردي فاتخذت أم موسى التابوت و جعلت فيه قطنا محلوجا و وضعت فيه موسى و قيرت رأسه و خصاصه ثم ألقته في النيل فلما فعلت ذلك و توارى عنها ابنها أتاها الشيطان لعنه الله و وسوس إليها فقالت في نفسها ما ذا صنعت بابني لو ذبح عندي فواريته و كفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى دواب البحر فعصمها الله تعالى و انطلق الماء بموسى يرفعه الموج مرة و يخفضه أخرى حتى أدخله بين أشجار عند دار فرعون إلى فرضة و هي مستقى جواري آل فرعون و كان يشرب منها نهر كبير في دار فرعون و بستانه فخرجت جواري آسية يغتسلن و يسقين فوجدن التابوت فأخذنه و ظنن أن فيه مالا فحملنه كهيئته حتى أدخلنه على آسية فلما فتحته و رأت الغلام فألقى الله تعالى عليه محبة منها فرحمته آسية و أحبته حبا شديدا فلما سمع الذباحون أمره أقبلوا على آسية بشفارهم ليذبحوا الصبي فقالت آسية للذباحين انصرفوا فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل فأتى فرعون فاستوهبه إياه فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم و إن أمر بذبحه لم ألمكم فأتت به و قالت قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تقتله عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً فقال فرعون قرة عين لك فأما أنا فلا حاجة لي فيه.
فقال رسول الله ص و الذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون قرة عين كما أقرت به لهداه الله تعالى كما هدى به امرأته و لكن الله تعالى حرمه ذلك
قالوا فأراد فرعون أن يذبحه و قال إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل و أن يكون هذا هو الذي على يديه هلاكنا و زوال ملكنا فلم تزل آسية تكلمه حتى وهبه لها فلما أمنت آسية أرادت أن تسميه باسم اقتضاه حاله و هو موشى لأنه وجد بين الماء و الشجر و مو بلغة القبط الماء و الشا الشجر فعرب فقيل موسى. و روي عن ابن عباس أن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس و عملوا بالمعاصي و وافق خيارهم شرارهم و لم يأمروا بالمعروف و لم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم و ساموهم سوء العذاب و ذبحوا أبناءهم و قال وهب بلغني أنه ذبح في طلب موسى سبعين ألف وليد. و عن ابن عباس أن أم موسى لما تقارب ولادتها و كانت قابلة من القوابل مصافية لها فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فأتتها و قبلتها فلما أن وقع موسى بالأرض هالها نور بين عيني موسى فارتعش كل مفصل منها و دخل حبه قلبها ثم قالت لها يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلا و من رأيي قتل مولودك و إخبار فرعون بذلك و لكن وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت مثله قط فاحفظي فإنه هو عدونا فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاءوا إلى بابها ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته هذه الحرس بالباب فطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع خوفا عليه فلفته في خرقة و وضعته في التنور و هو مسجور بإلهامه تعالى فدخلوا فإذا التنور مسجور. و روي أن أم موسى لم يتغير لها لون و لم يظهر لها لبن فقالوا ما أدخل عليك القابلة قالت هي مصافية لي فدخلت علي زائرة فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى فأين الصبي قالت لا أدري فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه و قد جعل الله النار عليه بردا و سلاما فاحتملته. و عن ابن عباس قال انطلقت أم موسى إلى نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال لها ما تصنعين به قالت ابن لي أخبؤه فيه و كرهت أن تكذب فانطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمرها فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه و جعل يشير بيده فلم يدر الأمناء فلما أعياهم أمره قال كبيرهم اضربوه فضربوه و أخرجوه فوقع في واد يهوي فيه حيران فجعل الله عليه أن رد لسانه و بصره أن لا يدل عليه و يكون معه يحفظه فرد الله عليه بصره و لسانه فآمن به و صدقه فانطلقت أم موسى و ألقته في البحر و ذلك بعد ما أرضعته ثلاثة أشهر و كان لفرعون يومئذ بنت و لم يكن له ولد غيرها و كانت من أكرم الناس عليه و كان بها برص شديد و قد قالت أطباء المصر و السحرة إنها لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد منه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك و ذلك في يوم كذا و ساعة كذا حين تشرق فلما كان يوم الإثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل و معه آسية فأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهن إذا أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج فأخذوه فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها للذي أراد الله أن يكرمها فعالجته ففتحت الباب فإذا نوره بين عينيه و قد
جعل الله تعالى رزقه في إبهامه يمصه لبنا فألقى الله حبه في قلبها و أحبه فرعون فلما أخرجوه عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت فقبلته و ضمته إلى صدرها فقال الغواة من قوم فرعون أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا رمي به في البحر فرقا منك فهم فرعون بقتله فاستوهبته آسية فوهبه لها ثم قال لها سميه فقالت سميته موشى لأنه وجد بين الماء و الشجر. قالوا وَ قالَتْ أم موسى لِأُخْتِهِ و كانت تسمى مريم قُصِّيهِ أي اتبعي أثره و اطلبيه هل تسمعين له ذكرا أ حي ابني أم قد أكلته دواب البحر و نسيت وعد الله تعالى فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته فلما امتنع أن يأخذ من المراضع ثديا قالت هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ فلما أتت بأمه ثار إلى ثديها حتى امتلأ جنباه فقالت امكثي عندي ترضعين ابني هذا فقالت لا أستطيع أن أدع بيتي و ولدي فإن طابت نفسك أن تعطيني فاذهب به إلى بيتي لا آلوه خيرا فعلت و ذكرت أم موسى وعد الله تعالى فرجعت به إلى بيتها من يومها و قيل كانت غيبة موسى عن أمه ثلاثة أيام فلما جاءت أمه به إلى بيتها كادت تقول هو ابني فعصمها الله تعالى و ذلك قوله تعالى إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى أحب أن تريني ابني فوعدتها يوما تراها إياه فقالت لحواضنها و قهارمتها لا تبقين منكم أحد إلا استقبل ابني بهدية و كرامة فلم تزل الهدايا و التحف تستقبله من حين أخرج من بيت أمه أن أدخل على امرأة فرعون فأكرمته و فرحت به فلما أدخل على فرعون تناول لحيته و نتف منها و يقال إنه لطم وجهه و في بعض الروايات أنه كان يلعب بين يدي فرعون و بيده قضيب صغير يلعب به إذ ضرب على رأس فرعون فغضب غضبا شديدا و تطير منه و قال هذا عدوي فأرسل إلى الذباحين فقالت امرأته إنما هو صبي لا يعقل و إني أجعل بيني و بينك أمرا تعرف فيه الحق أضع له حليا من الذهب و أضع له جمرا فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فلما حول جبرئيل يده إلى الجمر قبضها و طرحها في فيه فوضعها على لسانه فأحرقته فذلك الذي يقول وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي فكف عن قتله و حببه الله تعالى إليه و إلى الناس كلهم. و قال أهل السير لما بلغ موسى ع أشده و كبر كان يركب مراكب فرعون و يلبس ما يلبس فرعون و كان إنما يدعى موسى بن فرعون و امتنع به بنو إسرائيل من كثير من
الظلم فركب فرعون ذات يوم فركب موسى في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف فدخلها نصف النهار و قد غلقت أسواقها و ليس في طرقها أحد و ذلك قوله تعالى عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فبينا هو يمشي في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل و الآخر من آل فرعون و الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ يقال إنه السامري و الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ كان خبازا لفرعون و اسمه قاثون و كان اشترى حطبا للمطبخ فسخر السامري ليحمله فامتنع فلما مر بهما موسى استغاث به فقال موسى للقبطي دعه فقال الخباز إنما آخذه لعمل أبيك فأبى أن يخلي سبيله فغضب موسى فبطش و خلص السامري من يده فنازعه القبطي فَوَكَزَهُ مُوسى فقتله و هو لا يريد قتله قالوا و لما قتل لم يرهما إلا الله تعالى و الإسرائيلي فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ الأخبار فأتى فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا فقال ائتوني بقاتله و من يشهد عليه فطلبوا ذلك فبينا هم يطوفون إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني فصادف موسى و قد ندم على ما كان منه بالأمس و كره الذي رأى فغضب موسى فمد يده و هو يريد أن يبطش بالفرعوني فقال للإسرائيلي إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ففرق الإسرائيلي من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ له الكلام فظن أنه يريد قتله فقال له يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي الآية و إنما قال ذلك مخافة من موسى و ظنا أن يكون إياه أراد و إنما أراد الفرعوني فتتاركا و ذهب إلى فرعون و أخبره بما سمع من الإسرائيلي فأرسل فرعون الذباحين و أمرهم بقتل موسى و قال لهم اطلبوه في بنيات الطريق فإنه غلام لا يهتدي إلى الطريق فجاءه رجل من أقصى المدينة من شيعته يقال له خربيل و كان على بقية من دين إبراهيم الخليل ع و كان أول من صدق بموسى و آمن به
و قد روي عن رسول الله ص أنه قال سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين خربيل مؤمن آل فرعون و حبيب النجار صاحب ياسين و علي بن أبي طالب ع و هو أفضلهم
قالوا فجاء خربيل فاختصر طريقا قريبا حتى سبق الذباحين إليه و أخبره بما هم به فرعون فذلك قوله تعالى وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ الآية فتحير موسى و لم يدر أين يذهب فجاء ملك على فرس بيده عنزة فقال له اتبعني فاتبعه فهداه إلى مدين. و عن ابن عباس أنه خرج من مصر إلى مدين و بينهما مسيرة ثمان ليال و يقال نحو من كوفة إلى البصرة و لم يكن له طعام إلا ورق الشجر فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه و إن خضرة البقل تتراءى من بطنه قالت العلماء لما انتهى موسى إلى أرض مدين في ثمان ليال نزل في أصل شجرة و إذا تحتها بئر و هي التي قال الله تعالى وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ أي تحبسان أغنامهما فقال لهما ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ لأنا امرأتان ضعيفتان لا نقدر على مزاحمة الرعاء فإذا سقوا مواشيهم سقينا أغنامنا من فضول حياضهم وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ تعنيان شعيبا. و عن ابن عباس قال اسم أب امرأة موسى الذي استأجره يثرون صاحب مدين ابن أخي شعيب ع و اسم إحدى الجاريتين ليا و يقال حنونا و اسم الأخرى صفوراء و هي امرأة موسى فلما قالتا ذلك رحمهما و كان هناك بئر و على رأسها صخرة و كان نفر من الرجال يجتمعون عليها حتى يرفعوها عن رأسها و قيل إن تلك البئر غير البئر التي يستقي منها الرعاء قالوا فرفع موسى الصخرة عن رأسها و أخذ دلوا لهما فَسَقى لَهُما أغنامهما فرجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس و تولى موسى إلى ظل الشجرة فقال رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ. فقال ابن عباس لقد قال ذلك موسى ع و لو شاء إنسان أن ينظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع لنظر ما يسأل الله تعالى إلا أكلة. و
قال أبو جعفر الباقر ع لقد قالها و إنه لمحتاج إلى شق تمرة
قالوا فلما رجعتا إلى أبيهما قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا فقال لإحداهما فاذهبي فادعيه إلي و هي التي تزوجها موسى فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ ف قالَتْ له إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فقام موسى ع و تقدمته و هو يتبعها فهبت ريح فألزقت ثوب المرأة بردفها فقال لها امشي خلفي و دليني على الطريق فإن أخطأت فارمي قدامي بحصاة فإنا بني يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء فنعتت له الطريق إلى منزل أبيها و مشت خلفه حتى دخلا على شعيب فسأله عن حاله فأخبره ف قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ف قالَتْ إِحْداهُما و هي التي كانت الرسول إلى موسى يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ و إنما قالت القوي لأنه أزال الحجر الذي كان يرفعه ثلاثون أو أربعون رجلا فقال لها أبوها فما علمك بأمانته فأخبرت أباها بما أمرها به موسى من استدبارها إياه. قالوا فَلَمَّا قَضى مُوسَى ع أتم الأجلين وَ سارَ بِأَهْلِهِ منفصلا من أرض مدين يؤم الشام و معه أغنامه و امرأته و هي في شهرها لا تدري أ ليلا تضع أم نهارا فانطلق في برية الشام عادلا عن المدائن و العمران مخافة الملوك الذين كانوا بالشام و كان أكبر همه يومئذ أخاه هارون و إخراجه من مصر فسار موسى ع في البرية غير عارف بطرقها فأجاءه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في عشية شاتية شديدة البرد و أظلم عليه الليل و أخذت السماء ترعد و تبرق و تمطر و أخذ امرأته الطلق فعمد موسى إلى زنده و قدحه مرات فلم تور فتحير و قام و قعد و أخذ يتأمل ما قرب و بعد تحيرا و ضجرا فبينا هو كذلك إذ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً فحسبه نارا فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً يعني من يدلني على الطريق و كان قد ضل الطريق فَلَمَّا أَتاها رأى نورا عظيما ممتدا من عنان السماء إلى شجرة عظيمة هناك و. اختلفوا فيها فقيل العوسجة و قيل العناب فتحير موسى و ارتعدت مفاصله حيث رأى نارا عظيمة ليس لها دخان تلتهب و تشتعل من جوف شجرة خضراء لا تزداد النار إلا عظما و لا الشجرة إلا خضرة و نضرة فلما دنا استأخرت عنه فخاف عنها و رجع ثم ذكر حاجته إلى النار فرجع إليها فدنت منه ف نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى فنظر فلم ير أحدا فنودي إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ فلما سمع ذلك علم أنه ربه فناداه ربه أن ادن و اقترب فلما قرب منه و سمع النداء و رأى تلك الهيبة خفق قلبه و كل لسانه و ضعفت متنه و صار حيا كميت فأرسل الله سبحانه إليه ملكا يشد ظهره و يقوى قلبه فلما تاب إليه نودي فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ثم قال الله سبحانه تسكينا لقلبه و إذهابا لدهشته وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ إلى قوله تعالى مَآرِبُ أُخْرى. و اختلف في اسم العصا فقال ابن جبير اسمها ما شاء الله و قال مقاتل اسمها نفعة و قيل غياث و قيل عليق و أما صفتها و المآرب التي فيها لموسى ع فقال أهل العلم بأخبار الماضين كان لعصا موسى شعبتان و محجن في أصل الشعبتين و سنان حديد في أسفلها و كان موسى ع إذا دخل مفازة ليلا و لم يكن قمر تضيئ شعبتاها كالشعبتين من نور تضيئان له مد البصر و كان إذا أعوز الماء أدلاها في البئر فجعلت تمتد إلى مقدار قعر البئر و تصير في رأسها شبه الدلو يستقي و إذا احتاج إلى الطعام ضرب الأرض بعصاه فيخرج ما يأكل يومه و كان إذا اشتهى فاكهة من الفواكه غرزها في الأرض فتغصنت أغصان تلك الشجرة التي اشتهى موسى فاكهتها و أثمرت له من ساعتها و يقال كان عصاه من اللوز فكان إذا جاع ركزها في الأرض فأورقت و أثمرت و أطعمت فكان يأكل منها اللوز و كان إذا قاتل عدوه يظهر على شعبتيها تنينان يتناضلان و كان يضرب على الجبل
الصعب الوعر المرتقى و على الشجر و العشب و الشوك فينفرج و إذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضربها عليه فانفلق و بدا له طريق مهيع يمشي فيه و كان يشرب أحيانا من إحدى الشعبتين اللبن و من الآخر العسل و كان إذا أعيا في طريقه يركبها فتحملها إلى أي موضع شاء من غير ركض و لا تحريك رجل و كانت تدله على الطريق و تقاتل أعداءه و إذا احتاج موسى إلى الطيب فاح منها الطيب حتى يتطيب ثوبه و إذا كان في طريق فيه لصوص تخشى الناس جانبهم تكلمه العصا و تقول له خذ جانب كذا و كان يهش بها على غنمه و يدفع بها السباع و الحيات و الحشرات و إذا سافر وضعها على عاتقه و علق عليها جهازه و متاعه و مخلاته و مقلاعه و كساءه و طعامه و سقاءه. قال مقاتل بن حيان قال شعيب لموسى حين زوج ابنته و سلم إليه أغنامه يرعاها اذهب بهذه الأغنام فإذا بلغت مفرق الطريق فخذ على يسارك و لا تأخذ على يمينك و إن كان الكلأ بها أكثر فإن هناك تنينا عظيما أخشى عليك و على الأغنام منه فذهب موسى بالأغنام فلما بلغ مفرق الطريقين أخذت الأغنام ذات اليمين فاجتهد موسى على أن يصرفها إلى ذات الشمال فلم تطعه فنام موسى و الأغنام ترعى فإذا بالتنين قد جاء فقامت عصا موسى فحاربته فقتلته و أتت فاستلقت على جنب موسى و هي دامية فلما استيقظ موسى ع رأى العصا دامية و التنين مقتولا فعلم أن في تلك العصا لله تعالى قدرة و عرف أن لها شأنا فهذه مآرب موسى فيها إذا كانت عصا فأما إذا ألقاها موسى فيرى أنها تنقلب حية كأعظم ما يكون من التنانين سوداء مدلهمة تدب على أربع قوائم تصير شعبتاها فمها و فيه اثنا عشر أنيابا و أضراسا لها صريف و صرير يخرج منها لهب النار فتصير محجنها عرفا لها كأمثال النيازك تلتهب و عيناها تلمعان كما يلمع البرق تهب من فيها ريح السموم لا تصيب شيئا إلا أحرقته تمر بالصخرة مثل الناقة الكوماء فتبتلعها حتى أن الصخور في جوفها تتقعقع و تمر بالشجرة فتفطرها بأنيابها ثم تحطمها و
تبتلعها و جعلت تتلمظ و تترمرم كأنها تطلب شيئا تأكل و كان تكون في عظم الثعبان و خفة الجان و لين الحية و ذلك موافق لنص القرآن حيث قال في موضع فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ و قال في موضع آخر كَأَنَّها جَانٌّ و قال في موضع آخر فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى قالوا فلما ألقاها صارت شعبتاها فمها و محجنها عرفا لها في ظهرها و هي تهتز لها أنياب و هي كما شاء الله أن يكون فرأى موسى أمرا فظيعا ف وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ فناداه ربه تعالى أن يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ قالوا و كان على موسى جبة من صوف فلف كمه على يده و هو لها هائب فنودي أن احسر عن يدك فحسر كمه عن يده ثم أدخل يده بين لحييها فلما قبض فإذا هو عصاه في يده و يده بين شعبتيها حيث كان يضعها ثم قال له أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ فأدخلها ثم أخرجها فإذا هي نور تلتهب يكل عنه البصر ثم ردها فخرجت كما كانت علي لون يديه. ثم قال له اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فقال موسى رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قال الله تعالى سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ الآية و كان على موسى يومئذ مدرعة قد خلها بخلال و جبة من صوف و ثياب من صوف و قلنسوة من صوف و الله سبحانه يكلمه و يعهد إليه و يقول له يا موسى انطلق برسالتي و أنت بعيني و سمعي و معك قوتي و نصرتي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر من نعمتي و آمن مكري و غرته الدنيا حتى جحد حقي و أنكر ربوبيتي و زعم أنه لا يعرفني و عزتي و جلالي لو لا الحجة و العذر اللذان جعلتهما بيني و بين خلقي لبطشت به بطشة جبار تغضب لغضبه السماوات و الأرض و البحار و الجبال و الشجر و الدواب فلو أذنت للسماء لحصبته أو للأرض لابتلعته أو للجبال لدكدكته أو للبحار لغرقته و لكن هان علي و صغر عندي و وسعه حلمي و أنا الغني عنه و عن جميع خلقي و أنا خالق الغني و الفقير لا غني إلا من أغنيته و لا فقير إلا من أفقرته فبلغه رسالتي و ادعه إلى عبادتي و توحيدي و الإخلاص لي و حذره نقمتي و بأسي و ذكره أيامي و أعلمه أنه لا يقوم لغضبي شيء و قل له فيما بين ذلك
قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و كنه في خطابك إياه و لا يرو عنك ما ألبسته من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي و لا يطرف و لا ينطق و لا يتنفس إلا بعلمي و أخبره بأني إلى العفو و المغفرة أسرع إلى الغضب و العقوبة و قل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة قد أمهلك طول هذه المدة و أنت في كلها تدعي الربوبية دونه و تصد عن عبادته و في كل ذلك تمطر عليك السماء و تنبت لك الأرض و يلبسك العافية و لو شاء لعاجلك بالنقمة و لسلبك ما أعطاك و لكنه ذو حلم عظيم ثم أمسك عن موسى سبعة أيام ثم قيل له بعد سبع ليال أجب ربك يا موسى فيما كلمك فقال رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي الآية فلما رجع موسى شيعته الملائكة فكان قلب موسى مشتغلا بولده و أراد أن يختنه فأمر الله عز و جل ملكا فمد يده و لم يزل قدمه عن موضعها حتى جاء به ملففا في خرقته و تناوله موسى فأخذ حجرتين فحك أحدهما بالآخر حتى حدده كالسكين فختن بهما ابنه فتفل الملك عليه و برئ من ساعته ثم رده الملك إلى موضعه و لم يزل أهل موسى في ذلك الموضع حتى مر راع من أهل مدين فعرفهم و احتملهم و ردهم إلى مدين و كانوا عند شعيب حتى بلغهم خبر موسى ع بعد ما فلق البحر و جاوزه بنو إسرائيل و غرق الله فرعون فبعثهم شعيب إلى موسى ع بمصر. إيضاح فتحز بالزاي المعجمة أي تقطع و الخصاص كل خلل و خرق في باب و غيره و الفرضة بالضم من النهر ثلمة يستقى منها و من البحر محط السفن و سخره كمنعه كلفه ما لا يريد و قهره و الزند الذي يقدح به النار و وري النار اتقادها و المحجن كمنبر كل معطوف معوج و طريق مهيع بين و المقلاع الذي يرمى به الحجر و صريف ناب البعير صوتها و تلمظت الحية أخرجت لسانها و ترمرم تحرك للكلام و لم يتكلم