الآيات البقرة وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ آل عمران وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا الأنعام وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا و قال تعالى وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ و قال تعالى سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أنفال وَ لكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا التوبة قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ و قال تعالى فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ يونس وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ الأحزاب وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا قال وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً فاطر وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَ لا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ السجدة وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ حمعسق وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَ الظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ و قال تعالى وَ لَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ الزخرف وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ القمر إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ و قال وَ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ الحديد ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ الحشر ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ التغابن ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ الطلاق يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً
المدثر كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و قال تعالى وَ ما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ الدهر وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ و قال تعالى يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ كورت وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ تفسير وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا أي لو شاء أن يجبرهم و يلجئهم على ترك الاقتتال لفعل لكنه مناف للتكليف فلذا وكلهم إلى اختيارهم فاقتتلوا و إذن الله أمره و تقديره و قيل علمه من أذن بمعنى علم. و قال الطبرسي في قوله تعالى فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ أي لو شاء لألجأكم إلى الإيمان و هذه المشية تخالف المشية المذكورة في الآية الأولى لأن الله سبحانه أثبت هذه و نفى تلك فالأولى مشية الاختيار و الثانية مشية الإلجاء و قيل إن المراد به لو شاء لهداكم إلى نيل الثواب و دخول الجنة ابتداء من غير تكليف. قوله تعالى قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا أي مطلقا لأن ما يتوقف عليه الفعل من الأسباب و الآلات إنما هو بقدرته تعالى و هو لا ينافي الاختيار أو فيما ليس باختيار العبد من دفع البلايا و جلب المنافع و يؤيده قوله تعالى بعد ذلك وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ. قوله تعالى لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا أي قدر الله التقاءكم مع المشركين في بدر على غير ميعاد منكم ليقضي أمرا كان كائنا لا محالة أو من شأنه أن يكون هو إعزاز الدين و أهله و إذلال الشرك و أهله و معنى لِيَقْضِيَ ليفعل أو ليظهر قضاؤه. قوله تعالى فِي الزُّبُرِ أي في الكتب التي كتبتها الحفظة أو في اللوح المحفوظ و كل صغير و كبير مستطر أي و ما قدموه من أعمالهم من صغير و كبير مكتوب عليهم أو كل صغير و كبير من الأرزاق و الآجال و نحوها مكتوب في اللوح. قوله تعالى وَ ما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي إلا أن يشاء أن يجبرهم على ذلك بقرينة قوله سابقا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ و قيل إلا أن يشاء الله من حيث أمر به و نهى عن تركه فكانت مشيته سابقة أي لا يذكرون إلا و الله قد شاء ذلك
1- ب، ]قرب الإسناد[ ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه قال قيل لرسول الله ص يا رسول الله رقى يستشفى بها هل ترد من قدر الله فقال إنها من قدر الله
2- ل، ]الخصال[ الخليل بن أحمد السنجري عن محمد بن إسحاق بن خزيمة عن علي بن حجر عن شريك عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن علي ع قال قال رسول الله ص لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أني رسول الله بعثني بالحق و حتى يؤمن بالبعث بعد الموت و حتى يؤمن بالقدر
3- ل، ]الخصال[ أبو أحمد محمد بن جعفر البندار عن جعفر بن محمد بن نوح عن محمد بن عمر عن يزيد بن زريع عن بشر بن نمير عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال قال رسول الله ص أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عاق و منان و مكذب بالقدر و مدمن خمر
4- ل، ]الخصال[ حمزة العلوي عن أحمد الهمداني عن يحيى بن الحسن بن جعفر عن محمد بن ميمون الخزاز عن عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين ع قال قال رسول الله ص ستة لعنهم الله و كل نبي مجاب الزائد في كتاب الله و المكذب بقدر الله و التارك لسنتي و المستحل من عترتي ما حرم الله و المتسلط بالجبروت ليذل من أعزه الله و يعز من أذله الله و المستأثر بفيء المسلمين المستحل له
5- ل، ]الخصال[ ابن المتوكل عن محمد العطار عن محمد بن أحمد عن أحمد بن محمد عن أبي القاسم الكوفي عن عبد المؤمن الأنصاري عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إني لعنت سبعة لعنهم الله و كل نبي مجاب قبلي فقيل و من هم يا رسول الله فقال الزائد في كتاب الله و المكذب بقدر الله و المخالف لسنتي و المستحل من عترتي ما حرم الله و المتسلط بالجبرية ليعز من أذل الله و يذل من أعز الله و المستأثر على المسلمين بفيئهم مستحلا له و المحرم ما أحل الله عز و جل
6- ل، ]الخصال[ محمد بن عمر الحافظ عن محمد بن الحسين الخثعمي عن ثابت بن عامر السنجاري عن عبد الملك بن الوليد عن عمرو بن عبد الجبار عن عبد الله بن زياد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي ع قال قال النبي ص سبعة لعنهم الله و كل نبي مجاب المغير لكتاب الله و المكذب بقدر الله و المبدل سنة رسول الله و المستحل من عترتي ما حرم الله عز و جل و المتسلط في سلطانه ليعز من أذل الله و يذل من أعز الله و المستحل لحرم الله و المتكبر عبادة الله عز و جل
7- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله البرقي عن زكريا بن عمران عن أبي الحسن الأول ع قال لا يكون شيء في السماوات و الأرض إلا بسبعة بقضاء و قدر و إرادة و مشية و كتاب و أجل و إذن فمن قال غير هذا فقد كذب على الله أو رد على الله عز و جل
-8 فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله ع قال إن موسى ع سأل ربه أن يجمع بينه و بين آدم ع فجمع فقال موسى يا أبة أ لم يخلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته و أمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته قال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة قال بثلاثين سنة قال فهو ذلك قال الصادق ع فحج آدم موسى ع
بيان من أصحابنا من حمل هذا الخبر على التقية إذ قد ورد ذلك في كتبهم بطرق كثيرة و قد رواه السيد في الطرائف من طرقهم و رده و يمكن أن يقال إن المراد أنه كتب في التوراة أن الله وكل آدم إلى اختياره حتى فعل ما فعل لمصلحة إهباطه إلى الدنيا و أما كونه قبل خلقه ع فلأن التوراة كتب في الألواح السماوية في ذلك الوقت و إن وجده موسى ع بعد بعثته و يحتمل اطلاع روح موسى على ذلك قبل خلق جسد آدم و الله يعلم
9- ع أحمد بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد بن مالك عن عباد بن يعقوب عن عمر بن بشر البزاز قال قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر ع ما يستطيع أهل القدر أن يقولوا و الله لقد خلق الله آدم للدنيا و أسكنه الجنة ليعصيه فيرده إلى ما خلقه له
بيان قوله ليعصيه أي عالما بأنه يخليه مع اختياره فيعصيه فيكون اللام لام العاقبة أي ليخليه فيعصي بذلك مختارا و الله يعلم
10- مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن أحمد بن محمد عن أبيه عن حماد بن عيسى عن شعيب عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله ع شاء و أراد و لم يحب و لم يرض قلت كيف قال شاء أن لا يكون شيء إلا بعلمه و أراد مثل ذلك و لم يحب أن يقال له ثالث ثلاثة و لم يرض لعباده الكفر
11- عد، ]العقائد[ اعتقادنا في الإرادة و المشية قول الصادق ع شاء الله و أراد و لم يحب و لم يرض شاء أن لا يكون شيء إلا بعلمه و أراد مثل ذلك و لم يحب أن يقال له ثالث ثلاثة و لم يرض لعباده الكفر و قال الله عز و جل إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و قال عز و جل وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ و قال عز و جل وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ و قال عز و جل وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كما قال وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا كما قال يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَكُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ و قال عز و جل وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ و قال عز و جل وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَ ما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً و قال عز و جل وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها و قال عز و جل فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ و قال عز و جل يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ و قال الله عز و جل يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ و قال عز و جل يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ و قال يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و قال عز و جل وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً و قال عز و جل وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ فهذا اعتقادنا في الإرادة و المشية و مخالفونا يشنعون علينا في ذلك و يقولون إنا نقول إن الله عز و جل أراد المعاصي و أراد قتل الحسين ع و ليس هكذا نقول و لكنا نقول إن الله عز و جل أراد أن يكون معصية العاصين خلاف طاعة المطيعين و أراد أن تكون المعاصي غير منسوبة إليه من جهة الفعل و أراد أن يكون موصوفا بالعلم بها قبل كونها و نقول أراد الله أن يكون قتل الحسين ع معصية له خلاف الطاعة و نقول أراد أن يكون قتله منهيا عنه غير مأمور به و نقول أراد الله أن يكون مستقبحا غير مستحسن و نقول أراد الله عز و جل أن يكون قتله سخطا لله غير رضاه و نقول أراد الله عز و جل أن لا يمنع من قتله بالجبر و القدرة كما منع منه بالنهي و نقول أراد الله أن لا يدفع القتل عنه كما دفع الحرق عن إبراهيم ع حين قال عز و جل للنار التي ألقي فيها يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ و نقول لم يزل الله عالما بأن الحسين ع سيقتل و يدرك بقتله سعادة الأبد و يشقى قاتله شقاوة الأبد و نقول ما شاء الله كان و ما يشأ لم يكن هذا اعتقادنا في الإرادة و المشية دون ما نسب إلينا أهل الخلاف و المشنعون علينا من أهل الإلحاد أقول قال الشيخ المفيد نور الله ضريحه الذي ذكره الشيخ أبو جعفر رحمه الله في هذا الباب لا يتحصل و معانيه تختلف و تتناقض و السبب في ذلك أنه عمل على ظواهر الأحاديث المختلفة و لم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق و الباطل و يعمل على ما توجب الحجة و من عول في مذهبه على الأقاويل المختلفة و تقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه و الحق في ذلك أن الله تعالى لا يريد إلا ما حسن من الأفعال و لا
يشاء إلا الجميل من الأعمال و لا يريد القبائح و لا يشاء الفواحش تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا قال الله تعالى وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ و قال يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و قال يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الآية وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً فخبر سبحانه أنه لا يريد لعباده العسر بل يريد بهم اليسر و أنه يريد لهم البيان و لا يريد لهم الضلال و يريد التخفيف عنهم و لا يريد التثقيل عليهم فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنا في ذلك إرادة البيان لهم أو التخفيف عنهم و اليسر لهم فكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب إليه الضالون المفترون على الله الكذب تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ الآية فليس للمجبرة به تعلق و لا فيه حجة من قبل أن المعنى فيه من أراد الله تعالى أن ينعمه و يثيبه جزاء على طاعته شرح صدره للإسلام بالألطاف التي يحبوه بها فييسر له بها استدامة أعمال الطاعات و الهداية في هذا الموضع هي التعظيم قال الله تعالى فيما خبر به عن أهل الجنة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا الآية أي نعمنا به و أثابنا إياه و الضلال في هذه الآية هو العذاب قال الله تعالى إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ فسمي العذاب ضلالا و النعيم هداية و الأصل في ذلك أن الضلال هو الهلاك و الهداية هي النجاة. قال الله تعالى حكاية عن العرب أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ يعنون إذا هلكنا فيها و كأن المعنى في قوله فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ ما قدمناه وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ ما وصفناه و المعنى في قوله يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه و منعه الألطاف جزاء له على إساءته فشرح الصدر ثواب الطاعة بالتوفيق و تضييقه عقاب المعصية بمنع التوفيق و ليس في هذه الآية على ما بيناه شبه لأهل الخلاف فيما ادعوه من أن الله تعالى يضل عن الإيمان و يصد
عن الإسلام و يريد الكفر و يشاء الضلال و أما قوله تعالى وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً فالمراد به الإخبار عن قدرته و أنه لو شاء أن يلجئهم إلى الإيمان و يحملهم عليه بالإكراه و الاضطرار لكان على ذلك قادرا لكنه شاء تعالى منهم الإيمان على الطوع و الاختيار و آخر الآية يدل على ما ذكرناه و هو قوله أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ يريد أن الله قادر على إكراههم على الإيمان لكنه لا يفعل ذلك و لو شاءه لتيسر عليه و كل ما يتعلقون به من أمثال هذه الآية فالقول فيه ما ذكرناه أو نحوه على ما بيناه و فرار المجبرة من إطلاق القول بأن الله يريد أن يعصى و يكفر به و يقتل أولياؤه إلى القول بأنه يريد أن يكون ما علم كما علم و يريد أن يكون معاصيه قبائح منهيا عنها وقوع فيما هربوا منه و تورط فيما كرهوه و ذلك أنه إذا كان ما علم من القبيح كما علم و كان تعالى مريدا لأن يكون ما علم من القبيح كما علم فقد أراد القبيح و أراد أن يكون قبيحا فما معنى فرارهم من شيء إلى نفسه و هربهم من معنى إلى عينه فكيف يتم لهم ذلك مع أهل العقول و هل قولهم هذا إلا كقول إنسان أنا لا أسب زيدا لكني أسب أبا عمرو و زيد هو أبو عمرو و كقول اليهود إذ قالوا سخرية بأنفسهم نحن لا نكفر بمحمد ص لكنا نكفر بأحمد فهذا رعونة و جهل ممن صار إليه
12- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري عن إبراهيم بن محمد بن مروان عن جعفر بن محمد بن زياد عن أحمد بن عبد الله الجويباري عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص إن الله عز و جل قدر المقادير و دبر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي عام
ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عنه ع مثله صح، ]صحيفة الرضا عليه السلام[ عنه ع مثله
13- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه ص قال قال رسول الله ص سبق العلم و جف القلم و مضى القضاء و تم القدر بتحقيق الكتاب و تصديق الرسل و بالسعادة من الله لمن آمن و اتقى و بالشقاء لمن كذب و كفر و بالولاية من الله للمؤمنين و بالبراءة منه للمشركين ثم قال رسول الله ص إن الله يقول يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء و بإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد و بفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي و بقوتي و عصمتي و عافيتي أديت إلي فرائضي و أنا أولى بحسناتك منك و أنت أولى بذنبك مني الخير مني إليك بما أوليتك به و الشر مني إليك بما جنيت جزاء و بكثير من تسلطي لك انطويت عن طاعتي و بسوء ظنك بي قنطت من رحمتي فلي الحمد و الحجة عليك بالبيان و لي السبيل عليك بالعصيان و لك الجزاء الحسن عندي بالإحسان لم أدع تحذيرك بي و لم آخذك عند عزتك و هو قوله وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ لم أكلفك فوق طاقتك و لم أحملك من الأمانة إلا ما أقررت بها على نفسك و رضيت لنفس منك ما رضيت به لنفسك مني
14- يد، ]التوحيد[ أبي و ابن الوليد معا عن محمد العطار و أحمد بن إدريس معا عن الأشعري عن ابن يزيد عن علي بن حسان عن السكوني عن ثور بن يزيد عن خالد بن سعدان عن معاذ بن جبل عن النبي ص مثله
بيان قوله ص بتحقيق الكتاب أي جنس الكتاب فالمراد كل كتاب منزل أو القرآن أو اللوح قوله تعالى بمشيتي كنت أنت الذي تشاء أي شئت أن أجعلك شائيا مختارا و أردت أن أجعلك مريدا فجعلتك كذلك و في يد الخير مني بما أوليت بدءا فيمكن أن يقرأ أوليت على صيغة الخطاب و التكلم. قوله تعالى و بكثير من تسلطي لك أي من التسلط الذي جعلت لك على الخلق و على الأمور و انطوى عن الشيء أي هاجره و جانبه و في التوحيد مكان تلك الفقرة و بإحساني إليك قويت على طاعتي. قوله تعالى و لم آخذك عند عزتك أي لم أعذبك عند غفلتك بل وعظتك و نبهتك و حذرتك و قوله و هو قوله إلى قوله من دابة ليس في التوحيد و لا يبعد كونه كلام علي بن إبراهيم
15- فس، ]تفسير القمي[ وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى قال قدر الأشياء في التقدير الأول ثم هدى إليها من يشاء
16- ج، ]الإحتجاج[ روي أنه سئل أمير المؤمنين ع عن القضاء و القدر فقال لا تقولوا وكلهم الله إلى أنفسهم فتوهنوه و لا تقولوا جبرهم على المعاصي فتظلموه و لكن قولوا الخير بتوفيق الله و الشر بخذلان الله و كل سابق في علم الله
17- قال الرضا ع ثمانية أشياء لا تكون إلا بقضاء الله و قدره النوم و اليقظة و القوة و الضعف و الصحة و المرض و الموت و الحياة
18- و قال النبي ص يقول الله عز و جل من لم يرض بقضائي و لم يشكر لنعمائي و لم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي
19- ج، ]الإحتجاج[ روي عن علي بن محمد العسكري ع في رسالته إلى أهل الأهواز في نفي الجبر و التفويض أنه قال روي عن أمير المؤمنين ع أنه سأله رجل بعد انصرافه من الشام فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أ بقضاء و قدر فقال له أمير المؤمنين نعم يا شيخ ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله و قدره فقال الرجل عند الله أحتسب عنائي و الله ما أرى لي من الأجر شيئا فقال علي ع بلى فقد عظم الله لكم الأجر في مسيركم و أنتم ذاهبون و على منصرفكم و أنتم منقلبون و لم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين فقال الرجل و كيف لا نكون مضطرين و القضاء و القدر ساقانا و عنهما كان مسيرنا فقال أمير المؤمنين ع لعلك أردت قضاء لازما و قدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب و سقط الوعد و الوعيد و الأمر من الله و النهي و ما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب و لا محمدة لمحسن و لا كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المذنب و لا المذنب أولى بعقوبة الذنب من المحسن تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان و جنود الشيطان و خصماء الرحمن و شهداء الزور و البهتان و أهل العمى و الطغيان هم قدرية هذه الأمة و مجوسها إن الله تعالى أمر تخييرا و نهى تحذيرا و كلف يسيرا و لم يعص مغلوبا و لم يطع مكرها و لم يرسل الرسل هزلا و لم ينزل القرآن عبثا و لم يخلق السماوات وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ قال ثم تلا عليهم وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ قال فنهض الرجل مسرورا و هو يقول
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النشور من الرحمن رضوانا
و ساق الأبيات إلى قوله
أنى يحب و قد صحت عزيمته على الذي قال أعلن ذاك إعلانا
20- و روي أن الرجل قال فما القضاء و القدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين قال الأمر بالطاعة و النهي عن المعصية و التمكين من فعل الحسنة و ترك المعصية و المعونة على القربة إليه و الخذلان لمن عصاه و الوعد و الوعيد و الترغيب و الترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا و قدره لأعمالنا أما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن له محبط للأعمال فقال الرجل فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك
21- فوائد الكراجكي، عن المفيد عن محمد بن عمر الحافظ عن إسحاق بن جعفر العلوي عن أبي جعفر محمد بن علي عن سليمان بن محمد القرشي عن السكوني عن الصادق ع عن أبيه عن جده ع قال دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين ع فقال أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام إلى آخر الخبرين
-22 عد، ]العقائد[ اعتقادنا في القضاء و القدر قول الصادق ع لزرارة حين سأله فقال ما تقول في القضاء و القدر قال أقول إن الله عز و جل إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم و لم يسألهم عما قضى عليهم و الكلام في القدر منهي عنه كما قال أمير المؤمنين ع لرجل قد سأله عن القدر فقال بحر عميق فلا تلجه ثم سأله ثانية فقال طريق مظلم فلا تسلكه ثم سأله ثالثة فقال سر الله فلا تتكلفه
23- و قال أمير المؤمنين ع في القدر ألا إن القدر سر من سر الله و حرز من حرز الله مرفوع في حجاب الله مطوي عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله وضع الله عن العباد علمه و رفعه فوق شهاداتهم لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية و لا بقدرة الصمدانية و لا بعظمة النورانية و لا بعزة الوحدانية لأنه بحر زاخر مواج خالص لله عز و جل عمقه ما بين السماء و الأرض عرضه ما بين المشرق و المغرب أسود كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان تعلو مرة و تسفل أخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي أن يطلع عليها إلا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن سره و ستره و باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ
24- و روي أن أمير المؤمنين ع عدل من عند حائط مائل إلى مكان آخر فقيل له يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله فقال ع أفر من قضاء الله إلى قدر الله و سئل الصادق ع عن الرقى هل تدفع من القدر شيئا فقال هي من القدر
أقول قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح هذا الكلام عمل أبو جعفر في هذا الباب على أحاديث شواذ لها وجوه تعرفها العلماء متى صحت و ثبت أسنادها و لم يقل فيه قولا محصلا و قد كان ينبغي له لما لم يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه و القضاء معروف في اللغة و عليه شواهد من القرآن فالقضاء على أربعة أضراب أحدها الخلق و الثاني الأمر و الثالث الإعلام و الرابع القضاء بالحكم فأما شاهد الأول فقوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ و أما الثاني فقوله تعالى وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ و أما الثالث فقوله تعالى وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ و أما الرابع فقوله وَ اللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ يعني يفصل بالحكم بالحق بين الخلق و قوله وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ و قد قيل إن للقضاء معنى خامسا و هو الفراغ من الأمر و استشهد على ذلك بقول يوسف ع قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ يعني فرغ منه و هذا يرجع إلى معنى الخلق. و إذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المجبرة أن الله تعالى قضى بالمعصية على خلقه لأنه لا يخلو إما أن يكونوا يريدون به أن الله خلق العصيان في خلقه فكان يجب أن يقولوا قضى في خلقه بالعصيان و لا يقولوا قضى عليهم لأن الخلق فيهم لا عليهم مع أن الله تعالى قد أكذب من زعم أنه خلق المعاصي بقوله سبحانه الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ كما مر و لا وجه لقولهم قضى المعاصي على معنى أمر بها لأنه تعالى قد أكذب مدعي ذلك بقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ و لا معنى لقول من زعم أنه قضى بالمعاصي على معنى أنه أعلم الخلق بها إذ كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون و لا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل على التفضيل و لا وجه لقولهم إنه قضى بالذنوب على معنى أنه حكم بها بين العباد لأن أحكام الله تعالى حق و المعاصي منهم و لا لذلك فائدة و هو لغو باتفاق فبطل قول من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي و القبائح. و الوجه عندنا في القضاء و القدر بعد الذي بيناه أن لله تعالى في خلقه قضاء و قدرا في أفعالهم أيضا قضاء و قدرا معلوما و يكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها و في أفعالهم القبيحة بالنهي عنها و في أنفسهم بالخلق لها و فيما فعله فيهم بالإيجاد له و القدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقه و موضعه و في أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر و النهي و الثواب و العقاب لأن ذلك كله واقع موقعه و موضوع في مكانه لم يقع عبثا و لم يصنع باطلا. فإذا فسر القضاء في أفعال الله تعالى و القدر بما شرحناه زالت الشبهة منه و ثبتت الحجة به و وضح القول فيه لذوي العقول و لم يلحقه فساد و لا اختلال. فأما الأخبار التي رواها في النهي عن الكلام في القضاء و القدر فهي تحتمل وجهين أحدهما أن يكون النهي خاصا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم و يضلهم عن الدين و لا يصلحهم إلا الإمساك عنه و ترك الخوض فيه و لم يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين و قد يصلح بعض الناس بشيء يفسد به آخرون و يفسد بعضهم بشيء يصلح به آخرون فدبر الأئمة ع أشياعهم في الدين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه. و الوجه الآخر أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى و عن علله و أسبابه و عما أمر به و تعبد و عن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق و الأمر محظورا لأن الله تعالى سترها من أكثر خلقه أ لا ترى أنه لا يجوز لأحد
أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللا مفصلات فيقول لم خلق كذا و كذا حتى يعد المخلوقات كلها و يحصيها و لا يجوز أن يقول لم أمر بكذا و تعبد بكذا و نهى عن كذا إذ تعبده بذلك و أمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق و لم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل ما خلق و أمر به و تعبد و إن كان قد أعلم في الجملة أنه لم يخلق الخلق عبثا و إنما خلقهم للحكمة و المصلحة و دل على ذلك بالعقل و السمع فقال سبحانه وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ و قال أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً و قال إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ يعني بحق و وضعناه في موضعه و قال وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ و قال فيما تعبد لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ. و قد يصح أن يكون تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه تعالى بأنه يؤمن عند خلقه كفار أو يتوب عند ذلك فساق أو ينفع به مؤمنون أو يتعظ به ظالمون أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء و ذلك يغيب عنا و إن قطعنا في الجملة أن جميع ما صنع الله تعالى إنما صنعه لأغراض حكمية و لم يصنعه عبثا و كذلك يجوز أن يكون تعبدنا بالصلاة لأنها تقربنا من طاعته و تبعدنا عن معصيته و تكون العبادة بها لطفا لكافة المتعبدين بها أو لبعضهم. فلما خفيت هذه الوجوه و كانت مستورة عنا و لم يقع دليل على التفصيل فيها و إن كان العلم بأنها حكمة في الجملة كان النهي عن الكلام في معنى القضاء و القدر إنما هو عن طلب علل لها مفصلة فلم يكن نهيا عن الكلام في معنى القضاء و القدر. هذا إن سلمت الأخبار التي رواها أبو جعفر رحمه الله فأما إن بطلت أو اختل سندها فقد سقط عنا عهدة الكلام فيها و الحديث الذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى و المعنى فيه ظاهر ليس به على العقلاء خفاء و هو مؤيد للقول بالعدل أ لا ترى إلى
ما رواه عن أبي عبد الله ع من قوله إذا حشر الله تعالى الخلائق سألهم عما عهد إليهم و لم يسألهم عما قضى عليهم
و قد نطق القرآن بأن الخلق مسئولون عن أعمالهم انتهى كلامه رحمه الله. و أقول من تفكر في الشبه الواردة على اختيار العباد و فروع مسألة الجبر و الاختيار و القضاء و القدر علم سر نهي المعصوم عن التفكر فيها فإنه قل من أمعن النظر فيها و لم يزل قدمه إلا من عصمه الله بفضله
25- يد، ]التوحيد[ المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري ع قال قال الرضا ع فيما يصف به الرب لا يجوز في قضيته الخلق إلى ما علم منقادون و على ما سطر في كتابه ماضون لا يعملون خلاف ما علم منهم و لا غيره يريدون الخبر
26- يد، ]التوحيد[ في خبر الفتح بن يزيد عن أبي الحسن ع إن لله إرادتين و مشيتين إرادة حتم و إرادة عزم ينهى و هو يشاء و يأمر و هو لا يشاء أ و ما رأيت أن الله نهى آدم و زوجته أن يأكلا من الشجرة و هو شاء ذلك و لو لم يشأ لم يأكلا و لو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله و أمر إبراهيم بذبح ابنه و شاء أن لا يذبحه و لو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشية الله عز و جل
أقول أوردنا الخبر بإسناده و تمامه في باب جوامع التوحيد قال الصدوق رحمه الله بعد إيراد هذا الخبر إن الله تعالى نهى آدم و زوجته عن أن يأكلا من الشجرة و قد علم أنهما يأكلان منها لكنه عز و جل شاء أن لا يحول بينهما و بين الأكل منها بالجبر و القدرة كما منعهما عن الأكل منها بالنهي و الزجر فهذا معنى مشيته فيهما و لو شاء عز و جل منعهما من الأكل بالجبر ثم أكلا منها لكان مشيتهما قد غلبت مشية الله كما قال العالم تعالى الله عن العجز علوا كبيرا. بيان قيل المراد بالمشية في تلك الأخبار هو العلم و قيل هي تهيئة أسباب الفعل بعد إرادة العبد ذلك الفعل و قيل إرادة بالعرض يتعلق بفعل العبد و الأصوب أنها عبارة عن منع الألطاف و الهدايات الصارفة عن الفعل و الداعية إليه لضرب من المصلحة أو عقوبة لما صنع العبد بسوء اختياره كما مر بيانه
27- يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الكليني عن ابن عامر عن المعلى قال سئل العالم ع كيف علم الله قال علم و شاء و أراد و قدر و قضى و أمضى فأمضى ما قضى و قضى ما قدر و قدر ما أراد فبعلمه كانت المشية و بمشيته كانت الإرادة و بإرادته كان التقدير و بتقديره كان القضاء و بقضائه كان الإمضاء فالعلم متقدم على المشية و المشية ثانية و الإرادة ثالثة و التقدير واقع على القضاء بالإمضاء فلله تبارك و تعالى البداء فيما علم متى شاء و فيما أراد لتقدير الأشياء فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء فالعلم بالمعلوم قبل كونه و المشية في المشاء قبل عينه و الإرادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عيانا و قياما و القضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذي لون و ريح و وزن و كيل و ما دب و درج من إنس و جن و طير و سباع و غير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تبارك و تعالى فيه البداء مما لا عين له فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء و الله يفعل ما يشاء و بالعلم علم الأشياء قبل كونها و بالمشية عرف صفاتها و حدودها و أنشأها قبل إظهارها و بالإرادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها و حدودها و بالتقدير قدر أقواتها و عرف أولها و آخرها و بالقضاء أبان للناس أماكنها و دلهم عليها و بالإمضاء شرح عللها و أبان أمرها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
بيان قوله ع قبل تفصيلها و توصيلها أي في لوح المحو و الإثبات أو في الخارج قوله ع فإذا وقع العين المفهوم المدرك أي فصل و ميز في اللوح أو أوجد في الخارج و لعل تلك الأمور عبارة عن اختلاف مراتب تقديرها في لوح المحو و الإثبات قد جعلها الله من أسباب وجود الشيء و شرائطه لمصالح و قد مر بيانها في باب البداء فالمشية كتابة وجود زيد و بعض صفاته مثلا مجملا و الإرادة كتابة العزم عليه بتا مع كتابة بعض صفاته أيضا و التقدير تفصيل بعض صفاته و أحواله لكن مع نوع من الإجمال أيضا و القضاء تفصيل جميع الأحوال و هو مقارن للإمضاء أي الفعل و الإيجاد و العلم بجميع تلك الأمور أزلي قديم فقوله و بالمشية عرف على صيغة التفعيل و شرح العلل كناية عن الإيجاد. و قال بعض الأفاضل الظاهر من السؤال أنه كيف علم الله أ بعلم مستند إلى الحضور العيني في وقته و الشهود لموجود عيني أو في موجود عيني كما في علومنا أو بعلم مستند إلى الذات سابق على خلق الأشياء فأجاب ع بأن العلم سابق على وجود المخلوق بمراتب فقال علم و شاء و أراد و قدر و قضى و أمضى فالعلم ما به ينكشف الشيء و المشية ملاحظته بأحوال مرغوب فيها يوجب فينا ميلا دون المشية له سبحانه لتعاليه عن التغير و الاتصاف بالصفة الزائدة و الإرادة تحريك الأسباب نحوه بحركة نفسانية فينا بخلاف الإرادة فيه سبحانه و القدر التحديد و تعيين الحدود و الأوقات و القضاء هو الإيجاب و الإمضاء هو الإيجاد فوجود الخلق بعد علمه سبحانه بهذه المراتب و قوله فأمضى ما قضى أي فأوجد ما أوجب و أوجب ما قدر و قدر ما أراد ثم استأنف البيان على وجه أوضح فقال بعلمه كانت المشية و هي مسبوقة بالعلم و بمشيته كانت الإرادة و هي مسبوقة بالمشية و بإرادته كان التقدير و التقدير مسبوق بالإرادة و بتقديره كان القضاء و الإيجاب و هو مسبوق بالتقدير إذ لا إيجاب إلا للمحدد الموقوف و بقضائه و إيجابه كان الإمضاء و الإيجاد و لله تعالى البداء فيما علم متى شاء فإن الدخول في العلم أول مراتب السلوك إلى الوجود العيني و له البداء فيما علم متى شاء أن يبدو و فيما أراد و حرك الأسباب نحو تحريكه متى شاء قبل القضاء و الإيجاب فإذا وقع القضاء و الإيجاب متلبسا بالإمضاء و الإيجاد فلا بداء فعلم أن في المعلوم العلم قبل كون المعلوم و حصوله في الأذهان و الأعيان و في المشاء المشية قبل عينه و وجوده العيني و في أكثر النسخ المنشأ و لعل المراد به الإنشاء قبل الإظهار كما في آخر الحديث و في المراد الإرادة قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها و حضورها العيني في أوقاتها و القضاء بالإمضاء هو المبرم الذي يلزمه وجود المقضي فبالعلم علم الأشياء قبل كونها و أصل العلم غير مرتبط بنحو من الحصول للمعلوم و لو في غيره بصورته المتحددة و لا يوجب نفس العلم و الانكشاف بما هو علم و انكشاف للأشياء إنشاءها و بالمشية و معرفتها بصفاتها و حدودها أنشأها إنشاء قبل الإظهار و الإدخال في الوجود العيني و بالإرادة و تحريك الأسباب نحو وجودها العيني ميز بعضها عن بعض بتخصيص تحريك الأسباب نحو وجود بعض دون بعض و بالتقدير قدرها و عين و حدد أقواتها و أوقاتها و آجالها و بالقضاء و إيجابها بموجباتها أظهر للناس أماكنها و دلهم عليها بدلائلها فاهتدوا إلى العلم بوجودها حسب ما يوجبه الموجب بعد العلم بالموجب و بالإمضاء و الإيجاد أوضح تفصيل عللها و أبان أمرها بأعيانها
28- يد، ]التوحيد[ القطان عن أحمد الهمداني عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه عن مروان بن مسلم عن الثمالي عن ابن طريف عن الأصبغ قال قال أمير المؤمنين ع أوحى الله تعالى إلى داود يا داود تريد و أريد و لا يكون إلا ما أريد فإن أسلمت لما أريد أعطيتك ما تريد و إن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد
29- يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن العرزمي عن أبي عبد الله ع قال كان لعلي ع غلام اسمه قنبر و كان يحب عليا ع حبا شديدا فإذا خرج علي ع خرج على أثره بالسيف فرآه ذات ليلة فقال يا قنبر ما لك قال جئت لأمشي خلفك فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك قال ويحك أ من أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض قال لا بل من أهل الأرض قال إن أهل الأرض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عز و جل من السماء فارجع فرجع
30- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن زيد الحشام عن أبي عبد الله ع قال إن أمير المؤمنين ع جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس فقال بعضهم لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور فقال أمير المؤمنين حرس امرؤ أجله فلما قام سقط الحائط قال و كان أمير المؤمنين ع يفعل هذا و أشباهه و هذا اليقين
31- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الوشاء عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة عن سعيد بن قيس الهمداني قال نظرت يوما في الحرب إلى رجل عليه ثوبان فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين ع فقلت يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع فقال نعم يا سعيد بن قيس إنه ليس من عبد إلا و له من الله عز و جل حافظ و واقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر فإذا نزل القضاء خليا بينه و بين كل شيء
بيان يمكن أن يكون هذه الأمور من خصائصهم ع لعلمهم بعدم تضررهم بهذه الأمور و بوقت موتهم و سببه و لذا فر ع من حائط كما سيأتي و لم يفر من حائط كما مر لعلمه بسقوط الأول و عدم سقوط الثاني و يحتمل أن يكون المقصود من تلك الأخبار عدم المبالغة في الفرار عن البلايا و المصائب و عدم ترك الواجبات للتوهمات البعيدة.
و يؤيده ما رواه الصدوق في الخصال عن ابن المتوكل عن محمد العطار عن محمد بن أحمد بن علي الكوفي و محمد بن الحسين عن محمد بن حماد الحارثي عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص خمسة لا يستجاب لهم أحدهم رجل مر بحائط مائل و هو يقبل إليه و لم يسرع المشي حتى سقط عليه الخبر
-32 يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن الصفار عن جعفر بن محمد بن عبد الله عن القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال قيل لعلي ع إن رجلا يتكلم في المشية فقال ادعه لي فقال فدعى له فقال يا عبد الله خلقك الله لما شاء أو لما شئت قال لما شاء قال فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت قال إذا شاء قال فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت قال إذا شاء قال فيدخلك حيث يشاء أو حيث شئت فقال حيث يشاء قال فقال علي ع لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك
33- يد، ]التوحيد[ و بهذا الإسناد قال دخل على أبي عبد الله ع أو أبي جعفر ع رجل من أتباع بني أمية فخفنا عليه فقلنا له لو تواريت و قلنا ليس هو هاهنا قال بلى ائذنوا له فإن رسول الله ص قال إن الله عز و جل عند لسان كل قائل و يد كل باسط فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلا ما شاء الله و هذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلا بما شاء الله فدخل عليه فسأله عن أشياء آمن بها و ذهب
34- يد، ]التوحيد[ أبي عن علي عن أبيه عن ابن معبد عن درست عن الفضيل قال سمعت أبا عبد الله ع يقول شاء و أراد و لم يحب و لم يرض شاء أن لا يكون في ملكه شيء إلا بعلمه و أراد مثل ذلك و لم يحب أن يقال له ثالث ثلاثة و لم يرض لعباده الكفر
يد، ]التوحيد[ إن الله تبارك و تعالى قد مضى جميع أعمال العباد و قدرها و جميع ما يكون في العالم من خير و شر و القضاء قد يكون بمعنى الإعلام كما قال الله عز و جل وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ يريد أعلمناهم و كما قال الله عز و جل وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ يريد أخبرناه و أعلمناه فلا ينكر أن يكون الله عز و جل يقضي أعمال العباد و سائر ما يكون من خير و شر على هذا المعنى لأن الله عز و جل عالم بها أجمع و يصح أن يعلمها عباده و يخبرهم عنها و قد يكون القدر أيضا في معنى الكتاب و الأخبار كما قال الله عز و جل إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ يعني كتبنا و أخبرنا و قال العجاج.
و اعلم بأن ذا الجلال قد قدر. في الصحف الأولى التي كان سطر.
و قدر معناه كتب و قد يكون القضاء بمعنى الحكم و الإلزام قال الله عز و جل وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يريد حكم بذلك و ألزمه خلقه فقد يجوز أن يقال إن الله عز و جل قد قضى من أعمال العباد على هذا المعنى ما قد ألزمه عباده و حكم به عليهم و هي الفرائض دون غيرها و قد يجوز أيضا أن يقدر الله عز و جل أعمال العباد بأن يبين مقاديرها و أحوالها من حسن و قبح و فرض و نافلة و غير ذلك و يفعل من الأدلة على ذلك ما يعرف به هذه الأحوال لهذه الأفعال فيكون عز و جل مقدرا لها في الحقيقة و ليس يقدرها ليعرف مقدارها و لكن ليبين لغيره ممن لا يعرف ذلك حال ما قدره بتقديره إياه و هذا أظهر من أن يخفى و أبين من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه أ لا ترى أنا قد نرجع إلى أهل المعرفة بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها لناليبينوا لنا مقاديرها و إنما أنكرنا أن يكون الله عز و جل حكم بها على عباده و منعهم من الانصراف عنها أو أن يكون فعلها و كونها فأما أن يكون عز و جل خلقها خلق تقدير فلا ننكره. و سمعت بعض أهل العلم يقول إن القضاء على عشرة أوجه فأول وجه منها العلم و هو قول الله عز و جل إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها يعني علمها. و الثاني الإعلام و هو قوله عز و جل وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ و قوله وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ أي أعلمناه. و الوجه الثالث الحكم و هو قوله عز و جل و يقضي ربك بالحق يعني يحكم بالحق. و الرابع القول و هو قوله عز و جل وَ اللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ أي يقول الحق و الخامس الحتم و هو قوله عز و جل فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ يعني حتمنا فهو القضاء الحتم. و السادس الأمر و هو قوله عز و جل وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ يعني أمر ربك. و السابع الخلق و هو قوله عز و جل فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ يعني خلقهن. و الثامن الفعل و هو قوله عز و جل فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ أي افعل ما أنت فاعل. و التاسع الإتمام و هو قوله عز و جل فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ و قوله عز و جل حكاية عن موسى أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ أي أتممت. و العاشر الفراغ من الشيء و هو قوله عز و جل قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ يعني فرغ لكما منه و قول القائل قد قضيت لك حاجتك يعني فرغت لك منها فيجوز أن يقال إن الأشياء كلها بقضاء الله و قدره تبارك و تعالى بمعنى أن الله عز و جل قد علمها و علم مقاديرها و له عز و جل في جميعها حكم من خير أو شر فما كان من خير فقد قضاه بمعنى أنه أمر به و حتمه و جعله حقا و علم مبلغه و مقداره و ما كان من شر فلم يأمر به و لم يرضه و لكنه عز و جل قد قضاه و قدره بمعنى أنه علمه بمقداره و مبلغه و حكم فيه بحكمه. و الفتنة على عشرة أوجه فوجه منها الضلال.
و الثاني الاختبار و هو قوله عز و جل وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً يعني اختبرناك اختبارا و قوله عز و جل الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ يعني لا يختبرون. و الثالث الحجة و هو قوله عز و جل ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. و الرابع الشرك و هو قوله عز و جل وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. و الخامس الكفر و هو قوله عز و جل أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا يعني في الكفر. و السادس الإحراق بالنار و هو قوله عز و جل إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ الآية يعني أحرقوا. و السابع العذاب و هو قوله عز و جل يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ يعني يعذبون و قوله عز و جل ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ يعني عذابكم و قوله عز و جل وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ يعني عذابه فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً. و الثامن القتل و هو قوله عز و جل إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني إن خفتم أن يقتلوكم و قوله عز و جل فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ يعني أن يقتلهم. و التاسع الصد و هو قوله تعالى وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعني ليصدونك. و العاشر شدة المحنة و هو قوله عز و جل رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا. و قوله عز و جل رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي محنة فيفتنوا بذلك و يقولوا في أنفسهم لم نقتلهم إلا و دينهم الباطل و ديننا الحق فيكون ذلك داعيا لهم إلى النار على ما هم عليه من الكفر و الظلم و قد زاد علي بن إبراهيم بن هاشم على هذه الوجوه العشر وجها آخر فقال في الوجوه من الفتنة ما هو المحبة و هو قوله عز و جل إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ أي محبة و الذي عندي في ذلك أن وجوه الفتنة عشرة و أن الفتنة في هذا الموضع أيضا المحنة بالنون لا المحبة بالباء
و تصديق ذلك قول النبي ص الولد مجهلة مجبنة مبخلة و قد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب مقتل الحسين بن علي ع
بيان قوله ص مجهلة أي يحملون آباءهم على الجهل مجبنة أي يحملونهم على الجبن مبخلة أي يحملونهم على البخل. أقول هذه الوجوه من القضاء و الفتنة المذكورة في تفسير النعماني فيما رواه عن أمير المؤمنين ع و قد أثبتناه بإسناده في كتاب القرآن
35- يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن محمد البرقي عن عبد الملك بن عنترة الشيباني عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال بحر عميق فلا تلجه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر قال طريق مظلم فلا تسلكه قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر قال سر الله فلا تتكلفه قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر قال فقال أمير المؤمنين ع أما إذا أبيت فإني سائلك أخبرني أ كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله قال فقال له الرجل بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد فقال أمير المؤمنين ع قوموا فسلموا على أخيكم فقد أسلم و قد كان كافرا قال و انطلق الرجل غير بعيد ثم انصرف إليه فقال له يا أمير المؤمنين أ بالمشية الأولى نقوم و نقعد و نقبض و نبسط فقال له أمير المؤمنين ع و إنك لبعيد في المشية أما إني سائلك عن ثلاث لا يجعل الله لك في شيء منها مخرجا أخبرني أ خلق الله العباد كما شاء أو كما شاءوا فقال كما شاء قال فخلق الله العباد لما شاء أو لما شاءوا فقال لما شاء قال يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاءوا قال يأتونه كما شاء قال قم فليس إليك من المشية شيء
بيان لعل المراد المشية المستقلة التي لا يحتاج معها إلى عون الله و توفيقه
36- يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن القضاء و القدر خلقان من خلق الله و الله يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ
37- فس، ]تفسير القمي[ النضر عن هشام و عبيد عن حمران عنه ع مثله
بيان خلقان من خلق الله بضم الخاء أي صفتان من صفات الله أو بفتحها أي هما نوعان من خلق الأشياء و تقديرها في الألواح السماوية و له البداء فيها قبل الإيجاد فذلك قوله يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ أو المعنى أنهما مرتبتان من مراتب خلق الأشياء فإنها تتدرج في الخلق إلى أن تظهر في الوجود العيني
38- يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن ابن معبد عن درست عن ابن أذينة عن أبي عبد الله ع قال قلت له جعلت فداك ما تقول في القضاء و القدر قال أقول إن الله تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم و لم يسألهم عما قضى عليهم
بيان هذا الخبر يدل على أن القضاء و القدر إنما يكون في غير الأمور التكليفية كالمصائب و الأمراض و أمثالها فلعل المراد بهما القضاء و القدر الحتميان
39- يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن الأصبهاني عن المنقري عن سفيان بن عيينة عن الزهري قال قال رجل لعلي بن الحسين ع جعلني الله فداك أ بقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل فقال إن القدر و العمل بمنزلة الروح و الجسد فالروح بغير جسد لا يحس و الجسد بغير روح صورة لا حراك بها فإذا اجتمعا قويا و صلحا كذلك العمل و القدر فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق و كان القدر شيئا لم يحس و لو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض و لم يتم و لكنهما باجتماعهما قويا و لله فيه العيون لعباده الصالحين ثم قال ألا إن من أجور الناس من رأى جوره عدلا و عدل المهتدي جورا ألا إن للعبد أربعة أعين عينان يبصر بهما أمر آخرته و عينان يبصر بهما أمر دنياه فإذا أراد الله عز و جل بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما العيب و إذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه ثم التفت إلى السائل عن القدر فقال هذا منه هذا منه
بيان أي فتح عيني القلب و تركهما من القدر
40- يد، ]التوحيد[ القطان عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن علي بن زياد عن مروان بن معاوية عن الأعمش عن ابن حيان التيمي عن أبيه و كان مع علي بن أبي طالب ع يوم صفين و فيما بعد ذلك قال بينما علي بن أبي طالب ع يعبئ الكتائب يوم صفين و معاوية مستقبلة على فرس له يتأكل تحته تأكلا و علي ع على فرس رسول الله ص المرتجز و بيده حربة رسول الله ص و هو متقلد سيفه ذا الفقار فقال رجل من أصحابه احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون فقال علي ع لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه و إنه لأشقى القاسطين و ألعن الخارجين على الأئمة المهتدين و لكن كفى بالأجل حارسا ليس أحد من الناس إلا و معه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء فإذا حان أجله خلوا بينه و بين ما يصيبه فكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا و أشار إلى لحيته و رأسه عهدا معهودا و وعدا غير مكذوب و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة
41- يد، ]التوحيد[ الوراق و ابن مغيرة معا عن سعد عن النهدي عن ابن علوان عن عمرو بن ثابت عن ابن طريف عن ابن نباتة قال إن أمير المؤمنين ع عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر فقيل له يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله قال أفر من قضاء الله إلى قدر الله عز و جل
بيان أي إن الفرار أيضا من تقديره تعالى فلا ينافي كون الأشياء بقضاء الله الفرار من البلايا و السعي في تحصيل ما يجب السعي فيه فإن كل ذلك داخل في علمه و قضائه و لا ينافي شيء من ذلك اختيار العبد كما مر و يحتمل أن يكون المراد بقدر الله هنا حكمه و أمره أي إنما أفر من القضاء بأمره تعالى
42- يد، ]التوحيد[ أبي و ابن الوليد معا عن محمد العطار و أحمد بن إدريس معا عن الأشعري عن ابن هاشم عن ابن معبد عن ابن أذينة عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كما أن بادئ النعم من الله عز و جل و قد نحلكموه كذلك الشر من أنفسكم و إن جرى به قدره
43- يد، ]التوحيد[ أبي عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن يوسف بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي عن أبيه رفعه إلى من قال سمعت رسول الله يقول قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات و الأرض بخمسين ألف سنة
44- فس، ]تفسير القمي[ محمد بن جعفر عن محمد بن أحمد عن أحمد بن محمد السياري عن فلان عن أبي الحسن ع قال إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته فإذا شاء الله شيئا شاءوه و هو قوله وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ
45- فس، ]تفسير القمي[ جعفر بن أحمد عن عبد الله بن موسى عن ابن البطائني عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قلت له قوله تعالى وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قال لأن المشية إليه تبارك و تعالى لا إلى الناس
بيان لعل المراد أن المشية إنما هي مما خلقها الله في العبد و جعله شائيا فلا يشاؤن إلا بعد أن جعلهم الله بحيث يقدرون على المشية أو أن المشية المستقلة التي لا يعارضها شيء إنما هي لله تعالى و أما مشية العباد فهي مشوبة بالعجز يمكن أن يصرفهم الله تعالى عنها إذا شاء فهم لا يشاءون إلا بعد أن يهيئ الله لهم أسباب الفعل و لم يصرفهم عن مشيتهم فالمعنى أن المشية المستقلة إليه تعالى أو أن أسباب المشية و نفوذها بقدرته تعالى. و في الآية وجه آخر ذكر في الخبر السابق و حاصله أن الله تعالى بعد أكمل أولياءه و حججه ع لا يشاءون شيئا إلا بعد أن يلهمهم الله تعالى و يلقي المشية في قلوبهم فهو المتصرف في قلوبهم و أبدانهم و المسدد لهم في جميع أحوالهم فالآية خاصة غير عامة و قال الطبرسي رحمه الله فيه أقوال أحدها أن معناه و ما تشاءون الاستقامة إلا أن يشاء الله ذلك من قبل حيث خلقكم لها و كلفكم بها فمشيته تعالى بين يدي مشيتكم. و ثانيها أنه خطاب للكفار و المراد لا تشاءون الإسلام إلا أن يشاء الله أن يجبركم عليه و يلجئكم إليه و لكنه لا يفعل لأنه يريد منكم أن تؤمنوا اختيارا لتستحقوا الثواب. و ثالثها أن المراد و ما تشاءون إلا أن يشاء الله أن يلطف لكم في الاستقامة
-46 فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم و أما الرد على المعتزلة فإن الرد من القرآن عليهم كثير و ذلك أن المعتزلة قالوا نحن نخلق أفعالنا و ليس لله فيها صنع و لا مشية و لا إرادة و يكون ما شاء إبليس و لا يكون ما شاء الله و احتجوا أنهم خالقون بقول الله تعالى فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فقالوا في الخلق خالقون غير الله فلم يعرفوا معنى الخلق و على كم وجه هو فسئل الصادق ع أ فوض الله إلى العباد أمرا فقال الله أجل و أعظم من ذلك فقيل فأجبرهم على ذلك فقال الله أعدل من أن يجبرهم على فعل ثم يعذبهم عليه فقيل له هل بين هاتين المنزلتين منزلة قال نعم ما بين السماء و الأرض
47- و في حديث آخر قال سئل هل بين الجبر و القدر منزلة قال نعم فقيل ما هو فقال سر من أسرار الله
48- و في حديث آخر قال هكذا أخرج إلينا
49- قال و حدثني محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس قال قال الرضا ع يا يونس لا تقل بقول القدرية فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة و لا بقول أهل النار و لا بقول إبليس فإن أهل الجنة قالوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ و لم يقولوا بقول أهل النار فإن أهل النار قالوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا و قال إبليس رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي فقلت يا سيدي و الله ما أقول بقولهم و لكني أقول لا يكون إلا ما شاء الله و قضى و قدر فقال ليس هكذا يا يونس و لكن لا يكون إلا ما شاء الله و أراد و قدر و قضى أ تدري ما المشية يا يونس قلت لا قال هو الذكر الأول و تدري ما الإرادة قلت لا قال العزيمة على ما شاء و تدري ما التقدير قلت لا قال هو وضع الحدود من الآجال و الأرزاق و البقاء و الفناء و تدري ما القضاء قلت لا قال هو إقامة العين و لا يكون إلا ما شاء الله في ذكر الأول
بيان الظاهر أن المراد بالقدرية هنا من يقول إن أفعال العباد و وجودها ليست بقدرة الله و بقدره بل باستقلال إرادة العبد به و استواء نسبة الإرادتين إليه و صدور أحدهما عنه لا بموجب غير الإرادة كما ذهب إليه بعض المعتزلة لا يقول بقول أهل الجنة من إسناد هدايتهم إليه سبحانه و لا بقول أهل النار من إسناد ضلالتهم إلى شقوتهم و لا بقول إبليس من إسناد الإغواء إليه سبحانه و الفرق بين كلامه ع و كلام يونس إنما هو في الترتيب فإن في كلامه ع التقدير مقدم على القضاء كما هو الواقع و في كلام يونس بالعكس و الذكر هو الكتابة مجملا في لوح المحو و الإثبات أو العلم القديم
50- ثو، ]ثواب الأعمال[ علي بن أحمد عن محمد بن جعفر عن محمد بن أبي القاسم عن إسحاق بن إبراهيم عن علي بن موسى البصري عن سليمان بن عيسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن أمير المؤمنين ع قال إن أرواح القدرية يعرضون على النار غدوا و عشيا حتى تقوم الساعة فإذا قامت الساعة عذبوا مع أهل النار بألوان العذاب فيقولون يا ربنا عذبتنا خاصة و تعذبنا عامة فيرد عليهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
بيان قال الطبرسي رحمه الله أي خلقنا كل شيء خلقناه مقدرا بمقدار توجبه الحكمة لم نخلقه جزافا فخلقنا العذاب أيضا على قدر الاستحقاق و كذلك كل شيء خلقناه في الدنيا و الآخرة خلقناه مقدرا بمقدار معلوم و قيل معناه خلقنا كل شيء على قدر معلوم فخلقنا اللسان للكلام و اليد للبطش و الرجل للمشي و العين للنظر و الأذن للسماع و المعدة للطعام و لو زاد أو نقص عما قدرناه لما تم الغرض و قيل معناه جعلنا لكل شيء شكلا يوافقه و يصلح له كالمرأة للرجل و الأتان للحمار و ثياب الرجال للرجال و ثياب النساء للنساء و قيل خلقنا كل شيء بقدر مقدر و قضاء محتوم في اللوح المحفوظ
51- ثو، ]ثواب الأعمال[ علي بن أحمد عن محمد بن جعفر عن محمد بن أبي بشر عن محمد بن عيسى الدامغاني عن محمد بن خالد البرقي عن يونس عمن حدثه عن أبي عبد الله ع قال ما أنزل الله هذه الآيات إلا في القدرية إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
52- ثو، ]ثواب الأعمال[ علي بن أحمد عن محمد بن جعفر عن مسلمة بن عبد الملك عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة و القدرية
53- ثو، ]ثواب الأعمال[ العطار عن سعد عن ابن عيسى عن الأهوازي عن صفوان عن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر ع قال يحشر المكذبون بقدر الله من قبورهم قد مسخوا قردة و خنازير
54- ثو، ]ثواب الأعمال[ ابن المتوكل عن الحميري عن ابن أبي الخطاب عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال نزلت هذه الآية في القدرية ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
55- شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع في قوله وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال قدره الذي قدره عليه
56- و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال خيره و شره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل
بيان قال الطبرسي رحمه الله معناه و ألزمنا كل إنسان عمله من خير أو شر في عنقه أي جعلناه كالطوق في عنقه لا يفارقه و قيل طائره يمنه و شؤمه و هو ما يطير به و قيل طائره حظه من الخير و الشر و خص العنق لأنه محل الطوق الذي يزين المحسن و الغل الذي يشين المسيء و قيل طائره كتابه و قيل معناه جعلنا لكل إنسان دليلا من نفسه لأن الطائر يستدل به عندهم على الأمور الكائنة فيكون معناه كل إنسان دليل نفسه و شاهد عليها إن كان محسنا فطائره ميمون و إن أساء فطائره مشوم
57- ثو، ]ثواب الأعمال[ ابن المتوكل عن محمد بن جعفر عن النخعي عن النوفلي عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين ص قال يجاء بأصحاب البدع يوم القيامة فترى القدرية من بينهم كالشامة البيضاء في الثور الأسود فيقول الله عز و جل ما أردتم فيقولون أردنا وجهك فيقول قد أقلتكم عثراتكم و غفرت لكم زلاتكم إلا القدرية فإنهم دخلوا في الشرك من حيث لا يعلمون
بيان المراد بأصحاب البدع من لم ينته به بدعته إلى الكفر فضلوا من حيث لا يعلمون
58- ثو، ]ثواب الأعمال[ بهذا الإسناد عن أمير المؤمنين ع قال لكل أمة مجوس و مجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر
59- ثو، ]ثواب الأعمال[ بهذا الإسناد قال دخل مجاهد مولى عبد الله بن عباس على علي ع فقال يا أمير المؤمنين ما تقول في كلام أهل القدر و معه جماعة من الناس فقال أمير المؤمنين ع معك أحد منهم أو في البيت أحد منهم قال ما تصنع بهم يا أمير المؤمنين قال أستتيبهم فإن تابوا و إلا ضربت أعناقهم
60- ثو، ]ثواب الأعمال[ بالإسناد المتقدم عن السكوني عن مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال قال أمير المؤمنين ص ما غلا أحد في القدر إلا خرج من الإيمان
61- ثو، ]ثواب الأعمال[ ابن المتوكل عن محمد بن جعفر عن أحمد بن محمد العاصمي عن علي بن عاصم عن محمد بن عبد الرحمن عن يحيى بن سالم عن أبي جعفر ع قال ما الليل بالليل و لا النهار بالنهار أشبه من المرجئة باليهودية و لا من القدرية بالنصرانية
62- ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا عن جميل عن أبي عبد الله ع قال سألته عن القضاء و القدر فقال هما خلقان من خلق الله و الله يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ و أردت أن أسأله في المشية فنظر إلي فقال يا جميل لا أجيبك في المشية
63- سن، ]المحاسن[ أبي عن إسماعيل بن إبراهيم و ابن أبي عمير عن ابن بكير عن زرارة عن حمران قال سألت أبا جعفر ع عن قول الله عز و جل هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً فقال كان شيئا و لم يكن مذكورا قلت فقوله أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً قال لم يكن شيئا في كتاب و لا علم
بيان و لا علم أي علم أحد من المخلوقين و الخلق في هذه الآية يحتمل التقدير و الإيجاد قوله ع كان شيئا أي مقدرا كما روى الكليني عن مالك الجهني مكان شيئا مقدرا غير مذكور أي عند الخلق أي غير موجود ليذكر عند الخلق أو كان مقدرا في اللوح لكن لم يوح أمره إلى أحد من الخلق
64- سن، ]المحاسن[ عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد الله ع إن الله إذا أراد شيئا قدره فإذا قدره قضاه فإذا قضاه أمضاه
65- سن، ]المحاسن[ أبي عن فضالة عن محمد بن عمارة عن حريز بن عبد الله أو عبد الله بن مسكان قال قال أبو جعفر ع لا يكون شيء في الأرض و لا في السماء إلا بهذه الخصال السبعة بمشية و إرادة و قدر و قضاء و إذن و كتاب و أجل فمن زعم أنه يقدر على نقص واحدة منهن فقد كفر
66- سن، ]المحاسن[ النضر عن هشام و عبيد بن زرارة عن حمران عن أبي عبد الله ع قال كنت أنا و الطيار جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له فجلس بيني و بين الطيار فقال في أي شيء أنتم فقلنا كنا في الإرادة و المشية و المحبة فقال أبو بصير قلت لأبي عبد الله ع شاء لهم الكفر و أراده فقال نعم قلت فأحب ذلك و رضيه فقال لا قلت شاء و أراد ما لم يحب و لم يرض قال هكذا خرج إلينا
-67 سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال المشية محدثة
68- سن، ]المحاسن[ أبي عن يونس عن أبي الحسن الرضا ع قال قلت لا يكون إلا ما شاء الله و أراد و قدر و قضى قلت فما معنى شاء قال ابتداء الفعل قلت فما معنى أراد قال الثبوت عليه قلت فما معنى قدر قال تقدير الشيء من طوله و عرضه قلت فما معنى قضى قال إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له
بيان ابتداء الفعل أي أول الكتابة في اللوح أو أول ما يحصل من جانب الفاعل و يصدر عنه مما يؤدي إلى وجود المعلول
69- سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن أبي عمير عن محمد بن إسحاق قال قال أبو الحسن ع ليونس مولى علي بن يقطين يا يونس لا تتكلم بالقدر قال إني لا أتكلم بالقدر و لكن أقول لا يكون إلا ما أراد الله و شاء و قضى و قدر فقال ليس هكذا أقول و لكن أقول لا يكون إلا ما شاء الله و أراد و قدر و قضى ثم قال أ تدري ما المشية فقال لا فقال همه بالشيء أ و تدري ما أراد قال لا قال إتمامه على المشية فقال أ و تدري ما قدر قال لا قال هو الهندسة من الطول و العرض و البقاء ثم قال إن الله إذا شاء شيئا أراده و إذا أراد قدره و إذا قدره قضاه و إذا قضاه أمضاه يا يونس إن القدرية لم يقولوا بقول الله وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ و لا قالوا بقول أهل الجنة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ و لا قالوا بقول أهل النار رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَ كُنَّا قَوْماً ضالِّينَ و لا قالوا بقول إبليس رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي و لا قالوا بقول نوح وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ثم قال قال الله يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء و بقوتي أديت إلي فرائضي و بنعمتي قويت على معصيتي و جعلتك سميعا بصيرا قويا فما أصابك من حسنة فمني و ما أصابك من سيئة فمن نفسك و ذلك أني لا أسأل عما أفعل وَ هُمْ يُسْئَلُونَ ثم قال قد نظمت لك كل شيء تريده
-70 ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن القدر قال فقيل له أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين فقال سر الله فلا تفتشوه فقيل له الثاني أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين قال بحر عميق فلا تلحقوه فقيل له أنبئنا عن القدر فقال ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ فقال يا أمير المؤمنين إنما سألناك عن الاستطاعة التي بها نقوم و نقعد فقال استطاعة تملك مع الله أم دون الله قال فسكت القوم و لم يحروا جوابا فقال ع إن قلتم إنكم تملكونها مع الله قتلتكم و إن قلتم دون الله قتلتكم فقالوا كيف نقول يا أمير المؤمنين قال تملكونها بالذي يملكها دونكم فإن أمدكم بها كان ذلك من عطائه و إن سلبها كان ذلك من بلائه إنما هو المالك لما ملككم و القادر لما عليه أقدركم أ ما تسمعون ما يقول العباد و يسألونه الحول و القوة حيث يقولون لا حول و لا قوة إلا بالله فسئل عن تأويلها فقال لا حول عن معصيته إلا بعصمته و لا قوة على طاعته إلا بعونه
71- قال العالم كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما يسأله عن القدر و كتب إليه فاتبع ما شرحت لك في القدر مما أفضي إلينا أهل البيت فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره و شره فقد كفر و من حمل المعاصي على الله عز و جل فقد افترى على الله افتراء عظيما إن الله تبارك و تعالى لا يطاع بإكراه و لا يعصى بغلبة و لا يهمل العباد في الهلكة لكنه المالك لما ملكهم و القادر لما عليه أقدرهم فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله صادا عنها مبطئا و إن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحول بينهم و بين ما ائتمروا به فعل و إن لم يفعل فليس هو حملهم عليها قسرا و لا كلفهم جبرا بل بتمكينه إياهم بعد إعذاره و إنذاره لهم و احتجاجه عليهم طوقهم و مكنهم و جعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم و ترك ما عنه نهاهم جعلهم مستطيعين لأخذ ما أمرهم به من شيء غير آخذيه و لترك ما نهاهم عنه من شيء غير تاركيه و الحمد لله الذي جعل عباده أقوياء لما أمرهم به ينالون بتلك القوة و ما نهاهم عنه و جعل العذر لمن يجعل له السبيل حمدا متقبلا فأنا على ذلك أذهب و به أقول و الله و أنا و أصحابي أيضا عليه و له الحمد
72- نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع و قد سئل عن القدر طريق مظلم فلا تسلكوه و بحر عميق فلا تلجوه و سر الله فلا تتكلفوه
73- ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن مشية الله و إرادته فقال ص إن لله مشيتين مشية حتم و مشية عزم و كذلك إن لله إرادتين إرادة حتم و إرادة عزم إرادة حتم لا تخطئ و إرادة عزم تخطئ و تصيب و له مشيتان مشية يشاء و مشية لا يشاء ينهى و هو يشاء و يأمر و هو لا يشاء معناه أراد من العباد و شاء و لم يرد المعصية و شاء و كل شيء بقضائه و قدره و الأمور تجري ما بينهما فإذا أخطأ القضاء لم يخطئ القدر و إذا لم يخط القدر لم يخط القضاء و إنما الخلق من القضاء إلى القدر و إذا يخطئ و من القدر إلى القضاء و القضاء على أربعة أوجه في كتاب الله جل و عز الناطق على لسان سفيره الصادق ص منها قضاء الخلق و هو قوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ معناه خلقهن و الثاني قضاء الحكم و هو قوله وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ معناه حكم و الثالث قضاء الأمر و هو قوله وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ معناه أمر ربك و الرابع قضاء العلم و هو قوله وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ معناه علمنا من بني إسرائيل قد شاء الله من عباده المعصية و ما أراد و شاء الطاعة و أراد منهم لأن المشية مشية الأمر و مشية العلم و إرادته إرادة الرضا و إرادة الأمر أمر بالطاعة و رضي بها و شاء المعصية يعني علم من عباده المعصية و لم يأمرهم بها فهذا من عدل الله تبارك و تعالى في عباده جل جلاله و عظم شأنه
أقول كانت النسخة سقيمة فأوردناه كما وجدناه. قوله ع إذا أخطأ القضاء يمكن أن يقرأ بغير همز و المعنى إذا جاوز أمر من الأمور التي شرع في تهيئة أسباب وجوده القضاء و لم يصر مقضيا فلا يتجاوز عن القدر و لا محالة يدخل في التقدير و إنما يكون البداء بعد التقدير و إذا لم يخط من المضاعف بمعنى الكتابة أي إذا لم يكتب شيء في لوح القدر لا يكتب في لوح القضاء إذ هو بعد القدر و إنما الخلق من القضاء أي إذا لوحظت علل الخلق و الإيجاد ففي الترتيب الصعودي يتجاوز من القضاء إلى القدر و التخطي و البداء إنما يكون بعد القدر قبل القضاء و الأظهر أنه كان و إذا أخطأ القدر مكان و إذا لم يخط القدر و يكون من الخطاء لا من الخط فالمعنى أن كل ما يوجد من الأمور إما موافق للوح القضاء أو للوح القدر على سبيل منع الخلو فإذا وقع البداء في أمر و لم يقع على ما أثبت في القدر يكون موافقا للقضاء و لعل ظاهر هذا الخبر تقدم القضاء على القدر و يحتمل أن يكون القضاء في الأولى بمعنى الأمر و في الثانية بمعنى الحتم فيستقيم ما في الرواية من النفي
74- شا، ]الإرشاد[ روى الحسن بن أبي الحسن البصري قال جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع بعد انصرافه من حرب صفين فقال له يا أمير المؤمنين خبرني عما كان بيننا و بين هؤلاء القوم من الحرب أ كان بقضاء من الله و قدر فقال له أمير المؤمنين ع ما علوتم تلعة و لا هبطتم واديا إلا و لله فيه قضاء و قدر فقال الرجل فعند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال له و لم قال إذا كان القضاء و القدر ساقانا إلى العمل فما الثواب لنا على الطاعة و ما وجه العقاب على المعصية فقال له أمير المؤمنين ع أ و ظننت يا رجل أنه قضاء حتم و قدر لازم لا تظن ذلك فإن القول به مقالة عبدة الأوثان و حزب الشيطان و خصماء الرحمن و قدرية هذه الأمة و مجوسها إن الله جل جلاله أمر تخييرا و نهى تحذيرا و كلف يسيرا و لم يطع مكرها و لم يعص مغلوبا و لم يخلق السماوات وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ فقال الرجل فما القضاء و القدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين قال الأمر بالطاعة و النهي عن المعصية و التمكين من فعل الحسنة و ترك السيئة و المعونة على القربة إليه و الخذلان لمن عصاه و الوعد و الوعيد و الترغيب و الترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا و قدره لأعمالنا فأما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن له محبط للأعمال فقال الرجل فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك و أنشأ يقول أنت الإمام الذي نرجو بطاعته إلى آخر البيتين
75- الدرة الباهرة، قال الرضا ع المشية الاهتمام بالشيء و الإرادة إتمام ذلك الشيء
76- نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع و قد سئل عن القدر طريق مظلم فلا تسلكوه و بحر عميق فلا تلجوه و سر الله فلا تتكلفوه
77- و قال ع يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الآفة في التدبير
بيان المقدار القدر
78- نهج، ]نهج البلاغة[ من كلامه ع للشامي لما سأله أ كان مسيره إلى الشام بقضاء من الله و قدره بعد كلام طويل مختاره ويحك لعلك ظننت قضاء لازما و قدرا حاتما و لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب و سقط الوعد و الوعيد إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا و نهاهم تحذيرا و كلف يسيرا و لم يكلف عسيرا و أعطى على القليل كثيرا و لم يعص مغلوبا و لم يطع مكرها و لم يرسل الأنبياء لعبا و لم ينزل الكتب للعباد عبثا و لا خلق السماوات وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ
79- شي، ]تفسير العياشي[ عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال من زعم أن الله يأمر بالسوء و الفحشاء فقد كذب على الله و من زعم أن الخير و الشر بغير مشيته فقد أخرج الله من سلطانه و من زعم أن المعاصي عملت بغير قوة الله فقد كذب على الله و من كذب على الله أدخله الله النار
تتميم قال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد يطلق القضاء على الخلق و الإتمام قال الله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ أي خلقهن و أتمهن و على الحكم و الإيجاب كقوله تعالى وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أي أوجب و ألزم. و على الإعلام و الإخبار كقوله تعالى وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ أي أعلمناهم و أخبرناهم و يطلق القدر على الخلق كقوله تعالى وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها و الكتابة كقول الشاعر.
و اعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الأولى التي كان سطر.
و البيان كقوله تعالى إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ أي بينا و أخبرنا بذلك إذا ظهر هذا فنقول للأشعري ما تعني بقولك إنه تعالى قضى أعمال العباد و قدرها إن أردت به الخلق و الإيجاد فقد بينا بطلانه و أن الأفعال مستندة إلينا و إن عنى به الإلزام لم يصح إلا في الواجب خاصة و إن عنى به أنه تعالى بينها و كتبها و علم أنهم سيفعلونها فهو صحيح لأنه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ و بينه لملائكته و هذا المعنى الأخير هو المتعين للإجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى و قدره و لا يجوز الرضا بالكفر و غيره من القبائح و لا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله و عدم الرضا به من حيث الكسب لبطلان الكسب أولا و ثانيا نقول إن كان كون الكفر كسبا بقضائه تعالى و قدره وجب الرضا به من حيث هو كسب و هو خلاف قولكم و إن لم يكن بقضاء و قدر بطل إسناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء و القدر انتهى. و قال شارح المواقف اعلم أن قضاء الله عند الأشاعرة هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال و قدره إيجاده إياها على وجه مخصوص و تقدير معين في ذواتها و أحوالها و أما عند الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام و أكمل الانتظام و هو المسمى عندهم بالعناية التي هي مبدأ لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه و أكملها و القدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء و المعتزلة ينكرون القضاء و القدر في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد و يثبتون علمه تعالى بهذه الأفعال و لا يسندون وجودها إلى ذلك العلم بل إلى اختيار العباد و قدرتهم انتهى. و قال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الغرر و الدرر إن قال قائل ما تأويل قوله تعالى وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ فظاهر هذا الكلام يدل على أن الإيمان إنما كان لهم فعله بإذنه و أمره و ليس هذا مذهبكم فإن حمل الإذن هاهنا على الإرادة اقتضى أن من لم يقع منه الإيمان لم يرد الله تعالى منه و هذا أيضا بخلاف قولكم ثم جعل الرجس الذي هو العذاب على الذين لا يعقلون و من كان فاقدا عقله لا يكون مكلفا فكيف يستحق العذاب
و هذا بالضد من الخبر المروي عن النبي ص أنه قال أكثر أهل الجنة البله
الجواب يقال له في قوله إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وجوه منها أن يكون الإذن الأمر و يكون معنى الكلام أن الإيمان لا يقع من أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه و يأمر به و لا يكون معناه ما ظنه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله إلا بإذنه و يجري هذا مجرى قوله تعالى وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ و معلوم أن معنى قوله ليس لها في هذه الآية هو ما ذكرناه و إن كان الأشبه في الآية التي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالإذن العلم. و منها أن يكون الإذن هو التوفيق و التيسير و التسهيل و لا شبهة في أن الله تعالى يوفق لفعل الإيمان و يلطف فيه و يسهل السبيل إليه. و منها أن يكون الإذن العلم من قولهم أنت أذنت لكذا و كذا إذا سمعته و علمته و أذنت فلانا بكذا و كذا إذا أعلمته فتكون فائدة الآية الإخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات و أنه مما لا تخفى عليه الخفيات و قد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الإذن بكسر الألف و تسكين الذال عبارة عن العلم و زعم أن الذي هو العلم الأذن بالتحريك و استشهد بقول الشاعر إن همي في سماع و أذن و ليس الأمر على ما توهمه هذا المتوهم لأن الإذن هو المصدر و الأذن هو اسم الفعل و يجري مجرى الحذر في أنه مصدر و الحذر بالتسكين الاسم على أنه لو لم يكن مسموعا إلا الأذن بالتحريك لجاز التسكين مثل مثل و مثل و شبه و شبه و نظائر ذلك كثيرة. و منها أن يكون الإذن العلم و معناه إعلام الله المكلفين بفضل الإيمان و ما يدعو إلى فعله فيكون معنى الآية و ما كان لنفس أن تؤمن إلا بإعلام الله تعالى لها ما يبعثها على الإيمان و يدعوها إلى فعله فأما ظن السائل دخول الإرادة في محتمل اللفظ فباطل لأن الإذن لا يحتمل الإرادة في اللغة و لو احتملها أيضا لم يجب ما توهمه لأنه إذا قال إن الإيمان لم يقع إلا و أنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع و ليس في صريح الكلام و لا في دلالته شيء من ذلك. و أما قوله تعالى وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ فلم يعن به الناقصي العقول و إنما أراد تعالى الذين لم يعقلوا و لم يعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة خالقهم تعالى و الاعتراف بنبوة رسله ع و الانقياد إلى طاعتهم و وصفهم بأنهم لا يعقلون تشبيها كما قال الله تعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ و كما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون و فقد العقل فأما الحديث الذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل فيه إنه ص لم يرد بالبله ذوي الغفلة و النقص و الجنون و إنما أراد البله عن الشر و القبيح و سماهم بلها عن ذلك من حيث لا يستعملونه و لا يعتادونه لا من حيث فقد العلم به و وجه تشبيه من هذه حاله بالأبله ظاهر ثم قال رحمه الله إن سأل سائل عن قوله تعالى حاكيا عن شعيب ع قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا فقال أ ليس هذا تصريحا منه بأن الله تعالى يجوز أن يشاء الكفر و القبيح لأن ملة قومه كانت كفرا و ضلالا و قد أخبر أنه لا يعود فيها إلا أن يشاء الله. الجواب قيل له في هذه الآية وجوه أولها أن تكون الملة التي عناها الله تعالى إنما هي العبادات الشرعيات التي كانت قوم شعيب متمسكين بها و هي منسوخة عنهم و لم يعن بها ما يرجع إلى الاعتقادات في الله و صفاته.
و ثانيها أنه أراد أن ذلك لا يكون أبدا من حيث علقه بمشية الله تعالى لما كان معلوما أنه لا يشاؤه و كل أمر علق بما لا يكون فقد نفى كونه على أبعد الوجوه و تجري الآية مجرى قوله تعالى وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ و ثالثها ما ذكره قطرب من أن في الكلام تقديما و تأخيرا و أن الاستثناء من الكفار وقع لا من شعيب فكأنه تعالى قال حاكيا عن الكفار لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا إلا أن يشاء الله أن تعود في ملتنا ثم قال حاكيا عن شعيب وَ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها على كل حال. و رابعها أن تعود الهاء التي في قوله تعالى فِيها إلى القرية لا إلى الملة لأن ذكر القرية قد تقدم كما تقدم ذكر الملة و يكون تلخيص الكلام أنا سنخرج من قريتكم و لا نعود فيها إلا أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد في الإظهار عليكم و الظفر بكم فنعود إليها. و خامسها أن يكون المعنى إلا أن يشاء الله أن يردكم إلى الحق فنكون جميعا على ملة واحدة غير مختلفة لأنه لما قال تعالى حاكيا عنهم أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا كان معناه أو لتكونن على ملة واحدة غير مختلفة فحسن أن يقول من بعد إلا أن يشاء الله أن يجمعكم معنا على ملة واحدة فإن قيل الاستثناء بالمشية إنما كان بعد قوله و ما يكون لنا أن نعود فيها فكأنه قال ليس نعود فيها إلا أن يشاء الله فكيف يصح هذا الجواب قلنا هو كذلك إلا أنه لما كان معنى أن نعود فيها هو أن تصير ملتنا واحدة غير مختلفة جاز أن يوقع الاستثناء على المعنى فيقول إلا أن يشاء الله أن نتفق في الملة بأن ترجعوا أنتم إلى الحق. فإن قيل و كان الله ما شاء أن ترجع الكفار إلى الحق قلنا بلى قد شاء ذلك إلا أنه ما شاء على كل حال بل من وجه دون وجه و هو أن يؤمنوا و يصيروا إلى الحق مختارين ليستحقوا الثواب الذي أجرى بالتكليف إليه و لو شاءه على كل حال لما جاز أن لا يقع منهم. و سادسها أن يكون المعنى إلا أن يشاء الله أن يمكنكم من إكراهنا و يخلي بينكم و بينه فنعود إلى إظهارها مكرهين و يقوي هذا الوجه قوله تعالى أَ وَ لَوْ كُنَّا كارِهِينَ و سابعها أن يكون المعنى إلا أن يشاء الله أن يتعبدنا بإظهار ملتكم مع الإكراه لأن إظهار كلمة الكفر قد يحسن في بعض الأحوال إذا تعبد الله تعالى بإظهاره و قوله أَ وَ لَوْ كُنَّا كارِهِينَ يقوي هذا الوجه أيضا. فإن قيل فكيف يجوز من نبي من أنبياء الله تعالى أن يتعبد بإظهار الكفر و خلاف ما جاء به من الشرع قلنا يجوز أن يكون لم يرد بالاستثناء نفسه بل قومه فكأنه قال و ما يكون لي و لا لأمتي أن نعود فيها إلا يشاء الله أن يتعبد أمتي بإظهار ملتكم على سبيل الإكراه و هذا جائز غير ممتنع. و قال طيب الله رمسه إن سأل سائل عن تأويل قوله تعالى فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ فقال كيف يعذبهم بالأموال و الأولاد و معلوم أن لهم فيها سرورا و لذة و ما تأويل
قوله ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ فظاهره يقتضي أنه أراد كفرهم من حيث أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم لأن القائل إذا قال أريد أن يلقاني فلان و هو لابس أو على صفة كذا و كذا فالظاهر أنه أراد كونه على هذه الصفة. قلنا أما التعذيب بالأموال و الأولاد ففيه وجوه. أحدها ما روي عن ابن عباس و قتادة و هو أن يكون في الكلام تقديم و تأخير و يكون التقدير فلا تعجبك يا محمد و لا تعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفار و المنافقين و أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عقوبة لهم علي منعهم حقوقها و استشهد على ذلك بقوله تعالى اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ فالمعنى فألقه إليهم فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم. و ثانيها أن يكون المعنى ما جعله للمؤمنين من قتالهم و غنيمة أموالهم و سبي أولادهم و استرقاقهم و في ذلك لا محالة إيلام لهم و استخفاف بهم. و ثالثها أن يكون المراد بتعذيبهم بذلك كل ما يدخله في الدنيا عليهم من الغموم و المصائب بأموالهم و أولادهم التي هي لهؤلاء الكفار و المنافقين عقاب و جزاء و للمؤمنين محنة و جالبة للنفع و العوض و يجوز أيضا أن يراد به ما ينذر به الكافر قبل موته و عند احتضاره و انقطاع التكليف عنه مع أنه حي من العذاب الدائم الذي قد أعد له و إعلامه أنه صائر إليه. و رابعها أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفار من الفرائض و الحقوق في أموالهم لأن ذلك يؤخذ منهم على كره و هم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نية و لا عزيمة فتصير نفقتهم غرامة و عذابا من حيث لا يستحقون عليها أجرا و في هذا الوجه نظر. ثم اعلم أن جميع الوجوه التي حكيناها في هذه الآية إلا جواب التقديم و التأخير مبنية على أن الحياة الدنيا ظرف للعذاب و ما يحتاج عندنا إلى جميع ما تكلفوه إذا لم نجعل الحياة ظرفا للعذاب بل جعلناها ظرفا للفعل الواقع بالأموال و الأولاد المتعلق بهما لأنا قد علمنا أولا أن قوله ليعذبهم بها لا بد من الانصراف عن ظاهره لأن الأموال و الأولاد أنفسهما لا تكون عذابا فالمراد على سائر وجوه التأويل الفعل المتعلق بها و المضاف إليها سواء كان إنفاقها أو المصيبة بها و الغم عليها أو إباحة غنيمتها و إخراجها عن أيدي مالكيها و كان تقدير الآية إنما يريد الله ليعذبهم بكذا و كذا مما يتعلق بأموالهم و أولادهم و يتصل بها و إذا صح هذا جاز أن تكون الحياة الدنيا ظرفا لأفعالهم القبيحة في أموالهم و أولادهم التي تغضب الله و تسخطه كإنفاقهم الأموال في وجوه المعاصي و حملهم الأولاد على الكفر فتقدير الكلام إنما يريد الله ليعذبهم بفعلهم في أموالهم و أولادهم الواقع ذلك في الحياة الدنيا و أما قوله تعالى وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ فمعناه تبطل و تخرج أي أنهم يموتون على الكفر ليس يجب إذا كان مريدا لأن تزهق أنفسهم و هم على هذه الحال أن يريد الحال نفسها على ما ظنوه و قد ذكر في ذلك وجه آخر و هو أن لا يكون قوله وَ هُمْ كافِرُونَ حالا لزهوق أنفسهم بل يكون كأنه كلام مستأنف و التقدير فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ مع ذلك كله كافِرُونَ صائرون إلى النار و تكون الفائدة أنهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة و يكون معنى تزهق أنفسهم المشقة الشديدة و الكلفة الصعبة. أقول قد مضى بعض الأخبار في معنى القدر و القضاء في باب البداء