1- مع، ]معاني الأخبار[ المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن أحمد بن أحمد عن سليمان بن الخصيب قال حدثني الثقة قال حدثنا أبو جمعة رحمة بن صدقة قال أتى رجل من بني أمية و كان زنديقا جعفر بن محمد ع فقال قول الله عز و جل في كتابه المص أي شيء أراد بهذا و أي شيء فيه من الحلال و الحرام و أي شيء فيه مما ينتفع به الناس قال فاغتاظ من ذلك جعفر بن محمد ع فقال أمسك ويحك الألف واحد و اللام ثلاثون و الميم أربعون و الصاد تسعون كم معك فقال الرجل أحد و ثلاثون و مائة فقال له جعفر بن محمد ع إذا انقضت سنة إحدى و ثلاثين و مائة انقضى ملك أصحابك قال فنظرنا فلما انقضت سنة إحدى و ثلاثين و مائة يوم عاشوراء دخل المسودة الكوفة و ذهب ملكهم
بيان هذا الخبر لا يستقيم إذا حمل على مدة ملكهم لعنهم الله لأنه كان ألف شهر و لا على تاريخ الهجرة بعد ابتنائه عليه لتأخر حدوث هذا التاريخ عن زمن الرسول ص و لا على تاريخ عام الفيل لأنه يزيد على أحد و ستين و مائة مع أن أكثر نسخ الكتاب أحد و ثلاثون و مائة و هو لا يوافق عدد الحروف. و قد أشكل على حل هذا الخبر زمانا حتى عثرت على اختلاف ترتيب الأباجاد في كتاب عيون الحساب فوجدت فيه أن ترتيب أبجد عند المغاربة هكذا أبجد هوز حطي كلمن صعفض قرست ثخذ ظغش فالصاد المهملة عندهم ستون و الضاد المعجمة تسعون و السين المهملة ثلاثمائة و الظاء المعجمة ثمانمائة و الغين المعجمة تسعمائة و الشين المعجمة ألف فحينئذ يستقيم ما في أكثر النسخ من عدد المجموع و لعل الاشتباه في قوله و الصاد تسعون من النساخ لظنهم أنه مبني على المشهور و حينئذ يستقيم إذا بني على البعثة أو على نزول الآية كما لا يخفى على المتأمل و الله يعلم
2- ج، ]الإحتجاج[ من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله ع عن مسائل كثيرة أن قال كيف يعبد الله الخلق و لم يروه قال ع رأته القلوب بنور الإيمان و أثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان و أبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب و إحكام التأليف ثم الرسل و آياتها و الكتب و محكماتها و اقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته قال أ ليس هو قادرا أن يظهر لهم حتى يروه و يعرفوه فيعبد على يقين قال ليس للمحال جواب قال فمن أين أثبت أنبياء و رسلا قال ع إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ما خلق و كان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه و لا أن يلامسوه و لا أن يباشرهم و يباشروه و يحاجهم و يحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه و عباده يدلونهم على مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه و ثبت عند ذلك أن له معبرين و هم الأنبياء و صفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين عنه مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب مؤدين من عند الحكيم العليم بالحكمة و الدلائل و البراهين و الشواهد من إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول و وجوب عدالته ثم قال ع بعد ذلك نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة و لا تكون الحجة إلا من عقب الأنبياء ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء و ذلك أن الله تعالى شرع لبني آدم طريقا منيرا و أخرج من آدم نسلا طاهرا طيبا أخرج منه الأنبياء و الرسل هم صفوة الله و خلص الجوهر طهروا في الأصلاب و حفظوا في الأرحام لم يصبهم سفاح الجاهلية و لا شاب أنسابهم لأن الله عز و جل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة و شرفا منه فمن كان خازن علم الله و أمين غيبه و مستودع سره و حجته على خلقه و ترجمانه و لسانه لا يكون إلا بهذه الصفة فالحجة لا يكون إلا من نسلهم يقوم مقام النبي في الخلق بالعلم الذي عنده و ورثه عن الرسول إن جحده الناس سكت و كان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه قد أقاموا بينهم الرأي و القياس إن هم أقروا به و أطاعوه و أخذوا عنه ظهر العدل و ذهب الاختلاف و التشاجر و استوى الأمر و أبان الدين و غلب على الشك اليقين و لا يكاد أن يقر الناس به أو يحقوا له بعد فقد الرسول و ما مضى رسول و
لا نبي قط لم يختلف أمته من بعده و إنما كان علة اختلافهم خلافهم على الحجة و تركهم إياه قال فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة قال قد يقتدى به و يخرج عنه الشيء بعد الشيء مما فيه منفعة الخلق و صلاحهم فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم و إن زادوا فيه أخبرهم و إن نقصوا منه شيئا أفادهم ثم قال الزنديق من أي شيء خلق الأشياء قال ع لا من شيء فقال فكيف يجيء من لا شيء شيء قال ع إن الأشياء لا تخلو أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء فإن كانت خلقت من شيء كان معه فإن ذلك الشيء قديم و القديم لا يكون حديثا و لا يفنى و لا يتغير و لا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهرا واحدا و لونا واحدا فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة و الجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى و من أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشئت منه الأشياء حيا أو من أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتا و لا يجوز أن يكون من حي و ميت قديمين لم يزالا لأن الحي لا يجيء منه ميت و هو لم يزل حيا و لا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما هو به من الموت لأن الميت لا قدرة له و لا بقاء قال فمن أين قالوا إن الأشياء أزلية قال هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل و مقالتهم و الأنبياء و ما أنبئوا عنه و سموا كتبهم أساطير الأولين و وضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم و استحسانهم إن الأشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه و هي سبعة أفلاك و تحرك الأرض و من عليها و انقلاب الأزمنة و اختلاف الوقت و الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة و نقصان و موت و بلى و اضطرار النفس إلى الإقرار بأن لها صانعا و مدبرا أ ما ترى الحلو يصير حامضا و العذب مرا و الجديد باليا و كل إلى تغير و فناء قال فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها قال لم يزل يعلم فخلق ما علم قال أ مختلف هو أم مؤتلف قال لا يليق به الاختلاف و لا الائتلاف إنما يختلف المتجزئ و يأتلف المتبعض فلا يقال له مؤتلف و لا مختلف قال فكيف هو الله الواحد قال واحد في ذاته فلا واحد كواحد لأن ما سواه من الواحد متجزئ و هو تبارك و تعالى واحد لا متجزئ و لا يقع عليه العد قال فلأي علة خلق الخلق و هو غير محتاج إليهم و لا مضطر إلى خلقهم و لا يليق به العبث بنا قال خلقهم لإظهار حكمته و إنفاذ علمه و إمضاء تدبيره قال و كيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه و محتبس عقابه قال إن هذه الدار دار ابتلاء و متجر الثواب و مكتسب الرحمة ملئت آفات و طبقت شهوات ليختبر فيها عبيده بالطاعة فلا يكون دار عمل دار جزاء قال أ فمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا و قد كان و لا عدوا به فخلق كما زعمت إبليس فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته و يأمرهم بمعصيته و جعل له من القوة كما زعمت يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم و يلبس عليهم دينهم فيزيلهم عن معرفته حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته و عبدوا سواه فلم سلط عدوه على عبيده و جعل له السبيل إلى إغوائهم قال إن هذا العدو الذي ذكرت لا يضره عداوته و لا ينفعه ولايته عداوته لا تنقص من ملكه شيئا و ولايته لا تزيد فيه شيئا و إنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر و ينفع إن هم بملك أخذه أو بسلطان قهره فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده و يوحده و قد علم حين خلقه ما هو و إلى ما يصير إليه فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم فامتنع من ذلك حسدا و شقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك و أخرجه عن صفوف الملائكة و أنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم و ولده
بذلك السبب و ما له من السلطنة على ولده إلا الوسوسة و الدعاء إلى غير السبيل و قد أقر مع معصيته لربه بربوبيته قال أ فيصلح السجود لغير الله قال لا قال فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم قال إن من سجد بأمر الله سجد لله فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله قال فمن أين أصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث قال إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم فيخبرهم بأشياء تحدث و ذلك في وجوه شتى من فراسة العين و ذكاء القلب و وسوسة النفس و فطنة الروح مع قذف في قلبه لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه إلى الكاهن و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف و أما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم و إنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء و لبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله لإثبات الحجة و نفي الشبه و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن فإذا قد زاد من كلمات عنده فيختلط الحق بالباطل فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة و اليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا للناس مما يتحدثون به و ما يحدثونه و الشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في العبد من الحوادث من سارق سرق و قاتل قتل و غائب غاب و هم بمنزلة الناس أيضا صدوق و كذوب فقال كيف صعدت الشياطين إلى السماء و هم أمثال الناس في الخلقة و الكثافة و قد كانوا يبنون لسليمان بن داود من البناء ما يعجز عنه ولد آدم قال غلظوا لسليمان كما سخروا و هم خلق رقيق غذاؤهم التنسم و الدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع و لا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو سبب قال فأخبرني عن السحر ما أصله و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه و ما يفعل قال إن السحر على وجوه شتى وجه منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر احتالوا لكل صحة آفة و لكل عافية عاهة و لكل معنى حيلة و نوع منه آخر خطفة و سرعة و مخاريق و خفة و نوع منه ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم قال فمن أين علم الشياطين السحر قال من حيث عرف الأطباء الطب بعضه تجربة و بعضه علاج قال فما تقول في الملكين هاروت و ماروت و ما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر قال إنهما موضع ابتلاء و موقف فتنة تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا أصناف سحر فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يخرج عنهما فيقولان لهم إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم قال أ فيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب و الحمار أو غير ذلك قال هو أعجز من ذلك و أضعف من أن يغير خلق الله إن من أبطل ما ركبه الله و صوره و غيره فهو شريك لله في خلقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهموم و الآفة و الأمراض و لنفى البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته و إن من أكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين و يجلب العداوة على المتصافين و يسفك بها الدماء و يهدم بها الدور و يكشف الستور و النمام أشر من وطئ على الأرض بقدم فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب
إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرئ قال فما بال ولد آدم فيهم شريف و وضيع قال الشريف المطيع و الوضيع العاصي قال أ ليس فيهم فاضل و مفضول قال إنما يتفاضلون بالتقوى قال فتقول إن ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاعلون إلا بالتقوى قال نعم إني وجدت أصل الخلق التراب و الأب آدم و الأم حواء خلقهم إله واحد و هم عبيده إن الله عز و جل اختار من ولد آدم أناسا طهر ميلادهم و طيب أبدانهم و حفظهم في أصلاب الرجال و أرحام النساء أخرج منهم الأنبياء و الرسل فهم أزكى فروع آدم فعل ذلك لا لأمر استحقوه من الله عز و جل و لكن علم الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه و يعبدونه و لا يشركون به شيئا فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة و المنزلة الرفيعة عنده و هؤلاء الذين لهم الشرف و الفضل و الحسب و سائر الناس سواء ألا من اتقى الله أكرمه و من أطاعه أحبه و من أحبه لم يعذبه بالنار قال فأخبرني عن الله عز و جل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين و كان على ذلك قادرا قال ع لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم و لم تكن جنة و لا نار و لكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته و نهاهم عن معصيته و احتج عليهم برسله و قطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون و يستوجبون بطاعتهم له الثواب و بمعصيتهم إياه العقاب قال فالعمل الصالح من العبد هو فعله و العمل الشر من العبد هو فعله قال العمل الصالح العبد يفعله و الله به أمره و العمل الشر العبد يفعله و الله عنه نهاه قال أ ليس فعله بالآلة التي ركبها فيه قال نعم و لكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشر الذي نهاه عنه قال فإلى العبد من الأمر شيء قال ما نهاه الله عن شيء إلا و قد علم أنه يطيق تركه و لا أمره بشيء إلا و قد علم أنه يستطيع فعله لأنه ليس من صفته الجور و العبث و الظلم و تكليف العباد ما لا يطيقون قال فمن خلقه الله كافرا يستطيع الإيمان و له عليه بتركه الإيمان حجة قال ع إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين أمرهم و نهاهم و الكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد و لم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا إنه إنما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله تعالى فعرض عليه الحق فجحده فبإنكار الحق صار كافرا قال فيجوز أن يقدر على العبد الشر و يأمره بالخير و هو لا يستطيع الخير أن يعمله و يعذبه عليه قال إنه لا يليق بعدل الله و رأفته أن يقدر على العبد الشر و يريده منه ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه و الانتزاع عما لا يقدر على تركه ثم يعذبه على تركه أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه قال فبما ذا استحق الذين أغناهم و أوسع عليهم من رزقه الغنى و السعة و بما ذا استحق الفقراء التقتير و الضيق قال اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم و الفقراء إنما منعهم لينظر كيف صبرهم و وجه آخر أنه عجل لقوم في حياتهم و لقوم آخر ليوم حاجتهم إليه و وجه آخر أنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم و لو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا و فسد التدبير و صار أهلها إلى الفناء و لكن جعل بعضهم لبعض عونا و جعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال و أنواع الصناعات و ذلك أدوم في البقاء و أصح في التدبير ثم اختبر الأغنياء باستعطاف الفقراء كل ذلك لطف و رحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره قال فما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع و الأمراض بلا ذنب عمله
و لا جرم سلف منه قال إن المرض على وجوه شتى مرض بلوى و مرض العقوبة و مرض جعل عليه الفناء و أنت تزعم أن ذلك من أغذية رديئة و أشربة وبيئة أو من علة كانت بأمه و تزعم أن من أحسن السياسة لبدنه و أجمل النظر في أحوال نفسه و عرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض و تميل في قولك إلى من يزعم أنه لا يكون المرض و الموت إلا من المطعم و المشرب قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء و أفلاطون رئيس الحكماء و جالينوس شاخ و دق بصره و ما دفع الموت حين نزل بساحته و لم يألوا حفظ نفسهم و النظر لما يوافقها كم من مريض قد زاده المعالج سقما و كم من طبيب عالم و بصير بالأدواء و الأدوية ماهر مات و عاش الجاهل بالطب بعده زمانا فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته و حضور أجله و لا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة و تأخر الأجل ثم قال ع إن أكثر الأطباء قالوا إن علم الطب لم يعرفه الأنبياء فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه و أمناءه في أرضه و خزان علمه و ورثة حكمته و الأدلاء عليه و الدعاة إلى طاعته ثم إني وجدت أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء و يكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك و تعالى فهذا الذي أزهدني في طلبه و حامليه قال فكيف تزهد في قوم و أنت مؤدبهم و كبيرهم قال إني لما رأيت الرجل منهم الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه و تأليف بدنه و تركيب أعضائه و مجرى الأغذية في جوارحه و مخرج نفسه و حركة لسانه و مستقر كلامه و نور بصره و انتشار ذكره و اختلاف شهواته و انسكاب عبراته و مجمع سمعه و موضع عقله و مسكن روحه و مخرج عطسته و هيج غمومه و أسباب سروره و علة ما حدث فيه من بكم و صمم و غير ذلك لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها و علل فيما بينهم جوزوها قال فأخبرني عن الله عز و جل أ له شريك في ملكه أو مضاد له في تدبيره قال لا قال فما هذا الفساد الموجود في هذا العالم من سباع ضارية و هوام مخوفة و خلق كثير مشوهة و دود و بعوض و حيات و عقارب و زعمت أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة لأنه لا يعبث قال أ لست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة و الحصاة و لمن يبول في الفراش و إن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي و إن لحومها إذا أكلها المجذوم لشبت نفعه و تزعم أن الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للأكلة قال نعم قال ع فأما البعوض و البق فبعض سببه أنه جعل أرزاق الطير و أهان بها جبارا تمرد على الله و تجبر و أنكر ربوبيته فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته و عظمته و هي البعوض فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه فقتلته و اعلم أنا لو وقفنا على كل شيء خلقه الله لم خلقه و لأي شيء أنشأه لكنا قد ساويناه في علمه و علمنا كل ما يعلم و استغنينا عنه و كنا و هو في العلم سواء قال فأخبرني هل يعاب شيء من خلق الله و تدبيره قال لا قال فإن الله خلق خلقه غرلا أ ذلك منه حكمة أم عبث قال بل حكمة منه قال غيرتم
خلق الله و جعلتم فعلكم في قطع القلفة أصوب مما خلق الله لها و عبتم الأقلف و الله خلقه و مدحتم الختان و هو فعلكم أم تقولون إن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة قال ع ذلك من الله حكمة و صواب غير أنه سن ذلك و أوجبه على خلقه كما أن المولود إذا خرج من بطن أمه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها و في تركها فساد بين للمولود و الأم و كذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم و كان قادرا يوم دبر خلقة الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول و كذلك الشعر من الشارب و الرأس يطول فيجز و كذلك الثيران خلقها فحولة و إخصاؤها أوفق و ليس في ذلك عيب في تقدير الله تعالى قال أ لست تقول يقول الله ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ و قد نرى المضطر يدعوه فلا يستجاب له و المظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره قال ع ويحك ما يدعوه أحد إلا استجاب له أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه و أما المحق فإنه إذا دعاه استجاب له و صرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه و ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه و إن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرة له إن أعطاه أمسك عنه و المؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أ صواب ذلك أم خطأ و قد يسأل العبد ربه إهلاك من لم ينقطع مدته و يسأل المطر وقتا و لعله أوان لا يصلح فيه المطر لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه و أشباه ذلك كثيرة فافهم هذا قال فأخبرني أيها الحكيم ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد و لا يصعد من الأرض إليها بشر و لا طريق إليها و لا مسلك فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها و ينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية و أنفى للشك و أقوى لليقين و أجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا إليه يصعد الصاعد و من عنده يهبط الهابط قال ع إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء و منها ما يظهر أ ما ترى الشمس منها تطلع و هي نور النهار و فيها قوام الدنيا و لو حبست حار من عليها و هلك و القمر منها يطلع و هو نور الليل و به يعلم عدد السنين و الحساب و الشهور و الأيام و لو حبس لحار من عليها و فسد التدبير و في السماء النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر و البحر و من السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شيء من الزرع و النبات و الأنعام و كل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا و الريح لو حبست أياما لفسدت الأشياء جميعا و تغيرت ثم الغيم و الرعد و البرق و الصواعق كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شيء و من عنده ينزل و قد كلم الله موسى ع و ناجاه و رفع الله عيسى ابن مريم و الملائكة تنزل من عنده غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك و فيما تراه بعينك كفاية أن تفهم و تعقل قال فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام لنسأله عمن مضى منا إلى ما صاروا و كيف حالهم و ما ذا لقوا بعد الموت و أي شيء صنع بهم ليعمل الناس على اليقين اضمحل الشك و ذهب الغل عن القلوب قال إن هذه مقالة من أنكر الرسل و كذبهم و لم يصدق بما به من عند الله إذا أخبروا و قالوا إن الله أخبر في كتابه عز و جل على لسان الأنبياء حال من مات منا أ فيكون أحد أصدق من الله قولا و من رسله و قد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاثمائة عام و تسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم و ليريهم قدرته و ليعلموا أن البعث حق و أمات الله إرميا النبي الذي نظر إلى
خراب بيت المقدس و ما حوله حين غزاهم بختنصر فقال أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثم أحياه و نظر إلى أعضائه كيف تلتئم و كيف تلبس اللحم و إلى مفاصله و عروقه كيف توصل فلما استوى قاعدا قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و أحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم فأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم و تقطعت أوصالهم و صاروا ترابا فبعث الله تعالى في وقت أحب أن يرى خلقه قدرته نبيا يقال له حزقيل فدعاهم فاجتمعت أبدانهم و رجعت فيها أرواحهم و قاموا كهيئة يوم ماتوا لا يفتقدون من أعدادهم رجلا فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا و إن الله أمات قوما خرجوا مع موسى حين توجه إلى الله فقالوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فأماتهم الله ثم أحياهم قال فأخبرني عمن قال بتناسخ الأرواح من أي شيء قالوا ذلك و بأي حجة قاموا على مذاهبهم قال إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين و زينوا لأنفسهم الضلالات و أمرجوا أنفسهم في الشهوات و زعموا أن السماء خاوية ما فيها شيء مما يوصف و أن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين بحجة من روى أن الله عز و جل خلق آدم على صورته و أنه لا جنة و لا نار و لا بعث و لا نشور و القيامة عندهم خروج الروح من قالبه و ولوجه في قالب آخر إن كان محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة الدنيا و إن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا أو هوام مشوهة الخلقة و ليس عليهم صوم و لا صلاة و لا شيء من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليه معرفته و كل شيء من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء و غير ذلك من نكاح الأخوات و البنات و الخالات و ذوات البعولة و كذلك الميتة و الخمر و الدم فاستقبح مقالتهم كل الفرق و لعنهم كل الأمم
فلما سألوا الحجة زاغوا و حادوا فكذب مقالتهم التوراة و لعنهم الفرقان و زعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلى قالب و أن الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم ثم هلم جرا تجري إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق صاحبه و قالوا إن الملائكة من ولد آدم كل من صار في أعلى درجة دينهم خرج من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك فطورا تخالهم نصارى في أشياء و طورا دهرية يقولون إن الأشياء على غير الحقيقة قد كان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان لأن الدواب عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم فلا يجوز أكل لحوم القرابات قال و من زعم أن الله يزل و معه طينة موذية فلم يستطيع التفصي منها إلا بامتزاجه بها و دخوله فيها فمن تلك الطينة خلق الأشياء قال سبحان الله تعالى ما أعجز إلها يوصف بالقدرة لا يستطيع التفصي من الطينة إن كانت الطينة حية أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا و دبر العالم من أنفسهما فإن كان ذلك كذلك فمن أين جاء الموت و الفناء و إن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم و الميت لا يجيء منه حي هذه مقالة الديصانية أشد الزنادقة قولا و أهملهم مثلا نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم و حبروها لهم بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت و لا حجة توجب إثبات ما ادعوا كل ذلك خلافا على الله و على رسله و تكذيبا بما جاءوا به عن الله فأما من زعم أن الأبدان ظلمة و الأرواح نور و أن النور لا يعمل الشر و الظلمة لا تعمل الخير فلا تجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية و لا ركوب حرمة و لا إتيان فاحشة و إن ذلك على الظلمة غير مستنكر لأن ذلك فعلها و لا له أن يدعو ربا و لا يتضرع إليه لأن النور رب و الرب لا يتضرع إلى نفسه و لا يستعيذ بغيره و لا لأحد من أهل المقالة أن يقول أحسنت أو أسأت لأن الإساءة من فعل الظلمة و ذلك فعلها و الإحسان من النور و لا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن و ليس هناك ثالث فكانت الظلمة على قياس قولهم أحكم فعلا و أتقن تدبيرا و أعز أركانا من النور لأن الأبدان محكمة فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة و كل شيء يرى ظاهرا من الزهر و الأشجار و الثمار و الطير و الدواب يجب أن يكون إلها ثم حبست النور في حبسها و الدولة لها و أما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى و ينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل لأنه أسير و ليس له سلطان فلا فعل له و لا تدبير و إن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز فإن لم يكن كذلك و كان أسير الظلمة فإنه يظهر في هذا العالم إحسان و خير مع فساد و شر فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير و تفعله كما تحسن الشر و تفعله فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت و لا ظلمة و بطلت دعواهم و رجع الأمر إلى أن الله واحد و ما سواه باطل فهذه مقالة ماني الزنديق و أصحابه و أما من قال النور و الظلمة بينهما حكم فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم و هذه مقالة المدقونية و الحكاية عنهم تطول
قال فما قصة ماني قال متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية فأخطأ الملتين و لم يصب مذهبا واحدا منهما و زعم أن العالم دبر من إلهين نور و ظلمة و أن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه فكذبته النصارى و قبلته المجوس قال فأخبرني عن المجوس أ بعث الله إليهم نبيا فإني أجد لهم كتبا محكمة و مواعظ بليغة و أمثالا شافية يقرون بالثواب و العقاب و لهم شرائع يعملون بها قال ما مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ و قد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله فأنكروه و جحدوا لكتابه قال و من هو فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان قال ع إن خالدا كان عربيا بدويا ما كان نبيا و إنما ذلك شيء يقوله الناس قال أ فزردشت قال إن زردشت أتاهم بزمزمة و ادعى النبوة فآمن منهم قوم و جحده قوم فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الأرض قال فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم أم العرب قال العرب في الجاهلية كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس و ذلك أن المجوس كفرت بكل الأنبياء و جحدت كتبها و أنكرت براهينها و لم تأخذ بشيء من سننها و آثارها و أن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي و كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة و العرب كانت تغتسل و الاغتسال من خالص شرائع الحنيفية و كانت المجوس لا تختتن و هو من سنن الأنبياء و إن أول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله و كانت المجوس لا تغتسل موتاهم و لا تكفنها و كانت العرب تفعل ذلك و كانت المجوس ترمي الموتى في الصحاري و النواويس و العرب تواريها في قبورها و تلحد لها و كذلك السنة على الرسل إن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر و ألحد له لحد و كانت المجوس تأتي الأمهات و تنكح البنات و الأخوات و حرمت ذلك العرب و أنكرت المجوس بيت الله الحرام و سمته بيت الشيطان و العرب كانت تحجه و تعظمه و يقول بيت ربنا و تقر بالتوراة و الإنجيل و تسأل أهل الكتاب و تأخذ عنهم و كانت العرب في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس قال فإنهم احتجوا بإتيان الأخوات أنها سنة من آدم قال فما حجتهم في إتيان البنات و الأمهات و قد حرم ذلك آدم و نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و سائر الأنبياء ع و كل ما جاء عن الله عز و جل قال فلم حرم الله تعالى الخمر و لا لذة أفضل منها قال حرمها لأنها أم الخبائث أو ليس كل شيء يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه و لا يعرف ربه و لا يترك معصية إلا ركبها و لا حرمة إلا انتهكها و لا رحما ماسة إلا قطعها و لا فاحشة إلا أتاها و السكران زمامه بيد الشيطان إن أمره أن يسجد للأوثان سجد و ينقاد حيث ما قاده قال فلم حرم الدم المسفوح قال لأنه يورث القساوة و يسلب الفؤاد رحمته و يعفن البدن و يغير اللون و أكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم قال فأكل الغدد قال يورث الجذام قال فالميتة لم حرمها قال صلوات
الله عليه فرقا بينها و بين ما يذكر عليه اسم الله و الميتة قد جمد فيها الدم و تراجع إلى بدنها فلحمها ثقيل غير مريء لأنها يؤكل لحمها بدمها قال فالسمك ميتة قال إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه و ذلك أنه ليس له دم و كذلك الجراد قال فلم حرم الزنا قال لما فيه من الفساد و ذهاب المواريث و انقطاع الأنساب لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها و لا المولود يعلم من أبوه و لا أرحام موصولة و لا قرابة معروفة قال فلم حرم اللواط قال من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء و كان فيه قطع النسل و تعطيل الفروج و كان في إجازة ذلك فساد كثير قال فلم حرم إتيان البهيمة قال ع كره أن يضيع الرجل ماءه و يأتي غير شكله و لو أباح ذلك لربط كل رجل أتانا يركب ظهرها و يغشى فرجها فكان يكون في ذلك فساد كثير فأباح ظهورها و حرم عليهم فروجها و خلق للرجال النساء ليأنسوا بهن و يسكنوا إليهن و يكن موضع شهواتهم و أمهات أولادهم قال فما علة الغسل من الجنابة و إن ما أتي حلال و ليس في الحلال تدنيس قال ع إن الجنابة بمنزلة الحيض و ذلك أن النطفة دم و لا تستحكم و لا يكون الجماع إلا بحركة شديدة و شهوة غالبة و إذا فرغ تنفس البدن و وجد الرجل من نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك و غسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله تعالى عليها عبيده ليختبرهم بها قال أيها الحكيم فما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة قال يحتاجون إلى دليل أن هذا العالم الأكبر و العالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك و تدور حيث دارت متعبة لا تفتر و سائرة لا تقف ثم قال و إن كل نجم منها موكل مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال قال فمن قال بالطبائع قال من لم يملك البقاء و لا صرف الحوادث و غيرته الأيام و الليالي لا يرد الهرم و لا يدفع الأجل ما تصنع به قال فأخبرني عمن زعم أن الخلق لم يزل يتناسلون و يتوالدون و يذهب قرن و يجيء قرن تفنيهم الأمراض و الأعراض و صنوف الآفات يخبرك الآخر عن الأول و ينبئك الخلف عن السلف و القرون عن القرون أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر و النبات في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس بصير بتأليف الكلام و يصنف كتابا قد حبره بفطنته و حسنه بحكمته قد جعله حاجزا بين الناس يأمرهم بالخير و يحثهم عليه و ينهاهم عن السوء و الفساد و يزجرهم عنه لئلا يتهاوشوا و لا يقتل بعضهم بعضا قال ع ويحك إن من خرج من بطن أمه أمس و يرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله و لا ما يكون بعده ثم إنه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه أو خلقه غيره أو لم يزل موجودا فما ليس بشيء لا يقدر على أن يخلق شيئا و هو ليس بشيء و كذلك ما لم يكن فيكون شيئا يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه و لو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث لأن الأزلي لا تغيره الأيام و لا يأتي عليه الفناء مع أنا لم نجد بناء من غير بان و لا أثرا من غير مؤثر و لا تأليفا من غير مؤلف فمن زعم أن أباه خلقه قيل فمن خلق أباه و لو أن الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته و صوره على محبته و لملك حياته و لجار فيه حكمه مرض
فلم ينفعه و مات فعجز عن رده إن من استطاع أن يخلق خلقا و ينفخ فيه روحا حتى يمشي على رجليه سويا يقدر أن يدفع عنه الفساد قال فما تقول في علم النجوم قال هو علم قلت منافعه و كثرت مضراته لأنه لا يدفع به المقدور و لا يتقى به المحذور إن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء و إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله و إن حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه قال فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه قال بل الرسول أفضل قال فما علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم و لهم و الله عالم السر و ما هو أخفى قال استعبدهم بذلك و جعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة و عن معصيته أشد انقباضا و كم من عبد يهم بمعصية فيذكر مكانها فارعوى و كف فيقول ربي يراني و حفظتي علي بذلك تشهد و إن الله برأفته و لطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنه مردة الشياطين و هوام الأرض و آفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر الله عز و جل قال فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب قال خلقهم للرحمة و كان في علمه قبل خلقه إياهم أن قوما منهم يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الرديئة و جحدهم به قال يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره فبم يعذب من وحده و عرفه قال يعذب المنكر لإلهيته عذاب الأبد و يعذب المقر به عذابا عقوبة لمعصيته إياه فيما فرض عليه ثم يخرج وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً قال فبين الكفر و الإيمان منزلة قال لا قال فما الإيمان و ما الكفر قال الإيمان أن يصدق الله فيما غاب عنه من عظمة الله لتصديقه بما شاهد من ذلك و عاين و الكفر الجحود قال فما الشرك و ما الشك قال الشرك أن يضم إلى الواحد الذي ليس كمثله شيء آخر و الشك ما لم يعتقد قلبه شيئا قال أ فيكون العالم جاهلا قال عالم بما يعلم و جاهل بما يجهل قال فما السعادة و ما الشقاوة قال السعادة سبب خير تمسك به السعيد فيجره إلى النجاة و الشقاوة سبب خذلان تمسك به الشقي فجره إلى الهلكة و كل بعلم الله تعالى قال أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره قال يذهب فلا يعود قال فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات و فارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفأ قال لم تصب القياس إن النار في الأجسام كامنة و الأجسام قائمة بأعيانها كالحجر و الحديد فإذا ضرب
أحدهما بالآخر سطعت من بينهما نار يقتبس منهما سراج له الضوء فالنار ثابتة في أجسامها و الضوء ذاهب و الروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا و ليس بمنزلة السراج الذي ذكرت إن الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف و ركب فيه ضروبا مختلفة من عروق و عصب و أسنان و شعر و عظام و غير ذلك هو يحييه بعد موته و يعيده بعد فنائه قال فأين الروح قال في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث قال فمن صلب أين روحه قال في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض قال فأخبرني عن الروح أ غير الدم قال نعم الروح على ما وصفت لك مادته من الدم و من الدم رطوبة الجسم و صفاء اللون و حسن الصوت و كثرة الضحك فإذا جمد الدم فارق الروح البدن قال فهل يوصف بخفة و ثقل و وزن قال الروح بمنزلة الريح في الزق إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه و لا ينقصها خروجها منه كذلك الروح ليس لها ثقل و لا وزن قال فأخبرني ما جوهر الريح قال الريح هواء إذا تحرك سمي ريحا فإذا سكن سمي هواء و به قوام الدنيا و لو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شيء على وجه الأرض و نتن و ذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب و تدفع الفساد عن كل شيء و تطيبه فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن و تغير تبارك اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ قال أ فيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق قال بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء و تفنى فلا حس و لا محسوس ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها و ذلك أربعمائة سنة تسبت فيها الخلق و ذلك بين النفختين قال و أنى له بالبعث و البدن قد بلي و الأعضاء قد تفرقت فعضو ببلدة يأكلها سباعها و عضو بأخرى تمزقه هوامها و عضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط قال إن الذي أنشأه من غير شيء و صوره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأه قال أوضح لي ذلك قال إن الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء و فسحة و روح المسيء في ضيق و ظلمة و البدن يسير ترابا منه خلق و ما تقذف به السباع و الهوام من أجوافها مما أكلته و مزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض و يعلم عدد الأشياء و وزنها و إن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء و الزبد من اللبن إذا مخض فيجتمع تراب كل قالب فينقل بإذن القادر إلى حيث الروح فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها و تلج الروح فيها فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا قال أخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة قال بل يحشرون في أكفانهم قال أنى لهم بالأكفان و قد بليت قال إن الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم قال فمن مات بلا كفن قال يستر الله عورته بما شاء من عنده قال فيعرضون صفوفا قال نعم هم يومئذ عشرون و مائة ألف صف في عرض الأرض قال أ و ليس توزن الأعمال قال ع لا إن الأعمال
ليست بأجسام و إنما هي صفة ما عملوا و إنما يحتاج إلى وزن الشيء من جهل عدد الأشياء و لا يعرف ثقلها و خفتها و إن الله لا يخفى عليه شيء قال فما الميزان قال العدل قال فما معناه في كتابه فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ قال فمن رجح عمله قال فأخبرني أ و ليس في النار مقنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات و العقارب قال إنما يعذب بها قوما زعموا أنها ليست من خلقه إنما شريكه الذي يخلقه فيسلط الله تعالى عليهم العقارب و الحيات في النار ليذيقهم بها وبال ما كانوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه قال فمن أين قالوا إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها قال نعم ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتبس منه فلا ينقص من ضوئه شيء و قد امتلأت الدنيا منه سرجا قال أ ليسوا يأكلون و يشربون و تزعم أنه لا تكون لهم الحاجة قال بلى لأن غذاءهم رقيق لا ثفل له بل يخرج من أجسادهم بالعرق قال فكيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها عذراء قال لأنها خلقت من الطيب لا تعتريها عاهة و لا تخالط جسمها آفة و لا يجري في ثقبها شيء و لا يدنسها حيض فالرحم ملتزقة إذ ليس فيه لسوى الإحليل مجرى قال فهي تلبس سبعين حلة و يرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها و بدنها قال نعم كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قيد رمح قال فكيف ينعم أهل الجنة بما فيها من النعيم و ما منهم أحد إلا و قد افتقد ابنه أو أباه أو حميمه أو أمه فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم إلى النار فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار يعذب قال ع إن أهل العلم قالوا إنهم ينسون ذكرهم و قال بعضهم انتظروا قدومهم و رجوا أن يكونوا بين الجنة و النار في أصحاب الأعراف قال فأخبرني عن الشمس أين تغيب قال إن بعض العلماء قالوا إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها يعني أنها تغيب في عين حامئة ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بالطلوع و يسلب نورها كل يوم و يتجلل نور آخر قال فالكرسي أكبر أم العرش قال كل شيء خلقه الله تعالى في جوف الكرسي خلا عرشه فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي قال فخلق النهار قبل الليل قال نعم خلق النهار قبل الليل و الشمس قبل القمر و الأرض قبل السماء و وضع الأرض قبل الحوت و الحوت في الماء و الماء في صخرة مجوفة و الصخرة على عاتق ملك و الملك على الثرى و الثرى على الريح العقيم و الريح على الهواء و الهواء تمسكه القدرة و ليس تحت الريح العقيم إلا الهواء و الظلمات و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق و لا شيء يتوهم ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات و الأرض و الكرسي أكبر من كل شيء خلق ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي
بيان هذا الخبر و إن كان مرسلا لكن أكثر أجزائه أوردها الكليني و الصدوق متفرقة في المواضع المناسبة لها و سياقه شاهد صدق على حقيته. قوله ع إثبات العيان أي كإثبات العيان و المشاهدة قوله ع و أبصرته الإسناد مجازي أو المراد بالأبصار البصائر قوله ع ليس للمحال جواب أي أي ما فرضت من ظهوره تعالى للأبصار محال و من أتى ليس له جواب و في بعض النسخ ليس للمحيل جواب أي لمن أتى بالمحال و في بعضها للمحل أي لا يمكن الجواب عن تلك المسألة على وجه يوافق فهمك لأنك سألت عن قدرة الله على المحال فإن أجبت بأنه محال توهمت أن ذلك من نقص القدرة. قوله ع و القديم لا يكون حديثا أي ما يكون وجوده أزليا لا يكون محدثا معلولا فيكون واجب الوجود بذاته فلا يعتريه التغير و الفناء و قد نسب إلى بعض الحكماء أنه قال المبدع الأول هو مبدع الصور فقط دون الهيولى فإنها لم تزل مع المبدع فأنكر عليه سائر الحكماء و قالوا إن الهيولى لو كانت أزلية قديمة لما قبلت الصور و لما تغيرت من حال إلى حال و لما قبلت فعل غيرها إذ الأزلي لا يتغير. قوله ع فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة لعل هذا الكلام مبني على ما زعموا من أن كل حادث لا بد له من منشإ و مبدإ يشاكله و يناسبه في الذات و الصفات فألزمه ع ما يعتقده أو المراد أن الاحتياج إلى المادة إن كان لعجز الصانع تعالى عن إحداث شيء لم يكن فلا بد من وجود الأشياء بصفاتها في المادة حتى يخرجها منها و هذا محال لاستلزامه كون المادة ذات حقائق متباينة و اتصافها بصفات متضادة و إن قلتم إنها مشتملة على بعضها فقد حكمتم بإحداث بعضها من غير مادة فليكن الجميع كذلك و إن قلتم إن جوهر المادة يتبدل جوهرا آخر و أعراضها أعراضا آخر فقد حكمتم بفناء ما هو أزلي و هذا محال كما مر و بحدوث شيء آخر من غير شيء و هذا مستلزم للمطلوب. و أما ما ذكره ع في الحياة و الموت فيرجع إلى ما ذكرنا و ملخصه أنه لا يخلو إما أن تكون مادة الكل حيا بذاته أو ميتا بذاته أو تكون الأشياء من أصلين أحدهما حي بذاته و الآخر ميت بذاته و هذا أيضا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون كل شيء مأخوذا من كل من الحي و الميت و الثاني أن يكون الحي مأخوذا من الحي و الميت مأخوذا من الميت فأبطل ع الأول بأنه لو حصل الميت بذاته عن الحي بذاته يلزم زوال الحياة الأزلية عن هذا الجزء من المادة و قد مر امتناعه أو تبدل الحقيقة التي يحكم العقل بديهة بامتناعه و لو قيل بإعدام الحي و إنشاء الميت فيلزم المفسدة الأولى مع الإقرار بالمدعى و هو حدوث الشيء لا من شيء و بهذا يبطل الثاني و كذا الثالث لأن الجزء الحي من المادة يجري فيه ما سبق إذا حصل منه ميت و أشار إليه بقوله لأن الحي لا يجيء منه ميت و أشار إلى الرابع بقوله و لا يجوز أن يكون الميت قديما و به يبطل الثاني و الثالث أيضا و تقريره أن الأزلي لا بد أن يكون واجب الوجود بذاته كاملا بذاته لشهادة العقول بأن الاحتياج و النقص من شواهد الإمكان المحوج إلى المؤثر و الموجد فلا يكون الأزلي ميتا. قوله ع و اضطرار النفس عطف على دوران الفلك قوله أ مختلف هو أم مؤتلف أي أ هو مركب من أجزاء مختلفة الحقيقة أم من أجزاء متفقة الحقيقة فأجاب ع بنفيهما. قوله ع فلا يكون دار عمل دار جزاء أي لا يصلح كون دار العمل دار جزاء لأن الاختيار و التكليف يقتضي كون دار العمل مشوبا بالراحة و الآلام و الصحة و الأسقام و لا تكون ذات نعم خالصة ليصلح لكونها محل جزاء للمطيعين و لا يكون عقوباتها خالصة و إلا لزم الإلجاء و ينافي التكليف فلا يصلح كونها دار عقاب للعاصين و الكافرين. قوله ع إنه بمنزلة الطب أي إن الله تعالى كما جعل لبعض الأدوية المضرة تأثيرا في البدن ثم جعل في بعض الأدوية ما يدفع ضرر تلك الأدوية فكذلك جعل لبعض
الأعمال تأثيرا في أبدان الخلق و عقولهم فهذا هو السحر و أجرى على لسان الأنبياء و الأوصياء آيات و أدعية و أسماء و أعمالا تدفع ضرر ذلك عنهم فالمراد بقوله فجاء الطبيب أي العالم بما يدفع السحر بالآيات و الأدعية و يحتمل أن يكون بعض أنواع السحر يدفع بعمل الطب أيضا. قوله ع إن المرض على وجوه شتى لعله ع جعل مرض الأطفال من القسم الأول لأنه ابتلاء للأبوين لينظر كيف صبرهم و شكرهم و الحاصل أنه ع أبطل ما توهمه السائل و بنى عليه كلامه من أن المرض لا يكون إلا عقوبة لذنب قوله ع و أشربة وبية أي مورثة للوباء و هو الطاعون و أصله الهمز قوله شاخ أي صار شيخا و دق بصره أي ضعف أو على بناء المجهول أي عمي قوله ع و لم يألوا أي و لم يقصروا. قوله ع غرلا هو جميع الأغرل بمعنى الأقلف الذي لم يختتن و يقال مرجت الدابة أمرجها بالضم مرجا إذا أرسلتها ترعى و قال قوم فعل و أفعل فيه بمعنى. قوله ع أكثر من معرفة من تجب عليه معرفته أي الطبيعة التي يقولون إنها الصانع أو الدهر و يحتمل أن يكون هذا بيان مذاهب جماعة منهم يقولون بالصانع و أنه حل في الأجسام كما يدل عليه ما ذكره آخرا. قوله ع على غير الحقيقة أي بغير صانع و مدبر لأن ما جعلوه صانعا فهو ليس بصانع حقيقة و أما شباهتهم بالنصارى فمن جهة قولهم بالحلول و إن الأرواح بعد كمالها تتصل بالأجرام الفلكية قوله لم يزل و معه طينة موذية قال صاحب الملل و النحل الديصانية أصحاب ديصان أثبتوا أصلين نورا و ظلاما فالنور يفعل الخير قصدا و اختيارا و الظلام يفعل الشر طبعا و اضطرارا فما كان من خير و نفع و طيب و حسن فمن النور و ما كان من شر و ضر و نتن و قبح فمن الظلام و اختلفوا في المزاج و الخلاص فزعم بعضهم أن النور داخل الظلمة و الظلمة تلقاه بخشونة و غلظ فتأذى بها و أحب أن يرققها و يلينها ثم يتخلص منها و ليس ذلك لاختلاف جسمها و لكن كما أن المنشار جنسه حديد و صفيحته لينة و أسنانه خشنة فاللين في النور و الخشونة في الظلمة و هما جنس واحد فتلطف للنور بلينة حتى يدخل تلك الفرج فما أمكنه إلا بتلك الخشونة فلا يتصور الوصول إلى كمال و وجود إلا بلين و خشونة. و قال بعضهم بل الظلام احتال حتى تشبث بالنور من أسفل صفيحته فاجتهد النور حتى يتخلص منه و يدفعها عن نفسه فاعتمد عليه فلحج فيه و ذلك بمنزلة الإنسان الذي يريد الخروج من حل وقع فيه فيعتمد على رجله ليخرج فيزداد ولوجا فيه فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه و التفرد بعالمه. و قال بعضهم إن النور إنما دخل الظلام اختيارا ليصلحها و يستخرج منها أجزاء صالحة لعالمه فلما دخل تشبث به زمانا فصار يفعل الجور و القبيح اضطرارا لا اختيارا و لو انفرد في عالمه ما كان يحصل منه إلا الخير المحض و الحسن البحت و فرق بين الفعل الضروري و بين الفعل الاختياري انتهى.
و قد مر منا القول في بيان اختلاف مذهبهم و تطبيق الخبر عليها في كتاب التوحيد. قوله ع أتاهم بزمزمة الزمزمة الصوت البعيد له دوي و المراد أنه أتاهم بكلام غير مفهوم بعيد عن الأذهان مباين للحق قوله ع فرقا بينهما لما كانت الميتة نوعين إحداهما ما أخل فيها بأصل الذبح و الثانية ما أخل فيها بشرائط الذبح فأشار ع إلى الثانية بقوله فرقا بينها و الحاصل أن الحكمة فيه غرض يتعلق بأديان الناس لا بأبدانهم و أشار إلى الأولى بقوله و الميتة قد جمد فيها الدم و تنفس البدن كناية عن العرق. قوله ع إن من خرج من بطن أمه أمس حاصله أن الأنبياء يخبرون الناس بما كان و ما يكون فلو كان كما زعمه السائل أنى لهم علم ذلك قوله فما ليس بشيء لا يقدر على أن يخلق شيئا و هو ليس بشيء هذا إبطال للشق الأول و هو أن يكون خلق نفسه و هو مبني على ما يحكم به العقل من تقدم العلة على المعلول بالوجود و لما كان الشق الثاني متضمنا لما هو المطلوب و هو كون الصانع سوى هذه الممكنات الحادثة و لما هو غير المطلوب و هو كون صانعه مثله في الحدوث أبطل هذا بقوله و كذلك ما لم يكن فيكون أي لا يمكن أن يكون صانعه شيئا لم يكن فوجد و هو بحيث إذا سئل لا يعلم كيف ابتدأ نفسه لأن الممكن الذي اكتسب الوجود من غيره و هو في معرض الزوال لا يتأتى منه إيجاد غيره. و يحتمل أن يكون ضمير ابتداؤه راجعا إلى المعلول أي كيف يكون إنسان موجدا لإنسان آخر مع أنه إذا سئل لا يعلم كيف كان ابتداء خلق هذا الآخر و يحتمل أن يكون على الوجه الأول دليلا آخر على إبطال الشق الأول أي لا يكون الإنسان موجدا لنفسه و إلا لكان يعلم ابتداء خلقه و قوله مع أنا لم نجد دليل آخر على إبطال ما سبق مبنيا على ما يحكم به العقل من أن التركيب و التأليف يوجب الاحتياج إلى المؤثر. ثم قال فلو قيل إن خالق الابن هو الأب ننقل الكلام إلى الأب حتى ينتهي إلى صانع غير مؤلف و لا مركب لا يحتاج إلى صانع آخر و إنما خص الأب لأنه أقرب الممكنات إليه ثم أبطل كون الأب خالقا بوجه آخر و هو أنه لو كان خالقا لابنه لخلقه على ما يريده و يشتهيه و لملك حياته و بقاءه إلى آخر ما ذكره ع. قوله يعذب المنكر لإلهيته منكر كل من أصول الدين داخل في ذلك قوله ع إن النار في الأجسام كامنة ظاهره يدل على مذهب الكمون و البروز و يمكن أن يكون المراد أنها جزء للمركبات أو لما كان من ملاقاة الأجسام يحصل النار حكم بكمونها فيها مجازا و حاصل ما ذكره ع من الفرق أن ما يعدم عند انطفاء السراج هو الضوء و أما جسم النار فهو يستحيل هواء و لا ينعدم و الروح ليس بعرض مثل الضوء حتى ينعدم بتغير محله و لا يعود بل هو جسم باق بعد انفصاله عن البدن حتى يعود إليه ثم أزال ع استبعاده إعادة البدن و إعادة الروح إليه بقوله إن الذي خلق في الرحم. قوله ع فتربو الأرض أي ترتفع و ظاهر الخبر انعدام الصور ثم عودها بعد فنائها و بقاء مواد الأبدان. قوله ع لا ينكر من نفسه شيئا أي يعرف أجزاء بدنه كما كان لم يتغير شيء منها قوله ع قيد رمح بالكسر أي قدره. قوله و قال بعضهم انتظروا لعل في هذه التبهيم مصلحة و أحدهما قول المعصوم و الآخر قول غيره و يحتمل أن يكون بعضهم ينسون و بعضهم ينتظرون و كل معصوم ذكر حال بعضهم. قوله ع ثم تخرق الأرض أي تذهب تحتها قوله و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق أي سوى السماوات أي ليس بين تلك الفضاء المظلم و بين السماء شيء و الله يعلم
3- يد، ]التوحيد[ الدقاق عن أبي القاسم العلوي عن البرمكي عن الحسين بن الحسن عن إبراهيم بن هاشم القمي عن العباس بن عمرو الفقيمي عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله ع فكان من قول أبي عبد الله ع له لا يخلو قولك إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا و الآخر ضعيفا فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهم صاحبه و ينفرد بالتدبير و إن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني و إن قلت إنهما اثنان لم يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظما و الفلك جاريا و اختلاف الليل و النهار و الشمس و القمر دل صحة الأمر و التدبير و ائتلاف الأمر على أن المدبر واحد ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فلا بد من فرجة بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما فليزمك ثلاثة و إن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتى يكون بينهما فرجتان فيكون خمسة ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في الكثرة قال هشام فكان من سؤال الزنديق أن قال فما الدليل عليه قال أبو عبد الله ع وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها أ لا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا و إن كنت لم تر الباني و لم تشاهده قال فما هو قال هو شيء بخلاف الأشياء أرجع بقولي شيء إلى إثبات معنى و أنه شيء بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم و لا صورة و لا يحس و لا يجس و لا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام و لا تنقصه الدهور و لا يغيره الزمان قال السائل فتقول إنه سميع بصير قال هو سميع بصير سميع بغير جارحة و بصير بغير آلة بل يسمع بنفسه و يبصر بنفسه ليس قولي إنه يسمع بنفسه و يبصر بنفسه أنه شيء و النفس شيء آخر و لكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسئولا و إفهاما لك إذ كنت سائلا و أقول يسمع بكله لا أن الكل منه له بعض و لكني أردت إفهامك و التعبير عن نفسي و ليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات و لا اختلاف المعنى قال السائل فما هو قال أبو عبد الله ع هو الرب و هو المعبود و هو الله و ليس قولي الله إثبات هذه الحروف ألف لام لاه و لكني أرجع إلى معنى هو شيء خالق الأشياء و صانعها وقعت عليه هذه الحروف و هو المعنى الذي يسمى به الله و الرحمن و الرحيم و العزيز و أشباه ذلك من أسمائه و هو المعبود جل و عز قال السائل فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا قال أبو عبد الله ع لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم و لكنا نقول كل موهوم بالحواس مدرك فما تحده الحواس و تمثله فهو مخلوق و لا بد من إثبات صانع للأشياء خارج من الجهتين المذمومتين إحداهما النفي إذ كان النفي هو الإبطال و العدم و الجهة الثانية التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين و الاضطرار منهم إليه ثبت أنهم مصنوعون و أن صانعهم غيرهم و ليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب و التأليف و فيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا و تنقلهم من صغر إلى كبر و سواد إلى بياض و قوة إلى ضعف و أحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها و وجودها قال السائل فقد حددته إذ أثبت وجوده قال أبو عبد الله ع لم أحدده و لكن أثبته إذ لم يكن بين الإثبات و النفي منزلة قال السائل فله إنية و مائية قال نعم لا يثبت الشيء إلا بإنية و مائية قال السائل فله كيفية قال لا لأن الكيفية جهة الصفة و الإحاطة
و لكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل و التشبيه لأن من نفاه أنكره و دفع ربوبيته و أبطله و من شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية و لكن لا بد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره لا يشارك فيها و لا يحاط بها و لا يعلمها غيره قال السائل فيعاني الأشياء بنفسه قال أبو عبد الله ع هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة و معالجة لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجيء الأشياء إليه إلا بالمباشرة و المعالجة و هو تعالى نافذ الإرادة و المشية فعال لما يشاء قال السائل فله رضا و سخط قال أبو عبد الله ع نعم و ليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين و ذلك أن الرضا و السخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال و ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين و هو تبارك و تعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شيء مما خلق و خلقه جميعا محتاجون إليه و إنما خلق الأشياء من غير حاجة و لا سبب اختراعا و ابتداعا قال السائل فقوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى قال أبو عبد الله ع بذلك وصف نفسه و كذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له و لا أن يكون العرش حاويا له و لا أن العرش محتاز له و لكنا نقول هو حامل العرش و ممسك العرش و نقول من ذلك ما قال وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته و نفينا أن يكون العرش أو الكرسي حاويا له و أن يكون عز و جل محتاجا إلى مكان أو إلى شيء مما خلق بل خلقه محتاجون إليه قال السائل فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء و بين أن تخفضوها نحو الأرض قال أبو عبد الله ع ذلك في علمه و إحاطته و قدرته سواء و لكنه عز و جل أمر أولياءه و عباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق فثبتنا ما ثبته القرآن و الأخبار عن الرسول ص حين قال ارفعوا أيديكم إلى الله عز و جل و هذا يجمع عليه فرق الأمة كلها قال السائل فمن أين أثبت أنبياء و رسلا قال أبو عبد الله ع إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ما خلق و كان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه و لا يلامسوه و لا يباشرهم و لا يباشروه و يحاجهم و يحاجوه فثبت أن له سفراء في خلقه و عباده يدلونهم على مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه و ثبت عند ذلك أن له معبرين و هم الأنبياء و صفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة و الدلائل و البراهين و الشواهد من إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص فلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول و وجوب عدالته
أقول في بعض نسخ التوحيد بعد قوله فرق الأمة كلها زيادة قال السائل فتقول إنه ينزل إلى السماء الدنيا قال أبو عبد الله ع نقول ذلك لأن الروايات قد صحت به و الأخبار. قال السائل و إذا نزل أنيس قد حال عن العرش و حئوله عن العرش انتقال قال أبو عبد الله ع ليس ذلك على ما يوجد من المخلوق الذي ينتقل باختلاف الحال عليه و الملالة و السآمة و ناقل ينقله و يحوله من حال إلى حال بل هو تبارك و تعالى لا يحدث عليه الحال و لا يجري عليه الحدوث فلا يكون نزوله كنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان خلا منه المكان الأولى و لكنه ينزل إلى سماء الدنيا بغير معاناة و لا حركة فيكون هو كما في السماء السابعة على العرش كذلك هو في سماء الدنيا إنما يكشف عن عظمته و يري أولياءه نفسه حيث شاء و يكشف ما شاء من قدرته و منظره في القرب و البعد سواء. أقول و في تلك النسخة التي فيها تلك الزيادة زيادة أخرى بعد تمام الخبر و هي هذه قال مصنف هذا الكتاب قوله ع إنه على العرش ليس بمعنى التمكن فيه و لكنه بمعنى التعالي عليه بالقدرة يقال فلان على خير و استعانه على عمل كذا و كذا ليس بمعنى التمكن فيه و الاستقرار عليه و لكن ذلك بمعنى التمكن منه و القدرة عليه. و قوله في النزول ليس في بمعنى الانتقال و قطع المسافات و لكنه على معنى إنزال الأمر منه إلى سماء الدنيا لأن العرش هو المكان الذي ينتهى إليه بأعمال العباد من السدرة المنتهى إليه و قد يجعل الله عز و جل السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل و في ليالي الجمعة مسافة الأعمال في ارتفاعها أقرب منها في سائر الأوقات إلى العرش. و قوله يري أولياءه نفسه فإنه يعني بإظهار بدائع فطرته فقد جرت العادة بأن يقال للسلطان إذا أظهر قوة و قدرة و خيلا و رجلا قد أظهر نفسه و على ذلك دل الكلام و مجاز اللفظ انتهى. أقول قد مضى تفاسير أجزاء الخبر في كتاب التوحيد و هذا الخبر جزء من الخبر السابق أيضا فلا تغفل 4- من كتاب الغرر، للسيد المرتضى رضي الله عنه، قيل إن الجعد بن درهم جعل في قارورة ماء و ترابا فاستحال دودا و هواما فقال لأصحابه أنا خلقت ذلك لأني كنت سبب كونه فبلغ ذلك جعفر بن محمد ع فقال ليقل كم هي و كم الذكران منه و الإناث إن كان خلقه و كم وزن كل واحد منهن و ليأمر الذي سعى إلى هذا الوجه أن يرجع إلى غيره فانقطع و هرب
5- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ يونس في حديثه قال سأل ابن أبي العوجاء أبا عبد الله ع لما اختلفت منيات الناس فمات بعضهم بالبطن و بعضهم بالسل فقال ع لو كانت العلة واحدة أمن الناس حتى تجيء تلك العلة بعينها فأحب الله أن لا يؤمن على حال قال و لم يميل القلب إلى الخضرة أكثر مما يميل إلى غيرها قال من قبل أن الله تعالى خلق القلب أخضر و من شأن الشيء أن يميل إلى شكله
و يروى أنه لما جاء إلى أبي عبد الله ع قال له ما اسمك فلم يجبه و أقبل ع على غيره فانكفأ راجعا إلى أصحابه فقالوا ما وراءك قال شر ابتدأني فسألني عن اسمي فإن كنت قلت عبد الكريم فيقول من هذا الكريم الذي أنت عبده فإما أقر بمليك و إما أظهر مني ما أكتم فقالوا انصرف عنه فلما انصرف قال ع و أقبل ابن أبي العوجاء إلى أصحابه محجوجا قد ظهر عليه ذلة الغلبة فقال من قال منهم إن هذه للحجة الدامغة صدق و إن لم يكن خير يرجى و لا شر يتقى فالناس شرع سواء و إن يكن منقلب إلى ثواب و عقاب فقد هلكنا فقال ابن أبي العوجاء لأصحابه أ و ليس بابن الذي نكل بالخلق و أمر بالحلق و شوه عوراتهم و فرق أموالهم و حرم نساءهم
بيان لعل الخضرة في القلب كناية عن كونه مأمورا بالعلم و الحكمة و محلا لإزهار المعرفة و قد مر في كتاب التوحيد أن الخضرة صورة و مثال للمعرفة
6- فس، ]تفسير القمي[ روي أنه لما سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول فقال أخبرني عن قول الله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً و قال تعالى في آخر السورة وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فبين القولين فرق فقال أبو جعفر الأحول فلم يكن في ذلك عندي جواب فقدمت المدينة فدخلت على أبي عبد الله ع فسألته عن الآيتين فقال أما قوله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً فإنما عنى في النفقة و قوله وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فإنما عنى في المودة فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة فرجع أبو جعفر الأحول إلى الرجل فأخبره فقال هذا حملته من الحجاز
-7 كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار قال قال أبو عبد الله ع لأبي حنيفة يا أبا حنيفة ما تقول في بيت سقط على قوم و بقي منهم صبيان أحدهما حر و الآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من المملوك فقال أبو حنيفة يعتق نصف هذا و يعتق نصف هذا و يقسم المال بينهما فقال أبو عبد الله ع ليس كذلك و لكنه يقرع فمن أصابته القرعة فهو الحر و يعتق هذا فيجعل مولى له
8- ختص، ]الإختصاص[ محمد بن عبيد عن حماد عن محمد بن مسلم قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله ع فقال إني رأيت ابنك موسى يصلي و الناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم و فيه ما فيه فقال أبو عبد الله ع ادع فلما جاءه قال يا بني إن أبا حنيفة يذكر أنك تصلي و الناس يمرون بين يديك فلا تنهاهم قال نعم يا أبة إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم يقول الله تعالى وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ قال فضمه أبو عبد الله ع إلى نفسه و قال بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار فقال أبو عبد الله ع يا أبا حنيفة القتل عندكم أشد أم الزنا فقال بل القتل قال فكيف أمر الله تعالى في القتل بالشاهدين و في الزنا بأربعة كيف يدرك هذا بالقياس يا أبا حنيفة ترك الصلاة أشد أم ترك الصيام فقال بل ترك الصلاة قال فكيف تقضي المرأة صيامها و لا تقضي صلاتها كيف يدرك هذا بالقياس ويحك يا أبا حنيفة النساء أضعف عن المكاسب أم الرجال فقال بل النساء قال فكيف جعل الله تعالى للمرأة سهما و للرجل سهمين كيف يدرك هذا بالقياس يا أبا حنيفة الغائط أقذر أم المني قال بل الغائط قال فكيف يستنجى من الغائط و يغتسل من المني كيف يدرك هذا بالقياس تقول سأنزل مثل ما أنزل الله قال أعوذ بالله أن أقوله قال بلى تقوله أنت و أصحابك من حيث لا تعلمون قال أبو حنيفة جعلت فداك حدثني بحديث أرويه عنك قال حدثني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن جده الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين قال قال رسول الله ص إن الله أخذ ميثاق أهل البيت من أعلى عليين و أخذ طينة شيعتنا منه و لو جهد أهل السماء و أهل الأرض أن يغيروا من ذلك شيئا ما استطاعوه قال فبكى أبو حنيفة بكاء شديدا و بكى أصحابه ثم خرج و خرجوا
-9 ع، ]علل الشرائع[ ل، ]الخصال[ الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي عن عباد بن صهيب عن أبيه عن جده عن الربيع صاحب المنصور قال حضر أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع مجلس المنصور يوما و عنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب فجعل أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمد ع ينصت لقراءته فلما فرغ الهندي قال له يا أبا عبد الله أ تريد مما معي شيئا قال لا فإن ما معي خير مما معك قال و ما هو قال أداوي الحار بالبارد و البارد بالحار و الرطب باليابس و اليابس بالرطب و أرد الأمر كله إلى الله عز و جل و أستعمل ما قاله رسول الله ص و اعلم أن المعدة بيت الداء و الحمية هي الدواء و أعود البدن ما اعتاد فقال الهندي و هل الطب إلا هذا فقال الصادق ع أ فتراني عن كتب الطب أخذت قال نعم قال لا و الله ما أخذت إلا عن الله سبحانه فأخبرني أنا أعلم بالطب أم أنت فقال الهندي لا بل أنا قال الصادق ع فأسألك شيئا قال سل قال أخبرني يا هندي كم كان في الرأس شئون قال لا أعلم قال فلم جعل الشعر عليه من فوقه قال لا أعلم قال فلم خلت الجبهة من الشعر قال لا أعلم قال فلم كان لها تخطيط و أسارير قال لا أعلم قال فلم كان الحاجبان من فوق العينين قال لا أعلم قال فلم جعلت العينان كاللوزتين قال لا أعلم قال فلم جعل الأنف فيما بينهما قال لا أعلم قال فلم كان ثقب الأنف في أسفله قال لا أعلم قال فلم جعلت الشفة و الشارب من فوق الفم قال لا أعلم قال فلم احتد السن و عرض الضرس و طال الناب قال لا أعلم قال فلم جعلت اللحية للرجال قال لا أعلم قال فلم خلت الكفان من الشعر قال لا أعلم قال فلم خلا الظفر و الشعر من الحياة قال لا أعلم قال فلم كان القلب كحب الصنوبر قال لا أعلم قال فلم كانت الرئة قطعتين و جعل حركتها في موضعها قال لا أعلم قال فلم كانت الكبد حدباء قال لا أعلم
قال فلم كانت الكلية كحب اللوبيا قال لا أعلم قال فلم جعل طي الركبتين إلى خلف قال لا أعلم قال فلم تخصرت القدم قال لا أعلم فقال الصادق ع لكني أعلم قال فأجب قال الصادق ع كان في الرأس شئون لأن المجوف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع فإذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد و جعل الشعر من فوقه لتوصل بوصله الأدهان إلى الدماغ و يخرج بأطرافه البخار منه و يرد الحر و البرد الواردين عليه و خلت الجبهة من الشعر لأنها مصب النور إلى العينين و جعل فيها التخطيط و الأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه الإنسان عن نفسه كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه و جعل الحاجبان من فوق العينان ليراد عليهما من النور قدر الكفاف أ لا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليهما قدر كفايتها منه و جعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين إلى كل عين سواء و كانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء و يخرج منها الداء و لو كانت مربعة أو مدورة ما جرى فيها الميل و ما صار إليها دواء و لا خرج منها داء و جعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ و يصعد فيه الأراييح إلى المشام و لو كان في أعلاه لما أنزل داء و لا وجد رائحة و جعل الشارب و الشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلا يتنغص على الإنسان طعامه و شرابه فيميطه عن نفسه و جعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف في المنظر و يعلم بها الذكر من الأنثى و جعل السن حادا لأن به يقع العض و جعل الضرس عريضا لأن به يقع الطحن و المضغ و كان الناب طويلا ليسند الأضراس و الأسنان كالأسطوانة في البناء و خلا الكفان من الشعر لأن بهما يقع اللمس فلو كان فيهما شعر ما درى الإنسان ما يقابله و يلمسه و خلا الشعر و الظفر من الحياة لأن طولهما سمج و قصهما حسن فلو كان فيهما حياة لألم الإنسان لقصهما و كان القلب كحب الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرئة فتروح عنه ببردها لئلا يشيط الدماغ بحره و جعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها فيتروح عنه بحركتها و كانت الكبد حدباء لتثقل المعدة و يقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار و جعلت الكلية كحب اللوبيا لأن عليها مصب المني نقطة بعد نقطة فلو كانت مربعة أو مدورة أحبست النقطة الأولى إلى الثانية فلا يلتذ بخروجها الحي إذ المني ينزل من فقار الظهر إلى الكلية فهي كالدودة تنقبض و تنبسط ترميه أولا فأولا إلى المثانة كالبندقة من القوس و جعل طي الركبة إلى خلف لأن الإنسان يمشي إلى ما بين يديه فيعتدل الحركات و لو لا ذلك لسقط في المشي و جعلت القدم مخصرة لأن الشيء إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقل حجر الرحى فإذا كان على حرفه دفعه الصبي و إذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل فقال الهندي من أين لك هذا العالم فقال ع أخذته عن آبائي ع عن رسول الله ص عن جبرئيل عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق الأجساد و الأرواح فقال الهندي صدقت و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و عبده و أنك أعلم أهل زمانك
بيان قال ابن سينا في التشريح أما الجمجمة فهي من سبعة أعظم أربعة كالجدران و واحد كالقاعدة و الباقيات يتألف منها القحف و بعضها موصول إلى بعض بدروز يقال لها الشئون و قال الجوهري السرر واحد أسرار الكف و الجبهة و هي خطوطها و جمع الجمع أسارير و قال رجل مخصر القدمين إذا كانت قدمه تمس الأرض من مقدمها و عقبها و تخوى أخمصها مع دقة فيه. قوله بوصوله أي بسبب وصول الشعر إلى الدماغ تصل إليه الأدهان و لعله كان بدله بأصوله لمقابلة قوله بأطرافه. قوله في المنظر متعلق بقوله يستغني أي ليستغني في النظر بسبب اللحية عن كشف العورة لاستعلام كونه ذكرا أو أنثى. قوله ع ليسند الأضراس و الأسنان لعل ذلك لكونه طويلا يمنع وقوع الأسنان بعضها على بعض في بعض الأحوال كما أن الأسطوانة تمنع وقوع السقف أو لكونه أقوى و أثبت من سائر الأسنان فيحفظ سائرها بالالتصاق به كما يجعل بين الأسطوانتين المثبتتين في الأرض أخشاب دقاق فتمسكانها و قال الجوهري شاط السمن إذا نضج حتى يحترق. قوله لأن الإنسان يمشي إلى ما بين يديه لعل المعنى أن الإنسان يميل في المشي إلى قدامه بأعالي بدنه و إنما ينحني أعاليه إلى هذه الجهة كحالة الركوع مثلا فلو كان طي الركبة من قدامه أيضا لكان يقع على وجهه فجعلت الأعالي مائلة إلى القدام و الأسافل مائلة إلى الخلف لتعتدل الحركات فلا يقع في المشي و لا في الركوع و أمثالهما فقوله يمشي إلى ما بين يديه أي مائلا إلى ما بين يديه و سيأتي مزيد توضيح لهذا الخبر في كتاب السماء و العالم إن شاء الله تعالى
10- كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ روى الشيخ المفيد قدس الله روحه بإسناده إلى محمد بن السائب الكلبي قال لما قدم الصادق ع العراق نزل الحيرة فدخل عليه أبو حنيفة و سأله عن مسائل و كان مما سأله أن قال له جعلت فداك ما الأمر بالمعروف فقال ع المعروف يا أبا حنيفة المعروف في أهل السماء المعروف في أهل الأرض و ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع قال جعلت فداك فما المنكر قال اللذان ظلماه حقه و ابتزاه أمره و حملا الناس على كتفه قال ألا ما هو أن ترى الرجل على معاصي الله فتنهاه عنها فقال أبو عبد الله ع ليس ذاك أمر بمعروف و لا نهي عن منكر إنما ذلك خير قدمه قال أبو حنيفة أخبرني جعلت فداك عن قول الله عز و جل ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ قال فما هو عندك يا أبا حنيفة قال الأمن في السرب و صحة البدن و القوت الحاضر فقال يا أبا حنيفة لئن وقفك الله أو أوقفك يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها و شربة شربتها ليطولن وقوفك قال فما النعيم جعلت فداك قال النعيم نحن الذين أنقذ الله الناس بنا من الضلالة و بصرهم بنا من العمى و علمهم بنا من الجهل قال جعلت فداك فكيف كان القرآن جديدا أبدا قال لأنه لم يجعل لزمان دون زمان فتخلقه الأيام و لو كان كذلك لفني القرآن قبل فناء العالم
11- شا، ]الإرشاد[ جعفر بن محمد بن قولويه عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن العباس بن عمرو الفقيمي أن ابن أبي العوجاء و ابن طالوت و ابن الأعمى و ابن المقفع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام و أبو عبد الله جعفر بن محمد ع فيه إذ ذلك يفتي الناس و يفسر لهم القرآن و يجيب عن المسائل بالحجج و البينات فقال القوم لابن أبي العوجاء هل لك في تغليط هذا الجالس و سؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به و يفسر لهم القرآن و يجيب عن المسائل به و هو علامة زمانه فقال لهم ابن أبي العوجاء نعم ثم تقدم ففرق الناس و قال أبا عبد الله إن المجالس أمانات و لا بد لكل من كان به سعال أن يسعل فتأذن لي في السؤال فقال أبو عبد الله ع سل إن شئت فقال ابن أبي العوجاء إلى كم تدوسون هذا البيدر و تلوذون بهذا الحجر و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر و تهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر من فكر في هذا و قدر علم أنه فعل غير حكيم و لا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الأمر و سنامه و أبوك أسه و نظامه فقال له الصادق ع إن من أضله الله و أعمى قلبه استوخم الحق و لم يستعذبه و صار الشيطان وليه و ربه و يورده موارد الهلكة و لا يصدره و هذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه و زيارته و جعله قبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه و طريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال و مجمع العظمة و الجلال خلقه الله تعالى قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع فيما أمر و انتهى عما زجر الله المنشئ للأرواح و الصور فقال له ابن أبي العوجاء ذكرت أبا عبد الله فأحلت على غائب فقال الصادق ع كيف يكون يا ويلك غائبا من هو مع خلقه شاهد و إليهم أقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم و يعلم أسرارهم لا يخلو منه مكان و لا يشغل به مكان و لا يكون من مكان أقرب من مكان يشهد له بذلك آثاره و يدل عليه أفعاله و الذي بعثه بالآيات المحكمة و البراهين الواضحة محمد ص جاءنا بهذه العبادة فإن شككت في شيء من أمره فسل عنه أوضحه لك قال فأبلس ابن أبي العوجاء و لم يدر ما يقول و انصرف من بين يديه فقال لأصحابه سألتكم أن تلتمسوا لي جمرة فألقيتموني على جمرة فقالوا اسكت فو الله لقد فضحتنا بحيرتك و انقطاعك و ما رأينا أحقر منك اليوم في مجلسه فقال أ بي تقولون هذا إنه ابن من حلق رءوس من ترون و أومأ بيده إلى أهل الموسم
بيان الطوب بالضم الآجر و يقال طعام وخيم أي غير موافق و استوخمه لم يستمره. و قوله الله المنشئ خبر لقوله أحق و يقال أبلس أي يئس و تحير و الجمرة بالفتح النار المتقدة و الحصاة و المراد بالأول الثاني و بالثاني الأول أي سألتكم أن تطلبوا لي حصاة ألعب بها و أرميها فألقيتموني في نار متقدة لم يمكني التخلص منها
12- شا، ]الإرشاد[ روي أن أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلس أبي عبد الله ع فقال له إنك لأحد النجوم الزواهر و كان آباؤك بدورا بواهر و أمهاتك عقيلات عباهر و عنصرك من أكرم العناصر و إذا ذكر العلماء فعليك تثنى الخناصر خبرنا أيها البحر الزاخر ما الدليل على حدوث العالم فقال أبو عبد الله ع من أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك ثم دعا ببيضة ثم وضعها في راحته و قال هذا حصن ملموم داخله غرقئ رقيق يطيف به كالفضة السائلة و الذهبة المائعة أ تشك في ذلك فقال أبو شاكر لا شك فيه قال أبو عبد الله ع ثم إنه تنفلق عن صورة كالطاوس أدخله شيء غير ما عرفت قال لا قال فهذا الدليل على حدوث العالم قال أبو شاكر دللت أبا عبد الله فأوضحت و قلت فأحسنت و ذكرت فأوجزت و قد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا أو سمعناه بآذاننا أو ذقناه بأفواهنا أو شممناه بآنافنا أو لمسناه ببشرتنا فقال أبو عبد الله ع ذكرت الحواس الخمس و هي لا تنفع في الاستنباط إلا بدليل كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح
يريد به ع أن الحواس بغير عقل لا يوصل إلى معرفة الغائبات و أن الذي أراه من حدوث الصورة معقول بني العلم به على محسوس. أقول قد مر شرح الخبر في كتاب التوحيد
13- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ أبو جعفر الطوسي في الأمالي و أبو نعيم في الحلية و صاحب الروضة بالإسناد و الرواية يزيد بعضها على بعض عن محمد الصيرفي و عن عبد الرحمن بن سالم أنه دخل ابن شبرمة و أبو حنيفة على الصادق ع فقال لأبي حنيفة اتق الله و لا تقس الدين برأيك فإن أول من قاس إبليس إذ أمره الله تعالى بالسجود فقال أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ثم قال هل تحسن أن تقيس رأسك من جسدك قال لا قال فأخبرني عن الملوحة في العينين و المرارة في الأذنين و البرودة في المنخرين و العذوبة في الشفتين لأي شيء جعل ذلك قال لا أدري فقال ع إن الله تعالى خلق العينين فجعلها شحمتين و جعل الملوحة فيهما منا على بني آدم و لو لا ذلك لذابتا و جعل المرارة في الأذنين منا منه على بني آدم و لو لا ذلك لقحمت الدواب فأكلت دماغه و جعل الماء في المنخرين ليصعد النفس و ينزل و يجد منه الريح الطيبة و الرديئة و جعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذة مطعمه و مشربه ثم قال له أخبرني عن كلمة أولها شرك و آخرها إيمان قال لا أدري قال لا إله إلا الله ثم قال أيما أعظم عند الله تعالى القتل أو الزنا فقال بل القتل قال فإن الله تعالى قد رضي في القتل بشاهدين و لم يرض في الزنا إلا بأربعة ثم قال إن الشاهد على الزنا شهد على اثنين و في القتل على واحد لأن القتل فعل واحد و الزنا فعلان ثم قال أيما أعظم عند الله تعالى الصوم أو الصلاة قال لا بل الصلاة قال فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة ثم قال لأنها تخرج إلى صلاة فتداومها و لا تخرج إلى صوم ثم قال المرأة أضعف أم الرجل قال المرأة قال فما بال المرأة و هي ضعيفة لها سهم واحد و الرجل قوي له سهمان ثم قال لأن الرجل يجبر على الإنفاق على المرأة و لا تجبر المرأة على الإنفاق على الرجل ثم قال البول أقذر أم المني قال البول قال يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني و قد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول ثم قال لأن المني اختيار و يخرج من جميع الجسد و يكون في الأيام و البول ضرورة و يكون في اليوم مرات قال أبو حنيفة كيف يخرج من جميع الجسد و الله يقول يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال أبو عبد الله ع فهل قال لا يخرج من غير هذين الموضعين ثم قال ع لم لا تحيض المرأة إذا حبلت قال لا أدري قال عليه السلام و الصلاة حبس الله تعالى الدم فجعله غذاء للولد ثم قال ع أين مقعد الكاتبين قال لا أدري قال مقعدهما على الناجدين و الفم الدواة و اللسان القلم و الريق المداد ثم قال لم يضع الرجل يده على مقدم رأسه عند المصيبة و المرأة على خدها قال لا أدري فقال ع اقتداء بآدم و حواء حيث أهبطا من الجنة أ ما ترى أن من شأن الرجل الاكتئاب عند المصيبة و من شأن المرأة رفعها رأسها إلى السماء إذا بكت ثم قال ع ما ترى في رجل كان له عبد فتزوج و زوج عبده في ليلة واحدة ثم سافرا و جعلا امرأتيهما في بيت واحد فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين و بقي الغلامان أيهما في رأيك المالك و أيهما المملوك و أيهما الوارث و أيهما الموروث ثم قال فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح و أقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد ثم قال ع فأخبرني عن قول الله تعالى لموسى و هارون حين بعثهما إلى فرعون لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى لعل منك شك قال نعم قال و كذلك من الله شك إذ قال لَعَلَّهُ
ثم قال أخبرني عن قول الله تعالى وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ أي موضع هو قال هو ما بين مكة و المدينة قال ع نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة و المدينة لا تأمنون على دمائكم من القتل و على أموالكم من السرق ثم قال و أخبرني عن قول الله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً أي موضع هو قال ذاك بيت الله الحرام فقال نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبد الله بن الزبير و سعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل قال فاعفني يا ابن رسول الله قال فأنت الذي تقول سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ قال أعوذ بالله من هذا القول قال إذا سئلت فما تصنع قال أجيب عن الكتاب أو السنة أو الاجتهاد قال إذا اجتهدت من رأيك وجب على المسلمين قبوله قال نعم قال و كذلك وجب قبول ما أنزل الله تعالى فكأنك قلت سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى
14- و في حديث محمد بن مسلم أن الصادق ع قال لأبي حنيفة أخبرني عن هاتين النكتتين اللتين في يدي حمارك ليس ينبت عليهما شعر قال أبو حنيفة خلق كخلق أذنيك في جسدك و عينيك فقال له ترى هذا قياسا إن الله تعالى خلق أذني لأسمع بهما و خلق عيني لأبصر بهما فهذا لما خلقه في جميع الدواب و ما ينتفع به فانصرف أبو حنيفة معتبا فقلت أخبرني ما هي قال إن الله تعالى يقول في كتابه لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ يعني منتصبا في بطن أمه غذاؤه من غذائها مما تأكل و تشرب أمه هاهنا ميثاقه بين عينيه فإذا أذن الله عز و جل في ولادته أتاه ملك يقال له حيوان فزجره زجرة انقلب و نسي الميثاق و خلق جميع البهائم في بطون أمهاتهن منكوسة مؤخره إلى مقدم أمه كما يأخذ الإنسان في بطن أمه فهاتان النكتتان السوداوان اللتان ترى ما بين الدواب هو موضع عيونها في بطن أمهاتها فليس ينبت عليه الشعر و هو لجميع البهائم ما خلا البعير فإن عنق البعير طال فتقدم رأسه بين يديه و رجليه
بيان قوله ع لأنها تخرج إلى صلاة لعله مبني على وجهين أحدهما أن الصلاة فعل و الصوم ترك و الثاني أن الصلاة تكون دائما و الصوم يكون في السنة مرة و يمكن أن يقرأ يحرج بالحاء المهملة قوله ع فما بال الناس يغتسلون من الجنابة لما حكم أبو حنيفة بأرجسية البول بناء على ما زعمه من طهارة محل المني بالفرك ألزم ع عليه ذلك و إلا فالمني أرجس عندنا قوله ع أ ما ترى أن من شأن الرجل أي علة هذا أيضا مثل علة تلك أي أكب آدم ع عند هبوطه و رفع حواء رأسها عند خروجها و سيأتي شرح تلك العلل في مواضعها إن شاء الله تعالى
15- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ ابن جرير بن رستم الطبري عن إسماعيل الطوسي عن أحمد البصري عن أبيه عن أبي خنيس الكوفي قال حضرت مجلس الصادق عليه الصلاة و السلام و عنده جماعة من النصارى فقالوا فضل موسى و عيسى و محمد ع سواء لأنهم صلوات الله عليهم أصحاب الشرائع و الكتب فقال الصادق ع إن محمدا ص أفضل منهما و أعلم و لقد أعطاه الله تبارك و تعالى من العلم ما لم يعط غيره فقالوا آية من كتاب الله تعالى نزلت في هذا قال ع نعم قوله تعالى وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ و قوله تعالى لعيسى وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ و قوله تعالى للسيد المصطفى ص وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ و قوله تعالى لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً فهو و الله أعلم منهما و لو حضر موسى و عيسى بحضرتي و سألاني لأجبتهما و سألتهما ما أجابا
16- ختص، ]الإختصاص[ ابن الوليد عن الصفار و الحسن بن متيل عن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم بن محمد الهمداني عن السياري عن داود الرقي قال سألني بعض الخوارج عن قول الله تبارك و تعالى مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ الآية ما الذي أحل الله من ذلك و ما الذي حرم الله قال فلم يكن عندي في ذلك شيء فحججت فدخلت على أبي عبد الله ع فقلت جعلت فداك إن رجلا من الخوارج سألني عن كذا و كذا فقال ع إن الله عز و جل أحل في الأضحية بمنى الضأن و المعز الأهلية و حرم فيها الجبلية و ذلك قوله عز و جل مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ و إن الله عز و جل أحل في الأضحية بمنى الإبل العراب و حرم فيها البخاتي و أحل فيها البقر الأهلية و حرم فيها الجبلية و ذلك قوله عز و جل وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قال فانصرفت إلى صاحبي فأخبرته بهذا الجواب فقال هذا شيء حملته الإبل من الحجاز
17- كنز الفوائد للكراجكي، ذكروا أن أبا حنيفة أكل طعاما مع الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما الصلاة و السلام فلما رفع الصادق ع يده من أكله قال الحمد لله رب العالمين اللهم هذا منك و من رسولك ص فقال أبو حنيفة يا أبا عبد الله أ جعلت مع الله شريكا فقال ع له ويلك إن الله تبارك يقول في كتابه وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ و يقول عز و جل في موضع آخر وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ فقال أبو حنيفة و الله لكأني ما قرأتهما قط من كتاب الله و لا سمعتهما إلا في هذا الوقت فقال أبو عبد الله ع بلى قد قرأتهما و سمعتهما و لكن الله تعالى أنزل فيك و في أشباهك أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها و قال الله تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ
18- كتاب الإستدراك، بإسناده عن الحسين بن محمد بن عامر بإسناده أن أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه الصلاة و السلام استحضره المنصور في مجلس غاص بأهله فأمره بالجلوس فأطرق مليا ثم رفع رأسه و قال له يا جعفر إن النبي ص قال لأبيك علي بن أبي طالب ع يوما لو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لا تمر بملإ إلا أخذوا من تراب قدميك يستشفعون به و قال علي ع يهلك في اثنان محب مفرط و مبغض مفرط فالاعتذار منه أن لا يرضى بما يقول فيه المفرط و لعمري إن عيسى ابن مريم ع لو سكت عما قالت فيه النصارى لعذبه الله و قد نعلم ما يقال فيك من الزور و البهتان و إمساك عمن يقول ذلك فيك و رضاك به سخط الديان زعم أوغاد الشام و أوباش العراق أنك حبر الدهر و ناموسه و حجة المعبود و ترجمانه و عيبة علمه و ميزان قسطه و مصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى فضاء النور و إن الله تبارك و تعالى لا يقبل من عامل جهل حقك في الدنيا عملا و لا يرفع له يوم القيامة وزنا فنسبوك إلى غير حدك و قالوا فيك ما ليس فيك فقل فإن أول من قال الحق لجدك و أول من صدقه عليه أبوك ع فأنت حري بأن تقتص آثارهما و تسلك سبيلهما فقال أبو عبد الله ع أنا فرع من فروع الزيتونة و قنديل من قناديل بيت النبوة و سليل الرسالة و أديب السفرة و ربيب الكرام البررة و مصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور و صفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال قد أحالني على بحر مواج لا يدرك طرفه و لا يبلغ عمقه تغرق فيه السبحاء و يحار فيه العلماء و يضيق بالسامع عرض الفضاء هذا الشجا المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يحل قتله و لا يجوز نفيه و لو لا ما تجمعني و إياه من شجرة مباركة طاب أصلها و بسق فرعها و عذب ثمرها بوركت في
الذر و تقدست في الزبر لكان مني إليه ما لا يحمد في العواقب لما يبلغني من شدة عيبه لنا و سوء القول فينا فقال أبو عبد الله ع لا تقبل في ذي رحمك و أهل الدعة من أهلك قول من حرم الله عليه الجنة و جعل مأواه النار فإن النمام شاهد زور و شريك إبليس في الإغراء بين الناس و قد قال الله تبارك و تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ الآية و نحن لك أنصار و أعوان و لملكك دعائم و أركان ما أمرت بالمعروف و الإحسان و أمضيت في الرعية أحكام القرآن و أرغمت بطاعتك أنف الشيطان و إن كان يجب عليك في سعة فهمك و كرم حلمك و معرفتك بآداب الله أن تصل من قطعك و تعطي من حرمك و تعفو عمن ظلمك فإن المكافئ ليس بالواصل إنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها فصل يزد الله في عمرك و يخفف عنك الحساب يوم حشرك فقال أبو جعفر المنصور قد قبلت عذرك لصدقك و صفحت عنك لقدرك فحدثني عن نفسك بحديث أتعظ به و يكون لي زاجر صدق عن الموبقات فقال أبو عبد الله ع عليك بالحلم فإنه ركن العلم و أملك نفسك عند أسباب القدرة فإنك إن تفعل كل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا أو أبدى حقدا أو يجب أن يذكر بالصولة و اعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به إلا العدل و لا أعلم حالا أفضل من حال العدل و الحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر فقال أبو جعفر المنصور وعظت فأحسنت و قلت فأوجزت فحدثني عن فضل جدك علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام حديثا لم تروه العامة فقال أبو عبد الله ع حدثني أبي عن جدي أن رسول الله ص قال ليلة أسري بي إلى السماء فتح لي في بصري غلوة كمثال ما يرى الراكب خرق الإبرة مسيرة يوم و عهد إلي ربي في علي ثلاث كلمات فقال يا محمد فقلت لبيك ربي فقال إن عليا إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظلمة و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين و كانوا أحق بها و أهلها فبشره بذلك قال فبشره النبي ص لذلك فقال يا رسول الله و إني أذكر هناك فقال نعم إنك لتذكر في الرفيع الأعلى فقال المنصور ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
19- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن الحسن بن علي بن عاصم عن سليمان بن داود الشاذكوني عن حفص بن غياث قال كنت عند سيد الجعافر جعفر بن محمد ع لما أقدمه المنصور فأتاه ابن أبي العوجاء و كان ملحدا فقال له ما تقول في هذه الآية كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها هب هذه الجلود عصت فعذبت فما بال الغير يعذب قال أبو عبد الله ع ويحك هي هي و هي غيرها قال أعقلني هذا القول فقال له أ رأيت لو أن رجلا عمد إلى لبنة فكسرها ثم صب عليها الماء و جبلها ثم ردها إلى هيئتها الأولى أ لم تكن هي هي و هي غيرها فقال بلى أمتع الله بك
-20 أقول وجدت بخط بعض الأفاضل نقلا من خط الشهيد رفع الله درجته قال قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت جئت إلى حجام بمنى ليحلق رأسي فقال أدن ميامنك و استقبل القبلة و سم الله فتعلمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي فقلت له مملوك أنت أم حر فقال مملوك قلت لمن قال لجعفر بن محمد العلوي ع قلت أ شاهد هو أم غائب قال شاهد فصرت إلى بابه و استأذنت عليه فحجبني و جاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم فدخلت معهم فلما صرت عنده قلت له يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد ص فإني تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم فقال لا يقبلون مني فقلت و من لا يقبل منك و أنت ابن رسول الله ص فقال أنت ممن لم تقبل مني دخلت داري بغير إذني و جلست بغير أمري و تكلمت بغير رأيي و قد بلغني أنك تقول بالقياس قلت نعم به أقول قال ويحك يا نعمان أول من قاس الله تعالى إبليس حين أمره بالسجود لآدم ع و قال خلقتني من نار و خلقته من طين أيما أكبر يا نعمان القتل أو الزنا قلت القتل قال فلم جعل الله في القتل شاهدين و في الزنا أربعة أ ينقاس لك هذا قلت لا قال فأيما أكبر البول أو المني قلت البول قال فلم أمر الله في البول بالوضوء و في المني بالغسل أ ينقاس لك هذا قلت لا قال فأيما أكبر الصلاة أو الصيام قلت الصلاة قال فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة أ ينقاس لك هذا قلت لا قال فأيما أضعف المرأة أم الرجل قلت المرأة قال فلم جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين و للمرأة سهما أ ينقاس لك هذا قلت لا قال فلم حكم الله تعالى فيمن سرق عشرة دراهم بالقطع و إذا قطع رجل يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم أ ينقاس لك هذا قلت لا قال و قد بلغني أنك تفسر آية في كتاب الله و هي ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أنه الطعام الطيب و الماء البارد في اليوم الصائف قلت نعم قال له دعاك رجل و أطعمك طعاما طيبا و أسقاك ماء باردا ثم امتن عليك به ما كنت تنسبه إليه قلت إلى البخل قال أ فيبخل الله تعالى قلت فما هو قال حبنا أهل البيت
21- و منه، قال دخل طاوس على الصادق صلوات الله عليه فقال له يا طاوس ناشدتك الله هل علمت أحدا أقبل للعذر من الله تعالى قال اللهم لا قال هل علمت أحدا أصدق ممن قال لا أقدر و هو لا يقدر قال اللهم لا قال فلم لا يقبل من لا أقبل للعذر منه ممن لا أصدق في القول منه فنفض ثوبه فقال ما بيني و بين الحق عداوة
22- دعائم الإسلام، روينا عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهما أنه قال لأبي حنيفة و قد دخل عليه فقال له يا نعمان ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصا في كتاب الله و لا خبرا عن الرسول ص قال أقيسه على ما وجدت من ذلك قال له أول من قاس إبليس فأخطأ إذ أمره الله عز و جل بالسجود لآدم ع فقال أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين فرأى أن النار أشرف عنصرا من الطين فخلده ذلك في العذاب المهين يا نعمان أيهما أطهر المني أو البول قال المني قال فقد جعل الله عز و جل في البول الوضوء و في المني الغسل و لو كان يحمل على القياس لكان الغسل في البول و أيهما أعظم عند الله الزنا أم قتل النفس قال قتل النفس قال فقد جعل الله عز و جل في قتل النفس الشاهدين و في الزنا أربعة و لو كان على القياس لكان الأربعة الشهداء في القتل لأنه أعظم و أيهما أعظم عند الله الصلاة أم الصوم قال الصلاة قال فقد أمر رسول الله ص الحائض بأن تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة و لو كان على القياس لكان الواجب أن تقضي الصلاة فاتق الله يا نعمان و لا تقس فإنا نقف غدا نحن و أنت و من خالفنا بين يدي الله عز و جل فيسألنا عن قولنا و يسألهم عن قولهم فنقول قلنا قال الله و قال رسول الله ص و تقول أنت و أصحابك رأينا و قسنا فيفعل الله بنا و بكم ما يشاء
-23 و روينا عن بعض الأئمة الطاهرين عليهم السلام و الصلاة أنه قال أتى أبو حنيفة إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه أفضل الصلاة و السلام فخرج إليه يتوكأ على عصا فقال له أبو حنيفة ما هذه العصا يا أبا عبد الله ما بلغ بك من السن ما كنت تحتاج إليها قال أجل و لكنها عصا رسول الله ص فأردت أن أتبرك بها قال أما إني لو علمت ذلك و أنها عصا رسول الله ص لقمت و قبلتها فقال أبو عبد الله عليه الصلاة و السلام سبحان الله و حسر عن ذراعه و قال و الله يا نعمان لقد علمت أن هذا من شعر رسول الله ص و من بشره فما قبلته فتطاول أبو حنيفة ليقبل يده فاستل كمه و جذب يده و دخل منزله