الآيات الأنبياء وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ ص وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ تفسير قال الطبرسي رحمه الله وَ أَيُّوبَ أي و اذكر أيوب حين دعا ربه لما اشتدت المحنة به أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ أي نالني الضر و أصابني الجهد وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ و هذا تعريض منه بالدعاء لإزالة ما به من البلاء. بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ أي بتعب و مكروه و مشقة و قيل بوسوسة فيقول له طال مرضك و لا يرحمك ربك و قيل بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى و كيف زال ذلك كله طمعا أن يزله بذلك فوجده صابرا مسلما لأمر الله و قيل إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه و يخرجوه من بينهم و لا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم فكان أيوب يتأذى بذلك و يتألم منه و لم يشك الألم الذي كان من أمر الله قال قتادة دام ذلك سبع سنين و روي ذلك عن أبي عبد الله ع ارْكُضْ بِرِجْلِكَ أي ادفع برجلك الأرض هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ و في الكلام حذف أي فركض برجله فنبعت بركضته عين ماء و قيل نبعت عينان فاغتسل من إحداهما فبرأ و شرب من الأخرى فروي و المغتسل الموضع الذي يغتسل فيه و قيل هو اسم للماء الذي يغتسل به وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً و هو ملء الكف من الشماريخ و ما أشبه ذلك أي و قلنا له ذلك و ذلك أنه حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها إن عوفي ليضربنها مائة جلدة فقيل له خذ ضغثا بعدد ما حلفت فَاضْرِبْ بِهِ أي و اضربها به دفعة واحدة فإنك إذا فعلت ذلك برت يمينك وَ لا تَحْنَثْ في يمينك. و روي عن ابن عباس أنه قال كان السبب في ذلك أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته إلى مداواة أيوب فقال أداويه على أنه إذا برئ قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت نعم فأشارت إلى أيوب بذلك فحلف ليضربنها و قيل إنها كانت ذهبت في حاجة فأبطأت في الرجوع فضاق صدر المريض فحلف إِنَّهُ أَوَّابٌ أي رجاع إلى الله منقطع إليه.
و روى العياشي بإسناده أن عباد المكي قال قال لي سفيان الثوري إني أرى لك من أبي عبد الله منزلة فاسأله عن رجل زنى و هو مريض فإن أقيم عليه الحد خافوا أن يموت ما يقول فيه فسألته فقال لي هذه المسألة من تلقاء نفسك أو أمرك بها إنسان فقلت إن سفيان الثوري أمرني أن أسألك عنها فقال إن رسول الله ص أتي برجل أحبن قد استسقى بطنه و بدت عروق فخذيه و قد زنى بامرأة مريضة فأمر رسول الله ص فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه به ضربة و خلى سبيلهما و ذلك قوله وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ انتهى
أقول روى الصدوق في الفقيه بسنده الصحيح عن الحسن بن محبوب عن حنان بن سدير عن عباد المكي مثله و الحبن محركة داء في البطن يعظم منه و يرم
1- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عثمان النواء عمن ذكره عن أبي عبد الله ع أنه قال إن الله عز و جل يبتلي المؤمن بكل بلية و يميته بكل ميتة و لا يبتليه بذهاب عقله أ ما ترى أيوب كيف سلط إبليس على ماله و على ولده و على أهله و على كل شيء منه و لم يسلط على عقله ترك له ليوحد الله به
عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سنان مثله
2- كا، ]الكافي[ حميد بن زياد عن الحسن بن محمد الكندي عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبان بن عثمان عن عبد الأعلى مولى آل سام قال سمعت أبا عبد الله ع يقول تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول يا رب حسنت خلقي حتى لقيت ما لقيت فيجاء بمريم ع فيقال أنت أحسن أو هذه قد حسناها فلم تفتتن و يجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه فيقول يا رب حسنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت فيجاء بيوسف و يقال أنت أحسن أو هذا قد حسناه فلم يفتتن و يجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول يا رب شددت علي البلاء حتى افتتنت فيؤتى بأيوب فيقال أ بليتك أشد أو بلية هذا فقد ابتلي فلم يفتتن
3- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن فضال عن عبد الله بن بحر عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سألته عن بلية أيوب ع التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت قال لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا و أدى شكرها و كان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس عن دون العرش فلما صعد و رأى شكر نعمة أيوب حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا و لو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي إليك شكر نعمة أبدا فقيل له قد سلطتك على ماله و ولده قال فانحدر إبليس فلم يبق له مالا و لا ولدا إلا أعطبه فازداد أيوب لله شكرا و حمدا فقال فسلطني على زرعه يا رب قال قد فعلت فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيوب لله شكرا و حمدا فقال يا رب سلطني على غنمه فسلطه على غنمه فأهلكها فازداد أيوب لله شكرا و حمدا فقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله و عينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله و يشكره حتى وقع في بدنه الدود و كانت تخرج من بدنه فيردها و يقول لها ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه و نتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية و ألقوه على المزبلة خارج القرية و كانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهم و عليها تتصدق من الناس و تأتيه بما تجده قال فلما طال عليه البلاء و رأى إبليس صبره أتى أصحابا له كانوا رهبانا في الجبال و قال لهم مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته فركبوا بغالا شهبا و جاءوا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فقرنوا بعضا إلى بعض ثم مشوا إليه و كان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه و ما نرى ابتلاءك الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره فقال أيوب و عزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما إلا و يتيم أو ضعيف يأكل معي و ما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما على بدني فقال الشاب سوءة لكم عمدتم إلى نبي الله فعيرتموه حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها فقال أيوب يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي فبعث الله إليه غمامة فقال يا أيوب أدلني بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم و ها أنا ذا قريب و لم أزل فقال يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي أ لم أحمدك أ لم أشكرك أ لم أسبحك قال فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان يا أيوب من صيرك تعبد الله و الناس عنه غافلون و تحمده و تسبحه و تكبره و الناس عنه غافلون أ تمن على الله بما لله المن فيه عليك قال فأخذ أيوب التراب فوضعه في فيه ثم قال لك العتبى يا رب أنت الذي فعلت ذلك بي قال فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان و أطرى و أنبت الله عليه روضة خضراء و رد عليه أهله و ماله و ولده و زرعه و قعد معه الملك يحدثه و يؤنسه فأقبلت امرأته و معها الكسر فلما انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغير و إذا رجلان جالسان فبكت و صاحت و قالت يا أيوب ما دهاك فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته و قد رد الله عليه بدنه و نعمته سجدت لله شكرا فرأى ذوائبها مقطوعة و ذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام و كانت حسنة الذؤابة فقالوا لها تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك فقطعتها
و دفعتها إليهم و أخذت منهم طعاما لأيوب فلما رآها مقطوعة الشعر غضب و حلف عليها أن يضربها مائة فأخبرته أنه كان سببه كيت و كيت فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله إليه وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ فأخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه ثم قال وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ قال فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلية و رد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله تعالى له فعاشوا معه و سئل أيوب بعد ما عافاه الله أي شيء كان أشد عليك مما مر عليك قال شماتة الأعداء قال فأمطر الله عليه في داره فراش الذهب و كان يجمعه فإذا ذهب الريح منه بشيء عدا خلفه فرده فقال له جبرئيل ما تشبع يا أيوب قال و من يشبع من رزق ربه
بيان قوله لعل الله يهلكنا أي لا يمكننا أن نسأل الله تعالى عن ذنبك لعلو قدرك عنده تعالى و استعلامهم منه تعالى إما بتوسط نبي آخر أو بأنفسهم إذ كان في تلك الأزمنة يتأتى مثل ذلك لغير الأنبياء أيضا كما نقل و يحتمل أن يكون سؤال العفو عن ذنبه و الاستغفار له و أدلى بحجته أي احتج بها و العتبى بالضم الرجوع عن الذنب و الإساءة و الركض تحريك الرجل قولها ما دهاك أي ما أصابك من الداهية و البلاء و الضغث بالكسر الحزمة الصغيرة من الحشيش و غيره
4- ع، ]علل الشرائع[ ماجيلويه عن عمه عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إنما كانت بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها و كان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش فلما صعد عمل أيوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا فلو حلت بينه و بين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة فسلطني على دنياه تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة فقال قد سلطتك على دنياه فلم يدع له دنيا و لا ولدا إلا أهلك كل ذلك و هو يحمد الله عز و جل ثم رجع إليه فقال يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد إليه دنياه التي أخذتها منه فسلطني على بدنه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة قال عز و جل قد سلطتك على بدنه ما عدا عينيه و قلبه و لسانه و سمعه فقال أبو بصير قال أبو عبد الله ع فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عز و جل فيحول بينه و بينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا
بيان انقض الطائر هوى ليقع
5- ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه عن عبد الله بن يحيى البصري عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير قال سألت أبا الحسن الماضي ع عن بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لأية علة كانت قال لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا فأدى شكرها و كان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس دون العرش فلما صعد أداء شكر نعمة أيوب حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا و لو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا قال فقيل له إني قد سلطتك على ماله و ولده قال فانحدر إبليس فلم يبق له مالا و لا ولدا إلا أعطبه فلما رأى إبليس أنه لا يصل إلى شيء من أمره قال يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي أخذتها منه فسلطني على بدنه قال فقيل له إني قد سلطتك على بدنه ما خلا قلبه و لسانه و عينيه و سمعه قال فانحدر إبليس مستعجلا مخافة أن تدركه رحمة الربعز و جل فتحول بينه و بين أيوب فلما اشتد به البلاء و كان في آخر بلية جاءه أصحابه فقالوا له يا أيوب ما نعلم أحدا ابتلي بمثل هذه البلية إلا لسريرة سوء فعلك أسررت سوءا في الذي تبدي لنا قال فعند ذلك ناجى أيوب ربه عز و جل فقال رب ابتليتني بهذه البلية و أنت أعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا ألزمت أخشنهما على بدني و لم آكل أكلة قط إلا و على خواني يتيم فلو أن لي منك مقعد الخصم لأدليت بحجتي قال فعرضت له سحابة فنطق فيها ناطق فقال يا أيوب أدل بحجتك قال فشد عليه مئزره و جثا على ركبتيه فقال ابتليتني بهذه البلية و أنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا ألزمت أخشنهما على بدني و لم آكل أكلة من طعام إلا و على خواني يتيم قال فقيل له يا أيوب من حبب إليك الطاعة قال فأخذ كفا من تراب فوضعه في فيه ثم قال أنت يا رب
بيان عل و لعل لغتان بمعنى
6- فس، ]تفسير القمي[ محمد بن جعفر عن محمد بن عيسى بن زياد عن ابن فضال عن ابن بكير و غيره عن أبي عبد الله ع في قول الله وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قال أحيا الله له أهله الذين كانوا قبل البلية و أحيا له أهله الذين ماتوا و هو في بلية
بيان قال الشيخ الطبرسي قال ابن عباس و ابن مسعود رد الله سبحانه عليه أهله الذين هلكوا بأعيانهم و أعطاه مثلهم معهم و كذلك رد الله عليه أمواله و مواشيه بأعيانها و أعطاه مثلها معها و به قال الحسن و قتادة و هو المروي عن أبي عبد الله ع و قيل إنه خير أيوب فاختار إحياء أهله في الآخرة و مثلهم في الدنيا فأوتي على ما اختار عن عكرمة و مجاهد. و قال وهب كان له سبع بنات و ثلاثة بنين و قال ابن يسار سبعة بنين و سبع بنات انتهى و قال البيضاوي بأن ولد له ضعف ما كان أو أحيا ولده و ولد له منهم نوافل انتهى و روى بعض المفسرين عن ابن عباس أن الله تعالى رد على المرأة شبابها فولدت له ستة و عشرين ذكرا و كان له سبعة بنين و سبع بنات أحياهم الله له بأعيانهم
7- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قلت ولده كيف أوتي مثلهم معهم قال أحيا له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ
8- ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الوشاء عن درست قال قال أبو عبد الله ع إن أيوب ابتلي من غير ذنب
9- ع، ]علل الشرائع[ بهذا الإسناد عن الوشاء عن فضل الأشعري عن الحسين بن مختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال ابتلي أيوب سبع سنين بلا ذنب
ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الوشاء مثله بيان ما دلت عليه الرواية من كون مدة ابتلائه ع سبع سنين هو المعتمد و قال البيضاوي ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعا و سبعة أشهر و سبع ساعات
10- ع، ]علل الشرائع[ بهذا الإسناد عن فضل الأشعري عن الحسن بن الربيع عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى ابتلى أيوب ع بلا ذنب فصبر حتى عير و إن الأنبياء لا يصبرون على التعيير
11- دعوات الراوندي، قال النبي ص أوحى الله إلى أيوب ع هل تدري ما ذنبك إلي حين أصابك البلاء قال لا قال إنك دخلت على فرعون فداهنت في كلمتين
12- و عن ابن عباس أن امرأة أيوب قالت له يوما لو دعوت الله أن يشفيك فقال ويحك كنا في النعماء سبعين عاما فهلم نصبر في الضراء مثلها قال فلم يمكث بعد ذلك إلا يسيرا حتى عوفي
13- ل، ]الخصال[ القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال إن أيوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب و إن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون لا يذنبون و لا يزيغون و لا يرتكبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا و قال ع إن أيوب من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة و لا قبحت له صورة و لا خرجت منه مدة من دم و لا قيح و لا استقذره أحد رآه و لا استوحش منه أحد شاهده و لا تدود شيء من جسده و هكذا يصنع الله عز و جل بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه و إنما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد و الفرج و قد قال النبي ص أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل و إنما ابتلاه الله عز و جل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه و ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين استحقاق و اختصاص و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه و لا فقيرا لفقره و لا مريضا لمرضه و ليعلموا أنه يسقم من يشاء و يشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء و يجعل ذلك عبرة لمن شاء و شقاوة لمن شاء و سعادة لمن شاء و هو عز و جل في جميع ذلك عدل في قضائه و حكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم و لا قوة لهم إلا به
بيان هذا الخبر أوفق بأصول متكلمي الإمامية من كونهم ع منزهين عما يوجب تنفر الطباع عنهم فيكون الأخبار الأخر محمولة على التقية موافقة للعامة فيما رووه لكن إقامة الدليل على نفي ذلك عنهم مطلقا و لو بعد ثبوت نبوتهم و حجيتهم لا يخلو من إشكال مع أن الأخبار الدالة على ثبوتها أكثر و أصح و بالجملة للتوقف فيه مجال. قال السيد المرتضى قدس الله روحه في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قيل أ فتصححون ما روي من أن الجذام أصابه حتى تساقطت أعضاؤه قلنا أما العلل المستقذرة التي تنفر من رآها و توحشه كالبرص و الجذام فلا يجوز شيء منها على الأنبياء ع لما تقدم ذكره لأن النفور ليس بواقف على الأمور القبيحة بل قد يكون من الحسن و القبيح معا و ليس ينكر أن يكون أمراض أيوب ع و أوجاعه و محنته في جسمه ثم في أهله و ماله بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم و الألم على ما ينال المجذوم و ليس ينكر تزايد الألم فيه و إنما ينكر ما اقتضى التنفير
14- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه عن علي بن الحسين ع قال أخذ الناس ثلاثة من ثلاثة أخذوا الصبر عن أيوب و الشكر عن نوح و الحسد عن بني يعقوب
-15 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال قال أيوب النبي ع حين دعا ربه يا رب كيف ابتليتني بهذا البلاء الذي لم تبتل به أحدا فو عزتك إنك تعلم أنه ما عرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا عملت بأشدهما على بدني قال فنودي و من فعل ذلك بك يا أيوب قال فأخذ التراب فوضعه على رأسه ثم قال أنت يا رب
16- كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن فضالة عن رفاعة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الله عز و جل لما عافى أيوب ع نظر إلى بني إسرائيل قد ازدرعت فرفع طرفه إلى السماء فقال إلهي و سيدي عبدك أيوب المبتلى عافيته و لم يزدرع شيئا و هذا لبني إسرائيل زرع فأوحى الله عز و جل إليه يا أيوب خذ من سبحتك كفا فابذره و كانت سبحته فيها ملح فأخذ أيوب ع كفا منها فبذره فخرج هذا العدس و أنتم تسمونه الحمص و نحن نسميه العدس
بيان من سبحتك في أكثر النسخ بالحاء المهملة و فيه بعد إلا أن يقرأ الملح بضم الميم جمع الأملح و هو بياض يخالطه سواد و في بعضها بالخاء المعجمة و هو أظهر
17- مع، ]معاني الأخبار[ معنى أيوب من آب يئوب و هو أنه يرجع إلى العافية و النعمة و الأهل و المال و الولد بعد البلاء
18- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ قال الصادق ع ما سأل أيوب العافية في شيء من بلائه
19- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن الحسن بن علي عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله ع قال ذكر أيوب ع فقال قال الله جل جلاله إن عبدي أيوب ما أنعم عليه بنعمة إلا ازداد شكرا فقال الشيطان لو نصبت عليه البلاء فابتليته كيف صبره فسلطه على إبله و رقيقه فلم يترك له شيئا غير غلام واحد فأتاه الغلام فقال يا أيوب ما بقي من إبلك و لا من رقيقك أحد إلا و قد مات فقال أيوب الحمد لله الذي أعطاه و الحمد لله الذي أخذه فقال الشيطان إن خيله أعجب إليه فسلط عليها فلم يبق منها شيء إلا هلك فقال أيوب الحمد لله الذي أعطى و الحمد لله الذي أخذ و كذلك ببقره و غنمه و مزارعه و أرضه و أهله و ولده حتى مرض مرضا شديدا فأتاه أصحاب له فقالوا يا أيوب ما كان أحد من الناس في أنفسنا و لا خير علانية خيرا عندنا منك فلعل هذا الشيء كنت أسررته فيما بينك و بين ربك لم تطلع عليه أحدا فابتلاك الله من أجله فجزع جزعا شديدا و دعا ربه فشفاه الله تعالى و رد عليه ما كان له من قليل أو كثير في الدنيا قال و سألته عن قوله تعالى وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً فقال الذين كانوا ماتوا
20- ل، ]الخصال[ ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ في أسئلة الشامي عن أمير المؤمنين ع أنه قال يوم الأربعاء يعني آخر الشهر ابتلى الله أيوب بذهاب ماله و ولده
21- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال لما طال بلاء أيوب و رأى إبليس صبره أتى إلى أصحاب له كانوا رهبانا في الجبال فقال لهم مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى نسأله عن بليته قال فركبوا و جاءوه فلما قربوا منه نفرت بغالهم فقربوها بعضا إلى بعض ثم مشوا إليه و كان فيهم شاب حدث فسلموا على أيوب و قعدوا و قالوا يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك فلا نرى تبتلى بهذا البلاء إلا لأمر كنت تسره قال أيوب ع و عزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما قط إلا و معي يتيم أو ضعيف يأكل معي و ما عرض لي أمران كلاهما طاعة إلا أخذت بأشدهما على بدني فقال الشاب سوءة لكم عمدتم إلى نبي الله فعنفتموه حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يستره فعند ذلك دعا ربه و قال رب إني مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و قال قيل لأيوب ع بعد ما عافاه الله تعالى أي شيء أشد ما مر عليك قال شماتة الأعداء
22- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بهذا الإسناد عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال أمطر الله على أيوب من السماء فراشا من ذهب فجعل أيوب يأخذ ما كان خارجا من داره فيدخله داره فقال جبرئيل ع أ ما تشبع يا أيوب قال و من يشبع من فضل ربه
23- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق بإسناده عن وهب بن منبه أن أيوب كان في زمن يعقوب بن إسحاق صلوات الله عليهم و كان صهرا له تحته ابنة يعقوب يقال لها إليا و كان أبوه ممن آمن بإبراهيم ع و كانت أم أيوب ابنة لوط و كان لوط جد أيوب صلوات الله عليهما أبا أمه و لما استحكم البلاء على أيوب من كل وجه صبرت عليه امرأته فحسد إبليس على ملازمتها بالخدمة و كانت بنت يعقوب فقال لها أ لست أخت يوسف الصديق ع قالت بلى قال فما هذا الجهد و ما هذه البلية التي أراكم فيها قالت هو الذي فعل بنا ليؤجرنا بفضله علينا لأنه أعطاه بفضله منعما ثم أخذه ليبتلينا فهل رأيت منعما أفضل منه فعلى إعطائه نشكره و على ابتلائه نحمده فقد جعل لنا الحسنيين كلتيهما فابتلاه ليرى صبرنا و لا نجد على الصبر قوة إلا بمعونته و توفيقه فله الحمد و المنة ما أولانا و أبلانا فقال لها أخطأت خطاء عظيما ليس من هاهنا ألح عليكم البلاء و أدخل عليها شبها دفعتها كلها و انصرفت إلى أيوب ع مسرعة و حكت له ما قال اللعين فقال أيوب القائل إبليس لقد حرص على قتلي إني لأقسم بالله لأجلدنك مائة لم أصغيت إليه إن شفاني الله قال وهب قال ابن عباس فأحيا الله لهما أولادهما و أموالهما و رد عليه كل شيء لهما بعينه و أوحى الله تعالى إليه وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ فأخذ ضغثا من قضبان دقاق من شجرة يقال لها الثمام فبر به يمينه و ضربها ضربة واحدة و قيل أخذ عشرة منها فضربها بها عشر مرات و كان عمر أيوب ثلاثا و سبعين قبل أن يصيبها البلاء فزادها الله مثلها ثلاثا و سبعين سنة أخرى
بيان قال البيضاوي روي أن امرأته ماخير بنت ميشا بن يوسف أو رحمة بنت إفرائيم بن يوسف
24- ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ روي أن أيوب ع لما جهده البلاء قال لأقعدن مقعد الخصم فأوحى الله إليه تكلم فجثا على الرماد فقال يا رب إنك تعلم أنه ما عرض لي أمران قط كلاهما لك رضى إلا اخترت أشدهما على بدني فنودي من غمامة بيضاء بستة آلاف ألف لغة فلمن المن فوضع الرماد على رأسه و خر ساجدا ينادي لك المن سيدي و مولاي فكشف الله ضره
25- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ الحسن بن علي الخزاز عن أبي الحسن ع قال سمعته يقول إن أيوب النبي ع قال يا رب ما سألتك شيئا من الدنيا قط و داخله شيء فأقبلت إليه سحابة حتى نادته يا أيوب من وفقك لذلك قال أنت يا رب
تذييل قال السيد قدس سره في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قيل فما قولكم في الأمراض و المحن التي لحقت نبي الله أيوب ع أ و ليس قد نطق القرآن بأنها كانت جزاء على ذنب في قوله أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و العذاب لا يكون إلا جزاء كالعقاب و الآلام الواقعة على سبيل الامتحان لا تسمى عذابا و لا عقابا أ و ليس قد روى جميع المفسرين أن الله تعالى إنما عاقبه بذلك البلاء لتركه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قصته مشهورة يطول شرحها. الجواب قلنا أما ظاهر القرآن فليس يدل على أن أيوب ع عوقب بما نزل به من المضار و ليس في ظاهره شيء مما ظنه السائل لأنه تعالى قال وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و النصب هو التعب و فيه لغتان فتح النون و الصاد و ضم النون و تسكين الصاد و التعب هو المضرة التي لا تختص بها العقاب و قد تكون على سبيل الاختبار و الامتحان فأما العذاب فهو أيضا يجري مجرى المضار التي لا يختص إطلاق ذكرها بجهة دون جهة و لهذا يقال للظالم المبتدي بالظلم إنه معذب و مضر و مولم و ربما قيل معاقب على سبيل المجاز و ليس لفظة العذاب بجارية مجرى لفظة العقاب لأن لفظة العقاب يقتضي بظاهرها الجزاء لأنها من التعقيب و المعاقبة و لفظة العذاب ليست كذلك فأما إضافته ذلك إلى الشيطان و إنما ابتلاه الله تعالى به فله وجه صحيح لأنه لم يضف المرض و السقم إلى الشيطان و إنما أضاف إليه ما كان يستضر به من وسوسته و يتعب به من تذكيره له ما كان فيه من النعم و العافية و الرخاء و دعائه له إلى التضجر و التبرم بما هو عليه و لأنه كان أيضا يوسوس إلى قومه بأن يستقذروه و يتجنبوه لما كان عليه من الأمراض البشعة المنظر و يخرجوه من بينهم و كل هذا ضرر من جهة اللعين إبليس. و قد روي أن زوجته ع كانت تخدم الناس في منازلهم و تصير إليه بما يأكله و يشربه و كان الشيطان يلقي إليهم أن داءه يعدي و يحسن إليهم تجنب خدمة زوجته من حيث كانت تباشر قروحه و تمس جسده و هذه مضار لا شبهة فيها فأما قوله تعالى في سورة الأنبياء وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ فلا ظاهر لها أيضا يقتضي ما ذكروه لأن الضر هو الضرر الذي قد يكون محنة كما يكون عقوبة فأما ما روي في هذا الباب عن جملة المفسرين فمما لا يلتفت إلى مثله لأن هؤلاء لا يزالون يضيفون إلى ربهم تعالى و إلى رسله ع كل قبيح و يقرفونهم بكل عظيم و في روايتهم هذه السخيفة ما إذا تأمله المتأمل علم أنه موضوع باطل مصنوع لأنهم رووا أن الله تعالى سلط إبليس على مال أيوب ع و غنمه و أهله فلما أهلكهم و دمر عليهم و رأى صبره و تماسكه قال إبليس لربه يا رب إن أيوب قد علم أنه ستخلف له ماله و ولده فسلطني على جسده فقال قد سلطتك على جسده إلا قلبه و بصره قال فأتاه فنفخه من لدن قرنه إلى قدمه فصار قرحة واحدة فقذف على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين و أشهرا يختلف الدواب في جسده إلى شرح طويل نصون كتابنا عن ذكر تفصيله فمن يقبل عقله هذا الجهل و الكفر كيف يوثق بروايته و من لا يعلم أن الله تعالى لا يسلط إبليس على خلقه و أن إبليس لا يقدر على أن يقرح الأجساد و لا أن يفعل الأمراض كيف يعتمد روايته فأما هذه الأمراض النازلة بأيوب ع فلم يكن إلا اختبارا و امتحانا و تعريضا للثواب بالصبر عليها و العوض العظيم النفيس في مقابلتها و هذه سنة الله تعالى في أصفيائه و أوليائه
فقد روي عن الرسول ص أنه قال و قد سئل أي الناس أشد بلاء فقال الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس
فظهر من صبره على محنته و تماسكه ما صار إلى الآن مثلا حتى روي أنه كان في خلال ذلك كله شاكرا محتسبا ناطقا بما له فيه من المنفعة و الفائدة و أنه ما سمعت له شكوى و لا تفوه بتضجر و لا تبرم فعوضه الله تعالى مع نعيم الآخرة العظيم الدائم أن رد عليه ماله و أهله و ضاعف عددهم في قوله وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ و في سورة ص وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ثم مسح ما به و شفاه و عافاه و أمره على ما وردت به الرواية يركض رجله الأرض فظهرت عين اغتسل منها فتساقط ما كان على جسده من الداء قال الله ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ و الركض هو التحريك و منه ركضت الدابة انتهى كلامه أعلى الله مقامه. أقول لا أعرف وجها لهذا الإنكار الفظيع و التشنيع على تلك الرواية و لا أعرف فرقا بين ما صدر من أشقياء الإنس بالنسبة إلى الأنبياء حيث خلاهم الله مع إرادتهم بمقتضى حكمته الكاملة و لم يمنعهم عنها و بين ما نقل من تسليط إبليس في تلك الواقعة و الجواب مشترك نعم لا يجوز أن يتسلط الشيطان على أديانهم كما دلت عليه الآيات و أما الأبدان فلم يقم دليل على نفي تسلطه عليها أحيانا لضرب من المصلحة و كيف لا و هو الذي يغري جميع الأشرار في قتل الأخيار و إضرارهم و أيضا أي دليل قام على امتناع قدرة إبليس على فعل يوجب تقريح الأجساد و حدوث الأمراض و أي فرق بين الشياطين و الإنس في ذلك نعم لو قيل بعدم ثبوت بعض الخصوصيات من جهة الأخبار لأمكن ذلك لكن الحكم بنفيها بمجرد الاستبعاد غير موجه و الله يعلم. تكملة قال الثعلبي في العرائس قال وهب و كعب و غيرهما من أهل الكتاب كان أيوب النبي ع رجلا من الروم و كان رجلا طويلا عظيم الرأس جعد الشعر حسن العينين و الخلق قصير العنق غليظ الساقين و الساعدين و كان مكتوبا على جبهته المبتلى الصابر و هو أيوب بن أموص بن رازخ بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم و كانت أمه من ولد لوط بن هاران ع و كان الله تعالى قد اصطفاه و نبأه و بسط عليه الدنيا و كانت له البثنة من أرض الشام كلها سهلها و جبلها بما فيها و كان له فيها من أصناف المال كله من الإبل و البقر و الخيل و الغنم و الحمر ما لا يكون للرجل أفضل منه في العدة و الكثرة و كان له بها خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة و ولد و مال و تحمل آلة كل فدان أتان لكل أتان ولد من اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة و فوق ذلك و كان الله تعالى أعطاه أهلا و ولدا من رجال و نساء و كان برا تقيا رحيما بالمساكين يكفل الأرامل و الأيتام و يكرم الضيف و يبلغ ابن السبيل و كان شاكرا لأنعم الله تعالى مؤديا لحق الله تعالى قد امتنع من عدو الله إبليس أن يصيب منه ما يصيب من أهل الغنى من الغرة و الغفلة و السهو و التشاغل من أمر الله تعالى بما هو فيه من الدنيا و كان معه ثلاثة قد آمنوا به و صدقوه و عرفوا فضله رجل من أهل اليمن يقال له اليفن و رجلان من أهل بلاده يقال لأحدهما بلدد و للآخر صافن و كانوا كهولا.
قال وهب إن لجبرئيل ع بين يدي الله تعالى مقاما ليس لأحد من الملائكة في القربة و الفضيلة و إن جبرئيل هو الذي يتلقى الكلام فإذا ذكر الله تعالى عبدا بخير تلقاه جبرئيل ثم لقاه ميكائيل و حوله الملائكة المقربون حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ فإذا شاع ذلك في الملائكة المقربين شاعت الصلوات على ذلك العبد من أهل السماوات فإذا صلت عليه ملائكة السماوات هبطت عليه بالصلوات إلى ملائكة الأرض و كان إبليس لعنه الله لا يحجب عن شيء من السماوات و كان يقف فيهن حيثما أراد و من هناك وصل إلى آدم حين أخرجه من الجنة فلم يزل على ذلك يصعد في السماوات حتى رفع الله تعالى عيسى ابن مريم ع فحجب من أربع و كان يصعد في ثلاث فلما بعث الله تعالى محمدا ص حجب من الثلاث الباقية فهو و جنوده محجوبون من جميع السماوات إلى يوم القيامة إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ قال فلما سمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلوات على أيوب ع و ذلك حين ذكره الله تعالى و أثنى عليه فأدركه البغي و الحسد فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه فقال يا إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك و عافيته فحمدك ثم لم تجربه بشدة و بلاء و أنا لك زعيم لئن ضربته ببلاء ليكفرن بك و لينسينك فقال الله تعالى انطلق فقد سلطتك على ماله فانقض عليه عدو الله حتى وقع إلى الأرض ثم جمع عفاريت الشياطين و عظماءهم فقال لهم ما ذا عندكم من القوة و المعرفة فإني قد سلطت على مال أيوب و هي المصيبة الفادحة و الفتنة التي لا يصبر عليها الرجال قال عفريت من الشياطين أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار و أحرقت كل شيء آتي عليه فقال له إبليس فأت الإبل و رعاءها فانطلق يؤم الإبل و ذلك حين وضعت رءوسها و ثبتت في مراعيها فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار تنفح منها أرواح السموم لا يدنو منها أحد
إلا احترق فلم يزل يحرقها و رعاءها حتى أتى على آخرها فلما فرغ منها تمثل إبليس براعيها ثم انطلق يؤم أيوب حتى وجده قائما يصلي فقال يا أيوب قال لبيك قال هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترته و عبدته بإبلك و رعائها قال أيوب أيها إنها ماله أعارنيه و هو أولى به إذا شاء تركه و إن شاء نزعه و قديما ما وطنت نفسي و مالي على الفناء. فقال إبليس فإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت كلها فترك الناس مبهوتين وقوفا عليها يتعجبون منها منهم من يقول ما كان أيوب يعبد شيئا و ما كان إلا في غرور و منهم من يقول لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه و منهم من يقول بل هو الذي فعل ما فعل يشمت به عدوه و يفجع به صديقه قال أيوب الحمد لله حين أعطاني و حين نزع مني عريانا خرجت من بطن أمي و عريانا أعود في التراب و عريانا أحشر إلى الله تعالى ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك الله و تجزع حين قبض عاريته الله أولى بك و بما أعطاك و لو علم الله فيك أيها العبد خيرا لقبل روحك مع تلك الأرواح فآجرني فيك و صرت شهيدا و لكنه علم منك شرا فأخرك الله و خلصك من البلاء كما يخلص الزؤان من القمح الخالص فرجع إبليس لعنه الله إلى أصحابه خاسئا ذليلا فقال لهم ما ذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلبه قال عفريت من عظمائهم عندي من القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه قال له إبليس فأت الغنم و رعاءها فانطلق يؤم الغنم و رعاءها حتى إذا توسطها صاح صوتا تجثمت أمواتا من عند آخرها و مات رعاؤها ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الرعاء حتى جاء أيوب و هو قائم يصلي فقال له القول الأول و رد عليه أيوب الرد الأول ثم إن إبليس رجع إلى أصحابه فقال لهم ما ذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلب أيوب فقال عفريت من عظمائهم عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا تنسف كل شيء فآتي عليه حتى لا أبقي منها شيئا قال له إبليس فأت الفدادين و الحرث فانطلق يؤمهم و ذلك حين قرنوا الفدادين و أنشئوا في الحرث و أولادها رتوع فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كأنه لم يكن ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الحرث حتى جاء أيوب و هو قائم يصلي فقال له مثل قوله الأول و رد عليه أيوب مثل رده الأول فجعل إبليس يصيب ماله مالا مالا حتى مر على آخره كلما انتهى إليه هلاك مال من ماله حمد الله و أحسن عليه الثناء و رضي بالقضاء و وطن نفسه للصبر على البلاء حتى لم يبق له مال فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله و لم ينجح منه بشيء صعد سريعا حتى وقف الموقف الذي كان يقفه فقال إلهي إن أيوب يرى أنك ما متعته بنفسه و ولده فأنت معطيه المال فهل أنت مسلطي على ولده فإنها الفتنة المضلة و المصيبة التي لا يقوم لها قلوب الرجال و لا يقوى عليها صبرهم فقال الله تعالى انطلق فقد سلطتك على ولده. فانقض عدو الله حتى جاء بني أيوب ع و هم في قصرهم فلم يزل يزلزل بهم حتى تداعى من قواعده ثم جعل يناطح جدره بعضها ببعض و يرميهم بالخشب و الجندل حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع بهم القصر و قلبه فصاروا منكبين و انطلق إلى أيوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة و هو جريح مشدوخ الوجه
يسيل دمه و دماغه و أخبره بذلك و قال يا أيوب لو رأيت بنيك كيف عذبوا و كيف قلبوا فكانوا منكسين على رءوسهم يسيل دماؤهم و دماغهم من أنوفهم و أشفارهم و أجوافهم و لو رأيت كيف شقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم لتقطع قلبك فلم يزل يقول هذا و نحوه و يرققه حتى رق أيوب ع فبكى و قبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه فاغتنم إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ثم لم يلبث أيوب أن فاء و أبصر فاستغفر و صعد قرناؤه من الملائكة بتوبته فبدروا إبليس إلى الله تعالى و هو أعلم فوقف إبليس خاسئا ذليلا فقال يا إلهي إنما هون على أيوب خطر المال و الولد إنه يرى أنك ما متعته بنفسه فأنت تعيد له المال و الولد فهل أنت مسلطي على جسده فإني لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك و ليكفرن بك و ليجحدن نعمتك فقال الله عز و جل انطلق فقد سلطتك على جسده و لكن ليس لك سلطان على لسانه و لا على قلبه و لا على عقله و كان الله هو أعلم به لم يسلطه عليه إلا رحمة ليعظم له الثواب و جعله عبرة للصابرين و ذكرى للعابدين في كل بلاء نزل ليأنسوا به بالصبر و رجاء الثواب. فانقض عدو الله تعالى سريعا فوجد أيوب ع ساجدا فعجل قبل أن يرفع رأسه فأتاه من قبل الأرض في موضع وجهه فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده فرهل و خرج به من فرقه إلى قدمه ثآليل مثل أليات الغنم و وقعت فيه حكة لا يملكها فحك بأظفاره حتى سقطت كلها ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها ثم حكها بالفخار و الحجارة الخشنة فلم يزل يحكها حتى نغل لحمه و تقطع و تغير و أنتن فأخرجه أهل القرية فجعلوه على كناسة و جعلوا له عريشا و رفضه خلق الله كلهم غير امرأته و هي رحمة بنت إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله تعالى و سلامه على نبينا و عليهم و كانت تختلف إليه بما يصلحه و تلزمه فلما رأت الثلاثة من أصحابه و هم يفن و بلدد و صافن ما ابتلاه الله تعالى به اتهموه و رفضوه من غير أن يتركوا دينه فلما طال به البلاء انطلقوا إليه و هو في بلائه فبكتوه و لاموه و قالوا له تب إلى الله عز و جل من الذنب الذي عوقبت به. قالا و حضره معهم فتى حديث السن و كان قد آمن به و صدقه فقال لهم إنكم تكلمتم أيها الكهول و كنتم أحق بالكلام لأسنانكم و لكن قد تركتم من القول أحسن من الذي قلتم و من الرأي أصوب من الذي رأيتم و من الأمر أجمل من الذي أتيتم و قد كان لأيوب ع عليكم من الحق و الذمام أفضل من الذي وصفتم فهل تدرون أيها الكهول حق من انتقصتم و حرمة من انتهكتم و من الرجل الذي عبتم و اتهمتم أ لم تعلموا أن أيوب نبي الله و خيرته و صفوته من أهل الأرض يومكم هذا ثم لم تعلموا و لم يطلعكم الله تعالى على أنه سخط شيئا من أمره منذ أتاه ما أتاه إلى يومكم هذا و لا على أنه نزع منه شيئا من الكرامة التي أكرمه بها و لا أن أيوب فعل غير الحق في طول ما صحبتموه إلى يومكم هذا فإن كان البلاء هو الذي أزرى عندكم و وضعه في أنفسكم فقد علمتم أن الله تعالى يبتلي النبيين و الشهداء و الصالحين ثم ليس بلاؤه
لأولئك بدليل على سخطه عليهم و لا لهوانه لهم و لكنها كرامة و خيرة لهم و لو كان أيوب ليس من الله تعالى بهذه المنزلة إلا أنه أخ آخيتموه على وجه الصحبة لكان لا يجمل بالحليم أن يعذل أخاه عند البلاء و لا يعيره بالمصيبة و لا يعيبه بما لا يعلم و هو مكروب حزين و لكنه يرحمه و يبكي معه و يستغفر له و يحزن لحزنه و يدل على مراشد أمره و ليس بحكيم و لا رشيد من جهل هذا فالله الله أيها الكهول و قد كان في عظمة الله و جلاله و ذكر الموت ما يقطع ألسنتكم و يكسر قلوبكم أ لم تعلموا أن لله تعالى عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي و لا بكم و إنهم لهم الفصحاء و البلغاء و الأولياء النبلاء الألباء العالمون بالله و بآياته و لكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم و اقشعرت جلودهم و انكسرت قلوبهم و طاشت عقولهم إعظاما لله و إعزازا و إجلالا فإذا استفاقوا استبقوا إلى الله تعالى بالأعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الخاطئين و الظالمين و إنهم لأبرار و مع المقصرين المفرطين و إنهم لأكياس أقوياء و لكنهم لا يستكثرون لله الكثير و لا يرضون له بالقليل و لا يدلون عليه بالأعمال فهم مروعون خاشعون مستكينون فقال أيوب ع إن الله تعالى يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير و الكبير فمتى تنبت في القلب يظهرها الله تعالى على اللسان و ليست تكون الحكمة من قبل السن و الشيبة و لا طول التجربة و إذا جعل الله تعالى العبد حكيما في الصغر لم تسقط منزلته عند الحكماء و هم يرون من الله تعالى عليه نور الكرامة. ثم أقبل أيوب ع على الثلاثة فقال أتيتموني غضابا رهبتم قبل أن تسترهبوا و بكيتم قبل أن تضربوا كيف بي لو قلت لكم تصدقوا عني بأموالكم لعل الله تعالى أن يخلصني و قربوا عني قربانا لعل الله تعالى يتقبله و يرضى عني و إنكم قد أعجبتكم أنفسكم و ظننتم أنكم قد عوفيتم بإحسانكم فهنالك بغيتم و تعززتم و لو نظرتم فيما بينكم و بين ربكم ثم صدقتم لوجدتم لكم عيوبا سترها الله تعالى بالعافية التي ألبسكم و قد كنت فيما خلا و الرجال يوقرونني و أنا مسموع كلامي معروف حقي منتقم من خصمي فأصبحت اليوم و ليس لي رأي و لا كلام معكم فإنكم كنتم أشد علي من مصيبتي. ثم أعرض عنهم و أقبل على ربه تعالى مستغيثا به متضرعا إليه فقال رب لأي شيء خلقتني ليتني إذ كرهتني لم تخلقني يا ليتني كنت حيضة ألقتني أمي و يا ليتني عرفت الذنب الذي أذنبت و العمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني لو كنت أمتني فألحقني بآبائي فالموت كان أجمل إلي أ لم أكن للغريب دارا و للمسكين قرارا و لليتيم وليا و للأرملة قيما إلهي أنا عبد ذليل إن أحسنت فالمن لك و إن أسأت فبيدك عقوبتي جعلتني للبلاء غرضا و للفتنة نصبا و قد وقع علي بلاء لو سلطته على جبل ضعف عن حمله فكيف يحمله ضعفي إلهي تقطعت أصابعي فإني لأرفع الأكلة من الطعام بيدي جميعا فما تبلغان فمي إلا على الجهد مني تساقطت لهواتي و لحم رأسي فما بين أذني من سداد حتى أن أحدهما يرى من الآخر و إن دماغي ليسيل من فمي تساقط شعر عيني فكأنما حرق بالنار وجهي و حدقتاي متدليتان على خدي و ورم لساني حتى ملأ فمي فما أدخل منه طعاما إلا غصني و ورمت شفتاي حتى غطت العليا أنفي و السفلى ذقني و تقطعت أمعائي في بطني فإني لأدخله الطعام فيخرج كما
دخل ما أحسه و لا ينفعني ذهبت قوة رجلي فكأنهما قربتا ماء لا أطيق حملهما ذهب المال فصرت أسأل بكفي فيطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة فيمنها علي و يعيرني هلك أولادي و لو بقي أحد منهم أعانني على بلائي و نفعني و قد ملني أهلي و عقني أرحامي و تنكرت معارفي و رغب عني صديقي و قطعني أصحابي و جحدت حقوقي و نسيت صنائعي أصرخ فلا يصرخونني و أعتذر فلا يعذرونني دعوت غلامي فلم يجبني و تضرعت لأمتي فلم ترحمني و إن قضاءك هو الذي أذلني و أقمأني و إن سلطانك هو الذي أسقمني و أنحل جسمي و لو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري و أطلق لساني حتى أتكلم بملء فمي بمكان ينبغي للعبد أن يحاج عن نفسه لرجوت أن يعافيني عند ذلك مما بي و لكنه ألقاني و تعالى عني فهو يراني و لا أراه و يسمعني و لا أسمعه لا نظر إلي فرحمني و لا دنا مني و لا أدناني فأتكلم ببراءتي و أخاصم عن نفسي. فلما قال ذلك أيوب ع و أصحابه عنده أظله غمام حتى ظن أصحابه أنه عذاب ثم نودي يا أيوب إن الله عز و جل يقول لك ها أنا قد دنوت منك و لم أزل منك قريبا فقم فأدل بعذرك و تكلم ببراءتك و خاصم عن نفسك و اشدد إزارك و قم مقام جبار فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلي و لا ينبغي أن يخاصمني إلا من يجعل الزيار في فم الأسد و السحال في فم العنقاء و اللجام في فم التنين و يكيل مكيالا من النور و يزن مثقالا من الريح و يصر صرة من الشمس و يرد أمس لقد منتك نفسك أمرا ما تبلغ بمثل قوتك و لو كنت إذ منتك ذلك و دعتك إليه تذكرت أي مرام رام بك أردت أن تخاصمني بعيك أو أردت أن تحاجني بخطابك أم أردت أن تكابرني بضعفك أين أنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها هل علمت بأي مقدار قدرتها أم كنت معي تمد بأطرافها أم تعلم ما بعد زواياها أم على أي شيء وضعت أكنافها أ بطاعتك حمل الماء الأرض أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا بعلائق سببت و لا تحملها دعم من تحتها هل يبلغ من حكمتك أن تجري نورها أو تسير نجومها أو تختلف بأمرك ليلها و نهارها أين أنت مني يوم سجرت البحار و أنبعت الأنهار أ قدرتك حبست أمواج البحار على حدودها أم قدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب و نصبت شوامخ الجبال هل لك من ذراع تطيق حملها أم هل تدري كم من مثقال فيها أم أين الماء الذي أنزلت من السماء هل تدري أم تلد أو أب يولده أ حكمتك أحصت القطر و قسمت الأرزاق أم قدرتك تثير السحاب و تجري الماء هل تدري ما أصوات الرعود أم من أي شيء لهب البرق و هل رأيت عمق البحر هل تدري ما بعد الهواء أم هل خزنت أرواح الأموات أم هل تدري أين خزانة الثلج و أين خزانة البرد أم أين جبال البرد أم هل تدري أين خزانة الليل و النهار و أين طريق النور و بأي لغة تتكلم الأشجار و أين خزانة الريح و كيف تحبسه و من جعل العقول في أجواف الرجال و من شق الأسماع و الأبصار و من ذلت الملائكة لملكه و قهر الجبارين بجبروته و قسم أرزاق الدواب بحكمته من قسم للأسد أرزاقها و عرف الطير معايشها و عطفها على أفراخها من أعتق الوحش من الخدمة و جعل مساكنها البرية لا تستأنس بالأصوات و لا تهاب المسلطين أم من حكمتك عطفت أمهاتها عليها حتى أخرجت لها الطعام من بطونها و آثرتها بالعيش على نفوسها
أم من حكمتك تبصر العقاب الصيد البعيد و أصبح في أماكن القتلى. فقال أيوب ع قصرت عن هذا الأمر الذي تعرض علي ليت الأرض انشقت لي فذهبت فيها و لم أتكلم بشيء يسخط ربي اجتمع علي البلاء إلهي قد جعلتني لك مثل العدو و قد كنت تكرمني و تعرف نصحي و قد علمت أن كل الذي ذكرت صنع يديك و تدبير حكمتك و أعظم من هذا لو شئت عملت لا يعجزك شيء و لا يخفى عليك خافية و لا يغيب عنك غائبة من هذا الذي يظن أن يسر عنك سرا و أنت تعلم ما تخطر على القلوب و إنما تكلمت لتعذرني و سكت حين سكت لترحمني كلمة زلت عن لساني فلن أعود و قد وضعت يدي على فمي و عضضت على لساني و ألصقت بالتراب خدي و دمست فيه وجهي لصغاري و سكت كما أسكتتني خطيئتي فاغفر لي ما قلت فلن أعود لشيء تكرهه مني. فقال الله تعالى يا أيوب نفذ فيك علمي و سبقت رحمتي غضبي إذا خطئت فقد غفرت لك و رددت عليك أهلك و مالك و مثلهم معهم لتكون لمن خلفك آية و تكون عبرة لأهل البلاء و عزا للصابرين ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ فيه شفاء و قرب عن صحابتك قربانا و استغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فأذهب الله تعالى عنه كل ما كان به من البلاء ثم خرج فجلس و أقبلت امرأته فقامت تلتمسه في مضجعه فلم تجده فقامت مترددة كالواله ثم قالت يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان هاهنا فقال لها فهل تعرفينه إذا رأيته قالت نعم و ما لي لا أعرفه فتبسم و قال أنا هو فعرفته بمضحكه فاعتنقته و قال ابن عباس فو الذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى مر بهما كل مال لهما و ولد فذلك قوله وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ. و اختلف العلماء في وقت ندائه و مدة بلائه و السبب الذي قال لأجله مَسَّنِيَ الضُّرُّ فعن أنس بن مالك قال قال رسول الله ص إن أيوب نبي الله لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب و البعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه و يروحان فقال أحدهما لصاحبه و الله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين فقال له صاحبه و ما ذاك قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله عز و جل فيكشف ما به فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك فقال أيوب ما أدري ما تقولان غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله تعالى فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق قال و كان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها و أوحي إلى أيوب في مكانه أن ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ فاستبطأته فتلقته تنظر و أقبل عليها و قد أذهب الله عز و جل ما به من البلاء و هو أحسن ما كان فلما رأته قالت هل رأيت نبي الله هذا المبتلى قال إني أنا هو و كان له أندران أندر للقمح و أندر للشعير فبعث الله تعالى سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض و أفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض و يروى أن الله تعالى أمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يحثي منها في ثوبه فناداه ربه أ لم أغنك عما
أرى قال بلى يا رب و لكن لا غنى بي عن فضلك و رحمتك و من يشبع من نعمك. و قال الحسن مكث أيوب مطروحا على كناسة في مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين و أشهرا يختلف فيه الدواب و قال وهب لم يكن بأيوب أكلة إنما يخرج منه مثل ثدي النساء ثم تتفقا قال الحسن و لم يبق له مال و لا ولد و لا صديق و لا أحد يقربه غير رحمة صبرت معه تصدق و تأتيه بطعام و تحمد الله تعالى معه إذا حمد و أيوب على ذلك لا يفتر من ذكر الله و الثناء عليه و الصبر على ما ابتلاه فصرخ عدو الله إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر أيوب فلما اجتمعوا إليه قالوا ما أحزنك قال أعياني هذا العبد الذي سألت الله أن يسلطني على ماله و ولده فلم أدع له مالا و لا ولدا فلم يزد بذلك إلا صبرا و ثناء على الله تعالى ثم سلطت على جسده و تركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل لا يقربه إلا امرأته فقد افتضحت بربي فاستغثت بكم لتعينوني عليه فقالوا له أين مكرك أين علمك الذي أهلكت به من مضى قال بطل ذلك كله في أمر أيوب فأشيروا علي قالوا نشير عليك أ رأيت آدم حين أخرجته من الجنة من أين أتيته قال من قبل امرأته قالوا فأته من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها و ليس أحد يقربه غيرها قال أصبتم فانطلق حتى أتى امرأته و هي تصدق فتمثل لها في صورة رجل فقال أين بعلك يا أمة الله قالت هو ذلك يحك قروحه و يتردد الدواب في جسده فلما سمعها طمع أن يكون كلمة جزع فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعيم و المال و ذكرها جمال أيوب و شبابه و ما هو فيه من الضر و أن ذلك لا ينقطع عنهم أبدا. قال الحسن فصرخت فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاه بسخلة فقال ليذبح هذا لي أيوب و لا يذكر عليه اسم الله عز و جل فإنه يبرأ قال فجاءت تصرخ يا أيوب حتى متى يعذبك ربك أ لا يرحمك أين المال أين الماشية أين الولد أين الصديق أين لونك الحسن قد تغير و صار مثل الرماد أين جسمك الحسن الذي قد بلى و تردد فيه الدواب اذبح هذه السخلة و استرح قال أيوب أتاك عدو الله فنفخ فيك و أجبته ويلك أ رأيت ما كنا فيه من المال و الولد و الصحة من أعطانيه قالت الله قال فكم متعنا به قالت ثمانين سنة قال فمذ كم ابتلاني الله تعالى بهذا البلاء قالت منذ سبع سنين و أشهر قال ويلك و الله ما عدلت و لا أنصفت ربك ألا صبرت في البلاء الذي ابتلانا الله به ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة و الله لئن شفاني الله عز و جل لأجلدنك مائة جلدة حين أمرتني أن أذبح لغير الله طعامك و شرابك الذي أتيتني به علي حرام أن أذوق مما تأتيني بعد إذ قلت لي هذا فاعزبي عني فلا أراك فطردها فذهبت فلما نظر أيوب إلى امرأته قد طردها و ليس عنده طعام و لا شراب و لا صديق خر ساجدا فقال رب إني مَسَّنِيَ الضُّرُّ ثم رد ذلك إلى ربه فقال وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فقيل له ارفع رأسك فقد استجيب لك ارْكُضْ بِرِجْلِكَ فركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها فلم يبق عليه من دائه شيء ظاهر إلا سقط فأذهب الله تعالى عنه كل ألم و كل سقم و عاد إليه شبابه و جماله أحسن ما كان و أفضل ما كان ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج فقام صحيحا و كسي حلة قال فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من أهل و مال إلا و قد أضعفه الله تعالى له فخرج حتى جلس على مكان مشرف. ثم إن امرأته قالت أ رأيت إن كان طردني إلى من أكله أدعه يموت جوعا و يضيع فتأكله السباع لأرجعن إليه فرجعت فلا كناسة ترى و لا تلك الحال التي كانت و إذا الأمور تغيرت فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة و تبكي على أيوب قال و هابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأله عنه فأرسل إليها أيوب فدعاها فقال ما تريدين
يا أمة الله فبكت و قالت أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذا على الكناسة لا أدري أ ضاع أم ما فعل قال لها أيوب ما كان منك فبكت فقالت بعلي فهل رأيته قال و هل تعرفينه إذا رأيته قالت و هل يخفى على أحد ربه ثم جعلت تنظر إليه و هي تهابه ثم قالت أما إنه كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحا قال فإني أنا أيوب الذي أمرتني أن أذبح لإبليس و إني أطعت الله تعالى و عصيت الشيطان و دعوت الله تعالى فرد علي ما ترين و قال كعب كان أيوب في بلائه سبع سنين و قال وهب لبث أيوب في ذلك البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما واحدا فلما غلب أيوب إبليس و لم يستطع منه شيئا اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم و الجسم و الجمال على مركب ليس من مراكب الناس له عظم و بهاء و جمال فقال أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى قالت نعم قال فهل تعرفيني قالت لا قال فأنا إله الأرض و أنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت و ذلك أنه عبد إله السماء و تركني فأغضبني و لو سجد لي واحدة رددت عليه و عليك كل ما كان لكما من مال و ولد فإنه عندي ثم أراها إياهم فيما ترى ببطن الوادي الذي لقيها فيه قال وهب و قد سمعت أنه قال لو أن صاحبك أكل طعاما و لم يسم عليه لعوفي مما به من البلاء و الله أعلم و أراد عدو الله أن يأتيه من قبلها. و رأيت في بعض الكتب أن إبليس لعنه الله قال لرحمة و إن شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال و الأولاد و أعافي زوجك فرجعت إلى أيوب عليه الصلاة و السلام فأخبرته بما قال لها و ما أراها قال لقد أتاك عدو الله لفتنك عن دينك ثم أقسم إن عافاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة و قال عند ذلك مَسَّنِيَ الضُّرُّ في طمع إبليس في سجود رحمة له و دعائه إياها و إياي إلى الكفر قالوا ثم إن الله تعالى رحم رحمة امرأة أيوب بصبرها معه على البلاء و خفف عنها و أراد أن يبر يمين أيوب فأمره أن يأخذ جماعة من الشجرة يبلغ مائة قضيب خفافا لطافا فيضربها بها ضربة واحدة كما قال الله تعالى وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ و قال كانت امرأة أيوب تكتسب له و تعمل للناس و تجيئه بقوته فلما طال عليها البلاء و سئمها الناس فلم يستعملها التمست له يوما من الأيام ما تطعمه فما وجدت شيئا فجزت قرنا من رأسها فباعته برغيف فأتته به فقال لها أين قرنك فأخبرته فقال عند ذلك مَسَّنِيَ الضُّرُّ. و قيل إنما قال ذلك حين قصدت الدود قلبه و لسانه فخشي أن يبقى خاليا عن الذكر و الفكر و قيل إنما قال ذلك حين وقعت دودة من فخذه فرفعها و ردها إلى موضعها فقال لها قد جعلني الله طعامك فعضته عضة زاد ألمها على جميع ما قاسى من عض الديدان. و قال عبد الله بن عبيد الله بن عمير كان لأيوب ع أخوان فأتياه فقاما من بعيد لا يقدران الدنو منه من ريحه فقال أحدهما لصاحبه لو كان الله تعالى علم في أيوب خيرا ما ابتلاه بما نرى قال فلم يسمع أيوب شيئا كان أشد عليه من هذه الكلمة و ما جزع من شيء أصابه جزعة من تلك الكلمة فعند ذلك قال مَسَّنِيَ الضُّرُّ ثم قال اللهم إنك تعلم أني لم أبت ليلة شبعان قط و أنا أعلم مكان جائع فصدقني فصدق و هما يسمعان ثم قال اللهم إن كنت تعلم أني لم أتخذ قميصي قط و أنا أعلم مكان عار فصدقني فصدق و هما يسمعان فخر ساجدا و قيل معناه مسني الضر من شماتة الأعداء يدل عليه ما روي أنه قيل بعد ما عوفي ما كان أشد عليك في بلائك قال شماتة الأعداء. قوله تعالى فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً اختلف العلماء في كيفية ذلك فقال إنما أتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا و إنما وعد الله تعالى أيوب أن يؤتيه إياهم في الآخرة قال وهب كان له سبع بنات و ثلاثة بنين و قال آخرون بل ردهم الله تعالى
إليه بأعيانهم و أعطاه مثلهم معهم و هو قول ابن مسعود و ابن عباس و قتادة و كعب قال أحياهم الله تعالى و آتاه مثلهم و هذا القول أشبه بظاهر الآية و ذكر أن عمر أيوب ع كان ثلاثا و تسعين سنة و أنه أوصى عند موته إلى ابنه حومل و أن الله تعالى بعث بعده ابنه بشر بن أيوب نبيا و سماه ذا الكفل و أمره بالدعاء إلى توحيده و أنه كان مقيما بالشام عمره حتى مات و كان مبلغ عمره خمسا و تسعين سنة و أن بشرا أوصى إلى ابنه عبدان و أن الله تعالى بعث بعده شعيبا نبيا. بيان البثنية بضم الباء و فتح الثاء اسم موضع و الفدادين بالتخفيف البقر التي تحرث و الواحد الفدان بالتشديد و الإعصار ريح تثير الغبار و يرتفع إلى السماء كأنه عمود و تنفح بالحاء المهملة تشم و أيها بالفتح و النصب أمر بالسكوت و الزؤان بالضم و الكسر حب يخالط البر و الكلم الجرح و جثم الإنسان و الطائر لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره و تداعت الحيطان للخراب أي تهادمت قوله يناطح جدره أي يقع بعضها على بعض و يضرب بعضها بعضا مأخوذ من نطح البهائم و الجندل الحجارة و رهل لحمه بالكسر اضطرب و استرخى و انتفخ أو ورم من غير داء و نغل بالغين المعجمة المكسورة أي فسل و التبكيت التقريع و التعنيف و السداد بالضم داء في الأنف و بالكسر ما يسد به القارورة و غيرها و هو المراد هنا و أقمأه صغره و أذله و الزيار بالكسر ما يزير به البيطار الدابة أي يلوي جحفلته و السحال ككتاب اللجام أو الحديدة التي منه تجعل في فم الدابة و دمست الشيء دفنته و خبأته و الأندر البيدر أو كدس القمح. أقول إنما أوردت هذه القصة بطولها مع عدم اعتمادي عليها لكونها كالشرح و التفصيل لبعض ما أوردته بالأسانيد المعتبرة فما وافقها فهو المعتمد و ما خالفها فلا يعول عليه و الله الموفق لكل خير